الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوة والتغيير بالقوة
شقرة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل لله ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
في هذا المجلس المبارك حيث نلتقي شيخنا وأستاذنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي عودنا على كثير من هذه المجالس العلمية التي يتبوأ فيها علم الكتاب والسنة فيها مبوأ صدق ورغبة في العمل إليه، ولطالما اشتاقت نفوسنا إلى كثير من القضايا التي تدور في واقعنا الحياتي، ونتأملها فيما مضى في غابر القرون تسعى بدبيبها حاثة نفسها أن تصل هذا الحاضر الذي نعيشه بها على ما كان فيها من فساد وضلال، وتؤز الأحداث في حاضرنا إلى أن تمشي بأرجل قوية إلى المستقبل لعلها تجد أيضاً أناس يحتضنونها كما احتضنها في هذا الحاضر أناس كثيرون، وكما كان لها في الماضي أنصار كثيرون.
أقول طالما تاقت نفوسنا إلى عرض مثل هذه القضايا التي ولا نقول ذلك مجاملة لشيخنا حفظه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً، بل هي الحقيقة التي لا مرية فيها، فإنه وحده الذي يستطيع أن يجيب على هذه الحوادث التي تقع في حاضرنا سواء ما كان منها متعلقاً بالشؤون الاقتصادية أم بشؤون التربية
والتعليم، أم بالشؤون العامة الأخرى التي تهم المسلمين بعامة، ونحن إذ نحمد الله تعالى على وجوده بيننا، لنحمده سبحانه وتعالى مرة أخرى أنه يمكننا بين الفينة والفينة أن نأخذ عنه ما قدر الله له وما أفاء عليه من هذا العلم الذي انتشر في أقطار الأرض كلها، لذلك ونحن الآن ومن غد وبعد غد ولا ندري إلى أي مدى تبقى هذه الأحداث متتابعة، وهذه القضايا يأخذ بعضها برقاب بعض، والناس حائرون من حولها فمن قائل: سوف تنتهي بذاتها والزمن كفيل بإزالتها، ومن قائل: إن التغيير لا بد له من يد مغيرة قوية قادرة على التغيير، ومن قائل: إننا بالصبر والمصابرة وأخذ الأمور بالحكمة واللين وتوجيه الناس الوجهة الصحيحة الصائبة بالحق والهدى والعدل إن هذا كفيل بتغيير هذه الحوادث وإزالتها، ولو طال الزمن ولو بذل الجهد الكبير، ومن هذه القضايا والحوادث نستطيع أن نقول إننا والحمد لله رب العالمين، ومن فضله الذي امتن علينا أننا والحمد لله قد نجونا منها وذلك بنأينا عنها بعلم أفدناه من الكتاب والسنة على يد شيخنا جزاه الله عنا، ولا أريد هنا أن أقدم للسامعين الشيخ ناصر الدين الألباني فهو غني عن التعريف، ولعل التعريف بالمعرف لا ينبغي أن يكون لما أعلم من نفسي أنني لا أغلو في الشيخ بأي وصف وصفته يعرف مني أنني أصدقه فيما أقوله فيه، ويعرف الناس مني ذلك، ولكنني أقول إن القضايا الكبيرة العظيمة تحتاج إلى رجل كبير عظيم ولا أحسب إلا أن شيخنا هو ذلك الذي يجب أن يقول قولة فصل في أية قضية من هذه القضايا، وفي أي أمر من الأمور وفي أية حادثة من الحوادث.
ولا بد أن أقول أيضاً إن الأحداث لو وقفت عند واحدة أو اثنتين أو ثلاث لهان الخطب، ولكنها آخذ بعضها برقاب بعض، وكل حادثة كأنها تقول للتي سبقتها أنا ظهير من ورائك، أنا كفيل بأن أدفع الشر الذي يراد بك أن تزولي من أمامي الإصلاح، بل إنني كفيل وظهير أن تبقي دائماً أمام الإصلاح عقبة كؤوداً لا تتحركين ولا تزولين.
والأحداث التي تقع في عالمنا اليوم لا أقول العالم كله بل في عالمنا الإسلامي بخاصة أحداث لا نستطيع أن نصفها إلا بأنها سوداء قاتمة، وبأنها مظلمة ظالمة، وبأنها صعبة عسيرة، وبأنها من الصعب جداً أن يفكر الإنسان في زحزحتها إلا أن يقول اللهم عونك الذي لا ينقطع عن الضعفاء والمستضعفين في الأرض، وأنه لا ملجأ منك إلا إليك.
فنسأل الله أن يجعل ملجأنا إليه وحده سبحانه، وأن يكون ظهير هذه الطائفة المصلحة الصالحة التي قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام: طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي.
والسؤال الذي نوجهه لشيخنا بمناسبة الأحداث التي تجري في بعض البلاد العربية، والتي تميزت بالعنف والشدة ولا أريد أن أسمي بلداً بعينه فما من بلد أو فما يكاد بلد من بلاد المسلمين يخلو من هذه الأحداث التي استبيحت فيها الدماء، والتي انتهبت فيها الأموال، والتي شاع بها الفزع وكثر فيها الرعب واختفى الأمن، وضاع الرخاء، وصار كل واحد من المسلمين يبحث عن ذاته في خضم هذه الأحداث يميناً وشمالاً وأماماً وخلفاً، ومن تحت رجليه ومن فوق رأسه ينتظر في كل لحظة من اللحظات أن يصيبه من شواظ فتنة جديدة، أو شظية من حادثة رهيبة، أو سوء ينتظره أو لا ينتظره يأتيه على غفلة، فنريد أن نوجه لشيخنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني سؤالاً وهو وإن كان طويلاً لكن طول نفسه جزاه الله خيراً، وطول باعه في العلم سوف يأتيان على طول هذا السؤال بلا ملل ولا ضجر، بل إن الجياد من الجياد كلما طال المسير بها كانت أسرع وأقوى وأجلد وأصبر لبلوغ الغاية البعيدة.
السؤال شيخنا حفظك الله: التبس الأمر على المسلمين في هذه الأيام ولا أقول علينا نحن من نحن على منهج الكتاب والسنة؛ لأن الله عز وجل يعطي أصحاب هذا المنهج بصيرة واعية وفكرة سديدة، ورأياً يحميه من الوقوع في
الخطأ الذي تقع فيه الجماعات الإسلاميات الأخرى، والواقع المشهود شاهد على ذلك، فأقول التبس الأمر على المسلمين بعامة، وبوجود الجماعات الإسلامية التي تدعي كل جماعة منها أنها على حق، وكلها تتفق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن كل جماعة تنهج منهجاً يختلف عن الأخرى، وأبرز ما يظهر على الساحة منهجان اثنان، أما الأول فهو داع إلى التغيير بقوة السلاح والعنف بحجة أن الأنظمة الحاكمة اليوم أنظمة كفر، وأما المنهاج الآخر فهو داع إلى التغيير بالحكمة والموعظة الحسنة، والصبر والمصابرة، ولا شك أن ما يصبح على المسلمين في كل فجر يوم جديد وما لا يغيب مع غروب الشمس، بل تتكاثر يوماً بعد يوم يجعل الأمة أو يجعلنا نحن على الأقل ومن هو على مثل ما نحن عليه يفكر تفكيراً يقرب أحياناً ويبعد أحياناً أخرى إلى أين يمكن أن تصل الأمة وهي على مثل هذا الحال? فقد فسد تفكيرها ..
تفكيرها العلمي، وتفكيرها الاقتصادي، وتفكيرها السياسي، وتفكيرها العسكري، ولا أدل على ذلك من هذه الفرقة الطارئة فينا بين ظهرانينا، فكل فريق من المسلمين يعادي الفريق الآخر، وكل حزب ينشد الخير لنفسه ويحجبه عن الآخرين، وأصبح لكل بلد من بلاد المسلمين تفكير يختلف عن تفكير البلد الآخر، وله نظام يسوده يختلف في شكله ومضمونه عن شكل النظام الآخر وتفكيره ومضمونه، فأين الطريق، وأين نحن الآن? وكيف نحدد الاتجاه الذي نسلكه إزاء هذه الفتن المتكاثرة والتي يظهر منها بين الآونة والأخرى بعض المظاهر أو الظواهر التي تنبئ عن حقيقة لا تستطيع العقول أن تتصور ما يمكن لو تحركت هذه الحقائق لا قدر الله وتفجرت على أرض المسلمين، فماذا سيحدث? يحدث في بلاد المسلمين الاقتتال بالسلاح، ويحدث في بلاد المسلمين الاحتراب للعلم باسم العلم وباسم الفقه، ويحدث في بلاد المسلمين أن يكون هناك خصومات تلتقي فيها الأيدي والأذرع على أمور يتعجلونها ولهم فيها أناة لو انتظروا حتى يأتي حينها، ونترك المجال لشيخنا ليحدثنا كيف ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر في مثل هذا الواقع الذي يعيشه المسلمون، وجزاه الله خيراً.
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد.
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله تعالى عليه، وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد.
فليس يخفى على كل مسلم أن الإسلام إنما يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وطالما تكررت الآيات الكريمة في كلام الله عز وجل آمرة أن تكون هناك أمة وجماعة تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا أمر لا خلاف فيه بين المسلمين قاطبة، وإنما قد يكون هناك خلاف في تطبيق هذا الأمر الواجب، وهنا لا بد من الوقوف قليلاً.
إن كثيراً من المسلمين الذين أوتوا حظاً ولو قليلاً من العلم يظنون أن مجرد المعرفة بأمر، وأنه يجب تغييره ليبادرون إلى تغييره دون أن يفكروا بعاقبة ذلك التغيير، فالذي ينبغي أن يلاحظه القائمون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على اختلاف مناهجهم ودعواتهم كما جاء الإشارة إلى ذلك في كلام الأستاذ السائل، فنحن نذكر هنا بحقيقة علمية ينبغي ألا يكون فيها خلاف أيضاً ألا وهي: أنه إذا كان من المعلوم شرعاً أن العلم يسبق العمل وأن العلم ينبغي أن يقترن به العمل، وإلا كان هذا العلم وباء على صاحبه، إذا كان هذا معروفاً لدى كافة طلاب العلم فضلاً عن العلماء، ولكن ينبغي أن يكون قائماً في أذهانهم غير غائب عن بالهم أنه في كثير من الأحيان تقتضي مصلحة الدعوة ومصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأجيل العمل عن العلم .. تقتضي مصلحة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر تأجيل قرن العمل بالعلم، وإن كان الأصل كما ذكرت آنفاً أن يتبع العلم العمل، لكن هذا ليس قاعدة مضطردة، ففي بعض الأحيان قد توجب المصلحة الشرعية تأجيل العمل وتأخيره عن العلم، ومن أوضح الأمثلة الثابتة في السنة كشاهد على هذا الذي نقوله: إنما هو حديث السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نصره الله على أعدائه المشركين وفتح عليه الفتح العظيم ألا وهو فتح مكة ودخلها منصوراً، وقضي على الشرك وأهله، دخل جوف الكعبة وصلى فيه ركعتين شكراً لله تبارك وتعالى على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، فأرادت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن تستن بزوجها وبنبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وأن تدخل الكعبة لتصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام لها: صلي في الحجر فإنه من الكعبة، وإن قومك لما قصرت بهم النفقة أخرجوا الحجر عن الكعبة ولولا ..
وهنا الشاهد، قال عليه السلام: ولولا أن قومك حديثو عهد بالشرك لهدمت الكعبة، ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولجعلت لها بابين مع الأرض: باباً يدخلون منه، وباباً يخرجون منه .. فأبقى عليه الصلاة والسلام الكعبة على ما بناه عليه المشركون في الجاهلية ولم يعده سيرته الأولى على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام خشية أن يترتب من وراء هذا الإصلاح .. الإصلاح الواجب وهو إعادة الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام، لم يفعل ذلك وهو من حيث قدرته وتمكنه وبخاصة بعد أن فتح الله له مكة كان قادراً على ذلك من الناحية الحربية أو القوة المادية، لكنه امتنع من تنفيذ ذلك الذي هو كان قادراً عليه .. منعه من ذلك أنه نظر إلى عاقبة هذا الأمر فخشي عليه الصلاة والسلام أن يكون إعادته لبناء الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام مثار فتنة لبعض الضعفاء من المؤمنين الذين كانوا حديث عهد بالإسلام .. من هذا الحديث يأخذ علماء المسلمين قولهم المعروف وقد روي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه من حيث إسناده لا يصح إلا أنه حكمة مستنبطة من هذا الحديث
وأمثاله، ألا وهو قولهم: من كان آمراً بالمعروف فليكن أمره بالمعروف.
ولا يكون الأمر بالمعروف معروفاً إلا إذا كانت المصلحة من الأمر بالمعروف راجحة على المفسدة، من هنا نحن نقول: إن قيام بعض الأفراد أو بعض الجماعات ببعض الأوامر التي تدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيامهم بهذا وأمثاله لا يلاحظ فيه هذه القاعدة التي ذكرتها آنفاً، والمستنبطة من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من كان آمراً بالمعروف فليكن أمره بالمعروف، أقول هذه حكمة يقولها الفقهاء مستنبطين لها من حديث عائشة، وقد روي حديثاً مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنه لا يصح، وحسبنا أن نقول إنها حكمة تبناها العلماء من هذا الحديث العظيم الذي نطق به النبي الكريم في عز قوته، مع ذلك لم يبادر إلى تغيير بناء الكعبة هذا البناء الذي أقامه مشركون في الجاهلية، فلم يغير شيئاً من ذلك خشية المفسدة الكبرى على المصلحة، من هنا قلت ما قلت آنفاً ..
أنه لا ينبغي لبعض الأفراد أو الجماعات أن يتقدموا إلى تغيير بعض الأمور سواء أمراً بالمعروف أو نهياً عن منكر إذا كان يترتب من وراء ذلك مفسدة أكبر من المصلحة المرجوة، نحن نسمع في كثير من البلاد الإسلامية أن بعض الجماعات تقول بمثل هذا الذي نحن ندندن حوله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن بطريقة غير حكيمة، وربنا عز وجل حينما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرن ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، فنرى أن كثيراً من الشباب أو الجماعات الإسلامية حين يقومون بمثل هذا التغيير تكون مفاسد التغيير أكثر من الصلاح الذي يرجونه من وراء ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما نريد أن نذكر مثلاً البلاد الإسلامية كلها اليوم تعيش في غمرة الإعراض عن هذه الحكمة، من أجل هذا نحن ندندن دائماً وأبداً وننصح الجماعة الإسلامية في كل بلد أن يستنوا بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإصلاح، حيث أنه عليه الصلاة والسلام لم يبدأ الدعوة إلى الإسلام وإلى الإيمان والتوحيد بالقوة، وإنما باللسان والحجة والبينة، من أجل ذلك قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] فرسولنا صلوات الله وسلامه عليه الذي بدأ الدعوة هكذا حينما قوي ساعده واشتد عوده قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، فإذاً القوة استعمالها لها وقتها، أما الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فهي مستمرة قائمة في كل مكان وفي كل زمان، لهذا نحن ننكر بشدة استعمال بعض الجماعات أو الأفراد القوة ولما تقم قائمة الدعوة في أي بلد إسلامي في الحدود التي أمر الله بها وهي أن تكون هناك حكومة رشيدة هي التي تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تكون الحكومة هكذا في
اعتقادنا جازمين بما نقول إلا إذا كان أمرها كما قال ربنا تبارك وتعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] ولا يكون الشورى إلا باستشارة أهل العلم والرأي في كل علم وبخاصة ما كان متعلقاً من العلوم بالأحكام الشرعية، فهذا المجلس من مجلس الشورى هو الذي يتبنى متى يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر? الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أراده الله عز وجل، وليس الفرد الذي لا يتمكن بطبيعة الضعف البشري أن يحيط علماً بواقع الأمة أو الجماعة التي يريد هو أن يقوم فيه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبذلك فما نسمعه ما بين آونة وأخرى من قيام بعض الناس بالتكسير أو بالتحطيم لبعض الأمور المنكرة شرعاً وهم بعد لما يؤسسوا لهذه الدعوة أسسها، ولما يضعوا لها قواعدها فهؤلاء في اعتقادي يصدق عليهم الحكمة التي تكلم بها بعضهم ألا وهي: من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه.
ونحن نقرأ بهذه المناسبة أقوالاً لبعض أئمة السنة والفقه، هناك بلا شك من الأمور المستنكرة شرعاً اليوم انتشار آلات المعازف والطرب، قال كثير من علماء المسلمين القدامى، وأخص بالذكر منهم إمام السنة أحمد بن حنبل قال:
أنه ينبغي تكسيرها وقيد ذلك إذا استطاع ذلك ولم يترتب من وراء ذلك مفسدة .. على هذه القاعدة ينبغي أن ينطلق المسلمون في وقت قيام دولتهم .. في وقت قيام دولتهم المسلمة لأن هذه الدولة هي التي ستسمح بنظامها وبمنهجها لأهل العلم وأهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يغيروا كل ما ينبغي تغييره، أما أن يقوم فرد أو أفراد أو جماعة أو جماعات بالتغيير والحاكم المسيطر الذي يملك التغيير بالقوة، ثم لا يفعل .. ! فما نرى هذا من الحكمة أن نستعلي على هؤلاء؛ لأن السلطة والقوة عليهم والمفسدة تكون أكبر وأعظم جداً من هذه المصلحة التي يبتغيها هذا الذي يغير الأمر على وفق الشريعة، لكنه قد استعجل الأمر كما قلنا، وحينذاك يبتلى بخلاف ما قد رمى إليه.
خلاصة القول في هذا المجال هو الأصل أولاً الآية المذكورة {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] ولا شك أن من أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، ثم الحديث حديث عائشة رضي الله تعالى عنها الذي بين لنا أنه لا يجب تغيير كل منكر أو تحقيق كل معروف إلا إذا لم يخش من وراء ذلك مفسدة كبرى.
هذا ما يحضرني جواباً عن هذا السؤال، ونسأل الله عز وجل أن يلهم المسلمين حكاماً ومحكومين أن يلتزموا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن يعودوا إلى ما كان عليه السلف الصالح من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن.
المقدم: جزاك الله خيراً وأحسن إليك شيخنا، هناك برزت استفسارات وأسئلة من أثناء الكلام الذي فتح الله به عليكم جواباً عن ذلك السؤال، فبعض الناس ربما يتذرعون بالقاعدة القائلة إنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإذا كان البيان قولاً فلا بد أن يكون عملاً، وإذا الأمر كذلك فإنه لا يجوز للمسلم الذي يرى المنكر أن يسكت عنه ولو كان عاجزاً عن إزالته؛ لأنه يؤجر على
البيان .. بيان وجه الحق في هذا المنكر وإن أصابه ما أصابه من الشر والضر، فماذا في الجواب عن ذلك?
الشيخ: أقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما أمر المسلمين أن يأمروا بالمعروف فقد جعل الأمر على ثلاثة مراتب، ذلك قوله عليه الصلاة والسلام الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، هذا الحديث في الواقع له علاقة بالشخص الآمر من جهة وبالمجتمع الذي هو يحياه من جهة أخرى، أما علاقة الحديث بالشخص الآمر ذلك لأن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يختلفون اختلافاً شديداً من حيث قوة إيمانهم، فمنهم القوي الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، فهو يغير المنكر ولو ترتب من وراء ذلك هلاك نفسه، وعلى هذا جاء الحديث ألا وهو قوله عليه السلام: أفضل الجهاد كلمة حق عند إمام جائر، لكن والأمر مشاهد ومعروف في كل التاريخ الإسلامي سواء الذي جاء به محمد عليه السلام أو ما كان عليه الأنبياء والرسل الكرام من قبل فالناس في ذلك متفاوتون أشد التفاوت، طبيعة الإنسان تختلف من ضعف وقوة، ولذلك الشارع الحكيم الذي أوحى إلى نبيه الكريم بمثل هذا الحديث لاحظ تفاوت الناس في إيمانهم فجعل المرتبة العليا في الأمر بالمعروف هو التغيير باليد، من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، يعني نزل منزلة أخرى وهي التغيير بلسانه وبكلامه، وقد يصل الضعف بإنسان ما أنه لا يستطع أن يغير لا بيده ولا بلسانه حين ذاك فأقل درجات التغيير هو أن يغير بقلبه، وأن يقول بلسان حاله وقد يقول ذلك بلسان قاله: اللهم إن هذا منكر لا نرضى به، هذا فيما يتعلق بالشخص، وقد يتعلق بالمجتمع كما شرحت آنفاً إنسان قوي وليس هناك أقوى أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكما ألمحت بل صرحت آنفاً بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما فتح الله عز وجل على يديه مكة
المكرمة كان في منتهى القوة من حيث أنه يتمكن من التغيير، لكنه
لاحظ أن المجتمع الذي هو فيه عليه السلام لا يساعده على تغيير المنكر، إذاً قوله عليه السلام: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده هذه المراتب لا تتعلق فقط بالشخص كما قلنا آنفاً بل أحياناً تتعلق بالمجتمع ولو كان الشخص قوياً في المرتبة العليا من الأمر بالمعروف وهو التغيير باليد، ذلك كان هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما فتح مكة لكنه ما غيره، هل كان ذلك عجزاً منه? حاشاه، ولكنه رأى أن التغيير باليد هنا قد يسبب فتنة ومفسدة كبرى، لذلك اكتفى بالتغيير باللسان حيث أشار إلى أن هذه الكعبة ينبغي أن يعاد بنيانها على قواعد إبراهيم عليه السلام لولا أن القوم هم حديث عهد بالشرك.
لذلك بارك الله فيكم أنا أقول بأن هؤلاء الذين يقولون بأن المسلم مأمور بالتغيير .. ! هذا كلام صحيح في الجملة وليس صحيحاً في التفصيل، التفصيل هو كما ذكرت آنفاً تارة يتعلق بالشخص وقد يكون عاجزاً، هو بإمكانه من حيث المجتمع .. بإمكانه أن يغير لكنه ضعيف فيكتفي بالتغيير باللسان، لكنه أشد ضعفاً من ذلك فيكتفي بالتغيير بالقلب وهذا أدنى درجات الإيمان كما جاء ذلك مصرحاً في بعض الأحاديث الصحيحة، ومنها هذا الحديث نفسه وليس وراء ذلك ذرة من إيمان، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
لعلي أجبت عن هذا السؤال إن شاء الله.
المقدم: جزاك الله خيراً.
الشيخ: وإياك.
المقدم: والله يا شيخ أنا ما من مجلس نجلسه يوماً أو ساعة معك إلا ويجري الله عز وجل الحكمة على لسانك، فنفيد والله الذي لا يحلف إلا به .. نفيد الشيء الكثير الكثير فهنيئاً لك علمك، وهنيئاً لنا سماعه والعمل به إن شاء الله، لقد والله وضعت قاعدة ما التفت إليها في ظني عالم من قبلك فجزاك الله خيراً.
شيخنا من الأمور التي لفتت لا أقول نظري وإنما سمعي وأنت تتحدث قلت: يقول علماء المسلمين، هذه الكلمة ذكرتني بأمرين: أما الأمر الأول فتعظيمك العلماء وتقديرك إياهم، وحرصك على الإفادة منهم، والاعتراف بفضلهم وقدرهم في حياتهم وبعد مماتهم، هذه الأولى .. أما الثانية فما يقوله أولئك المفترون الهالكون عندما يذكرون الشيخ ناصر وهو شوكة في حلوق الكثيرين من أعداء هذه الأمة غير المنصفين، أما أعداء هذه الأمة المنصفون فإنك لست شوكة في حلوقهم إنما أنت قلم يجري على قراطيسهم اعترافاً بفضل علمك عليهم، فجزاك الله خيراً وبارك الله فيك.
الشيخ: وإياك.
المقدم: شيخنا أيضاً هناك مسألة ذكرت في الحديث الذي أوردتموه وهو حديث إعادة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لولا أن قومك حديثي عهد لأعدت البيت على قواعد إبراهيم عليه السلام، ثم لما أمرها أن تصلي في الحجر، السؤال الحقيقة الذي أريد أن أسأله ولربما يكون معلوماً الجواب عند الكثيرين ولكن نريد شيئاً من البيان والتفصيل، هذا السؤال هو: كأنما يلمح أو الحديث يكاد يصرح بأن القواعد كأنما كانت متوارثة جيلاً عن جيل منذ زمن إبراهيم عليه السلام، هذا الشطر الأول من السؤال، وأما الشطر الثاني فكأني ألمح أيضاً من الحديث أن بناء البيت والذي بناه أو أقام قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، كأنما كان تحديد قواعده وحياً من الوحي، فنريد شيئاً من البيان والتفصيل حول هذا السؤال ذي الشطرين، بارك الله فيكم.
الشيخ: أما بالنسبة لكون القواعد التي كانت الكعبة قد بنيت عليها من إبراهيم عليه السلام أنها كانت معروفة فهو كذلك، وكان قد ألقي في نفسي وأنا أتحدث عن حديث عائشة هذا أن أستطرد قليلاً لنتحدث بأن الكعبة قد بنيت فيما بعد على قواعد إبراهيم عليه السلام، لكني خشيت من أن يكون هذا الاستطراد غير
مناسب بالنسبة للجواب قد صرفت النظر عنه، والآن أقول إن الكعبة قد كتب الله عز وجل لها أن يعود بنيانها ولو زمناً قليلاً على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذلك في زمن خروج عبد الله بن الزبير على الخليفة الأموي أظنه عبد الملك.
مداخلة: نعم.
الشيخ: نعم، ودعوة الناس لمبايعته خليفة وهو في مكة ففي حالة كونه هناك قد نصب نفسه خليفة للمسلمين هدم طرفاً من الكعبة وكشف عن قواعد إبراهيم عليه السلام، وتوصف وصفاً لا يحضرني الآن؛ لأنه وصف هندسي مادي كيف كانت الحجارة، مطبقة أو راكبة بعضها على بعض? فعبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه أيضاً قد أعاد بناء الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام؛ وذلك لأنه كان قد تلقى الأمر عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، وأنتم تعلمون أن عبد الله بن الزبير هو يكون ابن أخت السيدة عائشة أسماء رضي الله تعالى عنها، ولكن مع الأسف الشديد تدخلت السياسة والأحقاد التي كانت تجري يومئذ بين بعض الحكام حينما قدر الله عز وجل لحكمة أرادها أن يقتل عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه وأن يستقر الأمر والخلافة لعبد الملك بن مروان فأمر بهدم الكعبة التي جددها عبد الله بن الزبير وإعادتها إلى ما كانت عليه في زمن الجاهلية، بل في زمن الرسول عليه السلام الذي تمنى أن يعيدها على أساس إبراهيم لكنه خشي من الفتنة، فأقر البنيان الجاهلي للكعبة كما كان، فعبد الملك بن مروان أعاد الكعبة إلى ما كانت عليه في العهد الأول، ثم من المؤسف أنه ندم وليت أنه ما فعل ما يندم عليه، حيث روى الإمام مسلم في صحيحه أنه كان هناك مجلس بين يدي عبد الملك بن مروان فجرى موضوع الكعبة وما فعله عبد الله بن الزبير من إعادتها على قواعد إبراهيم عليه السلام، وبطبيعة الحال أنكر ذلك عبد الملك على عبد الله بن الزبير، فكان أحد الحاضرين ممن سمع الحديث عن
ما أذكر الآن الواسطة إنما هو غير عبد الله بن الزبير عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أنها هي التي حدثت عبد الله بن الزبير بقواعد إبراهيم عليه السلام، وأن عبد الله بن الزبير ما فعل إلا ما تلقاه عن الرسول عليه الصلاة والسلام من طريق خالته عائشة، هنا ندم عبد الملك وقال: لو علمت ذلك من قبل لما فعلت ما فعلت.
مداخلة:
…
بعد مندم.
الشيخ: ولات حين مندم، لذلك فالأسس هذه والقواعد معروفة .. معروفة، أما بقي الشطر ..
المقدم: شيخنا تعقيباً على ما جرى بين عبد الملك بن مروان.
الشيخ: والحارث.
المقدم: الحارث بن عبد الله، في الحقيقة على قرب العهد الذي كان بينهم وبين زمن النبوة لم يكن هناك فارق بعيد في الزمن كونهم كلهم في القرن الأول.
الشيخ: نعم.
المقدم: ولكن مع هذا يتبين لنا أن معرفة الروايات والسنن والآثار معرفة المتأخرين عن المتقدمين على القرب والبعد سواء، يعني أقصد في النسيان والترك فمنهم من ينسى ومنهم من يترك ما يعرف، ومنهم من لم يعرف أصلاً فإذاً أقول: القرب والبعد سواء في هذا الأمر وأعني بذلك أن المعرفة أو أن العلم يعتمد على معرفة الآثار والسنن التي ثبتت نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتصور عبد الملك بن مروان عندما أنكر على نفسه فيما بعد حيث قال: لو كنت أعلم ما أعلم لتركت وما تحملت، فإذاً هنا يتبين لنا أن عبد الملك في ندامته ما كان يعلم ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو ما روى عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها، وهذه حجة لنا تمضي بنا إلى الطريق اللاحق إلى يوم القيامة أننا والحمد لله إن
نسينا أو أخطأنا فنحن والحمد لله في عصمة من أمرنا، نعم.
الشيخ:
…
المقدم: هذه وهذا.
الشيخ: الله أكبر.
المقدم: نعم، أقول في عصمة من أمرنا يعني نحمي أنفسنا بهذه القاعدة، نحن نتكلم عن العهد الأول ومع ذلك العهد الأول ما أنكر أحد عن أحد وإنما اعترف عبد الملك أخيراً بأن الأمر كان عليه لا له، الأمر الثاني شيخنا أن استقرار البدعة سبحان الله العظيم .. استقرار البدعة وطول دوامها في الناس يجعلها سنة ماضية كما هو معروف، ولذلك عبد الملك بن مروان لو تريث أو دعا الناس على الأقل أن ينظروا في الأمر، أو لو أنه أفشى في الناس سؤالاً وقال: من منكم يعلم أن عبد الله بن الزبير كان على حق فيما فعل? فربما كان أجابه الكثيرون غير حتى الحارث بن عبد الإله، لذلك أقول إن طول مكث الناس على البدعة يجعلهم يتسرعون أيضاً في تغيير السنة وإزالتها، وهذا الذي كان وغفر الله لعبد الملك بن مروان وغفر الله لعبد الله بن الزبير، وألحقنا إن شاء الله بالصالحين دائماً.
شيخنا ذكرتم كلمة الإمام أحمد أنه كان يرى تكسير آلات المعازف والطرب وغير ذلك، ولكن على ألا تحصل المفسدة، الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وهو الصابر المحتسب الذي أحيا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصبره على الأذى، وقصته في خلق القرآن قصة لا تنسى على الدهر، هذا الرجل القوي يضع هذه القاعدة بنفسه أيضاً ويتحدث عنها، فما بالك بنا في هذه الأيام التي لا يقوى الواحد منا في كثير من الأحيان على أن يصبر أمام فتنة صغيرة وصغيرة جداً.
الشيخ: رحمه الله.
المقدم: فرحم الله الإمام أحمد بن حنبل.
الشيخ: إمام السنة بالحق.
المقدم: ثم الثاني يا شيخنا لفت نظري في نظرتكم أو في هذه القاعدة التي أظهرتموها جلية جديدة أن الفرد الواحد إذا أراد أن ينكر المنكر ويجد في نفسه القوة لا يجوز له استعمال هذه القوة إلا بعد أن ينظر في واقع أمر الجماعة، هذه واحدة .. أما الثانية وهي المهمة أننا لو استقرأنا تاريخ الإسلام من أوله إلى آخره لوجدنا الذين وقفوا هذا الموقف الذي يدل عليه حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله، هذا قلة قليلة بالقياس إلى جماهير الأمة.
الشيخ: أقل من القليل.
المقدم: أقل من القليل جداً، ولذلك عندما نستشهد مثلاً بسعيد بن جبير أو بفلان وفلان من هؤلاء الذين مضوا في هذا التاريخ الحقيقة نحن نذكر الإمام أحمد رحمه الله، أول من نذكر نذكر الإمام أحمد، ومع ذلك قال هذه الكلمة العظيمة التي يحذر كأنما يحذر الأمة فيها من الوقوع في هذه الأخطاء التي نسمعها كثيراً في مثل هذه الأيام، شيخنا بقي هناك جزء من السؤال أيضاً أرجو وإن كان الجواب عنه تكرر أو وقع فيما سبق في كثير من المجالس العلمي التي شهدناها معكم أو عندكم بارك الله فيكم، نحن ذكرنا منهجين اثنين عند هؤلاء الجماعات الإسلامية .. منهجين كل منهم أو كل واحد منهما يقول صاحبها ويدعي بأنه هو صاحب الحق في هذا، وأنه لا يتغير من الأمر شيء إلا إذا طبق المنهج الذي يعتقده، قلنا بأن هناك فلنسمهم متشددين .. نقول الذين يقولون بوجوب التغيير بالقوة مهما كانت النتائج، ولا دليل على ذلك مما وقع في بعض بلاد المسلمين الآن من إقدام بعض الشباب المتحمسين، ولا ندري ما وراء ذلك أيضاً من إقدامهم على إزالة بعض القبور القديمة، التي يدعي الناس بأنها قبور صالحين أو كذا والله أعلم ما قدموا.
الشيخ: المقصود ببناء القبور.
المقدم: أقصد البناء نعم ولست أقصد نفس القبور نعم، وإنما أقصد البناء الذي شيد على القبور في بعض بلاد المسلمين أقدموا على إزالتها بالقوة، ولا شك أنه نتج عن ذلك مفسدة عظيمة من إهدار الدم واستباحة الأنفس .. ، إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة، فنتيجة التشدد التي وقع فيها هؤلاء قادت أمثال هؤلاء إلى أن يقعوا في مثل هذه المخاطر العظيمة والآثار الرهيبة التي أودت بأرواح بعض الناس، الفريق الثاني الذي يقول أو أصحاب المنهج الثاني يقولون لا بد من التدرج في العمل الإصلاحي، البدء بتفقيه الناس وتعليمهم، والبدء بتصويب العقيدة وتصفيتها، وتربية الأجيال تربية إسلامية على وفق الأحكام الشرعية والفروع الدينية التي نزل بها الوحي الأمين على قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فنحن نريد أيضاً كلمة فاصلة في هذا الأمر حتى يتبين وجه الحق لا أقول مرة أخرى وإنما لغيرنا فنحن والحمد لله نعرف وجه الحق فيها ولكن بياناً وتوضيحاً لمن يجهل هذا الأمر، وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: لا أظن عندي شيء زيادة على ما تقدم إلا أن كثيراً ممن يدعون الإصلاح ويتفقون معنا على أنه لا ينبغي الاستعجال بالأمر وبالتغيير للمنكر بالقوة وبالشدة، لا أعتقد أن كثيراً من هؤلاء الذين يدعون الإصلاح بالتي هي أحسن هم يسلكون طريق الإصلاح؛ لأنكم تعلمون والحمد لله أن سلوك طريق الإصلاح يتطلب علماً، ويتطلب علماً من نوع خاص لا يعرفه اليوم جماهير علماء المسلمين فضلاً عن طلاب العلم، فضلاً عن من يدعون أنهم من الدعاة الإسلاميين، ويبتغون الإصلاح بالمسلمين وأن يعودوا بالمسلمين إلى ما كان عليه السلف الصالح، أعتقد أن كثيراً من هؤلاء الذين يدعون الإصلاح، وقد يسمون بهذا الاسم نفسه هم ما سلكوا طريق الإصلاح؛ لأن طريق الإصلاح هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، والسنة الصحيحة كما تعلمون، وذلك من باب
التطبيق لمثل قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] هم قد يتفقون معنا في أن طريق الإصلاح والدعوة بالتي هي أحسن كما ذكرنا، ولكنه يصدق على الكثير منهم قول الشاعر:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
…
إن السفينة لا تجري على اليبس
نحن نقول بأن الإسلام كما قال ابن القيم رحمه الله:
قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
إلى آخر الأبيات، الشاهد أن هؤلاء الدعاة للإصلاح ما نبهوا العالم الإسلامي ولا فهموهم ودلوهم على السنة في مثل مسألة القبور مثلاً لكن إذا ما فوجئوا بأن بعض الشباب أو بعض الجماعات اشتطوا وتسرعوا فغيروا وأنكروا المنكر باليد صاحوا بأن هذه شدة، ولكن ما هو اللين? اللين أن تبينوا للناس أن هذا منكر، فإذا ما أنكر هذا المنكر ولو بالشدة هان الأمر؛ لأن الناس يكونون على بينة وعلى ذكر من أن هذا التغيير ليس هو من باب عدم الاحترام للأموات ومن باب الاستهانة بالأموات خاصة إذا كانوا من الصالحين أو الأولياء، وقد يكون هناك قبور بعض الأنبياء كما يقال في بعض البلاد إلى آخره، حينما يكون الشعب قد هُيء لتقبل هذا التغيير ولو كان بشدة سابقة لأوانها يكون وقت هذا التغيير خفيفاً جداً، لكن هم لا يسعون لتنبيه الناس وإيقاظهم وتبيين السنة التي غفل جماهير الناس عنها بيد أنهم في غفلتهم ساهون، فإذا ما اشتط بعضهم بتغيير هذا المنكر وهو منكر فعلاً لكن بالقوة بشدة، اشتد عليهم الأمر مضاعفاً أولاً من الناحية العلمية لأنه ما عندهم علم أن هذا منكر ينبغي تغييره، وثانياً أن هذا تغيير فعلاً اقترن معه شدة، ولذلك أنا أقول لإخواننا من باب أن نذكر به أنفسنا أنه يا إخواننا دعوتنا هي في حقيقة أمرها هي ثقيلة على الناس خاصة أولئك الناس الذين
أشرت إليهم، اعتادوا على البدع وعلى إهمال السنن، ولذلك فحينما ندعو الناس الذين ماتت السنن بين ظهرانيهم وأحييت البدع من بينهم دعوتنا تكون ثقيلة عليهم؛ لأنها حق {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] فيكفيهم ثقلاً ثقل طبيعة الدعوة، فلا ينبغي لنا أن نقرن إلى هذه الدعوة التي هي حق والحق ثقيل على النفوس ثقلاً آخر هو غير مشروع وهو الشدة في إنكار المنكر في غير محله، إنكار المحل أقول في غير محله وإلا لا أريد أن أقول إن الشدة ليست مشروعة دائماً وأبداً .. !
لا، إنما هو كما قلنا بالحكمة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] ما هي الحكمة? يقول العلماء: أن تضع الشيء في محله، هذه هي الحكمة، فإذا كان المكان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتطلب ليناً فهي الحكمة، وإذا كان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر يتطلب شدة فاستعمال اللين في محل الشدة هنا هي ضد الحكمة، فالذي أريد أن أقوله إنما ندعو إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة مع البيان ومع النصح للمسلمين، وننكر استعمال الشدة في غير محلها، لكن الطوائف الأخرى أو الجماعات الأخرى لا يهتمون بإعادة المسلمين إلى ما كان عليه المسلمون الأولون من حيث أنهم يفهمون الإسلام إسلاماً مصفى، هكذا ينبغي أن تكون دعوتنا إن شاء الله.
المقدم: جزاكم الله خير، شيخنا أنا أستنبط أو أكاد أن أقول لقد صرحتم بما لا يدع مجالاً للشك أن الذي يلتزم هذه القواعد المنهجية الأصلية التي أوضحتموها في هذا الحديث العظيم الطيب هو الذي نستطيع أن نقول إنه على منهج السلف الصالح كتاباً وسنة وفقهاً على وفق ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم، ومن كان على غير هذا المنهج فهو ليس وإن ادعى فهو ليس بذاك، لذلك أريد أن أقول هنا إن منهج أو إن هذه الدعوة بهذه القواعد الأصولية وهذه المناهج أو هذه الكليات التي أحطتم بها في مثل هذا الحديث، يجب أن تكون هي المعتمدة في التصور الحقيق لمن كان على مثل هذا المنهج، ومن هنا
أذكر شيخنا جزاكم الله خيراً عندما قدم بعض إخوان لنا من الجزائر، وجلسنا معهم وتحدثنا لهم وذكرناهم وبينا لهم المخاطر التي تنتظرهم إن هم خالطوا الأمور السياسية فإنهم سوف يلاقون عقبات كثيرة، ومع ذلك مضوا في هذا الطريق وفوجئت اليوم .. اليوم فوجئت وأنا أسمع نبأ هالني والله جداً، منذ أن قامت الفتنة في الجزائر بعد أن أبطل المجلس النيابي الذي فازت فيه جبهة الإنقاذ حتى اليوم كان عدد القتلى عشرة آلاف قتيل.
مداخلة: من الطرفين .. من الفريقين.
المقدم: من الفريقين، طبعاً كلهم مسلمون والحمد لله إلا القليل.
الشيخ: نعم.
المقدم: فلنتصور هذه الثمرة، ولعل الكثيرين من أولئك الذين يفلسفون الوقوف بالتحدي والقوة والشدة في وجه الأنظمة لعلهم يقولون إن هؤلاء شهداء، هكذا يمنون أنفسهم بأن يكونوا شهداء، وأنا لا أدري كيف تفسر الشهادة إذا كان وقودها هؤلاء العشرات أو هؤلاء الألوف الكثيرة في فتنة لا يدرى لها مدخل ولا يدرى لها مخرج، ونحن نقول هنا لإخواننا نذكرهم أيضاً في الجزائر وفي غير الجزائر أن يتقوا الله في دماء المسلمين وفي أعراضهم وفي أنفسهم، وأن يسموا الأشياء بمسمياتها أو بأسمائها الحقيقية، وألا يخرجوا عن الخط الشرعي الذي رسمه الله تبارك وتعالى في مثل قوله:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112].
كلمة أخيرة شيخنا يعني بعد هذا كله نصيحة قصيرة موجزة لإخواننا المسلمين بعامة في كل أرجاء الأرض مشارقها ومغاربها، وما رؤيتكم المستقبلية لهذا الإسلام? وهل سيكون إن شاء الله نصر للإسلام يجريه الله عز وجل على أيدي عباد المخلصين، ومتى سيكون إن شاء الله?
الشيخ: نصيحتي لإخواننا المسلمين في سائر أقطار الدنيا هو العلم النافع والعمل الصالح .. العلم النافع لا يكون إلا مأخوذاً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي السنة الصحيحة الثابتة عنه، ثم هذا العلم لا يفيد المسلمين إلا إذا كما أشرنا آنفاً في بعض كلماتنا المتقدمة .. إلا إذا كان مقروناً بالعمل الصالح، ومما لا شك فيه ولا ريب فيه أن العمل ينقسم إلى قسمين: قسم يتعلق بذات الإنسان وبمن يلوذ به وممن له صولة ودولة عليه وأمر عليه، فهذا النوع من العمل الذي لا يعذر فيه المسلم إذا ما قصر في القيام به لأنه لا عذر له إطلاقاً، فليس للحاكم وليس للدولة سلطة عليه في حدود سلطته الخاصة به وبأهله، ولذلك فنحن ننصح بالعلم النافع والعمل الصالح، وأن يعمل المسلم بكل ما يستطيع أن يعمله، ويحاول أن يوسع دائرة عمله إلى الآخرين الذين قد يكونون بعيدين عنه، لكنه باستطاعته أن يصلهم بعلمه وبتوجيههم وهكذا، فالمسلمون اليوم فيما أفهمه وفيما ألمسه من واقع العالم الإسلامي اليوم وبخاصة في هذه السيطرة التي تسمى بماذا الحكم .. ?
مداخلة: نظام الأمن العالمي.
الشيخ: الأمن العالمي الجديد باعتقادي أن الآية المعروفة الآن وقتها ومحلها ألا وهي قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ما نفكر نحن الآن تفكيراً عملياً مباشراً لتغيير حكم الحكام، إنما نفكر بتغيير عملي مباشر لحكمنا نحن على أنفسنا وعلى أهالينا، ولا شك ولا ريب أبداً أن المسلمين حينما يلتزمون هذا الخط فسيكون من آثار ذلك قيام المجتمع الإسلامي، وهنا أنا أعجب من أناس يفكرون بإقامة الدولة المسلمة دون أن يحققوا تلك الحكمة التي رويت عن بعض الدعاة الإسلاميين، ولكن أتباع هذا الداعي خالفوه في تلك الحكمة التي تقول: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم، فما لم يقم المسلمون دولة الإسلام في
قلوبهم في بيوتهم في حكوماتهم الخاصة بهم والتي لا يتدخل فيها لا الحاكم الكافر المعلن كفره ولا الحاكم الفاسق المنحرف عن كثير من أحكام دينه، ليس لهذا ولا لذاك علاقة بحكم الإنسان على نفسه وعلى ذويه، يوم ينطلق المسلمون في تطبيق هذه الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] يكون المسلمون قد سلكوا وأخذوا برأس الصراط المستقيم، وأن ذلك سيحقق لهم أولاً مجتمعاً إسلامياً وبالتالي على مثل هذا المجتمع ستقوم الدولة المسلمة وأرجو أن يكون ذلك قريباً، وأنا على الرغم مما نرى مما يحمل الإنسان بطبيعته على التشاؤم فأنا غير متشائم، أنا متفائل جداً؛ لأن طبيعة السنن الإلهية الكونية الطبيعية إذا صح هذا التعبير كما قيل اشتدي أزمة تنفرجي {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 110] بالإضافة إلى هذا أقولها صراحة كما قلتها مراراً وتكراراً اليهود الذين هم سبب هذا
الذل الذي أصاب المسلمين اليوم ليس لهم قرار في هذه البلاد وهي فلسطين، ذلك لأن من الأحاديث الصحيحة أن عيسى عليه الصلاة والسلام حينما يخرج للدجال من المشرق يكون في صحبته سبعون ألف من اليهود عليهم الطيالسة، في صحبة الدجال الأكبر فيمر على البلاد الإسلامية ولا يبقى بلد إلا ويطأه هذا الدجال الأكبر، إلا مكة والمدينة وإلا بيت المقدس حيث يكون في بيت المقدس عيسى عليه الصلاة والسلام، والمؤمنون حوله، فحينما يأتي الدجال وعيسى في بيت المقدس؛ إذاً ليس هناك يهود .. يهود في الخارج ولذلك سوف لا يبقى هؤلاء اليهود مهما تجبروا ومهما غلوا في اعتدادهم لقوتهم المادية والله عز وجل من ورائهم محيط، وسوف يأتي يوم عما قريب تتحقق تلك الأكذوبة التي كان يتستر من ورائها بعض الدعاة من العرب العلمانيين الذين يقولون نحن نريد أن نرمي اليهود في البحر، هؤلاء لا يستطيعون أن يخرجوا اليهود من بلد واحد، وإنما الذين سيخرجونهم هم الذين وعد الله عز وجل بنصرهم الآية التي تقول: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ
وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41].
مداخلة: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} [النور: 55].
الشيخ: هذا هو، فهؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الأوامر الشرعية أو الذين سيطردون اليهود من فلسطين، وسيلجؤون إلى الدجال الأكبر وهو الدجال الأعور ويأتون في صحبته لمحاصرة عيسى عليه السلام وهو في بيت المقدس فيخرج إلى الدجال ويقتله، تجري المعركة المنبأ بها في الحديث الصحيح في صحيح مسلم هناك يتكلم الشجر والحجر إلا شجر الغرغد، ويقول: ورائي يا مسلم ورائي يهودي فاقتله، إذاً هؤلاء المسلمون هم الذين سيحققون رمي اليهود في البحر أو على الأقل إخراجهم مما احتلوا من البلاد الإسلامية.
لكني في نهاية هذه الكلمة ولعلها خاتمة هذا المجلس إن شاء الله، أذكر بالسنة الإلهية الكونية ألا وهي قوله تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11] لذلك أنا أقول مع الأسف الشديد المسلمون اليوم على وضعهم الحاضر ليس هؤلاء الذين يخرجون اليهود، وإنما هو جيل لعله هذا الجيل الناشئ الذي يتحدث عنه بأنهم يعيشون الآن في صحوة، لكن أنا في اعتقادي أنه في أول الصحوة؛ لأنها صحوة فكرية علمية لما تقترن بعد معها صحوة تربوية أخلاقية، هؤلاء يمكن بعد زمن إن شاء الله لعله لا يكون طويلاً هم الذين سيضطرون اليهود إلى أن يخرجوا من بلاد المسلمين وأن يطاح بهم بعيداً وبعيداً جداً عن بلاد الإسلام، إذاً علينا أن نذكر بهذه الآية الكريمة أنفسنا وغيرنا من إخواننا:{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11] إذاً أنا أستبشر خيراً وعسى أن يكون قريباً.
المقدم: الأحاديث الدالة على ذلك كثيرة شيخنا: إن الله زوى لي الأرض فرأيت ما زوي لي منها، ورأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي ليبلغ ما زوي لي منها.
أقول شيخنا جزاك الله خيراً وأحسن إليك على هذا الذي فتح الله به عليكم، وأجراه على لسانكم من الحق والعلم والبيان الواضح المستنير، الذي نرجو الله تبارك وتعالى أن يكون سبباً في هداية الكثيرين ورجوع الغاوين، وردة المحبين إلى الحق لا إلى زيادة في الشر لا قدر الله، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يمد في عمركم وأن يبارك في عملكم، وأن يجزيكم عنا وعن المسلمين وعن الإسلام خير الجزاء، وأن يجعلكم دائماً طوداً شامخاً وعلماً عالياً وطريقاً منيراً إلى الحق الواصل إلى رضوان الله، وأسأل الله أن يفيد المسلمين الذين يسمعون هذا الكلام في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يجمعنا على قدم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وأن يجعلنا هداة مهتدين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.
مداخلة: وجزاكم الله خير يا شيخ
(الهدى والنور /810/ 03: 01: 01)
(الهدى والنور /810/ 05: 13: 01)