الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علاج ظاهرة الفتور الإيماني
عند الدعاة
مداخلة: ما علاج ظاهرة الفتور أو الضعف الإيماني لدى بعض الدعاة؟
الشيخ: هذا في الحقيقة يعود إلى شيءٍ سبق أن أشرت إليه، وهو علة العلل في هذا العصر في كثير من الدعاة، ألا وهو: عدم الإخلاص في الدعوة.
هناك ظاهرة تلفت النظر المفكر الذي يحاول أن يتعرف على ما يصيب المسلمين من أدواء، وأن يقدم في حدود ما يعلم وما عنده من علم إلى الدواء، الظاهرة هي: أن كلمة الدعوة أصبحت اليوم مهنة، وأصبحت يتبناها كل من يشعر بنفسه شيئًا من العلم، وهو ليس كما يقال في العير ولا في النفير في العلم.
وذلك كما ترون من زاوية أخرى أن كلمة السلفية الآن أصبحت متبناةً من كثيرٍ من المسلمين الذين قد يكون بعضهم على الأقل كان يظهر عداءه الشديد لهذه الدعوة، فلما انتشرت هذه الدعوة، وأخذت مكانها اللائق بها في العالم الإسلامي، فأخذ أكثر الناس من الدعاة ولو لم يكونوا لهم أي صلة في الدعوة السلفية الصحيحة يدعون السلفية، فمن هنا يدخل في هذا المنهج العلمي السلفي من ليس له صلة مطلقًا بهذا المنهج.
ولذلك فأنا أعتقد أن السبب: هو فقدان الإخلاص في الدعوة؛ لأني أعتقد كما أشرت آنفًا لعله في السؤال الأول: أن الداعية حقًا يجب أن يكون وثيق الصلة ومستمر الصلة بالعلماء أمواتًا وأحياءً، ذلك لكي ينمي في نفسه الفقه والفهم للعلم، وأسلوب الدعوة إلى هذا العلم الصحيح، وهذا بلا شك يحتاج
إلى جهود جبارة، وإلى صبر على الدعوة، وهذا لا يستطيعه في الواقع إلا من كان مخلصًا لله عز وجل كل الإخلاص.
فانصراف بعض من ينتمون إلى الدعوة عن القيام بحقها وبواجبها، فهو دليلٌ على أنهم لم يكونوا مخلصين في الدعوة، وإلا لماذا هذا التأخر في ذلك، والانصراف عن مقتضيات الدعوة ولوازمها؟ هذا في اعتقادي هو سبب ما جاء في هذا السؤال.
وباختصار هو
…
وهذا ليس له علاج إلا اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وتذكيرهم ممن له قدم راسخة في العلم بهذا الواجب الذي يجب عليهم أن يتمسكوا به وأن يموتوا عليه، وإلا كان عملهم هباءً منثورا.
مداخلة: أسأل في نفس السؤال، يا شيخ المقصود: ليس فقط
…
عن الدعوة نفسها، عن إيمان الشخص نفسه فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى، بعد أن يكون في بداية التدين أو بداية التوبة، يكون متحمس وكثير الإخلاص لله سبحانه وتعالى ومسرع في أداء العبادات، بعد ذلك
…
الدنيا أو له تجارة معينة أو مع النساء.
الشيخ: هذا لا نستطيع أن نجيب عليه؛ لأن الأسباب كبيرة وهو المثبطات عن الاستمرار في السبيل القويم، وفساد الأجواء التي يعيش فيها هؤلاء الناس، وآنفًا ذكرت قوله عليه السلام:«مثل الجليس الصالح ومثل جليس السوء» ومما يتعلق في هذا أن المجتمع الفاسد له تأثير كبير جدًا في الأفراد الذين يعيشون فيه، ولذلك جاءت أحاديث كثيرة حض المسلم بأن يكون مع الصالحين كما ذكرنا آنفًا بعض الأحاديث في ذلك، لكن أذكر شيئًا آخر منها.
قوله عليه السلام: «أنا بريءٌ ممن أقام بين ظهراني المشركين» أو كما قال عليه السلام، وقوله أيضًا في الحديث الآخر:«من جامع المشرك فهو مثله» وأوضح من ذلك تبيانًا لأثر البيئة الفاسدة بالناس المقيمين فيها، الحديث المعروف صحته برواية الشيخين البخاري ومسلم له، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:
ولكنه فيما يبدو من تمام القصة كان مخلصًا في قصده للتوبة، ولذلك فقد استمر يسأل عن أعلم أهل الأرض، حتى دُلَّ على عالم، هو من قبل سأل نفس السؤال لكن الدال كان جاهلًا، فبدل أن يدله على عالم دَلَّه على راهب، والراهب كناية عن عبادته مع جهله، وظهر جهله هذا في جوابه، حيث قال له: لا توبة لك، فقتله.
أما في المرة الثانية فقد كان حظه طيبًا، حيث دل على عالم فأتاه وقال له: أنا قتلت مائة نفس، وأريد أن أتوب إلى الله عز وجل، فهل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكنك بأرض سوءٍ، هنا الشاهد «ولكنك بأرض سوءٍ» فاخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها.
فانطلق يمشي إليها؛ لأنه كان مخلصًا في السؤال، وكان مستسلمًا لجواب العالم، فلما أفهمه العالم بأنك ما شقيت هذه الشقوة حتى قتلت مائة نفسٍ بغير حقٍّ إلا لأنك تعيش في جوٍ موبوءٍ فاسد، فاخرج من هذه البلدة إلى البلدة الصالح أهلها وعينها له.
فانطلق يمشي، وفي الطريق جاءه الموت، فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كلٌّ يدعي بأنه من حقه أن يتولى نزع روحه، فأرسل الله إليهم حكمًا، أن قيسوا ما بينه بين مكان الموت .. بينه وبين كلٍّ من القريتين، القرية التي خرج منها والتي خرج قاصدًا إليها، فقاسوا فوجدوه أقرب إلى القرية الصالح أهلها بمقدار ميل الإنسان في مشيته، فتولته ملائكة الرحمة.
الشاهد من هذا الحديث: أن ذلك العالم حقًا قد عرف سبب شقاوة هذا الإنسان، وإقدامه على قتل مائة نفس؛ وهو لأنه كان يعيش في جوٍ فاسد، فهذا