الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخلاق الداعية
مداخلة: نريد من الشيخ جزاه الله خيراً وبارك الله في عمره أن تنصحنا نصيحة لعل الله سبحانه وتعالى
…
الشيخ: والله ما أدري بماذا أنصحكم؛ لأن نفسي بحاجة إلى من ينصحها، لكن إذا كان ولا بد من أن أُقَدِّم إليكم نصيحة، فأنا أنصحكم ونفسي أولاً بتقوى الله، ثم ببعض ما يتفرع من تقوى الله تبارك وتعالى.
من ذلك أولاً: أن تطلبوا العلم خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى، لا تريدون من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً ولا وظيفة ولا منصباً ولا تصدر المجالس، وإنما هو للوصول إلى الدرجة التي خَصَّها الله عز وجل للعلماء حين قال:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} [المجادلة: 11].
وثانياً: الابتعاد عن المزالق التي يقع فيها بعض طلاب العلم التي منها: أنه سرعان ما يسيطر عليهم العجب والغرور فينطلق أحدهم إلى أن يركب رأسه وأن يفتي نفسه بل غيره بما بدا له دون أن يستعين بأهل العلم الخاصة من السلف الصالح الذين مضوا وخلفوا لنا هذا التراث النير لنستعين به على القضاء على هذه .... التي تراكمت على مر العصور فعشناها في ظلام دامس، فالاستعانة بأقوال السلف ورأيهم يساعدنا على تجديد هذه الظلمات حينما نرجع إلى فهم الكتاب والسنة، والسنة الصحيحة؛ لأنني عشت في زمن أدركت أمرين متناقضين:
الأمر الأول: حيث كان المسلمون جميعاً شيوخاً وطلاباً عامةً وخاصةً
يعيشون في بؤرة التقليد واتباعهم ليس فقط للمذاهب بل وللآباء والأجداد، عشت هذا الزمن ونحن ندعو إلى الرجوع إلى كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
نحن هنا وهناك في مختلف البلاد الإسلامية وجد دائماً وأبداً أفراد هم الغرباء الذين وصفهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الأحاديث المعروفة التي منها: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء» جاء في بعض الروايات أنه عليه السلام سئل: من هم الغرباء؟ فقال عليه السلام: «أناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» وفي رواية أخرى: «هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» عشنا ذاك الزمن ثم بدأنا نتبين الأثر الطيب لدعوة الدعاة الغرباء المصلحين بين صفوف الشباب المؤمنين، ورأينا هذا الشباب يستقيم على الجادة في كثير من البلاد الإسلامية ويحرص على التمسك بالكتاب والسنة حيثما صحت عنده.
ولكن ما طال فرحنا بهذه الصحة التي التمسناها في هذه السنوات الأخيرة حتى فوجئنا بانقلاب وقع في بعض هؤلاء الشباب في بعض البلاد كاد أن يقضي على آثار هذه الصحوة الطيبة؛ وما سبب ذلك وهنا العبرة والنصيحة إلا لأنه أصابهم العجب وأصابهم الغرور، وما سبب ذلك إلا لأنهم أصابهم العجب وأصابهم الغرور بسبب ما تبين لهم أنهم أصبحوا على شيء من العلم الصحيح ليس فقط بين جمهرة الشباب المسلم الضائع بل حتى بين كثير من شيوخ العلم حيث شعروا بأنهم تفوقوا بهذه الصحوة على أهل المشيخة والعلم المنتشرين في العالم الإسلامي، فما شكروا الله عز وجل حيث وفقهم إلى هذا العلم الصحيح بل اغتروا واشتدوا وظنوا أنهم على علم فأخذوا يصدرون الفتاوى الفجة الغير قائمة على التفقه في الكتاب والسنة، بل إنما هي آراء غير ناضجة ظهرت لهم أنها هي العلم المأخوذ من الكتاب والسنة فضلوا وأضلوا كثيراً.
وليس يخفى عليكم ما كان ما آثار ذلك من وجود جماعة في بعض البلاد
الإسلامية فأخذوا يصرحون بتكفير كل الجماعات المسلمة بفلسفات لا مجال الآن الخوض فيها ونحن إنما نقول الآن كلمة من باب النصيحة والتذكير.
لذلك أنصح إخواننا أهل السنة وأهل الحديث في كل بلاد الإسلام أن يصبروا على طلب العلم وألا يغتروا بما جنوا من علم إنما يتابعون الطريق ولا يعتمدون على مجرد أفهامهم أو ما يسمونه باجتهادهم، وأنا سمعت من كثيرين من إخواننا، يا أخي ما هذا؟ يقول لك بكل بساطة وكل لا مبالاة: يا أخي اجتهدت أنا، طيب! أنت لما اجتهدت على هذا
…
ما هي الأحاديث التي رجعت إليها؟ ما هي المفاهيم التي فهمتها؟ من العلماء الذين استعنت بها على فهم هذه الأفهام التي أنت تصرح بها؟ لا شيء سوى أنه بدا له هذا الفهم فهو صار المفتي الأعظم، هذا سببه في اعتقادي هو العجب والغرور.
لذلك أجد العالم الإسلامي اليوم ظاهرة غريبة جداً تظهر في بعض المؤلفات فأصبح من كان عدواً للحديث يؤلف في علم الحديث لماذا؟ ليقال إنه ألف في علم الحديث، ولو رجعت إلى هذا الذي كتبه في علم الحديث لوجدته عبارة عن نقول لمها وجمعها من هنا وهناك وألف منها كتاباً، فهذا ما الباعث عليه؟ حب الظهور، وصدق من قال: حب الظهور يقطع الظهور.
لذلك أنصح إخواننا أولاً كما قلت: بتقوى الله عز وجل، وثانياً: في الاستدراج في طلب العلم، وثالثاً: أن يبتعدوا عن كل خلق ليس إسلاماً ومن ذلك: أن لا يغتروا بما أوتوا من علم وأن لا يغلبهم العجب، وأن ينصحوا الناس أخيراً بالتي هي أحسن، ويبتعدوا عن الأساليب القاسية والشديدة؛ لأننا جميعاً نعتقد أن الله عز وجل حين قال:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] إنما ذلك؛ لأن الحق في نفسه تقييمه على الناس، تقيده على النفوس البشرية، ولذلك هي تستكبر عن قبولها إلا من شاء الله، فإذا انضم إلى ثقل الحق على النفس البشرية عضو آخر وثقل آخر وهو القسوة