الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الخامس عشر بعد المائتين
[سورة لقمان]
مكية، وهي أربع وثلاثون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
{آلم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (8) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (11) وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ
أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي
عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) } .
* * *
قال البغوي: ( {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الآية، قال الكلبي، ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة، وكان يتّجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم، فيحدّث بها قريشًا، ويقول: إن محمدًا يحدّثكم بحديث: عاد، وثمود. وأنا أحدّثكم بحديث: رستم، واسفنديار، وأخبار الأكاسرة، فيستمعون حديثه ويتركون استماع القرآن، فأنزل الله هذه الآية. وروى ابن جرير وغيره عن أبي أمامة مرفوعًا: «لا يحلّ تعليم المغنّيات ولا بيعهنّ، ولا شراؤهنّ، وثمنهنّ حرام» ؛ وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} ) إلى آخر
الآية. وقال قتادة: بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث
الحق، وما يضرّ على ما ينفع. وعن ابن عباس في قوله:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} ، قال: هو: الغناء ونحوه.
وقوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} .
وقال ابن كثير: أي: هذا المقبل على: اللهو، واللعب، والطرب إذا تليت عليه الآيات القرآنية، ولّى عنها وأعرض وأدبر وتَصَامم وما به من صمم، كأنّه ما سمعها لأنه يتأذّى بسماعها إذ لا انتفاع له بها ولا أرب له فيها:{فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ، أي: يوم القيامة يؤلمه كما تألم بسماع كتاب الله وآياته: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
قال البغوي: {هَذَا} ، يعني الذي ذكرت مما تعاينون:{خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} من آلهتكم التي تعبدونها، {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} .
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ
يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) } .
عن مجاهد قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} قال: الفقه والعقل، والإصابة في القول من غير نبوّة، وقال عمرو بن قيس: كان لقمان عبدًا أسود غليظ الشفتين مصفّح القدمين، فأتاه رجل وهو في مجلس أناس يحدّثهم فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنم؟ قال: نعم، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني. وفي
الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} ، قلنا: يا رسول الله أيّنا لم يظلم نفسه؟ قال: «ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم، بشرك، أولم تسمعوا إلى قول لقمان: يا بنيّ لا تشرك بالله إن الشرك بالله لظلم عظيم» .
وقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ} ، قال ابن عباس: شدّة بعد شدّة وخلقًا بعد خلق.
وقوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} ، أي: فطامه في حولين، {أَنِ اشْكُرْ لِي}
بالتوحيد، {وَلِوَالِدَيْكَ} بالبرّ، {إِلَيَّ الْمَصِيرُ} فأجازيك على عملك. قال سفيان بن عيينة: من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما.
قال ابن جرير: فإن قال لنا قائل: ما وجه اعتراض هذا الكلام بين الخبر عن وصيتي لقمان ابنه؟ قيل: ذلك أيضًا وإن كان خبرًا من الله تعالى ذكره عن وصيته عباده به، وأنه إنما أوصى به لقمان ابنه فكان معنى الكلام: (وإذ قال لقمانُ لابنه وهو يَعِظُهُ: يا بُنيَّ لا تُشرك بِالله إن الشِّرك لظلم عظيم، ولا تطع في الشرك به والديك، وصاحبهما في الدنيا معروفًا، فإن الله وصّى بهما؛ واستؤنف الكلام على وجه الخبر من الله، وفيه هذا المعنى، فذلك وجه اعتراض ذلك بين الخبرين عن وصيته. انتهى.
وعن قتادة: قوله: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ} ، من خير، وشر، {فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ} ، أي: جبل، {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ
فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} ، أي:{لَطِيفٌ} باستخراجها، {خَبِيرٌ} بمستقرّها.
وعن ابن جريج في قوله: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} من الأذى في ذلك: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} ، قال: إن ذلك مما عزم الله عليه من الأمور، يقول: مما أمر الله به من الأمور.
وعن ابن عباس: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} ، يقول: ولا تتكبّر فتحقّر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلّموك. وعن الضحاك في قوله: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} ، قال: بالخيلاء، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} ، قال مجاهد:{مُخْتَالٍ} متكبر، {فَخُورٍ} . قال: يعدّد ما أعطى الله وهو لا يشكر الله.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} ، قال: التواضع، {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} ، قال قتادة:
أمره بالاقتصاد في صوته {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أوّله زفير، وآخره شهيق.
وقد روي عن لقمان من الحكم والمواعظ أشياء كثيرة فمنها قوله: إن الله إذا استودع شيئًا حفظه.
وقال: يا بنيّ إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك.
وقال: الصمت حكم وقليل فاعله.
وقال: يا بنيّ إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام - يعني: السلام - ثم اجلس في ناحيتهم، ولا تنطق حتى تراهم قد نطقوا، فإن أفاضوا في ذكر الله فَأجِلْ سهمك معهم، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحوّل عنهم إلى غيرهم. وقال خالد الربعيّ: كان لقمان عبدًا حبشيًا فدفع مولاه إليه شاة وقال: اذبحها وائتني بأطيب مضغتين منها. فأتاه باللسان، والقلب، ثم دفع إليه شاة أخرى وقال: اذبحها وائتني بأخبث مضغتين منها، فأتاه باللسان، والقلب، فسأله مولاه فقال: ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا. وعن عمر مولى غفرة قال: وقف رجل على لقمان الحكيم فقال: أنت لقمان، أنت عبد بني الحسحاس؟ قال: نعم، قال: أنت راعي الغنم؟ قال: نعم، قال: أنت الأسود؟ قال: أما سوادي فظاهر، فما الذي يعجبك من أمري؟ قال وطء الناس بساطك، وغشيهم بابك، ورضاهم بقولك! قال: يا ابن أخي إن صغيت إلى ما أقول لك كنت كذلك، قال لقمان: غَضِّي بصري، وكَفيّ لساني، وعفَة طعمتي، وحفظ فرجي، وقولي بصدقي، ووفائي بعهدي، وتكرمتي ضيفي، وحفظي جاري، وتركي ما لا يعنيني، فذلك الذي صيرّني إلى ما ترى. والله أعلم.
* * *