الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس التاسع عشر بعد المائتين
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً (15) قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً (16) قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) يَحْسَبُونَ
الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ
عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (24) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (27) } .
* * *
قال ابن إسحاق: حدثني يزيد بن رومان في قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا} . والجنود: قريش، وغطفان، وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة. وعن مجاهد:{إذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} قال: عيينة بن بدر في أهل نجد، {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} ، قال أبو سفيان قال: وواجهتهم قريظة. وعن قتادة: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ} شخصت. وعن عكرمة: {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} ، قال: من الفزع. وعن الحسن: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} ، قال: ظنونًا مختلفة؛ ظنّ المنافقون أن محمدًا وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق أنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
وعن مجاهد قوله: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} ، قال: مُحِّصُوا.
وقال البغوي: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} أي: عند ذلك اختُبِرَ المؤمنون بالحصر والقتال، ليتبيّن المخلص من المنافق. {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} حُرِّكُوا حركة شديدة.
عن قتادة قوله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} ، قال: قال ذلك أناس من المنافقين: قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا ها هنا حتى ما يستيطع أحدنا أن يبرز لحاجته، {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} .
وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ} ، قال البغوي: وهم: أوس بن قيظي وأصحابه: يا أهل يثرب - يعني: المدينة. قال أبو عبيدة: يثرب
اسم أرض، ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها. وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسمّى المدينة يثرب، وقال:«هي طابة» ، كأنه كره هذا اللفظ - لا مقام لكم فارجعوا إلى منازلكم، ويستأذن فريق منهم النبي يقولون: إن بيوتنا عورة. قال ابن عباس قالوا: بيوتنا مخليّة نخشى عليها السرق. {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} .
وعن قتادة: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا} ، أي: لو دخل علهم من نواحي المدينة، {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} ، أي: الشرك، {لَآتَوْهَا} ، يقول: لأعطوها، {وَمَا
تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً} ، يقول: إلا أعطوه طيّبة به أنفسهم ما يحتبسونه، {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً} ، قال: كان أناس غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما أعطى الله أصحاب بدر من الكرامة، والفضيلة فقالوا: لئن أشهدنا الله تعالى قتالاً لنقاتلنّ، فساق الله ذلك إليهم حتى كان في ناحية المدينة. {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً} وإنما الدنيا كلها قليل.
وقوله تعالى: {قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ} .
قال البغوي: يمنعكم من عذابه {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً} .
قال ابن كثير: أي: ليس لهم ولا لغيرهم من دون الله مجير ولا مغيث.
وعن قتادة: قوله: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} ، قال: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم: ما محمد وأصحابه إلا آكلة رأس، ولو كانوا لحمًا لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا
هذا الرجل فإنه هالك. قال ابن إسحاق: حدّثنا يزيد بن رومان: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ} ، أي: أهل النفاق، {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} أي: إلا دفعًا وتعذيرًا
…
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} ، أي: للضغن الذي في أنفسهم، {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} ، أي: إعظامًا وفَرَقًا منه، {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} ، قال قتادة: أما عند القسمة فأشحّ قوم وأسوأ مقاسمة، أعطونا فإنا قد شهدنا معكم، وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للحق.
قال ابن كثير: أي: ليس فيهم خير، قد جمعوا الجبن والكذب وقلّة الخبر، فهم كما قال في أمثالهم الشاعر:
أفي السلم أعيار جفاء وغلظة
…
وفي الحرب أمثال النساء العوارك
ولهذا قال تعالى: {أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} .
وقوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} ، قال البغوي:{يَحْسَبُونَ} ، يعني: هؤلاء المنافقين، {الأحْزَابَ} ، يعني: قريشًا، وغطفان، واليهود، {لَمْ يَذْهَبُوا} لم ينصرفوا عن قتالهم جبنًا وَفرَقًا، وقد انصرفوا، {وَإِنْ يَأْتِ الأحْزَابُ} ، أي: يرجعوا إليهم للقتال بعد الذهاب، {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأعْرَابِ} ، أي: يتمنّوا لو كانوا في بادية مع الأعراب من الخوف والجبن، {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} أخباركم وما آل إليه أمركم، {وَلَوْ كَانُوا} ، يعني: هؤلاء المنافقين {فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا} تعذيرًا، أي: يقاتلون قليلاً يقيمون به عذرهم فيقولون: قد قاتلنا.
قوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا
وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ
الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً (24) } .
قال ابن إسحاق: حدّثني يزيد بن رومان قال: ثم أقبل على المؤمنين فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} أن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ولا عن مكان هو به،
…
{وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} ، يقول: وأكثر ذكر الله في الخوف والشدة والرخاء.
وعن ابن عباس قوله: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} ، قال: ذلك أن الله قال لهم في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} ، قال: فلما مسّهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق، تأوّل المؤمنون ذلك ولم يزدهم ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا.
وقال ابن إسحاق: حدّثني يزيد بن رومان: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} ، أي: فوالله بما عاهدوه عليه، {فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ} ، أي: فزع من عمله ورجع إلى ربه، كمن استشهد يوم بدر ويوم أحد، {وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ} ما وعد الله من نصره والشهادة على ما مضى عليه الصحابة {وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} ، قال قتادة: يقول: ما شكّوا ما
تردّدوا في دينهم ولا استبدلوا به غيره، {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} ، يقول: إن شاء أخرجهم من النفاق إلى الإيمان، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} .
عن قتادة: قوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً} ، وذلك يوم أبي سفيان والأحزاب، ردّ الله أبا سفيان وأصحابه بغيظهم،
…
{لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} بالجنود من عنده والريح التي بعث عليهم. وعن أبي سعيد الخدري قال: حُبِسْنا يوم الخندق عن الصلاة فلم نصلّ الظهر، ولا العصر، ولا المغرب، ولا العشاء، حتى كان بعد العشاء بهويّ كُفِينَا وأنزل الله:{وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام الصلاة وصلّى الظهر فأحسن صلاتها كما كان يصلّيها في وقتها، ثم صلى العصر كذلك، ثم صلى المغرب كذلك، ثم صلى العشاء كذلك، جعل لكل صلاة إقامة وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف، {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} . رواه ابن جرير.
قال ابن كثير: ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مؤيدًا منصورًا، ووضع الناس السلاح. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وعثاء تلك المرابطة في بيت أم سلمة رضي الله عنها، إذ تبدّى له جبريل عليه الصلاة والسلام معتجرًا بعمامة من إستبرق، على بغلة عليها قطيفة من ديباج، فقال له: وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نعم» . قال: لكن الملائكة لم تضع أسلحتها، وهذا الآن رجوعي من طلب القوم. ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تنهض إلى بني قريظة.
وقوله تعالى: {وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ} أي: حصونهم، وهم: بنو قريظة، {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} ، قال ابن إسحاق: حدّثني يزيد بن رومان:
…
{فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً} ، أي: قتل الرجال وسبي الذراري، والنساء، {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} ، قال ابن زيد في قوله:{وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ} ، قال: قريظة والنضير أهل الكتاب، {وَأَرْضاً لَّمْ تَطَؤُوهَا} يومئذٍ قال: خبير. وقال الحسن: هي: الروم، وفارس، وما فتح الله عليهم.
وقال ابن جرير: يجوز أن يكون الجميع مرادًا، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} .
* * *