الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة في الدعوة إلى الله
قال الإمام: لكن هنا في هذه المناسبة لابد أن نذكر قيداً، لابد أن يقترن مع فكر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر فكراً وعملاً، ألا وهو أن يكون أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر أن يكونَ كلُّ ذلك بالمعروف، أن يكون أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بالمعروف من أساليب الشريعة، فكلنا يعلم قول ربنا تبارك وتعالى في القرآن الكريم:{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [128: النحل]، الحكمةُ هنا أول ما يتبادر إلى ذهننا وذهن غيرنا أيضا هو اللين وترك الشدة والغلظة، كما قال تعالى:{وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [159: آل عمران] وهذا أمر ملاحظ في هدي الرسول عليه السلام، وفي سنته العملية، لقد كان بأمته رؤوفاً رحيماً كما وصفه ربنا تبارك وتعالى في القرآن الكريم:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [128: التوبة]، لقد كان عليه السلام كذلك في أسلوب حياته وتعليمه لأمته، ولعل الحاضرين جميعاً كلنا يعرف قصة ذلك الأعرابي الذي يبدو أنه كان حديث عهد بالإسلام وأنه لمّا يتعلم بعد الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية، ذلك أنه حاول أن يبول في المسجد النبوي وتعلمون أن المسجد النبوي كان مفروشاً بالحصباء، فلما رأى ذلك منه أصحابه عليه السلام همّوا به أن يضربوه، فقال عليه السلام لهم:«لا تزرموه» لا أي لا تقطعوا عليه بوله، «إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسّرين» وتركه عليه السلام يقضي بوله حتى ارتاح، لكن الرجل بقدر ما سره من لطفه عليه السلام به انغاظ من غلظة أصحابه وبدا ذلك من دعائه بعد الصلاة حيث قال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك معنا أحداً، اللهم ارحمني ومحمداً ولا تشرك معنا أحداً، محمد بيستحق الرحمة
لأنه رحيم، أما هؤلاء الجفاة الغلاظ القلوب فهؤلاء لا يستحقون الرحمة، اللهم ارحمني ومحمداً ولا
تشرك معنا أحداً، فعاد الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمه يقول له:«لقد حجّرت واسعاً من رحمة الله» حجَرت أي ضيّقت واسعاً من رحمة الله تبارك وتعالى، فهذا أسلوب من أساليب الرسول عليه السلام الهينة اللينة في تأديبه لأصحابه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
لكن هناك قصة تشبه هذه، وقد لا يعرفها كثيرٌ من الناس، وهي قصة ذلك الصحابي الذي تكلم في الصلاة وحاول من حوله أن يسكتوه بالضرب على أفخاذهم، ألا وهو الذي يُعرف بماذا؟ معاوية بن الحكم السُلمي، هذا معاوية غير معاوية بن أبي سفيان الذي صار فيما بعد خليفة المسلمين، يقول هو نفسه معاوية بن الحكم السلمي: صليت يوماً وراء النبي صلى الله عليه وسلم، وعطس رجلٌ بجانبي، فقلت له: يرحمك الله فنظر إليّ يعني نظرة مسكته، مَنْ حوله، فضاق بهم ذرعاً، ونادى بأعلى صوته:«واثُكل أميّاه» هو يصلي ينادي بأعلى صوته: «واثُكل أميّاه» -أي فقدتني أمي-، يدعو على نفسه، لماذا تنظرون إليّ؟ ما لكم تنظرون إلي؟ فأخذوا ضرباً على أفخاذهم" اسكت الآن ليس وقتاً للكلام، قال -وهنا الشاهد-: "فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة أقبل إليّ، فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني، وإنما قال لي:«إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» إلخ الحديث والحديث فيه طول ولو أنه فيه فوائد، لكن ما نطيل عليكم الآن، فالشاهد أن الرجل شعر بأنه أخطأ في الصلاة من نظرات الصحابة إليه، نظرات إنكار في الصلاة، ثم من ضربهم على أفخاذهم تسكيتاً له، فعرف أنه كان مخطئاً، ومثله يتصور ويحدث نفسه: الآن يا ترى بعد الصلاة شو بده يعاقبني الرسول عليه السلام على هذا الخطأ الذي ارتكبته؟ ، فيجيب نفسَه بنفسِه، فيقول: فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي هذه الصلاة لا يجوز فيها هذا الكلام، أقول الأمر بالمعروف
يجب أن يكون بالمعروف لكن هنا الشيء الذي ينبغي التنبه له
والتنبيه عليه، لكن أحياناً لابد من استعمال الشدة،
…
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعود إلى المدينة بعد أن طاف طواف الوداع علم أن صفيّة قد حاضت، فسأل:«هل طافت طواف الإفاضة؟ » فقالوا: نعم، فقال:«إذا فلتنفر» [وهنا انقطعت مادة الشريط]
(الهدى والنور /230/ 00: 19: 10)