الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف السبيل إلى الجهاد في ظل
حكومات لا تحكم بالشريعة
السؤال: فيه هنا شيخنا سؤال مُوَجِّه من أحد الإخوان يقول: معظم الحكام اليوم لا يحكمون بما أنزل الله، ولا يرفعون راية الجهاد في سبيل الله، فما هو واجب الشباب المسلم اليوم؟
الشيخ: واجب المسلمين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] واجب المسلمين أن يتفقهوا في الدين وأن يُرَبُّوا أنفسهم على هذا الدين ويربوا من يلوذ بهم من زوج أو ولد أو أخ أو جار أو صديق هكذا، ونحن دائماً ندندن حول كلمتين اثنتين: لابد من التصفية والتربية لإقامة الدولة المسلمة، وبدونهما لا سبيل إلى إقامتها أبداً أبداً أبداً، والتصفية والتربية هذا ليس بالأمر السهل، كما أشار الأستاذ الفاضل آنفاً، أنه قيام الدولة المسلمة قد لا ندركها نحن الذين عشنا سن الأربعين أو الخمسين أو الأكثر من ذلك من باب أولى، ذلك لأن التاريخ لابد من أن يعيد نفسه، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] فإذا كان المؤمن يؤمن حقاً بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أسوته في كل شيء، ومن هذه الأشياء الأمر المهم الذي يدندن حوله اليوم الجماعات الإسلامية على اختلاف مشاربها ومناهجها هو إقامة الدولة المسلمة، فلابد من أن نتخذ الأسباب التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نتمكن من إقامة الدولة المسلمة، مع ملاحظة فارق كبير جداً، ألا وهو أن الإسلام يومئذٍ كان ينزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الله تبارك وتعالى مباشرة وليس أصحاب النبي بحاجة يومئذٍ أن
يبحثوا في كتب الحديث وكتب التفسير واللغة وو ..
إلخ، مما لا يمكن المسلم اليوم أن يفهم الإسلام على الوجه الصحيح إلا بهذه المقدمات، فالسلف الأول ما كانوا بحاجة إلى مثل هذه المقدمات، لأنهم كانوا يأخذون أحكام الإسلام مباشرة من نبي الإسلام، فإذاً: ما عليهم إلا أن يُرَبَّوا على هذا الإسلام الصحيح، وهذا ما فعله الرسول عليه السلام مع أصحابه الكرام، أما نحن اليوم فنحن قبل أن نقول: نريد أن نربي أنفسنا على الإسلام يجب علينا أن نفهم الإسلام، وهل فهم الإسلام طريقه مذلل وميسر كما كان في العهد الأول من الإسلام؟
الجواب بدون أي خلاف: ليس كذلك، ومثال بسيط جداً جداً: يومئذٍ لم يكن هناك علم اسمه علم الحديث، لأنهم كانوا يتلقون الحديث من صاحبه مباشرة، ليس هناك علم اسمه علم النحو والصرف، لماذا؟ لأنهم كانوا عرباً أقحاحاً، أما اليوم العرب أنفسهم صاروا أعاجم، فهم بسبب ذلك حتى يتمكنوا من فهم القرآن فهماً صحيحاً، فعليهم أن يدرسوا لغتهم التي نسوها، فانظروا إذاً أمامنا عقبات كثيرة وكثيرة جداً، لنتمكن من تطبيق الإسلام على أنفسنا يجب أن نتعلم هذا الإسلام ولا يمكننا إلا باتخاذ الوسائل التي بها نستطيع أن نفهم الإسلام.
وهنا نكتة سورية يذكرونها وما يهمنا تكون صحيحة، بل قد تكون نكتة فيها حكمة، وهي: زعموا بأن رجلاً مسلماً أعجمي لقي رجلاً يهودياً في الطريق، فأخرج خنجره من وسطه مُهَدِّداً لهذا اليهودي قائلاً له: أسلم وإلا قتلتك، قال: دخلك، ماذا أقول؟ قال: والله ما أدري ماذا تقول، هذا مثال يعني، إذاً: هذا التهديد ما فائدته ولا هو لا يعرف إسلامه، هذا النكتة هذه لها أثر كبير جداً في واقعنا، فإن أكثر المسلمين كما نقول نحن دائماً وأبداً: لا يعرفون إسلامهم حتى في العقيدة، بل سأقولها صريحة: لا يعرفون ربهم، والأصل أن المسلم يعرف ربه ليس كالمشركين، بل خيراً من المشركين، وإلا ما الفرق بينه وبين المشركين، المشركين قال رب العالمين عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ
اللَّهُ} [لقمان: 25] إذاً: المشركون ما كانوا كفاراً برب العالمين! طيب المسلمين اليوم يقولون: الله، لكن هل يعلمون الله يعني واحد في ذاته وهذا الذي يسمى عند العلماء بتوحيد الربوبية، وواحد في عبادته وهذا الذي يسمى عندهم بتوحيد الألوهية أو العبادة، وواحد في أسمائه وصفاته، أكثر المسلمين لا يعلمون ذلك أبداً، ما يفقهون الكلمة الطيبة لا إله إلا الله إلا بالمفهوم الشركي، أي: ربنا واحد، لا شريك له، أي: لا أحد يخلق معه لا أحد يرزق معه، المشركون كانوا كذلك، لكن هؤلاء المشركين وصفهم رب العالمين بقوله في القرآن، الكريم:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] هذا واقع اليوم بين المسلمين أنفسهم، فالذين يذهبون زعموا لزيارة الأولياء والصالحين لا يذهبون لزيارتها لتحقيق العلة التي ذكرها الرسول عليه السلام في بعض أحاديثه بعد أن كان نهاهم عن زيارة القبور، قال لهم: وكنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة.
لكن اليوم لا يذهبون لزيارة الأولياء والصالحين ليتذكرون الآخرة، وإنما ليستمدوا العون منهم وليتبركوا بالدعاء عند مقامهم وهكذا، فهذه كلها تنافي شهادة لا إله إلا الله.
إذاً: أين المسلمين هؤلاء الذين يريدون يقيموا الدولة المسلمة وهم أكثرهم بعد لا يعرفون التوحيد، وهذا مجاله واسع جداً.
(الهدى والنور/466/ 36: 38: 00)
شقرة: يقول يا إخوان مثل هذه الجلسات المباركات لا تكون على كثرة وإنما تكون على ندرة، وبخاصة أن يجتمع مثل هذا النفر من الشباب، والشباب كما يعبر عنهم بعض الكتاب أو الحكماء العصريين يقولون: إنهم عصب الحياة، ولا شك أن هذه الكلمة صادقة إلى حد كبير في وصف الشباب، والشباب دائماً وأبداً رغم أنهم على ما وصف لكن أيضاً في الشباب الحماسة وقوة الاندفاع
وشدة الانطلاق، وعدم التروي في كثير من الأحيان، والانسياق وراء العاطفة، وعدم الوقوف مع أحكام العقل الصحيحة، فضلاً عن أن يكون هناك وقوف أو تَمثُّل لأحكام الشرع، لذلك أقول:
أولاً: جزى الله عنا شيخنا خيراً بما أفاض علينا مما آتاه الله من علم وحكمة، وأقول ثانياً: إنا معاشر الشيوخ ولست أعني بالشيوخ الرؤساء وكبار العلماء أو العلماء، وإنما أعني بالشيوخ كبار السن، فنحن الآن على سفينة الرحلة الأبدية التي لا تعود مرة أخرى إلى الشاطئ، وأنتم الآن تقفون على الشواطئ تنظرون إلى موج البحر وهو يختبط، وإلى مياهه وهي تعلوا تارة وتنخفض أخرى، وإلى السفن التي تبحر في هذا المحيط أو في هذا البحر، تنظرون إليها وأنتم تتأملون ماذا يكون من مصير الإنسان الذي يقف على الشاطئ إن غمس رجله في الماء أو ركب هذه السفينة أو الباخرة، أو سبح في هذا الموج أو خضم هذا البحر، تنظرون وتتساءلون، فالذي أوصيكم به ثلاثاً:
أولاً: أن تُقْبِلوا على العلم، الإقبال الذي يُحَصِّنكم من الجهل الذي يشيع في دنيا الناس، والجهل هو عنوان التخلف، وكلما ابتعد الإنسان عن العلم اقترب من الشيطان وابتعد عن الرحمن، وكلما اقترب من العلم كان أقرب إلى الرحمن وأبعد عن الشيطان، هذه الأولى، أما الثانية فأن تتوادوا في الله عز وجل، ولا يحمل بعضكم أو لا يحمل بعضكم على بعض ضغناً في صدره أو حقداً في نفسه، أو ثورة من غضب ربما يقدم على أذى أخيه بها، وما أحسن أن ينام الإنسان ليله الطويلة سليم الصدر معافى من الأوبئة أو الأدواء التي تنتشر في دنيا الناس بالتنافس على الدنيا والإقبال عليها والإدبار عن الآخرة، هذه الثانية.
أما الثالثة: فأن تستحضروا دائماً أنكم في مثل هذا السن أقرب ما تكونون إلى تلقي الأمور تلقياً دقيقاً واعياً لا يفلت منكم شيء منها، فعليكم أن تستغلوا شبابكم وقدراتكم النفسية والعقلية في استيعاب الكثير من المسائل والأحوال،
المسائل العلمية والأحوال الاجتماعية التي يكتب لكم بها أن تكونوا إن شاء الله من الحكماء في الدنيا، لأن العلم يولد الحكمة، ومعرفة الأحوال تقدر الإنسان على فهم التاريخ، ودنيا الناس، فبذلك يكون حكيماً بعلمه ومعرفته أحوال البشر، هذه ثلاث مسائل أحببت أن أوصي نفسي، وأنا كما قلت لكم قد ركبت تلك السفينة التي تمشي الآن إلى المجهول، ولا ندري أيكون بيننا وبينكم لقاء أم لا يكون، فوصيتي إليكم هذه، وأختتم جلستنا هذه المباركة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما أوصى أحد أصحابه، قال:«اتق حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وإخوانه النبيين.
(الهدى والنور/466/ 26: 21: 01)