المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائتين ‌ ‌[سورة فاطر] وآياتها خمس أربعون آية   بسم الله - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٣

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائة

- ‌[سورة الكهف]

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الستون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائة

- ‌[سورة مريم عليها السلام]

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائة

- ‌الدرس السبعون بعد المائة

- ‌[سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائة

- ‌[سورة الحج]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثمانون بعد المائة

- ‌[سورة المؤمنون]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائة

- ‌[سورة النور]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس التسعون بعد المائة

- ‌[سورة الفرقان]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائة

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائة

- ‌[سورة النمل]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس المائتان

- ‌الدرس الأول بعد المائتين

- ‌[سورة القصص]

- ‌الدرس الثاني بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس بعد المائتين

- ‌الدرس السادس بعد المائتين

- ‌الدرس السابع بعد المائتين

- ‌[سورة العنكبوت]

- ‌الدرس الثامن بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع بعد المائتين

- ‌الدرس العاشر بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي عشر بعد المائتين

- ‌[سورة الروم]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس عشر بعد المائتين

- ‌[سورة لقمان]

- ‌الدرس السادس عشر بعد المائتين

- ‌الدرس السابع عشر بعد المائتين

- ‌[سورة السجدة]

- ‌الدرس الثامن عشر بعد المائتين

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌الدرس التاسع عشر بعد المائتين

- ‌الدرس العشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والعشرون بعد المائتين

- ‌[سورة سبأ]

- ‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائتين

- ‌[سورة فاطر]

- ‌الدرس الثامن والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة يس]

- ‌الدرس الواحد والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة الصافات]

- ‌الدرس الرابع والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة ص]

- ‌الدرس الثامن والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة الزمر]

- ‌الدرس الحادي والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة المؤمن]

- ‌الدرس الخامس والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة فصلت]

- ‌الدرس الثامن والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والأربعون بعد المائتين

الفصل: ‌ ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائتين ‌ ‌[سورة فاطر] وآياتها خمس أربعون آية   بسم الله

‌الدرس السابع والعشرون بعد المائتين

[سورة فاطر]

وآياتها خمس أربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا

كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ

ص: 549

الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) } .

* * *

ص: 550

قوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) } .

قال ابن عباس: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، أي: بديع السماوات والأرض؛ وقال: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيّان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فَطَرتها، أي: بدأتها. {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} ، قال قتادة: بعضهم له جناحان وبعضهم ثلاثة وبعضهم أربعة. {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} ، قال السدي: يزيد في أجنحتهم ما يشاء؛ وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام ليلة الإسراء وله ستّمائة جناح، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب. وعن قتادة:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} ، أي: من خير، {فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} فلا يستطيع أحد حبسها، {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة مكتوبة:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد» .

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) وَإِن يُكَذِّبُوكَ

ص: 551

فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (4) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7) أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) } .

عن قتادة: {وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} ، يعزي نبيّه كما تسمعون. وعن ابن عباس في قوله:{وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} ، يقول: الشيطان. وعن قتادة قوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} فإنه حقّ على كل مسلم عداوته، وعداوته أن يعاديه بطاعة الله، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} وحزبه أولياؤه، {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ، أي: ليسوقهم إلى النار فهذه عداوته.

وقوله تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} ، قال الحسن: الشيطان زيّن لهم. {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} ، أي: لا يحزنك ذلك عليهم، {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} . وقال

ابن كثير: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} ، يعني: الكفار والفجّار يعملون أعمالاً سيّئة، وهم في ذلك يعتقدون ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، أي: أفمن كان هكذا قد أضلّه الله، ألك فيه حيلة؟ لا حيلة لك فيه،

{فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} ، أي: بقَدَرِه كان ذلك، {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} ، أي: لا تأسف على ذلك فإن الله حكيم في قدره، إنما يُضلّ ويَهدي من يَهدي، لما له في ذلك من الحجّة البالغة والعلم التام، ولهذا قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} .

ص: 552

قوله عز وجل: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن

دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) } .

عن قتادة: قوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} ، قال: يرسل الرياح فتسوق السحاب، فأحيا الله به هذه الأرض الميتة بهذا الماء، فكذلك يبعثه يوم القيامة. {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} ، يقول: فليعزز بطاعة الله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} لا يقبل الله قولاً إلا بعمل، مَنْ قال وأحسن العمل قَبِلَ الله منه. وعن

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إذا حدّثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، تبارك الله، أخذهنّ ملك فجعلهنّ تحت جناحيه ثم صعد بهنّ إلى السماء، فلا يمرّ بهنّ على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهنّ، حتى يجيء

ص: 553

بهن وجهَ الرحمن، ثم قرأ عبد الله:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} . رواه ابن جرير.

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} .

قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: والذين يكسبون السيّئات لهم عذاب جهنم.

وقوله: {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} ، يقول: وعمل هؤلاء المشركين يبور، فيبطل فيذهب لأنه لم يكن لله فلم ينفع عامله.

وعن قتادة: {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ} يعني: آدم {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} يعني: ذرّيّته، {ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً} فزوّج بعضكم بعضًا. وقال ابن زيد في قوله:{وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} ، قال: ألا ترى الإِنسان يعيش مائة سنة، وآخر حين يولد؟

وقوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} قال قتادة: والأُجاج: المرّ {وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} أي: منهما جمعيًا، {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} هذا اللؤلؤ {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} فيه السفن مقبلة ومدبرة بريح واحدة؛ قيل: نسب اللؤلؤ إليهما لأنه يكون في البحر الأُجاج عيون عذبة، فيكون اللؤلؤ من بين ذلك.

وعن قتادة: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} زيادة هذا في نقصان هذا، ونقصان هذا في زيادة هذا. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى} لأجل معلوم وحدّ لا يقصر دونه ولا يتعدّاه {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} .

ص: 554

قال ابن جرير: وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} ، يقول: الذي يفعل هذه الأفعال معبودكم - أيها الناس - الذي لا تصلح العبادة إلا له، وهو الله ربكم.

وقوله: {لَهُ الْمُلْكُ} ، يقول تعالى ذكره: له الملك التامّ الذي لا شيء إلا وهو في ملكه وسلطانه.

وقوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} ، يقول تعالى ذكره: والذين تعبدون - أيها الناس - من دون ربكم - الذي هذه الصفة التي ذكرها في هذه الآيات صفته - {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} ، يقول: ما يملكون قشر نواة فما فوقها. وعن قتادة: قوله: {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} ، أي: ما قبلوا ذلك عنكم ولا نفعوكم فيه، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} إياهم ولا يرضون ولا يقرّون به. {وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} ، والله هو الخبير أنه سيكون هذا منهم يوم القيامة. انتهى.

وقد قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} ، وقال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ، وقال تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} ، وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ

ص: 555