الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس التسعون بعد المائة
[سورة الفرقان]
مكية، وهي سبع وسبعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً (8) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ
قُصُوراً (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا
لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19) وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً
خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ
جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34) } .
* * *
قال ابن زيد في قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ، قال: النبي: النذير، وقرأ:{وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ} وقرأ: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ} . قال: رسل. قال: المنذرون: الرسل، قال: وكان نذيرًا واحدً بلغ ما بين المشرق والمغرب، ذو القرنين، ثم بلغ السدّين، وكان نذيرًا ولم أسمع أحدًا بحق أنه كان نبيًا. {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} ، قال: من بلغه القرآن من الخلق فرسول الله نذيره وقرأ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} ، وقال: لم يرسل الله رسولاً إلى الناس عامة إلَاّ نوحًا بدأ به، فكان رسول أهل الأرض كلهم، ومحمد صلى الله عليه وسلم ختم به.
قال البغوي: {تَبَارَكَ} تفاعل، من البركة، {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} ، أي: القرآن، {عَلَى عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم، {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ، أي: الجنّ، والإنس. {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ} ، مما يطلق عليه صفة
المخلوق. {فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} فسوّاه وهيّأه لما يصلح له، لا خلال فيه ولا تفاوت، {وَاتَّخَذُوا} ، يعني: عبدة الأوثان، {مِن دُونِهِ آلِهَةً} ، يعني: الأصنام، {لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً} ، أي: دفع ضرّ ولا جلب نفع، {وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً} ، أي: إماتة وإحياء، {وَلَا نُشُوراً} ، أي: بعثًا بعد الموت.
عن ابن جريج: {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، قال: ما يُسرُّ أهل الأرض وأهل السماء.
قال البغوي: {انظُرْ} يا محمد: {كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ} ، يعني: الأشباه. فقالوا: مسحور محتاج وغيره، {فَضَلُّوا} عن الحق، {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} إلى الهدى ومخرجًا عن الضلالة. وعن مجاهد قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ
خَيْراً} مما قالوا: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً} ، قال: بيوتًا مبنيّة مشيّدة. وروى البغوي وغيره عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» .
قال الضحاك: الثُبور: الهلاك. وعن ابن عباس في قوله: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً} ، قال: فسألوا الذي وعدهم وتنجزوه. قال البغوي: وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين
قالوا: ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك، يقول: كان أعطى الله المؤمنين جنة الخلد وعدًا وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه.
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا
الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19) } .
عن مجاهد في قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء} ؟ قال: عيسى، وعزير، والملائكة. وعن ابن عباس قوله:{وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} ، يقول: هلكى. وقال الحسن: لا خير فيهم.
وعن مجاهد: {فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ} ، قال: عيسى، وعزير، والملائكة يكذّبون المشركين {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلَا نَصْراً} ، قال: المشركون. قال ابن جريج: لا يستطيعون صرف العذاب عنهم، ولا نصر أنفسهم، {وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ} ، قال: يشرك {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} ، وهذه الآية كقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ * هُنَالِكَ تَبْلُو
كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} .
قال ابن عباس: لما عيّر المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ أنزل الله عز وجل هذه الآية، أي: ما كنت بدعًا من الرسل، وهم كانوا بشرًا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} ، قال ابن عباس: أي: جعلت بعضكم بلاء لبعض، لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا الهدى.
قال ابن كثير: {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} ، أي: بمن يستحقّ أن يوحى إليه، كما قال تعالى:{اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} ، وقوله تعالى:
{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ} أي: فتخبرنا أن محمدًا صادق، {أَوْ نَرَى رَبَّنَا} فيخبرنا بذلك {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ} عند الموت ويوم القيامة، {لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً} . قال ابن كثير: أي: وتقول الملائكة للكافرين: حرام محرّم عليكم الفلاح اليوم.
وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} ، أي: باطلاً لا ثواب له، كما قال تعالى:{مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَاّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} . وعن ابن عباس قوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} ، يقول: قالوا في الغرف في الجنة، وكان حسابهم أن عُرضوا على ربهم عرضة واحدة، وذلك الحساب اليسير، وهو مثل قوله:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} .
قال ابن عباس: تَشَقَّقُ السَّمَاء الدنيا فيننزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس، ثم تشقّق السماء الثانية فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجنّ والإنس، ثم كذلك حتى تَشَقَّقُ السَّمَاء السابعة، وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها، ثم ينزل الكروبيّون، ثم حملة العرش. وعن مجاهد قوله:{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ} ، قال: هو الذي قال: {فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} الذي يأتي الله فيه يوم القيامة.
وعن ابن عباس قوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} إلى قوله:
…
{فُلَاناً خَلِيلاً} قال: هو أبيّ بن خلف كان يحضر النبي صلى الله عليه وسلم فزجره عقبة بن أبي ميعط. قال ابن كثير: وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي ميعط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم، كما قال تعالى:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} .
قوله عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ
تَفْسِيراً (33) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (34) } .
قال ابن زيد في قول الله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} ، لا يرون أن يسمعوه، وإن دُعوا إلى الله قالوا: لا، وقرأ:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} ، قال: ينهون عنه ويَبْعُدون عنه. وقال ابن عباس: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ} ، قال: يوطّن محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه جاعل له عدوًا من المجرمين كما جعل لمن قبله.
وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} ، قال ابن عباس: كان الله ينزل عليه الآية، فإذا علمها نبي الله نزلت عليه آية أخرى، ليعلّمه الكتاب عن ظهر قلب ويثبّت به فؤاده. وعن الحسن في قوله:{وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} ، قال: كان ينزل آية في آيتين وآيات، جوابًا لهم إذا سألوا عن شيء، أنزله الله جوابًا لهم وردًا عن الشيء فيما يتكلّمون به، وكان بين أوله وآخره نحو من عشرين سنة.
وعن ابن جريج: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} ، قال: الكتاب بما تردّ به ما جاءوا به من الأمثال التي جاءوا بها {وَأَحْسَنَ
…
تَفْسِيراً} قال ابن عباس: يقول أحسن تفصيلاً.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً} في الصحيح عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال: «إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة» .