الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والهدف الأساسي والغاية الأساسية، فحتى لا تنقلب الوسائل غايات ونحن لا نشعر.
الشيخ: صدقت.
الملقي: بارك الله فيك.
الشيخ: صدقت، وفيك بارك.
(الهدى والنور/758/ 54: 00: 00)
(الهدى والنور/758/ 05: 53: 00)
باب منه
مداخلة: بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فضيلة الشيخ حفظكم الله يقول السائل: هل أساليب الدعوة توقيفية أو اجتهادية وما ضابطها؟ واضرب لنا أمثلة على الأساليب وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فقد ذكرت في كلمتي السابقة حديثاً يمكن الاعتماد عليه جواباً عن هذا السؤال، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» فلا شك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جاءنا بشريعة كاملة لا تحتاج إلى أحد أن يستدرك عليها
شيئاً، ولكن يمكن أن يقال بأن
…
الشريعة ليست في تفاصيلها ودقائق أحكامها كما هي في قواعدها وفي أصولها، فإن الأصول والقواعد التي جاءت في الشريعة تيسر على الباحث أن يجتهد في دائرة الاستنباط والإتيان ببعض الأمور التي لم تكن معروفة في العهد الأول، وقد تكلمت منذ عهد قريب في المجلس المبارك إن شاء الله على ما يسمى عند العلماء بالمصالح المرسلة، فهذه المصالح المرسلة هي أمور حدثت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم تكن معروفة في ذلك العهد الأطهر الأول وإنما حدثت فيما بعد، فهل هذه الأمور الحادثة تدخل في عموم ما ذكرته في الجلسة السابقة حول
…
ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» أم يمكن أن يكون في بعض هذه الأمور الحادثة ما يمكن الأخذ بها والعمل بها وإن لم تكن موجودة معروفة من قبل.
وهذه النقطة الحقيقة من دقائق الفقه وأصول البدعة، فإن الأصول المعروفة والمذكورة عند العلماء وطلاب العلم إنما هي أصلان فقط أصول الحديث وأصول الفقه، ولكن هناك بعض العلماء المتأخرين واعتماداً على كتاب جديد في أصول البدع ألف رسالة كتيباً أسماها أصول البدع، والحق أقول إن
…
هذا العلم أعني: علم أصول البدع يساعد الفقيه على التمييز بين ما كان بدعةً ضلالة داخلة في عموم ذلك النص النبوي الكريم، وبين ما كان من المصالح المرسلة التي يقول
…
بها كثير من العلماء وعلى مقدمتهم وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولدقة الأمر ولإمكان اختلاط هذا الحادث بأن يكون بدعة ضلالة وبين أن يكون مصلحة مرسلة هنا تكمن الدقة المتناهية وقد فصل القول في ذلك ابن تيمية رحمه الله ليكون الباحث على بينة من الأمر.
يقول رحمه الله: إذا حدثت حادثة نظر في الباعث على إحداثها فإن كان الباعث على ذلك كان قائماً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم يقم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك الأمر الحادث مع وجود المقتضي للأخذ به،
…
فما دام أن المقتضي كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يأخذ بالمقتضى منه فذلك دليل على أن الأخذ به إذا وجد فهو بدعة ضلالة داخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام: «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» .
ومن الأمثلة الواضحة البينة في ذلك الأذان لصلاة العيدين، فلو أن أحداً عمد أو خطر في باله أن يتخذ الأذان المعروف وسيلة للإعلام بدخول وقت صلاة العيد لم يقبل ذلك منه؛ لأنه قد كان المقتضي لتشريع أو تشهير الأذان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمع ذلك لم يكن ذلك مسنوناً، فمن أحدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذاناً بغاية الإعلام يكون مثبتاً ومبتدعاً، ومعنى ذلك أنه يقول مستدركاً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
…
بلسان حاله ولسان الحال كما يقال أنطق من لسان المقال.
ولذلك جاء عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه أنه قال: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة، اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] قال رحمه الله: ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فما لم يكن يومئذٍ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
إذاً فالتقريب إلى الله عز وجل بتشريع عبادة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع وجود المقتضي لكونها شريعة في عهده هو أنه ابتداع في الدين وليس له علاقة بالمصالح المرسلة.
هذا إذا كان المقتضي للأخذ بتلك المصلحة قائماً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعود إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول: وإن لم يكن المقتضي قائماً في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظر إن كان هذا المقتضي للأخذ بتلك الوسيلة سببه إهمال المسلمين لبعض الأحكام الشرعية فهذا الإهمال هو الذي كان السبب للإتيان بوسيلة أخرى لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم نتج من عدم الأخذ بما كان في السنة هذه المصلحة فحينئذٍ لا يجوز الأخذ بها؛ لأن المقتضي لها سببه هو تقصير المسلمين في القيام ببعض أحكام دينهم.
من الأمثلة على ذلك ما هو واقع في كثير من البلاد الإسلامية من الضرائب التي أثقلت كاهل أكثر الشعوب المسلمة ففرض هذه الضرائب كمصلحة لإملاء خزينة الدولة هذا بلا شك مصلحة ولكن هذه الضرائب ما الذي أوجبها؟ أوجبها عدم القيام بالوسائل الشرعية التي سنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي نظام جمع الأموال
المختلفة المذكورة في بعض كتب علماء الحديث ككتاب «الأموال» [لأبي عبيد] وكتاب «الأموال» لابن زنجويه وغيرهما من العلماء الذين فصلوا القول تفصيلاً في الأموال التي يجب جمعها وأن تكون مدخرة في خزينة الدولة لتقوم بمصالح المسلمين سواء ما كانت عامة أو عادية أو كانت طارئة، فإذا أخذ المسلمون بهذا الشرع الذي سنه الرسول عليه الصلاة والسلام أغناهم عن فرض وسائل لجمع الأموال وإملاء خزينة الدولة بها، ففي هذه الصورة لا يجوز فرض نظم أو فرض وسائل على المسلمين لا لأن المقتضى ليس قائماً ولكن السبب لذلك إنما إهمالهم نظام فرض الزكاة مثلاً.
أما .. وهذا آخر البحث في المصالح المرسلة .. أما إذا كان المقتضي بفرض نظام جديد ووسيلة جديدة لم تكن معهودة في عهد النبي وجد هذا المقتضي لم يكن سببه إهمال المسلمين فيما ذكرنا من بعض أحكام الدين فهنا ما دام أن هذه المصلحة تحقق غاية شرعية لا تخالف الشريعة بوجه من الوجوه ففي هذه الحالة يجوز الأخذ بهذه الوسيلة، وهي تدخل في باب المصالح المرسلة.
مثاله: في نفس المثال السابق: إذا فرضنا أن الدولة قامت بواجب جمع الأموال من الطرق المشروعة كالزكوات مثلاً
…
ونحو ذلك، ثم طرأ طارئ أو طرأ عدو على بلاد المسلمين والنفقة
…
على بيت مال المسلمين .... أن هذه الأموال التي كانت تجمع بالطرق المشروعة غير كافية لرد صائلة هذا العدو ففي هذه الحالة يجوز للحاكم المسلم أن يفرض ضرائب جديدة لدفع ذلك العدو عن بلاد المسلمين، فإذا عاد على أعقابه رفعت هذه الضرائب لأنها كانت عارضة لدفع ذاك العدو الصائل.
إذا عرفنا هذا التفصيل المتعلق بالمصالح المرسلة عرفنا حينذاك التمييز بين البدعة الضلالة وبين المصلحة التي يجوز الأخذ بها وهي بهذه الدقة المتناهية التي
…
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
…
(رحلة النور 20 a/00: 25: 03)(20 b/00: 00: 00)