الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السابع والأربعون بعد المائتين
[سورة فصلت]
مكية، وهي أربع وخمسون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
…
{حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ (16) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) } .
* * *
قال ابن إسحاق في السيرة: حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القُرَظي قال: حُدِّثْتُ أن عتبة بن ربيعة - وكان سيدًا - قال يومًا وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله أن يقبل بعضها فنعطيه أيَّها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون. فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلّمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم وعبت آلهتهم ودينهم، وكفَّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها؟ قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«قل يا أبا الوليد أسمع» قال: يا ابن أخي إنما تريدُ بما جئتَ به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيّا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الأطباء، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع
على الرجل حتى يُدَاوَى منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: «أفرغت يا أبا الوليد» ؟ قال: نعم. قال: «فاستمع مني» . قال: أفعل. قال: «بسم الله الرحمن الرحيم {حم * تَنزيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} » ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وهو يقرؤها عليه، فلما سمع عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يستمع منه، حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال:«قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك» .
فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبا الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالسحر، ولا بالشعر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي
سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُهُ ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه! قال: هذا رأيي، فاصنعوا ما بدا لكم.
وفي رواية البغوي من حديث جابر رضي الله عنه: (قال عتبة: ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء، والله ما هو بشعر، ولا كهانة، ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب) .
وقوله تعالى: {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} ، قال السدي: بينت آياته. وعن مجاهد في قوله: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} ، قال: عليها أغطية كالجعبة للنبل، {وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ} ، قال السدي: صمم.
وعن قتادة قوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} ، قال: لا يقرّون بها، وكان يقال: إن الزكاة قنطرة الإسلام، فمن قطعها نجا، ومن تخلف عنها هلك، وقد كان أهل الردّة بعد نبيّ الله قالوا: أما الصلاة فنصلِّي، وأما الزكاة فوالله لا نغصب أموالنا. فقال أبو بكر:(والله لا أفرق بين شيء جمع الله بينه، والله لو منعوني عقالاً مما فرض الله ورسوله لقاتلناهم عليه) . وعن السدي {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي: لا يدينون بالزكاة، وقال: لو زكوا وهم مشركون لم ينفعهم. وعن
ابن عباس: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} يقول: غير منقصوص.
قال ابن عباس: خلق الله الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين، ثم دحى الأرض، ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والرمال، والجماد والآكام في يومين آخرين، فذلك قوله
تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} . وعن قتادة: {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} ، قال: من سأل فهو كما قال الله.
وقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} ، قال البغوي: أي: ائتيا ما آمركما، أي: افعلاه، {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} . وعن مجاهد في قوله:{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا} قال: ما أمر الله به وأراده. وعن السدي {وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا
بِمَصَابِيحَ} قال: ثم زين السماء بالكواكب فجعلها زينة {وَحِفْظاً} من الشياطين {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} .
عن قتادة في قوله: {صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} ، قال: يقول: أنذرتكم وقيعة مثل: وقيعة عاد وثمود، قال: عذاب مثل: عذاب عاد وثمود. {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} ، قال ابن عباس: الرسل التي كانت قبل هود والرسل الذين كانوا بعده، بعث الله قبله رسلاً، وبعث من بعده رسلاً.
وعن مجاهد في قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} ، قال: شديدة: {فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} مشائم. قال قتادة: {فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ}
والله كانت مشئومات على القوم. {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} بينا لهم سبيل الخير والشر، {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} ، قال ابن زيد: استحبّوا الضلالة على الهدى. وعن السدي: {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} ، قال: الهوان، {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .
* * *