الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصيحة للدعاة في أسلوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر
السؤال الثاني: نرجو من فضيلتكم نصيحة الشباب خاصة في بعض مناهج الدعوة إلى الله تعالى؛ لأن الشباب يملكون قوى جبارة ويريدون استفراغ ما يملكون من القوى في سبيل إرضاء الله تعالى لكنهم قد لا يعرفون السبل التي تُبَلِّغهم رضاه تبارك وتعالى، لقد ظهرت في بلادنا جماعة تسمى بجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعمل هذه الجماعة: أن تذهب مثلاً إلى حانة فتنهى صاحبها فإن لم ينتهي كسرت كل شيء، ونريد كلمة حول تنظيم العمل الجماعي هذا، وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فوصيتي لإخواننا الشباب المسلم في كل نواحي البلاد الإسلامية أمران اثنان:
أولهما: أن يتوجهوا للتفقه في دين الله تبارك وتعالى على ضوء الكتاب والسنة، وأن لا يستعجلوا الأمور قبل أوانها، فقد قيل: من استعجل الأمر قبل أوانه ابتلي بحرمانه، ونحن نشاهد اليوم أن هؤلاء الشباب المتحمسين لا يكادون يتعلمون إلا قليلاً من العلم وإذا بهم يرون أنفسهم قد أصبحوا أهل الحل والعقل، والأمر والنهي، ويترتب من وراء ذلك بسبب ضآلة علمهم أن لا يحسنوا
القيام ببعض الواجبات الكفائية والتي ليست هي بالواجبات العينية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن المعلوم شرعاً أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون أيضاً بالمعروف وليس بالشيء المنكر، ومن (انقطاع) والنهي عن المنكر أن يترتب وراء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفسدة كبرى هي أكبر من المصلحة التي يريدون تحقيقها أو المفسدة التي يريدون القضاء عليها، فإذا ترتب من وراء ذلك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر تلك المفسدة الكبرى فهنا يقول أهل العلم: أنه لا يجوز المبادرة إلى مثل ذاك الأمر بالمعروف وإلى مثل ذاك النهي عن المنكر، فإذا أمروا بالمعروف يجب أن يكون أمرهم بالمعروف، وإذا نهو عن المنكر فيجب أن يكون كذلك نهيهم عن المنكر بالمعروف، والمعروف بلا شك إنما يكون إذا كان موافقاً للكتاب والسنة.
ومن المقرر عند أهل العلم أنه إذا دار الأمر بين مفسدتين إحداهما أكبر من الأخرى ارتكبت الصغرى في سبيل دفع الكبرى بها، ومما يستدل على ذلك قصة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة أن تصلي الصلاة في الحجر لما رأت النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل جوف الكعبة وصلى فيها ركعتين فأرادت هي رضي الله عنها أن تقتدي بنبيها وأن تدخل إلى جوف كعبة ربها فقال لها عليه الصلاة والسلام:«صلي في الحجر فإنه من البيت وإن قومك لما قصرت بهم النفقة أخرجوا الحجر من البيت، ولولا أن قومك حديثو عهد بالشرك لهدمت الكعبة ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام ولجعلت لها بابين مع الأرض باباً يدخلون منه وباباً يخرجون منه» فلم يغير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بناء الكعبة على ما تركته عليه أهل الجاهلية وهو قاصر عن البناء الذي كان إبراهيم عليه السلام أقام قواعده عليها مع ذلك فقد أعرض الرسول عليه السلام عن تجديد بناء الكعبة خشية أن تثور في بعض الناس فتنة تردهم عن كثير من دينهم، وإذا كان الأمر كذلك أي: كان من الواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف شرعاً فأرى أنه يجب على القائمين
بهذه الفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبخاصة في بعض الدول، بل لا بأس أن نقول: في كل الدول الإسلامية التي لا تسمح لأفراد المسلمين أن يقوموا بهذه الحسبة وبهذا الواجب؛ ولذلك نحن ننصحهم أن يكتفوا من الأمر بالمعروف بما لا يترتب من ورائه ضرر سواء كان هذا الضرر يمس الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو يمس آخرين ممن يتحمسون لهم أو عليهم.
لذلك هذه الصورة التي سمعتها آنفاً وهي في بلادكم وما أعتقد أن بلادكم أصبحت في التعبير العصري اليوم: ديمقراطية بمعنى: أن يسمح فيها أن تصرف كل فرد على ما يرى من حريته والآخرون أيضاً يسمحون لهم بأن يفعلوا ما شاؤوا هذا بلا شك مما لم تصل إليه الدول العربية بل ولا الدول الغربية؛ لأن هذه الصورة فيها اعتداء مباشر على المواقعين والمنتهكين لحرمات الله تبارك وتعالى؛ ولذلك فنحن ننصح لهؤلاء أن الشباب يكتفوا ما دام الأمر حتى الآن مع الآسف لا يسمح للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يغير المنكر بالمرتبة الأولى التي جعلها الرسول عليه السلام أولى المراتب الثلاثة في قوه الصحيح المشهور عنه: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» لا شك أن تغيير المنكر باليد له آثار عظيمة ومفيدة جداً في المجتمع الإسلامي ولكن مع الأسف الشديد إن مجتمعنا اليوم ليس مجتمعاً إسلامياً ما دامت الدول لا تحكم الإسلام فيما يقع بين أفراد المسلمين من مخالفات ومن منازعات.
ونحن نعرف في التجربة الواقعة في العصر الحاضر أن مثل هذا التقدم أو مثل هذه الجرأة في تغيير المنكر باليد وبكسر الأشياء المحرمة في مثل هذه البلاد التي نحياها اليوم والتي لا تحكم شرع الله تعود نتيجة ذلك بالنقيض مما يريده أهل الإصلاح أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تكون النتيجة أن هذا الحماس ستنطفئ شعلته بسبب معاكسة الدولة لهؤلاء الشباب المتحمسين بحيث أنهم يضطرونهم في نهاية الأمر إلى أن يقبعوا في دورهم وأن لا يأمروا