الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هي الأُسس التي ينبغي أن
ينطلق منها الداعية إلى الله
؟
السائل: بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سؤالي ما هي المفردات أو الأسس التي ينطلقُ من خلالها الداعية إلى الله تعالى لتوجيه الناس إلى فهم دينهم الصحيح، وأقول على سبيل السؤال والمثال قولهُ جل وعلا:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129] فما هو قولكم في هذا السؤال أفيدونا أفادكم الله.
الشيخ: الآية من حيث ربطها بالسؤال انقدح في نفسي شيء، لكن أريد التوضيح منك، ماذا قصدت بذكر الآية.
السائل: هل ممكن أن تكون كعلامة أو دليل إلى الأسس التي ينطلق من خلالها الداعية.
الشيخ: أعد الآية.
السائل: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 129].
الشيخ: هذا لا شك أنه يعني يمكن اعتبار الآية أنها جمعت الخصال التي لا بد من أن يدندن الداعية حولها في دعوتهِ إلى الله تبارك وتعالى، أول ذلك وهذا ليس شرطاً أساسياً وإنما هو شرط كمال بخلاف بقية الآية، بعث، هو الذي بعث
في الأميين رسولاً منهم، فالداعية يحسن أن يكون من نفس القوم ومعروفاً لديهم لاستقامتهِ ونقاوتهِ وصدقهِ وإخلاصهِ في دعوته؛ لأنه إن كان غريباً عنهم فقد لا يثقون به، ومن هنا كان من الحكمة الإلهية أنه ما بعث نبياً إلا في قومهِ، ومن هنا نحن نستطيع أن نأخذ حكمة أو سياسة للداعية أن يكون داعياً في نفس القوم الذي عرف فيهم وليس من الضروري أن يكون مثلاً العرب ينقسمون إلى شعوب كثيرة، وكثيرة جداً، فليس من الضروري أن يكون مثلاً الداعية أردني لكنه يدعو في العراق إلا إذا كان مقيماً هناك وعرفت أخلاقهُ وعرفَ إخلاصهُ، فحينذاك يكون له أسوة بالأنبياء بل بسيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام الذي بعث في قومهِ، والحكمة ظهرت من ذلك حينما دعاهم إلى التوحيد، دعاهم وأقام الحجة عليهم مثل ما حكاهُ الله عز وجل في القرآن الكريم بقولهِ:{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16] أي أنهم عاشروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين سنة، وما عرفوا فيه إلا الصدق وإلا الأمانة، وكذلك السيدة خديجة رضي الله عنها من أولئك القوم الذي عرفوا أمانتهُ فأرسلتهُ للتجارة في بلاد الشام، فالعرب الذين بعث فيهم الرسول عليه السلام بعث فيهم وقد عرفوهُ حقاً بصدقهِ وأمانتهِ فأقيمت الحجة عليهم بمثل هذه الآية:{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [يونس: 16]، فينبغي للدعاية أن يدعو في قومهِ وقومهُ لأنه يكون أشد تأثيراً فيهم.
هذا أولاً، وقلت هذا ليس شرطاً أساسياً لكن هذا شرط كمال، أما الشروط الأساسية هي التي جاءت فيما بعد في تمام الآية، يعلمهم الكتابة أي يدعوهم إلى كتاب الله عز وجل، ولا يدعوهم إلى كتاب غير الكتاب الكريم، لأن أي كتابٍ في الدنيا من الكتب التي ألفت من علماء المسلمين فضلاً عن غيرهم، يوجد فيها ما يوافق الكتاب وما يخالفهُ، أما القرآن فهو كما وصفهُ الله عز وجل لا يأتيهِ الباطل من بين يديهِ ولا من خلفه، ولذلك فينبغي أن يدعو القومَ إلى كتاب الله، ليس إلى مذهبٍ ولا إلى طريقٍ، ولا إلى حزبٍ ولا إلى أي جماعةٍ أخرى، إلا قال الله تبارك وتعالى.
يعلمهُ الكتاب والحكمة، أما الحكمة فهي السنة، وكلما قرنت الحكمة بالقرآن المقصود بها سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهنا لا بد من التذكير، لأن السنة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كانت صنو القرآن، حكم السنة يومئذٍ حكم القرآن وهي كذلك اليوم ولا شك، ولكن مع فارق كبير جداً أن السنةَ يومئذٍ قلت آنفا هي صنو القرآن لأن القرآن ثابتٌ يقيناً، والسنة يومئذٍ كذلك، لأنه لا واسطة بين الرسول وبين أصحابه، فهي أيضاً ثابتة بالنسبة للصحابة يقيناً، لكن الأمر اختلف حينما انتقلت السنة من الجيل الأول أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الجيل الثاني، وهكذا دواليك إلى أن وصلت السنة إلينا، في هذه المراحل دخل في السنة مالم يكن منها، وما دخل كان على وجهين اثنين، بعضهُ خطأً بدون قصدٍ، وبعضهُ عن قصدٍ وعمدٍ، وهذا القسم الثاني ينقسم إلى قسمين بعضه أدخله بعض المسلمين إتباعاً لأهوائهم، والبعض الآخر أدخله أعداء الدين لإفساد الدين، ومن هنا جاءت الأحاديث الضعيفة والموضوعة وعلى هذا كان من الواجب على الداعية اليوم ما لم يكن واجباً في ذلك اليوم الأول، فهذا الداعية ينبغي إذا دعا الناس إلى الحكمة أي السنة، يجب أن يتذكر هذه الحقيقة البينة الواضحة التي لا إشكال فيها أن في السنة ما تتبرأ السنة منها، وهذا يتطلب علماً من علوم الإسلام التي أهملها علماء المسلمين فضلاً عن غيرهم ألا وهو علم مصطلح الحديث وتراجم الرجال؛ لأنه بهذين العلمين يستطيع الداعية المسلم أن يدعو إلى الحكمة وإلا دعا إليها وإلى نقيضها لأنه إن لم يميز الصحيح من الضعيف من السنة فقد اختلطت الحكمة بغيرها، ومن هنا يتبين بأن أكثر الدعاة الإسلاميين اليوم هم ليسو في دعوتهم على الصراط المستقيم لأن الصراط المستقيم هو كتاب الله وسنة رسوله وهي الحكمة ذلك لأن جماهيرهم لا يميزون بين صحيح الحديث وضعيفة لذلك تجد الأحاديث الضعيفة والموضوعة والفقه
المنحرف عن الكتاب والسنة ماضياً في الدعاة أنفسهم فضلاً عن المدعوين من طرفهم إذاً النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلمهم الكتاب والحكمة السنة، نحن علينا اليوم واجب أن نتميز
بالسنة صحيحة من السنة الضعيفة فإذا فعلنا ذلك يكون الغاية من وراء الدعوة إلى الكتاب والحكمة هي لوجه الله عز وجل لتزكية قلوب هذه الدعاة وليس لينال منهم مركزاً أو ليحظى منهم مالاً، وإنما كما قال تعالى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7].
ويقولون فيما يقولون لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً إنما هي دعوتهم إلى الكتاب والحكمة لتزكية المدعوين ليس إلا على هذا يجب أن تكون دعوة الداعي قائمة إنشاء الله.
(الهدى والنور /581/ 45: 39: 00)