الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس المائتان
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ (85) أَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنفَخُ
فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) } .
* * *
يقول تعالى مخبرًا عن منكري البعث من المشركين: أنهم استبعدوا إعادة الأجساد بعد ذهابها فقالوا: {أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ} ، أي: ما زلنا نسمع هذا نحن وآباؤنا ولا نرى له حقيقة وقوعًا.
{إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها، قال الله تعالى مجيبًا لهم:{قُلْ} لهم يا محمد لهؤلاء: {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} ، أي: المكذّبين للرسل وبما جاءوهم به كيف حلّت بهم نقمة الله، ثم قال تعالى مسلّيًا لنبيّه صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} ، أي: في كيدك وردّ ما جئت به، فإن الله مؤيدك ومظهر دينك.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} . قال ابن عباس: يقول: اقترب لكم.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} بإنعامه عليهم وتأخير العذاب عنهم مع ظلمهم لأنفسهم {وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} ، فإنه يعلم السرائر كما يعلم الظواهر.
{وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} ، أي: مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} .
يقول تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} ، وهم أهل الكتاب التوراة والإِنجيل ليبيّن لهم:{أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمر الدين. قال الكلبي: إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابًا يطعن بعضهم على بعض، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه. {وَإِنَّهُ} ، يعني:
القرآن {لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ} الحق، {وَهُوَ الْعَزِيزُ} فلا يردّ أمره، {الْعَلِيمُ} بأحوالهم، {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} في جميع أمورك وبلّغ رسالة ربك، {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} وإن خالفك من خالفك.
{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} ، قال، قتادة: الأصمّ: إذا ولّى مدبرًا ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ما يُدعى إليه من الإِيمان.
قال البغوي: ومعنى الآية: أنهم لفرط إعراضهم عما يُدْعَوْن إليه كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه، والأصمّ الذي لا يسمع، {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ} ، أي: ما أنت بمرشد من أعمى الله قلبه عن الإِيمان {إِن تُسْمِعُ} ما تسمع، {إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ} مخلصون فيه مصدّقون بكتبه ورسله.
قال ابن عباس: تخاطبهم. قال ابن عمر: وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا يُنهى عن منكر. وعن قتادة: قوله: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} ، يقول: إذا وجب القول عليهم، والقول: الغضب. {أَخْرَجْنَا} دابة ذات زغب وريش، ولها أربع قوائم تخرج من بعض أودية تهامة. وعن
حذيفة بن أسيد الغفاري قال: أشرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر أمر الساعة فقال: «لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم عليه السلام، والدجال، وثلاثة خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب؛ ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا» . رواه أحمد وغيره.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، ولتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومنّ الساعة وقد رفع أحدكم
أكلته إلى فيه فلا يطعمها» . رواه البخاري. قال الطيبي: الآيات أمارات الساعة، إما على قربها، وإما على حصولها. فمن الأول: الدجال، ونزول عيسى، ويأجوج ومأجوج، والخسف. ومن الثاني: الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس.
وعن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله يقول: «إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيّتهما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على أثرها قريبًا» . رواه مسلم.
قال الحافظ ابن حجر: (فالذي يترجّح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أوّل الآيات العظام المؤذنة بتغيير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى ابن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هو أوّل الآيات العظام المؤذِنة بتغيير الأحوال العلوية، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعلّ خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب. قال: والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة تميّز المؤمن من الكافر، تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأوّل الآيات المؤذِنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس) . انتهى.
وقال عبد الله بن عمرو: (لا تلبثون بعد يأجوج ومأجوج إلا قليلاً حتى تطلع الشمس من مغربها، فيناديهم مناد: يا أيها الذين آمنوا قد قبل منكم، ويا أيها الذين كفروا قد أغلق عنكم باب التوبة، وجفّت الأقلام وطوت الصحف) . رواه نعيم، وحماد.
وعند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه: «يخرج الدجال من أمتي - الحديث وفيه -: فبعث الله عيسى ابن مريم فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين، ثم يرسل الله ريحًا باردة من قِبَلِ الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال حبة من خير أو إيمان إلا قبضته - وفيه -:
فيبقى شرار الناس في خِفّة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا. فيتمثّل لهم الشيطان فيأمرهم بعبادة الأوثان، ثم يُنفخ في الصور» . وروى أحمد وغيره من حديث أنس:«إن أمام الدجال سنون خداعات يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلّم فيها الرويبضة» . وفي حديث أبي هريرة عند ابن ماجة قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلّم في أمره العامّة» .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا قعودًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الفتن فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس. قال قائل: وما فتنة الأحلاس؟ قال: «هي هَرَبٌ وحَرْبٌ؛ ثم فتنة السرّاء دَخَنُها من تحت قَدَمَيْ رجل من أهل بيتي يزعم أنه منّي وليس منّي، إنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كَوَرِكٍ على ضِلَعٍ ثم فتنة الدُّهَيْمَاء لا تدع أحدًا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة. فإذا قيل: انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنًا، ويمسي كافرًا. حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده» . رواه أبو داود. ولأحمد من حديث
عبد الله بن عمرو: «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض، فيبقى عجاج لا يعرفون معروفًا ولا يُنكرون منكرًا» . وله من حديث أنس: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله» .
عن مجاهد قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} ، قال: زمرة، زمرة، {مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} ، قال: يحبس أوّلهم على آخرهم. وقال ابن عباس: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يُدفعون. قال البغوي: يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا، ثم يساقون إلى النار، {حَتَّى إِذَا جَاؤُوا} يوم القيامة، {قَالَ} الله لهم:{أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً} ولم تعرفوها حق معرفتها، {أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ؟
قال ابن كثير: أي: فيسئلون عن اعتقادهم وأعمالهم {وَوَقَعَ الْقَوْلُ} وجب العذاب، {عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ} ، قال قتادة: كيف ينطقون ولا حجّة
لهم؟ {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} يصدّقون فيعتبرون.
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) } .
عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله ما الصور؟ قال: «قرن» . قال: وكيف هو؟ قال: «قرن عظيم، ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفزع، والثانية: نفخة الصعق، والثالثة: نفخة القيام لله رب العالمين؛ يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول: انفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله، ويأمره الله فيمد بها ويطوّلها فلا يفتر وهي التي يقول الله:{وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} فيسيّر الله الجبال فتكون سرابًا، وترجّ الأرض بأهلها رجًّا وهي التي يقول الله:{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} فتكون الأرض كالسفينة الموثقة في البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها، أو كالقنديل المعلّق بالوتر تؤرجحه الأرياح فتميد الناس على ظهرها فتذهل المراضع، وتضع الحوامل، وتشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا وهو الذي يقول الله: {يَوْمَ التَّنَادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ
عَاصِمٍ} ، فبينا هم على ذلك إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر، فرأوا أمرًا عظيمًا فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به ثم نظروا إلى السماء فإذا هي كالمهل، ثم خُسف شمسها وقمرها، وانتثرت
نجومها ثم كُشطت عنهم» ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك» فقال أبو هريرة: يا رسول الله فمن استثنى الله حين يقول: {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} ، قال:«أولئك الشهداء، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، أولئك أحياء عند ربهم يُرزقون، وقاهم الله فزع ذلك اليوم وآمنهم، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه» . رواه ابن جرير.
وعن ابن عباس: قوله: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} يقول: صاغرين
…
{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} يقول: قائمة.
قال ابن جرير: وإنما قيل: {وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} لأنها تجمع ثم تسير فيحسب رائيها لكثرتها أنها واقفة، وهي تسير سيرًا حثيثًا، {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} ، قال ابن عباس يقول: أحكم كل شيء، {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} فيجازيكم عليه.
وعن ابن عباس في قوله: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ} ، يقول: من جاء بلا إله إلا الله
{فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} ، قال: فمنها يصل الخير إليه {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ} وهو الشرك {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} . وقال ابن زيد في قوله: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا} ، قال: أعطاه الله بالواحدة عشرًا فصاعدًا. قال البغوي: وهذا حسن.
قوله عز وجل: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
…
(93) } .
عن مجاهد قوله: {سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} ، قال: في أنفسكم، وفي السماء والأرض والرزق. وقال ابن كثير:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} ، أي: لله الحمد الذي لا يعذّب أحدًا إلا بعد قيام الحجّة عليه والإِنذار إليه، ولهذا قال تعالى:{سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} ، كما قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} .
وقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ، أي: بل هو شهيد على كل شيء. وقد ذكر عن الإِمام أحمد رحمه الله أنه كان ينشد هذين البيتين:
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا
…
تقل خلوتُ ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة
…
ولا أن ما يخفى عليه يغيبُ
* * *