المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدرس الثامن عشر بعد المائتين ‌ ‌[سورة الأحزاب] مدنية، وهي ثلاث وسبعون آية … - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ٣

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس السادس والخمسون بعد المائة

- ‌[سورة الكهف]

- ‌الدرس السابع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والخمسون بعد المائة

- ‌الدرس الستون بعد المائة

- ‌الدرس الحادي والستون بعد المائة

- ‌[سورة مريم عليها السلام]

- ‌الدرس الثاني والستون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والستون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والستون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والستون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والستون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والستون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والستون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والستون بعد المائة

- ‌الدرس السبعون بعد المائة

- ‌[سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

- ‌الدرس الحادي والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والسبعون بعد المائة

- ‌[سورة الحج]

- ‌الدرس السادس والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والسبعون بعد المائة

- ‌الدرس الثمانون بعد المائة

- ‌[سورة المؤمنون]

- ‌الدرس الحادي والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الرابع والثمانون بعد المائة

- ‌[سورة النور]

- ‌الدرس الخامس والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس الثامن والثمانون بعد المائة

- ‌الدرس التسعون بعد المائة

- ‌[سورة الفرقان]

- ‌الدرس الحادي والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الثاني والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الثالث والتسعون بعد المائة

- ‌[سورة الشعراء]

- ‌الدرس الرابع والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس الخامس والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس السادس والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس السابع والتسعون بعد المائة

- ‌[سورة النمل]

- ‌الدرس الثامن والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس التاسع والتسعون بعد المائة

- ‌الدرس المائتان

- ‌الدرس الأول بعد المائتين

- ‌[سورة القصص]

- ‌الدرس الثاني بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس بعد المائتين

- ‌الدرس السادس بعد المائتين

- ‌الدرس السابع بعد المائتين

- ‌[سورة العنكبوت]

- ‌الدرس الثامن بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع بعد المائتين

- ‌الدرس العاشر بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي عشر بعد المائتين

- ‌[سورة الروم]

- ‌الدرس الثاني عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع عشر بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس عشر بعد المائتين

- ‌[سورة لقمان]

- ‌الدرس السادس عشر بعد المائتين

- ‌الدرس السابع عشر بعد المائتين

- ‌[سورة السجدة]

- ‌الدرس الثامن عشر بعد المائتين

- ‌[سورة الأحزاب]

- ‌الدرس التاسع عشر بعد المائتين

- ‌الدرس العشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الحادي والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والعشرون بعد المائتين

- ‌[سورة سبأ]

- ‌الدرس الرابع والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والعشرون بعد المائتين

- ‌[سورة فاطر]

- ‌الدرس الثامن والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والعشرون بعد المائتين

- ‌الدرس الثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة يس]

- ‌الدرس الواحد والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة الصافات]

- ‌الدرس الرابع والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الخامس والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والثلاثون بعد المائتين

- ‌[سورة ص]

- ‌الدرس الثامن والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والثلاثون بعد المائتين

- ‌الدرس الأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة الزمر]

- ‌الدرس الحادي والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الثاني والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الثالث والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس الرابع والأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة المؤمن]

- ‌الدرس الخامس والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس السادس والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس السابع والأربعون بعد المائتين

- ‌[سورة فصلت]

- ‌الدرس الثامن والأربعون بعد المائتين

- ‌الدرس التاسع والأربعون بعد المائتين

الفصل: ‌ ‌الدرس الثامن عشر بعد المائتين ‌ ‌[سورة الأحزاب] مدنية، وهي ثلاث وسبعون آية …

‌الدرس الثامن عشر بعد المائتين

[سورة الأحزاب]

مدنية، وهي ثلاث وسبعون آية

عن زر قال: (قال أبيّ بن كعب: كم تعدّون سورة الأحزاب؟ قلت: ثلاثًا وسبعين آية، قال: فوالذي يحلف به أبيّ بن كعب، إن كانت لتعدل سورة البقرة وأطول، ولقد قرأنا منها: آية الرجم: الشيخ، والشيخة إذا زنيا فارجموهما) .

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ

ص: 478

وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (5) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً

كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (8) } .

* * *

ص: 479

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3) } .

قال ابن كثير: هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا، فَلأن يأتمر مَنْ دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى؛ وقد قال طَلْق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله.

وعن قتادة: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} ، أي: هذا القرآن، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} . قال البغوي: حافظًا لك.

قوله عز وجل: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (5) } .

قال ابن كثير: يقول تعالى: موطئًا قبل المقصود المعنويّ أمرًا معروفًا حسّيًا

ص: 480

وهو أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، ولا تصير

زوجته التي يظاهر منها بقوله: أنت عَلَيَّ كظهر أمي أمًّا له، كذلك لا يصير الدَّعيّ ولدًا للرجل إذا تبنَّاه فدعاه ابنًا له، فقال:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} ، كقوله عز وجل:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ} الآية.

قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} هذا هو المقصود بالنفي، فإنها نزلت في شأن زيد بن حارثة رضي الله عنه مولى النبي صلى الله عليه وسلم، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنّاه قبل النبوّة فكان يقال له: زيد بن محمد، فأراد الله أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} ، كما قال تعالى في أثناء السورة:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} وقال ها هنا:

{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} ، يعني: تبنّيكم لهم قولاً لا يقتضي أن يكون ابنًا حقيقيًّا، فإنه مخلوق من صلب رجل آخر، فما يمكن أن يكون له أبوان كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان، {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} . انتهى.

وعن قتادة: {ادْعُوهُم لآبائهِمْ هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ} ، فإن لم تعلموا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك. {وَلَيْسَ عَليْكُمْ جُناحٌ فِيما أخْطأْتُمْ بِهِ} ، يقول: إذا دعوت الرجل لغير أبيه وأنت ترى أنه كذلك، {وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ، يقول الله: لا تدعه لغير أبيه متعمدًا، أما الخطأ فلا يؤاخذكم الله به، ولكن

يؤاخذكم بما تعمّدت قلوبكم. قال مجاهد: فالعمد ما أُتي بعد البيان والنهي في هذا وغيره. وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال:

ص: 481

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلمه فالجنة عليه حرام» . رواه البغوي وغيره.

قوله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً

(6) } .

قال ابن زيد: {النَّبيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنفُسهِمْ} كما أنت أولى بعبدك ما قضى فيهم من أمر جاز كما كلما قضيت على عبدك جاز. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} ، فأيّما مؤمن ترك مالاً فليرثه عصبة مَنْ كانوا، وإن ترك دَيْنًا أو ضَياعًا فليأتني فأنا مولاه» . رواه البخاري وغيره. وعن قتادة: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} يعظِّم بذلك حقّهنّ، وفي بعض القراءة: وهو: أب لهم. قال ابن زيد في قوله: {وأزْوَاجُهُ أُمَّهاتُهُمْ} محرّمات عليهم. وعن قتادة: {وأُولُوا الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ في كتاب اللَّهِ مِنَ المُؤْمِنينَ والمُهاجِرِينَ} ، لبث المسلمون زمانًا يتوارثون بالهجرة،

والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجرين شيئًا، فأنزل الله هذه الآية فخلط المؤمنين بعضهم ببعض فصارت المواريث بالملل.

وعن مجاهد قوله: {إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً} ، قال حلفاؤكم الذين والى بينهم النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار إمساك بالمعروف والعقل

ص: 482

والنصر بينهم. قال ابن كثير وقوله تعالى: {إلا أنْ تَفْعَلُوا إلى أوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً} ، أي: ذهب الميراث، وبقي: النصر، والبرّ، والصلة، والإحسان، والوصيّة.

قوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً (7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً (8) } .

عن مجاهد: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ} ، قال: في ظهر آدم. وقال البغوي: قوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} على الوفاء بما حملوا، وأن يصدّق بعضهم بعضًا ويبشّر بعضهم ببعض. قال مقاتل: أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادة الله ويصدّق بعضهم بعضًا وينصحوا لقومهم، {وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} خصّ هؤلاء الخمسة بالذكر من بين النبيّين لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولي العزم من الرسل انتهى.

قال ابن كثير: فبدأ في هذه الآية بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه، ثم رتّبهم بحسب وجودهم صلوات الله عليهم. وقال في قوله: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ

ص: 483

أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} ، فذكر الطرفين والوسط الفاتح ومن بينهما على الترتيب. وعن ابن عباس قوله:{وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} ، قال: الميثاق الغليظ العهد. وعن مجاهد: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} ، قال: الرسل المؤدّين المبلغّين.

قال ابن كثير: وقوله تعالى: {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً} ، أي: موجعًا. فنحن نشهد أن الرسل قد بلّغوا رسالات ربهم ونصحوا الأمم، وإن كذّبهم من كذّبهم من الجهلة والمعاندين، فما جاءت به الرسل هو الحق، ومن خالفهم فهو على الضلال، كما يقول أهل الجنة:{لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} .

* * *

ص: 484