الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الرابع بعد المائتين
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) } .
قال البغوي: قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى} ، يعني: قوم نوح، وعادًا، وثمود وغيرهم، كانوا قبل موسى، {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} ، يعني: ليبصروا بذلك الكتاب ويهتدوا به {وَهُدًى} من الضلال لمن عمل به، {وَرَحْمَةً} لمن آمن به، {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} بما فيه من المواعظ والبصائر.
{وَمَا كُنتَ} يا محمد {بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} يعني: بجانب الجبل الغربي. قال قتادة، والسدي: قال ابن عباس: يريد حيث ناجى موسى ربه، {إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} يعني: عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وقومه، {وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} الحاضرين ذلك
المقام فتذكره من ذات نفسك، {وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً} خلقنا أممًا من بعد موسى عليه السلام {فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} ، أي: طالت عليهم المهلة فنسوا عهد الله وميثاقه وتركوا أمره، وذلك أن الله تعالى قد عهد إلى موسى وقومه عهودًا في محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به، فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها.
{وَمَا كُنتَ ثَاوِياً} مقيمًا في أهل مدين كمقام موسى وشعيب فيهم، {تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} تذّكرهم بالوعد والوعيد. قال مقاتل يقول: لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مدين، فتقرأ على أهل مكة خبرهم
…
{وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} أي: أرسلناك رسولاً، وأنزلنا عليك كتابًا فيه هذه الأخبار فتتلوها عليهم، ولولا ذلك لما علمتها ولم تخبرهم بها، {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} بناحية الجبل الذي كلّم الله عليه موسى، {إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} قال ابن كثير: أي: ما كنت مشاهدًا لشيء من ذلك، ولكن الله تعالى أوحاه إليك وأخبرك به رحمة منه بك وبالعباد بإرسالك إليهم {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .
قوله عز وجل: {وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ
(48)
قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) } .
قال البغوي: {وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ} عقوبة ونقمة، {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من الكفر والمعصية {فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا} هلاّ {أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . وجواب (لولا) محذوف: أي: لعاجلناهم بالعقوبة،
يعني: لولا أنهم يحتجّون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة بكفرهم؛ وقيل: معناه لَمَا بعثناك إليهم رسولاً، ولكن بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
{فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا} ، يعني: محمد صلى الله عليه وسلم، {قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} من الآيات، قال الله تعالى:{أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} . قال مجاهد: يهود تأمر قريشًا أن تسأل محمدًا مثل ما أوتي موسى، يقول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل: لقريش يقولوا لهم: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ} .
وعن قتادة: قوله: {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} ، قالت ذلك أعداء الله اليهود للإنجيل والفرقان. وعن الضحاك:{وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ}
يعنون: الإنجيل والفرقان. وقال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن القوم الذين لو عذّبهم قبل قيام الحجّة عليهم لاحتجّوا بأنهم لم يأتهم رسول، أنهم لما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، على وجه التعنّت والعناد،
…
{لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} يعنون والله أعلم: من الآيات الكثيرة. {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ} ؟ أي: أو لم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الآيات العظيمة؟ وقالوا: {سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} ، أي: تعاونا، {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} ، أي: بكل منهما كافرون؛ ولشدّة التلازم والتصاحب والمقاربة بين موسى وهارون، دلّ ذكر أحدهما على الآخر. قال: وأما من قرأ: {سحران تظاهرا} ، فعن ابن عباس: يعنون: التوراة، والقرآن. انتهى ملخصًا.
وقوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ، قال ابن زيد: هو أهدى من هذين الكتابين الذي بعث به موسى والذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} ، قال ابن كثير: أي: فإن لم يجيبوك عما قلت لهم ولم يتّبعوا الحق {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ} أي بلا دليل ولا حجّة {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} أي: بغير حجّة مأخوذة من كتاب الله، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
وعن قتادة: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} ، قال: وصلّ الله لهم القول في هذا القرآن يخبرهم: كيف صنع بمن مضى وكيف هو صانع. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .
عن مجاهد قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ} إلى قوله {الْجَاهِلِينَ} قال هم: مسلمة أهل الكتاب. وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه ثم آمن بي، وعبد مملوك أدّى حق الله وحقّ مواليه، ورجل كانت له أمة فأدّبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها فتزوّجها» .
وقال ابن إسحاق: ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عشرون رجلاً أو قريب من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد فجلسوا إليه وكلّموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا، دعاهم إلى الله تعالى وتلا عليهم
القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم
استجابوا لله وآمنوا به وصدّقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش فقالوا لهم: خيّبكم الله من ركب، بعثكم مَنْ وراءكم مِنْ أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل فلم تطمئنّ مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدّقتموه فيما قال؟ ! ما نعلم ركبًا أحمق منكم، أو كما قالوا لهم. فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه، لم نَأْلُ أنفسنا خيرًا، إلى أن قال: ويقال: والله أعلم أن فيهم نزلت هذه الآيات:
…
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ} إلى قوله: {لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} .
* * *