الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدرس السادس والسبعون بعد المائة
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14) مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ (16) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ
يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) } .
* * *
عن مجاهد قوله: {عَلَى حَرْفٍ} ، قال: على شك، {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} رخاء وعافية استقر، {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} عذاب ومصيبة،
…
{انقَلَبَ} ارتد، {عَلَى وَجْهِهِ} كافرًا. وقال ابن زيد: هذا المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة، وإن فسدت عليه دنياه وتغيّرت انقلب، ولا يقيم على العبادة إلا لما صلح من دنياه، وإذا أصابته شدّة أو فتنة أو اختبار أو ضيق ترك دينه ورجع إلى الكفر.
وقال قتادة: {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} ، يقول: كثر ماله، وكثرت ماشيته {اطْمَأَنَّ} وقال: لم يصبني في ديني هذا منذ دخلته إلا خير، {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} ، يقول: وإن ذهب ماله، وذهبت ماشيته، {انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} .
وقال ابن زيد في قوله: {يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ} يكفر بعد إيمانه، {ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} . {يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ} ، أي: في الدنيا، {أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} ، قال ابن
زيد: العشير هو: المعاشر الصاحب. وقال مجاهد: هو الوثن. قال ابن كثير: يعني: بئس هذا الذي دعاه من دون الله مولى يعني: وليًا وناصرًا، {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} وهو المخالط والمعاشر.
قال قتادة: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} ، يقول: بحبل إلى السماء البيت، {ثُمَّ لِيَقْطَعْ} ، يقول: ثم ليختنق،
…
{فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} ؟
وقال البغوي: {وَكَذَلِكَ} ، أي: مثل ذلك. يعني: ما تقدم من آيات القرآن، {أَنزَلْنَاهُ} ، يعني: القرآن، {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ} .
يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين ومن سواهم، أنه يحكم بينهم بالعدل فيدخل الجنة من آمن به وأطاعه، ويدخل النار من كفر به وعصاه. قال قتادة: الصابئون: قوم يعبدون الشمس والقمر والنيران، {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} يعبدون الأوثان؛ والأديان ستة: خمسة للشيطان، وواحد للرحمن.
قوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ
وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) } .
هذه الآية كقوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} . وقال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلَاّ يقع ساجدًا حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له. وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدري أين تذهب هذه الشمس» ؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها: ارجعي من حيث جئت» .
وقوله تعالى: {وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ} ، قال مجاهد: المؤمنون، {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} ، قال البغوي: وهم الكفار لكفرهم وتركهم السجود،
وهم مع كفرهم يسجد ظالمهم لله عز وجل: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} ، أي: من يذلّه الله فلا يكرمه أحد {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} .
قال عطاء: نزلت هؤلاء الآيات: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} في الذين تبارزوا يوم بدر: حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة. إلى قوله:{وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} .
وقال مجاهد: هم الكافرون والمؤمنون، اختصموا في ربهم، {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ} ، قال: الكافر قُطّعت له ثياب من نار، والمؤمن يدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار. وروى ابن جرير وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الجحيم يصبّ على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه، وهو
الصَّهر، ثم يعاد كما كان» . وروى ابن جرير عن أبي ظبيان قال: النار سوداء مظلمة لا يضيء لهيبها ولا جمرها، ثم قرأ:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} ، وقد ذكر أنهم يحاولون الخروج من النار حين تجيش جهنم فتلقي من فيها إلى أعلى أبوابها فيريدون الخروج فتعيدهم الخزان فيها بالمقامع، ويقولون لهم إذا ضربوهم:{وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} .
ولما ذكر تعالى حال أعدائه في النار، ذكر حال أوليائه في الجنة فقال:{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} . وفي الصحيح: «لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» . وورد في الحديث الآخر: «الذهب والحرير
حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم» .
وقال ابن زيد في قوله: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} ، قال: هُدُوا إلى الكلام الطيب: لا إله إلَاّ الله، والله أكبر، والحمد لله. قال الله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} . {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} ، قال البغوي: إلى دين الله وهو الإسلام.
* * *