الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السادس عشر بعد المائتين
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22) وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (30) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31) وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ
كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا
نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) } .
* * *
قال في جامع البيان: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ} بأن جعله أسباب منافعكم، {وَمَا فِي الْأَرْضِ} ، {وَأَسْبَغَ} أوفى وأتمّ {عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً} محسوسة وما تعرفونه، {وَبَاطِنَةً} معقولة وما لا تعرفونه. وعن قتادة:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} ليس معه من الله برهان ولا كتاب.
قال البغوي: نزلت في النضر بن الحارث، وأبيّ بن خلف، وأمية بن خلف وأشباههم، كانوا يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم في الله وفي صفاته بغير علم. {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} ، قال الله عز وجل:{أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} وجواب
(لو) محذوف، ومجازه: يدعوهم فيتبعونه. يعني: يتبعون الشيطان وإن {كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} .
قوله تعالى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} ، يعني: لله، أي: يخلص دينه لله،
ويفوّض أمره إلى الله، {وَهُوَ مُحْسِنٌ} في عمله، {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} ، أي: اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ * وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} . {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً} ، أي: نمهلهم ليتمتّعوا بنعيم الدنيا قليلاً إلى انقضاء آجالهم {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} ثم نلجئهم ونردّهم في الآخرة، {إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} وهو: عذاب النار.
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن هؤلاء المشركين: أنهم يعرفون أن الله خالقُ السماوات والأرض وحدَه لا شريك له، ومع هذا يعبدون معه شركاء يعترفون أنها خَلْقٌ له وملك له، ولهذا قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، أي: إذ قامت عليكم الحجة باعترافكم، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} .
ثم قال تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، أي: هو خلقه وملكه، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ، أي:{الْغَنِيُّ} عما سواه وكل شيء فقير إليه، {الْحَمِيدُ} في جميع ما خلق، له الحمد في السماوات والأرض على ما خلق وشرع، وهو المحمود في الأمور كلها. وعن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن هذه الآية: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} ، قال: لو جعل شجر الأرض أقلامًا، وجعل
البحور مدادًا، وقال الله: إنّ من أمري كذا، ومن أمري كذا، لنفد ماء البحور وتكسرتّ الأقلام. وقال قتادة: قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد، قال: لو كان شجر البرّ أقلامًا ومع البحر سبعة أبحر، ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه.
وعن مجاهد قوله: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ، يقول: كن فيكون للقليل والكثير.
قال ابن جرير: وقوله: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ، يقول تعالى ذكره:{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لما يقول هؤلاء المشركون ويفترون على ربهم، من ادعائهم له الشركاء والأنداد وغير ذلك من كلامهم وكلام غيرهم، {بَصِيرٌ} بما يعلمونه وغيرهم من الأعمال، وهو مجازيهم على ذلك جزاءهم.
عن قتادة قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} ، نقصان الليل في زيادة النهار، {وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} ، نقصان النهار في زيادة الليل {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ، يقول: لذلك كله وقت معلوم لا يجاوزه ولا يعدوه.
وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} . عن مغيرة قال: الصبر نصف الإيمان، والشكر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله، ألم تر إلى قوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} ، {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ} .
وقوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} قال قتادة: الختّار: الغدّار، كل غدّار بذمّته كفور بربه.
قال البغوي: والختر: أسوأ الغدر: قال بعضهم: وإنما قال ها هنا: {فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} وقد قال فيما قبل: {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} لأنه ذكر ها هنا الموج وعظمته، ولا محالة يبقى لمثله أثر في الخيار، فيخفض شيئًا من غلوّ الكفر والظلم، وينزجر بعض الانزجار.
عن قتادة قوله: {وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} ذاكم الشيطان. وعن مجاهد: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} ، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد؟ وبلادنا محل جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث؟ وقد علمتُ متى
ولدت فأخبرني متى أموت؟ فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} إلى آخر السورة) . رواه ابن جرير. وروى البخاري وغيره عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفاتح
الغيب خمس لا يعلمهنّ إلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} » .
* * *