الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير: يقول تعالى مخبرًا عن الناس إنهم في حال الاضطرار يدعون الله وحده لا شريك له، وأنه إذا أسبغ عليهم النعم إذا فريق منهم في حالة الاختيار يشركون بالله، ويعبدون معه غيره. وقوله تعالى:{لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} ، هي: لام العاقبة عند بعضهم، ولام التعليل عند آخرين، ولكنها تعليل لتقييض الله لهم ذلك ثم توعّدهم بقوله:{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} قال بعضهم: والله لو توعّدني حارس درب لخفتُ منه، فكيف والمتوعّد ها هنا هو الذي يقول للشيء: كن فيكون؟ .
ثم قال تعالى: منكرًا عن المشركين فيما اختلفوا فيه من عبادة غيره بلا دليل ولا حجّة ولا برهان، {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً} ، أي: حجّة، {فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} أي: لم ينطق بما كانوا به يشركون؟ وهذا استفهام إنكار أي: لم يكن لهم شيء من ذلك.
ثم قال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ، هذا إنكار على الإنسان من حيث هو، إلا من عصمه الله ووفّقه، فإن الإنسان إذا أصابته نعمة بطر وقال:
{ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ
لَفَرِحٌ فَخُورٌ} ، أي: يفرح في نفسه ويفخر على غيره، وإذا أصابته شدّة قنط وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير بالكلّيّة، قال الله تعالى:{إِلَاّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} ، أي: صبروا في الضرّاء وعملوا الصالحات في الرخاء، كما ثبت في الصحيح:«عجبًا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» .
وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} ، أي: هو المتصرّف الفاعل لذلك بحكمته وعدله، فيوسّع على قوم ويضيّق على آخرين، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
عن الحسن: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} ، قال: هو أن توفّيهم حقّهم إن كان عندك يسر، وإن لم يكن عندك {فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً} قل لهم الخير.
وعن ابن عباس قوله: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} ، قال: هو ما يعطي الناس بينهم بعضهم بعضًا، يعطي الرجل الرجل العطيّة يريد أن يعطي أكثر منها. وقال مجاهد: هي الهدايا، وقال الضحاك في قوله:{وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} فهو ما يتعاطى الناس بينهم ويتهادون، يعطي الرجل العطيّة ليصيب منه أفضل منها، وهذا للناس عامة، وأما قوله: {وَلَا
تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} فهذا للنبي خاصة، لم يكن له أن يعطي إلا لله، ولم يكن يعطي ليعطى أكثر منه. وقال ابن عباس قوله:{وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} ، قال: هي: الهبة، يهب الشيء يريد أن يثاب عليه أفضل منه، فذلك الذي: لا يربو عند الله لا يؤجر فيه صاحبه، ولا إثم عليه {وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ} . قال: هي: الصدقة، {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} ، قال قتادة: هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالها وأكثر من ذلك.
قوله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ (42) } .
عن قتادة: قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} للبعث بعد الموت {هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ} ؟ لا والله، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} سبّح نفسه إذا قيل عليه البهتان.
وعن الحسن: في قوله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} ، قال: أفسدهم الله بذنوبهم في بحر الأرض وبرّها بأعمالهم الخبيثة، {لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ، وقال قتادة: لعل رجعًا أن يرجع، لعلّ تائبًا أن يتوب، لعلّ مستعتبًا أن يستعتب. وقوله تعالى:{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ} .
قال البغوي: لتروا منازلهم ومساكنهم خاوية، {كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ} فأهلكوا بكفرهم.
عن قتادة: قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} الإِسلام، {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} فريق في الجنة، وفريق في السعير.
وقوله تعالى: {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} .
قال ابن جرير: يقول تعالى ذكره: من كفر بالله فعليه أوزار كفره وآثام جحوده نعم ربه، {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} ، يقول: فلأنفسهم يستعدّون ويسوّون المضجع ليسلموا من عقاب ربهم ولينجوا من عذابه.
{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ} .
قال ابن كثير: أي: يجازيهم مجازاة الفضل، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله. {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} ومع هذا هو العادل فيهم الذي لا يجور.
* * *