الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث والأربعون بعد المائتين
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) } .
* * *
عن ابن عباس: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} ، وذلك أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أنه مَنْ عبد الأوثان ودعا مع الله إلهًا آخر، وقتل النفس التي حرّم الله لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا الآلهة وقتلنا النفس التي حرّم الله ونحن أهل الشرك؟ فأنزل الله:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} ، يقول: لا تيأسوا من رحمتي {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} قال:
…
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} ، وإنما يعاتب الله أولي الألباب، وإنما
الحلال والحرام لأهل الإِيمان، فإيّاهم عاتب وإياهم أمر إن أسرف أحدهم على نفسه أن لا يقنط من رحمة الله، وأن ينيب ولا
يبطئ بالتوبة من ذلك الإِسراف والذنب الذي عمله، وقد ذكر الله في سورة آل عمران أن المؤمنين حين سألوا الله المغفرة فقالوا:{ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} ، فينبغي أن يعلم أنهم قد كانوا يصيبون الإسراف فأمرهم بالتوبة من إسرافهم.
وعن القرظيّ أنه قال في هذه الآية: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} ، قال: هي للناس أجمعين. وعن قتادة: قوله: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} ، أي: أقبلوا إلى ربكم. وقال ابن زيد: الإنابة: الرجوع إلى الطاعة والنزوع عما كانوا عليه، ألا تراه يقول:
…
{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ} ، وعن السدي:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم} ، يقول: ما أُمرتم به في الكتاب، {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} ، قال: تركت من أمر الله، {وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} ، يقول: من المستهزئين. قال قتادة: فلم يكفه أن ضيّع طاعة الله حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله، هذا قول صنف منهم:{أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} هذا قول صنف آخر: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} ، رجعة إلى الدنيا، {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ، قال:
هذا صنف آخر؛ يقول الله ردًّا لقولهم: {بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} .
وقال ابن زيد في قوله: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ} ، قال: بأعمالهم، والآخرون يحملون أوزارهم يوم القيامة {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاء مَا يَزِرُونَ} .
قوله عز وجل: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ (63) قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ (66) وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) } .
قال البغوي: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي: الأشياء كلها موكولة إليه، فهو القائم بحفظها، {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، أي: مفاتيح خزائن السماوات والأرض. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} . {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} قال مقاتل: وذلك أن كفار قريش دعوه إلى دين آبائه {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أي: الذي
عملته قبل الشرك، وهذا خطاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد من غيره. وقيل: هذا أدب من الله لنبيّه وتهديد لغيره لأن الله تعالى عصمه من الشرك
…
{وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} ، لإنعامه عليك. {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ، ما عظّموه حقّ عظمته حين أشركوا به غيره. ثم أخبر عن عظمته فقال:{وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . انتهى ملخصًا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
…
«يقبض الله تعالى الأرض ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك. أين ملوك الأرض؟» . متفق عليه.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السماوات على إصبع، والأرضين
على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله: « {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} » . متفق عليه.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينفخ في الصور ثلاث نفخات. الأولى: نفخة الفزع. والثانية: نفخة الصعق. والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين تبارك وتعالى. يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع، فتفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله» . قال أبو هريرة: يا رسول الله فمن استثنى حين يقول: {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} ؟ قال: «أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمّنهم؛ ثم يأمر الله إسرافيل بنفخة الصعق، فيصعق أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله فإذا هم خامدون؛ ثم يأتي ملك الموت إلى الجبّار تبارك وتعالى فيقول: يا رب، قد مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت، فيقول له - وهو أعلم -: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحيّ
الذي لا تموت، وبقي حملة عرشك، وبقي جبريل، وميكائيل. فيقول الله: فليمت جبريل، وميكائيل. فيقول: يا رب يموت جبريل وميكائيل!
فيقول الله له: اسكت إني كتبت الموت على من كان تحت عرشي؛ ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا رب قد مات جبريل، وميكائيل، فيقول الله - وهو أعلم -: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحيّ الذي لا تموت، وبقي حملة عرشك وبقيت أنا. فيقول الله: فليمت حملة العرش. فيموتون. ويأمر الله العرش فيقبض الصور فيقول: أي رب قد مات حملة عرشك. فيقول - وهو أعلم -: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحيّ الذي لا تموت، وبقيت أنا. فيقول الله: أنت من خلقي، خلقتك لما رأيت، فمت لا تحيى. فيموت» . رواه ابن جرير.
وعن قتادة: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} ، قال نبيّ الله:«بين النفختين أربعون» ، قال: قال أصحابه: فما سألناه عن ذلك؛ ولا زادنا على ذلك؛ غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها: أربعون سنة. وذكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين مطر يقال له: مطر الحياة، حتى تطيب الأرض وتهتزّ، وتنبت أجساد الناس نبات البقل، ثم ينفخ فيه الثانية فإذا هم قيام ينظرون. وعن الحسن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كأني أنفض رأسي من التراب أول خارج، فألتفت فلا أرى أحدًا إلا موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أممن استثنى الله لا تصيبه النفخة لعلمه الصعقة أو بُعث قبلي» .
وعن قتادة: قوله: {وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} ، قال: فما يتضارّون في نوره إلا كما يتضارّون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه. {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} قال: كتاب أعمالهم، {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ}
قال ابن كثير: قال ابن عباس: يشهدون على الأمم بأنهم بلّغوهم رسالات الله إليهم، {وَالشُّهَدَاءِ} ، أي: الشهداء من الملائكة، والحفظة على أعمال العباد من خير وشر {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ} أي: بالعدل {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} ، قال عطاء: يريد أني عالم بأفعالهم لا أحتاج إلى كاتب ولا إلى شاهد.
عن قتادة: قوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} ، قال: جماعات، {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} ، قال ابن كثير: أي: بمجرّد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعًا، {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} -
على وجه التقريع والتوبيخ -: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} .
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} ، في الصحيحين من حديث جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أضواء كوكب درّيّ، لا يبولون ولا يتغوّطون ولا يتمخّطون،
أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الإِلوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستّون ذراعًا في السماء» .
وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} . عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول شفيع، وأنا أول من يقرع باب الجنّة» . رواه مسلم. وعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} حتى إذا انتهوا إلى بابها إذا هم بشجرة يخرج من أصلها عينان، فعمدوا إلى إحداهما فشربوا منها كأنما أمروا بها، فخرج ما في بطونهم من قذر أو أذى أو قذى، ثم عمدوا إلى الأخرى فتوضأوا منها كأنما أمروا بها، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلن تشعث رؤوسهم بعدها أبدًا، ولن تبلى ثيابهم بعدها، ثم دخلوا الجنة فتلقّتهم الولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون فيقولون: أبشر. أعدّ الله لك كذا، وأعد لك كذا، وكذا، ثم ينظر إلى تأسيس
بنيانه: جندل اللؤلؤ الأحمر، والأصفر، والأخضر يتلألأ كأنه البرق، فلولا أن الله قضى أن لا يذهب بصره لذهب، ثم يأتي بعضهم إلى بعض أزواجه فيقول: أبشري. قد قدم فلان ابن فلان، فيسمّيه باسمه واسم أبيه. فتقول: أنت رأيته، أنت رأيته؟ ! فيستخفّها الفرح حتى تقوم فتجلس على أُسْكُفَّة بابها فيدخل فيتكئ على سريره ويقرأ هذه الآية:{الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} وعن مجاهد: قوله: {طِبْتُمْ} ، قال: كنتم طيّبين في طاعة الله.
وقال ابن زيد في قوله: {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} ، قال: أرض الجنّة، وقرأ: {أَنَّ
الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} ، وعن السدي:{نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء} ، ننزل منها حيث نشاء. وعن قتادة:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم} ، أي: بين الخلائق، {بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال: فتح أو الخلق بالحمد فقال: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} ، وختم بالحمد فقال:{وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
* * *