الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث والستون بعد المائة
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً (49) وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً (51) وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً (57) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا
وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً (58) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ
غَيّاً (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (65) }
* * *
قال البغوي: الصديق: الكثير الصدق القائم عليه وعن الحسن:
…
{وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً} ، قال طويلاً. قال ابن إسحاق يقول: دهرًا والدهر الملي وعن ابن عباس [قوله] : {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً} ، يقول: لطيفًا.
قال ابن جرير: وقوله: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} ، يقول: وأجتنبكم وما تدعون من دون الله من الأوثان والأصنام، {وَأَدْعُو رَبِّي} ، يقول: وأدعو ربي بإخلاص العبادة له وإفراده بالربوبية، {عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً} ، يقول: عسى أن لا أشقى بدعاء ربي، ولكن يجيب دعاء ربي، ويعطني ما أسأله.
عن ابن عباس قوله: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً} ، يقول: الثناء الحسن.
قال البغوي: {مُخْلَصاً} ، أي: مختارًا اختاره الله عز وجل.
وقوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ} ، أي: جانبه الأيمن من موسى حين ذهب يبتغي من تلك النار جذوة.
وعن ابن عباس: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} ، قال: أُدْنِيَ حتى سمع صريف القلم. {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً} ، قال: كان هارون أكبر من موسى، ولكن أراد وهب له نبوته.
عن مجاهد في قوله: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} ، قال: لم يَعِدْ شيئًا إلَاّ وفى به. قال بعض السلف: إنما قيل له: صادق الوعد لأنه قال لأبيه: ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فصدق في ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» .
قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً (57) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ
…
وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً (58) } .
عن مجاهد: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} ، قال: السماء الرابعة. وفي حديث المعراج في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء قال: «أتيت على إدريس في السماء الرابعة» . وعن الأعمش عن إبراهيم قال: قرأ عمر ابن الخطاب سورة مريم فسجد فقال: (هذا السجود فأين البكي؟) .
قوله عز وجل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَّا سَلَاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ
عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (65) } .
عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن:
…
{الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} و {عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} و {عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} فقال ابن مسعود رضي الله عنه: على مواقيتها، قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال:(ذاك الكفر) .
وعن مجاهد قوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} ، قال: عند قيام الساعة، وذهاب صالح أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ينزو بعضهم على بعض في الأزقّة. وعن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله أنه قال في
هذه الآية: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} ، قال: نهر في جهنم خبيث الطعم، بعيد القعر، يعذّب فيه الذين يتّبعون الشهوات.
وقوله تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً * جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} ، يعني: أنهم لم يروها، {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً} ، أي: العباد صائرون إلى ما وعدهم الله، ووعده آت لا محالة. وعن قتادة: قوله: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} ، فيها ساعتان: بكرة وعشيّ، فإن ذلك لهم لبس ثم ليل، إنما هو: ضوء، ونور، وقال: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء
والعشاء يحجب له، فأخبرهم الله أن لهم في الجنة بكرة وعشيًا قدر ذلك الغداء والعشاء. وقوله تعالى:{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً} قال ابن جرير: يقول: من كان بكرة وعشيًا قدر ذلك الغداء والعشاء ذا اتقاء عذاب الله، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. وعن ابن عباس: أن محمدًا قال لجبرائيل: «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا» ؟ فنزلت هذه الآية: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} . قال: هذا الجواب لمحمد صلى الله عليه وسلم. رواه ابن جرير وغيره. وقال سعيد بن جبير: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} من أمر الآخرة، {وَمَا خَلْفَنَا} ما مضى من الدنيا. وعن مجاهد {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} قال: ما نسيك ربك. وعن قتادة: قوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} ، لا سميّ لله ولا عدل له، كل خلقه يقوله ويعترف: الله خالقه، ويعرف ذلك ثم يقرأ هذه الآية:{ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} . وعن مجاهد في هذه الآية: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} ، قال: هل تعلم له شبيهًا؟ هل تعلم له مثلاً تبارك وتعالى؟ .
* * *