الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس العاشر بعد المائتين
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (55) يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63) وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ
يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ
فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) } .
* * *
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب الله أن يقع بهم، وبأس الله أن يحلَ عليهم، كما قال تعالى:{وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، وقال ها هنا:{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ} ، أي: لولا ما حتّم الله من تأخير العذاب إلى يوم القيامة، لجاءهم العذاب قريبًا سريعًا كما استعجلوه، ثم قال:{وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً} ، أي: فجأة، {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} ، أي: يستعجلون العذاب، وهو واقع بهم لا محالة. {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .
قال ابن جرير: يقول جلّ ثناؤه: ويقول الله لهم {ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا من معاصي الله وما يسخطه فيها.
قوله عز وجل: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّن م ِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) } .
قال البغوي: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} . قال مقاتل والكلبي: نزلت في ضعفاء مسلمي مكة، يقول: إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها إلى أرض المدينة، {إِنَّ أَرْضِي} يعني: المدينة، {وَاسِعَةٌ} آمنة. قال مجاهد:{إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} فهاجروا وجاهدوا فيها. وقال سعيد بن جبير: إذا عُمل في الأرض بالمعاصي فاخرجوا منها، فإن أرضي واسعة. وقال عطاء: إذا أُمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة، وكذلك يجب على كل من كان في بلد يُعمل فيها بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك، أن يهاجر إلى حيث تتهيّأ له العبادة. انتهى.
وعن أبي مجلز في هذه الآية: {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} ، قال: من الدواب ما لا يستطيع أن يدّخر لغد، فوقف رزقه كل يوم حتى يموت. وعن أبي هريرة مرفوعًا:«سافروا تربحوا، وصوموا تصحّوا، واغزوا تغنموا» . رواه أحمد. وروى البغوي بسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيها الناس ليس من شيء يقرّبكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس من شيء يقربكم إلى
النار ويباعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه،
وإن الروح الأمين قد نفث في روعي: إنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقّوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته» .
قال ابن كثير: يقول تعالى مقرّرًا أنه لا إله إلا هو، لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره، معترفون بأنه المستقلّ بخلق السماوات والأرض، والشمس والقمر، وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدرّ آجالهم واختلافها واختلاف أرزاقهم، ففاوت بينهم، فمنهم الغنيّ والفقير، وهو العليم بما يصلح كُلاًّ منهم، ومَنْ يستحق الغنى ممن يستحق الفقر، فذكر أنه المستقلّ بخلق الأشياء المتفرد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته؛ وكثيرًا ما يقرّر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية، وقد
كان المشركون يعترفون بذلك، كما يقولون في تلبيتهم: لبيّك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. انتهى.
وقوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ
الْحَيَوَانُ} ، قال مجاهد: لا موت فيها. قال ابن كثير: وقوله تعالى: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} ، أي: لآثروا ما يبقى على ما يفنى.
ذكر ابن إسحاق عن عكرمة بن أبي جهل أنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ذهب فارًا منها، فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة اضطربت بهم السفينة فقال أهلها: يا قوم أخلصوا لربكم الدعاء، فإنه لا ينجي ها هنا إلا هو، فقال عكرمة: والله لئن كان لا ينجي في البحر غيره فإنه لا ينجي في البرّ أيضًا غيره. اللهم لك عليّ عهد لئن خرجت لأذهبنّ فلأضعنّ يدي في يد محمد، فلأجدنّه رؤوفًا رحيمًا، فكان كذلك.
وقال عكرمة: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر.
وقال عكرمة: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام، فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} ، أي: لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتّع بما يتمتّعون به في العاجلة، من غير نصيب في الآخرة.
وعن قتادة في قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ
حَوْلِهِمْ} ، قال: كان لهم في ذلك آية: إن الناس يغزون ويتخطفون وهم آمنون. {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} ، أي: بالشرك، {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} يجحدون؟ .
وقوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ} ، أي: لا أحد أشدّ عقوبة ممن كذب على الله أو كذّب بكتابه، فالأول مفترٍ والثاني مكذّب، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} .
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} .
قال ابن كثير: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} ، يعني: الرسول وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} ، أي: طريقنا في الدنيا والآخرة. وقال الحسن: أفضل الجهاد مخالفة الهوى. قال البغوي: {وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بالنصر والمعونة في دنياهم، وبالثواب والمغفرة في عقابهم.
* * *