الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ} ، أي: دلالة واضحة على وحدانية الله تعالى وقدرته التامّة وإحيائه الموتى، {الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} بالمطر، {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً} يعني: الحنطة وغيرها، {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ} بساتين {مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ} أي: من ثمر المذكور {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي: لم تعمل الثمر. وقال في جامع البيان: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أي: الثمر لم تعمله أيدي الناس، بل خَلْقُ الله، ولهذا قال:{أَفَلَا يَشْكُرُونَ} ؟ وعن بعض: أن (ما) موصولة، عطف على ثمره، والمراد ما يُتّخذ منه كالدبس.
…
{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ} الأنواع {كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} الذكر والأنثى، {وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} من مخلوقات شتّى.
قوله عز وجل: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي
لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) } .
قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} ، قال البغوي: وذلك أن الأصل هي الظلمة، والنهار دخلٌ، فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة. وعن قتادة قوله:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} ، قال: وقت واحد لا تعدوه. وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم:«يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى:
…
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا * ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} » . رواه البخاري وغيره. وفي رواية أحمد: «فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل، فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع إلى مطلعها، وذلك مستقرها، - ثم قرأ -:
…
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} » . وفي رواية البغوي: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يُقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} » .
قال ابن جرير: وقوله: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ، يقول: هذا الذي وصفنا من جري الشمس لمستقرٍّ لها، تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه العليم بمصالح خلقه وغير ذلك من الأشياء كلها، لا تخفى عليه خافية.
وعن الحسن في قوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} قال: كعذق النخلة إذا قدم فانحنى.
وقال ابن كثير: ثم قال جل وعلا: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ، أي: جعلناه يسير سيرًا آخر يُستدلّ به على مضيّ الشهور، كما أن الشمس يُعرف بها الليل والنهار، كما قال عز وجل:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} ، وقال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ * مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .
وقوله تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ} ، قال مجاهد: لكل منهما حدّ لا يعدوه ولا يقصّر دونه، إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا، وإذا ذهب سلطان هذا جاء سلطان هذا. {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} قال الضحاك: لا يذهب الليل من ها هنا حتى يجيء النهار من ها هنا.
…
{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ، قال ابن عباس: يجرون في فَلَكَةٍ كَفَلَكَةِ المغزل. وقال مجاهد: الفَلَكُ كحديدة الرَّحى، أو كفلكة المغزل لا يدور المغزل إلا بها، ولا تدور إلا به.
قال البغوي: والمراد بالذرية: الآباء، والأجداد. واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد. {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} ، أي: المملوء، وأراد سفينة نوح، وهؤلاء من نسل من حُمل مع نوح، وكانوا في أصلابهم. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تدرون ما: {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} ؟ قلنا: لا، قال: هي
السفن جُعلت لهم من بعد سفينة نوح على مثلها. وقال السدي: ألا ترى أنه قال: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ} ؟ قال قتادة: أي: لا مغيث لهم، {إِلا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} ، أي: إلى الموت.
قال البغوي: يعني: إلا أن يرحمهم ويمتّعهم على حين آجالهم.
قال البغوي: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} ، قال ابن عباس:{مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} يعني: الآخرة فاعملوا لها {وَمَا خَلْفَكُمْ} يعني: الدنيا فاحذروها، ولا تغترّوا بها. وقيل:{مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم {وَمَا خَلْفَكُمْ} عذاب الآخرة، وهو قول قتادة، ومقاتل. {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} والجواب محذوف تقديره: إذا قيل لهم هذا أعرضوا عن دليله ما بعده. {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} أي: دلالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم، {إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} .
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ} أعطاكم الله {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ} أنرزق {مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} ؟ وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة: أنفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله وهو ما جعلوه لله من حروثهم وأنعامهم، قالوا:{أَنُطْعِمُ} أنرزق {مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} رزقه ثم لم يرزقه مع قدرته عليه، فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله، وهذا إنما يتمسّك به البخلاء يقولون: لا نعطي من حرمه الله؛ وهذا الذي يزعمون باطل لأن
الله أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء، فمنع الدنيا من الفقير لا بُخْلاً، وأمر الغنيّ بالإنفاق لا حاجةً إلى ماله ولكن ليبلو الغنيّ بالفقير فيما أمر وفرض له في مال الغنيّ، ولا اعتراض على مشيئة الله وحكمه في خلقه، {إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ،
يقول الكفار للمؤمنين: ما أنتم إلا في خطأ بيّن في اتباعكم محمدًا وترك ما نحن عليه. انتهى. والله أعلم.
* * *