المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة) في صيغ العموم - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ٢

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌مَسْأَلَةٌ) فِي صِيَغِ الْعُمُومِ

- ‌(مَسْأَلَةٌ جَوَابُ السَّائِلِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ دُونَهُ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ إنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ عَنْ الْعَمَلِ) بِالْعَامِّ الْمُعَارِضِ لَهُ أَيْ عَنْ وَقْتِهِ

- ‌(الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ)

- ‌ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ كَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ)

- ‌(الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ)

- ‌(الْمُجْمَلُ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ)

- ‌(النَّسْخُ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ)

- ‌(خَاتِمَةٌ لِلنَّسْخِ)

- ‌(الْكِتَابُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ)

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَبَرُ إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ أَوْ اسْتِدْلَالًا]

- ‌مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إلَّا بِقَرِينَةٍ)

- ‌[مَسْأَلَة الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ) شَيْءٍ (عَامٍّ) لِلنَّاسِ (لَا تَرَافُعَ فِيهِ) إلَى الْحُكَّامِ

- ‌[مَسْأَلَة الشَّخْصُ الَّذِي يُسَمَّى صَحَابِيًّا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ قَوْلَ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ) : (الصَّحِيحُ يُحْتَجُّ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ)

- ‌(خَاتِمَةٌ) (مُسْتَنَدُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ) فِي الرِّوَايَةِ

- ‌(الْكِتَابُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُجْتَهِدِينَ]

- ‌ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ (بِالْمُسْلِمِينَ)

- ‌[اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاع بِالْعُدُولِ]

- ‌ الْإِجْمَاعُ (لَا يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ)

- ‌ الْإِجْمَاعَ (الْمَنْقُولَ بِالْآحَادِ)

- ‌[إجْمَاعَ الْأُمَمِ السَّابِقَة]

- ‌ الْإِجْمَاعُ (السُّكُوتِيُّ)

- ‌[التَّمَسُّكَ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ إمْكَانُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ

- ‌(خَاتِمَةٌ: جَاحِدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ)

- ‌(الْكِتَابُ الرَّابِعُ فِي) (الْقِيَاسِ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌ الْقِيَاسُ (حُجَّةٌ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ)

- ‌ الْقِيَاسَ عَلَى مَنْسُوخٍ)

- ‌[أَرْكَانُ الْقِيَاسِ]

- ‌[الرُّكْن الْأَوَّلُ الْأَصْلُ]

- ‌(الثَّانِي) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (حُكْمُ الْأَصْلِ

- ‌(الثَّالِثُ) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (الْفَرْعُ

- ‌(الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (الْعِلَّةُ)

- ‌ الْعِلَّةُ (الْقَاصِرَةُ)

- ‌ التَّعْلِيلُ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ

- ‌(التَّعْلِيلَ) لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ (بِعِلَّتَيْنِ) فَأَكْثَرَ

- ‌(لَا يُشْتَرَطُ) فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ (الْقَطْعُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ)

- ‌[انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ لِلْعِلَّةِ]

- ‌[لِلْمُسْتَدِلِّ دَفْعُ الْمُعَارَضَةِ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌(مَسَالِكُ الْعِلَّةِ)

- ‌(الْأَوَّلُ) مِنْهَا (الْإِجْمَاعُ)

- ‌(الثَّانِي) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (النَّصُّ الصَّرِيحُ)

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْإِيمَاءُ]

- ‌(الرَّابِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ

- ‌(الْخَامِسُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ)

- ‌(السَّادِسُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مَا يُسَمَّى بِالشَّبَهِ

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُنَاسَبَةُ تَنْخَرِمُ بِمَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ الْحُكْمَ رَاجِحَةٍ عَلَى مَصْلَحَتِهِ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لَهَا]

- ‌(السَّابِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الدَّوَرَانُ

- ‌(الثَّامِنُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الطَّرْدُ

- ‌(التَّاسِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ

- ‌(الْعَاشِرُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (إلْغَاءُ الْفَارِقِ)

- ‌(خَاتِمَةٌ فِي نَفْيِ مَسْلَكَيْنِ ضَعِيفَيْنِ

- ‌(الْقَوَادِحُ)

- ‌[خَاتِمَةٌ] (الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْخَامِسُ فِي الِاسْتِدْلَالِ

- ‌(مَسْأَلَةُ الِاسْتِقْرَاءِ بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الِاسْتِصْحَابِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا يُطَالَبُ النَّافِيَ) لِلشَّيْءِ (بِالدَّلِيلِ) عَلَى انْتِفَائِهِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ كَانَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم مُتَعَبَّدًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِشَرْعٍ]

- ‌(مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ قَبْلَ الشَّرْعِ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْسَانِ

- ‌(مَسْأَلَةُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ) الْمُجْتَهِدِ

- ‌(مَسْأَلَةُ الْإِلْهَامِ

- ‌[خَاتِمَةٌ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ]

- ‌(الْكِتَابُ السَّادِسُ فِي التَّعَادُلِ وَالتَّرَاجِيحِ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ يُرَجَّحُ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ)

- ‌(الْكِتَابُ السَّابِعُ فِي الِاجْتِهَادِ) :

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُصِيبِ مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ اُحْكُمْ بِمَا تَشَاءُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ]

- ‌(مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ لِلْمُجْتَهِدِ وَتَجَدَّدَ لَهُ مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَمَّا ظَنَّهُ فِيهَا أَوَّلًا وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا)

- ‌ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ)

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي مَبَادِئِ التَّصَوُّفِ الْمُصَفِّي لِلْقُلُوبِ]

الفصل: ‌مسألة) في صيغ العموم

‌مَسْأَلَةٌ) فِي صِيَغِ الْعُمُومِ

(وَكُلٌّ) وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (وَاَلَّذِي وَاَلَّتِي) نَحْوُ أَكْرِمْ الَّذِي يَأْتِيك وَاَلَّتِي تَأْتِيك أَيْ لِكُلَّ آتِ وَآتِيَةٍ لَك

ــ

[حاشية العطار]

[مَسْأَلَةٌ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ]

قَوْلُهُ: مَسْأَلَةٌ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ) أَيْ الْمُفِيدَةِ لَهُ وَالْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ أَوْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ الْأَدَاةُ لَا مَا قَابَلَ الْمَادَّةَ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ) بَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا أَقْوَى صِيغَةً قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَهِيَ كُلٌّ وَجَمِيعٌ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا كَأَجْمَعَ وَجَمْعَاءَ وَأَجْمَعِينَ وَتَوَابِعِهَا الْمُؤَكِّدَةِ لَهَا كَابْتَعْ وَأَخَوَاتِهِ وَسَائِرَ سَوَاءٌ كَانَ بِمَعْنَى الْبَاقِي أَوْ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ لِأَنَّهَا عَلَى الْأَوَّلِ تَشْمَلُ جَمِيعَ الْبَاقِي حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ وَمَعْشَرٌ وَجَمْعُهُ وَهُوَ مَعَاشِرُ وَعَامَّةٌ وَكَافَّةٌ وَقَاطِبَةٍ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْخَمْسَةُ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهَا لِلْعُمُومِ اهـ.

وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَمَّا مَاتَ صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّتْ الْعَرَبُ قَاطِبَةً قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَيْ جَمِيعُهُمْ لَكِنْ مَعْشَرٌ وَمَعَاشِرُ لَا يَكُونَانِ إلَّا مُضَافَيْنِ بِخِلَافِ عَامَّةٍ وَقَاطِبَةٍ وَكَافَّةٍ وَفِي التَّمْهِيدِ إنَّ لَفَظَّةَ كُلٍّ تَدُلُّ عَلَى التَّفْصِيلِ أَيْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ.

وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْهَيْئَةُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ بِقَرِينَةٍ قَالَ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ كُلُّ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمْ فَلَهُ دِينَارٌ فَسَبَقَ ثَلَاثَةٌ فَعَنْ الدَّارَكِيِّ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّ دِينَارًا بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى مَنْ وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ كُلٌّ مِنْكُنَّ طَالِقٌ طَلْقَةً فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ ابْتِدَاءً وَلَا نَقُولُ إنَّهُ يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ جُزْءٌ مِنْ طَلْقَةٍ ثُمَّ يَسْرِي وَفَائِدَةُ هَذَا مَا لَوْ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْخُلْعِ هَلْ يَكُونُ صَحِيحًا يَجِبُ بِهِ الْمُسَمَّى أَوْ فَاسِدًا يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَ الطَّلْقَةِ لَيْسَ مُعَارَضَةً صَحِيحَةً وَفِيهِ خِلَافٌ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمِنْهَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ تَطْلُقُ كُلَّ يَوْمٍ طَلْقَةً حَتَّى تُكْمِلَ الثَّلَاثَ (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي) فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَدِّ النُّحَاةِ الْمَوْصُولَ مِنْ الْمَعَارِفِ وَالْمَعْرِفَةُ مَا وُضِعَ لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَلَا عُمُومَ فِيهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ الِاسْتِعْمَالُ فِي مُعَيَّنٍ بِاعْتِبَارِ الْعَهْدِ وَهُوَ الَّذِي اعْتَبَرَهُ النُّحَاةُ وَالِاسْتِعْمَالُ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ كُلِّ مَا يَصْلُحُ وَهُوَ الَّذِي اعْتَبَرَهُ أَهْلُ الْأُصُولِ وَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ

ص: 2

(وَأَيُّ وَمَا) الشَّرْطِيَّتَانِ وَالِاستِفْهامِيَّتانِ وَالْمَوْصُولَتَانِ وَتَقَدَّمَتَا وَأَطْلَقَهُمَا لِلْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الْعُمُومِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ (وَمَتَى) لِلزَّمَانِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَوْ شَرْطِيَّةٌ نَحْوُ: مَتَى تَجِئْنِي مَتَى، جِئْتنِي أَكْرَمْتُك

ــ

[حاشية العطار]

الشَّارِح بِالنَّكِرَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْغَرَضِ الْمُرَادِ مِنْ عُمُومِ الْأَفْرَادِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ كُلًّا يَقُولُ بِمَا قَالَ بِهِ الْآخَرُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ الْعَهْدَ لَيْسَ فِي الْمَوْصُولِ بَلْ فِي صِلَتِهِ وَعَهْدِيَّتُهَا لَا تُنَافِي عُمُومَهُ اهـ.

عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّ عَهْدِيَّةَ الصِّلَةِ لَا يُنَافِي عُمُومَهَا فَإِنَّ قَوْلَك جَاءَ الَّذِي عِنْدَك شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَنْ كَانَ عِنْدَك ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] الْآيَةُ أَنَّ الْمَوْصُولَ بَعْدَ اعْتِبَارِ تَعْرِيفِهِ بِالصِّلَةِ كَالْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ فِي اسْتِعْمَالَاتِهِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي بَعْضٍ مِمَّا اتَّصَفَ بِالصِّلَةِ كَانَ كَالْمُعَرَّفِ فَاللَّامُ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ فَكَمَا أَنَّ الْمُعَرَّفَ الْمَذْكُورَ لِكَوْنِ التَّعْرِيفِ فِيهِ لِلْجِنْسِ مَعْرِفَةً بِالنَّظَرِ إلَى مَدْلُولِهِ وَفِي حُكْمِ النَّكِرَةِ بِالنَّظَرِ إلَى قَرِينَةِ الْبَعْضِيَّةِ الْمُبْهَمَةِ فَلِذَلِكَ يُعَامَلُ مُعَامَلَتَهَا كَذَلِكَ الْمَوْصُولُ الْمَذْكُورُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّعْيِينِ الْجِنْسِيِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ مَفْهُومِ الصِّلَةِ مَعْرِفَةً وَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِيَّةِ الْمُبْهَمَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ خَارِجٍ كَالنَّكِرَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَامَلَ بِهِ مُعَامَلَةَ النَّكِرَةِ وَالْمَعْرِفَةِ أَيْضًا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَيْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ هِيَ عَامَّةٌ فِي أُولِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّكْرَارِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَيَّ وَقْتٍ ضَرَبْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَرَبَتْ مِرَارًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى بِخِلَافِ كُلَّمَا وَنَحْوِهَا فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا كَلَّمْت رَجُلًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ ثَلَاثَةً بِلَفْظٍ وَاحِدٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا عَلَى الصَّحِيحِ وَلَمْ يَعُدَّ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى صِيغَةَ أَيْ مَعَ مَا عَدَّهُ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ.

وَفِي شَرْحِ إصْلَاحِ التَّنْقِيحِ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا إذَا قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبُوهُ مَعًا، أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ عَتَقُوا جَمِيعًا وَإِنْ قَالَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَتْهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهُوَ الْأَوَّلُ إذَا ضَرَبَهُمْ عَلَى التَّرْتِيبِ وَإِلَّا فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي الْأُولَى عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ مُسْنَدٌ إلَى عَامٍّ وَهُوَ ضَمِيرُ أَيْ وَفِي الثَّانِيَةِ خَاصٌّ؛ لِأَنَّهُ مُسْنَدٌ إلَى خَاصٍّ وَهُوَ ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ وَالرَّاجِعُ فِيهِ إلَى " أَيَّ " ضَمِيرُ الْمَفْعُولِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِخِلَافِ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ فِعْلٍ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ اهـ.

وَأَمَّا مَذْهَبُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَدْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ فَتَاوَى الشَّاشِيِّ تَعْمِيمَ الْعِتْقِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِلضَّارِبِينَ وَالْمَضْرُوبِينَ قَالَ وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ يَعُمُّ الضَّارِبِينَ لَا الْمَضْرُوبِينَ بَلْ إنْ تَرَتَّبُوا عَتَقَ الْمَضْرُوبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِمْ الضَّرْبُ دُفْعَةً وَاحِدَةً عُيِّنَ الْعِتْقُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَالَ وَهَذَا رَأْيُ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ وَوَجْهُهُ بِنَحْوِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْإِصْلَاحِ (قَوْلُهُ: أَيْ الشَّرْطِيَّتَانِ) وَقَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّ مَا الْحَرْفِيَّةَ إذَا كَانَتْ زَمَانِيَّةً أَفَادَتْ الْعُمُومَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75] قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَصْدَرِيَّةُ إذَا وُصِلَتْ بِفِعْلٍ مُسْتَقْبِلٍ نَحْوُ يُعْجِبنِي مَا تَصْنَعُ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَرْفِ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْمَفْهُومِيَّةِ فَلَا يُوصَفُ بِعُمُومٍ وَلَا خُصُوصٍ كَمَا لَا يُوصَفُ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّيِّدُ الْجُرْجَانِيُّ فِي حَوَاشِي الشَّمْسِيَّةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا الْحَرْفِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ لَهَا دَخْلٌ فِي الْعُمُومِ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ مَا السِّرُّ فِي تَقْيِيدِ الْفِعْلِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَهَلَّا كَانَ الْمَاضِي كَذَلِكَ وَمَا وَجْهُ تَخْصِيصِ مَا دُونَ الْحُرُوفِ الْمَصْدَرِيَّةِ؟ (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَهُمَا) أَيْ لَمْ يُقَيِّدْهُمَا بِمَا سَبَقَ لِيَحْتَرِزَ بِذَلِكَ عَنْ أَيْ إذَا كَانَتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً، أَوْ حَالًا وَكَذَا عَنْ مَا إذَا كَانَتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً أَوْ تَعَجُّبِيَّةً مَثَلًا فَلَا يَكُونَانِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ ظُهُورَ قَصْدِ التَّقْيِيدِ سَوَّغَ الْإِطْلَاقَ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ إذَا تَأَمَّلَ الْمَعْنَى أَدْنَى تَأَمُّلٍ عَلِمَ انْتِفَاءَ الْعُمُومِ فِي غَيْرِ الشَّرْطِيَّتَيْنِ وَالِاسْتِفْهَامِيَّتَيْ وَالْمَوْصُولِيَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: مَتَى لِلزَّمَانِ) قَيَّدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْمُبْهَمِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ مَتَى زَالَتْ الشَّمْسُ فَأْتِنِي (قَوْلُهُ: مَتَى جِئْتنِي إلَخْ) الْمَعْنَى فِي أَيِّ زَمَنٍ جِئْتنِي لَا كُلَّمَا جِئْتنِي أَكْرَمْتُك إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ لَيْسَتْ مَتَى الشَّرْطِيَّةُ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا تُفِيدُ التَّوْسِعَةَ فِي الزَّمَانِ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْعُمُومِ هَذَا فَظَاهِرٌ وَإِنْ أُرِيدَ الْعُمُومُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ

ص: 3

(وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا) لِلْمَكَانِ شَرْطِيَّتَيْنِ، نَحْوُ أَيْنَ أَوْ حَيْثُمَا كُنْت آتِك وَتَزِيدُ أَيْنَ بِالِاسْتِفْهَامِ، نَحْوُ أَيْنَ كُنْت (وَنَحْوُهَا) كَجَمْعِ الَّذِي وَاَلَّتِي وَكَمَنْ الِاسْتِفْهَامِيَّة وَالشَّرْطِيَّةِ وَالْمَوْصُولَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَجَمِيعٍ، نَحْوُ جَمِيعِ الْقَوْمِ جَاءُوا وَنَظَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا بِأَنَّهَا إنَّمَا تُضَافُ إلَى مَعْرِفَةٍ فَالْعُمُومُ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ شَطَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ كَتَبَهَا عَقِبَ كُلٍّ هُنَا. وَقَوْلُهُ كَالْإِسْنَوِيِّ أَنَّ أَيًّا وَمَنْ الْمَوْصُولَتَيْنِ لَا يَعُمَّانِ، مِثْلُ مَرَرْت بِأَيِّهِمْ قَامَ وَمَرَرْت بِمَنْ قَامَ أَيْ بِاَلَّذِي قَامَ صَحِيحٌ فِي هَذَا التَّمْثِيلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا قَامَتْ فِيهِ قَرِينَةُ الْخُصُوصِ لَا مُطْلَقًا (لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً) لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ (وَقِيلَ لِلْخُصُوصِ) حَقِيقَةً أَيْ لِلْوَاحِدِ فِي غَيْرِ الْجَمْعِ وَالثَّلَاثَةِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فِي الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ

ــ

[حاشية العطار]

الِاسْتِفْهَامُ عَنْ جَمِيعِ أَوْقَاتِ الْمَجِيءِ فَلَا يَدُلُّ، عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ طَلْقَةً فَإِذَا دَخَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَطْلُقُ وَمَا قِيلَ إنَّ الْعُمُومَ فِي الَّتِي بَدَلِيٌّ لَا شُمُولِيٌّ وَالْكَلَامُ فِي الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّ الْعُمُومَ بِاعْتِبَارِ الْفَرْدِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَوَابِ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنَّهُ سَارٍ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَجِيءِ فَإِنَّهُ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ.

(قَوْلُهُ: لِلْمَكَانِ) وَلَوْ اعْتِبَارِيًّا فَدَخَلَ قَوْلُ الشَّاعِرِ

حَيْثُمَا تَسْتَقِمْ يُقَدِّرُ لَك

اللَّهُ نَجَاحًا فِي غَابِرِ الْأَزْمَانِ

فَإِنَّ الْمَكَانَ فِيهِ اعْتِبَارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) عَطْفٌ عَلَى كُلٍّ.

(قَوْلُهُ: كَجَمْعِ الَّذِي وَاَلَّتِي) أَيْ: وَبَقِيَّةِ الْجُمُوعِ كَاَلَّذِينَ وَاَللَّوَاتِي وَنَحْوِهَا وَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى بِأَلْ لِأَنَّ عُمُومَهَا لَيْسَ مِنْ أَلْ بَلْ مِنْ ذَاتِهَا ثُمَّ قَضِيَّةُ اقْتِصَارِ الْمُصَنِّفِ عَلَى بَعْضِ صِيَغِ الْمَوْصُولِ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَقِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ وَالرَّاجِحُ عُمُومُ الْمَوْصُولَاتِ كُلِّهَا سِوَى مَا اسْتَثْنَيْته فِي النَّظْمِ وَهُوَ أَيْ نَحْوَ يُعْجِبُنِي أَيُّهُمْ هُوَ قَائِمٌ فَلَا عُمُومَ فِيهَا.

(قَوْلُهُ: وَجَمِيعٌ) وَأُخِذَ مِنْهُ تَحْرِيمُ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ أَوْ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ النَّارَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْأَمَالِي وَالْقَرَافِيُّ آخِرَ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْبَارِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ.

(قَوْلُهُ: وَنَظَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا) أَيْ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَالَ لَا أَدْرِي كَيْفَ يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ مِنْ لَفْظَةِ جَمِيعٍ فَإِنَّهَا لَا تُضَافُ إلَّا إلَى الْمَعْرِفَةِ، تَقُولُ جَمِيعُ الْقَوْمِ وَجَمِيعُ قَوْمِك وَلَا تَقُولُ جَمِيعُ قَوْمٍ وَمَعَ التَّعْرِيفِ بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ يَكُونُ التَّعْمِيمُ مُسْتَفَادًا مِنْهُمَا لَا مِنْ لَفْظَةِ جَمِيعٍ اهـ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ جَمِيعٍ إذَا قُدِّرَتْ اللَّامُ فِي الْمُضَافِ إلَيْهِ لِلْجِنْسِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ نَحْوَ جَمِيعِ غُلَامِ زَيْدٍ إذْ عُمُومُ أَجْزَائِهِ مِنْ جَمِيعِ لَا مِنْ تَعْرِيفِ غُلَامٍ بِالْإِضَافَةِ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ مَنْقُوضٌ بِنَحْوِ جَمِيعُ زَيْدٍ حَسَنٌ إذْ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْرِفَةٌ وَلَا عُمُومَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَلِذَلِكَ) أَيْ لِلتَّنْظِيرِ الْمَذْكُورِ.

(قَوْلُهُ: شَطَبَ عَلَيْهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا شَطَبَ عَلَيْهَا لِدُخُولِهَا فِي وَنَحْوِهَا.

(قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ كَالْإِسْنَوِيِّ إلَخْ) أَمَّا بِالنَّظَرِ لِأَيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الْمُسْتَصْفَى وَأَمَّا مَا فَقَدْ قَالَ وَشَرْطُ كَوْنِهِمَا يَعْنِي مَنْ وَمَا لِلْعُمُومِ أَنْ يَكُونَا شَرْطِيَّتَيْنِ أَوْ اسْتِفْهَامِيَّتَيْنِ فَأَمَّا النَّكِرَةُ الْمَوْصُوفَةُ وَالْمَوْصُولَةُ فَإِنَّهُمَا لَا يَعُمَّانِ وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَنَّ الْمَوْصُولَةَ تَعُمُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ قَالَ وَمِنْ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ مَنْ يَدْخُلْ الدَّارَ مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ فَيُنْظَرُ إنْ أَتَى بِالْفِعْلِ مَجْزُومًا وَمَكْسُورًا عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عَمَّ الْعِتْقُ جَمِيعَ الدَّاخِلِينَ وَإِنْ أَتَى بِهِ مَرْفُوعًا عَتَقَ الْأَوَّلُ فَقَطْ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِيمَنْ يَعْرِفُ النَّحْوَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ سُئِلَ مُرَادَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُحَقَّقِ وَهِيَ الْمَوْصُولَةُ.

(قَوْلُهُ: صَحِيحٌ فِي هَذَا التَّمْثِيلِ وَنَحْوِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَى إرَادَتِهِ بِخِلَافِ الْخَالِي عَنْهَا ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ، نَحْوُ أَحْسِنْ إلَى مَنْ يُمْكِنُك الْإِحْسَانُ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: قَرِينَةٌ لِلْخُصُوصِ) وَهِيَ هُنَا الْمُرُورُ.

(قَوْلُهُ: لِلْعُمُومِ) خَبَرٌ عَنْ كُلٍّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ حَقِيقَةً حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ مِنْ مُتَعَلَّقِهِ الْمَحْذُوفِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لِلْخُصُوصِ) هُوَ بَعِيدٌ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) أَيْ الثَّابِتُ عَلَى كُلٍّ مِنْ احْتِمَالَيْ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ

ص: 4

وَالْعُمُومِ مَجَازًا (وَقِيلَ مُشْتَرَكَةٌ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) أَيْ لَا يُدْرَى أَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ أَمْ فِي الْخُصُوصِ أَمْ فِيهِمَا (وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ)، نَحْوُ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] (أَوْ الْإِضَافَةِ)، نَحْوُ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] (لِلْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ) لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ (خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (مُطْلَقًا) فَهُوَ عِنْدَهُ لِلْجِنْسِ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَالْعُمُومِ مَجَازًا) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مَجَازٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ مَا لِلْبَعْضِ لِلْكُلِّ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ: مُشْتَرَكَةٌ) أَيْ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا. (قَوْلُهُ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) اُخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقِيلَ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ.

(قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ) وَكَذَا الْمُثَنَّى وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَشَفْعٍ وَمِثْلُ الْجَمْعِ اسْمُ الْجَمْعِ كَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَاسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ كَتَمْرٍ، وَفِي قَوْلِهِ الْمُعَرَّفُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ جَعْل جَمْعِ السَّلَامَةِ مُفِيدًا لِلْعُمُومِ كَمَا مُثِّلَ بِهِ وَبَيْنَ قَوْلِ النُّحَاةِ إنَّ جَمْعَ السَّلَامَةِ جَمْعُ قِلَّةٍ وَمَدْلُولُ جَمْعِ الْقِلَّةِ عَشَرَةٌ فَأَقَلُّ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ وَكَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمُعَرَّفِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.

وَقَدْ وَافَقَ الْأُصُولِيُّونَ النُّحَاةَ فِي أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْعَدَدِ فَإِنَّ رِجَالًا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِأَيِّ عَدَدٍ ثَبَتَ فَوْقَ الِاثْنَيْنِ كَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا وَقَالَ غَيْرُهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ وَضْعِهِ لِلْقِلَّةِ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُمُومِ بِعُرْفٍ أَوْ شَرْعٍ فَنَظَرَ النُّحَاةُ إلَى أَصْلِ الْوَضْعِ وَالْأُصُولِيُّونَ إلَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهَلْ يَشْمَلُ أُلْ الْمَوْصُولَةَ قِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّهَا نَفْسَهَا عَامَّةٌ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْرِ الْمَوْصُولِ فَالْقَوْلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ عَلَى الْقَوْلِ بِعُمُومِ الْمَوْصُولِ عَلَى أَنَّ أَبَا الْحَسَنَ الْأَخْفَشَ يَقُولُ فِي أَلْ الْمَوْصُولَةِ أَنَّهَا لِلتَّعْرِيفِ.

(قَوْلُهُ: فِي أَوْلَادِكُمْ) أَيْ شَأْنِ أَوْلَادِكُمْ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ) . إلَّا أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْهُودِينَ خَاصَّةً فَيَكُونُ الْعُمُومُ فِيهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَهُوَ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ تَحَقَّقَ عَهْدٌ أَمْ لَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّهُ إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ كَانَ مَحَلَّ اتِّفَاقٍ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ قَالَ أَبُو هَاشِمٍ إنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ بَلْ الْجِنْسَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اُحْتُمِلَ عَهْدٌ أَمْ لَا وَعَزَاهُ الْمَازِرِيُّ لِأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيِّ اهـ وَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ مُوَافِقٌ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ مَشَايِخُنَا الْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مِثْلِ فُلَانٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَلْبَسُ الثِّيَابَ الْبِيضَ أَنَّهُ لِلْجِنْسِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَيْسَ الْقَصْدُ إلَى عَهْدٍ أَوْ اسْتِغْرَاقٍ فَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ أَوْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ يَحْنَثُ بِالْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعُمُومَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ قَطُّ وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً وَقَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةً لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ

ثُمَّ هَذَا الْجِنْسُ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ تُخَصُّ فِي الْإِثْبَاتِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَيَرْكَبَنَّ الْخَيْلَ يَحْصُلُ الْبِرُّ بِرُكُوبٍ وَاحِدٍ وَيَعُمُّ فِي النَّفْيِ، مِثْلُ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52] أَيْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ وَفِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] يَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّ جِنْسَ الزَّكَاةِ لِجِنْسِ الْفُقَرَاءِ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى وَاحِدٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ لِكُلِّ فَقِيرٍ لَا يُقَالُ بَلْ الْمَعْنَى أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَمُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ لَا ثُبُوتَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذَا مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ فَالْمَطْلُوبُ حَاصِلٌ وَهُوَ جَوَازُ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ اهـ.

وَفِي التَّوْضِيحِ لَوْ أُرِيدَ الْجَمْعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَكَانَ الْمُرَادُ جَمْعًا مُسْتَغْرَقًا فَمَعْنَاهُ أَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ لِجَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٌ إجْمَاعًا إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يُوَزِّعَ الصَّدَقَاتِ عَلَى جَمِيعِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِحَيْثُ لَا يُحْرِمُ وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا يَبْطُلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْجَمْعُ مُرَادًا كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ فَيُرَادُ أَنَّ جِنْسَ الصَّدَقَةِ لِجِنْسِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ

ص: 5

الصَّادِق بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي: تَزَوَّجْت النِّسَاءَ، وَمَلَكْت الْعَبِيدَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي الْآيَتَيْنِ (وَ) خِلَافًا (لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (إذَا احْتَمَلَ مَعْهُودًا) فَهُوَ عِنْدَهُ بِاحْتِمَالِ الْعَهْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ حَتَّى تَقُومَ قَرِينَةٌ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَعَلَى الْعُمُومِ قِيلَ: أَفْرَادُهُ جُمُوعٌ وَالْأَكْثَرُ آحَادٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ نَحْوُ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] أَيْ يُثِيبُ كُلَّ مُحْسِنٍ {: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32] أَيْ كُلًّا مِنْهُمْ بِأَنْ يُعَاقِبَهُمْ {فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} [القلم: 8] أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ

ــ

[حاشية العطار]

يُرَادَ الْأَفْرَادُ فَتَكُونُ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ الَّذِي يُوجِبُ التَّوْزِيعَ عَلَى الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ بَعْدَ الْمَصَارِفِ اهـ.

وَعِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ اللَّامَ لِلْمِلْكِ وَصَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ أَيْضًا وَبَنَوْا عَلَيْهِ وُجُوبَ التَّعْمِيمِ فِي الشَّرَفِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ إلَّا الْعَامِلُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ إذَا قَسَمَ الْمَالِكُ وَيَجُوزُ حَيْثُ كَانَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَكَثِيرُونَ يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ

قَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ فِي الزَّكَاةِ يُفْتَى فِيهَا عَلَى خِلَافِ الْمَذْهَبِ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَدَفْعُ زَكَاةِ وَاحِدٍ إلَى وَاحِدٍ وَدَفْعُهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ اهـ.

وَنِعْمَ مَا قَالَ وَمَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ أَئِمَّتِنَا لِمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَوْلُ الْعَلَّامَةِ سم الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْغَايَةِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَكْرٍ قُسِمَتْ بَيْنَهُمْ لَا يُسَلَّمُ لَهُ بِإِبْدَاءِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمِثَالِ وَالْآيَةِ لَا يَخْفَى وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ إنَّ دُخُولَ أَلْ الْجِنْسِيَّةِ يُبْطِلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ قَاعِدَةٌ حَنَفِيَّةٌ.

وَأَمَّا عُلَمَاءُ أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ إلَّا مَجَازًا وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ مَا ذَكَرْنَاهُ خِلَالَ الْمَبَاحِثِ وَمَا قَرَّرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ يَظْهَرُ لَهُ ضَعْفُ جَوَابِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الصَّادِقِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ) أَيْ وَبِالْكُلِّ (قَوْلُهُ: تَزَوَّجْت النِّسَاءَ) فِيهِ أَنَّ إرَادَةَ الْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ مِنْ قَرِينَةِ اسْتِحَالَةِ تَزَوُّجِ جَمِيعِ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ الْجِنْسِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْعُمُومِ وَلَيْسَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لَوْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ الْبَعْضُ (قَوْلُهُ: مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ مُحْمَلًا مُحْتَمِلًا لَهُمَا

(قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ آحَادٌ) قَالَ الْقَرَافِيُّ مُرَجِّحًا لِهَذَا وَيَتَعَيَّنُ اعْتِقَادُ

ص: 6

وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ مِنْهُ نَحْوُ جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ جَاءَ كُلُّ جَمْعٍ مِنْ جُمُوعِ الرِّجَالِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا نَعَمْ قَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ نَحْوُ رِجَالُ الْبَلَدِ يَحْمِلُونَ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ أَيْ مَجْمُوعُهُمْ وَالْأَوَّلُ يَقُولُ قَامَتْ قَرِينَةُ الْآحَادِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَنَحْوِهَا.

(وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى) بِاللَّامِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِهَا فِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ

ــ

[حاشية العطار]

زَوَالِ الْجَمْعِيَّةِ وَيَصِيرُ كَالْمُفْرَدِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الصِّيغَةُ جَمْعًا، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَرُبَّمَا نُقِلَ هَذَا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِلَّا قَالَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَلِهَذَا شَرَطُوا فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ مُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ ثَلَاثَةً إلَّا لِلْعَامِلَيْنِ وَقَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، أَوْ لَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمْعِ نَعَمْ فِي الْحَاوِي لِلْمَاوَرْدِيِّ: لَوْ حَلَفَ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَحْنَثُ بِوَاحِدٍ أَوْ لَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْجَمْعِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ إثْبَاتِ الْجَمْعِ أَيْ مِنْ عُمُومِهِ قُلْت وَبِهَذَا تَسْتَفِيدُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا فِي أَصْنَافِ الزَّكَاةِ بِالْجَمْعِ لِتَعَذُّرِ تَعْمِيمِهِمْ فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْأَصْلِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّ اللَّامَ الدَّاخِلَةَ عَلَى الْجَمْعِ مُعْتَبَرَةٌ كَاسْمِ الْجِنْسِ أَيْ حَتَّى يَصْدُقَ عَلَى الْوَاحِدِ لَكِنَّهُ يُشْكَلُ بِمَسْأَلَةِ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ. اهـ.

مَأْخُوذٌ مِنْ الْبِرْمَاوِيِّ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ) لَمْ يَقُلْ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ كَمَا يَأْتِي أَوْ يُقَالُ يَكْفِي الدُّخُولُ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ وَزَيْدٌ دَاخِلٌ عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَخْرَجُ جُزْئِيًّا، أَوْ جُزْءًا

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا) أَيْ وَالِانْقِطَاعُ خِلَافُ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الِاتِّصَالُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ: صِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ وَمَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ وَلِذَلِكَ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَوَّلِ.

وَأَمَّا لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ فَحَقِيقَةٌ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِلْعُمُومِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى الْعُمُومِ، أَوْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ قَوْلِهِ وَالْأَوْلَى إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْقَائِلُ بِأَنَّ أَفْرَادَ الْجُمُوعِ جُمُوعٌ (تَذْيِيلٌ) مِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ اللَّهُ يُعَذِّبُ الْمُوَحِّدِينَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ طَلَقَتْ زَوْجَتُهُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ هَذَا إذَا قَصَدَ تَعْذِيبَ أَحَدِهِمْ فَإِنْ قَصَدَ تَعْذِيبَ كُلِّهِمْ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ يَخْتَصُّ بِبَعْضِهِمْ، وَمِنْهَا التَّلْقِيبُ بِشَاهٍ شَاهْ أَيْ مَلِكِ الْمُلُوكِ.

وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِبَغْدَادَ لَمَّا لُقِّبَ بِذَلِكَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ آخِرُ الْمُلُوكِ الدَّيَالِمَةِ وَخُطِبَ بِهِ عَلَى الْمَنَابِرِ فَأَفْتَى طَائِفَةٌ بِالْجَوَازِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ الْحَنَفِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ الْحَنْبَلِيُّ وَطَائِفَةٌ بِالتَّحْرِيمِ مِنْهُمْ الْقَاضِي الْمَاوَرْدِيُّ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي وَوَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُجَوِّزِينَ مُنَاقَضَاتٌ فِي ذَلِكَ وَوَافَقَهُ عَلَى التَّحْرِيمِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَخْنَى رَجُلٍ، أَوْ أَخْنَعُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى» وَأَخْنَعُ وَأَخْنَى بِمَعْنَى أَذَلَّ وَأَوْضَعُ وَأَرْذَلُ أَقْوَالٌ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى عَاجَلَهُ بِالنِّقْمَةِ فَلَمْ يُفْلِحْ بَعْدَ هَذَا اللَّقَبِ وَبِهِ انْقَرَضَتْ دَوْلَتُهُمْ حِينَ ظَهَرَ بَنُو سَلْجُوقٍ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ التَّارِيخِ.

(قَوْلُهُ: الْمُحَلَّى) شَبَّهَ التَّعْرِيفَ بِالتَّحْلِيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ خِسَّةِ الْإِبْهَامِ وَشَمَلَتْ اللَّامُ الْمَوْصُولَةُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرَهُ وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُثَنَّى وَفِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لِلْقَرَافِيِّ أَنَّهُ كَالْجَمْعِ وَجَعَلَهُ وَارِدًا عَلَى الْإِمَامِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِاسْمِ الْجِنْسِ كَمَا عَبَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَابْنِ التِّلِمْسَانِيِّ يُقَسِّمُ الْمُفْرَدَ إلَى اسْمِ جِنْسٍ وَغَيْرِهِ فَيَخُصُّ بِاسْمِ الْجِنْسِ مَا لَا يَتَغَيَّرُ لَفْظُهُ عِنْدَ تَكَثُّرِ مَدْلُولِهِ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ وَيَجْعَلُ مَا تَغَيَّرَ لَفْظُهُ عِنْدَ تَكَثُّرِ مَدْلُولِهِ قِسْمًا آخَرَ لَا يُسَمَّى اسْمَ جِنْسٍ فَكَأَنَّهُ بِالتَّعْبِيرِ بِالْمُفْرَدِ تَخَلَّصْ عَنْ إيهَامٍ أَرَادَ اسْمَ الْجِنْسِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَثَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمُومِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ التَّحْلِيَةِ (قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ) فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «تَنَزَّهُوا عَنْ الْبَوْلِ» عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَالِ وَلِذَلِكَ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ جَمِيعِ الْأَبْوَالِ عِنْدَنَا وَمَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ كَالْإِمَامِ مَالِكٍ يَمْنَعُ الْعُمُومَ وَمِثْلُهُ مَا إذَا نَوَى الْجُنُبُ الطَّهَارَةَ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَرْتَفِعُ الْأَكْبَرُ وَالْأَصْغَرُ وَفَاءً بِالْقَاعِدَةِ وَلَمْ يُنَزِّلُوا

ص: 7

مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ، نَحْوُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] أَيْ كُلَّ بَيْعٍ وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ كَالرِّبَا خِلَافًا (لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (مُطْلَقًا) فَهُوَ عِنْدَهُ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي لَبِسْت الثَّوْبَ وَشَرِبْت الْمَاءَ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: 2 - 3](وَ) خِلَافًا (لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ) فِي نَفْيِهِمَا الْعُمُومَ عَنْهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ) كَالْمَاءِ (زَادَ الْغَزَالِيُّ أَوْ تَمَيَّزَ) وَاحِدُهُ (بِالْوَحْدَةِ) كَالرَّجُلِ إذْ يُقَالُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهُوَ فِي ذَلِكَ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ، نَحْوُ شَرِبْت الْمَاءَ وَرَأَيْت الرَّجُلَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ، نَحْوُ الدِّينَارُ خَيْرٌ مِنْ الدِّرْهَمِ أَيْ كُلُّ دِينَارٍ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ دِرْهَمٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَتَمَيُّزٌ بِالْوَاوِ بَدَلٌ أَوْ لِيَكُونَ قَيْدًا فِيمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ قَسَمَ مَا لَيْسَ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ إلَى مَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَعُمُّ وَإِلَى مَا لَا يَتَمَيَّزُ بِهَا كَالذَّهَبِ

ــ

[حاشية العطار]

اللَّفْظَ عَلَى أَضْعَفِ الشَّيْئَيْنِ وَهُوَ الْأَصْغَرُ كَمَا نَزَّلُوهُ عَلَيْهِ مِنْ إقْرَارِ الْأَبِ بِأَنَّ الْعَيْنَ مِلْكٌ لِوَلَدِهِ حَيْثُ نَزَّلُوهُ عَلَى الْهِبَةِ وَجَوَّزُوا الرُّجُوعَ وَخَرَجَ عَنْ الْقَاعِدَةِ مَا لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا وَحَنِثَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الثَّلَاثُ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُفْرَدٌ مُحَلًّى بِاللَّامِ لِكَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ، وَالْأَيْمَانُ قَدْ يُسْلَكُ فِيهَا مَسْلَكُ الْعُرْفِ وَمِنْهَا مَا لَوْ نَوَى التَّيَمُّمَ لِلصَّلَاةِ فَهَلْ يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَى النَّفْلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ إلَخْ) . فَإِنْ اُحْتُمِلَ الْعَهْدُ وَغَيْرُهُ حُمِلَ عَلَى الْعَهْدِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ حُمِلَ عَلَى الْمَعْهُودِ حَتَّى يَحْنَثَ بِبَعْضِهِ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْعُمُومِ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَا يَحْنَثُ بِالْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْبِطِّيخُ الْأَخْضَرُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاسْمُ لَا يُعْهَدُ فِي بِلَادِهِمْ إطْلَاقُهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ إلَّا مُقَيَّدًا وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْجَوْزَ لَا يَحْنَثُ بِالْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ كَمَا جُزِمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَفِي الرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ وَجْهَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ.

(قَوْلُهُ: لِتَبَادُرِهِ) أَيْ الْعُمُومِ.

(قَوْلُهُ: وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ) فَتَكُونُ الْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَوْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَقِيلَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوْ هِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ مَحْكِيَّةٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ تَحَقَّقَ عَهْدًا أَوْ لَا كَانَ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ أَوْ لَا تَمَيَّزَ بِالْوَحْدَةِ أَوْ لَا.

(قَوْلُهُ: لِلْجِنْسِ) أَيْ الْمَاهِيَّةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأَفْرَادِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْكُلِّيِّ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ عِلَّةً لِقَوْلِهِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ) كَالْآيَةِ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا قَرِينَةُ إرَادَةِ الْعُمُومِ.

(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ) نَحْوُ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ لِعَدَمِ التَّمَيُّزِ الْمَذْكُورِ أَمَّا إنْ تَمَيَّزَ عَنْ جِنْسِهِ بِالتَّاءِ وَخَلَا عَنْهَا، نَحْوُ «لَا تَبِيعُوا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» أَوْ لَمْ يَتَمَيَّزْ بِوَصْفِهِ بِالْوَحْدَةِ، نَحْوُ الذَّهَبِ لَا يُقَالُ ذَهَبٌ وَاحِدٌ فَهُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي الصُّورَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: كَالْمَاءِ) فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَفِيهِ التَّاءُ وَلَكِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ بِالْوَحْدَةِ يُقَالُ مَاءٌ وَاحِدٌ وَعِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ اللُّبِّ وَقِيلَ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ لَيْسَ لِلْعُمُومِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ وَتَمَيَّزَ بِالْوَحْدَةِ كَالْمَاءِ وَالرَّجُلِ إذْ يُقَالُ فِيهِمَا مَاءٌ وَاحِدٌ وَرَجُلٌ وَاحِدٌ فَهُوَ فِي ذَلِكَ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ، نَحْوُ شَرِبْت الْمَاءَ وَرَأَيْت الرَّجُلَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ) أَيْ الْعَامُّ فِي ذَلِكَ أَيْ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ أَوْ تَمَيَّزَ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ.

(قَوْلُهُ: نَحْوُ الدِّينَارِ) فَإِنَّ الْقَرِينَةَ الْعَقْلِيَّةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الدِّينَارِ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الدِّرْهَمِ.

(قَوْلُهُ: وَكَانَ يَنْبَغِي إلَخْ) .؛ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِأَوْ يُوهِمُ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ وَإِنَّمَا عُبِّرَ بِيَنْبَغِي مَعَ أَنَّ الْمُتَبَادِرَ عَدَمُ صِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِإِمْكَانِ التَّجَوُّزِ فِي كَلِمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: لِيَكُونَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ فَإِنَّ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَتَمَيَّزْ صَادِقٍ عَلَى الْوَاحِدِ الْمُتَمَيِّزِ بِالْوَحْدَةِ، نَحْوُ رَجُلٍ وَصَادِقٍ عَلَى الْوَاحِدِ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ بِهَا، نَحْوُ الذَّهَبِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ وَغَرَضُهُ ذِكْرُ مَا لَا يَعُمُّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ بِقَوْلِهِ وَتَمَيَّزَ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ أَيْ بِشَرْطِ تَمَيُّزِ وَاحِدِهِ (قَوْلُهُ: مَا لَيْسَ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ) شَامِلٌ لِنَحْوِ {الزَّانِيَةُ} [النور: 2] وَالزَّانِي {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: 38] فَإِنَّهُ لَيْسَ وَاحِدُهُ مُتَمَيِّزًا عَنْ الْجِنْسِ بِالتَّاءِ بَلْ النَّافِيَةُ لِتَمْيِيزِ الْمُذَكَّرِ عَنْ الْمُؤَنَّثِ وَشَامِلٌ أَيْضًا لِاسْمِ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ الَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُفْرَدِهِ بِالتَّاءِ فِي الْجَمْعِ كَكَمَا وَكَمَاتٍ وَاَلَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُفْرَدِهِ بِيَاءِ النِّسْبَةِ وَهِيَ فِي

ص: 8

فَيَعُمُّ كَالْمُتَمَيِّزِ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ كَالتَّمْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» وَكَانَ مُرَادُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُمَثِّلْ إلَّا بِمَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ إلَى مَعْرِفَةٍ لِلْعُمُومِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ يَعْنِي مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ نَحْوُ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] أَيْ كُلِّ أَمْرٍ لِلَّهِ وَخُصَّ مِنْهُ أَمْرُ النَّدْبِ.

(وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ وَضْعًا)

ــ

[حاشية العطار]

الْمُفْرَدِ، نَحْوُ رُومٍ وَرُومِيٍّ. (قَوْلُهُ: فَيَعُمُّ) أَيْ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ مِنْ التَّاءِ.

قَوْلُهُ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا» أَيْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الذَّهَبِ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الذَّهَبِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: إلَّا هَاءَ وَهَاءَ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذْ كِنَايَةً عَنْ التَّقَابُضِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحُلُولِ غَالِبًا قَالَ الشَّيْخُ الْغُنَيْمِيُّ وَيُتَأَمَّلُ فِي مَوْقِعِهِ مِنْ الْإِعْرَابِ فَإِنَّ اسْمَ الْفِعْلِ لَا يَتَأَثَّرُ بِالْعَوَامِلِ اللَّفْظِيَّةِ وَيَخْطِرُ بِالْبَالِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فِي الْأَصْلِ اسْمُ فِعْلٍ لَكِنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي التَّقَابُضِ عَلَى وَجْهِ التَّجَوُّزِ فَهُوَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَكَانَ مُرَادُ إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّ اقْتِصَارَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَلَى التَّمْثِيلِ بِمَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّ عِبَارَةَ الْغَزَالِيِّ أَفَادَتْ التَّفْصِيلَ الْمَقْصُودَ لَهُمَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَصْفَى الَّذِي هُوَ آخِرُ تَأْلِيفِهِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْخُولِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَوَّلِهَا.

وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَنْخُولِ بِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَعْلِيقِهِ يَعْنِي الْبُرْهَانَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْمَعْنَى أَوْ نَقْصٍ وَهُوَ أَدْرَى بِمَعْنَى كَلَامِ شَيْخِهِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُشَافِهُهُ بِمَعْنَاهُ اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُمَثِّلْ) أَيْ فِيمَا لَا يَعُمُّ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُفْرَدُ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ اللَّفْظِيَّةِ، نَحْوُ جَاءَنِي ضَارِبُ زَيْدٍ فَهَلْ يَعُمُّ نَظَرًا لِلظَّاهِرِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ فِي نِيَّةِ الِانْفِصَالِ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) أَشَارَ بِذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ فِي النِّهَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ قَضِيَّةِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْإِضَافَةِ وَلَامِ التَّعْرِيفِ اهـ.

وَأَقُولُ فِي التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ وَأَمَّا الْفَرْدُ الْمُضَافُ فَفِي الْمَحْصُولِ وَمُخْتَصَرَاتِهِ فِي أَثْنَاءِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَوْنِ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ أَنَّهُ يَعُمُّ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الْأُصُولِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ.

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهِ فُرُوعًا مِنْهَا إذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِوَلَدِ زَيْدٍ وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ أَخَذُوا كُلُّهُمْ، ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذِهِ الْمَزَادَةَ أَوْ الْجُبِّ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِشُرْبِ الْجَمِيعِ وَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ وَكَذَا الْحُكْمُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا فِيمَا لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ عَادَةً كَالْبَحْرِ وَكَالنَّهْرِ وَالْبِئْرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْبَعْضِ وَمِنْهَا مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزَ الْكُوفَةِ أَوْ بَغْدَادَ لَمْ يَحْنَثْ بِبَعْضِهِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ اهـ.

وَأَمَّا مَنْ لَهُ زَوْجَاتٌ وَعَبِيدٌ فَقَالَ زَوْجَتِي طَالِقٌ أَوْ عَبْدِي حُرٌّ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى ذَاتٍ وَاحِدَةٍ وَتُعَيَّنُ وَلَا يَعُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ لِلتَّعْلِيلِ السَّابِقِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْعُمُومَ. (قَوْلُهُ: أَيْ كُلِّ أَمْرٍ إلَخْ) بُحِثَ فِيهِ بِأَنَّ الْعُمُومَ يَقْتَضِي أَنَّ التَّحْذِيرَ لِمَنْ خَالَفَ جَمِيعَ الْمَأْمُورَاتِ لَا مَنْ خَالَفَ الْبَعْضَ فَقَطْ وَأُجِيبَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ بِالسَّلْبِ الرَّافِعِ لِلْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ أَيْ لَا يَمْتَثِلُونَ كُلَّ أَمْرٍ لَهُ بَلْ بَعْضَ الْأُمُورِ فَقَطْ فَتُفِيدُ تَرَتُّبَ الْوَعِيدِ عَلَى الْبَعْضِ فَقَطْ

(قَوْلُهُ: فِي سِيَاقِ النَّفْيِ) وَمِثْلُهُ النَّهْيُ وَكَذَلِكَ الِاسْتِفْهَامُ الْإِنْكَارِيُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] إلَخْ {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] وَهَذَا مُنْدَرِجٌ فِي النَّفْيِ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ إنَّ التَّعْبِيرَ بِالسِّيَاقِ يَشْمَلُ وُقُوعَ ضَمِيرِ النَّكِرَةِ بَعْدَ النَّفْيِ مَعَ تَقَدُّمِ النَّكِرَةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْبَعْدِيَّةِ وُقُوعُ

ص: 9

بِأَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْعَامِّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مُطَابَقَةٌ (وَقِيلَ لُزُومًا وَعَلَيْهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ كَالْحَنَفِيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّفْيَ أَوَّلًا لِلْمَاهِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ نَفْيُ كُلِّ فَرْدٍ فَيُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي.

(نَصًّا إنْ بَنَيْت عَلَى الْفَتْحِ) نَحْوُ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ (وَظَاهِرًا إنْ لَمْ تَبْنِ) نَحْوُ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ فَيَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوَاحِدِ فَقَطْ وَلَوْ زِيدَ فِيهَا مِنْ كَانَتْ نَصًّا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرُوفِ أَنَّ مِنْ تَأْتِي لِتَنْصِيصِ الْعُمُومِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ لِلْعُمُومِ نَحْوُ مَنْ يَأْتِنِي بِمَالٍ أُجَازِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ

ــ

[حاشية العطار]

النَّكِرَةَ نَفْسَهَا بَعْدَ النَّفْيِ وَشَمَلَ كَلَامُهُ النَّكِرَةَ الْمَجْمُوعَةَ جَمْعَ تَكْسِيرٍ فَإِنَّ أَفْرَادَهُ آحَادٌ عَلَى التَّحْقِيقِ وَإِنَّهُ مَعَ بِنَائِهِ عَلَى الْفَتْحِ نَحْوَ لَا رِجَالَ لَيْسَ نَصًّا فِي الْعُمُومِ فَيُشْكِلُ كَلَامُهُ نَعَمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَفْرَادَهُ جُمُوعٌ لَا إشْكَالَ وَخَرَجَ الْمُثَنَّاةُ وَالْمَجْمُوعَةُ جَمْعَ سَلَامَةٍ نَحْوُ لَا رَجُلَيْنِ وَلَا مُسْلِمَيْنِ إذْ بِنَاؤُهُمَا عَلَى الْيَاءِ لَا عَلَى الْفَتْحِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْفَتْحِ مَا يَشْمَلُ نَائِبَهُ كَالْيَاءِ هُنَا وَهَلْ تُعَمَّمُ مُتَعَلِّقَاتُ الْفِعْلِ قَالَ الْقَرَافِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهَا إنَّمَا تُعَمَّمُ فِي الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إذَا كَانَا مُتَعَلِّقَ الْفِعْلِ أَمَّا مَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ فِي نَحْوِ قَوْلِنَا مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ، أَوْ مَا جَاءَ فِي الْيَوْمِ أَحَدٌ فَلَيْسَ نَفْيًا لِلطَّرَفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ ضَاحِكًا، أَوْ إلَّا ضَاحِكًا لَيْسَ نَفْيًا لِلْأَحْوَالِ وَضَاحِكٌ مُثْبَتٌ مُسْتَثْنًى مِنْ أَحْوَالٍ مُثْبَتَةٍ وَنَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ إيجَابٍ اهـ. وَهُوَ نَقْلٌ عَزِيزٌ غَرِيبٌ

وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى إفَادَةِ النَّكِرَةِ لِلْعُمُومِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} [الأنعام: 91] فِي رَدِّ {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ: " مِنْ شَيْءٍ " لِلسَّلْبِ الْكُلِّيِّ لَمَا اسْتَقَامَ رَدُّهُ بِالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ؛ إذْ الْإِيجَابُ الْجُزْئِيُّ لَا يُنَافِي السَّلْبَ الْجُزْئِيَّ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ تَدُلَّ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَأَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَقِيلَ لُزُومًا فَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَضْعِ وَضْعٌ خَاصٌّ وَهُوَ دَلَالَةُ الْمُطَابَقَةِ (قَوْلُهُ: فَيُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَبَيَانٌ لِفَائِدَةِ الْخِلَافِ وَحَاصِلُهُ أَنَّا إذَا قُلْنَا: الدَّلَالَةُ وَضْعِيَّةٌ فَالتَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ مُعْتَبَرٌ لِعَدَمِ الْمُغَايَرَةِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا عَقْلِيَّةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ عَقْلِيٌّ فَتُنَافِي مَا حَكَمَ بِهِ الْعَقْلُ مِنْ الْعُمُومِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ فِي الْأَمْرِ الْمَلْفُوظِ بِهِ قَالَ الْكَمَالُ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّفْرِيعِ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت طَعَامًا وَنَوَى طَعَامًا خَاصًّا وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إنَّمَا الْمَعْرُوفُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِمَا تَفْرِيعُ قَبُولِ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ وَنَفْيِهِ عَلَى قَاعِدَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي إذَا وَقَعَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَا أَكَلْت، أَوْ لَا آكُلُ دُونَ مَفْعُولٍ خَاصٍّ فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي مَفْعُولَاتِهِ فَلَوْ قَالَ: لَا آكُلُ، أَوْ: إنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى مَأْكُولًا خَاصًّا قُبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا دِيَانَةً لَا قَضَاءً

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لَا دِيَانَةً وَلَا قَضَاءً (قَوْلُهُ: دُونَ الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ فِيهِ لِلْمَاهِيَّةِ فَإِذًا انْتَفَتْ الْأَفْرَادُ؛ إذْ لَوْ بَقِيَ فَرْدٌ لَمْ يَصْدُقْ انْتِفَاءُ الْمَاهِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَتَّى الْإِخْرَاجُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْأَفْرَادِ فِيهِ مُطَابَقَةٌ فَيُمْكِنُ نَفْيُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَإِبْقَاءُ بَعْضٍ وَقَدْ يُقَالُ: إذَا سَاغَ التَّخْصِيصُ بِاللَّفْظِ فَبِالنِّيَّةِ لَا مَانِعَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرًا إلَخْ) وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ: إنَّ قِرَاءَةَ {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] بِالْفَتْحِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ وَبِالرَّفْعِ تُجَوِّزُهُ (قَوْلُهُ: فَيُحْتَمَلُ) أَيْ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: كَانَتْ نَصًّا) ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ الزَّائِدَ لِلتَّأْكِيدِ وَالْعُمُومُ كَانَ ظَاهِرًا فَإِذَا أُكِّدَ صَارَ نَصًّا

(قَوْلُهُ: فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ) ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّفْيِ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ الْوُقُوعَ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ الشَّرْطُ فِي مِثْلِ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ، أَوْ امْرَأَتِي طَالِقٌ لِلْيَمِينِ عَلَى تَحْقِيقٍ وَيَقْتَضِي مَضْمُونَ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ مُثْبَتًا مِثْلُ: إنْ ضَرَبْت رَجُلًا فَكَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِلْمَنْعِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: وَاَللَّهِ لَا أَضْرِبُ رَجُلًا وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا مِثْلُ: إنْ لَمْ أَضْرِبْ رَجُلًا فَكَذَا يَمِينٌ لِلْحَمْلِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: وَاَللَّهِ لَأَضْرِبَنِّ رَجُلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ خَاصٌّ يُفِيدُ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِهِ النَّقِيضُ لِلْعُمُومِ وَالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ وَالنَّكِرَةُ فِي

ص: 10

مُرَادُهُ الْعُمُومُ الْبَدَلِيُّ لَا الشُّمُولِيُّ أَيْ بِقَرِينَةِ الْمِثَالِ أَقُولُ وَقَدْ تَكُونُ لِلشُّمُولِ نَحْوُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

(وَقَدْ يُعَمَّمُ اللَّفْظُ عُرْفًا كَالْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ نَحْوُ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} [النساء: 10] الْآيَةُ قَبْلَ نَقْلِهِمَا الْعُرْفُ إلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ الْإِيذَاءَاتِ وَالْإِتْلَافَاتِ وَإِطْلَاقُ الْفَحْوَى عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ

ــ

[حاشية العطار]

الشَّرْطِ الْمَنْفِيِّ عَامٌّ يُفِيدُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْخُصُوصِ وَالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ فَظَهَرَ أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ لَيْسَ إلَّا عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ النَّفْي اهـ.

(قَوْلُهُ: مُرَادُهُ الْعُمُومُ الْبَدَلِيُّ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعُمُومَ ثَابِتٌ لِلنَّكِرَةِ أَصْلِهِ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ بِالشَّرْطِ (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ الْمِثَالِ) أَيْ مَنْ يَأْتِنِي فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَهُ كُلُّ مَالٍ فِي الدُّنْيَا وَفِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَالتَّعْلِيقِ وَهُوَ فِي الْجَمِيعِ لَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ وَالتَّحْقِيقِ

(قَوْلُهُ: أَقُولُ وَقَدْ يَكُونُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِيَّاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لِشَيْخِهِ الْبِرْمَاوِيِّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ وَظَاهِرُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ وَالْبَدَلِيِّ وَضْعًا وَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا لِلشُّمُولِيِّ وَضْعًا وَالْبَدَلِيِّ بِقَرِينَةٍ كَمَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَوْنِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ سَلْبُ الْحُكْمِ عَنْ الْعُمُومِ كَقَوْلِنَا مَا كُلُّ عَدَدٍ زَوْجًا فَإِنْ هَذَا الْبَعْضَ مِنْ بَابِ عُمُومِ السَّلْبِ أَيْ لَيْسَ حُكْمًا بِالسَّلْبِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَدَدِ زَوْجٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بَلْ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ إبْطَالُ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْكُلُّ عَدَدٌ زَوْجٌ فَأَبْطَلَ السَّامِعُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْعُمُومِ وَقَدْ تَفَطَّنَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ السُّهْرَوَرْدِيّ فَاسْتَدْرَكَهُ اهـ.

قَوْلُهُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 6] فِيهِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَجِيرَهُ كُلُّ مُشْرِكٍ فِي الْخَارِجِ فَقَرِينَةُ الْمِثَالِ تَمْنَعُ أَنَّ الْمُرَادَ الْعُمُومُ الشُّمُولِيَّ كَمَا قَالَ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ فَإِنْ الْتَفَتَ لِلْحُكْمِ وَالتَّعْلِيقِ قِيلَ لَهُ كَذَلِكَ السَّابِقُ وَلَوْ قَالَ أَيَّ أَحَدٍ كَانَ أَلْيَقَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعُمُومِ أَنْ يَقَعَ لَفْظَةُ كُلِّ مَوْضِعَهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ بَيَانٌ لِلْمَعْنَى وَتَلَخَّصَ أَنَّ النَّكِرَةَ الْعَامَّةَ هِيَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا سَوَاءٌ حَلَّ كُلُّ فَرْدٍ مَحَلَّهَا، أَوْ لَا كَانَ التَّعَلُّقُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ أَوْ أَزْمِنَةٍ وَلَا يَتَقَيَّدُ الشُّمُولُ بِالْأَوَّلِ وَإِلَّا لَمَا وُجِدَ لَنَا عَامٌّ فِي الْإِثْبَاتِ إذْ لَا يَتَأَتَّى اجْتِمَاعُ الْمُشْرِكِينَ كُلُّهُمْ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ عَلَى الِاسْتِجَارَةِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ وَالْبَدَلِيِّ عَسِرٌ جِدًّا خُصُوصًا فِي الْإِثْبَاتِ إذْ لَا يَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى فَرْقٌ وَبَقِيَ مِنْ أَقْسَامِ النَّكِرَةِ الْعَامَّةِ الْوَاقِعَةِ فِي سِيَاقِ الِامْتِنَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَالْمَوْصُوفَةُ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ تِلْكَ النَّكِرَةِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِمَا يَخُصُّ وَاحِدًا مِنْ الرِّجَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا يَدْخُلُ دَارِهِ وَحْدَهُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ قَالَهُ فِي التَّلْوِيحِ

(قَوْلُهُ: كَالْفَحْوَى) أَيْ كَاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْفَحْوَى لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ وَقَدْ يُعَمَّمُ اللَّفْظُ وَيُقَدَّرُ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ وَكَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ فَالْعُمُومُ لِلَّفْظِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ لَفْظِيٌّ الْمُقْتَضَى أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي نَفْسِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَصِحُّ بِنَاءُ الْخِلَافِ فِي تَسْمِيَتِهِ عَامًّا إذْ اللَّفْظُ يُسَمَّى عَامًّا سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ، أَوْ الْمَعَانِي.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ مَا يَأْتِي غَيْرُ مُرْتَبِطٌ بِمَا هُنَا بَلْ لِبَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْمَفْهُومِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ وَمَا هُنَا بِاعْتِبَارِ الْعُمُومِ فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ) وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ لَا فِي مَحِلِّ النُّطْقِ وَتَحْتَهُ قِسْمَانِ الْأَوْلَى وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَالْمُسَاوِي وَيُسَمَّى لَحْنَ

ص: 11

بِقِسْمَيْهِ خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لِلْأُولَى مِنْهُ صَحِيحٌ أَيْضًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ (وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) نَقَلَهُ الْعُرْفُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعَيْنِ إلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ

وَسَيَأْتِي قَوْلٌ إنَّهُ مُجْمَلٌ (أَوْ عَقْلًا كَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ) فَإِنَّهُ يُفِيدُ عَلَيْهِ الْوَصْفَ لِلْحُكْمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِيَاسِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ بِالْعَقْلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْمَعْلُولُ مِثَالُهُ أُكْرِمَ الْعَالِمُ (إذَا لَمْ تُجْعَلْ اللَّامُ فِيهِ لِلْعُمُومِ وَلَا عَهْدَ) وَكَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِالْمَعْنَى

ــ

[حاشية العطار]

الْخِطَابِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ) تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَفْهُومِ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى مُوَافَقَةٍ لَفْظِيَّةٍ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بُعُرْمًا وَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ يُعَمَّمُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ الْقِيَاسُ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهَا إلَّا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ لَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ الثَّانِي أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ لَفْظِيَّةٌ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِيهَا وَتَحْتَهُ قَوْلَانِ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ فُهِمَتْ الدَّلَالَةُ مِنْ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ مَجَازِيَّةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ فَأُطْلِقَ الْمَنْعُ مِنْ التَّأْفِيفِ فِي الْآيَةِ وَأُرِيدَ الْمَنْعُ مِنْ الْإِيذَاءِ وَقَوْلُ بَعْضٍ نَقْلُ اللَّفْظِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْأَعَمِّ عُرْفًا بَدَلًا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْأَخَصِّ لُغَةً فَتَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ مَثَلًا عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ مَنْطُوقِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ بِقَرِينَةٍ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا.

قَوْلُهُ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] أَيْ أَتَضَجَّرُ مِنْ قَوْلِكُمَا أَوْ فِعْلِكُمَا وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ فَالْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى تَحْرِيمُ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ الْمَنْطُوقِ.

قَوْلُهُ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ} [النساء: 10] مَفْهُومُهُ الْمُسَاوِي لِإِحْرَاقٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْإِتْلَافَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَإِطْلَاقُ) مُبْتَدَأٌ وَصَحِيحٌ خَبَرُهُ وَقَوْلُهُ خِلَافَ بِالنَّصْبِ حَالٌ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: إنَّهُ) أَيْ الْفَحْوَى لِلْأُولَى وَإِنَّ غَيْرَ الْأَوَّلُ يُسَمَّى لَحْنَ الْخِطَابِ.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِالْأُولَى صَحِيحٌ.

(قَوْلُهُ: كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ) فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْفَحْوَى عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَجْعَلْ الْفَحْوَى قَاصِرَةً عَلَى مَفْهُومِ الْأُولَى.

(قَوْلُهُ: وَحُرِّمَتْ عَطْفٌ عَلَى الْفَحْوَى) أَيْ وَكَالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِذَاتٍ كَمَا فِي وَحُرِّمَتْ.

(قَوْلُهُ: نَقَلَهُ الْعُرْفُ إلَخْ) أَيْ وَلَا إضْمَارَ وَلَا حَذْفَ وَسَيَأْتِي لِلشَّارِحِ أَنَّهُ مِنْ الْإِضْمَارِ الَّذِي خُصَّ الْعُرْفُ بِإِرَادَتِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ النَّقْلِ إلَّا أَنَّ الْمِثَالَ لَا يُنَاقَشُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: الْعَالِمَ) أَيْ لِأَجْلِ عِلْمِهِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِكْرَامِ كُلِّ عَالِمٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْلُولَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا.

(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تُجْعَلْ اللَّامُ فِيهِ لِلْعُمُومِ) بِأَنْ كَانَتْ لِلْجِنْسِ فَإِنْ كَانَتْ اللَّامُ لِلْعُمُومِ كَانَ الْعُمُومُ فِيهِ بِالْوَضْعِ لَا بِالْعَقْلِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ دَلَالَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْقَوْلِ أَيْ إنْ جَعَلَهُ مِثَالًا لِلدَّلَالَةِ بِالْعَقْلِ عَلَى قَوْلٍ إلَخْ وَالْأَصَحُّ أَنَّ دَلَالَتَهُ بِاللَّفْظِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَيْسَ مَنْطُوقًا إذَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ اللَّفْظُ وَلَا نَقَلَهُ الْعُرْفُ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: مَا عَدَا الْمَذْكُورَ) أَيْ وَهُوَ الْمَنْطُوقُ وَعَدَا بِمَعْنَى تَجَاوَزَ وَلَيْسَتْ اسْتِثْنَائِيَّةً فَإِنَّهُ خَطَأٌ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ حُكْمِهِ خَبَرُ أَنَّ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ بِالْمَعْنَى خَبَرُ أَنَّ الْأُولَى وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ إلَخْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خُلُوُّ أَنَّ الْأُولَى عَنْ الْخَبَرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَا مِنْ حَيْثُ

ص: 12

الْمُعَبَّرِ عَنْهُ هُنَا بِالْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِ الْمَذْكُورُ الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» أَيْ بِخِلَافِ مَطْلِ غَيْرِهِ (وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْمَفْهُومَ مُطْلَقًا (لَا عُمُومَ لَهُ لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ أَوْ التَّسْمِيَةِ أَيْ هَلْ يُسَمَّى عَامًّا أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي أَوْ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُرْفٍ وَإِنْ صَارَ بِهِ مَنْطُوقًا أَوْ عَقْلٍ (وَ) الْخِلَافُ (فِي أَنَّ الْفَحْوَى بِالْعُرْفِ وَالْمُخَالَفَةَ بِالْعَقْلِ تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَفْهُومِ) نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمِثَالَيْنِ عَلَى قَوْلٍ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ هَذَا فِيهِمَا عَلَى قَوْلٍ كَمَا قُلْتُ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ

ــ

[حاشية العطار]

الْمَعْنَى. (قَوْلُهُ: الْمُعَبَّرِ عَنْهُ هُنَا بِالْعَقْلِ) يَعْنِي أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عُبِّرَ عَنْهَا تَارَةً بِالْمَعْنَى وَتَارَةً أُخْرَى بِالْعَقْلِ كَمَا هُنَا وَغَرَضُ الشَّارِحِ الرَّدُّ عَلَى الْعِرَاقِيِّ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَالْمَذْكُورُ هُنَاكَ أَنَّهُ هَلْ يَدُلُّ بِاللُّغَةِ أَوْ الشَّرْعِ أَوْ الْمَعْنَى وَهُوَ الْعُرْفُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَقْلَ اهـ. فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّهُ) أَيْ الْحَالَ وَالشَّأْنَ.

(قَوْلُهُ: الْمَذْكُورُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ " يَنْفِ " وَ " الْحُكْمَ " مَفْعُولُهُ وَقَوْلُهُ عَمَّا عَدَاهُ أَيْ مَا عَدَا مَعْنَاهُ أَيْ مَعْنَى الْمَنْطُوقِ «فَفِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ» الْمَذْكُورُ الَّذِي هُوَ السَّائِمَةُ وَهُوَ الْمَنْطُوقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ الَّذِي هُوَ الْمَفْهُومُ حُكْمُهُ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ السَّائِمَةِ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ) فِيهِ أَنَّ الْفَائِدَةَ تَحْصُلُ وَلَوْ بِالنَّفْيِ عَنْ الْبَعْضِ فَأَيْنَ الْعُمُومُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّفْيَ عَنْ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَرَائِنِ فَوَجَبَ النَّفْيُ عَنْ الْجَمِيعِ وَهُوَ الْعُمُومُ الْمُدَّعَى.

(قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ) أَيْ الْمَأْخُوذُ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْعَامِّ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ قِيلَ وَالْمَعَانِي إلَخْ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ.

(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَمَنْ يَرَى أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي يُسَمِّي الْمَفْهُومَ عَامًّا؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَمَنْ يَرَى أَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ فَلَا يُسَمِّي.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى) بَيَانٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ كَوْنِهِ لَفْظِيًّا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مُنَافَاةُ هَذَا الِاتِّفَاقِ فِي الْمَعْنَى لِمَا سَبَقَ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ عُرُوضِهِ لِلْمَعَانِي وَهُوَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَبَقَ تَصْحِيحُ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يُوصَفُ بِالْعُمُومِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْعُمُومِ حَقِيقَةً وَالْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُكْمَ الْمَفْهُومَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا.

(قَوْلُهُ: مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مَنْ أَجْمَلَ مَا تَقَدَّمَ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِشَامِلٍ. وَقَوْلُهُ مِنْ عُرْفٍ بَيَانٌ لِمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ صَارَ بِهِ أَيْ صَارَ الْمَفْهُومُ بِسَبَبِ الْعُرْفِ مَنْطُوقًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ قَدْ نَقَلَهُ لِلْجَمِيعِ يَعْنِي أَنَّ تِلْكَ الصَّيْرُورَةَ لَا تَمْنَعُ كَوْنَ الْكَلَامِ فِي الْمَفْهُومِ بِحَسَبِ الْأَصْلِ ثُمَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَقْلِ كَأَنَّهُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمَا وَإِلَّا فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الْمَفْهُومَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ.

(قَوْلُهُ: فِي أَنَّ الْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ الْمُسَمَّى بِالْفَحْوَى أَيْ الدَّلَالَةَ عَلَيْهَا بِالْعُرْفِ لَا عُمُومِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَقَوْلُهُ بِالْعُرْفِ أَيْ بِسَبَبِهِ لَا بِالْقِيَاسِ وَلَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُخَالَفَةَ) أَيْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ أَيْ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْعَقْلِ لَا بِسَبَبِ الشَّرْعِ وَلَا بِسَبَبِ اللُّغَةِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمِثَالَيْنِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي كَلَامِهِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ كَالْفَحْوَى الثَّانِي قَوْلُهُ كَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَالْأَوَّلُ الْعُمُومُ فِيهِ بِسَبَبِ الْعُرْفِ وَالثَّانِي بِسَبَبِ الْعَقْلِ. (قَوْلُهُ: تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَفْهُومِ) فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ دَلَالَتُهُ قِيَاسِيَّةٌ وَقِيلَ لَفْظِيَّةٌ وَقِيلَ نُقِلَ اللَّفْظُ عُرْفًا وَفِي الثَّانِي الْمَفَاهِيمُ إلَّا اللَّقَبَ حُجَّةٌ لُغَةً وَقِيلَ شَرْعًا وَقِيلَ مَعْنًى.

(قَوْلُهُ: بَدَلَ هَذَا) أَيْ قَوْلِهِ هُنَا وَفِي أَنَّ الْفَحْوَى بِالْعُرْفِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: وَأَوْضَحَ) لِدَلَالَتِهَا عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْقَوْلِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْمَرْجُوحِ لَكِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ عَلَى قَوْلٍ عَنْهُمَا لَتُوُهِّمَ رُجُوعُهُ لِلثَّانِي وَلَوْ ذَكَرَهُ

ص: 13

(وَمِعْيَارُ الْعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءُ) فَكُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ لِلُزُومِ تَنَاوُلِهِ لِلْمُسْتَثْنَى وَقَدْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الصِّيَغِ نَحْوُ جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا وَمَنْ نَفَى الْعُمُومَ فِيهَا يَجْعَلُ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا قَرِينَةً عَلَى الْعُمُومِ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ

ــ

[حاشية العطار]

مَرَّتَيْنِ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَكَانَ فِيهِ طُولٌ (قَوْلُهُ: وَمِعْيَارُ الْعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءُ) الْمِعْيَارُ كَالْمِفْتَاحِ آلَةُ الِاخْتِيَارِ اُسْتُعِيرَ هُنَا لِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ عُمُومُ اللَّفْظِ أَيْ دَلِيلُ تَحَقُّقِهِ فَيَكُونُ خَاصَّةً مِنْ خَوَاصِّهِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَ الْخَاصَّةِ الْإِطْرَادُ وَقَدْ يُوجَدُ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا عُمُومَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْعَدَدِ.

وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّا لَمْ نَقُلْ كُلُّ مُسْتَثْنًى مِنْهُ عَامٌّ بَلْ قُلْنَا كُلُّ عَامٍّ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ فَمِنْ أَيْنَ الْعَكْسُ وَرَدَّهُ الْكَمَالُ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ مِعْيَارَ الْعُمُومِ أَنَّ قَبُولَ اللَّفْظِ لِلِاسْتِثْنَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَامٌّ وَيَنْحَلُّ إلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ قَبِلَ الِاسْتِثْنَاءَ عَامٌّ وَهُوَ الْعَكْسُ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ غَيْرَ مَرْضِيٍّ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى جَوَابٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا لَا حَصْرَ فِيهِ وَالْعَدَدُ لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ وَفِي الْعِبَارَةِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ فَكُلُّ مَا صَحَّ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَقَدْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ فِي الْكَلَامِ دَوْرًا لِاقْتِضَائِهِ تَوَقُّفَ مَعْرِفَةِ الْعُمُومِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْرِفَةِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِالْفِعْلِ ثُمَّ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ ظَاهِرٌ فِي جَمِيعِ أَدَوَاتِهِ حَتَّى الْأَفْعَالِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُتَّصِلُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَلَا يَدْخُلُ الْمُنْقَطِعُ فِي الْمِعْيَارِيَّةِ

(قَوْلُهُ: مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ) خَرَجَ أَسْمَاءُ الْعَدَدِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا لِاسْتِغْرَاقِهَا لِلْأَفْرَادِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ مَحْصُورَةً لَمْ تَكُنْ عَامَّةً عُمُومًا اصْطِلَاحِيًّا وَفِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قِيلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا اسْمَ عَدَدٍ نَحْو عِنْدِي عَشْرَةٌ إلَّا وَاحِدًا، أَوْ اسْمًا عَلَمًا نَحْوَ كَسَرْت زَيْدًا إلَّا رَأْسَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ نَحْوَ صُمْت هَذَا الشَّهْرَ إلَّا يَوْمَ كَذَا وَأَكْرَمْت هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ إلَّا زَيْدًا فَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ دَلِيلَ الْعُمُومِ أُجِيبَ بِوُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ صِيغَةَ عُمُومٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ جَمِيعٌ مُضَافٌ إلَى الْمَعْرِفَةِ أَيْ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْعَشَرَةِ وَأَعْضَاءِ زَيْدٍ وَأَيَّامِ هَذَا الشَّهْرِ وَآحَادِ هَذَا الْجَمْعِ الثَّانِي ذَكَرَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ مَا لَا حَصْرَ فِيهِ إلَخْ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِثْنَاءُ مَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ لَا مَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهِ كَمَا هُوَ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: لِلُزُومِ تَنَاوُلِهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ وُجُوبِ دُخُولِهِ قَطْعًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّضِيُّ أَيْ لِلْقَطْعِ بِلُزُومِ تَنَاوُلِهِ لِلْمُسْتَثْنَى فَلَا يُكْتَفَى بِجَوَازِ التَّنَاوُلِ (قَوْلُهُ: جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا) أَتَى بِهِ مَعْرِفَةً لِيَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ نَكِرَةً غَيْرَ مُخَصَّصَةٍ نَحْوُ إلَّا رَجُلًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي

(قَوْلُهُ: وَمَنْ نَفَى الْعُمُومَ فِيهَا) أَيْ مِنْ نَفَى كَوْنَهَا لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً وَإِنَّ اسْتِعْمَالَهَا لِلْعُمُومِ مَجَازِيٌّ وَالْقَائِلَ بِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ وَالْقَائِلَ بِالْوَقْفِ قَالَهُ الْكَمَالُ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لَا نَفْيَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِالْأَوَّلِ فَمَنْ قَالَ الِاشْتِرَاكُ يَجْعَلُ الِاسْتِثْنَاءَ قَرِينَةَ إرَادَةِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ الْعُمُومُ وَمَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ يَقُولُ الِاسْتِثْنَاءُ يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْعُمُومِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَأَنَّهُ مَجَازٌ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْهَمْعِ: إنَّ النَّكِرَةَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهَا فِي الْمُوجِبِ مَا لَمْ تُفِدْ فَلَا يُقَالُ جَاءَ قَوْمٌ إلَّا رَجُلًا وَلَا قَامَ رِجَالٌ إلَّا زَيْدًا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فَإِنْ أَفَادَ جَازَ نَحْوَ {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت: 14] الْآيَةُ وَقَامَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك إلَّا رَجُلًا وَالْفَائِدَةُ حَاصِلَةٌ فِي نَفْيِ الْعُمُومِ نَحْوُ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ إلَّا رَجُلًا، أَوْ إلَّا زَيْدًا وَكَذَا لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَعْرِفَةِ النَّكِرَةُ الَّتِي لَمْ تُخَصَّصْ نَحْوُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا رَجُلًا فَإِنْ تَخَصَّصَتْ جَازَ نَحْوُ قَامَ الْقَوْمُ إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ اهـ.

(قَوْله مِنْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ) وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى كَذَلِكَ فَيُقَالُ جَاءَنِي رَجُلَانِ كَانَا فِي دَارِك إلَّا زَيْدًا مِنْهُمَا

ص: 14

إلَّا أَنْ تُخَصِّصَ فَيَعُمُّ فِيمَا يَتَخَصَّصُ بِهِ نَحْوُ قَامَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك إلَّا زَيْدًا مِنْهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النُّحَاةِ وَيَصِحُّ جَاءَ رِجَالٌ إلَّا زَيْدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ إلَّا صِفَةٌ بِمَعْنَى غَيْرِ كَمَا فِي {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22](وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ) فِي الْإِثْبَاتِ نَحْوُ جَاءَ عَبِيدٌ لِزَيْدٍ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: إلَّا إنْ تَخَصَّصَ إلَخْ) فَرِجَالٌ عَامٌّ فِي الْكَيْنُونَةِ فِي الدَّارِ وَلَيْسَ عَامًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ عُمُومًا عُرْفِيًّا

(قَوْلُهُ: قَامَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك) قَدْ يُوَجَّهُ عُمُومُهُ فِيمَا يُخَصَّصُ بِهِ بِوُجُوبِ دُخُولِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لِكَوْنِ الدَّارِ حَاصِرَةً لِلْجَمِيعِ وَيُرَدُّ بِمَنْعِ وُجُوبِ ذَلِكَ وَأَنَّ الدَّارَ حَاصِرَةٌ لِلْجَمِيعِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ زَيْدٌ مِنْهُمْ وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ مِنْهُمْ مَعَ أَنَّ فِي عُمُومِ ذَلِكَ نَظَرًا إذْ مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا ذِكْرُهُ وَهُنَا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِذِكْرِهِ وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّكِرَةِ فِي الْإِثْبَاتِ بِشَرْطِ الْفَائِدَةِ نَحْوَ جَاءَنِي قَوْمٌ صَالِحُونَ إلَّا زَيْدًا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ إذْ الِاسْتِثْنَاءُ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ نَعَمْ إنْ زِيدَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ لَكِنْ فِيهِ مَا مَرَّ آنِفًا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ تَعَيُّنَ ذِكْرِ مِنْهُمْ فِي الْكَلَامِ قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ: إنَّ مِنْهُمْ حَالٌ مِنْ زَيْدٍ يَعْنِي لَا يُسْتَثْنَى زَيْدٌ مَثَلًا فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الرِّجَالِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُمْ فَلَا يَلْزَمُ ذِكْرُ لَفْظَةِ مِنْهُمْ فِي التَّرْكِيبِ حِينَ الْإِخْبَارِ (قَوْلُهُ: كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَالَ النُّحَاةُ وَلَا تُسْتَثْنَى الْمَعْرِفَةُ مِنْ النَّكِرَةِ إلَّا إنْ عَمَّتْ نَحْوَ مَا قَامَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدًا وَتَخَصَّصَتْ نَحْوَ جَاءَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك إلَّا زَيْدًا مِنْهُمْ. اهـ.

وَهِيَ مُؤَيِّدَةٌ لِمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ لَذَكَرَ لَفْظَةَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي التَّرْكِيبِ بِأَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ مِنْهُمْ

(قَوْلُهُ: إلَّا زَيْدٌ بِالرَّفْعِ) وَلَا يَصِحُّ النَّصْبُ فِيهِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى وَاجِبَ الدُّخُولِ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُنَا لَا يَجِبُ دُخُولُ زَيْدٍ فِي الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَلَا عُمُومَ لَهُ قَالَ الدَّمَامِينِيُّ وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ التَّمْثِيلُ بِهِ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الدُّخُولِ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الْمُبَرَّدِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَكْتَفِي فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ بِصِحَّةِ الدُّخُولِ اهـ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ إلَّا) أَيْ مَعَ مَدْخُولِهَا وَإِلَّا فَهِيَ حَرْفٌ لَا تَصْلُحُ لَأَنْ تَكُونَ صِفَةً وَحْدَهَا وَلَمْ يَجُزْ النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَافِيَتِهِ مِنْ أَنَّ إلَّا صِفَةٌ إذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِجَمْعٍ مَنْكُورٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ؛ وَذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِثْنَاءِ اهـ.

وَوَجَّهَهُ السَّيِّدُ الصَّفَوِيُّ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ حِينَئِذٍ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَيَجِبُ الْعُدُولُ عَنْ الْأَصْلِ وَجَعْلُهَا صِفَةً بِمَعْنَى غَيْرِ لِلْمُنَاسِبَةِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمُغَايَرَةِ فَإِنَّ إلَّا تَدُلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ حُكْمِ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُتَّصِلِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى دَاخِلًا فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَطْعًا وَمُخْرَجًا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَمِنْ شَرْطِ الْمُنْقَطِعِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ دَاخِلٍ فِيهِ قَطْعًا وَإِذَا كَانَ الْمُتَعَدِّدُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أُمُورٌ يَدْخُلُ فِيهَا الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ مُتَّصِلًا وَأَنْ يُرَادَ بِهِ أُمُورٌ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا الْمُسْتَثْنَى فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا، فَحَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ دُخُولُهُ وَلَا عَدَمُ دُخُولِهِ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ مُتَّصِلًا وَلَا مُنْقَطِعًا (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ، أَوْ كَثْرَةٍ

(قَوْلُهُ: فِي الْإِثْبَاتِ) أَمَّا فِي النَّفْيِ فَيَعُمُّ (قَوْلُهُ: نَحْوَ جَاءَ عَبِيدُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ النُّحَاةِ أَنَّ النَّكِرَةَ إذَا تَخَصَّصَتْ تَعُمُّ فِيمَا خُصِّصَتْ بِهِ وَهُوَ هُنَا مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُضِيفَ كَانَ عَامًّا وَهَذَا فِي مَعْنَى الْإِضَافَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ لِزَيْدٍ ظَرْفٌ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَ وَلَيْسَ صِفَةً لِعَبِيدٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ فَالْأَحْسَنُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ نَحْوَ جَاءَ عَبِيدٌ لِزَيْدٍ لَيْسَ بِعَامٍّ أَيْ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَامٌّ فِيمَا تَخَصَّصَ بِهِ إنْ قِيلَ إلَّا زَيْدًا مِنْهُمْ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ إذَا خُصِّصَ يَعُمُّ فِيمَا خُصِّصَ بِهِ وَهُوَ هُنَا مُخَصَّصٌ بِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ فَلَوْ

ص: 15

(لَيْسَ بِعَامٍّ) فَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً أَوْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ وَقِيلَ إنَّهُ عَامٌّ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْدُقُ بِمَا ذُكِرَ يَصْدُقُ بِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَبِمَا بَيْنَهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ كَمَا فِي رَأَيْت رِجَالًا فَعَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ قَطْعًا.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ أَقَلَّ مُسَمَّى الْجَمْعِ) كَرِجَالٍ وَمُسْلِمِينَ (ثَلَاثَةٌ لَا اثْنَانِ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ وَأَقْوَى أَدِلَّتِهِ {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] أَيْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَلَيْسَ لَهُمَا إلَّا قَلْبَانِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَنَحْوَهُ

ــ

[حاشية العطار]

تَرَكَهُ كَانَ أَوْلَى وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ مَا مَرَّ اهـ.

وَاَلَّذِي مَرَّ لَهُ أَنَّ فِي عُمُومِهِ نَظَرًا إذْ مِعْيَارُ الْعُمُومِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ لَا ذِكْرُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِعَامٍّ) وَجْهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ رَجُلًا مَثَلًا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِأَيِّ عَدَدٍ شِئْت فَوْقَ الِاثْنَيْنِ كَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ مُسْتَغْرَقًا إذْ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الْبَدَلِ لِكُلٍّ مِنْ الْمَجْمُوعِ عَلَى أَنَّهُ تَمَامُ الْمُرَادِ لَا يَكُونُ مُسْتَغْرِقًا لِلْجَمِيعِ كَالنَّكِرَةِ الْمُفْرَدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ فَرْدٍ. (قَوْلُهُ: فَيُحْمَلُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَلَيْسَ فِي جَوَابِ النَّفْيِ حَتَّى يَكُونَ مَنْصُوبًا بَعْدَ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: ثَلَاثَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ) الْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ وَالثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَهُ الْكَمَالُ وَفِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالنُّحَاةِ وَالْخِلَافُ فِي اللَّفْظِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْجَمْعِ، نَحْوُ الزَّيْدَيْنِ وَرِجَالٍ لَا فِي لَفْظِ ج م ع فَإِنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَلَا فِي لَفْظِ الْجَمَاعَةِ أَيْضًا فَإِنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ عَامٌّ) هُوَ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَارْتَضَاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْجَبَّانِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ أَنْوَاعِ الْعَدَدِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ رِجَالٍ عَلَى كُلِّ عَدَدٍ فَوْقَ اثْنَيْنِ، وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ وَإِطْلَاقُ الْمُشْتَرَكِ بِلَا قَرِينَةٍ يُوجِبُ الْحَمْلَ عَلَى جَمِيعِ مَدْلُولَاتِهِ الْحَقِيقَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْمَرَاتِبِ الِاشْتِرَاكُ لَفْظًا بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ مَا فَوْقَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْأَفْرَادِ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي الْجَمْعِ الْمُسْتَغْرَقِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِهِ إذْ لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَلَهُ أَنْ يَقُولَ يُحْمَلُ عَلَى الْكُلِّ لِرُجْحَانِهِ عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَرَاتِبِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجَمِيعِ وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ كَمَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِهِ قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ.

(قَوْلُهُ: وَبِمَا بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ أَوَّلِ الْجَمْعِ وَجَمِيعِ الْأَفْرَادِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ) إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى بَعْضِ مَرَاتِبِ الْجُمُوعِ كَانَ تَحَكُّمًا.

(قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ إلَخْ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ قَالَ الشَّيْخُ الْغُنَيْمِيُّ وَانْظُرْ إلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْهُ هَلْ تَكُونُ أَفْرَادُهُ جُمُوعًا أَوْ آحَادًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُعَرَّفِ حَرِّرْهُ. (قَوْلُهُ: أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ) فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى وَبِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ قَدْ يَكُونُ فِي عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَيْهَا كَمَا فِي التَّقَارِيرِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إبَاحَةُ مَالِ الْغَيْرِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَالْكَلَامُ فِي أَنَّ الْعُمُومَ مَفْهُومُ الْجَمْعِ الْمُنْكَرِ وَأَيْنَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ الْمُصَادَقَاتِ لِلِاحْتِيَاطِ مِنْ الْمَفْهُومِ.

(قَوْلُهُ: رَأَيْت رِجَالًا) إذْ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْجَمِيعِ فَالْمَانِعُ هُنَا عَقْلِيٌّ وَمِثْلُهُ اشْتَرَيْت عَبِيدًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِمْكَانِ صَارِفُهُ عَنْ الْكُلِّ

(قَوْلُهُ: إنَّ أَقَلَّ مُسَمَّى الْجَمْعِ) أُلْحِقَ بِهِ كَمَا قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ كُلَّمَا دَلَّ عَلَى جَمْعِيَّةِ دَلَالَةُ الْجُمُوعِ كَنَاسٍ وَجِيلٍ بِخِلَافِ نَحْوِ قَوْمٍ وَرَهْطٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا الْجَمِيعِ قَالَ سم لَكِنَّ كَلَامَ التَّلْوِيحِ دَالٌّ عَلَى إلْحَاقِ نَحْوِ قَوْمٍ وَرَهْطٍ.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ صَغَتْ) أَيْ مَالَتْ لِلْوَعْظِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ) بِالرَّفْعِ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ فِي تَتُوبَا وَيَجُوزُ كَوْنُهُ بَيَانًا لِلْكَافِ الْمَجْرُورَةِ فِي قُلُوبُكُمَا فَيَكُونَانِ مَنْصُوبَيْنِ بِالْفَتْحَةِ نِيَابَةً عَنْ الْكِسْرَةِ

ص: 16

مَجَازٌ لِتَبَادُرِ الزَّائِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ دُونَهُمَا إلَى الذِّهْنِ وَالدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ فِي الْآيَةِ كَرَاهَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ تَثْنِيَتَيْنِ فِي الْمُضَافِ وَمُتَضَمِّنِهِ وَهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ نَحْوِ جَاءَ عَبْدَاكُمَا وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ لِزَيْدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةً لَكِنَّ مَا مَثَّلُوا بِهِ مِنْ جَمْعِ الْكَثْرَةِ مُخَالِفٌ لِإِطْبَاقِ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ أَحَدَ عَشَرَ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافُ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ وَشَاعَ فِي الْعُرْفِ إطْلَاقُ دَرَاهِمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَمَا قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْخِلَافُ فِي عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْجَمْعَ (يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا)

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ مَجَازٌ) مِنْ اسْتِعْمَالِ اسْمِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ أَوْ يُشَبَّهُ الْوَاحِدُ بِالْكَثِيرِ فِي الْخَطَرِ وَالْعِظَمِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْمَيْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالتَّقْدِيرُ {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] بِدَلِيلِ أَنَّ الْجُرْمَ لَا يُوصَفُ بِالصَّغْوِ وَنَظَرَ فِيهِ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّ الْمُيُولَ لَا تُوصَفُ بِالصَّغْوِ الَّذِي هُوَ الْمَيْلُ فَلَا يُقَالُ مَالَ إلَى فُلَانٍ مَيْلًا وَالْقَلْبُ يُوصَفُ بِهِ كَمَا قَالَ الْحَمَاسِيُّ:

صَبَا قَلْبِي وَمَال إلَيْك مَيْلًا

وَأَجَابَ الْبُدَخْشِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي جَهَدَ جَاهِدٌ وَجَدَّ جِدَّهُ وَالْقَلْبُ فِي قَوْلِ الْحَمَاسِيِّ النَّفْسُ.

(قَوْلُهُ: لِتَبَادُرِ الزَّائِدِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ الْحَقِيقَةِ ثَلَاثَةً وَالْأَقَلُّ مَجَازًا. (قَوْلُهُ: وَمُتَضَمِّنِهِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ) أَيْ مُتَضَمِّنِ الْمُضَافِ الَّذِي هُوَ لِلْقَلْبِ أَيْ الْمُحْتَوِي عَلَيْهِ وَهُوَ الذَّاتُ وَدُفِعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ لَا يُكْرَهُ تَوَالِي تَثْنِيَتَيْنِ إلَّا إذَا اتَّحَدَ الْمَعْنَى.

(قَوْلُهُ: وَهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ) أَيْ وَتَوَالِي التَّثْنِيَتَيْنِ كَمَا يُكْرَهُ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ يُكْرَهُ فِيمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ.

(قَوْلُهُ: جَاءَ عَبْدَاكُمَا) فَإِنَّ الْعَبْدَيْنِ غَيْرُ الْكَافِ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَالِكَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةً) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ لَفْظُ الْمُقِرِّ الْمُوصِي مَحْمُولٌ عَلَى الْأَقَلِّ فَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ الْجَمْعِ اثْنَانِ: قُبِلَ الْجَمْعُ وَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ لَمْ يُقْبَلْ التَّعْيِينُ بِاثْنَيْنِ وَمَا أَرَى الْفُقَهَاءَ يَسْمَحُونَ بِهَذَا اهـ.

وَمِثْلُ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُ النِّسَاءَ أَوْ اشْتَرَيْتُ الْعَبِيدَ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِثَلَاثَةٍ وَيَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ كَانَ فِي كَفِّي دَرَاهِمُ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَعَبْدِي حُرٌّ فَكَانَ فِي كَفِّهِ أَرْبَعَةٌ لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ فِي كَفِّهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ إنَّمَا هُوَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لَا دَرَاهِمُ.

(قَوْلُهُ: فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَغَرَضُ الشَّارِحِ مِنْ نَقْلِ كَلَامِهِ الْجَوَابَ عَمَّا يُقَالُ إنَّ دَرَاهِمَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَأَقَلُّ جَمْعِ الْكَثْرَةِ أَحَدَ عَشَرَ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ إطْبَاقَ النُّحَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى اللُّغَةِ وَتَفْسِيرَ الدَّرَاهِمِ بِثَلَاثَةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى تَسْلِيمِ إطْبَاقِ النُّحَاةِ عَلَى مَا ذُكِرَ وَلَك مَنْعُهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْجَمْعَيْنِ مُتَّفِقَانِ فِي الْمَبْدَأِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمُنْتَهَى.

(قَوْلُهُ: وَشَاعَ إلَخْ) أَيْ فَصَحَّ التَّمْثِيلُ بِدَرَاهِمَ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مِنْ مَقُولِ الْمُصَنِّفِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ) الْكَافُ لِلتَّنْظِيرِ أَيْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمْعَ الْقِلَّةِ كَمَا جَعَلَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا جَمْعَ الْكَثْرَةِ وَعِبَارَتُهُ الَّذِي أَظُنُّهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي غَيْرِ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ بَعِيدٌ جِدًّا. (قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ) وَقَوْلُهُ فِي عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ أَيْ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ وَهُوَ ظَرْفٌ لَغْوٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْخِلَافِ وَفِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ خَبَرٌ.

(قَوْلُهُ: فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ) أَيْ وَأَمَّا جَمْعُ الْقِلَّةِ فَلَيْسَ بِعَامٍّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْجَمْعُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ وَسَوَاءٌ

ص: 17

لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، نَحْوُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ تَبَرَّجَتْ لِرَجُلٍ أَتَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ لِاسْتِوَاءِ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فِي كَرَاهَةِ التَّبَرُّجِ لَهُ وَقِيلَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ وَالْجَمْعُ فِي هَذَا الْمِثَالِ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّ مَنْ بَرَزَتْ لِرَجُلٍ تَبْرُزُ لِغَيْرِهِ عَادَةً.

(وَ) الْأَصَحُّ (تَعْمِيمُ الْعَامِّ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ) بِأَنْ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا (إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ عَامٌّ آخَرُ) لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ إذْ مَا سِيقَ لَهُ لَا يُنَافِي تَعْمِيمَهُ فَإِنْ عَارَضَهُ الْعَامُّ الْمَذْكُورُ لَمْ يَعُمَّ فِيمَا عُورِضَ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَقِيلَ لَا يَعُمُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّعْمِيمِ (وَثَالِثُهَا يَعُمُّ مُطْلَقًا) كَغَيْرِهِ وَيُنْظَرُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ إلَى الْمُرَجَّحِ، مِثَالُهُ وَلَا مُعَارِضَ {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار: 13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 14] وَمَعَ الْمُعَارِضِ {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] فَإِنَّهُ وَقَدْ سِيقَ لِلْمَدْحِ يَعُمُّ بِظَاهِرِهِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ جَمْعًا وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] فَإِنَّهُ وَلَمْ يُسَقْ لِلْمَدْحِ شَامِلٌ لِجَمْعِهِمَا

ــ

[حاشية العطار]

كَانَ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا وَهَلْ هَذَا الْخِلَافُ يَأْتِي فِي الْمُثَنَّى وَأَسْمَاءِ الْجُمُوعِ كَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ اهـ. غُنَيْمِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ) أَيْ اسْتِعْمَالِ الْجَمْعِ فِي الْوَاحِدِ أَيْ فِيمَا يَصْدُقُ بِهِ فَإِنَّ أَلْ فِي الرِّجَالِ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِوَاحِدٍ وَقَوْلُهُ لِاسْتِوَاءِ إلَخْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ مُسْتَعْمَلٌ فِيمَا يَصْدُقُ بِالْوَاحِدِ.

(قَوْلُهُ:، نَحْوُ قَوْلِ الرَّجُلِ) مَثَّلَ الشَّيْخُ خَالِدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ عَائِشَةُ رضي الله عنها.

(قَوْلُهُ: لِاسْتِوَاءِ إلَخْ) أَفَادَ بِهَذَا أَنَّهُ اسْتِعَارَةٌ بِجَامِعِ الْكَرَاهَةِ فِي كُلٍّ. (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الْقَائِلِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَرَاهَةِ لَا بِالتَّبَرُّجِ إذْ لَوْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ لَقَالَ لَهُمَا أَيْ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى بَابِهِ) أَيْ حَقِيقَتِهِ وَيَكُونُ التَّوْبِيخُ حِينَئِذٍ عَلَى اللَّازِمِ الْعَادِيِّ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهَا التَّبَرُّجُ لِلرِّجَالِ بِالْفِعْلِ

(قَوْلُهُ: تَعْمِيمُ الْعَامِّ) أَيْ بَقَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ وَضْعًا، وَالِاخْتِلَافُ فِي بَقَائِهِ عَلَى عُمُومِهِ.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ) أَيْ الْوَارِدِ بِمَعْنَى وَالْمَعْنَى بِمَعْنَى الصِّفَةِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَذِكْرُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ لِمُجَرَّدِ التَّمْثِيلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ سَوْقَ الْعَامِّ لِغَرَضٍ آخَرَ كَالْمَدْحِ وَالذَّمِّ هَلْ يَنْصَرِفُ بِذَلِكَ عَنْ عُمُومِهِ أَمْ لَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي اللُّبِّ وَشَرْحِهِ وَالْأَصَحُّ تَعْمِيمُ عَامٍّ سَيَقَ لِغَرَضٍ كَمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ إلَى أَنْ قَالَ وَقَوْلِي لِغَرَضٍ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْأَصْلِ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَى أَوْ.

(قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ إلَخْ) فَإِنْ عَارَضَهُ فَلَا يَعُمُّ إنْ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ وَإِلَّا عَمَّ لِاسْتِوَائِهِمَا وَيَرْجِعُ لِلْمُرَجِّحَاتِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ وَهَذَا الْقَيْدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَائِلِ فَذِكْرُهُ لِتَحْرِيرِ مَحَلِّ الْخِلَافِ.

(قَوْلُهُ: إذْ مَا سِيقَ لَهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ الْأَصَحُّ تَعْمِيمُ الْعَامِّ إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّ مَا سِيقَ لَهُ لَا يُنَافِيهِ وَإِذَا كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي سِيقَ الْعَامُّ لَهُ لَا يُنَافِي الْعُمُومَ فَلَا وَجْهَ لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَعُمَّ) أَيْ يَرْتَفِعْ عُمُومُهُ بِالْكُلِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَعُمُّ) وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ التَّمَسُّكَ بِآيَةِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] الْآيَةُ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ عَارَضَهُ عَامٌّ أَوْ لَا.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّعْمِيمِ) أَيْ وَإِنَّمَا سِيقَ لِلْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَاعْتُرِضَ عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَا بِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ دُخُولُ الصُّورَةِ غَيْرِ الْمَقْصُودَةِ تَحْتَ الْعَامِّ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ تِلْكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا قَرِينَةٌ مِنْ مَدْحٍ أَوْ غَيْرِهِ تَصْرِفُ عَنْ الْعُمُومِ بَلْ الْعُمُومُ ثَمَّ بَاقٍ فِي غَيْرِ الْمَقْصُودِ إجْمَاعًا أَيْ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ دُخُولِهَا فِي الْعَامِّ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَهُنَا يَرْتَفِعُ الْعُمُومُ وَيُكْتَفَى فِيهِ بِبَعْضِ مَا يَصْدُقُ بِهِ اللَّفْظُ عِنْدَ مَنْ يَرَى بِأَنَّهُ لَا عُمُومَ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ) خَبَرُ إنَّ قَوْلُهُ يَعُمُّ، وَقَدْ سِيقَ لِلْمَدْحِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ

ص: 18

بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُرَدْ تَنَاوُلُهُ لَهُ أَوْ أُرِيدَ وَرُجِّحَ الثَّانِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ.

(وَ) الْأَصَحُّ (تَعْمِيمُ نَحْوَ لَا يَسْتَوُونَ) مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]{لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] فَهُوَ لِنَفْيِ جَمِيعِ وُجُوهِ الِاسْتِوَاءِ الْمُمْكِنِ نَفْيُهَا لِتَضَمُّنِ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ لِمَصْدَرٍ مُنَكَّرٍ وَقِيلَ لَا يَعُمُّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَعَلَى التَّعْمِيمِ يُسْتَفَادُ مِنْ الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ وَمِنْ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَخَالَفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَنَفِيَّةُ.

ــ

[حاشية العطار]

بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يُسَقْ. (قَوْلُهُ: بِمِلْكِ الْيَمِينِ) وَكَذَا بِالنِّكَاحِ (قَوْلُهُ: عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ حَيْثُ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى إبَاحَةِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أُرِيدَ) أَيْ تَنَاوُلُهُ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ عَامٌّ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ) أَيْ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ

(قَوْلُهُ: لَا يَسْتَوُونَ) وَمِثْلُ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ التَّسَاوِي وَالْمُسَاوَاةِ وَالتَّمَاثُلِ وَالْمُمَاثَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِيهِ نَفْيُهُ فِي فِعْلٍ مِثْلِ لَا يَسْتَوِي كَذَا وَكَذَا أَوْ فِي اسْمٍ مِثْلِ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا كَذَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ قَالَهُ الْغُنَيْمِيُّ وَانْظُرْ الْمُشَابَهَةَ وَأَقُولُ فِي التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ مُسَاوَاةُ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ كَقَوْلِنَا اسْتَوَى زَيْدٌ وَعَمْرٌو أَوْ تَمَاثَلَا أَوْ هُوَ كَهُوَ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ اهـ. فَدَخَلَتْ الْمُشَابَهَةُ.

(قَوْلُهُ: الْمُمْكِنِ نَفْيُهَا) قُيِّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْوُجُوهِ لَا يُمْكِنُ نَفْيُهَا وَأَقَلُّ ذَلِكَ مُغَايَرَتُهُمَا لِجَمِيعِ مَا عَدَاهُمَا وَكَالْوُجُودِ وَالشَّيْئِيَّةِ فَمَا عَدَا الْوُجُوهَ الْمُمْكِنَ نَفْيُهَا مَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ.

(قَوْلُهُ: لِتَضَمُّنِ الْفِعْلِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْمَصْدَرِ دَلَالَةَ تَضَمُّنٍ وَالْمَصْدَرُ نَكِرَةٌ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَحَقَّقَ وُقُوعُ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِهِ فَتَعُمُّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِعُمُومِ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ لَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْتَجَ عُمُومَ كُلِّ فِعْلٍ وَذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى مِنْ أَفْرَادِهِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَعُمُّ) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ مَأْخَذُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي الْإِثْبَاتِ هَلْ هُوَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي اللُّغَةِ أَوْ مَدْلُولُهُ لُغَةً الِاسْتِوَاءُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنْ قُلْنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَنَفْيُهُ مِنْ سَلْبِ الْعُمُومِ فَلَا يَكُونُ عَامًّا وَإِنْ قُلْنَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ السَّلْبِ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ نَقِيضَ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ سَلْبٌ جُزْئِيٌّ وَنَقِيضَ الْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ سَلْبٌ كُلِّيٌّ وَقَرَّرَهُ مِثْلَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ وَالشَّارِحُ عَوَّلَ فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ بِتَضَمُّنِ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ لِمَصْدَرٍ مُنَكَّرٍ وَفِي الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ فَإِنَّ الِاسْتِوَاءَ الْمَنْفِيَّ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَانَ النَّفْيُ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ السَّلْبِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ إيجَابٌ جُزْئِيٌّ وَرَفْعُهُ سَلْبٌ كُلِّيٌّ فَيُفِيدُ هَذَا التَّعْلِيلُ الْعُمُومَ لَا عَدَمَهُ وَقَدْ يُؤَوَّلُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَيَكُونُ سَلْبًا جُزْئِيًّا فَلَا يُفِيدُ الْعُمُومَ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ مُورِدَ السَّلْبِ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ.

(قَوْلُهُ: أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي) أُورِدَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْفَاسِقِ الْعَاصِي مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَافِرُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُؤْمِنِ وَإِرَادَة الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ فَمُقَابِلُهُ فَاسِقٌ يَرُدُّهُ مَا بَعْدَ الْآيَةِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكَافِرُ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْآيَتَيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا خُصَّ بِهَا نَظَرًا لِلْوَاقِعِ فِي الْخِلَافِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَخَالَفَ) فِي (الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَنَفِيَّةُ) أَيْ بِدَلِيلٍ آخَرَ فِقْهِيٍّ وَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَظَرَ إلَى أَنَّ عِصْمَةَ الذِّمِّيِّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ الَّذِي هُوَ حِلْفُ الْإِسْلَامِ وَهِيَ دُونَ عِصْمَةِ الْمُسْلِمِ الَّتِي تَثْبُتُ بِالْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُقْتَلُ الْمُسَمَّى بِهِ وَأَبَا حَنِيفَةَ نَظَرَ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْعِصْمَةِ مُطْلَقُ كَوْنِ الْآدَمِيِّ مُكَلَّفًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ التَّعَرُّضِ إنَّمَا شُرِعَ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ فَيَكُونُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ مُشْتَرِكَيْنِ فِي التَّكْلِيفِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي مُسَبِّبِهِ وَهُوَ الْعِصْمَةُ عَلَى السَّوَاءِ ثُمَّ التَّفَاوُتُ فِي التَّكْلِيفِ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْعِصْمَةِ كَمَا فِي الْفَقِيرِ الْغَيْرِ الْمُكَلَّفِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالْغَنِيِّ الْمُكَلَّفِ بِهِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمُخَالَفَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِدَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ الْمُخَالَفَةُ فِي عُمُومِ

ص: 19

(وَ) الْأَصَحُّ تَعْمِيمُ نَحْوَ (لَا أَكَلْت) مِنْ قَوْلِك وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَهُوَ لِنَفْيِ جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ بِنَفْيِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأَكْلِ الْمُتَضَمِّنِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا (قِيلَ وَإِنْ أَكَلْت) فَزَوْجَتِي طَالِقٌ مَثَلًا فَهُوَ لِلْمَنْعِ مِنْ جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُ بَعْضِهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنِّيَّةِ وَيَصْدُقُ فِي إرَادَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَعْمِيمَ فِيهِمَا فَلَا يَصِحُّ التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النَّفْيَ وَالْمَنْعَ لِحَقِيقَةِ الْأَكْلِ

ــ

[حاشية العطار]

الْآيَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ إرَادَةِ الْعُمُومِ فِي نَفْسِ الْمُسَاوَاةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ عُمُومُ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ الْمُخَصَّصِ بِمَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ قَاصِرٌ عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ فَلَا يُعَارِضُ آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةَ وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ أَمْ يَعُمُّ فِي الدَّارَيْنِ فَيُعَارِضُ آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَقَوْلُ الْجَارْبُرْدِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ إنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْآيَةَ تُفِيدُ عُمُومَ النَّفْيِ أَوْ لَا رَدَّهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَقَالَ الْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ صَرَّحُوا بِعُمُومِهَا فِي نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ إلَّا أَنَّ حَقِيقَةَ الْعُمُومِ مَتْرُوكَةٌ بِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ بِعَدَمِ قَبُولِهِ حُكْمَ الْحَقِيقَةِ لِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَاتِ اهـ.

وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الْجَارْبُرْدِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يُجْرُونَ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً بِحَسَبِ الْأَصْلِ، وَالشَّافِعِيَّةُ يُجْرُونَهَا عَلَى الْعُمُومِ فَلَا يَتَسَاوَى الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ أَصْلًا عِنْدَهُمْ فَلَا يُقْتَلُ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَيَا حَيْثُ لَمْ يُجْرُوا الْآيَةَ عَلَى الْعُمُومِ فَيَجُوزُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ بَلْ يَجِبُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مُجْرَاةٌ عَلَى الْعُمُومِ أَوْ لَا

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ تَعْمِيمُ إلَخْ) أَيْ تَعْمِيمُهُ فِي الْمَأْكُولَاتِ الْمَحْذُوفَةِ لَا فِي الْكُلِّ ثُمَّ وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ لِإِفْرَادِ هَذَا عَمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُدْرَكَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ تَضَمُّنُ الْفِعْلِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُدْرَكَ فِيمَا قَبْلَهُ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ التَّضَمُّنِ الْمَذْكُورِ بَلْ مَنْشَأُ الْخِلَافِ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِوَاءِ كَمَا قَرَّرْنَا.

(قَوْلُهُ:، نَحْوُ لَا أَكَلْت) أَيْ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ وَقَعَ بَعْدَ نَفْيٍ وَلَمْ يُذْكَرْ مَفْعُولُهُ ثُمَّ إنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَدَوَاتِ النَّفْيِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَكَذَا نَفْيُ كُلِّ فِعْلٍ وَتَصْوِيرُ الشَّارِحِ بِلَا أَكَلْت يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْفِعْلِ بِالْمُتَعَدِّي وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأَفْعَالَ الْقَاصِرَةَ وَقَضِيَّةُ تَمْثِيلِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي كِتَابِ الْإِفَادَةِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا قُلْنَا لَا يَقُومُ كَأَنَّا قُلْنَا لَا قِيَامَ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْفِعْلِ نَفْيٌ لِمَصْدَرِهِ وَشُمُولِهِ الْقَاصِرِ أَيْضًا وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ الْفِعْلُ بِالْمُتَعَدِّي.

(قَوْلُهُ: الْمُتَضَمِّنِ بِالْكَسْرِ صِفَةٌ لِلْأَكْلِ) أَيْ الَّذِي وَقَعَ فِي ضِمْنِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَهُوَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَالْمُتَعَلِّقِ بِالْكَسْرِ وَكِلَاهُمَا تَنَازَعَ قَوْلَهُ بِهَا وَأُعْمِلَ الثَّانِي وَضَمِيرُ بِهَا يَعُودُ لِلْمَأْكُولَاتِ وَلَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ رُجُوعِهِ لِأَفْرَادِ الْمَأْكُولِ. (قَوْلُهُ وَيُصَدَّقُ فِي إرَادَتِهِ) أَيْ التَّخْصِيصَ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِلْبَعْضِ أَيْ إرَادَةِ الْبَعْضِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُصَدِّقُ بَاطِنًا وَيَنْبَغِي حَمْلُ التَّقْيِيدِ بِالْبَاطِنِ عَلَى الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحَقِّ آدَمِيٍّ اهـ. سم.

(قَوْلِهِ لَا تَعْمِيمَ فِيهِمَا) أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا عَامًّا لَا لَفْظًا وَلَا حُكْمًا إذْ الْعُمُومُ إنَّمَا هُوَ فِي مُتَعَلَّقِهِ لِطَرِيقِ اللُّزُومِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ قَالَ الْكَمَالُ وَتَحْرِيرُ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْصُلُ عِنْدَهُ بِكُلِّ مَأْكُولٍ فَلَا نِزَاعَ عِنْدَهُ فِي عُمُومٍ، نَحْوُ لَا أَكَلْت وَإِنْ أَكَلْت بِهَذَا الْمَعْنَى إنَّمَا النِّزَاعُ فِي قَبُولِ هَذَا الْعُمُومِ لِلتَّخْصِيصِ لِأَنَّ عُمُومَ، نَحْوُ لَا أَكَلْت وَلَا وَإِنْ أَكَلْت عَقْلِيٌّ عِنْدَهُ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْإِرَادَةِ وَلَا يَتَجَزَّأُ بِحَسَبِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ وَالْمَنْعَ لِحَقِيقَةِ الْأَكْلِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ إلَخْ فَلَا يُدَيَّنُ فِي دَعْوَى إرَادَتِهِ مَأْكُولًا خَاصًّا وَعِنْدَنَا يُدَيَّن اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَنْعُ لِحَقِيقَةِ الْأَكْلِ) أَيْ مَاهِيَّتِه وَهِيَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَوْ ذُكِرَ الْمَفْعُولُ بِهِ عَمَّ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي النَّفْيِ هُوَ الْمَفْعُولُ فَكَانَ الْفِعْلُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ عَامًّا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ عِنْدَهُ بِالْعَقْلِ وَاللَّازِمُ عَقْلًا لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْمَلْزُومِ بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ

ص: 20

وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ النَّفْيُ وَالْمَنْعُ لِجَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ حَتَّى يَحْنَثَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّانِيَةِ بِقِيلِ عَلَى خِلَافِ تَسْوِيَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ بَيْنَهُمَا لِمَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ بَدَلِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا فُهِمَ دَائِمًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجِيئِهَا لِلشُّمُولِ (لَا الْمُقْتَضِي) بِكَسْرِ الضَّادِ وَهُوَ مَا لَا يَسْتَقِيمُ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا بِتَقْدِيرِ أَحَدِ أُمُورٍ يُسَمَّى مُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ جَمِيعًا لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِأَحَدِهَا وَيَكُونُ مُجْمَلًا بَيْنَهَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ وَقِيلَ يَعُمُّهَا حَذَرًا مِنْ الْإِجْمَالِ وَمِثَالُهُ حَدِيثُ مُسْنَدِ أَخِي عَاصِمٍ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ) أَيْ وَاللَّازِمُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ مَلْزُومِهِ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي قَبُولِ التَّخْصِيصِ وَالْعُمُومُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي الْأَوَّلِ وَعَدَمِ التَّخْصِيصِ فِي الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ) أَيْ مُخَالَفَةِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقِيلِ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَيَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِعَبَّرَ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فُهِمَ) أَيْ عَلَى مَا فُهِمَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ لِعَدَمِ الْعُمُومِ الشُّمُولِيِّ بَلْ أَيُّ أَكْلٍ وُجِدَ مِنْهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ لَا يَخْتَصُّ جَوَازُ التَّخْصِيصِ بِالنِّيَّةِ بِالْعَامِّ بَلْ يَجْرِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ بِالنِّيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي لَا أَكَلْت إنَّهُ لَا عُمُومَ فِيهِ بَلْ مُطْلَقٌ وَالتَّخْصِيصُ فَرْعُ الْعُمُومِ فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ يَصِيرُ تَقْيِيدًا لِلْمُطْلَقِ فَلَمْ يَمْنَعُوهُ.

(قَوْلُهُ: لَا الْمُقْتَضِي) مَجْرُورٌ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ عَطْفٌ عَلَى الْعَامِّ كَذَا قِيلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ قَوْلِهِ لَا يَسْتَوُونَ؛ لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِإِضَافَتِهَا إلَى تَعْمِيمٍ وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ تَفْسِيرٌ لَهُ بِالْمَعْنَى وَلَيْسَ خَبَرًا عَنْهُ وَالْمُقْتَضِي مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يَقْتَضِي لِصِحَّتِهِ شَيْئًا يُقَدَّرُ فِيهِ أَيْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْعُمُومِ فِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُقَدَّرُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ) أَخَذَهُ مِنْ لَا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ لِمَا بَعْدَهَا ضِدَّ مَا قَبْلَهَا وَهَذَا مَا وَعَدَ بِهِ الشَّارِحُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ مُجْمَلٌ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] .

(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ) أَيْ الْمُقْتَضِي بِكَسْرِ الضَّادِ مُجْمَلًا أَيْ لَا يَكُونُ عَامًّا فِيهَا فَتُخَصَّصُ بِبَعْضِهَا بَلْ يَفْتَقِرُ لِبَيَانٍ وَيُقَدَّرُ شَيْءٌ يَتَّضِحُ بِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] مَعْنَاهُ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ نِكَاحُ أُمَّهَاتِكُمْ وَنَحْوُهُ كَاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: يَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ) فِيهِ أَنَّ الْمُعَيَّنَ بِالْقَرِينَةِ أَحَدُ تِلْكَ الْأُمُورِ أَيْ الْمُرَادَ مِنْهَا الَّذِي هُوَ الْمُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُقْتَضَى لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ حَيْثُ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا بِبَيَانِ الْأَحَدِ الْمُرَادِ مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّذِي هُوَ الْمُقْتَضَى فَبَيَانُ ذَلِكَ الْأَحَدِ كَالْقَرِينَةِ عَلَى تَعْيِينِ الْمُقْتَضَى.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَعُمُّهَا) حَكَاهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةُ فِي الطَّلَاقِ فَقَالَ وَالْمُخْتَارُ لَا يَقَعُ طَلَاقُ النَّاسِي؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِضَاءِ عَامَّةٌ. اهـ. خَالِدٌ.

(قَوْلُهُ: حَذَرًا مِنْ الْإِجْمَالِ) وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْإِجْمَالُ إلَّا إذَا دَامَ عَلَى إجْمَالِهِ وَهَذَا لَا يَدُومُ لِتَعَيُّنِهِ بِالْقَرِينَةِ.

(قَوْلُهُ: مُسْنَدِ أَخِي عَاصِمٍ) بِالْإِضَافَةِ وَالْمُسْنَدُ اسْمٌ لِأَخِي عَاصِمٍ وَهُوَ الْفَضْلُ أَبُو الْقَاسِمِ أَحَدُ الْحُفَّاظِ وَلَيْسَ بِالتَّنْوِينِ اسْمُ رَجُلٍ وَأَخِي عَاصِمٌ بَدَلٌ مِنْهُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي هَذَا الْمُسْنَدِ بَعْدَ التَّفْتِيشِ التَّامِّ فَلِذَلِكَ أَسْنَدَهُ الشَّارِحُ لَهُ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْحَدِيثُ كَثُرَ ذِكْرُهُ عَنْ أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَقَدْ وَقَعَ الْكَلَامُ فِيهِ قَدِيمًا بِدِمَشْقَ وَبِهَا الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ الْفِرْكَاحِ شَيْخُ الشَّافِعِيَّةِ إذْ ذَاكَ وَبَالَغَ فِي التَّنْقِيبِ عَلَيْهِ وَسُؤَالِ الْمُحَدِّثِينَ وَذَكَرَ فِي تَعْلِيقَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي الْبَابِ السَّادِسِ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَمْ أَجِدْ هَذَا اللَّفْظَ مَعَ شُهْرَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي كَامِلِ ابْنِ عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ جَعْفَرِ بْنِ فَرْقَدٍ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «رَفَعَ اللَّهُ عز وجل عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثَلَاثًا الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَالْأَمْرَ

ص: 21

الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» فَلِوُقُوعِهِمَا لَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِدُونِ تَقْدِيرِ الْمُؤَاخَذَةِ أَوْ الضَّمَانِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَقَدَّرْنَا الْمُؤَاخَذَةَ لِفَهْمِهَا عُرْفًا مِنْ مِثْلِهِ وَقِيلَ يُقَدَّرُ جَمِيعُهَا.

(وَالْعَطْفُ عَلَى الْعَامِّ) فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ وَقِيلَ يَقْتَضِيهِ لِوُجُوبِ مُشَارَكَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ قُلْنَا فِي الصِّفَةِ مَمْنُوعٌ مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ

ــ

[حاشية العطار]

يُكْرَهُونَ عَلَيْهِ» ، وَجَعْفَرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَبُوهُ ضَعِيفَانِ قُلْت ثُمَّ وَجَدَ رَفِيقُنَا فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْهَادِي الْحَنْبَلِيُّ الْحَدِيثَ بِلَفْظِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ الْفَضْلِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيِّ الْمُؤَذِّنِ الْمَعْرُوفِ بِأَخِي عَاصِمٍ وَذَكَرَهُ إلَى أَنْ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَاتٍ فِيهِ وَطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كُلُّهَا تَنْتَهِي إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَبِالْجُمْلَةِ الْأَمْرُ فِي الْحَدِيثِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ أَلْفَاظُهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامَانِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ، وَذَكَرَ الْخَلَّالُ مِنْ الْحَنَابِلَةِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ مَرْفُوعَانِ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةَ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا مَحَلَّ لِهَذَا الْكَلَامِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِهِ مَنْ زَعَمَ ارْتِفَاعَهُمَا عَلَى الْعُمُومِ فِي خِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابِ التَّكْلِيفِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ.

(قَوْلُهُ: فَلِوُقُوعِهِمَا) أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ الضَّمَانِ) فِيهِ أَنَّ الضَّمَانَ لَمْ يَرْتَفِعْ فَإِنَّ الْمُخْطِئَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ كَالْعُقُوبَةِ.

(قَوْلُهُ: فَقَدَّرْنَا) أَيْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ عُمُومِهِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى عُمُومِهِ.

(قَوْلُهُ: يُقَدَّرُ جَمِيعُهَا) أَيْ نُقَدِّرُ أَمْرًا يَشْمَلُ الْكُلَّ كَسَبَبِ الْخَطَأِ مَثَلًا

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي إلَخْ) حُمِلَ الْعَطْفُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ دُونَ الِاسْمِيِّ وَإِلَّا لَقَالَ لَا يَعُمُّ وَفِي الْكَلَامِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُتَعَلِّقِهِمَا لَا فِيهِمَا نَفْسِهِمَا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ حُرُوفِ الْعَطْفِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَحْرُفِ الْمُشْتَرَكَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ بَلْ وَلَكِنْ وَلَعَلَّهُ لِظُهُورِهِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَقْتَضِيهِ) قَائِلُهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْمَعْطُوفِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فَنَحْنُ نُقَدِّرُ فِي الْحَدِيثِ بِحَرْبِيٍّ ابْتِدَاءً وَهُمْ يُعَدِّدُونَ بِكَافِرٍ ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنْهُ غَيْرَ الْحَرْبِيِّ بِدَلِيلٍ وَقَدْ قَرَّرَ الشَّارِحُ ذَلِكَ وَهُوَ تَقْدِيرٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ التَّابِعِ لِلْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: مُشَارَكَةِ الْمَعْطُوفِ) أَيْ الْمُقَدَّرِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ وَهُوَ عَدَمُ الْقَتْلِ وَقَوْلُهُ وَصِفَتِهِ) وَهِيَ الْعُمُومُ أَيْ عُمُومُ الْكَافِرِ لِلْحَرْبِيِّ وَغَيْرِهِ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ مَا يَشْمَلُ، نَحْوَ الْحَال، ظَاهِرُ كَلَامِ الْبِرْمَاوِيِّ الشُّمُولُ وَفِي الْقَرَافِيِّ عَلَى التَّنْقِيحِ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ إلَّا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ دُونَ غَيْرِهِمَا قَالَ، وَلِذَلِكَ مَا جَاءَنِي أَحَدٌ ضَاحِكًا أَوْ لَا ضَاحِكًا لَيْسَ نَفْيًا لِلْأَحْوَالِ وَضَاحِكٌ مُثْبَتٌ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَحْوَالِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ إيجَابٍ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَاعِدَةِ أَنَّ النَّفْيَ إذَا دَخَلَ عَلَى كَلَامٍ مُقَيَّدٍ هَلْ يُنْصَبُ عَلَى الْقَيْدِ فَقَطْ أَوْ الْمُقَيَّدِ أَوْ هُمَا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرُوهُ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: قُلْنَا فِي الصِّفَةِ مَمْنُوعٌ) أَيْ وَإِنَّمَا الْمُشَارَكَةُ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَعْطُوفِ بِتَقْدِيرِ حَرْبِيٍّ وَقَدْ حَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فَقَالَ لَا يَجِبُ أَنْ يُضْمَرَ فِيهِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ مِمَّا يُمْكِنُ إضْمَارُهُ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ وَقِيلَ إنْ قُيِّدَ بِقَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يُضْمَرُ فِيهِ وَإِنْ أُطْلِقَ أُضْمِرَ فِيهِ كَذَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَعَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُخَصَّصُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ بِمَا فِي الْمَعْطُوفِ مِنْ الْخُصُوصِ إذَا كَانَ الْخُصُوصُ الْمَادَّةَ كَالْحَدِيثِ لَا، نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا وَعُمَرًا قَائِمًا فِي الدَّارِ لِأَجْلِ ذَلِكَ عُيِّبَ عَلَى مَنْ تَرْجَمَ الْمَسْأَلَةَ كَالْآمِدِيِّ بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ هَلْ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ شَامِلٌ لِمَا لَا إطْلَاقَ فِيهِ وَهُوَ مَا لَوْ قَالَ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ فَلَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يَقُولَ بِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ هُنَا الْعُمُومَ مَعَ كَوْنِ الْمَعْطُوفِ خَاصًّا وَلَا

ص: 22

«لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» قِيلَ يَعْنِي بِكَافِرٍ وَخُصَّ مِنْهُ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ قُلْنَا لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ يُقَدَّرُ بِحَرْبِيٍّ. (وَالْفِعْلُ الْمُثْبَتُ) بِدُونِ كَانَ (وَنَحْوُ كَانَ يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ) مِمَّا اقْتَرَنَ بَكَانِ فَلَا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ وَقِيلَ يَعُمُّهَا مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ بِلَالٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

وَالثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَعُمُّ الْأَوَّلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَلَا الثَّانِي جَمْعَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ إذْ لَا يَشْهَدُ اللَّفْظُ بِأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَجَمْعٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَرْضًا

ــ

[حاشية العطار]

نَحْنُ نَقُولُ فِيمَا إذَا قُدِّرَ عَامٌّ أَنَّهُ خَاصٌّ بِلَا دَلِيلٍ خَصَّصَهُ إنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالْمَسْأَلَةِ أَنَّ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ إذَا عُطِفَتْ عَلَى الْأُخْرَى وَكَانَتْ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي إضْمَارًا لِتَسْقِيمِ وَكَانَ نَظِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى عَامًّا هَلْ أَنْ يَجِبَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي عُمُومِهِ فَيُضْمَرَ عَامٌّ أَوْ لَا؟ إلَى أَنْ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ التَّرْجَمَةَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْعَامِّ بِأَنَّ هَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ اللَّقَبِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ لَا لِمُرَاعَاةِ قُيُودِهَا اهـ.

وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ قَدْ سَلَكَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ مَسْلَكًا آخَرَ فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ أَيْ فَإِنَّ بِكَافِرٍ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ يَخْتَصُّ بِالْحَرْبِيِّ فَهَلْ يَكُونُ تَخْصِيصًا لِلْعَامِّ الْأَوَّلِ بِهِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ أَيْ بَلْ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ أَوْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ وَلَا يَقْدَحُ عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَالثَّانِي قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَلَكِنْ هَذَا يَشْمَلُ مَا لَوْ صُرِّحَ فِي الثَّانِيَةِ بِحَرْبِيٍّ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي التَّصْوِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمُقَدَّرِ هَلْ يُقَدَّرُ عَامًّا أَوْ خَاصًّا وَمِمَّا يُضْعِفُ قَوْلَهُمْ أَنَّ كَوْنَ الْحَرْبِيِّ مُهْدَرًا مِنْ الْمَعْلُومِ بِالدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ قَتْلَ مُسْلِمٍ بِهِ فَحَمْلُ الْكَافِرِ فِي «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» عَلَيْهِ ضَعِيفٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ.

قَوْلُهُ «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» قِيلَ إنَّ فِي الْحَدِيثِ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ ذِي الْعَهْدِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ غِيلَةً أَوْ لَا وَعَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ يُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَهُ غِيلَةً نَظَرًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] إلَّا أَنْ يُجِيبَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرُ آحَادٍ فَلَا يُخَصِّصُ الْقَطْعِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَلَا ذُو عَهْدٍ) فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْكَلَامَ بِجُمْلَةٍ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي بِكَافِرٍ) أَيْ الْمُقَدَّرُ لَفْظَةُ بِكَافِرٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي مُتَعَلِّقِهِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: 285] .

(قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) عَلَى أَنَّ الْمُعَاهَدَ لَا يُقْتَلُ بِالْحَرْبِيِّ وَيُقْتَلُ بِالْمُعَاهَدِ وَالذِّمِّيِّ قَالُوا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَجَبَ أَنْ يُخَصَّ الْعُمُومُ الْمَذْكُورُ وَلَا لِيَتَسَاوَيَا فَيَصِيرَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِحَرْبِيٍّ. (قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى تَقْدِيرِهِ عَامًّا ثُمَّ يُخَصُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْحَرْبِيِّ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُقَدَّرُ بِحَرْبِيٍّ) فَفِيهِ كِفَايَةٌ لَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الْمُقَدَّرِ بِخِلَافِ تَقْدِيرِهِ عَامًّا فَإِنَّ السَّابِقَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِيهِ حَذْفٌ مَعَ تَخْصِيصٍ وَهَذَا حَذْفٌ فَقَطْ وَقَدْ وَافَقَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى مُدَّعَاهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ مُدَّعَاهُمْ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ بِحَرْبِيٍّ خَرَجَ عَنْ تَرْجَمَةِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ أَوْ يَقْتَضِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالْمِثَالُ الْمُوَافِقُ لَهَا أَنْ يُقَالَ مَثَلًا أَهَنْت الْكَافِرَ وَفَاسِقًا فَهَلْ فَاسِقًا عَامٌّ كَالْكُفْرِ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ .

(قَوْلُهُ: وَالْفِعْلُ الْمُثْبَتُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ كَالنَّكِرَةِ وَهِيَ لَا تَعُمُّ عُمُومًا شُمُولِيًّا فِي الْإِثْبَاتِ.

(قَوْلُهُ: بِدُونِ كَانَ) أَتَى بِهِ لِأَجْلِ عَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنْظُورَ لَهُ الْفِعْلُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِعُمُومِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَا كَانَ مَعَ كَانَ لِلْعُمُومِ لِمَا يَأْتِي أَنَّهُ يَكُونُ لِلتَّكْرَارِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَعُمُّ) ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ فَعَلَ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ مَعْهُودٍ

ص: 23

وَنَفْلًا وَالْجَمْعُ الْوَاحِدُ فِي الْوَقْتَيْنِ وَقِيلَ يَعُمَّانِ مَا ذُكِرَ حُكْمًا لِصِدْقِهِمَا بِكُلٍّ مِنْ قِسْمَيْ الصَّلَاةِ وَالْجَمْعِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ لِلتَّكْرَارِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ إسْمَاعِيلَ عليه الصلاة والسلام {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 55] وَقَوْلُهُمْ كَانَ حَاتِمٌ يُكْرِمُ الضَّيْفَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعُرْفُ (وَلَا الْمُعَلَّقُ بِعِلَّةٍ) فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ كُلَّ مَحَلٍّ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ (لَفْظًا لَكِنْ) يَعُمُّهُ (قِيَاسًا) وَقِيلَ يَعُمُّهُ لَفْظًا مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا فَلَا يَعُمُّ كُلَّ مُسْكِرٍ لَفْظًا وَقِيلَ يَعُمُّهُ لِذِكْرِ الْعِلَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَرَّمَتْ الْمُسْكِرَ (خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ) أَيْ الْعُمُومِ فِي الْمُقْتَضِي وَمَا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ) فِي حِكَايَةِ الْحَالِ (يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ) فِي الْمَقَالِ كَمَا فِي «قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ تَزَوَّجَهُنَّ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا

ــ

[حاشية العطار]

خَاصٍّ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى الْعُمُومِ.

(قَوْلُهُ: فَرْضًا وَنَفْلًا) وَلَا يَرِدُ حُصُولُ التَّحِيَّةِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ: فِي الْوَقْتَيْنِ) أَيْ وَقْتِ التَّقْدِيمِ وَوَقْتِ التَّأْخِيرِ فَالْعُمُومُ بَدَلِيٌّ. (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ حُكْمًا إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ الْعُمُومَ فِي الْحُكْمِ لَا فِي اللَّفْظِ أَيْ أَحَدُهُمَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَالْآخَرُ يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ لَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدُ لِصِدْقِهِمَا إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ لِصِدْقِهِمَا عَلَى الْبَدَلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ قِسْمَيْ الصَّلَاةِ) أَيْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَاضِي فَلَا تَدُلُّ مَعَهُ عَلَى تَكْرَارٍ وَأَشَارَ بِقَدْ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالَ قَلِيلٌ لُغَةً وَقَوْلُهُ آخِرًا وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعُرْفُ يُنَبِّهُ عَلَى كَثْرَتِهِ عُرْفًا وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لُغَةً مِنْ الْمُضَارِعِ لَا لِلتَّكْرَارِ كَقَوْلِ جَابِرٍ رضي الله عنه فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ فَتُذْبَحُ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ» ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُمْ مُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. (قَوْلُهُ: لِلتَّكْرَارِ) فِيهِ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُضَارِعِ لَا مِنْ كَانَ وَإِنَّمَا أُتِيَ بِهَا لِكَوْنِهِ أَمْرًا وَقَعَ فِيمَا مَضَى وَالتَّكْرَارُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ الْعُمُومُ هُنَا مِنْ قَرِينَةٍ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَةَ كَانَ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَهِيَ تُفِيدُهُ مَرَّةً فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّكْرَارِ مِنْ خَارِجٍ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا.

(قَوْلُهُ: جَرَى الْعُرْفُ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ عُرْفُ اللُّغَةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ وَيُحْتَمَلُ عُرْفُ غَيْرِ اللُّغَةِ قِيلَ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ إنْ كَانَ هَلْ تَقْتَضِي التَّكْرَارَ أَوْ لَا؟ فَقِيلَ تَقْتَضِيهِ لُغَةً وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ إنَّ قَوْلَ الرَّاوِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ كَذَا يُفِيدُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ كَثِيرًا تَكْثِيرَ الْفِعْلِ وَتَكْرِيرَهُ قَالَ تَعَالَى {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} [مريم: 55] الْآيَةَ أَيْ يُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّكْرَارِ الْعُمُومُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقِيلَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ عُرْفًا لَا لُغَةً قَالَ الْهِنْدِيُّ إنَّهُ الْأَظْهَرُ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يُفِيدُهُ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَاخْتَارَهُ فِي الْمَحْصُولِ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَجَعْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْخِلَافَ لَفْظِيًّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَانِعَ لِلْعُمُومِ يَنْفِي عُمُومَ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُثْبِتَ لَهَا إنَّمَا هُوَ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ وَهُوَ إجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَا اهـ.

وَنُظِرَ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا وَرَدَ مِثْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ فَالْقَائِلُ بِالْعُمُومِ يُعَمِّمُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى مَجِيءِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: لَفْظًا لَكِنْ قِيَاسًا) كِلَاهُمَا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالتَّقْدِيرُ وَلَا تَعْمِيمَ لَفْظِ الْمُعَلَّقِ لَكِنْ تَعْمِيمَ قِيَاسِهِ أَيْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يُنَافِي تَسْمِيَتَهُ عَقْلًا فِي قَوْلِهِ أَوْ عَقْلًا كَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا أَعَادَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْخِلَافِ فِي أَنَّ عُمُومَهُ وَضْعِيٌّ أَوْ قِيَاسِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لِذِكْرِ الْعِلَّةِ) فَدَلَّ ذِكْرُ الْعِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي حَقِيقَتِهِ

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ إلَخْ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ

ص: 24

فَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ لِامْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ فِي مَوْضِعِ التَّفْصِيلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ أَمْسِكْ بِابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فِي الْمَعِيَّةِ وَاسْتَمِرَّ عَلَى الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ فِي التَّرْتِيبِ

ــ

[حاشية العطار]

رضي الله عنه تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَلَهُ عِبَارَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَظَاهِرُ الْعِبَارَتَيْنِ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَعُمُّ الِاحْتِمَالَاتِ وَالثَّانِيَةَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَعُمُّهَا بَلْ هِيَ مِنْ الْمُجْمَلِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى عُمُومٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا الْقَرَافِيُّ بِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا ضَعُفَ الِاحْتِمَالُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا قَوِيَ وَبِحَمْلِ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ الِاحْتِمَالُ فِي مَحَلِّ الْحُكْمِ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي دَلِيلِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ وَلَا حَاصِلَ لِهَذَا الْجَمْعِ وَأَلْحَقَ حَمْلُ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ قَوْلٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُحَالُ عَلَيْهِ الْعُمُومُ وَالثَّانِيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم إذْ لَا عُمُومَ لَهُ فَمِنْ الْأَوَّلِ وَقَائِعُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ كَغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الشَّرْحِ وَقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ الثَّانِي خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ» فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَأَنْ يَكُونَ جَمْعًا صُورِيًّا بِأَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَصَلَّى الثَّانِيَةَ عَقِبَهَا أَوَّلَ وَقْتِهَا كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ كَانَ حَمْلُهُ عَلَى بَعْضِ الْأَحْوَالِ كَافِيًا وَلَا عُمُومَ لَهُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنَّ إضَافَةَ تَرْكٍ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَمِثْلُهُ إضَافَةُ الْحَالِ أَيْ تَرْكُ الشَّارِعِ طَلَبَ الِاسْتِفْصَالِ فِي حِكَايَةِ الشَّخْصِ الْحَالَ سَوَاءٌ كَانَ الْحَاكِي صَاحِبَ الْحَالِ أَوْ غَيْرَهُ، وَالْحِكَايَةُ الذِّكْرُ وَاللَّفْظُ كَقَوْلِ غَيْلَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي أَسْلَمْت عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ مُسْتَفْتِيًا فَلَفْظُهُ حَكَى بِهِ وَفِي حِكَايَةٍ مُتَعَلِّقٍ بِتَرْكٍ وَالْمَقَالُ الْقَوْلُ وَالتَّلَفُّظُ وَقَوْلُهُ نَزَلَ مَنْزِلَةَ إلَخْ الْعَامُّ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ جَوَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ أَمْسِكْ فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ وَأَنَّ الْجَوَابَ مَعَ تَرْكٍ إلَخْ وَفِي قَوْلِهِ يَنْزِلُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْعَامِّ الْمُصْطَلَحِ كَمَا عُلِمَ مِنْ حَدِّهِ السَّابِقِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ) وَهُوَ إمْسَاكُ أَرْبَعٍ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَقَوْلُهُ يَعُمُّ أَيْ عُمُومًا بَدَلِيًّا أَيْ أَمْسِكْ أَيَّ أَرْبَعٍ كَانَتْ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اسْتِغْرَاقِيًّا عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ أَرْبَعٍ صَالِحَةٌ لِلِاخْتِيَارِ وَلَكِنَّ الَّذِي يُمْسَكُ أَرْبَعٌ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: لَمَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ) الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ.

(قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْكَلَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ لِلْكَلَامِ.

(قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّ التَّفْصِيلِ) أَيْ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَيَكُونُ فِيهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ إلَخْ) تَأْوِيلُهُمْ لَا يُنَافِي هَذَا الْعُمُومَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلُوا الْإِمْسَاكَ بِالِابْتِدَاءِ فِي الْمَعِيَّةِ لَا فِي التَّرْتِيبِ فَهُوَ مِنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَقَدْ خَالَفَ فِي هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ اسْتَحْسَنَ مَقَالَةَ الشَّافِعِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ تَأْوِيلُ الْإِمْسَاكِ بِالِابْتِدَاءِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ سَرَفٌ وَمُجَاوَزَةُ حَدٍّ وَقِلَّةُ احْتِفَالٍ بِكَلَامِ الشَّارِعِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ لَفْظَ الْإِمْسَاكِ أَوَّلًا مُوجِبُهُ الِاسْتِدَامَةُ وَاسْتِصْحَابُ الْحَالِ.

وَالثَّانِي أَنَّ النَّقَلَةَ لَمْ يَنْقُلُوا تَجْدِيدَ الْعُقُودِ بَلْ رَوَوْا الْحِكَايَةَ رِوَايَةَ مَنْ يَسْتَرِيبُ أَنَّهُمْ اسْتَمَرُّوا فِي عَدَدِ الْإِسْلَامِ عَلَى مُنَاكَحَتِهِمْ فِيهِنَّ وَكَانَ الْمُخَاطَبُونَ عَلَى قُرْبِ عَهْدٍ وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَا يُخَاطِبُهُمْ إلَّا بِمَا يَقْرُبُ مِنْ أَفْهَامِهِمْ وَالتَّعْبِيرُ عَنْ ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ بِالْإِمْسَاكِ بَعِيدٌ جِدًّا نَاءٍ عَنْ الْمَحَامِلِ الظَّاهِرَةِ وَفِي الْقَصَصِ أَنَّهُمْ جَاءُوا سَائِلِينَ عَنْ الْفِرَاقِ أَوْ الْإِمْسَاكِ فَانْطَبَقَ جَوَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُؤَالِهِمْ وَأَمَّا أَمْرُ التَّرْتِيبِ فَيَدْفَعُهُ «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي أَسْلَمَ عَنْ أُخْتَيْنِ أَمْسِكْ أَيَّهُمَا شِئْت وَفَارِقْ

ص: 25

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَحْوَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] وَ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] (لَا يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ) مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِاخْتِصَاصِ الصِّيغَةِ بِهِ وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ لِأَنَّ أَمْرَ الْقُدْوَةِ أَمْرٌ لِأَتْبَاعِهِ مَعَهُ عُرْفًا كَمَا فِي أَمْرِ السُّلْطَانِ الْأَمِيرَ بِفَتْحِ بَلَدٍ أَوْ رَدِّ الْعَدُوِّ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِيمَا يَتَوَقَّفُ الْمَأْمُورُ بِهِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (نَحْوَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ يَشْمَلُ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام وَإِنْ اقْتَرَنَ بِقُلْ) وَقِيلَ لَا يَشْمَلُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ لِلتَّبْلِيغِ لِغَيْرِهِ (وَثَالِثُهَا التَّفْصِيلُ) إنْ اقْتَرَنَ بِقُلْ فَلَا يَشْمَلُهُ لِظُهُورِهِ فِي التَّبْلِيغِ وَإِلَّا فَلَا يَشْمَلُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ نَحْوَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ

ــ

[حاشية العطار]

الْأُخْرَى» «وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِبَعْضِهِمْ وَكَانَ أَسْلَمَ عَنْ خَمْسٍ اخْتَرْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ وَاحِدَةً قَالَ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ فَعَمَدْت إلَى أَقْدَمِهِمْ صُحْبَةً عِنْدِي فَفَارَقْتُهَا» اهـ. بِتَصَرُّفٍ

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ نَحْوَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأحزاب: 1] إلَخْ) الْمُرَادُ بِنَحْوِهِ مَا يُمْكِنُ إرَادَةُ الْأَئِمَّةِ مَعَهُ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِمْ وَلَا عَلَى عَدَمِ إرَادَتِهِمْ فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، نَحْوُ {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} [المائدة: 67] فَلَا تَدْخُلُ قَطْعًا أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِنْ خَصَائِصِهِ بِدَلِيلٍ فَكَذَلِكَ أَوْ أَمْكَنَ فِيهِ ذَلِكَ وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِمْ مَعَهُ، نَحْوُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1] الْآيَةَ فَيَدْخُلُونَ مَعَهُ قَطْعًا فَإِنَّ ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي طَلَّقْتُمْ وَطَلَّقْتُمُوهُنَّ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ مَعَهُ وَتَخْصِيصُهُ صلى الله عليه وسلم بِالنِّدَاءِ تَشْرِيفٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ إمَامُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ {اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] أَمْرٌ بِالتَّقْوَى مَعَ عِصْمَتِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَمْنَعُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعِصْمَةِ وَكَسْبِهَا بِاعْتِبَارِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّرَقِّي فِيهَا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْخِطَابَ لَهُ وَالْمُرَادُ عِنْدَهُ عَلَى حَدِّ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] لَا يُنَاسِبُ مَا الْكَلَامُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي التَّنَاوُلِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ أَمَّا اللَّفْظُ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ تَنَاوُلِهِ.

(قَوْلُهُ: لِاخْتِصَاصِ الصِّيغَةِ بِهِ) ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ تَقْتَضِي أَنَّ خِطَابَ الْمُفْرَدِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ وَإِذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ خَاصَّةً كَانَ الْأَمْرُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا مُخْتَصًّا بِهِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ) وَبِهِ قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إنَّ الْأَئِمَّةَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْخِطَابِ شُرَّعٌ وَلِهَذَا تَعَلَّقُوا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] فَالْخِطَابُ مُخْتَصٌّ بِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُمْ وَالْأُمَّةُ مُتَّبِعُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مُوجَبِهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي أَمْرِ السُّلْطَانِ الْأَمِيرَ) فَإِنَّ أَتْبَاعَ الْأَمِيرِ يَدْخُلُونَ مَعَهُ قَطْعًا.

(قَوْلُهُ: بِأَنَّ هَذَا) أَيْ تَنَاوُلَ الْأَتْبَاعِ.

(قَوْلُهُ: فِيمَا يَتَوَقَّفُ الْمَأْمُورُ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَعَلَى هَذَا فَنَحْوُ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ} [التوبة: 73] يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ (قَوْلُهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ) أَيْ مِمَّا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْعُمُومَاتِ الْمُتَنَاوِلَةِ لَهُ لُغَةً فَيَخْرُجُ مَا لَا يَتَنَاوَلُهُ، نَحْوُ يَا أَيُّهَا الْأُمَّةُ فَلَا يَشْمَلُهُ بِلَا خِلَافٍ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: يَشْمَلُ الرَّسُولَ) لِتَنَاوُلِهِ لَهُ لُغَةً وَلِأَنَّهُ مُرْسَلٌ لِنَفْسِهِ أَيْضًا فَسَقَطَ تَنْظِيرُ سم فِي تُنَالُ، نَحْوُ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الأعراف: 158] إذْ لَا يُعَدُّ فِي إخْبَارِهِ بِأَنَّهُ رَسُولٌ لِنَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَشْمَلُهُ مُطْلَقًا) فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الصِّيغَةِ قَالَ ابْنُ الْبُرْهَانِ وَذَهَبَتْ شِرْذِمَةٌ لَا يُؤْبَهُ بِهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْخِطَابِ وَهُوَ سَاقِطٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ وَوَضْعُ اللِّسَانِ حَاكِمٌ بِاقْتِضَاءِ التَّعْمِيمِ وَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ بِقَضَايَا التَّكْلِيفِ كَالْأُمَّةِ. (قَوْلُهُ: لِلتَّبْلِيغِ لِغَيْرِهِ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَهُ وَلِغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: لِظُهُورِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ جَمِيعَ مَا عَلَى لِسَانِهِ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِهِ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ قُلْ فَيَلْزَمُ عَدَمُ التَّنَاوُلِ فِي الْكُلِّ وَأَجَابَ سم بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَ الْمُقَدَّرُ كَالثَّابِتِ اهـ.

وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ وَكَانَ

ص: 26

(يَعُمُّ الْعَبْدَ) وَقِيلَ لَا يَعُمُّهُ لِصَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى سَيِّدِهِ شَرْعًا قُلْنَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ ضِيقِ الْعِبَادَاتِ (وَالْكَافِرَ) وَقِيلَ لَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ (وَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ) وَقْتَ وُرُودِهِ (دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ) وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ أَيْضًا لِمُسَاوَاتِهِمْ لِلْمَوْجُودِينَ فِي حُكْمِهِ إجْمَاعًا قُلْنَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ لَا مِنْهُ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ) وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ نَظَرَتْ امْرَأَةٌ فِي بَيْتِ أَجْنَبِيٍّ جَازَ رَمْيُهَا

ــ

[حاشية العطار]

التَّحْقِيقُ فِيهِ بَلَغَنِي مِنْ أَمْرِ رَبِّي كَذَا فَاسْمَعُوهُ وَعُوهُ وَاتَّبِعُوهُ.

(قَوْلُهُ: يَعُمُّ الْعَبْدَ) أَيْ شَرْعًا بِأَنْ يَكُونَ مُرَادًا مِنْ الْخِطَابِ الْعَامِّ لِتَنَاوُلِهِ إيَّاهُ لُغَةً.

(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ ضِيقِ الْعِبَادَاتِ) وَإِلَّا قُدِّمَتْ الْعِبَادَاتُ.

(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى عَدَمِ) وَهُوَ خِلَافُ الرَّاجِحِ كَمَا تَقَدَّمَ وَذِكْرُهُ هُنَا لِجَمْعِ النَّظَائِرِ وَخَرَّجَ بِالْفُرُوعِ الْأُصُولُ، نَحْوُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ آمِنُوا فَيَدْخُلُ اتِّفَاقًا.

(قَوْلُهُ: وَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَعُمُّ فَهُوَ مِنْ مَحَالِّ الْخِلَافِ وَلَمْ يُنَبِّهْ الشَّارِحُ فِي الْحَلِّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَعَادَتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُتَنَاوَلُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ عَلَى ذَلِكَ قَالَهُ الْكَمَالُ وَلَعَلَّ الْعُذْرَ فِي عَدَمِ تَقْدِيرِ الْأَصَحِّ أَنَّهَا لَوْ قُدِّرَتْ رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْمَوْجُودِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَهُمْ دَاخِلُونَ قَطْعًا وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَقِيقَةِ تَنَاوُلُهُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ وَتَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّرْحِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَوْجُودِينَ وَقْتَ الْخِطَابِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْجُودِينَ لِدُخُولِهِمْ لُغَةً فِي نَحْوِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَوْ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ تَوْجِيهَ الْخِطَابِ اللَّفْظِيِّ إلَى الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ لِكَوْنِهِ غَيْرَ فَاهِمٍ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْخِطَابُ النَّفْسِيُّ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْخِطَابِ النَّفْسِيِّ فِي الْأَزَلِ يَدْخُلُهُ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَالْكَلَامُ فِي خِطَابٍ لَفْظِيٍّ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْعَضُدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُتَّصِفَ بِصِفَةِ التَّكْلِيفِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ الْمَوْجُودَيْنِ فَأَوْلَى عَدَمُ تَنَاوُلِهِ لِلْمَعْدُومِ بِالْكُلِّيَّةِ وَنَازَعَهُ السَّعْدُ بِأَنَّ عَدَمَ تَوَجُّهِ التَّكْلِيفِ عَلَيْهِمَا بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ لَا يُنَافِي عُمُومَ الْخِطَابِ وَتَنَاوُلَهُ لَفْظًا.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ) أَيْ لُغَةً؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ النَّاسِ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمَوْجُودِينَ وَالْمَعْدُومِينَ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيبِ سَائِغٌ فَصِيحٌ لُغَةً قَالَهُ السَّعْدُ وَفِيهِ أَنَّ التَّغْلِيبَ مَجَازٌ وَالْكَلَامُ فِي التَّنَاوُلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمَوْضُوعَ لَهُ الْأَلْفَاظُ هِيَ الصُّوَرُ الذِّهْنِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْعَقْلِ وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ أَمْ لَا عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَنِعْمَ مَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ لَا شَكَّ أَنَّ خِطَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ وَبِآحَادِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ الْكَافَّةَ يَلْتَزِمُونَ مِنْ مُقْتَضَاهُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُخَاطَبُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِيمَا خُصَّ بِهِ أَهْلُ عَصْرِهِ وَكَوْنُ النَّاسِ شَرْعًا فِي الشَّرْعِ وَاسْتِبَانَةُ ذَلِكَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا شَكَّ فِيهِ وَكَوْنُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ مُخْتَصًّا بِالْمُخَاطَبِ مِنْ جِهَةِ اللِّسَانِ لَا شَكَّ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِعَدِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْمُخْتَلِفَاتِ وَالشِّقَّانِ جَمِيعًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

(قَوْلُهُ: فِي حُكْمِهِ إجْمَاعًا) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي التَّنَاوُلِ لَفْظًا.

(قَوْلُهُ: قُلْنَا بِدَلِيلٍ إلَخْ) أَيْ التَّسَاوِي بِدَلِيلٍ إلَخْ لَا التَّبَادُلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: لَا مِنْهُ) أَيْ مِنْ هَذَا النَّصِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْخِطَابِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ

(قَوْلُهُ: مَنْ الشَّرْطِيَّةَ) يَدُلُّ لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [النساء: 124] إذْ لَوْلَا تَنَاوُلُهَا لِلْأُنْثَى وَضْعًا لَمَا صَحَّ إنْ تَبَيَّنَ بِالْقِسْمَيْنِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ» الْحَدِيثَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَفَهِمَتْ دُخُولَ النِّسَاءِ فِي مَنْ الشَّرْطِيَّةِ وَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ حُرٌّ فَدَخَلَهَا الْإِمَاءُ عَتَقْنَ إجْمَاعًا وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ حَكَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَيُعْزَى لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَبُنِيَ عَلَيْهِ عَدَمُ قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ عِنْدَهُمْ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَالسُّنَنِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ بِالشَّرْطِيَّةِ

ص: 27

عَلَى الْأَصَحِّ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «مَنْ تَطَلَّعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ» وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُسْتَتَرُ مِنْهَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ) كَالْمُسْلِمِينَ (لَا يَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ ظَاهِرًا) وَإِنَّمَا يَدْخُلْنَ بِقَرِينَةٍ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورِ وَقِيلَ يَدْخُلْنَ فِيهِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي الشَّرْعِ مُشَارَكَتُهُنَّ لِلذُّكُورِ فِي الْأَحْكَامِ لَا يَقْصِدُ الشَّارِعُ بِخِطَابِ الذُّكُورِ قَصْرَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ

ــ

[حاشية العطار]

لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْصُولَةُ وَالِاسْتِفْهَامِيَّة فَتَخْصِيصُ مَوْضِعِ الْخِلَافِ بِهَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ التَّنَاوُلِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ إلَخْ أَيْ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ فَتَكُونُ مَنْ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَلَوْ قَالَ هُنَا عَلَى الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ عَلَى الثَّانِي كَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ بِنَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ لَكِنَّهُ أَرَادَ بِهِمَا الْجَوَازَ وَعَدَمَهُ فِي الْفِقْهِ وَلِهَذَا عَلَّلَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إلَخْ فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلْحُكْمِ الْفِقْهِيِّ لِمَا لَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَبْحَثِ الْأُصُولِيِّ وَإِلَّا لَقَالَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا تَتَنَاوَلُهَا.

(قَوْلُهُ: جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ) التَّقْيِيدُ بِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُكَسَّرِ فَقَدْ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ لَا يَدْخُلَ الْمُؤَنَّثُ وَأَمَّا مَا أُلْحِقَ بِالْجَمْعِ فَمِنْهُ مَا يَشْمَلُهَا قَطْعًا كَعِشْرِينَ وَمِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِنَاثُ قَطْعًا كَأَرَضِينَ وَسِنِينَ. (قَوْلُهُ: كَالْمُسْلِمِينَ) تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي نَحْوِ الرِّجَالِ فِيمَا وُضِعَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً لِانْتِفَائِهِ اتِّفَاقًا وَلَا فِي نَحْوِ النَّاسِ وَلَا نَحْوِ مَنْ وَمَا مِمَّا هُوَ مَوْضُوعٌ لِمَا يَعُمُّ الصِّنْفَيْنِ لِثُبُوتِهِ اتِّفَاقًا بَلْ فِيمَا مُيِّزَ فِيهِ بَيْنَ صِيغَةِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ بِعَلَامَةٍ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُغَلِّبُ فِيهِ الْمَذْكُورَ فَإِذَا أَرَادُوا الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُطْلِقُونَهُ وَيُرِيدُونَ الطَّائِفَتَيْنِ وَلَا يُفْرَدُ الْمُؤَنَّثُ بِالذِّكْرِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْمُسْلِمِينَ وَفَعَلُوا وَافْعَلُوا فَهَذِهِ الصِّيَغُ إذَا أُطْلِقَتْ هَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِيهَا كَمَا تَدْخُلُ عِنْدَ التَّغْلِيبِ أَوْ لَا؟ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ ظَاهِرًا وَفِي التَّمْهِيدِ إذَا وَقَفَ عَلَى بَنِي زَيْدٍ أَوْ أَوْصَى إلَيْهِمْ لَا يَدْخُلُ بَنَاتُهُ بِخِلَافِ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي هَاشِمٍ وَنَحْوِهِمَا فَتَدْخُلُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ بَنِي تَمِيمٍ اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ بِتَمَامِهَا وَلَوْ نِسَاءً فَالْمَقْصُودُ الْجِهَةُ وَفِيهِ أَيْضًا تَفْرِيعًا عَلَى نَحْوِ افْعَلُوا مَسْأَلَةُ الْوَاعِظِ الْمَشْهُورَةُ وَهِيَ أَنَّ وَاعِظًا طَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ فَقَالَ مُتَضَجِّرًا مِنْهُمْ طَلَّقْتُكُمْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ زَوْجَتَهُ كَانَتْ فِيهِمْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَفْتَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَالَ وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقْتُكُمْ لَفْظٌ عَامٌّ وَهُوَ يَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ بِالنِّيَّةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَى زَيْدٍ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ بِقَلْبِهِ لَا يَحْنَثُ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ زَوْجَتَهُ فِي الْقَوْمِ كَانَ مَقْصُودُهُ غَيْرَهَا.

(قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ) أَيْ تَبَعًا وَدَلِيلُهُ الْعَطْفُ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَإِنْ ادَّعَى الْخَصْمُ أَنَّ ذِكْرَهُنَّ لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِنَّ قُلْنَا فَائِدَةُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى وَسَكَتُوا عَنْ الْخَنَاثَى وَالظَّاهِرُ مِنْ تَعْرِيفِ الْفُقَهَاءِ دُخُولُهُمْ فِي خِطَابِ النِّسَاءِ فِي التَّغْلِيظِ وَالرِّجَالِ فِي التَّخْفِيفِ وَرُبَّمَا أُخْرِجُوا عَنْ الْقِسْمَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَدْخُلْنَ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَيُنْسَبُ لِلْحَنَابِلَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ لَكِنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ بَلْ بِالْعُرْفِ أَوْ بِعُمُومِ الْأَحْكَامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَكَلَامُ الْعَضُدِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدُّخُولَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ حَقِيقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ اهـ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ وَهُوَ مَجَازٌ.

(قَوْلُهُ: لَا يَقْصِدُ إلَخْ) إيقَاعُ الْمُضَارِعِ جَوَابًا لِلَمَّا يَتَمَشَّى عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عُصْفُورٍ أَوْ يُقَالُ إنَّهَا لَا جَوَابَ لَهَا إذْ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا التَّعْلِيقُ بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ الظَّرْفِيَّةِ فَلَا تَحْتَاجُ لِجَوَابٍ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ لَا يُقْصَدُ خَبَرُ أَنَّ وَلَمَّا مُتَعَلِّقٌ بِهِ.

(قَوْلُهُ: قَصْرَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْمَذْكُورِ بَلْ يَقْصِدُ مُطْلَقَ الْجَمَاعَةِ الشَّامِلَةِ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَبَحَثَ فِيهِ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْقَصْرِ غَايَةُ الْأَمْرِ السُّكُوتُ عَنْهُنَّ اهـ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقَصْرُ لَفْظًا بِأَنْ لَا يُرِيدَ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لَهُنَّ وَلَا بَيَانَ حُكْمِهِنَّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُرِيدُ بِاللَّفْظِ إلَّا الرِّجَالَ لَا قَصْرَ الْحُكْمِ فِي الْوَاقِعِ كَمَا هُوَ مَبْنَى بَحْثِ الشِّهَابِ

ص: 28

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ) بِحُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ (لَا يَتَعَدَّاهُ) إلَى غَيْرِهِ (وَقِيلَ يَعُمُّ) غَيْرَهُ (عَادَةً) لِجَرَيَانِ عَادَةِ النَّاسِ بِخِطَابِ الْوَاحِدِ وَإِرَادَةِ الْجَمْعِ فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ قُلْنَا مَجَازٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ خِطَابَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ بِيَا أَهْلَ الْكِتَابِ)، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] (لَا يَشْمَلُ الْأُمَّةَ) وَقِيلَ يَشْمَلُهُمْ فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُخَاطِبَ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (دَاخِلٌ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ إنْ كَانَ خَبَرًا)، نَحْوُ {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وَهُوَ سبحانه وتعالى عَالِمٌ بِذَاتِهِ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ) أَيْ وَخِطَابَ الِاثْنَيْنِ أَوْ خِطَابَ الْجَمَاعَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَفْظُ الْوَاحِدِ لَا مَفْهُومَ لَهُ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعَمُّ مِنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ مُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظٍ يَخْتَصُّ بِهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَتَحْرِيرُ الْكَلَامِ أَنَّ الْخِطَابَ الْخَاصَّ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ إنْ اقْتَرَنَ بِمَا يَخُصُّ ذَلِكَ الْوَاحِدَ فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ كَحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ فِي الْعَنَاقِ فِي الصَّحِيحَيْنِ «يُجْزِيك وَلَنْ يُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك» وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِصَاصِ فَفِيهِ مَذَاهِبُ الْأَوَّلُ عَدَمُ التَّنَاوُلِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ.

الثَّانِي: وَيُعْزَى لِلْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ عَامٌّ بِنَفْسِهِ وَكَلَامُ الْقَاضِي هُوَ عَامٌّ بِالشَّرْعِ لَا بِاللُّغَةِ الثَّالِثُ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَة أَنَّهُ إنْ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالٍ «كَقَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ وَاقَعْت أَهْلِي فِي رَمَضَانَ فَقَالَ أَعْتِقْ» كَانَ عَامًّا وَإِلَّا فَلَا، نَحْوُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ.

(قَوْلُهُ: لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ بَلْ الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِالْقِيَاسِ وَبِنَحْوِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَمَّا حَدِيثُ «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» فَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَلَيْسَ لَفْظِيًّا كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَعُمُّ غَيْرَهُ) لَمْ يُرِدْ الْعُمُومَ الْمُصْطَلَحَ بَلْ مُطْلَقَ التَّنَاوُلِ فَلَا يُقَالُ فِيهِ تَجُوزُ حَيْثُ جُعِلَ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْخِطَابِ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَلَمْ يَقُلْ وَقِيلَ يَتَعَدَّاهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَفْسِيرَ التَّعَدِّي هُنَا بِعُمُومِ غَيْرِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ إذْ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِهِ انْقِطَاعُهُ عَنْهُ وَتَعَلُّقُهُ بِغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ) أَمَّا مَا لَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ فَلَا يَعُمُّ قَطْعًا.

(قَوْلُهُ: قُلْنَا مَجَازٌ) أَيْ وَإِرَادَةُ الْجَمِيعِ فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ مَجَازٌ أَيْ وَالْكَلَامُ فِي التَّنَاوُلِ بِطَرِيقِ الْوَضْعِ وَالْحَقِيقَةِ

(قَوْلُهُ: خِطَابَ الْقُرْآنِ) أَيْ خِطَابَ الشَّارِعِ الْوَاقِعَ فِي الْقُرْآنِ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ) بِخِلَافِ مَا لَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ فَلَا يَعُمُّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى لِأَهْلِ بَدْرٍ {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا} [الأنفال: 69] قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الْمُسَوَّدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَلَفْظُهُ يَشْمَلُهُمْ إنْ شَرِكُوهُمْ فِي الْمَعْنَى وَإِلَّا فَلَا قَالَ ثُمَّ الشُّمُولُ هُوَ هُنَا هَلْ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ الْعُرْفِيَّةِ أَوْ الِاعْتِبَارِ الْعَقْلِيِّ فِيهِ الْخِلَافُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي اسْتِدْلَالُ الْأَئِمَّةِ بِمِثْلِ قَوْله تَعَالَى {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة: 44] الْآيَةَ فَإِنْ هَذِهِ الضَّمَائِرَ لِبَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْخِطَابِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَمَّا خِطَابُهُمْ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِمْ فَهِيَ مَسْأَلَةُ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي عُمُومِ خِطَابِهِ) أَيْ فِي عُمُومِ مُتَعَلِّقِ خِطَابِهِ.

(قَوْلُهُ: وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فِي هَذَا التَّمْثِيلِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ هُوَ مَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِكَلَامٍ يَصْلُحُ لِشُمُولِهِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْ لَا سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ خِطَابٌ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفِيدَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطَبِ وَإِفَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ لَهُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ الرَّأْيُ الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّهُ يَدْخُلُ الْمُخَاطِبُ تَحْتَ قَوْلِهِ وَخِطَابِهِ إذَا كَانَ اللَّفْظُ فِي الْوَضْعِ صَالِحًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَلَكِنَّ الْقَرَائِنَ هِيَ الْمُحَكَّمَةُ وَهِيَ غَالِبَةٌ جِدًّا فِي خُرُوجِ الْمُخَاطِبِ عَنْ حُكْمِ خِطَابِهِ وَاعْتَقَدَ بَعْضُ النَّاسِ خُرُوجَهُ عَنْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَالْوَضْعِ وَذَلِكَ مِنْ

ص: 29

وَصِفَاتِهِ (لَا أَمْرًا) كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَقَدْ أَحْسَنَ إلَيْهِ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْك فَأَكْرِمْهُ لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْآمِرَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ الْمُخْبِرِ وَقِيلَ يَدْخُلُ مُطْلَقًا نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ مُطْلَقًا لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْمُخَاطِبُ نَفْسَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الدُّخُولَ فِي الْأَمْرِ فِي مَبْحَثِهِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَ) الْأَصَحُّ

ــ

[حاشية العطار]

حُكْمِ اطِّرَادِ الْقَرَائِنِ وَغَلَبَتِهَا فَإِنَّ مَنْ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِدَرَاهِمَ مِنْ مَالِهِ فَقَالَ فِي تَقْيِيدِ مُرَادِهِ لِمَأْمُورِهِ مَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ فَحَكَمَتْ الْقَرَائِنُ وَجَرَتْ عَلَى قَضِيَّتِهَا وَاللَّفْظُ صَالِحٌ وَلَوْ قَالَ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ مَنْ وَعَظَك فَاتَّعِظْ وَمَنْ نَصَحَك فَاقْبَلْ نَصِيحَتَهُ فَلَا قَرِينَةَ تُخْرِجَ الْمُخَاطِبَ فَلَا جَرَمَ إذَا نَصَحَهُ كَانَ مَأْمُورًا بِقَبُولِ نَصِيحَتِهِ بِحُكْمِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: وَصِفَاتِهِ) زَادَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ الذَّاتُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ غَيْرًا فَلَا يُقَالُ الْأَوْلَى حَذْفُهُ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَالشَّارِحَ سَكَتَا عَنْ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْفَتْحِ هَلْ يَدْخُلُ فِي خِطَابِهِ أَوْ لَا وَلَا يَبْعُدُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي تَمْهِيدِهِ تَخْرِيجُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الْمُخَاطَبِ بِفَتْحِ الطَّاءِ كَقَوْلِهِ أَعْطِ هَذَا مَنْ شِئْت أَوْ وَكَّلْتُك فِي إبْرَاءِ غُرَمَائِي وَكَانَ الْمُخَاطَبُ مِنْهُمْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يُعْطِي نَفْسَهُ وَلَا يُبْرِئُهَا وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ أَمْرِ الْمُخَاطِبِ لَهُ وَمِنْهَا إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يَتَّجِرَ فِي مَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ إيجَارُ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي مِنْ نِسَائِي مَنْ شِئْت فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا أَمْ أَقَلُّ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَلَاثٌ غَيْرُهَا نَظَرٌ اهـ. (قَوْلُهُ: لَا أَمْرًا) أَيْ وَلَا نَهْيًا.

(قَوْلُهُ: لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْآمِرُ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَأَمَّا نَحْوُ مَنْ مَاتَ فَادْفِنْهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ.

(قَوْلُهُ: إلَّا بِقَرِينَةٍ) فَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ النَّوَوِيُّ إلَخْ) فَهِمَ الشَّارِحُ مِنْ ظَاهِرِهِ عَدَمَ دُخُولِ الْمُخَاطَبِ فِي خِطَابِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي الْإِنْشَاءِ بِقَرِينَةِ مَا عَلَّلَهُ بِهِ وَهُوَ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَا تَطْلُقُ بِقَوْلِهِ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَتَعَقَّبَهُ سم بِأَنَّ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ هُوَ ظَاهِرُهُ وَلَا صَارِفَ عَنْهُ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ الْقَرِينَةِ لَيْسَ بِقَرِينَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ عَطْفًا عَلَى مَنْقُولَاتٍ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ مَا نَصُّهُ وَإِنَّهُ لَوْ قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ هَلْ يَدْخُلُ فِي الْخِطَابِ قُلْت الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَكَذَا الْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَّا مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ اهـ.

وَفِي الرَّافِعِيِّ إذَا قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي لَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى نِسْوَةٍ لَمْ يُطَلَّقْنَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ حَتَّى إذَا أَشَارَ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَقَالَ طَلَّقْت هَذِهِ وَزَوْجَتِي لَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ وَتَعَقَّبَ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ بِقَوْلِ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ رضي الله عنه حِينَ وَقَفَ بِئْرَ رُومَةَ دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَافْتَقَرَ فَإِنَّ الرَّاجِحَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فَإِنَّهُ قَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَجَّحَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَدْخُلُ وَكَذَلِكَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِ وَمِنْهَا مَا إذَا قَالَ وَقَفْت عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ أَوْلَادِ أَبِي أَوْ أَفْقَهِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَكَانَ الْوَاقِفُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ صَحَّ وَصُرِفَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَإِنْ قُلْنَا يَدْخُلُ فَيُحْتَمَلُ الْقَوْلُ بِهِ هَاهُنَا أَيْضًا وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ الصِّحَّةُ وَيَكُونُ بُطْلَانُهُ فِي النَّفْسِ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى إخْرَاجِهَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ الْعُمُومَ فَإِنْ أَرَادَ مَا عَدَا نَفْسَهُ صَحَّ وَكَانَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يُفْتِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَعَمِلَ بِهِ فَإِنَّهُ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَفْقَهِ أَوْلَادِ أَبِيهِ وَبَقِيَ هُوَ يَتَنَاوَلُهُ، لِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ وَمَا صَدَرَ مِنْهُ

ص: 30

(أَنَّ نَحْوَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103] يَقْتَضِي الْأَخْذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ) وَقِيلَ لَا بَلْ يَمْتَثِلُ بِالْأَخْذِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ (وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) عَنْ تَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَالثَّانِي إلَى أَنَّهُ مِنْ مَجْمُوعِهَا

(التَّخْصِيصُ) مَصْدَرُ خَصَّصَ بِمَعْنَى خُصَّ (قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ) بِأَنْ لَا يُرَادَ مِنْهُ الْبَعْضُ الْآخَرُ

ــ

[حاشية العطار]

مَرْدُودٌ.

(قَوْلُهُ: أَنَّ نَحْوَ خُذْ إلَخْ) الْكَلَامُ فِي اللَّفْظِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الْآيَةُ قَامَتْ أَدِلَّةٌ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِالْأَمْوَالِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَنَظِيرُهُ مَا وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى فِيمَا لَوْ شُرِطَ عَلَى الْمُدَرِّسِ أَنْ يُلْقِيَ كُلَّ يَوْمٍ مَا تَيَسَّرَ مِنْ عُلُومٍ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ التَّفْسِيرُ وَالْأُصُولُ وَالْفِقْهُ هَلْ يَجِبُ أَنْ يُلْقِيَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ يُلْقِيَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهَا اهـ. فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ أَنْ يُلْقِيَ الْمُدَرِّسُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ لَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّصْحِيحِ وَجَعَلَ مِنْ فُرُوعِهَا أَيْضًا صِحَّةَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ كَالْخَيْلِ وَنَحْوِهِ

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) احْتِيجَ لَهُ بِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَهُوَ يَصْدُقُ بِبَعْضِ مَدْخُولِهَا وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّبْعِيضَ فِي الْعَامِّ إنَّمَا يُكَوَّمُ بِاعْتِبَارِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ. (قَوْلُهُ: إلَى أَنَّهُ مِنْ مَجْمُوعِهَا) الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَدْلُولَ الْجَمْعِ كُلٌّ لَا كُلِّيَّةٌ

(قَوْلُهُ: التَّخْصِيصُ) أَلْ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَعْلُومًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْجَمَةً فَيُعْرَبَ إعْرَابَهَا الْمَشْهُورَ أَوْ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى خُصَّ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي صِيغَةِ التَّفْصِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ غَيْرُ مُرَادٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الْفِعْلِ الصَّادِقِ بِمَرَّةٍ.

(قَوْلُهُ: قَصْرُ الْعَامِّ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ أَيْ قَصَرَ الشَّارِعُ الْعَامَّ وَالْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ حُكْمِ الْعَامِّ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْقَابِلُ لَهُ حُكْمٌ ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدِ وَالْمُرَادُ قَصْرُهُ ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ الشُّمُولِ لِيَشْمَلَ الْقِسْمَيْنِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ الشَّرْعِيَّ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ لَكِنْ قِيلَ كَانَ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ أَفْرَادِهِ بِالْغَالِبَةِ لِيَخْرُجَ النَّادِرَةُ وَغَيْرُ الْمَقْصُودَةِ فَإِنَّ الْقَصْرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَيْسَ تَخْصِيصًا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وَلِذَلِكَ ضَعُفَ تَأْوِيلُهُمْ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» بِحَمْلِهِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَوْ الْمَمْلُوكَةِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يُقْصَرُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ.

وَأَجَابَ عَنْهُ الْبِرْمَاوِيُّ بِأَنَّهُ مَعَ نُدُورِهِ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِذَلِكَ وَفِي الْبُرْهَانِ قَالَ قَائِلُونَ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ لَهُمْ لَيْسَتْ الصَّغِيرَةُ امْرَأَةً فِي حُكْمِ اللِّسَانِ كَمَا لَيْسَ الصَّبِيُّ رَجُلًا وَالْتَزَمُوا سُقُوطَ التَّأْوِيلِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ صَحِيحًا وَبَقِيَ مَوْقُوفَ النَّفَاذِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثُمَّ أَكَّدَ الْبُطْلَانَ بِتَكَرُّرِ الْبَاطِلِ ثَلَاثًا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَمَةِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ تَسْمِيَةُ الْأَمَةِ امْرَأَةً وَرُدَّ ذَلِكَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ نِكَاحَهَا صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّغِيرَةِ.

الثَّانِي: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ» وَمَهْرُ الْأَمَةِ لِمَوْلَاهَا وَزَعَمَ مَنْ يَدَّعِي التَّحْقِيقَ وَالتَّحَذُّقَ مِنْ مُتَأَخِّرَيْهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ وَاسْتَفَادُوا بِأَكْمَلَ عَلَيْهَا عَلَى زَعْمِهِمْ اسْتِحْقَاقَهَا الْمَهْرَ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أَعَمَّ الْأَلْفَاظِ إذْ أَدَوَاتُ الشَّرْطِ مِنْ أَعَمِّ الصِّيَغِ وَأَعَمُّهَا مَا وَأَيُّ فَإِذَا فُرِضَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ بَالِغًا فِي مُحَاوَلَةِ التَّعْمِيمِ إذَا ابْتَدَأَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم حُكْمًا وَلَمْ يُجْرِهِ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ وَلَمْ يُطَبِّقْهُ عَلَى حِكَايَةِ حَالٍ وَلَمْ يُصْدَرْ مِنْهُ حَلًّا لِلْإِعْضَالِ وَالْإِشْكَالِ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ بَلْ قَالَ مُبْتَدِئًا أَيُّمَا امْرَأَةٍ إلَخْ فَانْتَحَى أَعَمَّ الصِّيَغِ وَظَهَرَ مِنْ حَالِهِ قَصْدُ تَأْسِيسِ الشَّرْعِ بِقَرَائِنَ بَيِّنَةٍ فَمَنْ ظَنَّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ الْمُكَاتَبَةَ عَلَى حِيَالِهَا دُونَ الْحَرَائِرِ اللَّوَاتِي هَذِهِ الْغَالِبَاتُ وَالْمَقْصُودَاتُ فَقَدْ قَالَ مُحَالًا اهـ. بِاخْتِصَارٍ

(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يُرَادَ إلَخْ) صَادِقٌ بِأَنْ يُرَادَ عَدَمُ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْأُخَر وَصَادِقٌ بِحَالَةِ السُّكُوتِ عَنْ الْإِرَادَةِ وَمِنْ حَالَةِ إرَادَةِ الْمَقْصُودِ عَلَيْهِ فَقَطْ وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هَلْ الْمُسْتَثْنَى مَسْكُوتٌ عَنْهُ أَوْ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالنَّقِيضِ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ الْإِرَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِئَلَّا يُخَالِفَ مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ إلَخْ وَلِيُنَاسِبَ قَوْلَ الشَّارِحِ الْآتِي نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ إلَخْ فَإِنْ قِيلَ التَّخْصِيصُ فِي

ص: 31

وَيَصْدُقُ هَذَا بِالْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَعَدَلَ كَمَا قَالَ عَنْ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُسَمَّيَاتِهِ لِأَنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ وَاحِدٌ وَهُوَ كُلُّ الْأَفْرَادِ

ــ

[حاشية العطار]

كَلَامِ الشَّارِعِ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الطَّلَبِيِّ يُوهِمُ الْبَدْءَ وَفِي الْخَبَرِيِّ الْكَذِبَ قُلْنَا يَنْدَفِعُ الْوَهْمُ بِالْمُخَصِّصِ أَيْ وُرُودِ الْمُخَصِّصِ الْمُبَيِّنِ لِلْمُرَادِ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ ابْتِدَاءً وَأَيْضًا مُعَارَضٌ بِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، مِثْلَ {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] ، {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] حَتَّى صَارَ كَالْمِثْلِ قَوْلُهُمْ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ مِنْهُ إلَّا، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ.

(قَوْلُهُ: وَيَصْدُقُ هَذَا بِالْعَامِّ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَصْرُ الْعَامِّ إلَخْ صَادِقٌ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَقَطْ أَوْ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْحُكْمُ مَعًا وَكَانَ الْأَوْلَى فَيُصَدَّقُ بِالْفَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِأَنْ لَا يُرَادَ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَ وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَصْرِ الْعَامِّ قَصْرُ حُكْمِهِ لَا قَصْرُ لَفْظِهِ فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ فَيَخْرُجُ الْعَامُّ الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ فَإِنَّهُ قَصْرُ دَلَالَةِ الْعَامِّ لَا قَصْرُ حُكْمِهِ فَقَطْ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّارِحَ نَظَرَ إلَى الظَّاهِرِ وَالْبِرْمَاوِيِّ إلَى الْمَعْنَى فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ صَادِقٌ بِقَصْرِهِ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي لَهُ أَنَّهُ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَالنَّسْخُ لَيْسَ بَيَانًا بَلْ ابْتِدَاءَ حُكْمٍ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعْرِيفِ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ لَا يَخْفَاك أَنَّ بَعْضَ التَّعْرِيفِ إنَّمَا هُوَ بِبَعْضِ صُوَرِ النَّسْخِ وَهُوَ رَفْعُ الْحُكْمِ عَنْ بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَمَّا رَفْعُهُ عَنْ الْكُلِّ فَلَا.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ وَقَدْ اخْتَلَفَ شَارِحُو الْمُخْتَصَرِ فِي تَأْوِيلِ الْمُسَمَّيَاتِ فِي عِبَارَتِهِ فَحَمَلَهَا جُمْهُورُهُمْ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُسَمَّى وَحَمَلَهَا الْعَضُدُ عَلَى جُزَيْئَاتِ الْمُسَمَّى كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ حَوَاشِي الْمَوْلَى سَعْدِ الدِّينِ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى التَّعْبِيرِ بِالْأَفْرَادِ، وَأَفْرَادُ الْعَامِّ جُزَيْئَاتٌ فَاسْتَغْنَى عَنْ التَّأْوِيلِ قَالَهُ الْكَمَالُ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ تَضَمُّنٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ مُطَابَقَةٌ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّضَمُّنَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَنْتِجُ كَوْنُهُ مُطَابَقَةً، وَلِذَلِكَ اخْتَارَ الْعَلَّامَةُ النَّاصِرُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَضَمُّنٌ.

وَأُجِيبَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُسَمَّيَاتِ مَا صَحَّ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ وَهُوَ جُزْئِيَّاتُ الْمُسَمَّى وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَامَّ يُحْمَلُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَسَاوَى تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ

ص: 32

(وَالْقَابِلُ لَهُ) أَيْ لِلتَّخْصِيصِ (حُكْمٌ ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدٍ) لَفْظًا أَوْ مَعْنًى كَالْمَفْهُومِ نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ فِي الْحَقِيقَةِ الْحُكْمُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ بِمَا سَبَقَ فَالْمُتَعَدِّدُ لَفْظًا، نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وَخُصَّ مِنْهُ الذِّمِّيُّ وَنَحْوُهُ وَمَعْنًى كَمَفْهُومِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ وَخُصَّ مِنْهُ حَبْسُ الْوَلَدِ بِدَيْنِ الْوَالِدِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالْحَقُّ جَوَازُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (إلَى وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْعَامِّ جَمْعًا) كَمَنْ وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ (وَإِلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ) ثَلَاثَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَالْقَابِلُ لَهُ حُكْمٌ) أَيْ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ اللَّفْظِ فَصُدِقَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ وَاَلَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّارِحِ وَيَصْدُقُ بِالْعَامِّ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدٍ) أَيْ لَوْلَا التَّخْصِيصُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ مَعْنًى) أَيْ لَمْ يُنْطَقْ بِدَالِّهِ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ دُونَ الْمَعَانِي وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ نَبَّهَ بِهَذَا إلَخْ فَبَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّنْبِيهِ الثَّانِي عَلَى مَا قَرَّرَهُ لَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا أَشَارَ هُوَ إلَيْهِ آخِرَ اهـ.

(قَوْلُهُ نُبِّهَ بِهَذَا) أَيْ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمَخْصُوصَ فِي الْحَقِيقَةِ الْحُكْمُ) يَعْنِي فَالْإِخْرَاجُ مِنْ الْحُكْمِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ لَا مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْمُتَعَدِّدِ نَعَمْ سَيَأْتِي فِي التَّخْصِيصِ بِالِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ إسْنَادَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ أَوْلَى وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ نَحْوِ عَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً هَلْ الْإِسْنَادُ إلَى السَّبْعَةِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ لِلثَّلَاثَةِ أَوْ أَنَّ مَجْمُوعَ اللَّفْظِ يَصِيرُ دَالًّا إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ.

(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ) حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ لِمُتَعَدِّدٍ وَلَمْ يَقُلْ لِعَامٍّ أَوْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ وَالْقَابِلُ لَهُ حُكْمٌ فَالْمُرَادُ بِالْعَامِّ هُنَا مُطْلَقُ الْأَمْرِ الشَّامِلِ لِمُتَعَدِّدٍ لَكِنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ السَّابِقِ شَامِلًا لِمَا لَيْسَ عَامًّا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَالْمَفْهُومُ كَأَسْمَاءِ الْعَدَدِ فَتَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَمَا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمُصَنِّفِ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ قَدْ يُطْلَقُ اصْطِلَاحًا عَلَى قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا وَمَدْلُولِ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لَا أَنَّ لَهُ آحَادًا يَدْخُلُهَا التَّخْصِيصُ كَالْعَامِّ وَمَنَعَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَيْسَ كُلُّ إخْرَاجٍ تَخْصِيصًا اصْطِلَاحًا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ اصْطِلَاحًا فَرْعُ الْعُمُومِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً مَثَلًا لَا يُسَمَّى تَخْصِيصًا اصْطِلَاحًا اهـ. وَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَمْيَلُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: فَالْمُتَعَدِّدُ لَفْظًا) أَيْ فَالْمُتَعَدِّدُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ أَيْ بِالْمَنْطُوقِ وَقَوْلُهُ وَمَعْنًى أَيْ أَوْ الْمُتَعَدِّدُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى أَيْ الْمَفْهُومُ.

قَوْلُهُ كَمَفْهُومِ {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] هَذَا مِثَالٌ لِمَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَمِثَالُ الْمُخَالَفَةِ قَصْرُ مَفْهُومِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجُسْ» عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ النَّجَسُ مَيْتَةً لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ وَفِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ تَخْصِيصُهُ بِالرَّاكِدِ فَعَلَّلَهُ شَارِحُهُ الْبُدَخْشِيُّ بِأَنَّ الْجَارِيَ وَإِنْ كَانَ دُونَهُمَا لَا يَنْجُسْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي الْغَايَةِ الْقُصْوَى لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ أَوْ رِيحَهُ» فِي بِئْرِ بُضَاعَةَ وَكَانَتْ تَجْرِي فِي الْبَسَاتِينِ وَالْخَبَرُ الثَّانِي لِكَوْنِهِ دَالًّا بِمَنْطُوقِهِ رَجَحَ عَلَى الْأَوَّلِ الدَّالِّ بِالْمَفْهُومِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ جَائِزٌ) الرَّاجِحُ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ الْحَبْسِ كَالْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَالْحَقُّ جَوَازُهُ) أَيْ جَوَازُ انْتِهَائِهِ فَالْمُتَعَدِّي بِإِلَى هُوَ الْمُضَافُ الْمَحْذُوفُ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْمَخْصُوصُ وَأَمَّا الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: أَيْ التَّخْصِيصِ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَصِّصُ مُتَّصِلًا أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ: جَمْعًا) أَيْ نَصًّا فِي الْجَمْعِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ التَّمْثِيلُ بِمَنْ فَلَا يُقَالُ إنَّ مَنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْجَمْعِ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِيهِ لَيْسَ نَصًّا. (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ) فِي مَعْنَى الْجَمْعِ اسْمُ الْجَمْعِ كَنِسَاءٍ وَقَوْمٍ وَرَهْطٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَدَخَلَ تَحْتَ النَّحْوِ اسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ وَفِي اصْطِلَاحِ التَّوْضِيحِ وَشَرْحِهِ لِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ الْجَمْعِ وَبَاقِي مَعْنَاهُ كَالرَّهْطِ وَالْقَوْمِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَالْمُفْرَدُ كَالرَّجُلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْجَمْعُ يُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ كَالنِّسَاءِ فِي لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ إلَى الْوَاحِدِ وَالطَّائِفَةُ كَالْمُفْرَدِ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُهَا إلَى الْوَاحِدِ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ

ص: 33

(إنْ كَانَ) جَمْعًا كَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ (وَقِيلَ) يَجُوزُ إلَى وَاحِدٍ (مُطْلَقًا) نَظَرًا فِي الْجَمْعِ إلَى أَنَّ أَفْرَادَهُ آحَادٌ كَغَيْرِهِ (وَشَذَّ الْمَنْعُ) إلَى وَاحِدٍ (مُطْلَقًا) بِأَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا إلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ مُطْلَقًا (وَقِيلَ بِالْمَنْعِ إلَّا أَنْ يَبْقَى غَيْرُ مَحْصُورٍ) فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَبْقَى قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِهِ) أَيْ الْعَامِّ قَبْلَ التَّخْصِيصِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ وَالْأَخِيرَانِ مُتَقَارِبَانِ

ــ

[حاشية العطار]

حَمْلُهَا ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَلَى الْوَاحِدَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] اهـ. مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ جَمْعًا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِجَمْعِ الْقِلَّةِ وَيَتَقَيَّدَ انْتِهَاءُ التَّخْصِيصِ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ بِأَحَدَ عَشَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا فَرْقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ نَظَرًا لِمَا شَاعَ فِي الْعُرْفِ مِنْ إطْلَاقِ جَمْعِ الْكَثْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ امْتِنَاعُ الِانْتِهَاءِ إلَى مَا دُونَ أَقَلِّ الْجَمْعِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَفْرَادَ الْجَمْعِ الْعَامِّ آحَادٌ وَيُصَرَّحُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي نَظَرًا فِي الْجَمْعِ إلَى أَنَّ أَفْرَادَهُ آحَادٌ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْجَمْعِ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ جَمْعًا أَوْ لَا.

(قَوْلُهُ: نَظَرًا فِي الْجَمْعِ إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ رِعَايَةً لِلْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَجُوزَ إلَخْ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ وَشَذَّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ الْمَنْعُ إلَى وَاحِدٍ وَمَفْهُومَهُ الْجَوَازُ إلَى أَكْثَرَ وَقَدْ أَفَادَ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِمَا ذَكَرَهُ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَبْقَى غَيْرُ مَحْصُورٍ) غَيْرُ فَاعِلُ يَبْقَى فَهُوَ مَرْفُوعٌ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ كَمَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَثْرَةٌ يَعْسَرُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهَا.

(قَوْلُهُ: قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِهِ) قَدْ فَسَّرُوهُ بِمَا فَوْقَ النِّصْفِ وَلَا خَفَاءَ فِي امْتِنَاعِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يُعْلَمُ عَدَدُ أَفْرَادِ الْعَامِّ قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ خَالِدٍ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ مُقْتَضَى هَذَا عَدَمُ صِحَّةِ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ أَوْ النِّصْفِ وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي غَيْرَ مَحْصُورٍ وَمُقْتَضَى مَا قَبْلَهُ جَوَازُهُ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَخِيرَانِ مُتَقَارِبَانِ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُمَا مُتَبَايِنَانِ بِنَاءً عَلَى مَا أَصَّلَهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ بِمَا سَبَقَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَبْقَى غَيْرُ مَحْصُورٍ يَخْرُجُ الْمَحْصُورُ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَدْلُولِهِ أَمْ لَا وَقَوْلُهُ وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَبْقَى قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِهِ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَحْصُورًا فَالْمَحْصُورُ الْقَرِيبُ مِنْ الْمَدْلُولِ دَاخِلٌ عَلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ خَارِجٌ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا فَإِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ أَيْ الدَّالِّ عَلَى مُتَعَدِّدٍ فَإِنَّ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْمِائَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَبَايُنِهَا وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ فِي تَعْرِيفِ التَّخْصِيصِ هُوَ الْمُعَرَّفُ بِمَا سَبَقَ فَالْقَوْلَانِ مُتَّحِدَانِ وَعِبَارَتُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ مَدْلُولِهِ الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْصُورٍ فَإِنَّ الْعَامَّ هُوَ الْمُسْتَغْرِقُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَفِي سم أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ قَدْ يَكُونُ مُتَنَاوِلًا لِأَنْوَاعٍ كُلٌّ مِنْهَا لَا يَتَنَاهَى وَخُصَّ مِنْهُ إلَى أَنْ بَقِيَ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَامُّ لَفْظَ الْمَعْلُومَاتِ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ الْمَوْجُودُ خَارِجًا وَغَيْرَهُ وَخُصَّ مِنْهُ إلَى أَنْ بَقِيَ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ كَنَوْعِ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ االْمَوْجُودُ مِنْهُ وَغَيْرُهُ فَيُصَدَّقُ حِينَئِذٍ أَوَّلُهُمَا

ص: 34

(وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا) لِأَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ لَا يَشْمَلُهُ الْحُكْمُ نَظَرًا لِلْمُخَصِّصِ (وَ) الْعَامُّ (الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ لَيْسَ) عُمُومُهُ (مُرَادًا) لَا حُكْمًا وَلَا تَنَاوُلًا (بَلْ) هُوَ (كُلِّيٌّ) مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ أَفْرَادًا

ــ

[حاشية العطار]

دُونَ ثَانِيهِمَا إذْ النَّوْعُ الْبَاقِي غَيْرُ مَحْصُورٍ وَلَيْسَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدْلُولِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ فِي الْوَاقِعِ مِائَةً وَخُصَّ إلَى أَنْ بَقِيَ تِسْعُونَ مَثَلًا صُدِّقَ ثَانِيهِمَا دُونَ أَوَّلِهِمَا إذْ الْبَاقِي قَرِيبٌ مِنْ الْمَدْلُولِ وَهُوَ مَحْصُورٌ وَلَوْ كَانَ الْمَدْلُولُ فِي الْوَاقِعِ مِائَةَ أَلْفٍ وَخُصَّ إلَى أَنْ بَقِيَ ثَمَانُونَ أَلْفًا صُدِّقَا جَمِيعًا إذْ الْبَاقِي قَرِيبٌ مِنْ الْمَدْلُولِ وَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ فَكَيْفَ يَكُونَانِ مُتَغَايِرَيْنِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ فِي الْجُمْلَةِ بِمَعْنَى قَدْ يَتَقَارَبَانِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْعَامُّ إلَخْ) هَذَا الْمَبْحَثُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ لِلْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَأَنُّقَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

(قَوْلُهُ: عُمُومُهُ مُرَادٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّنَاوُلُ مُرَادًا مِنْ اللَّفْظِ كَانَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ قَطْعًا فَلَا يُنَاسِبُ حِكَايَةَ الْخِلَافِ بَعْدُ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا هُنَا بِاعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ لَهُ وَمَا يَأْتِي حِكَايَةً لِمَا لِأَهْلِ الْأُصُولِ أَوْ أَنَّ مَنْ الْتَفَتَ إلَى تُنَاوِلْهُ اللَّفْظَ قَالَ إنَّهُ حَقِيقَةٌ وَمَنْ الْتَفَتَ إلَى قَصْرِ الْحُكْمِ قَالَ مَجَازٌ.

(قَوْلُهُ: تَنَاوُلًا لَا حُكْمًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ عُمُومُ تَنَاوُلِهِ مُرَادٌ أَوْ عَنْ نَائِبِ الْفَاعِلِ أَيْ عُمُومُهُ مُرَادٌ تَنَاوُلُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِلنَّفْيِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَشْمَلُهُ حُكْمُ الْعَامِّ) وَإِنْ شَمِلَهُ اللَّفْظُ وَلِهَذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْعَامِّ مُتَّصِلًا. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلْمُخَصِّصِ) أَيْ تَبْيِينِ الْمُخَصِّصِ أَنَّ الْعَامَّ لَمْ يَشْمَلْهُ فَإِخْرَاجُ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ قَوْلِهِ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] مِنْ إبَاحَةِ الْقَتْلِ لَا مِنْ دَلَالَةِ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ حَقِيقَةً، مِثْلُ مَنْ أَجَازَ قَتْلَهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ طَرَأَ لَهُمْ وَصْفُ الذِّمَّةِ فَمَنَعَ جَوَازَ قَتْلِهِمْ. (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ صِيَغَ الْعَامِّ مِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ كَالْمَوْصُولَاتِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْفَرْدِ الْمُنْتَشِرِ كَالنَّكِرَةِ وَمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِمَجْمُوعِ الْآحَادِ كَرَهْطٍ وَقَوْمٍ وَرِجَالٍ وَنَحْوِهَا وَمِنْهُ لِجَمْعِ السَّالِمِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ وَقَوْلُ النُّحَاةِ أَنَّ مَعْنَى رِجَالٍ فُلَانٌ فُلَانٌ إلَى أَنْ يُسْتَوْعَبَ لِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي وَضْعِهِ لَا أَنَّهُ مِثْلُ الْمُتَكَرِّرِ نَفْسِهِ بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْكُلِّ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْعُمُومُ فِيهِ بِحَسَبِ

ص: 35

بِحَسَبِ الْأَصْلِ (اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ) أَيْ فَرْدٍ مِنْهَا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (كَانَ مَجَازًا قَطْعًا) نَظَرًا لِحَيْثِيَّةِ الْجُزْئِيَّةِ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173] أَيْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَثِيرٍ فِي تَثْبِيطِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُلَاقَاةِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} [النساء: 54] أَيْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجَمْعِهِ مَا فِي النَّاسِ مِنْ الْخِصَالِ الْجَمِيلَةِ وَقِيلَ النَّاسُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَفْدٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْعَرَبُ وَتَسَمَّحَ فِي قَوْلِهِ كُلِّيٌّ عَلَى خِلَافِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ كُلِّيَّةٌ.

(وَالْأَوَّلُ) أَيْ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ (الْأَشْبَهُ)

ــ

[حاشية العطار]

وَضْعِهِ الشَّخْصِيِّ وَالثَّانِي بِحَسَبِ وُقُوعِهِ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ أَوْ الشَّرْطِ مَثَلًا فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ وَالثَّالِثُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِثُبُوتِ قَاعِدَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ يَكُونُ بِكَيْفِيَّةِ كَذَا فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلدَّلَالَةِ بِنَفْسِهِ عَلَى مَعْنًى مَخْصُوصٍ يُفْهَمُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ تَعَيُّنِهِ لَهُ فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ صِيَغُ الْعُمُومِ كُلُّهَا دَالَّةً عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ تَعْرِيفُهُ السَّابِقُ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْإِفْرَادِيُّ فَإِذَا عَرَضَ تَرْكِيبٌ كَجَاءَ عَبِيدِي كَانَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ عَلَى حِدَتِهِ إذْ هُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَكُونُ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً ثُمَّ إنَّ هَذَا فِي الْمُرَكَّبِ الْخَبَرِيِّ ظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الْمُرَكَّبِ الْإِنْشَائِيِّ كَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ تَكُونُ الْكُلِّيَّةُ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ الْإِنْشَاءُ مِنْ الْخَبَرِ الْمُشْرِكُونَ مَطْلُوبٌ قَتْلُهُمْ مَثَلًا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَمَدْلُولُهُ كُلِّيَّةٌ نَظَرًا إلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ

وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَيْ الْعَامُّ فِي التَّرْكِيبِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ كُلِّيَّةً وَكَوْنُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ الْخَبَرِيِّ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ إلَخْ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ وُقُوعِهِ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً وَالْمَحْصُورَاتُ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مُرَادٌ مِنْهُ مَجْمُوعُ الْأَفْرَادِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ سَابِقًا إنَّ مُسَمَّى الْعَامِّ وَاحِدٌ أَوْ هُوَ كُلُّ الْأَفْرَادِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا دَلَالَةٌ مُطَابِقَةٌ وَمَا حَقَّقَهُ النَّاصِرُ هُنَاكَ أَنَّهَا تَضَمُّنِيَّةٌ فَإِنَّ الدَّلَالَةَ الْمُطَابِقِيَّةَ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ الْخَبَرِيِّ وَأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَضَايَا بِعَدَدِ أَفْرَادِهِ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَالتَّضَمُّنِيَّةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ حَيْثُ هُوَ جَمِيعُهَا لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَكُلٌّ مِنْهَا بَعْضُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا تَمَامُهُ فَيَكُونُ الْعَامُّ دَالًّا عَلَى الْفَرْدِ تَضَمُّنًا كَذَا وَجَّهَهُ النَّاصِرُ وَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ اُسْتُعْمِلَ فِي جُزْئِيٍّ يَجِبُ صَرْفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَامَّ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ الْكُلِّيَّةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُطْلَقِ فَرْقٌ بَلْ هُوَ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِ مِنْ قَبِيلِ الْكُلِّ وَبِالنَّظَرِ لِوُقُوعِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِي فِي تَرْكِيبٍ جُزْئِيٍّ تَنْتَظِمُ مِنْهُ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ وَهَذَا الِاعْتِبَارُ مُتَأَتٍّ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَلَبًا كَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِمَا سَبَقَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ غَيْرُ كُلِّيٍّ إلَخْ أَيْ شَبِيهٌ بِالْكُلِّيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ أَفْرَادًا فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْكُلِّيِّ فِيهِ مَجَازَ اسْتِعَارَةٍ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى مَا سَيَأْتِي مِنْ الْمُسَامَحَةِ.

(قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْأَصْلِ) وَأَمَّا بَعْدَ إرَادَةِ الْخُصُوصِ فَلَا. (قَوْلُهُ: أَيْ فَرْدٍ مِنْهَا) صَرْفٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَنْ ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُزْئِيَّ مَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الْكُلِّيُّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَرْدَ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ الْعَامُّ لِكَوْنِ مَدْلُولِهِ جَمِيعَ الْأَفْرَادِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْجُزْئِيُّ هُنَا مَجَازًا عَنْ الْفَرْدِ كَمَا أَنَّ إطْلَاقَ الْكُلِّيِّ عَلَى مَدْلُولِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ كُلِّيَّةٌ مَجَازٌ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: نَظَرًا لِحَيْثِيَّةِ إلَخْ) أَيْ بِمُلَاحَظَةِ الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ لَا مِنْ حَيْثُ تَحَقُّقُ الْكُلِّيِّ فِيهِ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لَوْ أُرِيدَ بِالْكُلِّيِّ وَالْجُزْئِيِّ حَقِيقَتُهُمَا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُلِّيَّةُ وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الِاحْتِرَازِ؛ لِأَنَّ الْكُلِّيَّةَ يُرَادُ بِهَا الْأَفْرَادُ وَكَانَ هَذَا الْقَائِلُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مَا شَاعَ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ إلَخْ بِالْعَامِّ هُنَا مَعَ أَنَّك إذَا تَأَمَّلْت وَجَدْت الْعَامَّ الَّذِي ذَكَرُوهُ مُخَالِفًا لِلْعَامِّ هُنَا فَإِنَّهُمْ يُمَثِّلُونَ لَهُ بِنَحْوِ الْإِنْسَانِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي زَيْدٍ مَثَلًا وَهُوَ لَيْسَ بِعَامٍّ هُنَا؛ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْمَاهِيَّةُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ الْمَعْنَى الْعَامُّ أَيْ الْكُلِّيُّ الَّذِي لَهُ أَفْرَادٌ كَإِنْسَانٍ.

(قَوْلُهُ: لِقِيَامِهِ إلَخْ) أَيْ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْعَامِّ لِهَذِهِ الْمَزِيَّةِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا عَنْ سَائِرِ الْأَفْرَادِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ إلَخْ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ مَارًّا عَلَى خِلَافِ مَا قَدَّمَهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ قَبْلَ التَّأْوِيلِ كَانَ تَنَاقُضًا.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ وَتَسَمَّحَ إلَخْ) وَجْهُ

ص: 36

أَنَّهُ (حَقِيقَةٌ) فِي الْبَعْضِ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ (وِفَاقًا لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ) وَالِدِ الْمُصَنِّفِ (وَالْفُقَهَاءِ) الْحَنَابِلَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لِلْبَعْضِ الْبَاقِي فِي التَّخْصِيصِ كَتَنَاوُلِهِ لَهُ بِلَا تَخْصِيصٍ وَذَلِكَ التَّنَاوُلُ حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقًا فَلْيَكُنْ هَذَا التَّنَاوُلُ حَقِيقِيًّا أَيْضًا (وَقَالَ) أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ حَقِيقَةٌ (إنْ كَانَ الْبَاقِي غَيْرَ مُنْحَصِرٍ) لِبَقَاءِ خَاصَّةِ الْعُمُومِ وَإِلَّا فَمَجَازٌ (وَقَوْمٌ) حَقِيقَةٌ (إنْ خُصَّ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ) كَصِفَةٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ لِأَنَّ مَا لَا يَسْتَقِلُّ جُزْءٌ مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهِ فَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ وَ (إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ تَنَاوُلِهِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ) أَيْ هُوَ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ الْبَعْضِ حَقِيقَةٌ وَبِاعْتِبَارِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ مَجَازٌ وَفِي نُسْخَةٍ بِاعْتِبَارِيٍّ بِلَا نُونٍ مُضَافًا وَهُوَ أَحْسَنُ (وَالْأَكْثَرُ مَجَازٌ مُطْلَقًا) لِاسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا

ــ

[حاشية العطار]

التَّسَمُّحِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ بَلْ هُوَ كُلِّيٌّ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ كُلِّيٌّ ثُمَّ أُخْرِجَ عَنْهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ قَبْلَ التَّرْكِيبِ جَمِيعُ الْأَفْرَادِ، وَفِي حَالَةِ التَّرْكِيبِ يَكُونُ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً وَقَوْلُ الْكَمَالِ وَتَبِعَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ كَوْنَ مَدْلُولِ الْعَامِّ كُلِّيَّةً إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ شُمُولِ الْحُكْمِ لِكُلِّ الْأَفْرَادِ وَإِذَا انْتَفَى هَذَا الشُّمُولُ كَانَ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْكُلِّيِّ فِي الْجُزْئِيِّ لَا مِنْ قَبِيلِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْكُلِّيَّةِ كَلَامٌ غَيْرُ مُحَرَّرٍ لِمَا سَمِعْت أَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ لَيْسَ مِنْ الْكُلِّيِّ فِي شَيْءٍ فَتَدَبَّرْ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ

(قَوْلُهُ: إنَّهُ حَقِيقَةٌ) قَدَّرَ لَفْظَةَ إنَّهُ لِيَصِحَّ الْحَمْلُ أَيْ الْأَشْبَهُ اتِّصَافُهُ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ حَذْفُ الْمَوْصُولِ الْحَرْفِيِّ وَبَعْضِ صِلَتِهِ وَهُوَ الْهَاءُ؛ لِأَنَّ صِلَتَهُ هُوَ حَقِيقَةٌ وَلَا نَظِيرَ لَهُ.

(قَوْلُهُ: لِلْبَعْضِ الْبَاقِي إلَخْ) فِيهِ أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ وَأَمَّا اللَّفْظُ فَمُسْتَعْمَلٌ فِي الْجَمِيعِ كَمَا قَدَّمَهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهُ وَمَا قَدَّمَهُ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَشْبَهِ.

(قَوْلُهُ: فِي التَّخْصِيصِ) أَيْ بِالْحُكْمِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَنَاوُلِهِ.

(قَوْلُهُ: كَتَنَاوُلِهِ لَهُ) أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ فِي أَنَّ اللَّفْظَ مُتَنَاوِلٌ لِلْجَمِيعِ وَعَامٌّ لَهَا فَيَرْجِعُ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكُلِّ وَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ أَنَّ اللَّفْظَ مَعَ غَيْرِهِ غَيْرُهُ فِي نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ إلَخْ) تَبِعَ فِي هَذَا النَّقْلِ وَالِدَهُ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الرَّازِيّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي جَمْعًا فَحَقِيقَةٌ وَإِلَّا فَمَجَازٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِهِ كَذَا نَقَلَ الْكَمَالُ فِي حَاشِيَتِهِ وَالشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ وَاَلَّذِي فِي التَّلْوِيحِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ حَقِيقَةٌ إنْ كَانَ الْبَاقِي غَيْرَ مُنْحَصِرٍ أَيْ لَهُ كَثْرَةٌ يَعْسَرُ الْعِلْمُ بِقَدْرِهَا وَإِلَّا فَمَجَازٌ اهـ.

فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلشَّارِحِ وَهُمَا أَدْرَى. (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ خَاصَّةِ الْعُمُومِ) وَهِيَ عَدَمُ الِانْحِصَارِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْعُمُومِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ مَحْصُورٍ.

(قَوْلُهُ: بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ) أَيْ بِمُخَصِّصٍ لَا يَسْتَقِلُّ فَإِنْ خُصَّ بِمَا يَسْتَقِلُّ مِنْ حِسٍّ أَوْ عَقْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَمَجَازٌ، نَحْوُ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] وَنَحْوُ {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] قَالَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ أَنَّ الْعَامَّ الْمُقَيَّدَ بِالصِّفَةِ مَثَلًا لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ إذْ لَوْ تَنَاوَلَهُ لَضَاعَتْ فَائِدَةُ الصِّفَةِ وَإِذَا كَانَ مُتَنَاوِلًا لَهُ فَقَطْ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْعَامِّ الْمُخَصَّصِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ فَإِنَّ لَفْظَهُ يَتَنَاوَلُ الْمُخْرَجَ عَنْهُ بِحَسَبِ اللُّغَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِلَّا لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ لَا يَسْتَقِلُّ) مَا وَافَقَهُ عَلَى مُخَصِّصٍ.

(قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ فَالْعُمُومُ فِي الْمُقَيَّدِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى مَا لَا يَسْتَقِلُّ وَأَمَّا مَا يَسْتَقِلُّ فَلَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْمُقَيَّدِ بِهِ فَلَيْسَ الْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ فَالْعُمُومُ فِي قَوْلِك أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الْفُقَهَاءَ فِي الصِّفَةِ أَيْ أَكْرِمْ جَمِيعَ الْفُقَهَاءِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَفِي قَوْلِك أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ جَاءُوا فِي الشَّرْطِ أَيْ أَكْرِمْ جَمِيعَ الْجَائِعِينَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَفِي أَكْرِمْ الْقَوْمَ إلَّا زَيْدًا أَيْ أَكْرِمْ الْقَوْمَ الْمُخْرَجَ مِنْهُمْ زَيْدٌ.

(قَوْلُهُ: تَنَاوُلِ الْبَعْضِ) أَيْ فِي ضِمْنِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ مِنْ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً.

(قَوْلُهُ: مَجَازٌ) أَيْ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَحْسَنُ) ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الِاخْتِصَارِ فِيهِ اسْتِغْنَاءٌ عَنْ حَذْفِ الْمُضَافِ إلَى التَّنَاوُلِ وَالِاقْتِصَارِ أَيْ اعْتِبَارِ تَنَاوُلِهِ وَاعْتِبَارِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّنَاوُلَ وَالِاقْتِصَارَ مُعْتَبَرَانِ لَا اعْتِبَارَانِ

ص: 37

وَالتَّنَاوُلُ لِهَذَا الْبَعْضِ حَيْثُ لَا تَخْصِيصَ إنَّمَا كَانَ حَقِيقِيًّا لِمُصَاحَبَتِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ (وَقِيلَ) مَجَازٌ (إنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ) لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ إخْرَاجُ مَا دَخَلَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمُسْتَثْنَى بِخِلَافِ غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يُفْهَمُ ابْتِدَاءً أَنَّ الْعُمُومَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ (وَقِيلَ) مَجَازٌ (إنْ خُصَّ بِغَيْرِ لَفْظٍ) كَالْعَقْلِ بِخِلَافِ اللَّفْظِ فَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ (وَ) الْعَامُّ (الْمُخَصِّصُ قَالَ الْأَكْثَرُ حُجَّةً) مُطْلَقًا لِاسْتِدْلَالِ الصَّحَابَةِ بِهِ مِنْ نَكِيرٍ.

(وَقِيلَ إنْ خُصَّ بِمُعَيَّنٍ)، نَحْوُ أَنْ يُقَالَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ الْمُبْهَمِ، نَحْوُ إلَّا بَعْضَهُمْ إذْ مَا مِنْ فَرْدٍ إلَّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْرَجَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى فَرْدٌ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمُبْهَمِ غَيْرُ حُجَّةٍ مَدْفُوعٌ بِنَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ وَغَيْرِهِ الْخِلَافَ فِيهِ مَعَ تَرْجِيحِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِيهِ (وَقِيلَ) حُجَّةٌ إنْ خُصَّ (بِمُتَّصِلٍ) كَالصِّفَةِ لِمَا تَقَدَّمَ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَالتَّنَاوُلُ لِهَذَا الْبَعْضِ) رَدٌّ لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي.

(قَوْلُهُ: لِمُصَاحَبَتِهِ إلَخْ) إنْ أَرَادَ الْمُصَاحَبَةَ فِي الْحُكْمِ فَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهَا تَنَاوُلُ اللَّفْظِ وَإِنْ أُرِيدَ مِنْ حَيْثُ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ لَهُ فَفِيهِ أَنَّ هَذَا يَقُولُ بِهِ الْأَوَّلُ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ. (قَوْلُهُ: تَبَيَّنَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لَا اللَّفْظُ وَإِلَّا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا.

(قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى غَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الصِّفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ فَالْعُمُومُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَيْ إلَى اللَّفْظِ.

(قَوْلُهُ: حُجَّةً) أَيْ فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّارِحِ بَعْدُ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا الْإِطْلَاقُ هُنَا فِي مُقَابَلَةِ التَّفْصِيلِ اللَّاحِقِ فِي الْأَقْوَالِ الْآتِيَةِ وَفِيمَا يَأْتِي فِي الْقَوْلِ السَّادِسِ فِي مُقَابَلَةِ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَهُوَ مَا فُسِّرَ بِهِ هُنَا الْإِطْلَاقُ.

(قَوْلُهُ: لِاسْتِدْلَالِ الصَّحَابَةِ) أَيْ بَعْضِهِمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِمَّنْ لَمْ يَسْتَدِلَّ فَهُوَ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ خُصَّ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى هَذَا كَمَا فِي التَّحْرِيرِ نَقَلَهُ الْكَمَالُ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّعْيِينُ بِالنَّوْعِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا بَعْضَهُمْ) إنْ قُلْت إنَّ لَفْظَةَ بَعْضٍ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] إلَّا كُلَّ بَعْضٍ مِنْهُمْ فَلَا تَقْتُلُوهُمْ.

وَالْجَوَابُ مَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَخْصِيصُ ادِّعَاءِ ذَلِكَ مَا لَمْ تَدْعُ لِلْعُمُومِ ضَرُورَةٌ، نَحْوُ {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55] لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُفَضَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ فَتَفُوتُ الْأَفْضَلِيَّةُ لِلْبَعْضِ فَإِنْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ لِلْعُمُومِ فَهُوَ عَامٌّ، نَحْوُ {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [العنكبوت: 25] {فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} [سبأ: 42]{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 50] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَبْقَى) فَرْضُ هَذَا الْجَوَابِ غَيْرُ دَافِعٍ لِدَلِيلِ الْأَوَّلِ إذْ حَاصِلُ الدَّلِيلِ أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ يَكُونُ هُوَ الْبَعْضَ الْمُخْرَجَ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ فِي فَرْدٍ وَاحِدٍ فَضْلًا عَنْ أَكْثَرَ لِقِيَامِ الِاحْتِمَالِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ فَالِاحْتِمَالُ الْمَانِعُ إنَّمَا هُوَ فِي خُصُوصِيَّاتِ الْأَفْرَادِ لَا فِي كَمِّيَّتِهَا فَبَقَاءُ وَاحِدٍ بَلْ بَقَاءُ جَمِيعِهَا إلَّا وَاحِدًا لَا يَرْفَعُ الِاحْتِمَالَ فَلْيُتَأَمَّلْ قَالَهُ النَّاصِرُ وَرَدَّهُ سم بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا لِبَعْضِهِمْ مَثَلًا دَلَّ قَطْعًا عَلَى خُرُوجِ الْبَعْضِ ثُمَّ يُحْتَمَلُ تَعَدُّدُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَاعْتِبَارُ خُصُوصِيَّةٍ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ ذَلِكَ فَخُرُوجُ بَعْضٍ مَا مُحَقَّقٌ وَكَوْنُ الْخَارِجِ مُتَعَدِّدًا أَوْ مَخْصُوصًا فِي الْوَاقِعِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَعَمِلْنَا بِالْمُحَقَّقِ وَأَلْغَيْنَا الْمُحْتَمَلَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْعَامِّ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهَا فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْ ظُهُورِ الْعَامِّ فَعَمِلْنَا بِالْمُحَقَّقِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْهُ وَطَرَحْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، هَذَا مَقْصُودُ الْمُجِيبِ وَإِنْ أَجْمَلَ فِي الْعِبَارَةِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمُبْهَمِ) أَيْ مَعَ الْمُبْهَمِ أَيْ مَعَ التَّخْصِيصِ بِهِ فَفِي هُنَا وَفِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ وَلَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ فِي الْمُبْهَمِ مَا ضَرَّهُ إذْ الْكَلَامُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: غَيْرُ حُجَّةٍ) كَأَنَّهُ لِسِرَايَةِ الْإِبْهَامِ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِنَقْلِ ابْنِ بَرْهَانٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا نُقِلَ عَنْ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: مَعَ تَرْجِيحِهِ) أَيْ ابْنِ بَرْهَانٍ قَالَ فِي تَوْجِيهِهِ؛ لِأَنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى فَرْدٍ شَكَكْنَا فِيهِ

ص: 38

فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ مِنْ أَنَّ الْعُمُومَ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ بِهِ غَيْرُ مَا ظَهَرَ فَيُشَكُّ فِي الْبَاقِي (وَقِيلَ) هُوَ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي (إنْ أَنْبَأَ عَنْهُ الْعُمُومُ)، نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فَإِنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الْحَرْبِيِّ لِتَبَادُرِ الذِّهْنِ إلَيْهِ كَالذِّمِّيِّ الْمُخْرَجِ بِخِلَافِ مَا لَا يُنْبِئُ عَنْهُ الْعُمُومُ، نَحْوُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فَإِنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ السَّارِقِ لِقَدْرِ رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا عَنْ حِرْزٍ مِثْلِهِ كَمَا لَا يُنْبِئُ عَنْ السَّارِقِ لِغَيْرِ ذَلِكَ الْمُخْرَجِ إذْ لَا يُعْرَفُ خُصُوصُ هَذَا التَّفْصِيلِ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ فَالْبَاقِي فِي نَحْوِ ذَلِكَ يُشَكُّ فِيهِ بِاحْتِمَالِ اعْتِبَارِ قَيْدٍ آخَرَ (وَقِيلَ) هُوَ حُجَّةٌ (فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ) ثَلَاثَةٍ أَوْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَمَا عَدَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ قَدْ تَقَدَّمَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ الْجَمْعِ مُطْلَقًا

(وَقِيلَ غَيْرُ حُجَّةٍ مُطْلَقًا) لِأَنَّهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ بِغَيْرِ مَا ظَهَرَ يُشَكُّ فِيمَا يُرَادُ مِنْهُ فَلَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِقَرِينَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْخِلَافُ إنْ لَمْ نَقُلْ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فَإِنْ قُلْنَا ذَلِكَ اُحْتُجَّ بِهِ جَزْمًا

ــ

[حاشية العطار]

هَلْ هُوَ مِنْ الْمُخْرَجِ أَمْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَيُعْمَلُ بِهِ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى فَرْدٌ اهـ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ تَرْجِيحُهُ هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْ أَنْ الْمُخَصَّصَ بِمُعَيَّنٍ حُجَّةٌ وَالْمُخَصَّصَ بِمُبْهَمٍ لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ مَا قُصِدَ مِنْهُ بِالتَّخْصِيصِ فَمَا مِنْ فَرْدٍ إلَّا وَهُوَ مُحْتَمَلُ الْإِرَادَةِ فَصَارَ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِمَا ذُكِرَ مُجْمَلًا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ وَعَلَى هَذَا مَشَى الْبِرْمَاوِيُّ فِي النُّبْذَةِ وَالْأَلْفِيَّةِ وَشَرْحِهَا اهـ. مِنْ الْكَمَالِ.

(قَوْلُهُ: فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذَا اُخْتُصَّ بِمُتَّصِلٍ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ) عِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ فَإِنْ خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ كَالْحِسِّ وَالْعَقْلِ فَهُوَ مُجْمَلٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً (قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي خُصَّ بِمُنْفَصِلٍ، نَحْوُ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ لَيْسَ حُجَّةً فِي الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِهَذَا الْمُنْفَصِلِ لِجَوَازِ أَنْ يُخَصَّ بِمُنْفَصِلٍ آخَرَ غَيْرَ هَذَا الْمُنْفَصِلِ الَّذِي ظَهَرَ وَهُوَ لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ وَالْعِبَارَةُ لَا تُفِيدُ الْمُرَادَ فَلَوْ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ بِغَيْرِ مَا ظَهَرَ إلَخْ لَكَانَ أَوْضَحَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الضَّمِيرَ فِي بِهِ الْعَائِدَ عَلَى الْمُنْفَصِلِ مُرَادٌ بِهِ جِنْسُ الْمُنْفَصِلِ لَا الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ خُصَّ أَيْ أُخْرِجَ بِمُنْفَصِلٍ آخَرَ غَيْرَ مَا أُخْرِجَ بِهَذَا الْمُنْفَصِلِ الْمَذْكُورِ أَوْ تُجْعَلَ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ وَضَمِيرُ بِهِ لِلْعَامِّ وَالْمَعْنَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُخْرِجَ مِنْ الْعَامِّ غَيْرُ مَا ظَهَرَ.

(قَوْلُهُ: فِي الْبَاقِي) قَدَّرَهُ لِيَعُودَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي أَنْبَأَ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: يُنْبِئُ عَنْ الْحَرْبِيِّ) بِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا لِلْقِتَالِ وَالْمُحَارَبَةِ.

(قَوْلُهُ: كَالذِّمِّيِّ الْمُخْرَجِ) يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي مُطْلَقِ الْإِنْبَاءِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَشَدَّ أَوْ الْمَعْنَى كَمَا يُنْبِئُ عَنْ الذِّمِّيِّ مِنْ حَيْثُ إخْرَاجُهُ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِمُشْتَقٍّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ.

(قَوْلُهُ: فَالْبَاقِي فِي نَحْوِ ذَلِكَ) أَيْ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ وَالسَّارِقَةُ مِمَّا لَا يُنْبِئُ الْعُمُومُ فِيهِ عَنْ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ يُشَكُّ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَاقِي بَلْ هُوَ بِجُمْلَتِهِ بَاقٍ عَلَى الْحُكْمِ قَبْلَ التَّخْصِيصِ أَوْ لَيْسَ بِجُمْلَتِهِ بَاقِيًا إذْ يُحْتَمَلُ عَقْلًا وُرُودُ مُخَصِّصٍ آخَرَ يُقَيِّدُ بِقَيْدٍ آخَرَ يَخْرُجُ بِهِ بَعْضٌ آخَرُ وَمَعَ هَذَا الشَّكِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْعَامُّ حُجَّةً فِي الْبَاقِي اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: قَيْدٍ آخَرَ) كَكَوْنِهِ لَا شُبْهَةَ فِيهِ لِلسَّارِقِ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: فِي أَقَلِّ الْجَمْعِ) أَيْ يُحْتَجُّ بِهِ عَنْ أَقَلِّ الْجَمْعِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ) فَلَا يَتَبَيَّنُ مَا يُرَادُ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ جَمْعًا أَمْ لَا.

(قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يُشَكُّ الَّذِي هُوَ خَبَرٌ لِأَنَّ.

(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ مَا ظَهَرَ) أَيْ مِنْ الْمُخَصَّصَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَالْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ) أَيْ ثَابِتٌ يَعْنِي أَنَّ الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ مَجَازٌ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَهُوَ حُجَّةٌ جَزْمًا وَهَذَا فِي الْمُخَصَّصِ بِمُعَيَّنٍ لَا فِي الْمُخَصَّصِ بِمُبْهَمٍ كَمَا فُهِمَ مِمَّا مَرَّ اهـ.

كَمَالٌ وَنَظَرَ فِيهِ سم بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ نَفَى الْحُجَّةَ مُطْلَقًا مَوْجُودٌ بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَيْضًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ بَحْثِهِ كَمَا يُفْهِمُهُ تَعْبِيرُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِقَوْلِهِ يُشْبِهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ مَجَازٌ وَإِنَّ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ احْتَجَّ بِهِ هُنَا لَا مَحَالَةَ

ص: 39

(وَيُتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ) اتِّفَاقًا كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ) وَمَنْ تَبِعَهُ فِي قَوْلِهِ لَا يُتَمَسَّكُ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ لِاحْتِمَالِ الْمُخَصِّصِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مُنْتَفٍ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ إذْ ذَاكَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ مِنْ الْوَقَائِعِ وَهُوَ قَطْعِيُّ الدُّخُولِ لَكِنَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَمَا نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَدْفُوعٌ بِحِكَايَةِ الْأُسْتَاذِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ الْخِلَافَ فِيهِ وَعَلَيْهِ جَرَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ وَمَالَ إلَى التَّمَسُّكِ قَبْلَ الْبَحْثِ وَاخْتَارَهُ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاخْتَصَرَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي النَّقْلِ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَلَى الْمُخَصِّصِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَوْ اقْتَضَى الْعَامُّ عَمَلًا مُؤَقَّتًا وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الْبَحْثِ هَلْ يُعْمَلُ بِالْعُمُومِ احْتِيَاطًا أَوْ لَا خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَذَكَرَهُ هُنَا أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَثَالِثُهَا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ ثُمَّ تَرَكَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (ثُمَّ يَكْفِي فِي الْبَحْثِ) عَلَى قَوْلِ ابْنُ سُرَيْجٍ (الظَّنُّ) بِأَنْ لَا مُخَصِّصَ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فِي قَوْلِهِ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: وَيُتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ) أَيْ يُعْمَلُ بِهِ وُجُوبًا أَوْ جَوَازًا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ حَتَّى لَوْ وَرَدَ الْعَامُّ عَلَى سَبَبٍ مُخَصَّصٍ عُمِلَ بِهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ السَّبَبِ دَاخِلَةٌ قَطْعًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ وَرَدَ لِأَجْلِهَا فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا مِنْ الْعَامِّ أَوْ ظَنًّا عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيًّا يُحْتَمَلُ النَّسْخُ وَيُحْتَمَلُ التَّخْصِيصُ حَتَّى بِإِخْرَاجِ صُورَةِ السَّبَبِ فَيَكُونُ ظَنًّا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْأَصْلَ) أَيْ الْمُسْتَصْحَبَ.

(قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْوَاقِعِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ مِنْ الْوَقَائِعِ.

(قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ ثَابِتٌ وَقَوْلُهُ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ نَعْتٌ لِلتَّمَسُّكِ أَيْ الْآتِي بِحَسَبِ الْوَاقِعِ أَيْ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ لَا اعْتِبَارِ الْوَضْعِ وَقَوْلُهُ وَهُوَ عَائِدٌ إلَى مَأْثَمَ لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ التَّمَسُّكِ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ الْوَقَائِعِ فِي حَيَاتِهِ وَدُونَ التَّمَسُّكِ بِمَا وَرَدَ لَا عَلَى وَاقِعَةٍ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم.

(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حِكَايَةِ الْخِلَافِ جَرَى إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ التَّمَسُّكُ بِالْعَامِّ قَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ أَيْ فَهُوَ الْمُخَالِفُ لِابْنِ سُرَيْجٍ وَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ أَنَّ حِكَايَةَ الْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِ أَيْ كَالْغَزَالِيِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَدْفُوعٌ بِحِكَايَةِ الْأُسْتَاذِ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الْخِلَافَ فِيهِ يُقَالُ عَلَيْهِ إنَّهُمَا إنَّمَا حَكَيَاهُ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَمَنْ حَكَى الِاتِّفَاقَ لَمْ يَعْتَدَّ بِقَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ مَبَاحِثِ الْعُقَلَاءِ وَمُضْطَرِبِ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ صَدَرَ عَنْ غَبَاوَةٍ وَاسْتِمْرَارٍ فِي عِنَادٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا النَّقْلَ عَنْ الْبُرْهَانِ سَابِقًا فَقَوْلُ الْبِرْمَاوِيِّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ إنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مَالَ إلَى قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ فِي التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصَّصِ سَهْوٌ.

(قَوْلُهُ: عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ) أَيْ وَلَمْ يَنْقُلُوا عَنْهُ الْقَوْلَ بِالتَّمَسُّكِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَذَكَرَهُ هُنَا) أَيْ فِي نُسْخَةٍ رَجَعَ عَنْهَا بَعْدَ قَوْلِهِ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ بِقَوْلِهِ وَثَالِثُهَا إلَخْ فَالثَّانِي الْمَطْوِيُّ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ

ص: 40

لَا بُدَّ مِنْ الْقَطْعِ قَالَ وَيَحْصُلُ بِتَكْرِيرِ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ وَاشْتِهَارِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُخَصِّصًا.

(الْمُخَصِّصُ) أَيْ الْمُفِيدُ لِلتَّخْصِيصِ (قِسْمَانِ)(الْأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ) أَيْ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ مِنْ اللَّفْظِ بِأَنْ يُقَارِنَ الْعَامَّ (وَهُوَ خَمْسَةٌ) أَحَدُهَا (الِاسْتِثْنَاءُ) بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْسُهُ (الْإِخْرَاجُ) مِنْ مُتَعَدِّدٍ (بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا)، نَحْوُ خَلَا وَعَدَا وَسِوَى صَادِرًا ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ مَعَ الْمُخْرَجِ مِنْهُ (مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ مُطْلَقًا) فَقَوْلُ الْقَائِلِ إلَّا زَيْدًا عَقِبَ قَوْلِ غَيْرِهِ جَاءَ الرِّجَالُ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الثَّانِي لَغْوٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَوْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ عَقِبَ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] كَانَ اسْتِثْنَاءً قَطْعًا لِأَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَا قُرْآنًا.

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: بِتَكْرِيرِ النَّظَرِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بَلْ يُفِيدُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالْقَطْعِ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَيَكُونَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنْ يُكْتَفَى بِأَصْلِ الظَّنِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوِيًّا بِخِلَافِ هَذَا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى الظَّنُّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِقَادٍ جَازِمٍ وَسُكُونِ النَّفْسِ بِانْتِفَاءٍ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُفِيدُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إسْنَادَ التَّخْصِيصِ لِلَّفْظِ مَجَازٌ عَنْ إفَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ حَقِيقَةً هُوَ الْمُتَكَلِّمُ، وَالشَّرْطُ وَنَحْوُهُ مُفِيدٌ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُفِيدَ حَقِيقَةً هُوَ الْمُتَكَلِّمُ وَالْكَلَامُ آلَةٌ لِلْإِفَادَةِ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ إشَارَةٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُقْرَأُ الْمُخَصَّصُ بِالْفَتْحِ وَالْمُفِيدُ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يُقَدَّرُ بِالشَّيْءِ وَلَا يُقَدَّرُ لَفْظًا؛ لِأَنَّ الْمُخَصِّصَ كَمَا يَكُونُ لَفْظًا يَكُونُ غَيْرَ لَفْظٍ كَالْفِعْلِ وَالْحِسِّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُلَائِمُ تَفْسِيرَ الشَّارِحِ لِلْمُتَّصِلِ بِأَنَّهُ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ اللَّفْظِ حَيْثُ أُخِذَ اللَّفْظُ فِي مَفْهُومِهِ وَالْمُقْسِمُ مُلَاحَظٌ فِي الْأَقْسَامِ تَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَارِنَ) تَصْوِيرٌ لِلْإِتْيَانِ بِالْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِتْيَانُ بِهِ إلَّا مَعَ الْمُقَارَنَةِ فَالْمَعْنَى عَلَى الْحَصْرِ أَيْ بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَّا مُقَارِنًا بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ خَمْسَةٌ) الصِّفَةُ وَالشَّرْطُ وَالْغَايَةُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَدَلَ الْبَعْضِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُخَصِّصٌ مُتَّصِلٌ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ وَهُوَ الْأَدَاةُ وَهِيَ مَعَ مَا بَعْدَهَا. (قَوْلُهُ: أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ نَفْسُهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ فَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامٌ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُتَعَدِّدٍ) أَيْ لَفْظٍ مُتَعَدِّدٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ الْمُتَعَدِّدُ مِنْ صُنْعِ الْعُمُومِ أَوْ لَا فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَكُونُ مِنْ الْعَدَدِ وَلَيْسَ مِنْ الْعَامِّ اصْطِلَاحًا وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِخْرَاجِ مَحْذُوفٌ وَأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ حَالٌ وَلَيْسَ هُوَ مُتَعَلِّقَ الْإِخْرَاجِ كَمَا تَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِإِلَّا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْإِخْرَاجِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، مِثْلُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] فَهَذَا إخْرَاجٌ لَكِنْ بِغَيْرِ إلَّا.

(قَوْلُهُ: وَسِوَى) وَيُقَالُ سُوَى بِضَمِّ السِّينِ وَسَوَاءٌ بِفَتْحِهَا وَالْمَدِّ أَوْ بِكَسْرِهَا وَالْمَدِّ، ذَكَرَهَا الْفَارِسِيُّ فِي شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: صَادِرًا إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ تَعَلُّقٍ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ بِالْإِخْرَاجِ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْمُتَكَلِّمُ مُخْرِجٌ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ لَا مُخْرَجٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُ مَعَ الْمُخْرَجِ مِنْهُ دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ مَا تَصْدُقُ بِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ كَوْنِ الْإِخْرَاجِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَالْمُخْرَجِ مِنْهُ مِنْ مُتَكَلِّمٍ آخَرَ وَهُوَ عَكْسُ الْمَطْلُوبِ بِهَذَا الْقَيْدِ.

(قَوْلُهُ: اسْتِثْنَاءٌ عَلَى الثَّانِي) وَقَدْ يُقَالُ لَهُ اسْتِثْنَاءٌ تَلْقِينِيٌّ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ الزِّيَادِيِّ فِي غَيْرِ الْحَاشِيَةِ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْغَيْرِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ يَنْفَعُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ مَبْنَاهُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَشْيَاخِ مَشَايِخِنَا وَكَانَ الشَّيْخُ السِّجِّينِيُّ يَخُصُّهُ بِالْحَلِفِ وَهُوَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ حَثٍّ أَوْ مَنْعٍ أَوْ تَحْقِيقِ خَبَرٍ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ النَّبِيَّ وَمُبْلِغٌ يَصِحُّ قِرَاءَتُهُ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَيَصِحُّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَهْلَ الذِّمَّةِ فَمُبَلَّغٌ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَعَلَى كُلٍّ هُوَ فِي حُكْمِ الْمُتَكَلِّمِ الْوَاحِدِ وَلَوْ عَلَى اجْتِهَادِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ إيجَابِهِ لَهُ وَفِي كَلَامِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ مَا يُصَرِّحُ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً بَلْ هُوَ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ وَرَجَّحَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ إنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى رَأْيِهِ أَنَّ شَرْطَ الْكَلَامِ صُدُورُهُ مِنْ نَاطِقٍ وَاحِدٍ وَقَدْ وَضَعَهُ ابْنُ مَالِكٍ اهـ. مُلَخَّصًا.

ص: 41

(وَيَجِبُ اتِّصَالُهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَعْنَى الدَّالِّ عَلَيْهِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (عَادَةً) فَلَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (إلَى شَهْرٍ وَقِيلَ سَنَةً وَقِيلَ أَبَدًا) رِوَايَاتٌ عَنْهُ (وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (فِي الْمَجْلِسِ وَ) عَنْ (مُجَاهِدٍ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ إلَى (سَنَتَيْنِ وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي كَلَامٍ آخَرَ وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (بِشَرْطِ أَنْ يُنْوَى فِي الْكَلَامِ) لِأَنَّهُ مُرَادٌ أَوَّلًا (وَقِيلَ) يَجُوزُ انْفِصَالُهُ (فِي كَلَامِ اللَّهِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ مُرَادٌ لَهُ أَوَّلًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ

ــ

[حاشية العطار]

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ إنَّ ابْنَ مَالِكٍ رَدَّ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ التَّحْقِيقَ فِيهِ أَنَّ الْإِسْنَادَ إنْ صَدَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْقَائِلِ زَيْدٌ وَالْقَائِلِ قَائِمٌ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ ذَكَرَ بَعْضَهُ وَحَذَفَ الْآخَرَ لِقَرِينَةِ تَكَلُّمِ الْآخَرِ وَالْحَذْفُ لِلْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ فِي الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَفِي الْفِعْلِ وَمَرْفُوعِهِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا قَصْدٌ وَلَا إسْنَادٌ فَلَا كَلَامَ لَا مِنْ هَذَا وَلَا مِنْ هَذَا اهـ.

فَتَأَمَّلْ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ رُبَّمَا اقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَاطِقَيْنِ بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ وَاحِدٍ فَمَعْنَى رَدِّ ابْنِ مَالِكٍ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَهُ أَنَّ ذَلِكَ الِاشْتِرَاطَ مِنْ اللَّغْوِ

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ اتِّصَالُهُ) أَيْ فِي الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِصَاحِبِ الْكَلَامِ فِي إثْبَاتِهِ بِهِ وَأَمَّا اتِّصَالُهُ فِي الزَّمَانِ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيُعْتَبَرُ مُخَصِّصًا إلَّا إذْ كَانَ مُتَّصِلًا (قَوْلُهُ: بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ) وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالْخَفِيفِ عُرْفًا كَمَا قَيَّدَهُ بِذَلِكَ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَكَذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ لِلْبِرْمَاوِيِّ وَكَذَا إذَا أَطَالَ الْكَلَامَ مُتَعَلِّقًا بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ اهـ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ إنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ التَّخْصِيصُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَذَلِكَ فِي فُرُوعٍ عَنْهُ لَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ وَاسْتَثْنَى بَعْضَهُنَّ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا مِائَةً فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ دَلِيلُنَا أَنَّهُ فَصْلٌ يَسِيرٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ يَا فُلَانُ إلَّا مِائَةً.

(قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ) رُدَّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِطَلَاقٍ قَطُّ وَلَا بِإِقْرَارٍ وَلَا يُعْرَفُ الصِّدْقُ مِنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَثْنَى وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَلَمْ يَقُلْ فَلْيَسْتَثْنِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ وَالْوَجْهُ تَكْذِيبُ النَّاقِلِ فَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ اهـ.

فَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ هُنَا مِنْ مُتَأَخِّرِينَ مَذْهَبُنَا مُعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ رِوَايَاتِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ وَغَيْرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ تَعْلِيمُهَا لِلْعَوَامِّ وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهَا مِمَّا لَا يَنْبَلِجُ لَهُ الصَّدْرُ خُصُوصًا فِي الطَّلَاقِ لِمَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْأَنْكِحَةِ، وَاضْطِرَابُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ يَقْضِي بِعَدَمِ تَحْرِيرِ النَّقْلِ وَإِنْ فُرِضَ صِحَّتُهُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: إلَى شَهْرٍ) أَيْ هِلَالِيٍّ فِيمَا يَظْهَرُ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَنَةً) يَجُوزُ نَصْبُهُ لِمُنَاسَبَةِ مَا بَعْدَهُ وَيَجُوزُ زَجَّرَهُ لِمُنَاسَبَةِ مَا قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَأْخُذْ فِي كَلَامٍ آخَرَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ طَالَ. (قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ) أَيْ: يَنْوِيَ أَوَّلًا كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ النِّيَّةُ لَا بُدَّ مِنْهَا عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ فَلَا تَصِحُّ الْمُقَابَلَةُ فَإِنَّ النِّيَّةَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَوَّلًا وَبِهَذَا رُدَّ قَوْلُ ابْنِ يَعْقُوبَ إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُرَادٌ أَوَّلًا قَرِيبٌ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَفِي شَرْحِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ إلَخْ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّاهِبِينَ إلَى اشْتِرَاطِ اتِّصَالِهِ فَلَوْ لَمْ تَعْرِضْ لَهُ نِيَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ثُمَّ قِيلَ يُعْتَبَرُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ وَقِيلَ يُكْتَفَى بِوُجُودِهَا قَبْلَ فَرَاغِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ فِي كَلَامِ اللَّهِ) أَيْ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ خِلَافَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَجُوزَ تَرَاخِيهِ فِي الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِ وَضَعُفَ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ أُرِيدَ بِهِ الْقَدِيمُ فَلَا يُوصَفُ بِإِخْرَاجٍ وَلَا بِإِدْخَالٍ وَلَوْ أَرَادَ اللَّفْظَ الْمُنَزَّلَ وَلَوْ إلَى اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَمَا قَالَ

ص: 42

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] نَزَلَ بَعْدَ {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] إلَخْ فِي الْمَجْلِسِ وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَغَيْرُهُ بِالنَّصْبِ أَيْ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرو وَغَيْرُهُ بِالرَّفْعِ أَيْ عَلَى الصِّفَةِ وَالْأَصْلُ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَحْوِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23 - 24] أَيْ إذَا نَسِيت قَوْلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَتَذَكَّرْتَ فَاذْكُرْهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَقْتًا فَاخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنِسْيَانٍ تَوَسُّعًا فَقَوْلُهُ

ــ

[حاشية العطار]

الْمُقْتَرِحُ فَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ مَا امْتَنَعَ فِيهِ مُمْتَنِعٌ فِيهِ وَمَا جَازَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ فَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلُغَتِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ إلَخْ) قَالَ الشِّهَابُ كَأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِلْأَخِيرِ خَاصَّةً وَيَصْلُحُ أَيْضًا دَلِيلًا لِقَوْلِ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ اهـ. قَالَ سم وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ لِمَا قَبْلَ الْأَخِيرِ أَيْضًا اهـ.

وَنَظَرَ فِيهِ تِلْمِيذُ الْغُنَيْمِيِّ بِأَنَّ قَوْلَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ وَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ مُقَيَّدٌ بِالْمَجْلِسِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ شَيْخِنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ لِمَا قَبْلَ الْأَخِيرِ عَلَى بَعْضِ مَا يُصَدَّقُ بِهِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنْ تُنَازَعَ فِي كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ دَلِيلًا مُطْلَقًا إذْ لَمْ يُنْتَجْ بَعْضُ الْمُدَّعَى.

(قَوْلُهُ: إلَى آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْآخِرِ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدُ فَكَلَامُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ نَفْسِهَا فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ نَزَلَ بَعْدَ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ إلَخْ فَكَانَ يُؤَخِّرُ قَوْلَهُ إلَى آخِرِهِ عَنْ قَوْلِهِ وَالْمُجَاهِدُونَ لِيَخْرُجَ عَنْ الْآخَر {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] .

(قَوْلُهُ: عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ لِأَجْلِهِ وَإِلَّا فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ أَعْرَبُوا غَيْرَ الِاسْتِثْنَائِيَّة حَالًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا قَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو) وَجْهُ الشَّبَهِ وُجُودُ قِرَاءَةٍ لِأَبِي عَمْرٍو كَمَا وُجِدْت قِرَاءَةٌ لِنَافِعٍ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْرَأُ بِمَا قَرَأَهُ الْآخَرُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ فَوَجْهُ الشَّبَهِ الْوُجُودُ أَوْ بِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَوَاتُرًا.

(قَوْلُهُ: أَيْ عَلَى الصِّفَةِ) وَهِيَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ) أَيْ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) عَطْفٌ عَلَى مَا أَيْ نَحْوِ مَا رُوِيَ.

(قَوْلُهُ: كَمَا رُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.

قَوْلُهُ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] أَيْ لَا تَقُولَنَّ لِأَجْلِ شَيْءٍ تَعْزِمُ عَلَيْهِ إنِّي فَاعِلُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إلَّا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَيْ مُلْتَبِسًا بِمَشِيئَتِهِ فَفِيهِ حَذْفُ بَاءِ الْمُلَابَسَةِ وَالْتِبَاسُهُ بِالْمَشِيئَةِ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ كَانَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ) جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا الِاسْتِدْلَال قَالَ الْقَرَافِيُّ إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا الِاسْتِثْنَاءَ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَنَقَلَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مُدْرَكَهُ فِي ذَلِكَ {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] الْآيَةَ نَقَلَهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَالشَّارِحُ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْحَمْلِ فَلِذَا قَالَ وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَلُّقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ اسْتِثْنَاءً حَقِيقَةً لِانْعِدَامِ أَدَاتِهِ فَإِنَّ الْوُجُودَ فِيهِ كَلِمَةُ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُمْ تَعَارَفُوا إطْلَاقَ اسْمِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17]{وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18] أَيْ لَا يَقُولُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ الِاسْتِثْنَاءُ نَوْعَانِ: اسْتِثْنَاءُ تَحْصِيلٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاسْتِثْنَاءُ تَعْطِيلٍ وَهُوَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يَتَعَطَّلُ بِهِ.

(قَوْلُهُ: وَتَذَكَّرْت) قَدَّرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ لَا يَتَأَتَّى وَقْتَ النِّسْيَانِ وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ كَانَ إذَا نَسِيت ظَرْفًا لِلذِّكْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ اللَّهُ أَوْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقْتًا وَالْمُرَادُ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ فِي الْآيَةِ فَلَا يُنَافِي تَعْيِينَهُ فِي الْأَثَرِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا حَلَفَ الرِّجَالُ عَلَى يَمِينٍ فَلَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إلَى سَنَةٍ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: فَاخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِنِسْيَانٍ)

ص: 43

{وَاذْكُرْ رَبَّكَ} [الكهف: 24] أَيْ مَشِيئَةَ رَبِّكَ.

(أَمَّا) الِاسْتِثْنَاءُ (الْمُنْقَطِعُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى فِيهِ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَكْسَ الْمُتَّصِلِ السَّابِقِ الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، نَحْوُ مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إلَّا الْحِمَارَ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ (مُتَوَاطِئ) فِيهِ وَفِي الْمُتَّصِلِ أَيْ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا أَيْ الْمُخَالَفَةِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا حَذَرًا مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ الْآتِيَيْنِ وَالْأَوَّلُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ لِتَبَادُرِ غَيْرِهِ أَيْ الْمُتَّصِلِ إلَى الذِّهْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ كَالْمُتَّصِلِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَيُحَدُّ بِالْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ وَهَذَا الْقَوْلِ بِمَعْنَى قَوْلِهِ (وَالرَّابِعُ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُكَرَّرٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَطْوِيِّ الثَّانِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمُنْقَطِعِ مَجَازٌ فِي الْمُتَّصِلِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فِيمَا عَلِمْت (وَالْخَامِسُ

ــ

[حاشية العطار]

أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ قَيْدِ النِّسْيَانِ لَفْظًا كَمَا فِي الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ مُرَادًا لَهُمْ مَعْنًى. وَقَوْلُهُ تَوَسُّعًا أَيْ فِي الْكَلَامِ بِحَذْفِ الشَّرْطِ مَعَ أَدَاتِهِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ التَّوَسُّعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ بِمَعْنَى زَوَالِ الْعُلُومِ عَنْ الْحَافِظَةِ أَوْ الْمُدْرِكَةِ لَا بِمَعْنَى التَّرْكِ أَمَّا إذَا كَانَ بِمَعْنَى التَّرْكِ فَلَا تَوَسُّعَ.

قَوْلُهُ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} [الكهف: 24] قَوْلُهُ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ أَيْ مَشِيئَةُ رَبِّك خَبَرُهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَيْ تَقُولُ فِي مَعْنَاهُ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُنْقَطِعُ) كَأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمُتَّصِلِ أَمَّا الْمُنْقَطِعُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) وَلَوْ بِحَسَبِ مَا قَصَدَهُ الْمُتَكَلِّمُ بِقَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ الْقَتْلَ خَطَأً مِنْ أَفْرَادِ الْقَتْلِ إلَّا أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ الْقَتْلَ عَمْدًا وقَوْله تَعَالَى {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان: 56] مُنْقَطِعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْجَنَّةِ وَالْأَوْلَى فِي غَيْرِهِ ثُمَّ إنَّ الشَّارِحَ أَشَارَ بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ إلَى أَنَّ فِي تَفْسِيرِ النُّحَاةِ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْجِنْسِ وَالْمُنْقَطِعَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ تَسَامُحًا، وَأَنَّ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّك إذَا قُلْت قَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَإِنْ كَانَ زَيْدٌ بَعْضَ الْقَوْمِ كَانَ مُتَّصِلًا وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ كَانَ مُنْقَطِعًا مَعَ أَنَّ زَيْدًا مِنْ الْجِنْسِ وَقَدْ يُقَالُ لَعَلَّ مُرَادَ النُّحَاةِ هَذَا. (قَوْلُهُ: الْمُنْصَرِفِ إلَيْهِ الِاسْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) اعْتِذَارٌ عَنْ عَدَمِ تَقْيِيدِ الْمُصَنِّفِ بِهَذَا الْقَيْدِ سَابِقًا مَعَ أَنَّ الَّذِي مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ دُونَ الْمُنْقَطِعِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إخْرَاجٌ مِنْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُتَّصِلِ.

(قَوْلُهُ: مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ فِيهَا عَاقِلٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ إلَّا الْحِمَارَ، وَعِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ اللُّبِّ مَا فِي الدَّارِ إنْسَانٌ إلَّا الْحِمَارَ وَهِيَ أَصْرَحُ.

(قَوْلُهُ: لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) جَعَلَ الشَّارِعُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي التَّلْوِيحِ قَدْ اُشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ وَالْمُرَادُ صِيَغُ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَمَّا لَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ فَحَقِيقَةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ فِي الْقِسْمَيْنِ بِلَا نِزَاعٍ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَوْلَهُ إنَّ لَفْظَ الِاسْتِثْنَاءِ مَجَازٌ فِي الْمُنْقَطِعِ فَمَوْضِعُ الْخِلَافِ عَلَى هَذَا صِيَغُ الِاسْتِثْنَاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي الْفَرَائِدِ وَأَقَرَّهُ وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى جَعْلِ الْخِلَافِ فِي لَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ قَوْلُ الْمَتْنِ فَثَالِثُهَا مُتَوَاطِئٌ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَجْرِي فِي صِيَغِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنْ السَّيِّدَ الشَّرِيفَ حَقَّقَ فِي حَوَاشِي شَرْحِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَنَّ التَّوَاطُؤَ وَالتَّشْكِيكَ مِنْ أَقْسَامِ الِاسْمِ كَالْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَالْحَرْفِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ كَلَامًا وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ الِاسْمَ صَالِحٌ لَأَنْ يَنْقَسِمَ إلَى الْجُزْئِيِّ وَالْكُلِّيِّ الْمُنْقَسِمِ إلَى الْمُتَوَاطِئِ وَالْمُشَكَّكِ بِخِلَافِ الْكَلِمَةِ وَالْأَدَاةِ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُخَالَفَةِ إلَخْ) أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إخْرَاجٌ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: وَيُحَدُّ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ الشَّامِلُ لَهُمَا ولَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ ضَبْطُهُمَا بِأَمْرٍ يَعُمُّهُمَا.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إخْرَاجٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ فَرْعُ الْإِدْخَالِ فَلَا يَشْمَلُ الْمُنْقَطِعَ؛ لِأَنَّ الْإِدْخَالَ قَاصِرٌ عَلَى الْمُتَّصِلِ وَعَلَى هَذَا فَحَدُّ الْمُصَنِّفُ خَاصٌّ بِالْمُتَّصِلِ عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ هَكَذَا يُفْهَمُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ حَدُّ الْمُنْقَطِعِ فَإِنَّهُ لَا عُلْقَةَ لَهُ بِالْخِلَافِ وَقَدَّمَ الشَّارِحُ حَدَّهُ عَلَى كُلِّ الْأَقْوَالِ

ص: 44

الْوَقْفُ) أَيْ لَا يُدْرَى أَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَمْ فِي أَحَدِهِمَا أَمْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَلَمَّا كَانَ فِي الْكَلَامِ الِاسْتِثْنَائِيِّ شِبْهُ التَّنَاقُضِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْمُسْتَثْنَى فِي ضِمْنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ يُنْفَى صَرِيحًا وَكُلُّ ذَلِكَ أَظْهَرُ فِي الْعَدَدِ لِنُصُوصِيَّتِهِ فِي آحَادِهِ دَفَعَ ذَلِكَ فِيهِ بِبَيَانِ الْمُرَادِ بِهِ بِقَوْلِهِ (وَالْأَصَحُّ وِفَاقًا لِابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَشَرَةٍ فِي قَوْلِك) مَثَلًا لِزَيْدٍ عَلَيَّ (عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ الْعَشَرَةُ بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ) أَيْ الْآحَادِ جَمِيعِهَا (ثُمَّ أُخْرِجَتْ ثَلَاثَةٌ) بِقَوْلِهِ إلَّا ثَلَاثَةً

ــ

[حاشية العطار]

تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْمَطْوِيِّ إلَخْ) هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى تَقْدِيرِهِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِمَا قَالَهُ فَإِنْ قُرِّرَ بِمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَانْدَفَعَ التَّكْرَارُ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا يُسَمَّى اسْتِثْنَاءً مَجَازًا وَالثَّانِي لَا يُسَمَّاهُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَالثَّالِثُ يُسَمَّاهُ حَقِيقَةً بِجَعْلِهِ مُتَوَاطِئًا وَالرَّابِعُ مُشْتَرَكٌ وَقَدْ قَرَّرَ الْعِرَاقِيُّ الثَّانِيَ بِذَلِكَ احْتِمَالًا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إنْ صَحَّ غَرِيبٌ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَعَلَّ الْحَامِلَ لِلشَّارِحِ عَلَى الْعُدُولِ عَنْهُ غَرَابَتُهُ (قَوْلُهُ: الْوَقْفُ) هُوَ لَا يُعَدُّ قَوْلًا إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ فَإِنَّ الْمُتَوَقِّفَ لَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بِشَيْءٍ.

(قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِيهِمَا) وَهُوَ الرَّابِعُ وَقَوْلُهُ أَمْ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْأَوَّلُ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ فِي الْمُنْفَصِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْمُتَّصِلِ أَوْ عَكْسِهِ الَّذِي قَالَ فِيهِ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ أَمْ فِي أَحَدِهِمَا صَادِقٌ بِهَذَا الْعَكْسِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ أَمْ فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الثَّالِثُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ مُتَوَاطِئٌ.

(قَوْلُهُ: شِبْهُ التَّنَاقُضِ) أَيْ وَلَا تَنَاقُضَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّوْجِيهَاتِ الْآتِيَةِ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ يَثْبُتُ إلَخْ) هَذَا لَا يَشْمَلُ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ فَإِنَّهُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ يُنْفَى فِيهِ الْمُسْتَثْنَى فِي ضِمْنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ثُمَّ يَثْبُتُ صَرِيحًا فَهَلَّا زَادُوا أَوْ بِالْعَكْسِ مَثَلًا وَكَأَنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى صُورَةِ الْإِثْبَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ اهـ. سم أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثُّبُوتِ الدُّخُولُ وَبِالنَّفْيِ الْإِخْرَاجُ فَشَمِلَ الْإِيجَابَ وَالسَّلْبَ.

(قَوْلُهُ: وَكَانَ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ شِبْهِ التَّنَاقُضِ.

(قَوْلُهُ: لِنُصُوصِيَّتِهِ) أَيْ فَقَبُولُهُ لِلتَّخْصِيصِ أَضْعَفُ مِنْ قَبُولِ الْعَامِّ لَهُ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَهُ لِلْأَفْرَادِ ظَنِّيٌّ لَا قَطْعِيٌّ.

(قَوْلُهُ: دَفَعَ ذَلِكَ) أَيْ شِبْهَ التَّنَاقُضِ فِيهِ أَيْ فِي الْعَدَدِ وَبِدَفْعِهِ فِي الْعَدَدِ يُعْلَمُ دَفْعُهُ فِي غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى وَقَوْلُهُ بِبَيَانٍ مُتَعَلِّقٌ بِدَفْعٍ وَقَوْلُهُ بِقَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِبَيَانٍ.

(قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ) أَيْ لَا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّنَاقُضُ.

(قَوْلُهُ: جَمِيعِهَا) أَيْ لَا الْبَاقِي كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْآتِي

ص: 45

(ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الْبَاقِي) وَهُوَ سَبْعَةٌ (تَقْدِيرًا وَإِنْ كَانَ) الْإِسْنَادُ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ (ذِكْرًا) فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ الْبَاقِي مِنْ عَشَرَةٍ أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إلَّا الْإِثْبَاتُ وَلَا نَفْيَ أَصْلًا فَلَا تَنَاقُضَ (وَقَالَ الْأَكْثَرُ الْمُرَادُ) بِعَشَرَةٍ فِيمَا ذُكِرَ (سَبْعَةٌ وَإِلَّا) ثَلَاثَةٌ (قَرِينَةٌ) لِذَلِكَ بَيَّنَتْ إرَادَةَ الْجُزْءِ بِاسْمِ الْكُلِّ مَجَازًا (وَقَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً)

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى الْبَاقِي) أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ لَفْظًا وَضَمِيرُ أُسْنِدَ يَعُودُ لِلْمُسْنَدِ وَهُوَ لِزَيْدٍ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَيَصِحُّ كَوْنُ الْمَجْرُورِ وَهُوَ إلَى الْبَاقِي نَائِبَ فَاعِلِ أُسْنِدَ.

(قَوْلُهُ: ذِكْرًا) أَيْ بِحَسَبِ الذِّكْرِ وَاللَّفْظِ.

(قَوْلُهُ: أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ) صِفَةٌ لِعَشَرَةٍ أَيْ وَقَدْ كَانَ أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ حَالَ الْإِسْنَادِ اللَّفْظِيِّ وَأَمَّا حَالَةُ الْإِسْنَادِ التَّقْدِيرِيِّ فَيُقَالُ لَهُ عَلَيَّ الْبَاقِي وَهُوَ السَّبْعَةُ لَا عَشَرَةٌ أُخْرِجَ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةَ الْإِسْنَادِ اللَّفْظِيِّ.

(قَوْلُهُ: إلَّا الْإِثْبَاتُ) أَيْ إثْبَاتُ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِخْرَاجِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا نَفْيَ أَصْلًا) أَيْ لِلثَّلَاثَةِ أَيْ وَلَا إخْرَاجَ أَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ إثْبَاتٍ لِلْبَاقِي وَأُورِدَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَا يَأْتِي بِحَسَبِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَالْوَاقِعِ اهـ. وَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَا هُنَا عَلَى غَيْرِ مَا يَأْتِي مَرْدُودٌ بِأَنَّ مَا هُنَا طَرِيقَةُ الْجَادَّةِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا تَنَاقُضَ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ أُسْنِدَ لَفْظًا إلَى عَشَرَةٍ وَمَعْنًى إلَى سَبْعَةٍ فَالثَّلَاثَةُ مُثْبَتَةٌ لَفْظًا مَنْفِيَّةٌ حُكْمًا وَلَا يَكُونُ هُنَاكَ تَنَاقُضٌ إلَّا لَوْ كَانَتْ الثَّلَاثَةُ مَنْفِيَّةً لَفْظًا وَحُكْمًا أَوْ مُثْبَتَةً لَفْظًا وَحُكْمًا وَالْأَوْلَى فَلَا شِبْهَ تَنَاقُضٍ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ رَفْعِ التَّنَاقُضِ رَفْعُ شِبْهِ التَّنَاقُضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ فَلَا شِبْهَ تَنَاقُضٍ.

(قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِعَشَرَةٍ) فَهُوَ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ (قَوْلُهُ: قَرِينَةٌ لِذَلِكَ) أَيْ فَلَمْ تَدْخُلْ ثَلَاثَةٌ حَتَّى تَخْرُجَ فَلَيْسَتْ لِلْإِخْرَاجِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ وَوَجْهُ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ زِيَادَةِ الشَّارِحِ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ أَنَّ الْمَجْمُوعَ قَرِينَةٌ وَعِبَارَةُ الْعِرَاقِيِّ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ، وَأَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ، نَحْوُ إلَّا قَرِينَةٌ عَلَى إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ مَجَازًا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُوَضِّحٌ لِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ اهـ. وَقَدْ اسْتَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ الْأَكْثَرِ وَقَالَ إنَّهُ مُحَالٌ لَا يَعْتَقِدُهُ لَبِيبٌ

ص: 46

أَيْ مَعْنَاهُ بِإِزَاءِ (اسْمَيْنِ مُفْرَدٌ) وَهُوَ سَبْعَةٌ (وَمُرَكَّبٌ) وَهُوَ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً وَلَا نَفْيَ أَيْضًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَلَا تَنَاقُضَ وَوَجْهُ تَصْحِيحِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِيهِ تَوْفِيَةً بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجٌ بِخِلَافِهِمَا.

(وَلَا يَجُوزُ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْمُسْتَغْرِقُ) بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ الْمُسْتَثْنَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لَزِمَهُ عَشَرَةٌ (خِلَافًا لِشُذُوذٍ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى امْتِنَاعِ الْمُسْتَغْرَقِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ (قِيلَ وَلَا) يَجُوزُ (الْأَكْثَرُ) مِنْ الْبَاقِي، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا سِتَّةً فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْمُسَاوِي وَالْأَقَلِّ (وَقِيلَ) لَا الْأَكْثَرُ (وَلَا الْمُسَاوِي) بِخِلَافِ الْأَقَلِّ (وَقِيلَ) لَا الْأَكْثَرُ (إنْ كَانَ الْعَدَدُ) فِي الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ (صَرِيحًا) ، نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ غَيْرِ الصَّرِيحِ، نَحْوُ خُذْ الدَّرَاهِمَ إلَّا الزُّيُوفَ وَهِيَ أَكْثَرُ كَذَا حَكَى

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: أَيْ مَعْنَاهُ) أَيْ وَهُوَ سَبْعَةٌ وَالْمُرَادُ مُسَمَّاهَا وَهُوَ الْمَعْدُودُ أَيْ الشَّيْءُ الَّذِي يُعَدُّ فَهَذَا مُسَمًّى تَارَةً بِلَفْظِ سَبْعَةٍ وَتَارَةً بِلَفْظِ عَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةَ فَقَوْلُهُ بِإِزَاءِ اسْمَيْنِ مُفْرَدٌ وَمُرَكَّبٌ مَعْنَاهُ بِإِزَاءِ مُفْرَدٍ تَارَةً وَبِإِزَاءِ مُرَكَّبٍ أُخْرَى فَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ بِذِكْرِ لَفْظِ مَعْنَاهُ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي قَوْلِهِ عَشَرَةٍ إلَخْ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ بِإِزَاءِ اسْمَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ لَفْظَ عَشَرَةٍ إلَّا ثَلَاثَةً لَيْسَ بِإِزَاءِ اسْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً) أَيْ مَجْمُوعُ هَذَا اللَّفْظِ فَلَفْظُ إلَّا ثَلَاثَةً عَلَى هَذَا جُزْءُ الِاسْمِ فَلَا إخْرَاجَ فِيهِ وَلَا قَرِينَةَ ثُمَّ إنَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي إنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَ التَّرْكِيبِ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا مَحِيصَ لَهُ عَنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي وَهُوَ حَقِيقَةٌ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِمَا) أَيْ فَإِنَّهُ لَا إخْرَاجَ فِيهِمَا وَأَمَّا أَنَّهُمَا مُخَصَّصَانِ فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا تَخْصِيصَ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَهُنَا لَمْ يُرِدْ بِالْعَامِّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ بَلْ الْمَجْمُوعَ الْمُرَكَّبَ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فِيهِ تَخْصِيصٌ لِمَا فِيهِ مِنْ قَصْرِ اللَّفْظِ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ وَعَلَى الثَّالِثِ مُحْتَمَلٌ؛ لَأَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الظَّاهِرِ لِلْعَامِّ وَالْمُرَادُ الْخُصُوصُ وَأَنْ لَا تَخْصِيصَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ تَمَامُ مُسَمَّاهُ

(قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ) وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُسْتَغْرِقُ بَاطِلٌ لِاقْتِضَائِهِ إلَى اللَّغْوِ وَفِيهِ شَيْءٌ لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَوَّلًا الْأَفْرَادَ وَكَانَ نَاسِيًا فَلَمَّا تَذَكَّرَ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهُ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَاسِيًا وَإِنَّمَا قَصَدَ السُّخْرِيَةَ فَلَا لَغْوَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ لَغْوًا عَدَمُ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ الْإِقْرَارِيِّ عَلَيْهِ وَكَوْنِهِ مُفِيدًا مَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ لَا يَقْدَحُ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ بِمَا ذُكِرَ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَسْتَغْرِقَ إلَخْ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْمُسْتَثْنَى سَبَبٌ فِي وَصْفِ الِاسْتِثْنَاءِ بِالِاسْتِغْرَاقِ ثُمَّ مَحَلُّ عَدَمِ الْجَوَازِ إذَا لَمْ يُعْقَبْ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ وَإِلَّا فَفِي جَوَازِهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي وَالشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْحُكْمِ) إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْهَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِشُذُوذٍ) أَيْ لِقَوْلٍ ذِي شُذُوذٍ أَيْ شَاذٍّ.

(قَوْلُهُ: لِابْنِ طَلْحَةَ) هُوَ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ إلَخْ) قَدْ ظَفِرَ بِهِ بَعْضُ مَنْ نَقَلَهُ كَالْقَرَافِيِّ وَأَنْكَرَهُ فَقَالَ الْأَقْرَبُ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ) فَقَدْ اُعْتُبِرَ الِاسْتِثْنَاءُ.

(قَوْلُهُ: فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ الشَّاذُّ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْفَرْ بِذَلِكَ) أَيْ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَيْ أَوْ ظَفِرَ بِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا الْأَكْثَرُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ الْمُسْتَغْرِقُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قِيلَ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْأَكْثَرُ إلَخْ وَهَذَا الْقِيلُ وَمَا بَعْدَهُ ضَعِيفٌ.

(قَوْلُهُ: إنْ كَانَ الْعَدَدُ) أَيْ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْدُودٍ لَا الْعَدَدُ الِاصْطِلَاحِيُّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَقْسِيمُهُ إلَى الْعَدَدِ الصَّرِيحِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَكْثَرُ) أَيْ وَهِيَ فِي الْوَاقِعِ أَكْثَرُ.

(قَوْلُهُ: عَقْدٌ صَحِيحُ) يَشْمَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ

ص: 47

الْقَوْلَ فِي شَرْحَيْهِ كَغَيْرِهِ فِي الْأَكْثَرِ وَإِنْ شَمِلَتْ الْعِبَارَةُ هُنَا حِكَايَتَهُ فِي الْمُسَاوِي (وَقِيلَ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْعَدَدِ عَقْدٌ صَحِيحٌ)، نَحْوُ لَهُ مِائَةٌ إلَّا عَشَرَةً بِخِلَافِ إلَّا تِسْعَةً (وَقِيلَ) لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ (مُطْلَقًا) وقَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] أَيْ زَمَنًا طَوِيلًا كَمَا تَقُولُ لِمَنْ يَسْتَعْجِلُك اصْبِرْ أَلْفَ سَنَةٍ وَكُلُّ قَائِلٍ بِحَسَبِ اسْتِقْرَائِهِ وَفَهْمِهِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْأَكْثَرِ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ إذْ قَالُوا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً لَزِمَهُ وَاحِدٌ.

(وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ

ــ

[حاشية العطار]

نَحْوُ بِالصَّرِيحِ. (قَوْلُهُ: هَذَا الْقَوْلُ) أَيْ الْمُقَيَّدُ بِالْأَكْثَرِ.

(قَوْلُهُ: عَقْدٌ صَحِيحٌ) يَشْمَلُ الْعَقْدَ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ، نَحْوُ عِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ وَخَرَجَ بِالْعَقْدِ غَيْرُهُ كَاثْنَيْ عَشَرَ وَبِالصَّحِيحِ الْكَسْرُ كَنِصْفٍ فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ عُقُودُ كُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ كَالْآحَادِ وَالْعَشْرَاتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَتَّبَةِ الْمَفْرُوضَةِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَا يُقَالُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا وَاحِدًا وَلَا مِائَةٌ إلَّا عَشَرَةً وَلَا أَلْفٌ إلَّا مِائَةً وَيُقَالُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا نِصْفًا وَاحِدًا وَنَحْوُهُ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ وَمِائَةٌ إلَّا تِسْعَةً وَنَحْوَهَا مِنْ الْآحَادِ وَلَوْ مَعَ الْعَشَرَاتِ وَأَلْفٌ إلَّا تِسْعِينَ أَوْ نَحْوُهَا مِنْ الْعَشَرَاتِ وَلَوْ مَعَ الْآحَادِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

وَوَجْهُ الِامْتِنَاعِ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ عَدَدٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ جُزْءًا مِنْ غَيْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ الْأَعْلَى مُتَضَمِّنٌ لِلنَّازِلِ عَنْهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ لَا عَقْدَ بِقِسْمَيْهِ وَلَا غَيْرَ عَقْدٍ وَلَيْسَ الْإِطْلَاقُ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ عَقْدٌ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا دُونَ أَنْ يَقُولَ عَدَدٌ مَعَ كَوْنِهِ أَخْصَرَ وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعَدَدِ نُصُوصٌ وَالنُّصُوصُ لَا تَقْبَلُ التَّخْصِيصَ وَهَذَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ عُصْفُورٍ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ قَالَ إلَّا إذَا كَانَ الْعَدَدُ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ لِلْمُبَالَغَةِ كَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَالسَّبْعِينَ فَيَجُوزُ رَفْعًا لِتَوَهُّمِ الْمُبَالَغَةِ مَجَازًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت: 14] الْآيَةَ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ. (قَوْلُهُ: أَيْ زَمَانًا طَوِيلًا) أَيْ فَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا كَانَ بَاقِيًا عَلَى مَعْنَاهُ الْعَدَدِيِّ لَا إنْ كَانَ كِنَايَةً عَنْ الزَّمَنِ الطَّوِيلِ لِلُحُوقِهِ بِغَيْرِ الْعَدَدِ ثُمَّ إنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُضَيِّعُ ثَمَرَةَ قَوْلِهِ إلَّا خَمْسِينَ عَامًا؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ لَيْسَ نَصًّا فِي شُمُولِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمَجْمُوعِ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْكِنَايَةِ قَوْلُهُ أَلْفَ سَنَةٍ فَهَذَا الْقَوْلُ مُشْكِلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْأَكْثَرِ مُطْلَقًا إلَخْ) تَصْحِيحُهُ مَفْهُومٌ مِنْ حِكَايَةِ الْمُصَنِّفِ الْأَقْوَالَ الَّتِي ذَكَرَهَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ السِّيَاقِ عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنْ يَقُولَ وَالْأَصَحُّ جَوَازُ غَيْرِهِ الْمُسْتَغْرِقِ مُطْلَقًا لِيَشْمَلَ الْأَكْثَرَ وَالْعَقْدَ الصَّحِيحَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ الْأَكْثَرِ مُطْلَقًا) قَالَ الْفَنَارِيُّ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ إنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ مِنْهُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا إنْ كَانَ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَا يُسَاوِيهِ مَفْهُومًا لَا وُجُودًا فَيَصِحُّ عَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا هَؤُلَاءِ لِاحْتِمَالِ الْكَلَامِ مَقَامًا يَكُونُ عِبَارَةً عَنْهُ لَا إلَّا عَبِيدِي أَوْ مَمَالِيكِي وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاوِي وَالْأَكْثَرِ وَقَالَتْ الْحَنَابِلَةُ وَالْقَاضِي أَوَّلًا بِمَنْعِهِمَا فَيَجِبُ أَنْ يَبْقَى أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ وَقَالَ ثَانِيًا بِمَنْعِهِ فِي الْأَكْثَرِ خَاصَّةً وَقِيلَ بِمَعْنِهَا فِي الْعَدَدِ الصَّرِيحِ لَا فِي نَحْوِ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَّا الْجُهَّالَ وَهُمْ أَلْفٌ وَالْعَالِمُ وَاحِدٌ لِكِفَايَةِ الِاحْتِمَالِ لَنَا وَإِلَّا وُقُوعُهُ، نَحْوُ {إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] وَهُمْ الْأَكْثَرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103] وَكُلُّ غَيْرِ مُؤْمِنٍ غَاوٍ فَالْمُسَاوِي أَوْلَى وَثَانِيًا صِحَّةُ أَنْ يُقَالَ «كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ» وَقَدْ أَطْعَمَ الْأَكْثَرَ كَيْفَ وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلِكَوْنِهِ آحَادًا لَمْ يَتَمَسَّكْ بِوُقُوعِهِ وَثَالِثًا دَلَالَةُ إجْمَاعِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى إلْزَامِ الْوَاحِدِ لِمَنْ قَالَ لَهُ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً اهـ.

(قَوْلُهُ: لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَخْ) فَلَوْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا لَوْ قَالَ مَا لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ إلَّا خَمْسَةً مَدْلُولُهَا خَمْسَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ خَمْسَةٌ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ

(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إلَخْ) الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ

ص: 48

خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِيهِمَا وَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ فَقَالَ إنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ

ــ

[حاشية العطار]

الْمَفْعُولِ أَوْ الْكَلَامُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ مِنْ ذِي النَّفْيِ ذُو إثْبَاتٍ أَيْ دَالٌّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ قُلْت يَوْمًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْفُقَهَاءَ الْتَزَمُوا قَاعِدَتَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَخَالَفُوهُمَا فِي الْفُرُوعِ فَقَالَ لِي مَا هُمَا قُلْت لَهُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ لِلْعُمُومِ عِنْدَهُمْ وَلَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ خِلَافُ الْقَاعِدَةِ وَالثَّانِيَةُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ فَقَعَدَ عُرْيَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَمُقْتَضَى قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ وَعَلَى لُبْسِ الْكَتَّانِ وَمَا لَبِسَ الْكَتَّانَ فَيَحْنَثُ فَقَالَ رحمه الله سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَ وَقَدْ انْتَقَلَ اللَّامُ فِي الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ لِحَقِيقَةِ الْجِنْسِ دُونَ اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَلِذَا كَانَ الْحَالِفُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمَاهِيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ فَلَا تَزِيدُ اللَّامُ لَهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَانْتَقَلَ إلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْحَلِفِ لِمَعْنَى الصِّفَةِ، مِثْلُ سِوَى وَغَيْرِ فَمَعْنَى حَلِفِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا سِوَى الْكَتَّانِ أَوْ غَيْرَ الْكَتَّانِ فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُغَايِرُ لِلْكَتَّانِ وَالْكَتَّانُ لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّهُ لُبْسُهُ وَلَا تَرْكُهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ رحمه الله وَاتَّفَقَ الْبَحْثُ مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ فَالْتَزَمَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا وَأَنَّ إلَّا عَلَى بَابِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَأَرَانَا نَقْلًا فِي ذَلِكَ اهـ. كَلَامُ الْقَرَافِيِّ.

وَأَقُولُ مَا قَالَهُ تَاجُ الدِّينِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّا نُبْقِي إلَّا عَلَى بَابِهَا وَنَلْتَزِمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ إثْبَاتٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَنْعَ مَا ذَكَرَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنْ النَّفْيِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا مِنْ النَّفْيِ هُوَ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِثْبَاتِ هُوَ إبَاحَةُ لُبْسِ الْكَتَّانِ لَا الْتِزَامُ نَفْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالتَّرْكِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ دَقِيقٌ تَرَكَهُ الشَّيْخُ لَنَا ثُمَّ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ حَوَاشِي التَّلْوِيحِ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْجَوَابَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَذَا كَتَبَهُ سم بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ وَفِي التَّمْهِيدِ لِلْإِسْنَوِيِّ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُعْطِيك إلَّا دِرْهَمًا أَوْ لَا آكُلُ إلَّا هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ لَا أَطَأُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ بِالْكُلِّيَّةِ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ ذَلِكَ وَهُوَ كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا وَالثَّانِي: لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَائِدِهِ الثَّانِيَ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) الْقَوْلُ بِمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ بَعِيدٌ حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهُ فِي مِثْلِ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ يَكَادُ يَلْحَقُ بِإِنْكَارِ الضَّرُورِيَّاتِ. وَإِجْمَاعُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَالَ الْكَمَالُ وَالْحَنَفِيَّةُ أَوَّلُوا قَوْلَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ بِأَنَّهُ مَجَازٌ تَعْبِيرًا عَنْ عَدَمِ الْحُكْمِ بِالْحُكْمِ بِالْعَدَمِ لِكَوْنِهِ لَازِمًا لَهُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ)

ص: 49

فَنَحْوُ مَا قَامَ أَحَدٌ إلَّا زَيْدًا وَقَامَ الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا يَدُلُّ الْأَوَّلُ عَلَى إثْبَاتِ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَالثَّانِي عَلَى نَفْيِهِ عَنْهُ وَقَالَ لَا وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ الْقِيَامُ وَعَدَمُهُ وَمَبْنَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ مُخْرَجٌ مِنْ الْمَحْكُومِ بِهِ فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ مِنْ قِيَامٍ وَعَدَمِهِ مَثَلًا أَوْ مُخْرَجٌ مِنْ الْحُكْمِ فَيَدْخُلُ فِي نَقِيضِهِ أَيْ لَا حُكْمَ إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ دَخَلَ فِي نَقِيضِهِ وَجُعِلَ الْإِثْبَاتُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ بِعُرْفِ الشَّرْعِ وَفِي الْمُفَرَّغِ، نَحْوُ مَا قَامَ إلَّا زَيْدٌ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ.

(وَ) الِاسْتِثْنَاءَاتُ (الْمُتَعَدِّدَةُ

ــ

[حاشية العطار]

أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الذِّكْرُ فَإِنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مَذْكُورٌ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْحَيْثِيَّاتِ الْآتِيَةِ.

(قَوْلُهُ: فَنَحْوَ مَا قَامَ إلَخْ) مُرَتَّبٌ عَلَى كَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا إلَخْ وَعَلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ.

(قَوْلُهُ: وَزَيْدٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ) أَيْ لَيْسَ مُسْتَثْنًى مِنْ نَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ.

(قَوْلُهُ: وَمَبْنَى الْخِلَافِ إلَخْ) فِي حَاشِيَةِ الْفَتَاوَى عَلَى التَّلْوِيحِ نَقْلًا عَنْ السَّيِّدِ أَنَّ مَبْنَى الْخِلَافِ هُوَ أَنَّ وَضْعَ الْأَلْفَاظِ لِلْأُمُورِ الذِّهْنِيَّةِ أَمْ لِلْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى الثَّانِي وَعُلَمَاؤُنَا إلَى الْأَوَّلِ وَلَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي الْأُمُورِ الْخَارِجِيَّةِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَ بَيْنَ الْأُمُورِ الذِّهْنِيَّةِ وَالْخَارِجِيَّةِ وَاسِطَةٌ بِالضَّرُورَةِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِالْأَوَّلِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَحْكُومِ بِهِ) أَيْ وَيَكُونُ الْمَعْنَى الْقَوْمُ قَائِمُونَ إلَّا زَيْدًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ الْقَوْمُ مَحْكُومًا بِقِيَامِهِمْ إلَّا زَيْدًا فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالْقِيَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ قِيَامٍ أَوْ عَدَمِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ نَفْيَ الْقِيَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ الِانْتِفَاءُ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ النِّسْبَةَ الْكَلَامِيَّةَ وَاحِدَةٌ كَمَا حُقِّقَ فِي مَوْضِعِهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ الْحُكْمِ) أَيْ حُكْمِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ الْإِيقَاعُ وَالِانْتِزَاعُ لَا الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ.

(قَوْلُهُ: إذْ الْقَاعِدَةُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْمَبْنِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَجُعِلَ الْإِثْبَاتُ فِي كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ) أَيْ إثْبَاتُ الْأُلُوهِيَّةِ وَقَوْلُهُ بِعُرْفِ الشَّرْعِ أَيْ لَا بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَرَدَّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ خَاطَبَ النَّاسَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ عُمُومًا لِإِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَحَصَلَ الْفَهْمُ لِذَلِكَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِأَمْرٍ زَائِدٍ وَلَوْ كَانَ وَضْعُ اللَّفْظِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لَبَيَّنَ الشَّارِعُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِنْ أَصْلِ وَضْعِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَعْمَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْبَعْضَ غَيْرُ ثَابِتٍ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى كَأَنَّهُ قِيلَ عَلَيَّ سَبْعَةٌ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ التَّكَلُّمُ بِالْعَشَرَةِ فِي حَقِّ لُزُومِ الثَّلَاثَةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفٌ فِي الْكَلَامِ بِجَعْلِهِ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ بِمَعْنَى أَنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ إيقَاعٌ لِلْكُلِّ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ الدَّالُّ عَلَى النَّفْيِ عَنْ الْبَعْضِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ إلَّا ثَلَاثَةً فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيَّ فَلَا تَلْزَمُهُ الثَّلَاثَةُ لِلدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ لِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ تَصَرُّفًا فِي الْحُكْمِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةُ تَوْحِيدٍ أَيْ إقْرَارٌ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَوَحْدَتِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ وَإِثْبَاتُهُ حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّدْرِ لَمَا لَزِمَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ بِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَمَّا سِوَاهُ، وَالتَّوْحِيدُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِهَا عَمَّا سِوَاهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ دَهْرِيٌّ مُنْكِرٌ لِصَانِعِ الْعَالَمِ لَحُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَرُجُوعِهِ عَنْ مُعْتَقَدِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ مُخَالِفٍ لِلصَّدْرِ اهـ. مِنْ التَّلْوِيحِ

ص: 50

إنْ تَعَاطَفَتْ فَلِلْأَوَّلِ) أَيْ فَهِيَ عَائِدَةٌ لِلْأَوَّلِ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً وَإِلَّا ثَلَاثَةً وَإِلَّا اثْنَيْنِ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ فَقَطْ (وَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَعَاطَفْ (فَكُلٌّ) مِنْهَا عَائِدٌ (لِمَا يَلِيهِ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْهُ) ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثَةً فَيَلْزَمُهُ سِتَّةٌ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ يَبْقَى وَاحِدٌ يَخْرُجُ مِنْ الْخَمْسَةِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ يَخْرُجُ مِنْ الْعَشَرَةِ تَبْقَى سِتَّةٌ فَإِنْ اسْتَغْرَقَ كُلَّ مَا يَلِيهِ بَطَلَ الْكُلُّ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ غَيْرَ الْأَوَّلِ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا اثْنَيْنِ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا أَرْبَعَةً عَادَ الْكُلُّ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ وَاحِدٌ فَقَطْ وَإِنْ اُسْتُغْرِقَ الْأَوَّلُ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً قِيلَ يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَبَعًا وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ اعْتِبَارًا لِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ وَقِيلَ سِتَّةٌ اعْتِبَارًا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.

(وَ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْوَارِدُ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ)

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: إنْ تَعَاطَفَتْ) أَيْ تَوَسَّطَ حَرْفُ الْعَطْفِ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ وَإِلَّا فَالْمُسْتَثْنَى الْأَوَّلُ لَا عَطْفَ فِيهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ عَائِدَةٌ لِلْأَوَّلِ) أَيْ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ لَا لِلْأَوَّلِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءَاتِ وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ وَعَوْدُهَا لِلْأَوَّلِ يُصَدَّقُ بِالْمُسْتَغْرِقِ وَبِغَيْرِهِ فَيَصِحُّ فِي الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي مُثِّلَ لَهُ وَيَبْطُلُ فِي الْأَوَّلِ مُطْلَقًا إنْ قُلْنَا بِجَمْعِ مُفَرَّقِهِ وَإِلَّا فَفِيمَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ مَعَ مَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ. اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنَّ التَّفَاعُلَ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا حُكْمٌ بِحَسَبِ الْعَطْفِ.

(قَوْلُهُ: لِمَا يَلِيهِ) الضَّمِيرُ الْبَارِزُ عَائِدٌ لِمَا وَالْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إلَى كُلٍّ فَالصِّلَةُ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ إلَخْ) حَلَّ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمَتْنِ بِطَرِيقَةٍ لَا تُنَاسِبُهُ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي نَفْسِهَا وَالْمُطَابِقُ لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْخَمْسَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْعَشَرَةِ ثُمَّ الْأَرْبَعَةَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْمُخْرَجَةِ ثُمَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ اُسْتُغْرِقَ كُلُّ مَا يَلِيهِ) ، نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا إحْدَى عَشَرَ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ) هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصَحِّ فِي الطَّلَاقِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْأَقْيَسُ.

تَنْبِيهٌ

مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِثْنَاءَاتِ إذَا أَمْكَنَ إخْرَاجُ كُلٍّ مِنْهَا مِمَّا قَبْلَهُ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ، نَحْوُهُ كَأَمْرِ رَبِّهِمْ إلَّا الْفَتَى إلَّا الْعُلَا إذْ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ فَإِلَّا الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ بِخِلَافِ نَحْوِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً إلَّا ثَلَاثَةً إذْ الثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ لَا عَيْنُهُ. اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: لِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي) أَيْ الْمُسْتَثْنَى الثَّانِي وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَقَوْلُهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَيْ مِنْ الْمُسْتَثْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ عَشَرَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً يَخْرُجُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ يَبْقَى سِتَّةٌ مُخْرَجَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ يَبْقَى أَرْبَعَةٌ فَالْأَوَّلُ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الثَّانِي كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.

(قَوْلُهُ: دُونَ الْأَوَّلِ) أَيْ فَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ وَكَأَنَّهُ قِيلَ ابْتِدَاءً لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا أَرْبَعَةً

(قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ الْوَارِدُ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَنْخُولِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه الْجُمَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ إذَا عُطِفَ الْبَعْضُ مِنْهَا عَلَى الْبَعْضِ بِالْوَاوِ التَّاسِعَةِ وَعُقِّبَ بِاسْتِثْنَاءٍ رَجَعَ إلَى الْجَمَلِ كُلِّهَا وَبُنِيَ عَلَيْهِ قَبُولُ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَقَالَ أَيْضًا لَوْ أَقَرَّ لِبَنِي عَمْرٍو وَبَنِي بَكْرٍ إلَّا الْفُسَّاقَ يُسْتَثْنَى الْفُسَّاقُ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ وَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّ الْجُمَلَ صَارَتْ كَجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلنَّسَقِ لَا لِلْجَمْعِ وَكَيْفَ تَجْتَمِعُ جُمَلٌ مُتَنَاقِضَةٌ كَقَوْلِك أَكْرَمْت بَنِي عَمْرٍو وَأَهَنْت بَنِي خَالِدٍ وَضَرَبْت بَنِي زَيْدٍ لَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ رَأَيْت زَيْدًا وَعَمْرًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَمْرًا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فَالْقَطْعُ بِانْعِطَافِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْكُلِّ تَحَكُّمٌ اهـ.

فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُخْتَارُ عِنْدَ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُقَيَّدُ بِالْوَاوِ بَلْ الضَّابِطُ عِنْدَهُ الْعَاطِفُ الْجَامِعُ بِالْوَضْعِ كَالْوَاوِ وَالْفَاءِ وَثُمَّ بِخِلَافِ بَلْ وَلَكِنْ أَيْ وَنَحْوُهَا كَأَوْ وَلَا وَبَلْ قَالَ

ص: 51

عَائِدٌ (لِلْكُلِّ) حَيْثُ صَلَحَ لَهُ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مُطْلَقًا (وَقِيلَ إنْ سِيقَ الْكُلُّ لِغَرَضٍ) وَاحِدٍ عَادَ لِلْكُلِّ، نَحْوُ حَبَسْتُ دَارِي عَلَى أَعْمَامِي وَوَقَفْت بُسْتَانِي عَلَى أَخْوَالِي وَسَبَّلْت سِقَايَتِي لِجِيرَانِي إلَّا أَنْ يُسَافِرُوا وَإِلَّا عَادَ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ، نَحْوُ أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ وَاحْبِسْ دِيَارَك عَلَى أَقَارِبِك وَأَعْتِقْ عَبِيدَك إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ (وَقِيلَ

ــ

[حاشية العطار]

الزَّرْكَشِيُّ التَّقْيِيدُ بِالْوَاوِ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ عَوْدُهُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ الْعَطْفُ بِثُمَّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ تَضْعِيفِ الْقَوْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَسَكَتَ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْجُمَلِ

وَقَدْ قَالَ أَخُو الْمُصَنِّفِ فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ فِي بَحْثِ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ وَإِنْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ فَهَلْ هُوَ كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَهُمَا لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ تَعَدِّي الِاسْتِثْنَاءِ الْأَخِيرِ إلَى الْجَمِيعِ أَنَّ الْعَطْفَ يُصَيِّرُ الْمُتَعَدِّدَ كَالْمُفْرَدِ وَهَذَا الْمَعْنَى حَاصِلٌ تَقَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءُ أَوْ تَوَسَّطَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ إلَّا مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُخْرِجَ مِمَّا قَبْلَهَا لَا مِمَّا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُسْتَثْنَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا الْعَامِلُ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ إلَّا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَالْمُبَرِّدِ فَلَا يَتَعَدَّى الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجُمْلَةِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَأَخُّرُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَنْ الْمُسْتَثْنَى وَالْمَنْسُوبِ إلَيْهِ مَعًا وَقَدْ حَمَلُوا عَلَى الشُّذُوذِ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

خَلَا اللَّهَ لَا أَرْجُو سِوَاكَ وَإِنَّمَا

أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا

وَإِنْ قُلْنَا الْعَامِلُ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ مَا قَبْلَهَا أَوْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلْيَعُدْ إلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّا حِينَئِذٍ لَمْ نُؤَخِّرْ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ عَنْ الْمُسْتَثْنَى بَلْ نُقَدِّرُ اسْتِثْنَاءً آخَرَ عَقِبَ الثَّانِيَةِ كَمَا نُقَدِّرُ اسْتِثْنَاءً عَقِبَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرَةِ إذَا تَأَخَّرَ الِاسْتِثْنَاءُ عَنْهَا وَيَكُونُ حَذَفَ مِنْ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ الْآخَرِ عَلَيْهِ وَلَا وَجْهَ لِعَوْدِ الْمُسْتَثْنَى الْمُتَأَخِّرِ لِلْجُمَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ مَا قَبْلَهَا إلَّا ذَلِكَ وَقَدْ انْحَلَّ لَنَا بِهَذَا إشْكَالٌ كَبِيرٌ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ إعَادَتَهُمْ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْجُمَلِ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمُسْتَثْنَى هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَوَارُدُ عَوَامِلُ عَلَى مَعْمُولٍ وَاحِدٍ فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَقَوْلُهُ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا لَا يُنَافِي وُجُودَهُ فِي الْوَاقِعِ وَقَدْ ظَفِرَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ فَقَالَ وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ جُمْلَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْآخَرِ فَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو مَنْصُورٍ، نَحْوُ أَعْطِ بَنِي زَيْدٍ إلَّا مَنْ عَصَاك وَأَعْطِ بَنِي عَمْرٍو وَحَكَيَا عَنْ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَجْهَيْنِ الرُّجُوعَ إلَيْهِمَا وَإِلَى مَا قَبْلَهُ دُونَ مَا بَعْدَهُ اهـ. ثُمَّ الشَّارِحُ لَمْ يَذْكُرْ مُحْتَرَزَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُتَعَاطِفَةٌ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَعَاطِفَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ فَمِنْ قَائِلٍ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَاتِّبَاعِهِ وَمِنْ قَائِلٍ بِعَدَمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْأَخِيرِ فَقَطْ وَقَدْ بَيَّنَهُ الْبِرْمَاوِيُّ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبَيَانِيَّيْنِ ذَكَرُوا أَنَّ تَرْكَ الْعَطْفِ قَدْ يَكُونُ لِكَمَالِ الِارْتِبَاطِ، نَحْوُ {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] وَحِينَئِذٍ فَفِي مِثْلِ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ السُّبْكِيُّ لَا يَبْعُدُ مَجِيءُ الْخِلَافِ فِيهِ قَالَ وَلَدُهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمَّا صَارَا كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهُ يَعُودُ لِلْجَمِيعِ قَطْعًا.

(قَوْلُهُ: عَائِدٌ لِلْكُلِّ) أَيْ لِلْجُمَلِ الْكُلِّ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا حَالٌ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الظُّهُورِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ لَا نِزَاعَ فِي إمْكَانِ رَدِّهِ إلَى الْجَمِيعِ وَالْأَخِيرِ بَلْ فِي الظُّهُورِ فَعِنْدَنَا إلَى الْأَخِيرَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَى الْجَمِيعِ كَالشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ:، نَحْوُ حَبَسْت إلَخْ) فَإِنَّ الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوَقْفُ. (قَوْلُهُ: سِقَايَتِي) أَيْ مَا يَسْتَقِي مِنْهَا فَإِنْ قَصَدَ الْعَيْنَ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِنْ قَصَدَ عَيْنَ الْمَاءِ الْمَوْجُودَةَ بَطَلَ إنْ قَصَدَ بِسَبَّلْتُ الْوَقْفَ وَإِنْ قَصَدَ الصَّدَقَةَ لَا فَالْأَسْبِلَةُ الْمَوْجُودَةُ بِمِصْرَ لَيْسَ مَاؤُهَا هُوَ الْمَوْقُوفُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ بَلْ الْمَوْقُوفُ الْجِهَةُ الْمُعَيَّنُ مَصْرِفُهَا لِشِرَاءِ الْمَاءِ وَالْمَاءُ مَوْقُوفٌ تَبَعًا فَلَا يَضُرُّ ذَهَابُ عَيْنِهِ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا عَادَ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ) هَلَّا قَالَ وَإِلَّا عَادَ لِلْأَخِيرَةِ وَلَمَّا اتَّفَقَ مَعَهَا فِي الْفَرْضِ فَقَطْ لِيُفِيدَ عَوْدَهُ فِي نَحْوِ قَوْلِك أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ

ص: 52

إنْ عُطِفَ بِالْوَاوِ) عَادَ لِلْكُلِّ بِخِلَافِ الْفَاءِ وَثُمَّ مَثَلًا فَلِلْأَخِيرَةِ وَعَلَى هَذَا الْآمِدِيُّ حَيْثُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْإِمَامُ) الرَّازِيّ (لِلْأَخِيرَةِ) فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ (وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ عَوْدِهِ لِلْكُلِّ وَعَوْدِهِ لِلْأَخِيرَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) أَيْ لَا يُدْرَى مَا الْحَقِيقَةُ مِنْهُمَا وَيَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ بِالْقَرِينَةِ وَحَيْثُ وُجِدَتْ انْتَفَى الْخِلَافُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ قَالَ السُّهَيْلِيُّ بِلَا خِلَافٍ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] إلَى قَوْلِهِ

ــ

[حاشية العطار]

وَأَعْتِقْ عَبِيدَك وَاحْبِسْ دَارَك عَلَى أَعْمَامِك وَقِفْ بُسْتَانَك عَلَى إخْوَتِك وَسَبِّلْ بِئْرَك عَلَى جِيرَانِك إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ إلَى قَوْلِهِ وَاحْبِسْ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ قِيَاسُهُ الظَّاهِرُ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: إنْ عُطِفَ بِالْوَاوِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَالْمُتَبَادِرُ مِنْهَا اجْتِمَاعُ الْكُلِّ فِي التَّقْيِيدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَقَوْلُهُ مَثَلًا أَدْخَلَ بِهِ حَتَّى فَإِنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ أَيْضًا وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَدْ أَطْلَقُوا فِي عَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْجَمِيعِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَرَأَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ فَإِنْ كَانَ بِثُمَّ اُخْتُصَّ بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَالثَّانِي أَنْ لَا يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ كَلَامٌ طَوِيلٌ فَإِنْ تَخَلَّلَ كَقَوْلِهِ عَلَى أَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ فَنَصِيبُهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُعَقِّبْ فَنَصِيبُهُ لِلَّذِينَ فِي دَرَجَتِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهُوَ مَصْرُوفٌ إلَى إخْوَتِي إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ يَخْتَصُّ بِإِخْوَتِهِ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ وَصَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَاسْتِدْلَالُ الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ يَقْتَضِيهِ أَيْضًا اهـ. فَلْيُنْظَرْ هَذَا مَعَ مَا نُقِلَ سَابِقًا عَنْ الزَّرْكَشِيّ فَتَذَكَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) أَوْ نَاقَضَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِبَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ إنْ شَاءَ رَجَعَ إلَى الْكُلِّ وَنَاقَضَ فِي الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ أَوْصَيْتُ لِبَنِي فُلَانٍ وَلِبَنِي بَكْرٍ الْمَسَاكِينِ مِنْهُمْ قَالَ يَرْجِعُ إلَيْهِمَا، وَالتَّحَكُّمُ أَيْضًا بِالِانْحِصَارِ بَاطِلٌ إذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ أَوْصَيْت لِبَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ إلَّا الْفُسَّاقَ وَيَعْنِي بِهِ اسْتِثْنَاءَهُمْ عَنْ الْكُلِّ قَالَهُ فِي الْمَنْخُولِ.

(قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ مُطْلَقًا أَيْ لِفَرْضٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا عَطَفَ بِالْوَاوِ أَوْ لَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ) لِكَوْنِهِ بِلَصْقِهِ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) قَالَ بِهِ الْغَزَالِيُّ لِقَوْلِهِ فِي الْمَنْخُولِ فَالْوَجْهُ التَّرَدُّدُ وَإِبْطَالُ التَّحَكُّمِ بِكِلَا الْجَانِبَيْنِ.

(قَوْلُهُ: لَا يُدْرَى مَا الْحَقِيقَةُ مِنْهُمَا) أَيْ أَوْ هُمَا فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالْوَقْفِ لَمْ يُجْزَمْ فِيهِ بِشَيْءٍ.

(قَوْلُهُ: الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ الِاشْتِرَاكِ وَالْوَقْفِ.

(قَوْلُهُ: انْتَفَى الْخِلَافُ) أَيْ ثَمَرَتُهُ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ وَالْوَقْفِ مَوْجُودٌ بَلْ وَيُوجَدُ مَعَ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ يُعْدَلُ عَنْهَا لِلْقَرِينَةِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى) أَيْ كَالْقَرِينَةِ فِي قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ إلَخْ وَالْقَرِينَةُ فِيهَا وَفِي آيَةِ الْحِرَابَةِ بَعْدَهُ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِيهَا عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ مَا مَرَّ إذْ لَا مُخَصِّصَ لِبَعْضٍ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بَعْدَهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ وَالْقَرِينَةُ فِي آيَةِ الْقَتْلِ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي يَصَّدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْقَتِيلِ وَهُمْ مَذْكُورُونَ فِي الدِّيَةِ لَا فِي التَّحْرِيرِ مَعَ أَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ آدَمِيٌّ بِخِلَافِ التَّحْرِيرِ اهـ.

زَكَرِيَّا وَقَالَ الْكَمَالُ الْقَرِينَةُ فِي آيَةِ الْحِرَابَةِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ {الَّذِينَ} [المائدة: 33] فِي قَوْلِهِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ دَفْعَةً لِأَنْوَاعِهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْعُقُوبَاتُ بِاخْتِلَافِهَا لَا تَرْتِيبَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِهِ لَهَا لِيَعُودَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ} [الفرقان: 68] وَمَا بَعْدَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ عَائِدٌ إلَى جُمْلَةِ قَوْلِهِ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] وَهُوَ جُمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْكَلَامُ فِي جُمَلٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَفَادَهُ النَّاصِرُ وَمُحَصَّلُ جَوَابِ سم بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [الفرقان: 68] مُنْطَبِقًا عَلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ كَانَ عَائِدًا لَهَا

ص: 53

{إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إجْمَاعًا وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: 92] إلَى قَوْلِهِ {إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ أَيْ الدِّيَةِ دُونَ الْكَفَّارَةِ قَطْعًا أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ غَيْرُ عَائِدٍ إلَى الْأَوَّلِ أَيْ الْجَلْدِ قَطْعًا لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَفِي عَوْدِهِ إلَى الثَّانِيَةِ أَيْ عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْخِلَافُ فَعِنْدَنَا نَعَمْ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا.

(وَ) الِاسْتِثْنَاءُ (الْوَارِدُ بَعْدَ مُفْرَدَاتٍ) نَحْوُ تَصَدَّقْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ إلَّا الْفَسَقَةَ مِنْهُمْ (أَوْلَى بِالْكُلِّ) أَيْ بِعَوْدِهِ لِلْكُلِّ مِنْ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْمُفْرَدَاتِ (أَمَّا الْقِرَانُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ لَفْظًا) بِأَنْ تُعْطَفَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (فَلَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ) بَيْنَهُمَا (فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ حُكْمًا) أَيْ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ لِإِحْدَاهُمَا مِنْ خَارِجٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ)

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا} [المائدة: 34] فَإِنَّهُ عَائِدٌ إلَى الْجَمِيعِ أَيْ جَمِيعِ قَوْلِهِ {أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: 33] وَمَا بَعْدَهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ مُفْرَدَاتٌ لَا جُمَلٌ؛ لِأَنَّ أَنْ الْمَصْدَرِيَّةَ وَالْفِعْلَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ وَهُوَ مُفْرَدٌ قَالَهُ النَّاصِرُ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ تَسَمَّحُوا فِي عَدِّ مِثْلِ هَذِهِ جُمَلًا نَظَرًا إلَى أَصْلِهَا قَبْلَ دُخُولِ أَنْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ ذَلِكَ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى الْعَوْدِ لِجَمِيعِ الْجُمَلِ السَّابِقَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ وَالتَّسَمُّحُ بِنَحْوِ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ بِحَيْثُ لَا يُسْتَنْكَرُ.

(قَوْلُهُ: عَائِدٌ إلَى الْأَخِيرَةِ) بَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلِهِ {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ} [النساء: 92] وَقَوْلُهُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] مُفْرَدٌ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُبْتَدَأٌ وَالثَّانِيَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ مُبْتَدَأً مُقَدَّرَ الْخَبَرِ أَيْ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَعَلَيْهِ دِيَةٌ فَيَكُونُ عَلَى عَطْفِ الْجُمَلِ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور: 4] إلَخْ) هَذَا الصَّنِيعُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ فَاجْلِدُوهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَغَيْرِهِ فَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ جُمْلَةَ وَلَا تَقْبَلُوا مُنْقَطِعَةً عَنْ جُمْلَةِ فَاجْلِدُوهُمْ مَعَ أَنَّ كَوْنَهَا مَعْطُوفَةً عَلَيْهَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى وَمُنْشَأُ هَذَا الزَّعْمِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَبِلَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الْفِسْقِ وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ الْجَلْدَ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَعَلُّقُ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَخِيرَتَيْنِ وَقُطِعَ لَا تَقْبَلُوا عَنْ اجْلِدُوا إذْ لَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَيْهِ لَسَقَطَ الْجَلْدُ عَنْ التَّائِبِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُ مِنْ صَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ اهـ. سم. (قَوْلُهُ: قَطْعًا) أَيْ اتِّفَاقًا فِيهِمَا وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ إلَخْ بَيَانٌ لِقَرِينَةِ عَدَمِ عَوْدِهِ إلَى الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: الْخِلَافُ) أَيْ السَّابِقُ وَقَوْلُهُ فَعِنْدَنَا نَعَمْ أَيْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ فِي بَعْضِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا؛ لِأَنَّهُ يَخُصُّهُ بِالْأَخِيرَةِ فَعَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَهُوَ لَا يُصَدَّقُ بِالتَّوْبَةِ وَوَجْهُ كَوْنِهِ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ أَنَّهُ قَذَفَ بِلِسَانِهِ فَجَزَاؤُهُ قَطْعُهُ.

(قَوْلُهُ: مُفْرَدَاتٍ) أَيْ مَعْنًى وَلَفْظًا، فَإِنْ كَانَ فِي اللَّفْظِ جُمْلَةً، وَفِي الْمَعْنَى مُفْرَدًا وَرَدَ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، فَإِنَّ الْجُمَلَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي آيَةِ {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ} [المائدة: 33] الْآيَةَ فِي تَأْوِيلِ الْمُفْرَدَاتِ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنْ لَا خِلَافَ، وَقَدْ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِالْجُمَلِ قَدْ وَقَعَ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُفْرَدَاتِ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ: إذَا قَالَ: حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ طَالِقَتَانِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ عَقِبَ الْجُمَلِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ الْمُفْرَدَاتِ) أَيْ فَكَأَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْقِرَانُ) بِكَسْرِ الْقَافِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي بِالْوَصْلِ قَالَ سم: وَمُنَاسَبَةُ هَذَا لِمَا قَبْلَهُ ظَاهِرَةٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لِلْأُخْرَى نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ فِي رُجُوعِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لِمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: لَفْظًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ عَنْ النِّسْبَةِ أَوْ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ حُكْمًا وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْقِرَانِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ بِأَنْ يَتَبَيَّنَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا) بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ} [الأنعام: 141] فَعَطَفَ وَاجِبًا عَلَى مُبَاحٍ قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: حُكْمًا) أَيْ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ

ص: 54

مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (وَالْمُزَنِيِّ) مُنَافِي قَوْلِهِمَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي ذَلِكَ مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلْ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» فَالْبَوْلُ فِيهِ يُنَجِّسُهُ بِشَرْطِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَذَلِكَ حِكْمَةُ النَّهْيِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَكَذَا الِاغْتِسَالُ فِيهِ لِلْقِرَانِ بَيْنَهُمَا وَوَافَقَهُ أَصْحَابُهُ فِي الْحُكْمِ لِدَلِيلِ غَيْرِ الْقِرَانِ وَخَالَفَهُ الْمُزَنِيّ فِيهِ لِمَا تَرَجَّحَ عَلَى الْقِرَانِ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْحَدِيثِ طَاهِرٌ لَا نَجِسٌ وَيَكْفِي فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ ذَهَابُ الطَّهُورِيَّةِ.

(الثَّانِي) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (الشَّرْطُ) بِمَعْنَى صِيغَتِهِ (وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ نَفْسُهُ (مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ) احْتَرَزَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَائِعِ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: مِنْ الْحَنَفِيَّةِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْجُمَلِ النَّاقِصَةِ كَقَوْلِهِ {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا} [الطلاق: 2] فَالْجُمْلَتَانِ كَجُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْإِشْهَادُ فِي الْمُفَارَقَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَكَذَا فِي الرَّجْعَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يَقْتَضِي بِثُبُوتِ حُكْمٍ فِي إحْدَاهُمَا ثُبُوتُهُ فِي الْأُخْرَى أَيْ فَلَا يُقَالُ: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِلْقِرَانِ اهـ.

وَمُرَادُهُ بِالْجُمَلِ النَّاقِصَةِ غَيْرُ الْمُسْتَقِلَّةِ كَالْوَاقِعَةِ جَزَاءً لِلشَّرْطِ كَمَا مُثِّلَ بِهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ تَمْثِيلُ الشَّارِحِ بِالْحَدِيثِ الْآتِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ جُمْلَتَيْهِ مُسْتَقِلَّةٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَنَفِيَّةُ فِرْقَتَانِ فِرْقَةٌ قَيَّدَتْ، وَفِرْقَةٌ أَطْلَقَتْ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ (قَوْلُهُ: مِثَالُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد) الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ النَّهْيُ فَتَشَارَكَا فِيهِ وَاَلَّذِي لَمْ يُذْكَرْ هُوَ التَّنْجِيسُ بِهِمَا (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ) وَهُوَ كَوْنُ الْمَاءِ قَلِيلًا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ أَوْ بَلَغَهُمَا وَتَغَيَّرَ عِنْدَنَا - مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمَدَارُ التَّنْجِيسِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى التَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِقِلَّةِ الْمَاءِ أَوْ كَثْرَتِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ) أَيْ التَّنْجِيسُ مَعْلُومٌ أَيْ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ الْآيَةِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ التَّنْجِيسُ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَهُ الْمُزَنِيّ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي مِثَالِهِ لِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الْقِرَانُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّ الْقِرَانَ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي حُكْمِهِ الْمِثَالُ الْمَذْكُورُ لِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الْقِرَانِ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: لِمَا تَرَجَّحَ) أَيْ لِدَلِيلٍ تَرَجَّحَ، وَقَوْلُهُ: فِي أَنَّ الْمَاءَ أَيْ فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَاءَ إلَخْ (قَوْلُهُ: ذَهَابُ الطَّهُورِيَّةِ) لِأَنَّهُ بِالِاسْتِعْمَالِ صَارَ غَيْرَ طَهُورٍ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لِبَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ فَلَعَلَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ تَقْذِيرُهُ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُسْتَبْحَرُ إلَّا أَنْ يُلْتَزَمَ فِيهِ عَدَمُ النَّهْيِ.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى صِيغَتِهِ) لِأَنَّهَا الْمَوْصُوفَةُ بِالِاتِّصَالِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ وَهُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ، وَالْمُرَادُ بِالصِّيغَةِ هُنَا الْجُمْلَةُ الْأُولَى مِنْ جُمْلَتَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَا الْأَدَاةُ، وَإِطْلَاقُ الشَّرْطِ عَلَى الصِّيغَةِ لُغَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى وُقُوعِ الْجَزَاءِ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ لُغَةً مُحَقِّقٌ ذَلِكَ نَعَمْ تَسْمِيَتُهَا شَرْطًا اصْطِلَاحِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَيْ الشَّرْطُ نَفْسُهُ إلَخْ) فَفِي عِبَارَتِهِ اسْتِخْدَامٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ نَفْسِهِ مَدْلُولُ الصِّيغَةِ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ بِمَا ذُكِرَ الشَّرْطُ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمُشْتَرَطِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ إلَخْ فَفِي عِبَارَتِهِ تَسَمُّحٌ (قَوْلُهُ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ) مَا وَاقِعَةٌ عَلَى شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ الْمَاهِيَّةِ لِمَا اُشْتُهِرَ أَنَّ الشَّرْطَ مَا كَانَ خَارِجَ الْمَاهِيَّةِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لِلرُّكْنِ (قَوْلُهُ: بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ إلَخْ) الْقَيْدُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ.

وَالْقَيْدُ الثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ، وَلَا عَدَمٌ، وَالْقَيْدُ الثَّالِثُ هُوَ قَوْلُهُ: لِذَاتِهِ، وَسَكَتَ عَنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَلَا عَدَمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ الْمَانِعُ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِهِ الْعَدَمُ، وَإِخْرَاجُهُ فِيمَا سَبَقَ

ص: 55

فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ، وَبِالثَّانِي مِنْ السَّبَبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَبِالثَّالِثِ مِنْ مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ لِلسَّبَبِ فَيَلْزَمُ الْوُجُودُ كَمَوْجُودِ الْحَوْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ النِّصَابِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ، وَمِنْ مُقَارَنَتِهِ لِلْمَانِعِ كَالدَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَيَلْزَمُ الْعَدَمُ فَلُزُومُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ فِي ذَلِكَ لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَالْمَانِعُ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ ثُمَّ هُوَ عَقْلِيٌّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ وَشَرْعِيٌّ كَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَعَادِيٌّ كَنَصْبِ السُّلَّمِ لِصُعُودِ السَّطْحِ وَلُغَوِيٌّ وَهُوَ الْمُخَصَّصُ كَمَا فِي أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ جَاءُوا أَيْ الْجَائِينَ مِنْهُمْ فَيَنْعَدِمُ الْإِكْرَامُ الْمَأْمُورُ بِانْعِدَامِ الْمَجِيءِ وَيُوجَدُ بِوُجُودِهِ إذَا اُمْتُثِلَ الْأَمْرُ (وَهُوَ) أَيْ الشَّرْطُ الْمُخَصِّصُ (كَالِاسْتِثْنَاءِ اتِّصَالًا) فَفِي وُجُوبِهِ هُنَا الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ

ــ

[حاشية العطار]

بِاعْتِبَارِ عَدَمِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَانِعَ لَهُ اعْتِبَارَانِ خَرَجَ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ الْعَدَمُ، وَخَرَجَ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْآخَرِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ مَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَلَا عَدَمٌ، ثُمَّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَيْدَ الثَّالِثَ مُخْتَصٌّ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ إلَخْ

وَلَا يَرْجِعُ لِمَا قَبْلَهُ أَيْضًا أَعْنِي قَوْلَهُ: مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَالْوَجْهُ رُجُوعُهُ لَهُ أَيْضًا لِإِخْرَاجِ الْمَانِعِ إذَا قَارَنَهُ عَدَمُ الشَّرْطِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ حِينَئِذٍ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمِ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ الْعَدَمُ الشَّرْطُ الَّذِي قَارَنَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ إلَخْ) وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ (قَوْلُهُ: مُقَارَنَةِ الشَّرْطِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: التَّعْبِيرُ بِالْمُقَارَنَةِ تَسَمُّحٌ؛ لِأَنَّ الْمَدْخَلَ إنَّمَا هُوَ الشَّرْطُ الْمُقَارِنُ لِذَلِكَ لَا الْمُقَارَنَةُ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ بَعْدُ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِقَيْدِ لِذَاتِهِ؛ وَلِذَا حَذَفَ بَعْضَهُمْ؛ إذْ الْمُقْتَضِي لِمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ الْمُقَارِنُ لَهُ مِنْ السَّبَبِ أَوْ الْمَانِعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: كَوُجُودِ الْحَوْلِ إلَخْ) لَمْ يُفْرَضْ الْكَلَامُ فِي الْوُضُوءِ وَدُخُولِ الْوَقْتِ لِعَدَمِ تَوَارُدِهِمَا عَلَى مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْوُضُوءَ شَرْطُ صِحَّةٍ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ سَبَبٌ فِي الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ مُقَارَنَتِهِ) أَيْ الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: فَلُزُومُ الْوُجُودِ إلَخْ) فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُقَارَنَتَيْنِ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ السَّبَبِ) أَيْ فِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: وَالْمَانِعُ) أَيْ فِي الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ) فَقَوْلُهُ: لِذَاتِهِ رَاجِعٌ لِلْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى، وَكَانَ الْقَيْدُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا لِلْإِيضَاحِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عَدَمِ الشَّرْطِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ هُوَ) أَيْ الشَّرْطُ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا الشَّرْطُ الْمُخَصَّصُ بِقَرِينَةٍ آخِرَ كَلَامِهِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَقَاصِدِ الْكِتَابِ أَشَارَ بِهَا إلَى أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يَكُونُ شَرْطًا فِيمَا لَيْسَ مُؤَثِّرًا فَإِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ مُؤَثِّرًا، وَكَذَا الْعِلْمُ شَرْطٌ فِي الْإِرَادَةِ، وَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لَا مُؤَثِّرَةٌ خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْمَحْصُولِ فِي ضَابِطِهِ: إنَّهُ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ تَأْثِيرُ الْمُؤَثِّرِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ: وَلُغَوِيٌّ) إدْخَالُهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، وَهُوَ الصِّيغَةُ؛ لِأَنَّهَا لَفْظٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا التَّعْرِيفُ الْمُتَقَدِّمُ وَالصِّيغَةُ، وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّ الْمُلْتَفَتَ إلَيْهِ فِي التَّخْصِيصِ كَوْنُهَا وَارِدَةً عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْجَائِينَ مِنْهُمْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ يَرْجِعُ إلَى الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: فَيَنْعَدِمُ الْإِكْرَامُ إلَخْ) وَهُوَ الْمَشْرُوطُ، فَإِنَّ الْمَشْرُوطَ هُوَ الْإِكْرَامُ الْمَأْمُورُ بِهِ لَا مُطْلَقًا فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ: هَذَا الْمِثَالُ لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ الْإِكْرَامِ مِنْ عَدَمِ الْمَجِيءِ (قَوْلُهُ: إذَا اُمْتُثِلَ) أَيْ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ لِذَاتِهِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّهُ سَبَبٌ لَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّ الشَّرْطَ اللُّغَوِيَّ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ سَبَبٌ جَعْلِيٌّ أَيْ يَجْعَلُ الْمُتَكَلِّمَ وَاعْتِبَارُهُ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ إلَخْ فَلَا يَصِحُّ إدْرَاجُهُ هُنَا لِعَدَمِ انْطِبَاقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ هَذَا فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْغَالِبِ، وَالْكَلَامُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ

(قَوْلُهُ: اتِّصَالًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْمُضَافِ، وَالْأَصْلُ اتِّصَالُهُ كَالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ (قَوْلُهُ: الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ) أَيْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ

ص: 56

عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ فِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهُوَ صِفَةُ شَرْطٍ وَقِيلَ يَجِبُ اتِّصَالُ الشَّرْطِ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ حَيْثُ قَالَ: لَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا (وَأَوْلَى) مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ (بِالْعَوْدِ إلَى الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَحْسِنْ إلَى رَبِيعَةَ وَاخْلَعْ عَلَى مُضَرَ إنْ جَاءُوك (عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ: يَعُودُ إلَى الْكُلِّ اتِّفَاقًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ لَهُ صَدْرُ الْكَلَامِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ تَقْدِيرًا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ وَضُعِّفَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ فَقَطْ (وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الْأَكْثَرِ بِهِ وِفَاقًا) نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إنْ كَانُوا عُلَمَاءَ، وَيَكُونُ جُهَّالُهُمْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَفِي إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ بِهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ، وَفِي حِكَايَةِ الْوِفَاقِ تَسَمُّحٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الْقَوْلِ

ــ

[حاشية العطار]

وَغَيْرِهِ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ لِلْأَصْفَهَانِيِّ قَالَ الْمَازِرِيُّ: التَّوَابِعُ هِيَ النَّعْتُ وَالْعَطْفُ وَالتَّأْكِيدُ وَالْبَدَلُ وَالشَّرْطُ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ اتِّصَالِهَا وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَفِيهِ الْخِلَافُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الْأَصَحِّ عَائِدٌ لِمَا هُنَا أَيْضًا، وَهُوَ يَقْتَضِي جَرَيَانَ الْخِلَافِ، وَيُقَيِّدُ مَا فِي النَّاصِرِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى الْأَصَحِّ رَاجِعٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ، وَهُوَ يَصْدُقُ بِالِاتِّفَاقِ فَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مِنْ الِاتِّفَاقِ لَا يُنَافِي التَّصْحِيحَ كَمَا ادَّعَاهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23] الْآيَةَ فَقَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَمِثْلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - لَا الِاسْتِثْنَاءِ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ حَيْثُ جَرَى فِيهَا الْخِلَافُ، وَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مَوْقُوفَةً عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - كَانَ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُتَكَلِّمِ إرَادَتَهَا، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ غَيْرِهَا

(قَوْلُهُ: وَأَوْلَى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ يُعْرَفُ مِنْ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ بُعَيْدَهُ وَلِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْهُ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِعَوْدِهِ لِلْكُلِّ وَبِعَوْدِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَا قَبْلَهُ فَقَطْ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: أَيْ كُلُّ الْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ) لَوْ قَالَ أَيْ كُلُّ الْمُتَعَاطِفَاتِ كَانَ أَوْلَى لِيَتَنَاوَلَ الْمُفْرَدَاتِ وَتَقَدَّمَ الشَّرْطُ اهـ. زَكَرِيَّا.

وَقَدْ يُقَالُ: الْعُذْرُ فِي اقْتِصَارِ الشَّارِحِ عَلَى الْجُمَلِ؛ لِأَنَّهَا مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَأَمَّا الْمُفْرَدَاتُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْفُرُوعِ وَاسْتِدْلَالُ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الِاتِّفَاقُ فِي الْمُفْرَدَاتِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَقَدُّمَ الِاسْتِثْنَاءِ حَتَّى يُحِيلَ عَلَيْهِ مَا هُنَا (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَعُودُ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ الْعَوْدِ مَعَ أَنَّ التَّصْحِيحَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْأَوْلَوِيَّةِ لَا لِلْعُودِ، وَمُقَابِلُهُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَأَمَّا الْعَوْدُ اتِّفَاقًا فَهُوَ مَصْدُوقُ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَحَقِّقَةٌ فِيهِ كَذَا اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُتَبَادَرِ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا جَرَى فِي الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْعَوْدِ لِلْكُلِّ، وَالتَّرْجِيحُ عَلَيْهِ تَصِحُّ الْمُقَابَلَةُ، وَلَوْ جُعِلَتْ الْأَوْلَوِيَّةُ مُتَحَقِّقَةً فِي الِاتِّفَاقِ كَانَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ غَيْرُ حُكْمِ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: مُتَقَدِّمٌ تَقْدِيرًا) لِتَوَقُّفِ الْمَشْرُوطِ عَلَى تَحَقُّقِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ فِي اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فِي التَّقْدِيرِ أَيْضًا التَّوَقُّفُ الْإِخْرَاجُ عَلَى وُجُودِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَوْدِ الشَّرْطِ إلَى الْجَمِيعِ لِتَقَدُّمِهِ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِ مَعَ تَأَخُّرِهِ؛ لِأَنَّ لِلتَّقَدُّمِ أَثَرًا فِي عَوْدِهِ إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا يَكُونُ مَا عَدَا الْأُولَى مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةٍ تُقَرِّرَ لَهَا الْجَزَائِيَّةَ، وَالْعَطْفُ لِلْمُشَارَكَةِ، فَيُنَاسِبُ أَنْ تُشَارِكَهَا فِي الْعَطْفِ بِخِلَافِ الْأَخِيرَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّهَا لَمْ تُعْطَفْ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُذْكَرُ بَعْدَهَا، فَلَوْ عَادَ إلَى الْكُلِّ لَصَارَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُشْرِكًا لِلْمَعْطُوفِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ، وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ) أَيْ الَّذِي قَصَدَ تَقْيِيدَهُ بِهِ فَيُمْكِنُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُ قَيْدًا لِبَعْضِ الْجُمَلِ لَا لِكُلِّهَا

(قَوْلُهُ: وَيَكُونُ جُهَّالُهُمْ إلَخْ) فِيهِ وُقُوعُ الْمُضَارِعِ الْمُثْبَتِ حَالًا بِالْوَاوِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِالْمَاضِي أَيْ وَإِنْ كَانَ حَالُهُمْ (قَوْلُهُ: تَسَمُّحٌ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِالتَّسَمُّحِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوِفَاقِ قَوْلَ الْأَكْثَرِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْوِفَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّهُ عَلَى التَّسَمُّحِ لَمْ يُرِدْ مَعْنَى الْوِفَاقِ بَلْ مَعْنَى مَا يَقْرَبُ مِنْهُ كَقَوْلِ الْأَكْثَرِ وَكَانَ الْمَعْنَى عَلَى

ص: 57

بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ وِفَاقَ مَنْ خَالَفَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَقَطْ.

(الثَّالِثُ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (الصِّفَةُ) نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ الْفُقَهَاءُ غَيْرُهُمْ، وَهِيَ (كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ) فَتَعُودُ إلَى كُلِّ الْمُتَعَدِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَلَوْ تَقَدَّمَتْ) نَحْوُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ الْمُحْتَاجِينَ، وَوَقَفْت عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ فَيَعُودُ الْوَصْفُ فِي الْأَوَّلِ إلَى الْأَوَّلِ مَعَ أَوْلَادِهِمْ، وَفِي الثَّانِي إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مَعَ الْأَوْلَادِ وَقِيلَ: لَا (أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ) نَحْوُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي الْمُحْتَاجِينَ وَأَوْلَادِهِمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ قَوْلِهِ: لَا نَعْلَمُ فِيهَا نَقْلًا (فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: تَعُودُ إلَى مَا وَلِيَهَا أَيْضًا.

(الرَّابِعُ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (الْغَايَةُ) نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ إلَى أَنْ يَعْصُوا خَرَجَ حَالُ عِصْيَانِهِمْ فَلَا يُكْرَمُونَ فِيهِ، وَهِيَ (كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ) فَتَعُودُ إلَى كُلِّ مَا تَقَدَّمَهَا عَلَى الْأَصَحِّ نَحْوُ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَأَحْسِنْ إلَى رَبِيعَةَ وَتَعَطَّفْ عَلَى مُضَرَ إلَى أَنْ يَرْحَلُوا (وَالْمُرَادُ) بِالْغَايَةِ (غَايَةٌ تَقَدَّمَهَا عُمُومٌ يَشْمَلُهَا لَوْ لَمْ تَأْتِ مِثْلُ) مَا تَقَدَّمَ، وَمِثْلُ قَوْله تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29] إلَى قَوْلِهِ {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التوبة: 29] فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تَأْتِ

ــ

[حاشية العطار]

التَّشْبِيهِ أَيْ كَالْوِفَاقِ وَعَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ وِفَاقٌ مَخْصُوصٌ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ) أَيْ لَا بُدَّ فِي التَّخْصِيصِ الشَّامِلِ لِلتَّخْصِيصِ بِالشَّرْطِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: قَرِيبٌ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ) أَيْ: وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرِيدَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: تَسَمُّحٌ فَهُوَ جَوَابٌ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وِفَاقَ مَنْ خَالَفَ) أَيْ فَيَكُونُ وِفَاقًا خَاصًّا لَا عَامًّا (قَوْلُهُ: فِي الِاسْتِثْنَاءِ) أَيْ إخْرَاجُ الْأَكْثَرِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ.

(قَوْلُهُ: الصِّفَةُ) أَيْ الْمَعْنَوِيَّةُ لَا خُصُوصُ النَّحْوِيَّةِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي فِي الْأَمْثِلَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْعَوْدِ) أَيْ وَفِي الِاتِّصَالِ، وَصِحَّةُ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ فَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي الْعَوْدِ لَكَانَ أَعَمَّ (قَوْلُهُ: وَوُقِفَتْ عَلَى مُحْتَاجِي إلَخْ) مِثَالٌ لِمَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ (قَوْلُهُ: مَعَ أَوْلَادِهِمْ) أَدْخَلَ مَعَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ، وَأَدْخَلَهَا فِي الثَّانِي عَلَى الْأَوْلَادِ لِانْعِكَاسِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) الْعَطْفُ عَلَى الْمُضَافِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُتَوَسِّطَةُ فَالْمُخْتَارُ اخْتِصَاصُهَا بِمَا وَلِيَتْهُ) ذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُهَا إلَى مَا وَلِيَهَا أَيْضًا بَلْ قِيلَ إنَّ عَوْدَهَا إلَيْهِمَا أَوْلَى مِمَّا إذَا تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اشْتِرَاكُ الْمُتَعَاطِفَاتِ فِي الْمُتَعَلِّقَاتِ، وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ ابْنِهِ خَضِرٍ الْمَذْكُورِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ خَضِرٌ وَأَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ الْوَاقِفِ وَبَقِيَ ابْنُ بِنْتِ ابْنِ خَضِرٍ وَبِنْتُ ابْنِ خَضِرٍ هَلْ تَدْخُلُ الْبِنْتُ أَوْ لَا عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَقَالَ: إنَّ الْبِنْتَ لَا تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ مِنْ الْمَذْكُورِ قَالَ وَهَذَا الشَّرْطُ مُسْتَمِرٌّ فِي بَطْنٍ وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [المائدة: 95] فَصَارَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إلَى أَنَّ الطَّعَامَ يَتَعَلَّقُ بِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ فِي الْهَدْيِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَجَعَلَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَوَّلِ يَجْرِي فِيمَا بَعْدَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: خَرَجَ حَالٌ إلَخْ) يَقْتَضِي أَنَّهُ تَخْصِيصٌ فِي الْأَحْوَالِ مَعَ أَنَّ أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ لِلْعُمُومِ فِي الْأَشْخَاصِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَحْوَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ خَرَجُوا مِنْ هَذِهِ الْحَالِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ: فَلَا يُكْرَمُوا (قَوْلُهُ: فِي الْعَوْدِ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ الِاتِّصَالُ فِيهَا، وَجَوَازُ إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ بِهَا كَمَا ذُكِرَ فِي الشَّرْطِ، وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ: الْغَايَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الِاتِّصَالُ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ وَكَذَا إذَا وَلِيَتْ مُتَعَدِّدًا تَعُودُ لِلْكُلِّ نَحْوُ وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي إلَى أَنْ يَسْتَغْنُوا وَكَذَا فِي إخْرَاجِ الْأَكْثَرِ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَجَمْعِ الْجَوَامِعِ إنَّهَا كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْعَوْدِ فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الْقَصْرَ عَلَى الْعَوْدِ فَقَطْ بَلْ تَعَرُّضًا لِكَوْنِهِ أَهَمَّ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ) قَدْ يُقَالُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمُخَصِّصَةَ لِلْعَامِّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ شَامِلًا لَهَا لَوْ لَمْ تَأْتِ، كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مُخَصَّصٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ: وَأَمَّا مِثْلُ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: تَقَدُّمِهَا) أَيْ تَقَدُّمًا رُتْبِيًّا فَيَشْمَلُ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ فِي اللَّفْظِ أَوْ تَوَسَّطَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ

ص: 58

لَقَاتَلْنَاهُمْ أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ أَمْ لَا (وَأَمَّا مِثْلُ) قَوْله تَعَالَى {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] مِنْ غَايَةٍ لَمْ يَشْمَلْهَا عُمُومُ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلَةِ حَتَّى تَشْمَلَهُ (فَلِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ) فِيمَا قَبْلَهَا كَعُمُومِ اللَّيْلَةِ لِأَجْزَائِهَا فِي الْآيَةِ لَا لِلتَّخْصِيصِ (وَكَذَا) قَوْلُهُمْ (قُطِعَتْ أَصَابِعُهُ مِنْ الْخِنْصِرِ إلَى الْبِنْصِرِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَثَالِثِهِمَا فَإِنَّ الْغَايَةَ فِيهِ لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ أَيْ أَصَابِعُهُ جَمِيعُهَا بِأَنْ قُطِعَ مَا عَدَا الْمَذْكُورَيْنِ بَيْنَ قَطْعَيْهِمَا وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْخِنْصِرِ إلَى الْإِبْهَامِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحَيْ الْمُخْتَصَرِ وَالْمِنْهَاجِ وَعَدَلَ عَنْهُ إلَى مَا هُنَا لِمَا فِيهِ مِنْ السَّجْعِ مَعَ الْبَلَاغَةِ الْمُحَوِّجِ إلَى التَّدْقِيقِ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ، وَذَكَرَ مِثَالَيْنِ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ فِي الثَّانِي مِنْ الْمُغَيَّا بِخِلَافِهِمَا فِي الْأَوَّلِ.

(الْخَامِسُ) مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ الْمُتَّصِلَةِ (بَدَلُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ نَحْوُ أَكْرِمْ النَّاسَ الْعُلَمَاءَ (وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُونَ، وَصَوَّبَهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ فَلَا تَحَقُّقَ فِيهِ لِمَحَلٍّ يَخْرُجُ مِنْهُ فَلَا تَخْصِيصَ بِهِ.

(الْقِسْمُ الثَّانِي) مِنْ الْمُخَصَّصِ (الْمُنْفَصِلُ) أَيْ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: لَقَتَلْنَاهُمْ) أَيْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِقِتَالِهِمْ لَكِنَّ الشَّارِحَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبِعَ الشَّيْخَ السُّبْكِيَّ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَالْمُرَادُ إلَخْ عِبَارَةُ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ: فَإِنَّ اللَّازِمَ الْأَمْرُ بِالْمُقَاتَلَةِ لِأَنْفُسِهَا (قَوْلُهُ: أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ أَمْ لَا) عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعُمُومُ فِي الْأَحْوَالِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى لَقَاتَلْنَا الْأَفْرَادَ الَّذِينَ أَعْطَوْا، وَاَلَّذِينَ لَمْ يُعْطُوا عَلَى أَنَّ الْمُلَاحَظَ الْعُمُومُ فِي الْأَشْخَاصِ (قَوْلُهُ: كَعُمُومِ اللَّيْلَةِ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا) فِيهِ رَدٌّ لِمَا فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ مِنْ التَّنْظِيرِ مِنْ الْمِثَالِ قَالَ: لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَيْسَتْ بِعَامَّةٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَرَدَتْ فِي صِيغَةِ عُمُومٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَتَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَيُؤَيِّدُ الرَّدَّ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَالْقَاتِلُ لَهُ حُكْمٌ ثَبَتَ لِمُتَعَدِّدٍ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَحْدُودِ، وَزَادَ الشَّارِحُ الْكَافَ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مِثْلُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا لِلتَّخْصِيصِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمَتْنِ فَلِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ قَطْعَيْهِمَا) أَيْ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ بِأَنْ بَدَأَ بِأَحَدِهِمَا، وَخَتَمَ بِالْآخَرِ، وَفِي نُسْخَةٍ قَطْعِهِمَا، وَهِيَ أَنْسَبُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْغَايَةَ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الشَّبَهِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْبَلَاغَةِ) وَهِيَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِمُقْتَضَى الْحَالِ، وَالْحَالُ هُوَ اخْتِبَارُ السَّامِعِ هَلْ يُدْرِكُ الْمَعَانِيَ الدَّقِيقَةَ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ مِثَالَيْنِ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا لَوْ كَانَا فِي مَوْضُوعٍ وَاحِدٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَشْبِيهُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فِي كَوْنِ الْغَايَةِ فِيهِ لِتَحْقِيقِ الْعُمُومِ فَلَوْ قَالَ: وَفَصَّلَهُ بِكَذَا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ إلَخْ لَكَانَ أَحْسَنَ.

(قَوْلُهُ: بَدَلُ الْبَعْضِ) وَكَذَا بَدَلُ الِاشْتِمَالِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى بَدَلِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا مُعَبَّرٌ بِهِ عَنْ الذَّاتِ بِأَوْصَافِهَا مِنْ عِلْمٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا قِيلَ: عِلْمُهُ خَصَّصَ الْعُمُومَ الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُمُومِ مُطْلَقُ الشُّمُولِ كَذَا قِيلَ، وَفِيهِ أَنَّ الْعِلْمَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الذَّاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ إشْعَارَهُ بِالصِّفَاتِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ النَّفْعَ مَثَلًا إنَّمَا يَكُونُ أَثَرَ الصِّفَةِ مِنْ صِفَاتِهِ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ كَرْمُهُ أَوْ عِلْمُهُ أَوْ جَاهُهُ مَثَلًا فَصَارَ الْعِلْمُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مُشْعِرًا بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْبَدَلِ أَيْضًا مِنْ الِاتِّصَالِ كَسَائِرِ التَّوَابِعِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الصِّفَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ الْأَكْثَرُ، وَيَبْقَى الْأَوَّلُ وَأَمَّا تَعْقِيبُهُ لِمُتَعَدِّدٍ حَيْثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ الْكُلِّ وَمِنْ الْأَخِيرِ كَوَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي أَرْشَدِهِمْ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا سَبَقَ (قَوْلُهُ: أَكْرِمْ النَّاسَ الْعُلَمَاءَ) عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ بَدَلٌ لَا نَعْتٌ وَالْأَرْجَحُ لِلصِّفَةِ، وَالْمِثَالُ يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَالُ (قَوْلُهُ: فَلَا تَخْصِيصَ بِهِ) ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ لِكَوْنِهِ إخْرَاجًا يَسْتَدْعِي مُخْرَجًا مِنْهُ، وَلَا مُخْرَجَ مِنْهُ فِي الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ فَكَأَنَّهُ مَعْدُومٌ، وَكَأَنَّ الْبَدَلَ ذُكِرَ ابْتِدَاءً حَتَّى كَأَنَّك قُلْت: ابْتِدَاءً أَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فِي نِيَّةِ الطَّرْحِ أَنَّهُ مَطْرُوحٌ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي اللَّفْظِ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ ذِكْرِ الْبَدَلِ، وَالْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ

ص: 59

مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ وَبَدَأَ بِالْغَيْرِ لِقِلَّتِهِ فَقَالَ (يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْحِسِّ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ عَلَى عَادٍ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] أَيْ تُهْلِكُهُ فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْحِسِّ أَيْ الْمُشَاهَدَةِ مَا لَا تَدْمِيرَ فِيهِ كَالسَّمَاءِ (وَالْعَقْلُ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْعَقْلِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ - تَعَالَى - لَيْسَ خَالِقًا لِنَفْسِهِ (خِلَافًا لِشُذُوذٍ) مِنْ النَّاسِ فِي مَنْعِهِمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ قَائِلِينَ إنَّ

ــ

[حاشية العطار]

الْأَلْفَاظِ فَالْمَنْظُورُ لَهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ فَلَا وَجْهَ لِتَصْوِيبِ وَالِدِ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ عَطْفَ الْبَيَانِ، وَقَدْ أَدْخَلَهُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي الصِّفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَيْ بِالْوَصْفِ مَا أَشْعَرَ بِمَعْنًى يَتَّصِفُ بِهِ أَفْرَادُ الْعَامِّ سَوَاءٌ كَانَ نَعْتًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ أَوْ حَالًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ جُمْلَةً أَوْ شِبْهَهَا، وَهُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ وَالظَّرْفُ اهـ.

بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الْغُنَيْمِيِّ تِلْمِيذِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَلْ التَّوْكِيدُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا، فَإِنْ قُلْنَا إنَّ أَجْمَعِينَ مَثَلًا يَقْتَضِي الِاتِّحَادَ فِي الْوَقْتِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا، وَنَقَلَ لَنَا بَعْضُ الْأَفَاضِلِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي أَنْفُسِهِمْ اخْتَصَّ بِأَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَلَا يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ.

(قَوْلُهُ: مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ) بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْعَامِّ مَعَهُ (قَوْلُهُ: لَقُلْته) أَيْ لِيَتَفَرَّغَ لِمَا يَطُولُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالْحِسِّ) قَدَّمَهُ عَلَى الْعَقْلِ لِمَا قَالَ الْإِمَامُ فِي أَوَّلِ الْبُرْهَانِ إنَّ اخْتِيَارَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ الْمُدْرَكَ بِالْحَوَاسِّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَأَنَّ الْقَلَانِسِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدَّمَ الْمَعْقُولَاتِ اهـ. فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ خِلَافٌ فِيمَا إذَا تَعَارَضَ فِي لَفْظٍ عَامٍّ أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا بِالْعَقْلِ أَوْ بِالْحِسِّ أَيُّهُمَا يَكُونُ هُوَ الْمُخَصَّصَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

وَنَازَعَ فِي هَذَا الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ بِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَخْصُوصِ بِالْحِسِّ فَقَدْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي الرِّيحِ) الْأَوْضَحُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالسِّيَاقِ فَإِنَّ الْمَأْلُوفَ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ شَيْءٍ مِمَّا أُرِيدَ تَدْمِيرُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّا نُدْرِكُ بِالْحِسِّ) الْمُرَادُ أَيَّ حِسٍّ كَانَ قِيلَ: وَمِنْهُ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُدْرَكٌ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ الْحِسُّ نَفْسُهُ مَانِعًا مِنْ التَّنَاوُلِ وَالسَّمْعُ لَوْ خُلِّيَ، وَنَفْسُهُ لَا يَمْنَعُ فَالْحَقُّ أَنَّ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ مِنْ الْمُخَصِّصِ بِاللَّفْظِيِّ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُشَاهَدَةُ) تَفْسِيرُ الْحِسِّ بِالْمُشَاهَدَةِ نَظَرًا لِلْآيَةِ، وَإِلَّا فَالْحِسُّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِلْحَوَاسِّ الْخَمْسَةِ الظَّاهِرَةِ مَعَ أَنَّ الْحَاكِمَ فِيهَا هُوَ الْعَقْلُ بِوَاسِطَتِهَا فَيَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْعَقْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْعَقْلُ) أَيْ بِدُونِ وَاسِطَةٍ وَإِلَّا فَالْمَانِعُ فِي الْحِسِّ الْعَقْلُ فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِخُرُوجِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ بِوَاسِطَةِ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْعَقْلِ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَيُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ مَا كَانَ بِدُونِ وَاسِطَةٍ ثُمَّ إنَّ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ تَارَةً يَكُونُ ضَرُورِيًّا كَمَا مُثِّلَ أَوْ نَظَرِيًّا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ: كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: 97] فَإِنَّ الْعَقْلَ بِنَظَرِهِ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ فِي التَّكْلِيفِ بِالْحَجِّ لِعَدَمِ فَهْمِهِمَا بَلْ هُمَا فِي جُمْلَةِ الْغَافِلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِخِطَابِ التَّكْلِيفِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنَّمَا جَازَ التَّخْصِيصُ بِالْعَقْلِ، وَلَمْ يَجُزْ النَّسْخُ بِهِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ، أَوْ يَتَضَمَّنُهُ، وَالْعَقْلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِذَاتِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: النَّسْخُ بَيَانٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ (قَوْلُهُ: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) التَّمْثِيلُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامِهِ، وَعَلَى أَنَّ لَفْظَ شَيْءٍ يُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى، وَفِي كِلَيْهِمَا خِلَافٌ (قَوْلُهُ: ضَرُورَةً جَعَلَهُ) ضَرُورَةً بَعْدَ اتِّضَاحِهِ الْآتِي فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَهُ نَظَرِيٌّ (قَوْلُهُ: لِشُذُوذِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: فِي مَنْعِهِمْ التَّخْصِيصَ بِالْعَقْلِ) لَمْ يَذْكُرْ الْحِسَّ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفُ تَشْمَلُهُ إمَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ، وَإِمَّا؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِهِ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ بِوَاسِطَةٍ كَمَا مَرَّ

ص: 60

مَا نَفَى الْعَقْلُ حُكْمَ الْعَامِّ عَنْهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَامُّ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ (وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ) رضي الله عنه (تَسْمِيَتَهُ تَخْصِيصًا) نَظَرًا إلَى أَنَّ مَا تَخَصَّصَ بِالْعَقْلِ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِالْحُكْمِ (وَهُوَ) أَيْ الْخِلَافُ (لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ، وَالتَّسْمِيَةُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى الْعَقْلِ فِيمَا نَفَى عَنْهُ حُكْمَ الْعَامِّ وَهَلْ يُسَمَّى نَفْيُهُ لِذَلِكَ تَخْصِيصًا فَعِنْدَنَا نَعَمْ، وَعِنْدَهُمْ لَا وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْحِسِّ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَوَّضَ الْبَيَانَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّخْصِيصُ بَيَانٌ فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ لَنَا الْوُقُوعُ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: مَا نَفَى الْعَقْلُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ نَفَى وَمَصْدُوقُ مَا كَالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ مَثَلًا فِي الْآيَةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَامُّ) أَيْ حَتَّى يَصِحَّ إخْرَاجُهُ، وَإِنَّمَا الْعَقْلُ اقْتَضَى عَدَمَ دُخُولِهِ فِي لَفْظِ الْعَامِّ، وَفُرِّقَ بَيْنَ عَدَمِ دُخُولِهِ وَبَيْنَ خُرُوجِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْعَامِّ لَهُ عَدَمَ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ وَإِنْ أُرِيدَ مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَغَيْرُ مُضِرٍّ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْمُخَصِّصَاتِ التَّنَاوُلُ الْحُكْمِيُّ فِيهَا مَنْفِيٌّ.

وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى عَلَى الْكَائِنَةِ أَيْ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اللَّفْظُ لِمَنْعِ الْعَقْلِ لَهُ (قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ) فِيهِ أَنَّ كُلَّ تَخْصِيصٍ كَذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ بِالْحُكْمِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ مَا اسْتَنَدَ لِشَيْءٍ تَصِحُّ إرَادَتُهُ (قَوْلُهُ: تَسْمِيَتُهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِمَعْنَى الْإِخْرَاجِ بِالْعَقْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَقَوْلِ الشُّذُوذِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَمْنَعُ التَّسْمِيَةَ مَعَ قَوْلِهِ بِأَنَّ لَفْظَ الْعَامِّ شَامِلٌ لِمَا نَفَاهُ الْعَقْلُ، وَالشُّذُوذُ يَمْنَعُونَ التَّنَاوُلَ لِمَا نَفَاهُ الْعَقْلُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ التَّسْمِيَةِ فَمَا عَلَّلَ بِهِ الشُّذُوذُ عَدَمَ تَنَاوُلِ الْعَامِّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ عَلَّلَ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَدَمَ التَّسْمِيَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: لِمَ لَمْ يَقُلْ خِلَافًا لِشُذُوذٍ وَالشَّافِعِيِّ

(قَوْلُهُ: أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ) الْمُتَبَادَرِ إلَى أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ خِلَافٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَمَرَةٌ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا يُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الرُّجُوعِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمْ لَا) مُسَلَّمَ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلشُّذُوذِ فَالْحَلِفُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجُمْهُورِ مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْفُونَ التَّنَاوُلَ لَفْظًا وَحُكْمًا (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ إلَخْ) فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالْحِسِّ تَخْصِيصٌ بِالْعَقْلِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَخْصِيصِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْمُخَصِّصِ النَّقْلِيِّ قِيلَ: كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَالصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُقَابِلَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهُ لِبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ وَأَنْزَلْنَا إلَخْ) وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ) أَيْ أَوْ فِعْلِهِ (قَوْلُهُ: لَنَا الْوُقُوعُ) وَهُوَ مِنْ أَقْوَى أَدِلَّةِ الْجَوَازِ

ص: 61

كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] الشَّامِلُ لِأُولَاتِ الْأَحْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فَإِنْ قَالَ الْمَانِعُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ قُلْنَا: الْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَبَيَانُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يَصْدُقُ بِالْبَيَانِ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89](وَالسُّنَّةُ بِهَا) أَيْ بِالسُّنَّةِ وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَقَصَرَ بَيَانَهُ عَلَى الْقُرْآنِ لَنَا الْوُقُوعُ كَتَخْصِيصِ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» بِحَدِيثِهِمَا «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» (وَ) السُّنَّةُ (بِالْكِتَابِ) وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] جَعَلَهُ مُبَيِّنًا لِلْقُرْآنِ فَلَا يَكُونُ الْقُرْآنُ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ قُلْنَا: لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]، وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَوْله تَعَالَى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَإِنْ خَصَّ مِنْ عُمُومِهِ مَا خَصَّ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ (وَالْكِتَابُ بِالْمُتَوَاتِرَةِ) وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْفِعْلِيَّةِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي إنَّ فِعْلَ الرَّسُولِ لَا يُخَصِّصُ.

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ} [البقرة: 228] إلَخْ) هَذَا مَخْصُوصٌ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ شُمُولُهُ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ بِقَوْلِهِ {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالسُّنَّةُ) أَيْ الْعَامَّةُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ، وَفِيهِ الْعَطْفُ لِمَعْمُولَيْنِ عَلَى مَعْمُولَيْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: لِتُبَيِّنَ) أَيْ بِسُنَّتِك، فَالْبَيَانُ بِالسُّنَّةِ مَقْصُورٌ عَلَى الْقُرْآنِ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ السُّنَّةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ السُّنَّةُ مُبَيِّنَةً ثُمَّ إنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ هُنَا لَا يُنَافِي الِاسْتِدْلَالَ بِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ كُلًّا اسْتَدَلَّ بِهَا بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ مِنْهَا، وَالْآيَةُ الْوَاحِدَةُ تَحْتَمِلُ مَعَانِيَ كَثِيرَةً أَوْ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَوَّلَ نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44] أَيْ بِالسُّنَّةِ وَهَذَا نَاظِرٌ لِقَوْلِهِ {مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] حَيْثُ جَعَلَهُ خَاصًّا بِالْقُرْآنِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ نَاظِرٌ إلَى الْفَاعِلِ أَيْ تُبَيِّنَ أَنْتَ وَالثَّانِي نَاظِرٌ إلَى الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا نَاظِرٌ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مَعًا (قَوْلُهُ: قَصَرَ بَيَانَهُ عَلَى الْقُرْآنِ) أَيْ قَصَرَ بَيَانَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُبَيَّنٌ بِالْفَتْحِ فِي قَوْلِهِ: " مَا نُزِّلَ " فَلَا يُبَيَّنُ بِسُنَّةٍ إلَّا الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى بَيَانُ النَّبِيِّ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقُرْآنَ مُبَيِّنٌ بِالْكَسْرِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ} [النحل: 44] أَيْ الَّذِي يُبَيِّنُ بِهِ الْقُرْآنُ لَا السُّنَّةُ ثُمَّ إنَّ الْقَصْرَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْمَفْهُومِ؛ إذْ الْمَعْنَى لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ لَا غَيْرُهُ ثُمَّ إنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ دَاوُد وَطَائِفَةٌ حَيْثُ قَالُوا: يَتَعَارَضَانِ، وَهَذَا يَشْمَلُ الْمُتَوَاتِرَةَ بِالْمُتَوَاتِرَةِ وَالْآحَادَ بِالْآحَادِ وَتَصَوُّرُ الْأَوَّلِ فِي زَمَانِنَا عُسْرٌ كَمَا قَالَ الْقَرَافِيُّ لِفَقْدِ التَّوَاتُرِ قَالَ: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي عَصْرَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ كَانَتْ فِي زَمَانِهِمْ مُتَوَاتِرَةً لِقُرْبِ الْعَهْدِ وَشِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِالرُّوَاةِ

(قَوْلُهُ: قُلْنَا: لَا مَانِعَ إلَخْ) فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْكِتَابِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ فَنَظَرَ هَاهُنَا لِلْفَاعِلِ وَلِلْمَفْعُولِ قَوْلُهُ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] لَوْ قَالَ الْآيَةَ أَوْلَى فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِهِ {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4](قَوْلُهُ: وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إلَخْ) لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى الْوُقُوعِ كَمَا فَعَلَ فِي الَّذِينَ قَبْلَهُ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ «مَا قُطِعَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} [النحل: 80] الْآيَةَ قَوْلُهُ {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] وَالسُّنَّةُ مِنْ الْأَشْيَاءِ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْقُرْآنِ) أَيْ كَالْعَقْلِ وَالْحِسِّ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَبِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ يَأْتِي لِلشَّارِحِ قَوْلٌ إنَّ فِعْلَهُ يُنْسَخُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا بِطَرِيقِ التَّأَسِّي.

ص: 62

(وَكَذَا) يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ (بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا، وَإِلَّا لَتَرَكَ الْقَطْعِيَّ بِالظَّنِّيِّ، قُلْنَا: مَحَلُّ التَّخْصِيصِ دَلَالَةُ الْعَامِّ، وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ، وَالْعَمَلُ بِالظَّنَّيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا (وَثَالِثُهَا) قَالَ ابْنُ أَبَانَ يَجُوزُ

ــ

[حاشية العطار]

وَقَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنْ قِيلَ «قَالَ عليه الصلاة والسلام إذَا رُوِيَ عَنِّي حَدِيثٌ فَأَعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ وَافَقَهُ فَاقْبَلُوهُ، وَإِنْ خَالَفَهُ فَرُدُّوهُ» وَخَبَرُ الْوَاحِدِ الْمُعَارِضُ لِلْكِتَابِ مُخَالِفٌ لَهُ فَيُرَدُّ، وَلَا يُخَصَّصُ بِهِ فَيَمْتَنِعُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَنْقُوضٌ بِجَرَيَانِهِ فِي الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ؛ إذْ لَوْ صَحَّ مَا ذُكِرَ لَمَا خُصَّ الْكِتَابُ بِهِ لِمُخَالَفَتِهِ إيَّاهُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَأَيْضًا الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْوَاجِبِ عَرْضُهُ عَلَى الْكِتَابِ هُوَ مَا لَمْ يُقْطَعْ بِأَنَّهُ حَدِيثُهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ فَإِنْ قِيلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ خَاصًّا ظَنِّيٌّ وَالْكِتَابُ قَطْعِيٌّ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَامَّ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ مَقْطُوعُ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ لِثُبُوتِهِمَا بِالتَّوَاتُرِ، لَكِنَّهُ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ، وَالْخَاصُّ مَقْطُوعُ الدَّلَالَةِ مَظْنُونُ السَّنَدِ فَتَعَادَلَا لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا قَطْعِيًّا مِنْ وَجْهٍ ظَنِّيًّا مِنْ وَجْهٍ فَجَازَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا، وَالْقَوْلُ بِالتَّخْصِيصِ الْمُقْتَضِي لِرُجْحَانِ الْخَاصِّ لَا يُنَافِي التَّعَادُلَ؛ إذْ هُوَ بِحَسَبِ الذَّاتِ وَالرَّاجِحُ بِزَائِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ إعْمَالُ الدَّلِيلِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) خُصَّ بِقَاطِعٍ أَوَّلًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْخِلَافُ مَوْضِعُهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَإِنْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ، وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَنَهْيُهُ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُخْتِهَا» فَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى رِوَايَتِهَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ اهـ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُخَصِّصَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ الْإِجْمَاعُ، وَكَلَامُنَا فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا اُحْتُفَّ بِالْقَرَائِنِ أَفَادَ الْعِلْمَ كَالْمُتَوَاتِرِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ، وَفِي التَّحْرِيرِ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّخْصِيصِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِلْكِتَابِ بَعْدَ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْقَطْعِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ وَارِدَةٌ عَنْ ظَاهِرِ الْمَتْنِ (وَقَوْلُهُ: وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ) وَالْقَطْعِيُّ إنَّمَا هُوَ الْمَتْنُ (قَوْلُهُ: بِالظَّنِّيَّيْنِ) وَلَوْ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: ابْنُ أَبَانَ) اسْمُهُ عِيسَى مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَمَّا أَبَانُ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الصَّرْفُ، وَعَدَمُهُ فَمَنْ لَمْ يَصْرِفْهُ جَعَلَهُ فِعْلًا مَاضِيًا، وَالْهَمْزَةُ زَائِدَةٌ فَيَكُونُ أَفْعَلَ، وَمَنْ صَرَفَهُ جَعَلَ الْهَمْزَةَ أَصْلًا فَيَكُونُ فَعَالًا، وَصَرْفُهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ اللُّغَةِ وَالْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ اهـ. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ الْمُحَدِّثُونَ وَالْفُقَهَاءُ عَلَى عَدَمِ صَرْفِ أَبَانَ هَذَا، وَكَذَلِكَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه -

ص: 63

(إنْ خُصَّ بِقَاطِعٍ) كَالْعَقْلِ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ، أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا خُصَّ بِاللَّفْظِ حَقِيقَةٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ (: وَعِنْدِي عَكْسُهُ) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَيْثُ فُرِّقَ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ: يَجُوزُ إنْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُخَرَّجَ بِالْقَطْعِيِّ لَمَّا لَمْ تَصِحَّ إرَادَتُهُ كَانَ الْعَامُّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ فَيُلْحَقُ بِمَا لَمْ يُخَصَّ (وَقَالَ الْكَرْخِيُّ) يَجُوزُ إنْ خُصَّ (بِمُنْفَصِلٍ) قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ فَالْعُمُومُ فِي الْمُتَّصِلِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ حَقِيقَةٌ (وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ لَنَا الْوُقُوعُ كَتَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] إلَخْ الشَّامِلِ لِلْوَلَدِ الْكَافِرِ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: إنْ خُصَّ بِقَاطِعٍ) أَيْ قَبْلَ تَخْصِيصِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ الْعَقْلَ خَصَّ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ لَهُمَا فَيَصِحُّ تَخْصِيصُ هَذَا حِينَئِذٍ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ بَابَ التَّخْصِيصِ بِالْقَاطِعِ انْجَرَّ الِاحْتِمَالُ إلَى التَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ: إنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عِنْدَهُ قَبْلَ التَّخْصِيصِ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ قَطْعِيَّةٌ، فَإِذَا خُصَّ بِهِ صَارَ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى آحَادِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ) أَوْرَدَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ ابْنِ أَبَانَ أَنْ يَكُونَ التَّخْصِيصُ بِظَنِّيٍّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَصَّصُ بِهِ إلَّا إذَا خُصَّ بِقَاطِعٍ أَوْ لَا.

وَأَجَابَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَا مَعْنًى لِبِنَاءِ كَلَامِهِ عَلَى مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ فَالْأَوْلَى الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ظَنِّيٌّ غَيْرُ خَبَرِ الْآحَادِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ خَبَرِ الْآحَادِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا خُصَّ بِقَاطِعٍ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْآحَادِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ صَارَتْ ضَعِيفَةً؛ لِأَنَّهَا مَجَازِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَصَّ، أَوْ خُصَّ بِظَنِّيٍّ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا حَقِيقَةٌ، قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْمِنْهَاجِ لِوَالِدِهِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَجْتَمِعُ هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ أَبَانَ مِنْ أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَرْعُ كَوْنِهِ حُجَّةً، قُلْت: إنَّمَا مَنَعَ ابْنُ أَبَانَ حُجِّيَّةَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا، وَلَيْسَ بَعْضُ الْمَحَامِلِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَيَبْقَى مُجْمَلًا، فَإِذَا وَرَدَ بَعْدَ ذَلِكَ مُخَصِّصٌ جَزَمْنَا بِإِخْرَاجِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِجْمَالِ لَا يُجْزَمُ بِإِرَادَتِهِ، وَلَا بِعَدَمِهَا

(قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلٍ) تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَقِيلَ: مَجَازٌ إنْ خُصَّ بِغَيْرِ لَفْظٍ كَالْعَقْلِ (قَوْلُهُ: إنَّ مَا خُصَّ بِاللَّفْظِ حَقِيقَةٌ) فِيهِ قُصُورٌ؛ إذْ اللَّفْظُ قَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا كَمَا يَكُونُ ظَنِّيًّا، وَالْفَرْضُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ لَفْظًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مُتَعَقِّبًا عَلَى ابْنِ أَبَانَ (قَوْلُهُ: وَعِنْدِي عَكْسُهُ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُخْتَارُ الْعَكْسُ، وَإِلَّا لَنَافَاهُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجُمْهُورِ بَلْ لَوْ سَلِمَ كَلَامُ ابْنِ أَبَانَ لَكَانَ الْأَوْلَى الْعَكْسَ، وَلِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّارِحُ الْعِبَارَةَ عَنْ ظَاهِرِهَا، وَقَالَ أَيْ يَنْبَغِي فَمَحَلُّ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ مَعَ ابْنِ أَبَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِي دَلِيلِهِ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ خِلَافًا لِمَا حَلَّ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُ الْمَتْنِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَنَّهُ قَوْلٌ مُسْتَقِلٌّ ارْتَكَبَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَجَّهَهُ وَتَعَقَّبَهُ فِي ذَلِكَ التَّوْجِيهِ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: فَيُلْحَقُ بِمَا لَمْ يُخَصَّ) أَيْ فِي قُوَّةِ دَلَالَتِهِ بِخِلَافِ مَا دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ عَلَى أَفْرَادِهِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَقَطْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَصَّ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي) قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ:

ص: 64

وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي تَخْصِيصِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ ثُمَّ الْبَيْضَاوِيِّ زِيَادَةً عَلَى إمَامِهِ.

(وَ) يَجُوزُ التَّخْصِيصُ لِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ (بِالْقِيَاسِ) الْمُسْتَنِدِ إلَى نَصٍّ خَاصٍّ وَلَوْ كَانَ خَبَرَ وَاحِدٍ (خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ (مُطْلَقًا) بَعْدَ أَنْ جَوَّزَهُ حَذَرًا مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى النَّصِّ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَلِلْجُبَّائِيِّ) أَبِي عَلِيٍّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ (إنْ كَانَ) الْقِيَاسُ (خَفِيًّا) لِضَعْفِهِ بِخِلَافِ الْجَلِيِّ وَسَيَأْتِيَانِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْجُبَّائِيُّ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَقَدْ مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحَيْهِ (وَلِابْنِ أَبَانَ إنْ لَمْ يُخَصَّ مُطْلَقًا) بِخِلَافِ مَا خُصَّ فَيَجُوزُ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِ حِينَئِذٍ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ هُنَا، وَقَيَّدَهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْقَاطِعِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَهُ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَكُنْ رَاوِيهِ فَقِيهًا (وَ) خِلَافًا (لِقَوْمٍ) فِي مَنْعِهِمْ (إنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ) أَيْ أَصْلُ الْقِيَاسِ وَهُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ (مُخَصَّصًا) بِفَتْحِ الصَّادِ (مِنْ الْعُمُومِ) أَيْ مُخْرَجًا مِنْهُ (بِنَصٍّ) بِأَنْ لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ مِنْهُ غَيْرُ أَصْلِ الْقِيَاسِ بِخِلَافِ أَصْلِهِ فَكَأَنَّ التَّخْصِيصَ بِنَصِّهِ (وَلِلْكَرْخِيِّ) فِي مَنْعِهِ (إنْ لَمْ يُخَصَّ بِمُنْفَصِلٍ) بِأَنْ لَمْ يُخَصَّ أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ لِضَعْفِ دَلَالَةِ الْعَامِّ حِينَئِذٍ (وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) عَنْ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ

ــ

[حاشية العطار]

الْخَامِسُ يَعْنِي مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ لَكِنْ مَا وَقَعَ حَكَاهُ الْقَاضِي فِي الْقَرِيبِ وَحَكَى قَوْلًا آخَرَ أَنَّ الدَّلِيلَ قَامَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْآحَادِ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا

السَّادِسُ الْوَقْفُ إمَّا عَلَى مَعْنَى لَا نَدْرِي، وَإِمَّا عَلَى مَعْنَى تَعَارُضِ أَمْرَيْنِ دَلَالَةً لِلْعُمُومِ عَلَى إثْبَاتِهِ وَالْخُصُوصِ عَلَى نَفْيِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَتْنَ الْكِتَابِ قَطْعِيٌّ، وَفَحْوَاهُ مَظْنُونٌ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ بِالْعَكْسِ فَتَعَارَضَا، وَلَا مُرَجِّحَ فَالْوَقْفُ اهـ.

وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْعَضُدُ عَنْ الْقَاضِي الْوَقْفُ بِمَعْنَى لَا أَدْرِي فَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ كَمَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي الْخِلَافُ) أَيْ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ، وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْخِلَافِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالسُّنَّةِ بِهَا اهـ. زي.

مِنْ إطْلَاقِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي تَنَاوُلِ تَخْصِيصِ الْمُتَوَاتِرَةِ بِالْآحَادِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَفْرُوضًا فِي الْمُتَسَاوِيَيْنِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: عَلَى إمَامِهِ) أَيْ الرَّازِيّ؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ كَثِيرًا وَيَخْتَصِرُ كَلَامَهُ فِي الْمَحْصُولِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ سُنَّةً) ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا مُتَوَاتِرَةً أَوْ لَا وَقَيَّدَهَا الْقَرَافِيُّ بِالْمُتَوَاتِرَةِ، وَكَذَا الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ نَظْمِ وَالِدِهِ الْمِنْهَاجِ (قَوْلُهُ: إلَى نَصٍّ خَاصٍّ) بِأَنْ كَانَ حُكْمُ أَصْلِهِ مُخْرَجًا مِنْ الْعُمُومِ بِنَصٍّ خَاصٍّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ ثُمَّ إنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ أَمَّا الْمَقْطُوعُ فَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ قَطْعًا، وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِ مُحَقَّقَةً، أَوْ قُطِعَ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ، وَانْتَفَى الْفَارِقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ قَطْعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّخْصِيصَ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّ غَيْرَهُ ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِي الْحَقِيقَةِ بِدَلِيلِهِ لَا بِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) إذْ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنَّ كُلَّ نَصٍّ أَصْلٌ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّا لَمْ نُقَدِّمْ الْقِيَاسَ عَلَى أَصْلِهِ بَلْ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ لَيْسَ فَرْعًا دَلِيلُهُ مِثْلُهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ) أَيْ جَوَازَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُخَصِّصَ لِلْعَامِّ بِالْقَطْعِيِّ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ لِنَظْمِ وَالِدِهِ لِلْمِنْهَاجِ مَا نَصُّهُ: رَابِعُهَا الْجَوَازُ إنْ خُصَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَقْطُوعٍ بِهِ لَا بِمَظْنُونٍ، وَأَطْلَقَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْلِهِ: وَشَرَطَ ابْنُ أَبَانَ التَّخْصِيصَ اعْتِمَادًا عَلَى تَقْيِيدِهِ بِالْمَقْطُوعِ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ اهـ.

فَلْيُحَرَّرْ النَّقْلُ عَنْ ابْنِ أَبَانَ (قَوْلُهُ: أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ) أَيْ فَلِذَلِكَ أَطْلَقَ التَّخْصِيصَ بِهِ (قَوْلُهُ: فَقِيهًا) أَيْ مُجْتَهِدًا كَمَا هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَصْلِهِ) أَيْ تَخْصِيصِ أَصْلِهِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ كَمَا إذَا قِيلَ: لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ وَفُرِضَ أَنَّهُ أَخْرَجَ الْبُرَّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ ثُمَّ يُقَاسُ عَلَى هَذَا الْبُرِّ الذُّرَةُ (قَوْلُهُ: بِنَصِّهِ) أَيْ بِنَصِّ ذَلِكَ الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: لِضَعْفِ دَلَالَةِ الْعَامِّ) ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَجَازِيَّةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ فِي الْمُتَّصِلِ بِالنَّظَرِ إلَى أَفْرَادِهِ فَكَأَنْ لَا تَخْصِيصَ

ص: 65

لَنَا أَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ خُصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] الْأَمَةُ فَعَلَيْهَا نِصْفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْعَبْدُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَةِ النِّصْفُ أَيْضًا.

(وَ) يَجُوزُ التَّخْصِيصُ (بِالْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ وَإِنْ قُلْنَا: الدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قِيَاسِيَّةٌ بِأَنْ يُقَالَ: مَنْ أَسَاءَ إلَيْك فَعَاقِبْهُ، ثُمَّ يُقَالَ: إنْ أَسَاءَ لَك زَيْدٌ فَلَا تَقُلْ لَهُ أُفٍّ (وَكَذَا دَلِيلُ الْخِطَابِ) أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهِ (فِي الْأَرْجَحِ) وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ بِالْمَنْطُوقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ مَنْطُوقٌ خَاصٌّ لَا مَا هُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَالْمَفْهُومُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَقَدْ خَصَّ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُنَا: لَنَا أَنَّ إعْمَالَ إلَخْ) تَمَامُ تَقْرِيرِهِ أَنْ يُقَالَ: لَنَا أَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَارَضَ مِثْلَهُ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِهِ إعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إلْقَاءِ أَحَدِهِمَا

(قَوْلُهُ: وَقَدْ خُصَّ مِنْ قَوْلِهِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] إلَخْ قَالَ سم هَذَا لَا يَصْلُحُ حُجَّةً عَلَى ابْنِ أَبَانَ وَالْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ إذَا خُصَّ الْعَامُّ بِتَخْصِيصٍ آخَرَ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ نَعَمْ يَصْلُحُ التَّخْصِيصُ فِي الْآيَةِ لِلرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ الرَّازِيّ حَيْثُ مَنَعَ مُطْلَقًا وَعَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ تَوَقَّفَ قَوْلُهُ: {مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ} [النساء: 25] أَيْ الْحَرَائِرِ الْأَبْكَارِ (قَوْلُهُ: وَالْعَبْدُ) لَعَلَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلِّمُ ذَلِكَ، وَثَبَتَ حُكْمُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ هَذَا الْقِيَاسِ

(قَوْلُهُ: وَبِالْفَحْوَى) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ، كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ نَفْسِ الْفَحْوَى إذَا لَمْ يَعُدْ التَّخْصِيصُ فِيهِ بِالنَّقْضِ عَلَى الْمَلْفُوظِ مِثْلَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ الدَّالِّ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فَيُخَصُّ بِمَا إذَا لَمْ تَفْجُرْ الْأُمُّ مَثَلًا، وَيَرْتَدَّ الْأَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ عَلَى أَصْلِهِ بِالنَّقْضِ فَلَا يَجُوزُ مِثْلُ أَنْ يُبَاحَ ضَرْبُ الْوَالِدَيْنِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ مَعَ تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ، وَكَذَا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى ثُبُوتِ مِثْلِ الْحُكْمِ الْمَنْطُوقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ كَمَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِ إلَخْ) لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ قِيَاسِيَّةٍ، وَإِلَّا تَكَرَّرَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا دَلِيلُ الْخِطَابِ فِي الْأَرْجَحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْفَحْوَى، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الشَّرْحِ الْمُخْتَصَرِ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ دَلِيلَ مُقَابِلِ الْأَرْجَحِ فِي دَلِيلِ الْخِطَابِ جَارٍ هُنَا فَيَنْبَغِي جَرَيَانُ ذَلِكَ الْمُقَابِلِ هُنَا وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقُوا بِأَنَّ الْفَحْوَى أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَرَى فِيهَا قَوْلٌ: إنَّهَا مَنْطُوقٌ كَمَا سَبَقَ فَهِيَ إمَّا مَنْطُوقٌ أَوْ فِي حُكْمِهِ لِفَوْتِهَا؛ فَلِهَذَا لَمْ يَجْرِ فِيهَا هَذَا الْمُقَابِلُ تَأَمَّلْ سم (قَوْلُهُ: عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَفْهُومُ) أَيْ عَلَى الْفَرْدِ، وَهُوَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ الَّذِي هُوَ مَفْهُومٌ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُقَدَّمَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ) أَيْ بِأَنَّ الْمَنْطُوقَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ إعْمَالَ الدَّلِيلَيْنِ، وَهُمَا الْمَفْهُومُ وَالْعَامُّ) أَيْ مَفْهُومُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ وَالْعَامُّ، وَهُوَ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا) وَهُوَ الْمَفْهُومُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ خَصَّ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ) أَيْ خَصَّ عُمُومَ الْمَاءِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ كَذَا مَثَّلَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا أَنَّ الْكُلَّ مَثَّلُوا بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَارٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ عَامٌّ عَلَى وَجْهٍ وَخَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَالْأَوَّلُ عَامٌّ مِنْ جِهَةِ حَمْلِ الْخَبَثِ، وَهُوَ التَّنَجُّسُ فِيمَا تَغَيَّرَ وَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَخَاصٌّ مِنْ جِهَةِ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَالثَّانِي عَامٌّ مِنْ حَيْثُ الْقُلَّتَانِ وَدُونَهُمَا، وَخَاصٌّ مِنْ حَيْثُ التَّقْيِيدُ بِالتَّغَيُّرِ، وَلَيْسَ تَخْصِيصُ عُمُومِ أَحَدِهِمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَيُوقَفُ حَتَّى يُرَجَّحَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِدَلِيلٍ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِهِ هُوَ الثَّانِي هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى

ص: 66

إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ» بِمَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» .

(وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ وَتَقْرِيرِهِ فِي الْأَصَحِّ) فِيهِمَا، كَمَا لَوْ قَالَ: الْوِصَالُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ثُمَّ فَعَلَهُ أَوْ أَقَرَّ مَنْ فَعَلَهُ وَقِيلَ: لَا يُخَصِّصَانِ بَلْ يَنْسَخَانِ حُكْمَ الْعَامِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَسَاوِي النَّاسِ فِي الْحُكْمِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنْ النُّسَخِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْمَال الدَّلِيلَيْنِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَطْفَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ) وَعَكْسَهُ الْمَشْهُورُ (لَا يُخَصِّصُ) الْعَامَّ وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ إلَخْ) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَهُ رِيحٌ وَلَوْنٌ، وَالْحُكَمَاءُ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ؛ إذْ هُوَ عُنْصُرٌ بَسِيطٌ، وَالْبَسَائِطُ لَا لَوْنَ لَهَا وَلَا رِيحَ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ رِيحُهُ الْعَارِضُ عَلَيْهِ إلَخْ وَقَدْ دَلَّ بَسْطُنَا ذَلِكَ عَلَى حَوَاشِي الْمَقُولَاتِ الْكُبْرَى وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فِي وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ) أَيْ لَا يَتَنَجَّسُ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا فَهُوَ عَامٌّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَعْنَى إذَا بَلَغَ فِي الِانْتِقَاصِ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ أَيْ فَيُنَجَّسُ.

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ التَّخْصِيصُ) أَيْ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (قَوْلُهُ: بِفِعْلِهِ عليه السلام) إنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مِمَّنْ قَالَ بِجَوَازِ التَّخْصِيصِ بِالسُّنَّةِ، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَكُونَ مُخَصَّصًا بِالْفَتْحِ؛ إذْ لَا عُمُومَ لَهُ بَلْ مُخَصِّصًا بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ: وَتَقْرِيرُهُ) وَهَلْ التَّخْصِيصُ بِنَفْسِ تَقْرِيرِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ سَبْقِ قَوْلٍ بِهِ فَيُسْتَدَلُّ بِتَقْرِيرِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ خُصَّ بِقَوْلٍ سَابِقٍ؛ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْعَامِّ إلَّا بِإِذْنٍ صَرِيحٍ، فَتَقْرِيرُهُ دَلِيلُ ذَلِكَ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَإِلْكِيَا قَالَ ابْنُ فُورَكٍ وَالطَّبَرِيُّ إنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ أَفَادَهُ الْبِرْمَاوِيُّ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ الْوِصَالُ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْمَاوِيُّ مَحَلُّ كَوْنِهِ تَخْصِيصًا إذَا كَانَ الْعُمُومُ شَامِلًا لَهُ وَلِلْأُمَّةِ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مَثَلًا ثُمَّ يَفْعَلُ الْفِعْلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِيهِ إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا إذَا أَوْجَبْنَا التَّأَسِّي بِهِ فِيهِ فَيَرْتَفِعُ الْحُكْمُ عَنْ الْكُلِّ، وَذَلِكَ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْعُمُومُ لِلْأُمَّةِ دُونَهُ فَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ، وَقَدْ مُثِّلَ ذَلِكَ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَاسْتِدْبَارِهَا ثُمَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ شَامِلٌ لِلصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ فَيَحْرُمُ فِيهِمَا، وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ يَكُونُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُصَّ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ مُخْتَصًّا بِذَلِكَ فَالتَّخْصِيصُ لِلْبَيَانِ مِنْ الْعُمُومِ سَوَاءٌ هُوَ وَالْأُمَّةُ فِي ذَلِكَ

(قَوْلُهُ: بَلْ يَنْسَخَانِ حُكْمَ الْعَامِّ) أَيْ فَتَكُونُ الْحُرْمَةُ مَنْسُوخَةً عَنْ كُلِّ مُسْلِمٍ ثُمَّ إنَّ هَذَا كَلَامٌ مُجْمَلٌ يُعْلَمُ تَفْصِيلُهُ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ الْبِرْمَاوِيِّ فَتَقْرِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا مِنْ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْعَامِّ فَهَلْ يَكُونُ تَخْصِيصًا إذَا وُجِدَتْ شَرَائِطُ التَّقْرِيرِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ مُسَاوَاةُ الَّذِي قَرَّرَهُ لِغَيْرِهِ كَانَ تَخْصِيصًا، وَإِنْ ثَبَتَ الْمُسَاوَاةُ لِجَمِيعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ أَوْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَمَلِ كَانَ نَاسِخًا، وَمَثَّلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مَا يَكُونُ تَخْصِيصًا «بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَتَرْكُهُ صلى الله عليه وسلم أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ، وَكَذَا تَقْرِيرُهُ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ لِمَنْ نَامَ قَاعِدًا» اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ تَسَاوِي النَّاسِ فِي الْحُكْمِ) لَعَلَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ إنْ اُشْتُهِرَ كَوْنُ الْفِعْلِ مِنْ خَصَائِصِهِ

ص: 67

أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ قُلْنَا فِي الصِّفَةِ مَمْنُوعٌ مِثَالُ الْعَكْسِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» يَعْنِي كَافِرٌ حَرْبِيٌّ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ بِغَيْرِ الْحَرْبِيِّ فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: يُقَدَّرُ الْحَرْبِيُّ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ فِي صِفَةِ الْحُكْمِ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَ بِهِ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ، وَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ: لَا يُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِكَافِرٍ وَلَا الْمُسْلِمُ بِكَافِرٍ فَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْأَوَّلِ الْحَرْبِيُّ فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الثَّانِي الْحَرْبِيُّ أَيْضًا لِوُجُوبِ الِاشْتِرَاكِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّمْثِيلُ بِالْحَدِيثِ لِمَسْأَلَةِ: إنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (رُجُوعَ الضَّمِيرِ أَوْ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ حَذَرًا مِنْ مُخَالَفَةِ الضَّمِيرِ لِمَرْجِعِهِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي الْمُخَالَفَةِ لِقَرِينَةٍ مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] فَضَمِيرُ بُعُولَتِهِنَّ لِلرَّجْعِيَّاتِ وَيَشْمَلُ قَوْلُهُ وَالْمُطَلَّقَاتُ مَعَهُنَّ الْبَوَائِنَ وَقِيلَ لَا وَيُؤْخَذُ حُكْمُ الْبَوَائِنِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (مَذْهَبَ الرَّاوِي) لِلْعَامِّ بِخِلَافِهِ لَا يُخَصِّصُهُ

ــ

[حاشية العطار]

لَمْ يُخَصَّ بِهِ، وَإِلَّا خُصَّ كَمَا جَزَمَ بِهِ سُلَيْمٌ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ إلْكِيَا: إنَّهُ الْأَصَحُّ قَالَ: وَلِهَذَا حَمَلَ الشَّافِعِيُّ «تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها وَهُوَ عليه الصلاة والسلام مُحْرِمٌ» عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) يُحْتَمَلُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ حُذِفَ خَبَرُهُ أَيْ كَذَلِكَ، وَالنَّصْبُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ عَطْفَ، وَقَوْلُهُ الْمَشْهُورُ أَيْ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَوْ بِالْخِلَافِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي عَكْسِهِ أَيْضًا الِاتِّحَادُ الْمُدْرَكُ وَفِيهِ إيمَاءٌ لِعُذْرِ الْمُصَنِّفِ فِي تَرْكِهِ الْعَكْسَ (قَوْلُهُ: أَيْ يَقْصُرُهُ إلَخْ) هَذَا مَعْنًى آخَرَ لِلتَّخْصِيصِ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمَ قَصْرُهُ عَلَى مَا عَدَا الْخَاصَّ

(قَوْلُهُ: وَصِفَتُهُ) وَمِنْهَا الْخُصُوصُ وَتَعْمِيمُ الْخَاصِّ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَمْرٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: مِثَالُ الْعَكْسِ) قَدَّمَهُ لِوُرُودِ مِثَالِهِ وَلِأَنَّهُ الَّذِي اُشْتُهِرَ فِيهِ الْخِلَافُ فَقَدَّمَهُ اعْتِنَاءً بِهِ قَوْلُهُ: «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» قَالَ الشِّهَابُ الْعَامُّ الْكَافِرُ الْأَوَّلُ وَالْخَاصُّ الْكَافِرُ الْمُقَدَّرُ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْكَافِرِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ مَعْطُوفٌ بِالْوَاوِ الدَّاخِلَةِ عَلَى: وَلَا ذُو عَهْدٍ فَإِنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ عَطَفَ ذُو عَلَى مُسْلِمٍ وَبِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ عَلَى بِكَافِرٍ اهـ.

وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، أَوْ عَكْسِهِ (قَوْلُهُ: لِلْإِجْمَاعِ عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ الْمُعَاهَدِ وَهُوَ عِلَّةٌ لِتَقْدِيرِ الْخَاصِّ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ (قَوْلُهُ: فِي صِفَةِ الْحُكْمِ) وَهِيَ الْحِرَابَةُ، وَهِيَ صِفَةٌ خَاصَّةٌ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا صِفَةً لِلْحُكْمِ أَنَّهَا صِفَةٌ لِمُتَعَلِّقِهِ، وَهُوَ الشَّخْصُ الْكَافِرُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ صِحَّةَ التَّمْثِيلِ بِهِ فِي الْمَوْضُوعَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ فَالتَّمْثِيلُ بِهِ هُنَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ أَيْ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ، وَالتَّمْثِيلُ بِهِ هُنَاكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْعَامِّ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ (قَوْلُهُ: وَرُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَخْ) قَدْ يُعَبَّرُ بَدَلَ الضَّمِيرِ بِمَا يَعُمُّهُ وَغَيْرُهُ؛ لَأَنْ يُقَالَ: تَعْقِيبُ الْعَامِّ بِمَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِهِ لَا يُخَصِّصُهُ فِي الْأَصَحِّ وَالْغَيْرُ كَالْمُحَلَّى بِأَلْ وَاسْمِ الْإِشَارَةِ كَأَنْ يُقَالَ بَدَلَ: " وَبُعُولَتُهُنَّ " إلَخْ فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبِقَوْلِهِ: " الْمُطَلَّقَاتُ " أَوْ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ اهـ. ز

(قَوْلُهُ: لَا مَحْذُورَ) بَلْ فِيهِ مِنْ الْمُحَسِّنَاتِ الِاسْتِخْدَامُ (قَوْلُهُ: وَالْمُطَلَّقَاتُ) أَيْ مِنْ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ غَيْرِ الْحَوَامِلِ وَغَيْرُهُ الصَّغِيرَةُ وَالْآيِسَةُ وَكُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَكُنَّ أَحْرَارًا فَفِي الْآيَةِ تَخْصِيصَاتٌ (قَوْلُهُ: أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَيْسَ عَلَى بَابِهِ وَقَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ أَيْ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ (قَوْلُهُ: وَيَشْمَلُ) أَيْ فَالْمُطَلَّقَاتُ عَامٌّ فِي الْبَائِنَاتِ وَالرَّجْعِيَّاتِ فَلَا يَخْتَصُّ التَّرَبُّصُ بِالرَّجْعِيَّاتِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ وَبِالْبَائِنَاتِ (قَوْلُهُ: مَعَهُنَّ) حَالٌ مِنْ الْبَوَائِنِ أَيْ يَشْمَلُ الْبَوَائِنَ حَالَ كَوْنِهِنَّ مَعَ الرَّجْعِيَّاتِ فِي الشُّمُولِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يَشْمَلُ، وَالضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ الْمُتَضَمَّنُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الرَّجْعِيَّاتُ مَدْلُولًا تَضْمِينًا لِلْمُتَضَمِّنِ عَلَى صِفَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ مُرَادًا بِهِنَّ الرَّجْعِيَّاتُ مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ، وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ، وَوُجُوبُ تَرَبُّصِ غَيْرِ الرَّجْعِيَّاتِ بِدَلِيلٍ آخَرَ كَالْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: لِلْعَامِّ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّاوِي وَاللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ وَبِخِلَافِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَذْهَبٍ أَوْ حَالٌ مِنْهُ

ص: 68

(وَلَوْ) كَانَ (صَحَابِيًّا) وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ مُطْلَقًا وَقِيلَ إنْ كَانَ صَحَابِيًّا وَقِيلَ إنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ غَيْرُ الرَّاوِي لِلْعَامِّ بِخِلَافِهِ يُخَصِّصُهُ أَيْضًا أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى مَا عَدَا مَحَلَّ الْمُخَالَفَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُرُ عَنْ دَلِيلٍ، قُلْنَا: فِي ظَنِّ الْمُخَالِفِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا كَمَا سَيَأْتِي، مِثَالُهُ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَعَ قَوْلِهِ: إنْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَتَنَاوَلُ الْمُؤَنَّثَ كَمَا هُوَ قَوْلٌ تَقَدَّمَ.

(وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (ذِكْرَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ) بِحُكْمِ الْعَامِّ (لَا يُخَصِّصُ) الْعَامَّ، وَقِيلَ: يُخَصِّصُهُ أَيْ يَقْصُرُهُ عَلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ بِمَفْهُومِهِ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا ذَلِكَ قُلْنَا مَفْهُومُ اللَّقَبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْبَعْضِ نَفْيُ احْتِمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْ الْعَامِّ مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» مَعَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِشَاةٍ مَيْتَةٍ فَقَالَ: هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ صَحَابِيًّا) لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَالْعَامُّ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ صَحَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّ مَذْهَبَ إلَخْ) خَارِجٌ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الرَّاوِي (قَوْلُهُ: يُخَصِّصُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يُخَصِّصُهُ مَذْهَبُ الرَّاوِي، وَهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: مَا عَدَا إلَخْ) وَهِيَ الْأَفْرَادُ الَّتِي أُخْرِجَ مِنْهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصْدُرُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعْلِيلُ الْقَوْلِ الْأَخِيرِ أَيْ وَإِذَا صَدَرَتْ عَنْ دَلِيلٍ جَازَ أَنْ تَكُونَ مُخَصِّصَةً (قَوْلُهُ: فِي ظَنِّ الْمُخَالِفِ) أَيْ الْمُخَالَفَةِ أَيْ هُوَ دَلِيلٌ فِي ظَنِّهِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِإِمْكَانِ أَنَّهُ أَخَصُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّاوِي الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ) عَامٌّ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ عَنْهُ) وَإِلَّا فَقَدْ طَعَنَ فِي بَعْضِ رُوَاتِهِ بِالْوَضْعِ (قَوْلُهُ: إنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ إلَخْ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مُخَالَفَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمُرْتَدَّةِ إنْ ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ قَبِيلِ التَّخْصِيصِ لِعُمُومِ مَرْوِيِّهِ اهـ ز

(قَوْلُهُ: أَنَّ ذِكْرَ بَعْضِ إلَخْ) هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْمِثَالُ لَا يُخَصِّصُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَخُصُّ) كَذَا وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْمَتْنِ وَشَرَحَ عَلَيْهَا الْعِرَاقِيُّ قَالَ: وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ بِأَخُصُّ مِنْ حُكْمِ الْعُمُومِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ لِذَلِكَ الْفَرْدِ جَمِيعَ الْحُكْمِ الْعَامِّ، أَوْ بَعْضَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ حَدِيثِ مَوْلَاةِ مَيْمُونَةَ إلَّا فِي بَعْضِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ بَيْعِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لِذِكْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِحُكْمِ الْعَامِّ) وَأَمَّا بِغَيْرِ حُكْمِهِ فَيُخَصِّصُهُ مِنْ الْعَامِّ (قَوْلُهُ: لَا يُخَصِّصُ) خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَقَدَّرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَ كُلِّ وَاحِدٍ لِبَيَانِ الْمَعْنَى، وَأُفْرِدَ بِاعْتِبَارِ مَا ذُكِرَ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا عُطِفَ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ نَحْوُ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] هَلْ يَدُلُّ الْعَطْفُ عَلَى أَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ مُرَادٍ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: لَا يَدْخُلُ، وَلَوْ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ لِلْإِفْرَادِ فَائِدَةٌ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَدْخُلُ، وَفَائِدَتُهُ التَّأْكِيدُ، وَكَأَنَّهُ ذُكِرَ مَرَّتَيْنِ (قَوْلُهُ: إلَّا ذَلِكَ) أَيْ التَّخْصِيصُ (قَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ) أَيْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِهِ فَيُخَصِّصُ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الْمَذْكُورُ لَقَبًا فَإِنْ كَانَ مُشْتَقًّا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا بِمَفْهُومِهِ، وَبِهِ قَالَ الْعَضُدُ وَالْحَقُّ عَدَمُ التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمَنْطُوقِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ (قَوْلُهُ: تَخْصِيصِهِ مِنْ الْعَامِّ) أَيْ إخْرَاجِهِ مِنْهُ وَهُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ: إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَيْتَةٍ) بِالتَّشْدِيدِ، وَالتَّخْفِيفُ فِي الْمَيِّتِ بِالْفِعْلِ، وَأَمَّا مَا سَيَمُوتُ فَبِالتَّشْدِيدِ لَا غَيْرُ، قَالَ تَعَالَى {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] قَوْلُهُ: «هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا» لَا يَتَأَتَّى دَعْوَى التَّخْصِيصِ إلَّا إذَا وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ بَعْدَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَيُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ: إنَّهَا مَيْتَةٌ؛ إذْ لَوْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ لَمْ يَقْوَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ الْحُكْمَ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَيُّمَا إهَابٍ إلَخْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ أَخْبَرَهُمْ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ تَأْخِيرُ الْمُخَصَّصِ بَعْدَ وُرُودِ الْعَامِّ تَأَمَّلْ

ص: 69

فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا: إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ: إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» .

وَرَوَى مُسْلِمٌ الْأَوَّلَ بِلَفْظِ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» وَالْبُخَارِيُّ الثَّانِيَ بِلَفْظِ «هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا» إلَخْ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَادَةَ بِتَرْكِ بَعْضِ الْمَأْمُورِ) بِهِ أَوْ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ (تُخَصِّصُ) الْعَامَّ أَيْ تَقْصُرُهُ عَلَى مَا عَدَا الْمَتْرُوكَ أَوْ الْمَفْعُولَ (إنْ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم) بِأَنْ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ وَعَلِمَ بِهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا (أَوْ الْإِجْمَاعُ) بِأَنْ فَعَلَهَا النَّاسُ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ) أَيْ وَالِانْتِفَاعُ يَسْتَلْزِمُ الطَّهَارَةَ، وَقَدْ يَمْنَعُ الِاسْتِلْزَامَ بِأَنَّ الْجِلْدَ النَّجِسَ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي مَوَاضِعَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ؛ إذْ مِنْ أَفْرَادِهِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ، وَإِرَادَةُ بَعْضِ الِانْتِفَاعَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَوْلُهُ:«إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» أَيْ لَا الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا (قَوْلُهُ: وَرَوَى مُسْلِمٌ) بَيَانٌ لِاخْتِلَافِ لَفْظِ الرِّوَايَتَيْنِ وَتَفْوِيتِهَا اهـ. زَكَرِيَّا.

وَبِخَطِّ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الْغُنَيْمِيِّ أَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا بِأَنَّ مَنْ نَسَبَهَا فِي الْأَوَّلِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إلَى مُسْلِمٍ فَقَدْ وَهَمَ (قَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَادَةَ بِتَرْكِ إلَخْ) أَيْ الْجَارِيَةِ بِتَرْكِ بَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَأَنْ قِيلَ: فِي النَّعَمِ زَكَاةٌ وَاعْتَادُوا تَرْكَهَا فِي الْغَنَمِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِفِعْلِ إلَخْ كَأَنْ قِيلَ: لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا ثُمَّ اعْتَادُوا بَيْعَ الْبُرِّ بِمِثْلِهِ مُتَفَاضِلًا، وَالْمُرَادُ الْعَادَةُ اللَّاحِقَةُ بَعْدَ وُرُودِ الْعَامِّ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي الْعَادَةُ السَّابِقَةُ (قَوْلُهُ: الْمَأْمُورِ بِهِ) أَيْ أَمْرَ إيجَابٍ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَرْكَهُ يُخَصِّصُ؛ إذْ الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْرَ نَدْبٍ لَا يُنَافِي تَرْكَهُ كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَيْ تَحْرِيمًا؛ إذْ هُوَ الَّذِي يُنَافِي فِعْلَهُ كَوْنُهُ مَنْهِيًّا عَنْهُ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ فِعْلَهُ تَخْصِيصٌ كَذَا قَالُوا هُنَا، وَفِيهِ تَوَقُّفٌ فَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ النَّظْمِ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْهُ أَنَّ تَقْرِيرَهُ صلى الله عليه وسلم هَلْ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْمُجَرَّدَةِ، أَوْ يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ أَيْضًا قَالَ السُّبْكِيُّ: لَا أَسْتَحْضِرُ فِيهِ نَقْلًا، وَمَالَ إلَى الْإِبَاحَةِ، وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ أَبِي نَصْرِ بْنِ الْقُشَيْرِيِّ وَحَكَى التَّوَقُّفَ فِيهَا عَنْ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَّحَ الْحَمْلَ عَلَى الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ اهـ.

وَحَيْثُ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى مَا قَالُوا، أَوْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالُ: وَلَوْ كَانَ أَمْرَ نَدْبٍ وَنَهْيَ كَرَاهَةٍ يَحْصُلُ التَّخْصِيصُ بِهَا، وَتُسْتَفَادُ الْإِبَاحَةُ الْمُجَرَّدَةُ تَأَمَّلْهُ

(قَوْلُهُ: بِصِيغَةِ الْعُمُومِ) يَتَنَازَعُهُ الْمَأْمُورُ وَالْمَنْهِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ الْإِجْمَاعُ) بِأَنْ عَلِمَ جَرَيَانَهَا مِنْ بَعْدِهِ صلى الله عليه وسلم إذْ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَنِهِ مُحَالٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ فَعَلَهَا النَّاسُ) أَيْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ

ص: 70

مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ، وَالْمُخَصِّصُ فِي الْحَقِيقَةِ التَّقْرِيرُ أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ بِخِلَافِ مَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ عليه الصلاة والسلام وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الشَّرْعِ، وَهَذَا تَوَسُّطٌ لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ بَيْنَ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ التَّخْصِيصَ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا إجْمَاعٌ فِعْلِيٌّ، وَبَعْضِهِمْ عَدَمَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ فِعْلَ النَّاسِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعَامَّ لَا يُقْصَرُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَلَا عَلَى مَا وَرَاءَهُ) أَيْ وَرَاءَ الْمُعْتَادِ (بَلْ تُطْرَحُ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِّ فِي الثَّانِي.

(الْعَادَةُ السَّابِقَةُ) عَلَيْهِ فَيَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ، وَقِيلَ: يُقْصَرُ عَلَى مَا ذُكِرَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ تَنَاوُلَ الْبُرِّ ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَقِيلَ: يُقْصَرُ الطَّعَامُ عَلَى الْبُرِّ الْمُعْتَادِ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ بَيْعَ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا ثُمَّ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فَقِيلَ: يُقْصَرُ الطَّعَامُ عَلَى غَيْرِ الْبُرِّ الْمُعْتَادِ، وَالْأَصَحُّ لَا فِيهِمَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَحْوَ) قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم (قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ لَفْظٌ لَا يُعْرَفُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ «قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِوَارِ» وَهُوَ مُرْسَلٌ (لَا يَعُمُّ) كُلَّ جَارٍ وَنَحْوَهُ (وِفَاقًا لِلْأَكْثَرِ) وَقِيلَ: يَعُمُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَائِلَهُ عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى فَلَوْلَا ظُهُورُ عُمُومِ الْحُكْمِ مِمَّا صَدَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

ــ

[حاشية العطار]

وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْتَهِدِينَ؛ إذْ لَوْ فَعَلَهَا جَمِيعُ النَّاسِ، أَوْ الْمُجْتَهِدُونَ كَانَ إجْمَاعًا بِدُونِ التَّقْيِيدِ بِالتَّقْرِيرِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى لَا الْمُقَابِلَ لِلْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ كُلُّهُمْ (قَوْلُهُ: وَالْمُخَصِّصُ فِي الْحَقِيقَةِ) أَيْ فَفِي إسْنَادِ التَّخْصِيصِ إلَى الْعِدَّةِ تَسَمُّحٌ عَلَى أَنَّ الْمُخَصِّصَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ دَلِيلُ الْإِجْمَاعِ فَقَوْلُهُ: أَوْ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِشُمُولِ التَّقْرِيرِ لَهُ؛ إذْ الْمُرَادُ تَقْرِيرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ تَقْرِيرُ الْإِجْمَاعِ الَّذِي هُوَ دَلِيلُهُ (قَوْلُهُ: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم) أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَوْ عَلِمَ بِهَا وَأَنْكَرَهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهَا) أَيْ بَعْدَ زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِعْلَ النَّاسِ) أَيْ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: تَوَسُّطٌ لِلْإِمَامِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ يَنْزِلَانِ عَلَى تَفْصِيلِ الْإِمَامِ فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا.

(قَوْلُهُ: إنَّ الْعَامَّ لَا يُقْصَرُ عَلَى الْمُعْتَادِ) هَذِهِ غَيْرُ الَّتِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْعَادَةِ السَّابِقَةِ عَلَى وُرُودِ الْعَامِّ، وَتِلْكَ فِي الْعِدَّةِ اللَّاحِقَةِ لَهُ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. اهـ ز.

(قَوْلُهُ: بَلْ تُطْرَحُ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِّ فِي الثَّانِي الْعَادَةُ السَّابِقَةُ قَيَّدَ بِالثَّانِي مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِثْلُهُ فِي أَنَّ الْعَامَّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْأَوَّلِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْعَامِّ حَتَّى تُطْرَحَ مِنْهُ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ فِي مِثَالِهِ تَنَاوَلَ الْبُرَّ، وَالْعَامُّ فِيهِ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا، وَهِيَ لَا تَدْخُلُ فِيهِ بِخِلَافِهَا فِي الثَّانِي فِي مِثَالِهِ فَإِنَّهَا بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَفَاضِلًا، وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ اهـ. ز.

(قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي) ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَادَ يَنْدَرِجُ فِي حُكْمِ الْعَامِّ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ نَهَى إلَخْ) أَتَى بِثُمَّ أَخْذًا مِنْ الْمَتْنِ حَيْثُ قَالَ السَّابِقَةُ فَعُلِمَ أَنَّ وُرُودَ الْعَامِّ مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُمْ) أَيْ مُجَرَّدَةً عَنْ تَقْرِيرِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ إجْمَاعٍ؛ إذْ لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُتَّجَهْ إلَّا التَّخْصِيصُ، وَقَصْرُ الْعَامِّ عَلَى مَا وَرَاءَ الْمُعْتَادِ (قَوْلُهُ: بِالْجَوَازِ) أَيْ بِحَقِّهِ، وَمِنْهُ الشُّفْعَةُ (قَوْلُهُ: لَا يَعُمُّ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ حُكْمٌ فِي جُزْئِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ (قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) بِنَصْبِهِ عَطْفًا عَلَى " كُلَّ " أَيْ فَيُقَالُ فِي نَظِيرِهِ مِنْ نَحْوِ «نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» لَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعِ غَرَرٍ فَاسْتِدْلَالُ الْفُقَهَاءِ بِهِ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ نَظَرُوا فِيهِ لِلْإِطْلَاقِ لَا لِلْعُمُومِ

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْعُمُومِ: الْفِعْلُ الْمُثْبَتُ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفِعْلَ لَا صِيغَةَ لَهُ حَتَّى يُتَمَسَّكَ بِعُمُومِهِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ صِيغَةٍ، وَقَدْ يَفْهَمُ الرَّاوِي مِنْهَا الْعُمُومَ لِيَرْوِيَهُ كَذَلِكَ اهـ. ز.

(قَوْلُهُ: عَارِفٌ بِاللُّغَةِ) أَيْ بِقَرَائِنِهَا

ص: 71