الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَهُمْ وَيَظْهَرُ لِغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا لِجَوَازِ ظُهُورِ سُقُوطِ الْخِلَافِ لِغَيْرِ الْمُخْتَلِفِينَ دُونَهُمْ مُطْلَقًا.
(وَ) عُلِمَ أَنَّ (التَّمَسُّكَ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ حَقٌّ) لِأَنَّهُ تَمَسُّكٌ بِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مَعَ ضَمِيمَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ مَا زَادَ عَلَيْهِ، مِثَالُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ الْوَاجِبَةِ عَلَى قَاتِلِهِ فَقِيلَ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقِيلَ كَنِصْفِهَا وَقِيلَ كَثُلُثِهَا فَأَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ وَنَفَى وُجُوبَ الزَّائِدِ عَلَيْهِ بِالْأَصْلِ فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَكْثَرِ أُخِذَ بِهِ كَمَا فِي غَسَلَاتِ وُلُوغِ الْكَلْبِ قِيلَ إنَّهَا ثَلَاثٌ وَقِيلَ إنَّهَا سَبْعٌ وَدَلَّ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى سَبْعٍ فَأُخِذَ بِهِ.
(أَمَّا)
الْإِجْمَاعُ (السُّكُوتِيُّ)
بِأَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ حُكْمًا وَيَسْكُتَ الْبَاقُونَ عَنْهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي فِي صُورَتِهِ
ــ
[حاشية العطار]
الْخِلَافِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِطُولِ الزَّمَنِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذُكِرَ تَوْضِيحًا أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ طُولُ زَائِدٍ عَلَى مَا يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْخِلَافُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا) أَيْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ قَصُرَ الْمُرَادُ بِالْقَصْرِ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فِيهِ الْخِلَافُ فَلَا يُرَدُّ أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ.
[التَّمَسُّكَ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ فِي الْإِجْمَاعِ]
(قَوْلُهُ: فِي دِيَةِ الذِّمِّيِّ) أَيْ الْكِتَابِيِّ فَإِنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ الْمَجُوسِيِّ وَنَحْوِهِ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ (قَوْلُهُ: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ إلَخْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَقَلِّ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ التَّمَسُّكِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ الْأَقَلِّ لَيْسَ مِجْمَعًا عَلَيْهِ بَلْ التَّمَسُّكُ فِيهِ بِالْأَصْلِ أَيْ أَصْلِ اسْتِصْحَابِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ ذَلِكَ الزَّائِدِ وَأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الشَّيْءِ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ اهـ. كَمَالٌ.
[الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ]
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُ أَيْضًا أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُهُمْ فِعْلًا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَوْ يَمْنَعُ مِنْ فِعْلٍ امْتِنَاعًا يَدُلُّ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَيَسْكُتَ الْبَاقُونَ بَعْدَ الْعِلْمِ إلَخْ وَمِنْ الْقَوْلِ جَوَابُهُ عَنْ السُّؤَالِ عَنْ حُكْمٍ وَحُكْمُهُ إذَا كَانَ حَاكِمًا وَفِي مَعْنَاهُ وَمَعْنَى الْفِعْلِ الْإِشَارَةُ إلَى الْحُكْمِ وَكِتَابَتِهِ اهـ. سم
(قَوْلُهُ: إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي) أَيْ مِنْ كَوْنِ السُّكُوتِ مُجَرَّدًا
(فَثَالِثُهُمَا) أَيْ الْأَقْوَالِ فِيهِ أَنَّهُ (حُجَّةٌ لَا إجْمَاعٌ) وَثَانِيهَا أَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْعُلَمَاءِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يُظَنُّ مِنْهُ الْمُوَافَقَةُ عَادَةً وَنَفَى الثَّالِثُ اسْمَ الْإِجْمَاعِ لِاخْتِصَاصِ مُطْلَقِهِ عِنْدَهُ بِالْقَطْعِيِّ أَيْ الْمَقْطُوعِ فِيهِ بِالْمُوَافَقَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي كَمَا سَيَأْتِي، وَأَوَّلُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ لِاحْتِمَالِ السُّكُوتِ لِغَيْرِ الْمُوَافَقَةِ كَالْخَوْفِ وَالْمَهَابَةِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ لِلشَّافِعِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ (وَرَابِعُهَا)
ــ
[حاشية العطار]
عَنْ أَمَارَةِ رِضًا وَسُخْطٍ وَمِنْ مُضِيِّ مُهْلَةِ النَّظَرِ عَادَةً وَكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً (قَوْلُهُ: أَيْ الْأَقْوَالِ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ ثَالِثَهَا هُوَ الْخَبَرُ وَلِذَا احْتَاجَ لِتَقْدِيرِ الرَّابِطِ وَلَوْ قَالَ فَفِيهِ أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا إلَخْ لَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الرَّابِطِ وَيَكُونُ ثَالِثَ صِفَةٍ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ هُوَ الْخَبَرُ (قَوْلُهُ: لَا إجْمَاعٌ) لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ كَمَا يَسْبِقُ إلَى الْوَهْمِ بَلْ نَفْيُ مُطْلَقِ اسْمِ الْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَنَفَى الثَّالِثُ اسْمَ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: وَثَانِيهَا أَنَّهُ حُجَّةٌ وَإِجْمَاعٌ) قَدَّمَهُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمُوَافَقَتِهِ الثَّالِثَ فِي الْمَعْنَى لِمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ فِي مِثَالِهِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِصَاصِ مُطْلَقِهِ) أَيْ مُطْلَقِ اسْمِ الْإِجْمَاعِ أَيْ الْإِجْمَاعِ الْمُطْلَقِ عَنْ التَّقْيِيدِ (قَوْلُهُ: عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ: بِالْقَطْعِيِّ) وَالسُّكُوتِيُّ لَا قَطْعَ فِيهِ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمَقْطُوعُ فِيهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَطْعِيِّ مُقَابِلَ الظَّنِّيِّ بَلْ الْمَقْطُوعُ فِيهِ بِالْمُوَافَقَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا (قَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَفِي تَسْمِيَتِهِ إجْمَاعًا خُلْفٌ لَفْظِيٌّ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ الْمُخْتَارُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فَإِنَّ مِنْ أَلْفَاظِهِ الرَّشِيقَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ سُكُوتَ السَّاكِتِ لَهُ مَحْمِلَانِ أَحَدُهُمَا مُوَافَقَةُ الْقَائِلِ كَمَا يَدَّعِيهِ الْخَصْمُ وَالثَّانِي تَسْوِيغُ ذَلِكَ الْقَوْلِ الْوَاقِعِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ لِذَلِكَ الْقَائِلِ وَهَذَا مُمْكِنٌ فِي مُطَّرِدِ الْعُرْفِ غَيْرِ مُلْتَحِقٍ بِالنَّوَادِرِ
أَنَّهُ حُجَّةٌ (بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ) لَا مِنْ ظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ (وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ كَانَ فُتْيَا) لَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْفُتْيَا يُبْحَثُ فِيهَا عَادَةً فَالسُّكُوتُ عَنْهَا رِضًا بِهَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ (وَ) قَالَ (أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَكْسَهُ) أَيْ أَنَّهُ حُجَّةٌ إنْ كَانَ حُكْمًا لِصُدُورِهِ عَادَةً بَعْدَ الْبَحْثِ مَعَ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقِهِمْ بِخِلَافِ الْفُتْيَا (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ وَقَعَ فِيمَا يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ) كَإِرَاقَةِ دَمٍ وَاسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِخَطَرِهِ لَا يَسْكُتُ عَنْهُ إلَّا رَاضٍ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ
(وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ إنْ وَقَعَ (فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ) لِأَنَّهُمْ لِشِدَّتِهِمْ فِي الدِّينِ لَا يَسْكُتُونَ عَمَّا لَا يَرْضَوْنَ بِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَقَدْ يَسْكُتُونَ (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) إنَّهُ حُجَّةٌ (إنْ كَانَ السَّاكِتُونَ أَقَلَّ) مِنْ الْقَائِلِينَ نَظَرًا لِلْأَكْثَرِ
ــ
[حاشية العطار]
اهـ. كَلَامُهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَدَلَّ فِي مَوَاضِعَ بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ
وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ فِيهَا بِهِ فَقَطْ بَلْ بِهِ مَعَ ظُهُورِ قَرِينَةِ الرِّضَا مِنْ السَّاكِتِينَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ أَغْلَبِيٌ وَإِلَّا فَسُكُوتُ الْبِكْرِ إذْنٌ عِنْدَنَا، وَقَدْ اسْتَثْنَى أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ مَسْأَلَةَ الْبِكْرِ مَعَ جُمْلَةِ مَسَائِلَ مِنْ قَاعِدَةِ لَا يُنْسَبُ إلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْبِكْرِ أَنَّهَا لَا تُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِنَا لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ؛ لِأَنَّا لَمْ نَنْسُبْ لِلْبِكْرِ بِالصُّمَاتِ قَوْلًا، وَإِنَّمَا نَسَبْنَا إلَيْهَا رِضًا دَلَّ عَلَيْهِ الصُّمَاتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ نِسْبَةُ الرِّضَا بَلْ نَقُولُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا الرِّضَا أَيْضًا بَلْ الشَّارِعُ اكْتَفَى بِالصُّمَاتِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا حَيْثُ قَالَ إذْنُهَا صُمَاتُهَا كَمَا اكْتَفَى بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا، وَمِنْهَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ مِنْ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ هَذِهِ زَوْجَتِي فَسَكَتَ وَمَاتَ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَتْ هِيَ لَمْ يَرِثْهَا، وَمِنْهَا سُكُوتُ الْوَلِيِّ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ، وَقَدْ طُلِبَ فَإِنَّهُ عَضْلٌ، وَمِنْهَا السُّكُوتُ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى كَالْإِنْكَارِ، وَمِنْهَا بَاعَ بِالْعَنَاءِ وَهُوَ سَاكِتٌ جَازَ الْإِقْدَامُ عَلَى شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حُرًّا لَتَكَلَّمَ فَسُكُوتُهُ كَالتَّصْدِيقِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكُلُّ حَقٍّ عَلَى الْفَوْرِ إذَا سُكِتَ عَنْهُ مَعَ الْإِمْكَانِ بَطَلَ كَالشُّفْعَةِ وَرَدِّ الْعَيْبِ وَالْقَبُولِ وَالِاسْتِثْنَاءِ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ إذَا تَأَمَّلْت هَذِهِ الْفُرُوعَ عَرَفْت أَنَّا لَمْ نَنْسُبْ إلَى سَاكِتٍ قَوْلًا اهـ.
(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ) أَيْ انْقِرَاضِ السَّاكِتِينَ وَالْقَائِلِينَ (وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ فُتْيَا لَا حُكْمًا) أَيْ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي قَالَهُ الْبَعْضُ وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاقُونَ فُتْيَا أَيْ مُفْتًى بِهِ بِأَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِفْتَاءِ
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْحُكْمِ) أَيْ فَلَا يُبْحَثُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَلَا يُعَدُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: عَكْسَهُ) بِالنَّصْبِ مَقُولُ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ وَبِالرَّفْعِ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ وَعِنْدِي عَكْسُهُ
وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ مُخَالَفَةَ الْأَقَلِّ لَا تَضُرُّ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهُ (حُجَّةٌ) مُطْلَقًا وَهُوَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ الْمَشْهُورُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ إنْ كَانَ عَنْ نَقْلٍ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا فَقَدْ يَذْهَبُ مَنْ يَقُولُ بِضَرَرِ مُخَالَفَةِ الْقَلِيلِ إلَى أَنَّ سُكُوتَهُمْ لَا يَضُرُّ اهـ.
أَيْ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْمُخَالَفَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ الرِّضَا بَلْ ظَاهِرُهُ الرِّضَا بِخِلَافِ الْمُخَالَفَةِ وَالثَّانِي أَنَّ قَضِيَّةَ حِكَايَةِ هَذَا الْقَوْلِ مَعَ هَذَا الْبِنَاءِ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَعْنِي إذَا كَانَ السَّاكِتُونَ أَقَلَّ مِنْ أَفْرَادِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْكُتْ الْأَقَلُّ بَلْ قَالُوا لَا يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ السُّكُوتِيِّ بَلْ الصَّرِيحِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الِاتِّفَاقُ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ أَقْوَى مِنْهُ مَعَ سُكُوتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الصَّرِيحَ أَقْوَى وَلَا يَخْفَى إشْكَالُ ذَلِكَ وَغَرَابَتُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مَعَ كَوْنِهِ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا أَقْوَى مِنْ الْإِجْمَاعِ الصَّرِيحِ فِي الصُّورَةِ الْأُخْرَى أَوْ يَلْتَزِمُ أَنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ إجْمَاعٌ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ
عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ وَهَلْ هُوَ إجْمَاعٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ (وَفِي تَسْمِيَتِهِ إجْمَاعًا خِلَافٌ لَفْظِيٌّ) وَهُوَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ قِيلَ لَا يُسَمَّى لِاخْتِصَاصِ مُطْلَقِ اسْمِ الْإِجْمَاعِ بِالْقَطْعِيِّ أَيْ الْمَقْطُوعِ فِيهِ بِالْمُوَافَقَةِ وَقِيلَ يُسَمَّى لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهُ وَإِنَّمَا يُقَيَّدُ بِالسُّكُوتِيِّ لِانْصِرَافِ الْمُطْلَقِ إلَى غَيْرِهِ (وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا) حَقِيقَةً (تَرَدُّدٌ مَثَارُهُ أَنَّ السُّكُوتَ الْمُجَرَّدَ عَنْ أَمَارَةِ رِضًا وَسُخْطٍ مَعَ بُلُوغِ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ الْمُجْتَهِدِينَ الْوَاقِعَةَ (وَمُضِيِّ مُهْلَةِ النَّظَرِ عَادَةً عَنْ مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ) قَالَ فِيهَا بَعْضُهُمْ بِحُكْمٍ وَعَلِمَ بِهِ السَّاكِتُونَ وَهُوَ صُورَةُ السُّكُوتِيُّ (هَلْ يَغْلِبُ ظَنُّ الْمُوَافَقَةِ) أَيْ مُوَافَقَةِ السَّاكِتِينَ لِلْقَائِلِينَ؟ قِيلَ نَعَمْ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَيَكُونُ إجْمَاعًا حَقِيقَةً لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عَلَيْهِ
وَإِنْ نَفَى بَعْضُهُمْ مُطْلَقَ اسْمِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ وَقِيلَ لَا فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا حَقِيقَةً فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَيُؤْخَذُ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّهُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ مُدْرَكَهُ الْمَذْكُورَ هُوَ مُدْرَكُ ذَاكَ
ــ
[حاشية العطار]
وَهِيَ لَا أَثَرَ لَهَا اهـ. سم (قَوْلُهُ: قَالَ وَهَلْ هُوَ إلَخْ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ
(قَوْلُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ) هُمَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِي تَسْمِيَتِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: الْقَوْلُ الثَّانِي إلَخْ) خَصَّ الِاخْتِلَافَ بِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلِاخْتِلَافِ فِي تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ وَالْأَوَّلُ يَنْفِي ذَلِكَ اهـ. سم
(قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ قَالَ إنَّهُ حُجَّةٌ لَا إجْمَاعٌ) مُرَادُهُ نَفْيُ تَسْمِيَتِهِ إجْمَاعًا بِلَا تَقْيِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ أَفْرَادِ الْإِجْمَاعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ إذْ لَا عِلَّةَ لِذَلِكَ إلَّا كَوْنُهُ إجْمَاعًا اهـ سم
(قَوْلُهُ: مُطْلَقُ اسْمِ الْإِجْمَاعِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَيْ اسْمِ الْإِجْمَاعِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ التَّقْيِيدِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّيِّ فَإِنْ قُيِّدَ بِالسُّكُوتِيِّ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْإِجْمَاعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَالشَّامِلُ لِلسُّكُوتِيِّ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدَ) أَيْ عَلَى هَذَا وَأَنَّهُ يُسَمَّى (قَوْلُهُ: لِانْصِرَافِ الْمُطْلَقِ إلَخْ) عَلَى هَذَا قَوْلُهُمْ التَّبَادُرُ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ أَيْ غَالِبًا (قَوْلُهُ: وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا) أَيْ دَاخِلًا فِيمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْإِجْمَاعِ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَإِنَّ الِاتِّفَاقَ كَمَا يَكُونُ مَقْطُوعًا بِهِ يَكُونُ مَظْنُونًا أَيْ وَعَدَمَهُ كَمَا هُوَ غَيْرُهُمَا (قَوْلُهُ: عَنْ أَمَارَةِ رِضًا) أَيْ مُوَافَقَةٍ وَالْمُرَادُ بِالسُّخْطِ الْمُخَالَفَةُ (قَوْلُهُ: مَعَ بُلُوغِ الْكُلِّ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ الْوَاقِعَةُ بِالرَّفْعِ فَاعِلٌ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى الْإِسْنَادُ إلَى الْمَعْنَى وَسَوَاءٌ كَانَ الْبُلُوغُ قَطْعًا أَوْ ظَنًّا بِأَنْ بَلَغَ فِي الشُّهْرَةِ مَا يَغْلِبُ احْتِمَالُ بُلُوغِ الْكُلِّ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْأُسْتَاذِ قَالَ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ) مَعْمُولٌ لِلسُّكُوتِ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالصِّفَةِ (قَوْلُهُ: اجْتِهَادِيَّةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الِاجْتِهَادَ يَكُونُ فِي غَيْرِ مَسَائِلِ التَّكْلِيفِ فَإِنْ أَرَادَ الِاجْتِهَادَ مُطْلَقًا فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أَرَادَ اجْتِهَادَ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ فَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا تَكْلِيفًا
(قَوْلُهُ: قَالَ فِيهَا إلَخْ) كَالتَّوْضِيحِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَعَ بُلُوغِ الْكُلِّ وَإِشَارَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا كَمَا يَأْتِي لَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ السُّكُوتُ الْمُقَيَّدُ بِالْقُيُودِ صُورَةٌ إلَخْ وَرَاعَى الْمُبْتَدَأَ فَذَكَرَ الضَّمِيرَ وَإِلَّا فَيَصِحُّ التَّأْنِيثُ مُرَاعَاةً لِلْخَبَرِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَفَى بَعْضُهُمْ إلَخْ) وَهُوَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ أَيْ فَلَا يَمْنَعُ هَذَا النَّفْيُ صِدْقَ التَّعْرِيفِ وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّ التَّعْرِيفَ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ لِمَا لَا يُسَمَّى إجْمَاعًا.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ التَّعْرِيفَ مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ تَسْمِيَتِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا) أَيْ لَا يَغْلِبُ ظَنُّ الْمُوَافَقَةِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا حَقِيقَةً فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ) مُفَادُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ غَيْرُ كَوْنِهِ حُجَّةً مَعَ أَنَّهُ هُوَ هُوَ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُدْرِكَهُ الْمَذْكُورُ) أَيْ بِقَوْلِهِ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فِي
وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَحْقِيقٌ لِحَاصِلِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُصَدَّرِ بِهَا الْمَسْأَلَةُ وَبَيَانٌ لِمُدْرِكِهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ تَحْرِيرٌ لِمَا اتَّفَقَ مِنْهَا وَمَا اخْتَلَفَ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ وَظِيفَةِ الشَّارِحِ زَادَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ أَخَّرَ قَوْلَهُ مَعَ بُلُوغِ الْكُلِّ وَمَا عَطَفَ عَلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ تَكْلِيفِيَّةٍ لَسَلِمَ مِنْ الرَّكَاكَةِ وَلَوْ قَالَ هَلْ يُظَنُّ مِنْهُ الْمُوَافَقَةُ بَدَلَ مَا قَالَهُ لَسَلِمَ مِنْ التَّكَلُّفِ فِي تَأْوِيلِهِ بِأَنْ يُقَالَ هَلْ يَغْلِبُ احْتِمَالُ الْمُوَافَقَةِ أَيْ يَجْعَلُهُ غَالِبًا أَيْ رَاجِحًا عَلَى مُقَابِلِهِ وَاحْتُرِزَ عَنْ السُّكُوتِ الْمُقْتَرِنِ بِإِمَارَةِ الرِّضَا فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ قَطْعًا، أَوْ السُّخْطِ فَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ قَطْعًا وَعَمَّا إذَا لَمْ تَبْلُغْ الْمَسْأَلَةُ كُلَّ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنُ مُهْلَةِ النَّظَرِ فِيهَا عَادَةً فَلَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ وَعَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ
ــ
[حاشية العطار]
مِثْلِ ذَلِكَ هُوَ مُدْرِكٌ ذَاكَ أَيْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ حُجَّةٌ يَعْنِي الْمُدْرِكَ الَّذِي سَبَقَ بَيَانُهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْعُلَمَاءِ إلَخْ فَالْمُدْرَكُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ كَوْنُ الْعَادَةِ تُفِيدُ ظَنَّ مُوَافَقَةِ السَّاكِتِ لِلْقَائِلِ (قَوْلُهُ: وَفِي هَذَا الْكَلَامِ تَحْقِيقٌ إلَخْ) الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا إلَخْ وَبَيَانُ ذَلِكَ التَّحْقِيقِ أَنَّ مُفَادَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ إجْمَاعٌ حَقِيقَةً فَيَكُونُ حُجَّةً وَهُوَ حَاصِلُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَقِيلَ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ حُجَّةً وَهُوَ حَاصِلُ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَبَيَانٌ لِمُدْرَكِهِ فَهُوَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَثَارُهُ إلَخْ فَمُدْرَكُ حَاصِلِ الْقَوْلِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَنَّ السُّكُوتَ الْمَذْكُورَ يَغْلِبُ ظَنَّ الْمُوَافَقَةِ وَمُدْرَكُ الْأَوَّلِ أَنَّ السُّكُوتَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ كَذَلِكَ
(قَوْلُهُ: لِمَا اتَّفَقَ مِنْهُمَا) وَهُوَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَقَوْلُهُ وَمَا اخْتَلَفَ أَيْ وَهُمَا الْقَوْلَانِ مَعَ غَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أُخِّرَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ عَنْ رَكَاكَةٍ أَيْضًا لِتَكَرُّرِ لَفْظِ عَنْ بِدُونِ فَصْلٍ طَوِيلٍ نَعَمْ لَوْ عَبَّرَ بِلَفْظٍ فِي بَدَلٍ عَنْ الثَّانِيَةِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّقْدِيمِ لَسَلِمَ مِنْ الرَّكَاكَةِ مُطْلَقًا اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ الرَّكَاكَةِ) الْحَاصِلَةِ بِالْفِعْلِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ بِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَنْ مِثْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالسُّكُوتِ وَقَوْلُهُ مَعَ بُلُوغِ إلَخْ فَاصِلٌ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ وَرُدَّ بِأَنَّ مَعَ أَيْضًا مَعْمُولَةٌ لَهُ عَلَى أَنَّهَا ظَرْفٌ لَغْوٌ فَلَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّكَاكَةَ مِنْ حَيْثُ تَأْخِيرُ الْأَهَمِّ عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ حَالٌّ (قَوْلُهُ: لَسَلِمَ مِنْ التَّكَلُّفِ فِي تَأْوِيلِهِ) بِأَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ الِاحْتِمَالُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الرَّاجِحِيَّةِ كَمَا هُوَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ أَنَّ أَصْلَ الظِّلِّ غَيْرُ كَافٍ فَضْلًا عَنْ
بِأَنْ كَانَتْ قَطْعِيَّةً أَوْ لَمْ تَكُنْ تَكْلِيفِيَّةً نَحْوَ: عَمَّارٌ أَفْضَلُ مِنْ حُذَيْفَةَ أَوْ الْعَكْسُ فَالسُّكُوتُ عَلَى الْقَوْلِ فِي الْأُولَى بِخِلَافِ الْمَعْلُومِ فِيهَا وَعَلَى مَا قِيلَ فِي الثَّانِيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا فُضِّلَ السُّكُوتِيُّ بِأَمَّا عَنْ الْمَعْطُوفَاتِ بِالْوَاوِ لِلْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا وَأَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ
(وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَمْ يَنْتَشِرْ) مِمَّا قِيلَ بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْكُلَّ وَلَمْ يُعْرَفْ فِيهِ مُخَالِفٌ قِيلَ إنَّهُ حُجَّةٌ لِعَدَمِ ظُهُورِ خِلَافٍ فِيهِ وَقَالَ الْأَكْثَرُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُ الْقَائِلِ خَاضَ فِيهِ وَلَوْ خَاضَ فِيهِ لَقَالَ بِخِلَافِ قَوْلِ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ إنَّهُ حُجَّةٌ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَوْضِ غَيْرِ الْقَائِلِ فِيهِ وَيَكُونُ بِالْمُوَافَقَةِ لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِ مَا لَمْ تَعُمَّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِيهِ وَلَمْ يَزِدْ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحَيْهِ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ مُرَادُهُ هُنَا الْخِلَافَ فِي أَصْلِ الْحُجِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ رِعَايَةٍ لِلتَّفَاصِيلِ السَّابِقَةِ فِي السُّكُوتِيِّ.
(وَ) عُلِمَ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعُ (قَدْ يَكُونُ فِي) أَمْرٍ (دُنْيَوِيٍّ) كَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ وَالْحُرُوبِ وَأُمُورِ الرَّعِيَّةِ (وَدِينِيٍّ) كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ (وَعَقْلِيٍّ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (عَلَيْهِ) كَحُدُوثِ الْعَالَمِ
ــ
[حاشية العطار]
مُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ مَعَ أَنَّهُ كَافٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ قَطْعِيَّةً) أَيْ مَقْطُوعٌ بِهَا كَالْوَحْدَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَالسُّكُوتُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَعْلُومِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَوْلِ (قَوْلُهُ: لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السُّكُوتُ اتِّكَالًا عَلَى الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ (قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا) أَيْ وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا أَيْ أَنَّهُ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ لِتَعَدُّدِ مَحَلِّ الْخِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ
(قَوْلُهُ: مِمَّا قِيلَ) أَيْ بِمَا قَالَ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَبْلُغْ الْكُلَّ) تَفْسِيرٌ لِعَدَمِ الِانْتِشَارِ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَوْضُوعُ فَإِنَّ الْمَوْضُوعَ عَدَمُ الِانْتِشَارِ، وَقَدْ يُقَالُ عَبَّرَ بِالِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَجْزُومَ بِهِ عَدَمُ بُلُوغِ الْكُلِّ وَكَوْنُهُ لَمْ يَبْلُغْ بَعْضَ أَفْرَادِ الْغَيْرِ فَلَا جَزْمَ بِهِ (قَوْلُهُ: فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) أَيْ مِنْ الْأَفْعَالِ فَمَسُّ الذَّكَرِ هُوَ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ) أَيْ لِعُمُومِ الْبَلْوَى (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ ظُهُورِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ بِالْمُخَالَفَةِ لَظَهَرَتْ.
(قَوْلُهُ: دُنْيَوِيٍّ) أَيْ يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَلَا بُدَّ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ حَتَّى يَدْخُلَهُ الِاجْتِهَادُ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الْمُقَابِلِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ لِعَدَمِ الثَّمَرَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَعَقْلِيٍّ) أَيْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ دِينِيٍّ بِمَعْنَى الْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ (قَوْلُهُ: كَحُدُوثِ الْعَالَمِ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ
وَوَحْدَةِ الصَّانِعِ لِشُمُولِ أَيْ أَمْرِ الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِهِ لِذَلِكَ أَمَّا مَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَثُبُوتِ الْبَارِي وَالنُّبُوَّةِ فَلَا يُحْتَجُّ فِيهِ بِإِجْمَاعٍ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِجْمَاعِ (إمَامٌ مَعْصُومٌ) وَقَالَ الرَّوَافِضُ يُشْتَرَطُ وَلَا يَخْلُو الزَّمَانُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ فَقَطْ، وَغَيْرُهُ تَبَعٌ لَهُ.
ــ
[حاشية العطار]
إثْبَاتِ حُدُوثِ الْعَالَمِ بِالْإِجْمَاعِ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْإِجْمَاعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى النُّبُوَّةِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَهُوَ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّا نُثْبِتُ بِإِجْمَاعٍ حُدُوثَ الْأَجْسَامِ، وَالْعِلْمُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ يُمْكِنُ اكْتِسَابُهُ بِحُدُوثِ الْأَعْرَاضِ فَلَا دَوْرَ
قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالْحَقُّ أَنَّ إثْبَاتَ الصَّانِعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ حُدُوثِ شَيْءٍ مَا بِمَعْنَى مَسْبُوقِيَّتِهِ بِالْعَدَمِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ مَشَايِخِ أَهْلِ السُّنَّةِ بَلْ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الْعِلْمُ بِكَوْنِ الْعَالَمِ مُمْكِنًا إذْ لَا بُدَّ لِلْمُمْكِنِ لِاسْتِوَاءِ طَرَفَيْ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ مِنْ مُرَجِّحٍ وَاجِبِ الْوُجُودِ وَلَوْ بِالْآخِرَةِ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ أَوْ التَّسَلْسُلُ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَالْحِكْمَةِ وَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الصَّانِعِ بِإِمْكَانِ الْعَالَمِ، ثُمَّ نَعْلَمُ حَقِيقَةَ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ الْإِجْمَاعَ، ثُمَّ حُدُوثَ الْعَالَمِ، وَكَذَا يُمْكِنُنَا إثْبَاتُ وَحْدَةِ الصَّانِعِ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَوَقِّفِ حُجِّيَّتُهُ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ لَا عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ قَالَ وَالدَّلِيلُ فِي الصُّورَتَيْنِ الْعَمَلُ لِثُبُوتِهِمَا بِهِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً إذْ ذَاكَ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اهـ.
وَهُوَ كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْمَتَانَةِ لَا مَا قَرَّرَهُ هُنَا الشِّهَابُ عَمِيرَةُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ سم (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَزِمَ الدَّوْرُ) لِأَنَّ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى بَعْثَةِ الرُّسُلِ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الْبَارِي فَلَا يَصِحُّ إثْبَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ وَفِي النُّبُوَّةِ ظَاهِرٌ إذْ الْإِجْمَاعُ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو الزَّمَانُ عَنْهُ) أَيْ لَا يَخْلُو زَمَانُ التَّكْلِيفِ عَنْ إمَامٍ مَعْصُومٍ؛ لِأَنَّهُ لُطْفٌ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَالْإِجْمَاعُ لِكَوْنِهِ رَأْيُ جَمِيعِ الْأُمَّةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَالْحُجَّةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَهُمْ لَا الْإِجْمَاعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَوْسُومِ الْمُنْقِذُ مِنْ الضَّلَالِ حِينَ تَعَرَّضَ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِيَّةِ أَنَّهُ لَا حَاصِلَ عِنْدَهُمْ وَلَا طَائِلَ لِكَلَامِهِمْ، وَلَوْلَا سُوءُ نُصْرَةِ الصَّدِيقِ الْجَاهِلِ لَمَا انْتَهَتْ تِلْكَ الْبِدْعَةُ مَعَ ضَعْفِهَا إلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ لَكِنَّ شِدَّةَ التَّعَصُّبِ دَعَا الذَّابِّينَ عَنْ الْحَقِّ إلَى تَطْوِيلِ النِّزَاعِ مَعَهُمْ فِي مُقَدِّمَاتِ كَلَامِهِمْ وَإِلَى مُجَاهَدَتِهِمْ فِي كُلِّ مَا نَطَقُوا بِهِ فَجَاحَدُوهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ الْحَاجَةَ إلَى التَّعْلِيمِ وَإِلَى الْمُعَلِّمِ وَضَعُفَ قَوْلُ الْمُنْكَرِينَ فِي مُقَابَلَتِهِ، اعْتَبَرَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قُوَّةِ مَذْهَبِهِمْ وَضَعْفِ مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ لَهُ، وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّ ذَلِكَ الضَّعْفَ نَاصِرٌ الْحَقَّ وَجَهْلٌ بِطَرِيقِهِ، بَلْ الصَّوَابُ الِاعْتِرَافُ بِالْحَاجَةِ إلَى الْمُعَلِّمِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعَلِّمُ مَعْصُومًا وَلَكِنَّ مُعَلِّمَنَا الْمَعْصُومَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا قَالُوا هُوَ مَيِّتٌ فَنَقُولُ وَمُعَلِّمُكُمْ غَائِبٌ فَإِذَا قَالُوا وَمُعَلِّمُنَا قَدْ عَلَّمَ الدُّعَاةَ وَبَثَّهُمْ فِي الْبِلَادِ وَأَكْمَلَ التَّعْلِيمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَبَعْدَ كَمَالِ التَّعْلِيمِ لَا يَضُرُّ مَوْتُ الْمُعَلِّمِ كَمَا لَا تَضُرُّ غَيْبَتُهُ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ كَثِيرٍ إنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الشِّفَاءِ الْمُنْجِي مِنْ ظُلُمَاتِ الْآرَاءِ شَيْءٌ بَلْ هُمْ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَى تَعْيِينِ الْإِمَامِ طَالَمَا جَارَيْنَاهُمْ فَصَدَّقْنَاهُمْ فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّعْلِيمِ وَإِلَى الْمُعَلِّمِ الْمَعْصُومِ وَأَنَّهُ الَّذِي عَيَّنُوهُ، ثُمَّ سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْعِلْمِ الَّذِي تَعَلَّمُوهُ مِنْهُ وَعَرَضْنَا عَلَيْهِمْ إشْكَالَاتٍ فَلَمْ يَفْهَمُوهَا فَضْلًا عَنْ الْقِيَامِ بِحَلِّهَا فَلَمَّا عَجَزُوا أَحَالُوا عَنْ الْإِمَامِ الْغَائِبِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّفَرِ إلَيْهِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ ضَيَّعُوا عُمُرَهُمْ فِي طَلَبِ الْمُعَلِّمِ وَفِي التَّبَجُّحِ بِالظَّفْرِ بِهِ وَلَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ شَيْئًا أَصْلًا كَالْمُضَمَّخِ بِالنَّجَاسَةِ يَتْعَبُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ حَتَّى إذَا وَجَدَهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ ادَّعَى شَيْئًا عَنْ عِلْمِهِمْ وَكَانَ حَاصِلُ مَا يَذْكُرُهُ شَيْئًا مِنْ رَكِيكِ فَلْسَفَةِ فِيثَاغُورْسَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْأَوَائِلِ وَمَذْهَبُهُ أَرَكُّ مَذَاهِبِ الْفَلَاسِفَةِ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ أرسطاطاليس بَلْ اسْتَرَكَّ كَلَامَهُ وَأَسْتَرَ ذُلَّهُ وَهُوَ الْمَحْكِيُّ فِي كِتَابِ إخْوَانِ الصَّفَا وَهُوَ عَلَى التَّحْقِيقِ حَشْوُ الْفَلْسَفَةِ.