الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الأربعون بعد المائتين
[سورة الزمر]
مكية، وهي خمس وسبعون آية
…
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: ما يريد أن يفطر. ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم. وكان يقرأ في كل ليلة: بني إسرائيل، والزمر) . رواه النسائي.
بسم الله الرحمن الرحيم
{تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا
هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن
تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9) قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ
مَن فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) } .
* * *
قوله عز وجل: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6) إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ
…
إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) } .
عن قتادة: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} شهادة أن لا إله إلا الله. وعن مجاهد في قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، قال: قريش تقول للأوثان، ومَنْ قَبْلَهُمْ تقوله للملائكة، ولعيسى ابن مريم، ولعزير.
وعن قتادة: قوله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، قالوا: ما نعبد هؤلاء، {إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا} إلا ليشفعوا لنا عند الله. قال ابن كثير:
وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه. وعن قتادة: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ} نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم لحمًا، ثم أنبت الشعر؛ أطوار الخلق في ظلمات ثلاث: المشيمة، والرحم، والبطن.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} قال ابن كثير: أي: هذا الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وخلقكم وخلق آباءكم، هو الربّ {لَهُ الْمُلْكُ} والمتصرّف في جميع ذلك، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ، أي: الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له،
…
{فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} فكيف تعبدون معه غيره؟ أين يُذهب بعقولكم؟
وقوله تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} أي: لا يحبّه، ولا يأمر به، {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} ، قال السدي: إن تطيعوا يرضه لكم. وقال ابن كثير: أي: يحبّه لكم، ويزدكم من فضله {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، قال السدي: لا يؤخذ أحد بذنب أحد. وقال ابن كثير: أي: لا تحمل نفس عن نفس شيئًا، بل كل مطالب بأمر نفسه. {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، أي: فلا تخفى عليه خافية.
عن قتادة: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ} ، قال: الوجع، والبلاء، والشدة. {دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ} ، قال: مستغيثًا به، {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ} ، قال السدي: إذا أصابته عافية
أو خير {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} . قال ابن جرير: يقول: ترك الذي كان يدعو الله من قبل أن يكشف ما كان به من ضرّ، {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً} ، يعني: توحيده، {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} ، أي: من أهل النار الماكثين فيها. انتهى ملخصًا.
وعن قتادة: قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً} أوّله، وأوسطه وآخره. وقال ابن عباس: يعني: بالقنوت: الطاعة. وعن ابن عمر: أنه كان إذا سئل عن القنوت قال: لا أعلم القنوت إلا قراءة القرآن، وطول القيام. وقرأ:{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً} ، وعن ابن عباس في قوله:{يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} ، قال: يحذر عقاب الآخرة، {وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ، يقول: ويرجو أن يرحمه الله فيدخله الجنّة. وقال ابن كثير: يقول
عز وجل: أمّن هذه صفته كمن أشرك بالله وجعل له أندادًا؟ لا يستوون عند الله.
وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أي: هل يستوي هذا والذي قبله ممن جعل لله أندادًا ليضلّ عن سبيله؟
…
{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} .
قوله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ
الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16) } .
قال مقاتل في قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} ، يعني: الجنة.
قلت: وهذه الآية كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ
…
يَعْمَلُونَ} .
وعن مجاهد قوله: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} فهاجروا واعتزلوا الأوثان.
وعن قتادة: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} لا والله ما هناكم مكيال ولا ميزان، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} ، قال البغوي: مخلصًا له التوحيد لا أشرك به شيئًا. {وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} من هذه الأمة. {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} وعبدت غيره، {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وهذا حين دعي إلى دين آبائه.
…
{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} أمر توبيخ وتهديد، وقال ابن كثير: يقول تعالى: قل يا محمد - وأنت رسول الله -: {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ، وهو يوم القيامة - وهذا شَرْط - ومعناه: التعريض بغيره بطريق الأولى والأحرى.
وعن ابن عباس قوله: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ، قال: هم: الكفار الذين خلقهم الله للنار، وخلق النار لهم، فزالت عنهم الدنيا وحرمت عليهم الجنة. وقال ابن زيد: هؤلاء أهل النار، خسروا أنفسهم في الدنيا وخسروا الأهل، فلم يجدوا في النار أهلاً وقد كان لهم في الدنيا أهل. {أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} .
وقوله تعالى: {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} كقوله تعالى: {لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} ، [وكقوله]{ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} ، قال ابن كثير: أي: إنما يقص خبر هذا الكائن لا محالة ليخوف به عباده، لينزحوا عن المحارم والمآثم.
قال البغوي: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ} الأوثان: {أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} رجعوا إلى عبادة الله، {لَهُمُ الْبُشْرَى} في الحياة الدنيا وفي الآخرة. وعن قتادة:{فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وأحسنه: طاعة الله، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} .
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} بكفره {أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} قال ابن كثير: يقول تعالى: أفمن كتب الله أنه شقيّ تنقذه مما هو فيه من الضلال والهلاك؟ أي: لا يهديه أحد من بعد الله، لأنه من يضلل الله فلا هادي له، ومن يهده فلا مضلّ له؛ ثم أخبر عز وجل عن عباده السعداء: أن لهم غرفًا في الجنة، وهي: القصور الشاهقة، {مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ} طباق فوق طباق، مزخرفات عاليات، {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} . وعن علي رضي الله عنه
قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لغُرفًا يُرى بُطونها من ظُهورها، وَظُهورها من بُطونها» ، فقال أعرابيٌّ: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطَّعام، وصلى باللَّيلِ والنَّاسُ نيام» . رواه أحمد وغيره.
* * *