الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم لَعْن من تسبب في قتل المسلمين
وإهانة الدين الإسلامي
السؤال: هل يجوز لعن أناس ميتين، كانوا قد تسببوا في قتل كثير من المسلمين، وفي الإهانة بالدين الإسلامي، وآخرون لا يزالون على قيد الحياة من شاكلته؟ هل يجوز لعنهم؟
الشيخ: إذا كان هؤلاء الذي ورد السؤال في حقهم، هل يجوز لعنهم؟ يجب أن تدرس المسألة دراسة دقيقة جداً، هل هم تسببوا بقتل جماعة من المسلمين بقصد سيء، فحينئذٍ الجواب: يجوز، أما إن كان ذلك خطأ منهم فلا يجوز، ولعن المجرم في الإسلام أمر جائز، خلاف لما يظن بعض الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا شهراً كاملاً على المشركين الذين غدروا بالقراء السبعين من الصحابة، الذين أرسلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لدعوة المشركين إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فأعطوهم الأمان ثم غدروا بهم، فقتلوهم جميعاً، سبعين من علماء الصحابة وقرائهم، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلوات الخمس في القنوت، ثم نزل في حقهم قوله تبارك وتعالى:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]، انكشف سر نزول هذه الآية بعد مدة، فقد جاء أولئك المشركون تائبين إلى الله عز وجل، فليس في الحديث الصحيح دليل على منع الدعاء على أعيان معينين من المشركين؛ لأن سبب نزول هذه الآية أنه كان سبق في علم الله عز وجل أن أولئك المشركين الذين قتلوا السبعين من قراء الصحابة، سبق في علم الله عز وجل أنهم سيؤمنون بالله ورسوله، ويكونون من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هنا أو
في هذه الصورة جاء الحديث الصحيح: إن الله عز وجل يعجب من قاتل يقتل مسلماً ثم يسلم القاتل فيدخلان معاً الجنة، الكافر يقتل مسلماً فمصيره النار بطبيعة الحال، لكن هذا الكافر يؤمن بالله ورسوله، والتوبة والإسلام يجب ما قبله، فإذاً هذا القاتل يدخل مع المقتول كلاهما الجنة، {إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47]، ماذا؟ نستطيع أن نتخذ هذا الحديث في لعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأقوام معينين قتلوا طائفة كبيرة من المسلمين، أنه دليل على جواز
لعن الكافر بعينه، بل يجوز لعن المجرم المعروف بإسلامه، قد يكون منافقاً، يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وقد يكون يبطن الإسلام أيضاً ولكن إيمانه بدينه ليس قوياً، ولذلك يقع منه معاصي وذنوب كبيرة، من ذلك أن يقتل نفساً مؤمناً متعمداً.
فهذا المسلم الذي يرتكب معصية من المعاصي، لا سيما إذا كان مصراً على ذلك، وليست زلة قدم منه، فهذا أيضاً يجوز في الإسلام لعنه، كما جاء في ذلك حديث صحيح وفيمن هو أهون من قاتل النفس المسلمة، جاء في الأدب المفرد للإمام البخاري، وسنن أبي داود الستجستاني، وغيرهما أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، جاري ظلمني، جاري ظلمني، جاري ظلمني، فقال له عليه الصلاة والسلام: أخرج متاعك، فاجعله في قارعة الطريق، فكان الناس يمرون والمتاع الملقى في الطريق يلفت نظرهم ورجل واقف بجانب متاعه، يشعرهم كأنه أحداً أخرجه من داره، وطرده منه، فيقولون له: ما لك يا فلان؟ قال: جاري هذا ظلمني، فما يكون منهم إلا أن يسبوه ويقولون: قاتله الله، لعنه الله، والظالم يسمع بأذنيه، مسبة الناس ولعن الناس له، فكان ذلك أقوى رادع له عن ظلمه؛ بأنه سارع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يا رسول الله، مر جاري بأن يعيد متاعه إلى داره، فقد لعنني الناس، فكان جوابه عليه الصلاة والسلام:«لقد لعنك من في السماء، قبل أن يلعنك من في الأرض» .
الشاهد هنا: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر الناس الذين لعنوا هذا الظالم، وما أنكر ذلك عليهم حينما وصله خبرهم، من هذا الظالم، حين قال: لعنني الناس، ومن أجل ذلك يقول علماء الأصول، أن سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تنقسم إلى ثلاثة أقسام، سنة قولية من كلامه، وسنة فعلية يفعلها الرسول عليه السلام بين أصحابه، أو تقريره، يرى شيئاً فلا ينكره، فيصبح هذا الشيء جائزاً في أقل أحواله، ومن هنا حينما رأينا في هذا الحديث الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على أولئك الناس الذين لعنوا الظالم، بل أقرهم على ذلك، صار الحديث دليلاً على جواز لعن الشخص بعينه، بسبب جرم يرتكبه بحق أخيه المسلم، وقد يكون الجرم أعظم إذا كان فيه دعاية لجرمه الذي هو واقع فيه، وعلى ذلك جاء الحديث الصحيح، من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«صنفان من الناس لم أرهما بعد، رجال بأيدهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة» ، زاد في حديث آخر:«العنوهن، فإنهن ملعونات، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا» ، وفي بعض الأحاديث الأخرى الصحيحة:«إن ريح الجنة يوجد من مسيرة مائة عام» ، مع ذلك هذا الجنس من النساء المتبرجات الكاسيات العاريات، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة مائة عام» .
لهذا يجوز لعن الكافر، بل والفاسق من باب تأديبه، سواء كان ذلك في وجهه أو في غيبته، من أجل هذا جمع بعض العلماء ستة خصال يجوز للمسلم أن يستغيب بها من تمثلت فيه هذه الخصال، فقال الشاعر الفقيه:
القدح ليس بغيبة في ستة
…
متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهرٍ فسقاً ومستفتٍ
…
ومن طلب الإعانة في إزالة منكر
تعلمون جميعاً أن الغيبة محرمة أشد التحريم بالكتاب والسنة، وأن تعريفها
أو صفة الغيبة كما قال عليه الصلاة: «الغيبة ذكرك أخاك بما يكره» ، قالوا: يا رسول الله، أرأيت إن كان فيه ما قلت؟ قال:«إن قلت ما فيه فقد أغتبته، وإن قلت ما ليس فيه فقد بهته» ، البهتان بلا شك جرم عظيم، هذه الغيبة: وهي أن تذكر أخاك بما يكره حرام، إلا في هذه الخصال الست وهي قال:
متظلم: رجل مظلوم، فهو يذكر ظالمه بظلامته، كما سبق في الحديث السابق، كيف شكاه للنبي، فواضح أن ذهابه إلى الرسول وقوله: فلان ظلمني، هذه غيبة، وصفه بما فيه، هذه غيبة، لكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما نهره، ولا نهاه، وما قال له: هذه غيبة؛ لأنه هذه ليست من الغيبة المحرمة؛ لأن مقصود الرجل كان أن ذكر ذلك ليصل إلى رفع الظلم عنه، وهذا أيضاً يؤيده القرآن الكريم:{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148].
هذا القسم الأول ممن يحل استغابته، وهو المظلوم، يستغيب ظالمه، وعلى هذا أيضاً جاء قوله عليه السلام:«مطل الغني ظلم» ، فرجل له عند آخر ظلماً دين، مال، أقرضه إياه لوجه الله، إنه يماطل المحسن إليه، وهو قادر على الوفاء فلا يفعل، فهو ظالم فيجوز استغابته، وقد جاء الحديث صريحاً في جنسه، ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبته» ، يحل عرضه: يعني الطعن فيه، بأن يقول: فلان ظالم، فلان أكل حقي، فلا يتبادرنَّ إلى ذهن أحد أن المقصود بالعرض هنا: أن ينال من عرض أهله، حاشا، وإنما ينال من عرض هذا الظالم وفي حدود ظلمه إياه، «لي الواجد يحل عرضه وعقوبته» ، هذا المتظلم، والثاني: ومعرف، هذه المسألة هامة جداً؛ لأن كثيراً من جهلهم يوجدون مشاكل تورعاً بارداً منهم، نعرف، يأتي إنسان إليك وأنت مسلم طيب، ما تحب أن تعصي الله ورسوله، يسألك: ما رأيك يا فلان؟ فلان أبو فلان تعرفه أنت جيداً، وهو يريد يشاركني، ماذا تنصحني؟ أشاركه أو لا؟ وهو
يعلم أنه خائن، في تجارب سابقة مع بعض الناس، أكل أموالهم.
فما يتكلم بما يعرفه فيه، ويقول: كالمعتاد في بعض البلاد: كل الناس خير مني، كل الناس فيهم خير وبركة، ولا بركة فيه؛ لأنه هو خائن، لماذا؟ يقول: هذه غيبة، أي ما يجوز، لكن جهل أن الغيبة من هذا النوع ليس فقط يجوز بل يجب؛ لأنه الدين النصيحة، كذلك من هذا القبيل وربما يكون الأخطر، يأتيك الرجل يريد أن يخطب بنت جارك: يا فلان ما رأيك ببنت فلان؟ فيأتي الجواب التقليدي، والله كل الناس فيهم خير وبركة، وهو يعرف لا سمح الله، من البنت أنها شاردة، وأنها فلتانة، تلاقي أشكال وألوان، فالواجب على هذا الجار أن يحكي ما يعلم وليس هذا من الغيبة في شيء أبداً.
(الهدى والنور/9/ 36: 14: .. )