الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس بعد المائتين
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ (66) فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ
مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا
يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75) } .
* * *
قوله عز وجل: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) } .
عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا عمّ قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله» ، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والله لأستغفرنّ لك ما لم أُنْه عنك» ، فأنزل الله:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى} ، وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} » . رواه ابن جرير وغيره.
قوله عز وجل: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا
كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) } .
عن ابن عباس قوله: {إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} ، قال: هم أناس من قريش قالوا لمحمد: إن نتّبعك يتخطّفنا الناس فقال الله: {أَوَلَمْ نُمَكِّن
لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} ، قال قتادة: يقول: أو لم يكونوا آمنين في حرمهم لا يُغْزَوْنَ فيه ولا يخافون، {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} ، قال ابن عباس: ثمرات الأرض. قال ابن كثير: أي: من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره، وكذلك المتاجر والأمتعة {رِزْقاً مِن لَّدُنَّا} ، أي: من عندنا، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ولهذا قالوا ما قالوا.
وقال ابن زيد في قوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} ، قال: البطر: أشر أهل الغفلة، وأهل الباطل، والركوب لمعاصي الله؛ وقال: ذلك البطر في النعمة. {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً} ، يقول: فتلك دور القوم الذين أهلكناهم خربت فلم يعمر منها إلا أقلّها، {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} .
وعن قتادة {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً} . وأم القرى: مكة، وبعث الله إليهم رسولاً محمدًا صلى الله عليه وسلم.
قال البغوي: وخصّ الأمّ ببعثة الرسول فيها، لأن الرسول يبعث إلى الأشراف، والأشراف يسكنون المدائن والمواضع التي هي أمّ ما حولها. وعن
ابن عباس: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} ، قال الله: لم يهلك قرية بإيمان، ولكنه يهلك القرى بظلم إذا ظَلَمَ أهلها.
عن قتادة قوله: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ} ، قال: هو المؤمن
سمع كتاب الله فصدّق به وآمن بما وعد الله فيه، {كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وهو هذا الكافر ليس والله كالمؤمن، {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} أي: في عذاب الله. وقال مجاهد: أهل النار أُحْضِرُوها.
قال البغوي: قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} في الدنيا أنهم شركائي، {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} وجب عليهم العذاب، وهم رؤوس الضلالة. {رَبَّنَا هَؤُلَاء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا}
أي: دعوناهم إلى الغيّ وهم الأتباع، {أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} أضللناهم كما ضللنا، {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} منهم {مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} . بريء بعضهم من بعض وصاروا أعداء، كما قال تعالى:{الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} .
{وَقِيلَ} للكفار: {ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ} ، أي: الأصنام لنخلّصكم من العذاب، {فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ} لم يجيبوهم، {وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} . وجواب (لو) محذوف على تقدير: لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما رأوا العذاب.
وقال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عما يوبّخ به الكفار المشركين يوم القيامة حيث يناديهم {فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} ؟ يعني: الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدار الدنيا من الأصنام والأنداد، هل ينصرونكم أو تنصرونه؟
وهذا على سبيل التقريع والتهديد، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} .
قال ابن كثير: النداء الأول عن سؤال التوحيد، وهذا فيه إثبات النبوّات ماذا كان جوابكم للمرسلين إليكم؟ وكيف كان حالكم معهم؟ وهذا كما يسأل العبد في قبره: مَنْ ربّك؟ ومن نبيّك؟ وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأما الكافر فيقول: هاه، هاه لا أدري، ولهذا لا جواب له يوم القيامة، لأن من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، ولهذا قال تعالى:{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ} ، قال مجاهد:{فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ} الحجج فهم لا يتساءلون بالأنساب.
قال البغوي: {فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ} : لا يجيبون. وقال قتادة لا يحتجّون. وقيل: يسكتون لا يسأل بعضهم بعضًا. وقوله: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} ، أي: في الدنيا {فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ} أي: يوم القامة. و (عسى) من الله موجِبة، فإن هذا واقع بفضل الله ومنّته لا محالة.
قوله عز وجل: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ
وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) } .
قال ابن كثير: يخبر الله تعالى: أنه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب. قال تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} أي: ما يشاء، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فالأمور كلها خيرها وشرها بيده ومرجعها إليه. وقوله:{مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} ، نفي على أصح القولين، كقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} .
إلى أن قال: ولهذا قال: {سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، أي: من الأصنام، والأنداد التي لا تخلق ولا تختار شيئًا، ثم قال تعالى:{وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، أي: هو المنفرد بالألوهية فلا معبود سواه، كما لا رب يخلق ما يشاء ويختار سواه. {لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ} ، أي: في جميع ما يفعله هو المحمود عليه بعدله وحكمته ورحمته، {وَلَهُ الْحُكْمُ} ، أي: الذي لا معقّب له لقهره وغلبته وحكمته ورحمته، {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، أي: جميعكم يوم القيامة فيجزى كل عامل بعمله.
قوله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ
تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) } .
قال في جامع البيان: ختم الأولى بقوله: {أَفَلَا تَسْمَعُونَ} والثانية بقوله: {أَفَلَا تُبْصِرُونَ} لمناسبة قوة السامعة بالليل وقوة الباصرة بالنهار.
قال ابن كثير: وهذا أيضًا نداء ثان على سبيل التوبيخ والتقريع لمن عبد مع الله إلهًا آخر، يناديهم الرب تعالى على رؤوس الأشهاد:{فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} ، أي: في دار الدنيا، {وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً} ، قال مجاهد: يعني: رسولاً، {فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} ، أي: على صحة ما ادّعيتموه من أن لله شركاء. {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} ، أي: لا إله غيره، فلم ينطقوا ولا يُحْرُو جوابًا، {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} . أي: ذهبوا فلم ينفعوهم.
* * *