الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيفية إنكار المنكرات
السؤال: فضيلة الشيخ! قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده .. » الحديث، قال بعضهم: التغيير باليد لولي الأمر أو لمن له سلطة.
وقال آخر: والتغيير بالقول للعالم، والتغيير بالقلب لعامة الناس.
وقال آخر: بل كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث يشترك فيها الولي والعالم والعامة.
فما قول الشيخ في ذلك؟
الشيخ: لا شك أن القول الأول عاطل باطل، والقول الصحيح أن هذا الحديث يعم كل المسلمين لا فرق بين حاكم ومحكوم وبين عالم ومتعلم وجاهل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولاً جاء بلفظ (من) وهي من صيغ الشمول.
«من رأى منكم» ومنكم أيضاً من صيغ الشمول، أي: أنتم معشر المسلمين.
ثم قسم هؤلاء المخاطبين بالخطاب العام الشامل لجميع المسلمين، فقسمهم إلى ثلاثة مراتب، من كان يستطيع إنكار المنكر بيده، فهذا هو الواجب، ولا فرق في ذلك بين حاكم ومحكوم، ومن كان لا يستطيع ينزل درجة، فينكر المنكر بلسانه، ومن كان لا يستطيع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
والحقيقة أن عجبي لا يكاد ينتهي من أناس يستغفلون الناس ويوهمونهم بأن هذا الحديث يخاطب ثلاث طبقات: الحكام والعلماء وعامة الناس.
وهم يعلمون يقيناً أن هناك أمور تقع في دار أحد الناس وهو ليس بالحاكم، ولا هو بالعالم، ويرى منكراً فيغيره بيده، وإن لم يستطع أن يغيره بيده فبلسانه، فما
فائدة هذا التقسيم العاطل الباطل والواقع يكذبه من كل المسلمين؟ !
لكنهم هم في الواقع يلجأون إلى مثل هذا التقسيم من باب معالجة منكر بمنكر آخر، يعني: على مذهب أبي نواس: وداوني بالتي كانت هي الداء.
ما هو المنكر الذي يريدون أن يعالجوه به، أن كثيراً من عامة الناس تأخذهم العزة الإسلامية والغيرة الإسلامية حينما يرون منكراً فيغيرونه بيدهم، وهم ليسوا حكاماً؛ فيترتب من وراء هذا التغيير منكر أكبر، وهذا بلا شك لا يجوز، لكن عدم جوازه ليس لأن هؤلاء الذين غيروا المنكر هم ليسوا حكاماً، وإنما لأن هذا التغيير يترتب منه مفسدة أكبر من المصلحة، أي: لو أن المغير كان هو الحاكم نفسه، ورأى أنه يترتب من وراء تغييره لهذا المنكر منكر أكبر، لَما جاز له أن يغيره، وهو الحاكم، وهو الذي زعموا أنه مخاطب فقط، بقوله:«من رأى منكم منكراً فليغيره بيده» .
والدليل على ذلك لما الرسول عليه السلام دخل جوف الكعبة وصلى ركعتين -كما جاء في الصحيحين- ثم خرج فأرادت السيدة عائشة أن تجهد نفسها وأن تتكبد مشقة الصعود إلى جوف الكعبة؛ لأن الباب كما هو الآن كان عالياً ومرتفعاً، فقال عليه السلام لها: صل في الحجر؛ فإنه من الكعبة أو من البيت، وإن قومك لما بنوا الكعبة قصرت بهم النفقة، ولولا أن قومك حديثوا عهد بالشرك لهدمت الكعبة، ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام، أي: أدخلت الحجر في الكعبة، ولجعلت لها بابين مع الأرض، باب يدخلون منه، وباب يخرجون منه.
فإذاً: هذا هو الحاكم الأعلى بعد الله على وجه الأرض هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورأى المنكر، أي: نصف الكعبة أو ربعها خارج الكعبة، فما غَيَّرَ، لماذا؟
بَيَّن السبب: «لولا أن قومك حديثو عهد بالشرك .. » إلى آخره.
إذاً: هؤلاء الذين يُحَرِّفون الكلم من بعد مواضعه ويُفَسِّرون الحديث بغير
دلالته، فيقولون:«من رأى منكم منكراً» المراد به الحكام، هم أولاً يخالفون ما ذكرناه آنفاً، أن كثيراً من الأحكام سيغيرها من ليس حاكماً، وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين كما ضربنا مثلاً رب البيت، وعلى العكس من ذلك.
قالوا هذا التأويل لمنع هؤلاء الناس الغيورين على الإسلام أن يباشروا تغيير المنكر بأيديهم، فكان عليهم أن يقولوا: تغيير المنكر ليس منكراً؛ لأنهم ليسوا حكاماً؛ وإنما لأنهم يغيرون المنكر بوسيلة يترتب من ورائها مفسدة أكبر من المصلحة، لكنهم أرادوا في الحقيقة أن ينوطوا الإصلاح، ولو شئت الإفساد بيد الحكام، أن يقولوا بأن تغيير المنكر هذا إصلاح، وهذا الإصلاح لا يكون إلا من الحكام، وهم يعلمون أن حكام الزمان اليوم مع الأسف الشديد لا يحكمون بما أنزل الله.
فإذاً: هم بهذا التأويل يريدون أن يعطلوا الأحكام الشرعية، وماذا عليهم لو أجروا الحديث كما هو مفهوم لدى كل عربي:(من) من صيغ الشمول. (من رأى منكم) من صيغ الشمول.
واستطاع أن يغير باليد بدون مفسدة أكبر، فليفعل، فإذا لم يستطع:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، ينزل للمرتبة الثانية، وإن لم يستطع حتى بالكلام، فالمرتبة الثالثة.
ماذا عليهم لوما أجروا الحديث على هذا الإطلاق والشمول والعموم، لكنهم يقولون للناس والجمهور أن من كان منكم آمراً بالمعروف، فليكن أمره بالمعروف، مش يأتي بمنكر في سبيل الأمر بالمعروف، ويكون حينئذ المفسدة أكبر من المصلحة التي كان يرجوها بالأمر بالمعروف.
فهذا هو جواب هذا السؤال، وقد وضح أن الرأي الثاني الذي يقول بعموم الحديث وشموله هو الرأي الراجح، وأن الرأي الأول باطل ولكن الرأي الثاني الذي هو الراجح يقيد بملاحظة الحكمة في تنفيذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(الهدى والنور/245/ 11: 30: 00)