الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن ابن عباس قوله: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} ، يقول: سبّحي معه.
قال ابن كثير: التأويب في اللغة هو: الترجيع، فأمرت الجبال والطير أن ترجّع معه بأصواتها. وعن قتادة:{وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} ، يسخّر له الحديد بغير نار، {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} دروع، وكان أول من صنعها داود، إنما كان قبل ذلك صفائح. {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} ، قال: كان يجعلها بغير نار ولا يقرعها بحديد ثم يسردها. والسرد: المسامير التي في الحِلَقِ. وعن مجاهد في قوله: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} ، قال: لا تصغر المسمار وتعظم الحلقة فتسلس، ولا تعظم المسمار وتصغر الحلقة فيفصم المسمار.
قال ابن زيد في قوله: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} قال: كان له مركب من خشب، وكان فيه ألف ركن، في كل ركن ألف
بيت تركب فيه الجنّ والإِنس، تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ذلك المركب هم والعصار،
فإذا ارتفع أتت الريح الرخاء فسارت به وساروا معه؛ يَقيل عند قوم بينه وبينهم شهر، ويمسي عند قوم بينه وبينهم شهر، ولا يدري القوم إلا وقد أظلّهم معه الجيوش والجنود. وقال الحسن: كان يغدو فيَقيل في إصطخر، ثم يروح منها فيكون رَواحها بكابل.
وعن ابن عباس قوله: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} ، يعني: عين النحاس أُسليت. وقال قتادة: كانت بأرض اليمن.
وقوله تعالى: {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} ، قال قتادة: أي: يعدل منهم عن أمرنا، عما أمره به سليمان، {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} ، وقيل: إن الله عز وجل وكلّ بهم ملكًا بيده سوط من نار، فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته. قال الحسن: الجنّ: ولد إبليس، والإنس: ولد آدم، ومن هؤلاء مؤمنون، ومن هؤلاء مؤمنون، وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنًا فهو وليّ الله تعالى، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرًا فهو شيطان.
وعن مجاهد في قوله: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ} قال: بنيان دون القصور، {وَتَمَاثِيلَ} ، قال: من نحاس، {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} ، قال الحسن: كالحياض. {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} ، قال قتادة: عظام ثابتات في الأرض لا يزُلن عن أمكنتهنّ.
وقال البغوي: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ} أي: المساجد والأبنية المرتفعة، {وَتَمَاثِيلَ} ، أي: صورًا من نحاس وصفر، وشبه، وزجاج، ورخام، قال: ولعلّها كانت مباحة في شريعتهم، كما أن عيسى كان يتّخذ صورًا من الطين فينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله، {وَجِفَانٍ} ، أي: قصاع، واحدتها: جفنة، {كَالْجَوَابِ} : كالحياض التي يجبى فيها الماء، واحدتها: جابية، {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} ، ثابتات لها قوائم لا تحركن عن أماكنها لعظمهنّ، ولا يزلن ولا يقلعن، وكان يصعد
عليها بالسلاليم. {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} ، أي: وقلنا: اعملوا آل داود شكرًا. مجازه: اعملوا يا آل داود بطاعة الله، شكرًا لله على نعمه.
{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، أي: العامل بطاعتي شكرًا لنعمتي. انتهى ملخصًا.
عن ابن عباس قوله: {إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} ، يقول: الأرض تأكل عصاه. وقال قتادة: كانت الجن تخبّر الإِنس أنهم كانوا يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد، فابتُلوا بموت سليمان، فمات فلبث
سنة على عصاه وهم لا يشعرون بموته، وهم مسخّرون تلك السنة يعملون دائبين.
عن ابن عباس قال: إن رجلين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ، ما هو أرجل، أم امرأة، أم أرض؟ قال صلى الله عليه وسلم:«بل هو رجل ولد له عشرة، فسكن اليمن منهم ستة، والشام منهم أربعة. فأما اليمانيون: فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحِمْيَر. وأما الشامية: فلخم، وجذام، وعاملة، وغسان» . رواه أحمد وغيره.
وقال قتادة في قوله: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} ، قال: كانت جنتان بين جبلين، فكانت المرأة تخرج مكتلها على رأسها فتمشي بين جبلين فيمتلئ مكتلها وما مسّت يدها، فلما طغوا بعث الله عليهم دابة يقال لها: جرذ، فنقبت عليهم ففرّقتهم فما بقي لهم إلا أثل وشيء من سدر قليل. وقال المغيرة بن حكيم: لما ملكت بلقيس جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم، قال: فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها،
فتركت ملكها وانطلقت إلى قصر لها وتركتهم، فلما كثر الشر بينهم وندموا أتوها، فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها فأبت، فقالوا: لترجعنّ أو لنقتلنك، فقالت: إنكم لا تطيعونني، وليست لكم عقول، ولا تطيعوني، قالوا: فإنا نطيعك، وإنا لم نجد فينا خيرًا بعدك، فجاءت قال: فسدّت ما بين الجبلين فحبست الماء من وراء السد، وجعلت له أبوابًا بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة ضخمة، فجعلت فيها اثني عشر مخرجًا على عدّة أنهارهم، فلما جاء المطر احتبس السيل من وراء السد، فأمرت بالباب الأعلى ففُتح فجرى ماؤه في البركة، وأمرت بالبعر فألقي فيها فجعل بعض البعر يخرج أسرع من بعض، فلم تزل تضيق تلك الأنهار، وترسل البعر في الماء حتى خرج جميعًا معًا، فكانت تقسمه بينهم على ذلك، حتى كان من شأن سليمان وشأنها ما كان.
وقال البغوي: والعرم - جمع عرمة - وهي: المسكر الذي يحبس به الماء. قال قتادة: لما ترك القوم أمر الله بعث الله عليهم جرذًا يسمى: (الخلد) فنقبه من أسفله حتى غرّق به جنتيهم، وخرب به أرضهم عقوبة بأعمالهم. وقال ابن عباس: أبدلهم الله مكان جنتهم {جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ} ، والخمط: الأراك. قال قتادة: وأكله بريرة.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} ؟ قال مقاتل: هل يكافأ بعمله السيِّئ إلا الكفور لله في نعمه؟
قال ابن كثير: وقوله: {وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} ، لما كان أجودَ هذه الأشجار المبدل بها هو السّدْر قال:{وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} ، فهذا الذي صار أمر تينك الجنتين إليه، بعد الثمار النضيجة، والمناظر الحسنة، والظلال العميقة، والأنهار الجارية، تبدّلت إلى شجر الأراك، والطرفاء، والسّدْر ذي الشوك الكثير، والثمر القليل، وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل، ولهذا قال تعالى:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ} .
عن مجاهد: {الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} ، قال: الشام. وقال الحسن في قوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} ، قال: قرى متواصلة؛ كان أحدهم يغدو فيَقيل في قرية، ويروح فيأوي إلى قرية أخرى. وعن مجاهد قوله:{قُرًى ظَاهِرَةً} ، قال: السروات.
وقوله تعالى: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} .
قال البغوي: أي: قدّرنا مسيرهم في الغدوّ والرواح على قدر نصف يوم، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار، {سِيرُوا فِيهَا
لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} ، قال قتادة: لا يخالفون ظلمًا ولا جوعًا، {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ} ، قال ابن عباس: فإنهم بطروا عيشهم وقالوا: لو كان جنى جناتنا أبعد مما هي، كان أجدر أن نشتهيه، فمُزِّقوا بين الشام، وسبأ. وبُدّلوا بجنتيهم:{جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} . عن قتادة: {فَجَعَلْنَاهُمْ
أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} ، قال: قال عامر الشعبي: أما غسان: فقد لحقوا بالشام، وأما الأنصار: فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة: فلحقوا بتهامة، وأما الأزد: فلحقوا بعمان فمزّقهم الله كل ممزَّق؛ وقال الأعشي ميمون بن قيس:
وفي ذاك للمؤتي أسوة
…
ومأرب عفا عليها العرم
رخام بَنَتْهُ لهم حِمْيَرٌ
…
إذا ما نأى ماؤهم لم يرم
فأروى الزروع وأعنابها
…
على سعة ماؤهم إذ قسم
صاروا أيادي ما يقدرو
…
ن منه على شرب طفل فطم
وعن قتادة قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} ، كان مطرف يقول: نِعْمَ العبد الصبّار الشكور، الذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم:«عجبًا للمؤمن، لا يقضي الله تعالى له قضاء إلَاّ كان خيرًا له، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلَاّ للمؤمن» .
* * *