الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب منه
هنا سؤال يقول: هل وسائل الدعوة إلى الله تعالى توقيفية أم أنها اجتهادية؟ بمعنى أننا هل يجوز لنا مثلا أن نتخذ كرة القدم وسيلة وطريقة لجمع الشباب للدعوة إلى الله تعالى كذلك مثلا أن نقيم [موائد] لتقديم الطعام والشاي لهم ( .. ) وما إلى ذلك؟
الشيخ: الجواب لا نرى هذه الوسائل أنه يجوز اتخاذها وسائل دعوة، ذلك لأن بعضها على الأقل هي من الملاهي، والملاهي كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه الإمام النسائي في سننه الكبرى وغيره في غيره، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«كل لهو يلهو به ابن آدم باطل إلا مداعبته لزوجته ومداعبته لفرسه ورميه بقوسه والسباحة» هذه أربعة أشياء ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها مستثناة من الباطل، مستثناة من الملاهي الباطلة ،كل لهو يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا هذه الأمور الأربع، فإذا جئنا إلى بعض الملاهي التي جدت في هذا العصر من ذلك مثلاً كرة السلة كما جاء في السؤال ونحوها كرة السلة والطاولة وو إلى آخره، فحسبنا أن نصور تعاطيها لقصد هو قصد شرعي وهو تقوية البدن، أما اتخاذ ذلك وسيلة للدعوة ،فهذه أولاً: طريقة أجنبية عن الإسلام فقد مضى على المسلمين هذه القرون الطويلة ولم يعرف فيهن أنهم اتخذوا اللهو -ولو جعلناه لهوا مباحًا- سبيلاً في سبيل الدعوة، ونحن نعلم جميعًا إن شاء الله أن هناك أمور تمنع شرعًا من باب سد الذريعة، وليس المنهج عن هذه الأمور بذاتها وإنما لأنه يخشى منها أن تؤدي إلى ما هو مخالف للشرع سواء كانت المخالفة من باب الكراهة أو من باب الحرمة، وأجد أن هذا الذي يشير إليه أن الشرع يمنع
من بعض الوسائل ولو أنها كانت في مرتبة الإباحة، إذا كان يُخشى أن تؤدي إلى ما هو داخل في باب الكراهة فإني ألمس أن هذا قد وقع في زمننا هذا حينما اتخذ بعضهم بعض الملاهي وسيلة زعموا- لتقريب الناس إلى الدعوة، فكلكم يعلم
أنه كان إلى عهد قريب بعض الصوفية يتخذون الأذان والعزف على بعض الآلات الموسيقية سببًا لجلب الضيوف إلى صوفيتهم وجرت ردود كثيرة بين أهل العلم وبين أهل التصوف في تحريم آلات الملاهي والطرب أو إباحتها، فأهل الفقه والعلم لا شك أنهم كانوا مع ما يقتضيه نص الكتاب والسنة من تحريم الملاهي، بينما اتخذت الصوفية مذهبًا آخر وذهبوا فيه إلى إباحة الملاهي حتى الضرب على الدف والطبل ونحو ذلك، هذا معروف عن الصوفية قديمًا ولسنا بحاجة إلى أن نذكّر بما هو معروف لديكم أنه منكر، وكان من فضل الدعوة السلفية في كل البلاد الإسلامية تقريبًا أن تنبه جماهير الناس لبطلان بعض المتصوفة في إباحة هذه الآلات، فنشأ جيل سلكوا مسلكًا وسطًا بين أولئك وهؤلاء فأوجدوا أناشيد سموها بأناشيد إسلامية، وأقاموها مقام الأناشيد الصوفية التي كان يقترن معها أحيانًا شيء من تلك الآلات المحرمة، ومضوا على ذلك بضع سنين وهم يلحنون أناشيدهم المسماة بالأناشيد الإسلامية على تلاحين الأغاني الصوفية وهم في الوقت نفسه على تلاحين الأغاني الوثنية التي يتغنى بها كثير من فساق المغنين المعلنين بغنائهم بل والمتخذين ذلك منهجا لهم، ثم لم يمض وقت طويل حتى انضم إلى هذه الأناشيد التي يسمونها بالأناشيد الإسلامية فأدخلوا إليها الضرب بالدف، وهكذا يتدرج الشيطان لبني الإنسان بنقله من ما هو مباح لِنَقُل الآن بالنسبة لكرة القدم ينقلهم خطوة إلى إدخال هذه الوسيلة كوسيلة لدعوة الناس إلى الإسلام، لكن الشيطان يضل متتبعًا خطى المستمعين له لأول دعوة له ثم إذا مضى زمن أدخل شيئًا جديدًا من كثير أو قليل من تأويلات، فأوصل هؤلاء إلى إدخال آلات الطرب في أناشيدهم وهم لا يزالون يدعون أن هذه الوسائل لجلب الشاردين عن الإسلام بل والخارجين
عنه في بعض الأحيان يزينون لهم الدعوة الإسلامية بمثل هذه الوسائل غير الشرعية، فلذلك نحن لا نرى استعمال هذه الوسائل للدعوة حتى ولو كانت خالية
عن معصية ظاهرة لما ذكرتُ آنفًا وأعيد ذلكَ بإيجاز:
أولا: لأن هذه الوسيلة لم تكن من عمل السلف.
وثانيا: لأنها قد يستدرج الشيطان أصحابها إلى ما فيه معصية لله تبارك وتعالى.
لكن بعد هذا أريد أن أعلق على ما جاء في السؤال هل الوسائل توقيفية؟
هذا الكلام الذي قلته أنه لا يجوز اتخاذ هذه الوسائل التي ضربنا المثل عليها اللعب بكرة القدم، لا أريد مع ذلك أن أقول بأن الوسيلة إذا لم تكن توقيفية لا يجوز اتخاذها وسيلة للدعوة فإذن نفرق بين وسيلة وُجد المقتضي لها ولا يُتصور أن تكون وسيلة لإدخال في هذه الوسيلة معصية من المعاصي، فحينئذ يجوز لنا أن نتخذ وسيلة لم تكن معروفة من قبل أي هي ليست توقيفية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكننا نعتقد أو نراها على الأقل أنها وسيلة تحقق غاية شرعية وحينئذ فتدخل مثل هذه الوسيلة فيما يسمى بباب المصالح المرسلة.
عندنا مثلاً قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيرها مما يدخل فيما نحن في صدده في هذه اللحظة، فكلنا يعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن في زمانه يوم الجمعة إلا أذان واحد ولا حاجة للتفصيل لأني أظن أنكم جميعًا على علم بذلك، ومضى على ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أبو بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان شطرًا من خلافته، ثم أحدث وأوجد الأذان الثاني وجعله في مكان منها بعيد وقريب من المدينة يسمى بالزوراء حيث كان الناس يومئذ يتجمعون في هذا المكان فلا يسمعون أذان المسجد النبوي فجعل الأذان الثاني في ذلك المكان إعلانًا وإخبارًا وإعلامًا لهؤلاء الناس الذين هم في السوق بأن وقت الصلاة صلاة الجمعة قد حان ، ثم صارت هذه السنة العثمانية سنين إلى أن جاء هشام بن عبد الملك بن مروان من خلفاء ملوك بني أمية فنقل مع الأسف هذا الأذان من
الزوراء فأدخله إلى المسجد النبوي ، وحدث من هنا بدعة وترتب من ورائها بدعة أخرى:
البدعة الأولى: إدخال الأذان الذي سنه عثمان للإعلام لمن كان بعيدًا عن المسجد فهو جعله في الآذان للمسجد حيث لا حاجة لأهل المسجد أن يسمعوا هذه الأذان فإنهم سيسمعون الأذان النبوي الرحيب، ثم ترتب مع هذا الإحداث الجديد الذي لا سند له إيجاد سنة بين الأذانين سموها بسنة الجمعة القبلية، ويهمني من هذه الرواية ما يتعلق بعثمان رضي الله عنه في اعتقادي أن عثمان رضي الله عنه لا نستطيع أن نقول ابتدع الأذان الثاني، ذلك لأنه لم يقصد بهذا الأذان الذي زاده على الأذان العثماني إلا تحقيق مقصد شرعي معروف بأدلة كثيرة، بعضها جاء ذكره في سبب شرعية الأذان فكلنا يعلم أن المسلمين في العهد الأول في شرعية الأذان من شرعية الصلاة لم يكونوا يؤذنون وإنما كانوا يمر بعضهم على بعض فيقول الصلاة الصلاة، كما يفعل بعض الجهلة اليوم في بعض البلاد العربية فإنهم بعد الأذان مباشرة يفتح أحدهم نافذة المسجد فيرفع صوته ليسمع الناس الصلاة صلوا الصلاة، كانوا في أول شرعية الصلاة في المدينة وشرعية الجماعة ينادي أحدهم جيرانه وأصحابه قد حان وقت الصلاة الصلاة، ثم جمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتشاور معهم في اتخاذ وسيلة للإعلان، حتى رأى ذلك الرجل تلك الرؤيا بينما كان يمشي في بعض سكك المدينة إذا به يرى رجلا في يده ناقوس فقال له: يا عبد الله أتعطيني هذا الناقوس؟ قال: ولم؟ قال: لنضرب عليه في وقت الأذان بعد الإمام قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ثم قام على جدر جدر أي جدار مهدوم بقي منه بقية فارتفع عليه ووضع اصبعيه في أذنيه ثم رفع صوته بالأذان المعروف اليوم والحمد لله بدون مقدمة وبدون زيادة كما هو في بعض البلاد العربية، وبعد أن فرغ من الأذان نزل إلى الأرض وأقام الصلاة، لما انصرف هذا الرجل من داره إلى المسجد للصلاة أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الرؤيا فقال صلى الله عليه وآله وسلم إنها رؤيا حق فألقه على
بلال -وهنا الشاهد
-فإنه أندى صوتا منك، أيضًا نداوة الصوت أمر مقصود شرعًا، فقد لاحظ هذه الحكمة عثمان حينما وضع الأذان الثاني في الزوراء ليبلغ الناس هناك وقت حضور الصلاة، فعلى ذلك نحن نقول لا حاجة اليوم إلى هذا الأذان العثماني فإن مكبرات الصوت كوسيلة لتبليغ صوت المؤذن أغنى عن ذاك الأذان العثماني لأن الغاية حصلت بهذه الوسيلة التي جدت.
إذن هذه الوسيلة لم تكن طبعا توقيفيًا من الرسول عليه السلام لكن الإشارات التي يلمسها الفقيه في بعض الأحاديث تفسح لنا المجال بأن يتخذ مثل هذه الوسيلة لا لجلب الناس ودعوتهم بها كآلات الطرب ونحوها إلى الإسلام فإن هذا في الواقع إنما يصح على مذهب أبي نواس الذي يقول: وداوها بالتي كانت هي الداء، وإنما وسيلة لتحقيق الأصل المشروع وهو الأذان بهذه الوسيلة التي جدت في هذا الزمان.
وعلى ذلك فقس مثلاً هذه المسجلة لكن لا يقصد بها إلا تنبيه الناس مافي هذا المكان المتواضع إلى أكبر كمية من الناس في كل العالم، فهذه الوسائل لا شك أنها ليست توقيفية ولكنها لا تنافي الشريعة الإسلامية، وهو في حد ذاتها ليست من الملاهي وإنما تكون من الملاهي إذا سجلت فيها ما كان محرمًا من الضرب على آلات الطرب أو كان فيه غناء الرجال فضلاً عن النساء وهكذا فإني لا أرى أن استعمال هذه الوسائل الموجودة اليوم من الملاهي أنه يشرع اتخاذها وسيلة لجلب الناس إلى الإسلام، وما أعتقد إلا أن هذه الوسيلة هي موضوع شر لما أشرت آنفًا وتلك وسيلة نصرانية، لأنكم تشاهدون اليوم في بعض الكنائس يجتمع فيها الرجال والنساء وهن في أبهى زينة وقسيسهم لا ينال عن شيء من ذلك لأنه يزعم أن ذلك مما يجلب النصارى الذين لا دين لهم كما قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ
وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، فنكون نحن قد سلكنا مبادئ هذه الوسائل المنحرفة عن الشريعة بزعم دعوة المسلمين إلى الإسلام والتقرب بهذه الوسائل إلى الله تبارك وتعالى.
هذا ما لدي جوابًا عن هذا السؤال.
(فتاوى جدة- أهل الحديث والأثر (16) /01: 58: 26)