الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس الثالث بعد المائتين
{فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا
أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) } .
* * *
قوله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ
…
الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (32) } .
عن قتادة: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ} ، قال: حدث ابن عباس قال: رعى نبيّ الله أكثرها وأطيبها.
وقوله تعالى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} .
قال ابن كثير: قالوا: لأن موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله فعزم على زيارتهم في خفية من فرعون وقومه، فتحمَّل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره، فسلك بهم في ليلة مطيرة باردة، فنزل منزلاً فجعل كل ما أورى زنده لا يضيء شيئًا، فتعجّب من ذلك، فبينما هو كذلك {آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً} أي: رأى نارًا تضيء على بعد، {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} أي: حتى أذهب إليها {لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ}
وذلك لأنه قد أضل الطريق، {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} ، أي: قطعة منها، {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} ، أي: تستدفئون بها من البرد. قال
الله تعالى:
…
{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ} ، أي: من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب كما قال تعالى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} ، والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لحف الجبل مما يلي الوادي، فوقف باهتًا في أمرها فناداه ربه،
…
{مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} أي: الذي يخاطبك ويكلّمك هو رب العالمين الفعال لما يشاء، لا إله غيره ولا رب سواه، تعالى وتقدّس وتنزّه عن مماثلة المخلوقات في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله سبحانه.
وقوله: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} ، أي: التي في يدك، كما قرّره على ذلك في قوله تعالى:{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ} ، والمعنى: أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها، {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} وقال: ها هنا. {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ} ، أي: تضطرب، {كَأَنَّهَا جَانٌّ} ، أي: في حركتها السريعة مع عظم خلقتها، {وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} ، أي: ولم يكن يلتفت، لأن طبع البشرية ينفر من ذلك، فلما قال الله له:{يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} رجع فوقف في مقامه الأول.
ثم قال الله تعالى {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي: إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها فإنها تخرج تلألأ كأنها
قطعة قمر في لمعان البرق، ولهذا قال:{مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} ، أي: من غير برص. انتهى ملخصًا.
وقوله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} ، قال ابن زيد: مما دخله من الفَرَقِ من الحيّة والخوف، {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ} ، قال السدي: العصا، واليد.
قال ابن جرير يقول: آياتان وحجّتان، {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} ، يقول: إلى
فرعون وأشراف قومه، حجّة عليهم ودلالة على حقيقة نبوّتك يا موسى، {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} .
عن ابن إسحاق: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} ، أي: يبيّن لهم عنيّ ما أكلّمهم به. وعن مجاهد:
…
{فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} ، قال: عونًا. وقال ابن زيد: لأن الاثنين
أحرى أن يُصَدَّقا من واحد، {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً} ، قال مجاهد: حجّة، {فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا} .
قال البغوي: أي: لا يصلون إليكما بقتل ولا سوء، لمكان آياتنا.
{أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ * فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ} واضحات، {قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى} .
قال ابن كثير: أي: مفتعل مصنوع، {وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا} الذي تدعونا إليه، {فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ} وسيفصل بيني وبينكم ولهذا قال:{وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} أي: العقبى المحمودة في الدنيا والآخرة، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} .
قال ابن كثير: أمر فرعون وزيره هامان أن يوقد له على الطين، يعني يتّخذ له آجُرًّا لبناء الصرح، وهو القصر المنيف الرفيع العالي، كما قال في
الآية الأخرى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} ، وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم يُر في الدنيا بناء أعلى منه، وإنما أراد بهذا أن يظهر لرعيتّه تكذيب موسى فيما يزعمه من دعوى إله غير فرعون، ولهذا قال:{وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ، أي: في قوله: أن ثَمّ ربًّا غيري.
وقوله تعالى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} ، أي: طغوا وتجبّروا وأكثروا في الأرض الفساد، واعتقدوا أنه لا قيامة ولا مَعَاد، {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} ، ولهذا قال تعالى: ها هنا: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} ، أي: أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة فلم يبق منهم أحد.
{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ} ، أي: فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولاً بذلّ الآخرة كما قال تعالى: {أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} .
وقوله تعالى: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} ، أي: وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ} ، قال البغوي:{مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ} الملعونين. وقال
ابن عباس من المشوّهين بسواد الوجوه وزرقة العيون. وقال قتادة: لعنوا في الدنيا والآخرة، قال: هو كقوله: {وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} .
* * *