الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ وَلَيْسَتْ الْكَبَائِرُ مُنْحَصِرَةً فِيمَا عَدَّهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِالْكَافِ فِي أَوَّلِهَا وَمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» وَمُسْلِمٌ بَدَلَهَا «وَقَوْلُ الزُّورِ» وَحَدِيثُهُمَا «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرَّبَّا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْهَا وَقْتَ ذِكْرِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هِيَ إلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ أَنْوَاعِهَا.
(مَسْأَلَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ) شَيْءٍ (عَامٍّ) لِلنَّاسِ (لَا تَرَافُعَ فِيهِ) إلَى الْحُكَّامِ
(الرِّوَايَةُ وَخِلَافُهُ) ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ خَاصٍّ بِبَعْضِ النَّاسِ يُمْكِنُ التَّرَافُعُ فِيهِ إلَى الْحُكَّامِ (الشَّهَادَةُ) وَخَرَجَ بِإِمْكَانِ التَّرَافُعِ الْإِخْبَارُ عَنْ خَوَاصِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية العطار]
يَذْكُرْهُ فِيمَا سَبَقَ.
(قَوْلُهُ: أَيْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا إلَخْ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ الْمَذْكُورَةَ كَبِيرَةٌ سَوَاءٌ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ عَلَيْهَا أَمْ لَا، وَهُوَ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ مَنْ غَلَبَتْ طَاعَتُهُ مَعَاصِيه كَانَ عَدْلًا وَمَنْ غَلَبَتْ مَعَاصِيهِ طَاعَتَهُ كَانَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ وَهَذَا مَعْنَى نَصِّ الْمُخْتَصَرُ، وَأَمَّا اسْتِوَاءُ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي فَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ بِتَقْدِيرِ تَحَقُّقِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ مَنْ اسْتَوَتْ طَاعَتُهُ وَمَعَاصِيهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَبُولِ الْعَدَالَةُ وَهِيَ غَلَبَةُ الطَّاعَاتِ فَمَا لَمْ تُحَقِّقْ فَشَرْطُ الْقَبُولِ مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْقَبُولُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ، وَقَدْ ضَبَطَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْإِصْرَارَ الْمَعْدُودَ كَبِيرَةً بِأَنَّ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ صَغِيرَةٌ تَكَرُّرًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ، وَكَذَا مَنْ وُجِدَتْ مِنْهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الصَّغَائِرِ يُشْعِرُ مَجْمُوعُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِهِ أَدْنَى الْكَبَائِرِ، وَهُوَ ضَابِطٌ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ إشْعَارَ غَلَبَةِ الْمَعَاصِي بِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالدِّينِ أَظْهَرُ، وَقَدْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْغَلَبَةِ شَرْعًا فَالضَّبْطُ بِمَا يَسْتَنِدُ إلَيْهَا أَوْلَى اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: مِنْ نَوْعٍ وَأَنْوَاعٍ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ يُفْهِمُ أَنَّ الْآتِي بِوَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ نَوْع لَا يَكُونُ مُدْمِنًا اهـ.
وَأَقُولُ مَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِوَاحِدَةٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ يَصْدُقُ عَلَيْهَا صِدْقًا ظَاهِرًا الْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْ أَنْوَاعِ فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الْإِفْهَامُ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَالتَّوَلِّي) أَيْ الْفِرَارُ مِنْ الْكُفَّارِ يَوْمَ الزَّحْفِ أَيْ زَحْفَةِ جَيْشِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا كَمَا يُفِيدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16](قَوْلُهُ: يَعْنِي بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْكَبِيرَةَ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ: كَالْكُفْرِ وَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَلِكُلِّ نَوْعٍ أَصْنَافٌ مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَهُ كَأَصْنَافِ الْكُفْرِ مِنْ الْإِشْرَاكِ وَجَحْدِ النُّبُوَّةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكَأَصْنَافِ الْقَتْلِ مَنْ قَتَلَ الْوَلَدَ مَخَافَةَ الطُّعْمِ وَقَتَلَ الْأَجْنَبِيَّ وَغَيْرَهُمَا وَكَأَصْنَافِ الزِّنَا مِنْ الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَحَلِيلَةِ غَيْرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَعَدَدُهَا الَّذِي وَصَفَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السَّبْعِمِائَةِ هُوَ عَدَدُ أَصْنَافِ الْأَنْوَاعِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.
[مَسْأَلَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ شَيْءٍ عَامٍّ لِلنَّاسِ لَا تَرَافُعَ فِيهِ إلَى الْحُكَّامِ]
(قَوْلُهُ: لِإِخْبَارٍ عَنْ عَامٍّ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالرِّوَايَةُ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ وَالشَّهَادَةُ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ خِلَافُهُ خَبَرٌ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ الْإِخْبَارِ عَنْ خَاصٍّ) أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَتَعَلُّقُ الشَّهَادَةِ قَدْ يَكُونُ عَامًّا كَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهِ خُصُوصًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حُكْمٌ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ (قَوْلُهُ: يُمْكِنُ التَّرَافُعُ فِيهِ) عَبَّرَ بِالْإِمْكَانِ نَظَرًا إلَى
فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ غَالِبًا حَتَّى لَا يَخْرُجَ مِنْهُ الْخَوَاصُّ وَنَفْيُ التَّرَافُعِ فِيهِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ وَمَا فِي الْمَرْوِيِّ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَنَحْوِهِمَا يَرْجِعُ إلَى الْخَبَرِ بِتَأْوِيلٍ، فَتَأْوِيلُ أُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا مَثَلًا الصَّلَاةُ وَاجِبَةٌ، وَالزِّنَا حَرَامٌ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ (وَأَشْهَدُ إنْشَاءً تَضَمَّنَ الْإِخْبَارَ) بِالْمَشْهُودِ بِهِ (لَا مَحْضَ إخْبَارٍ أَوْ إنْشَاءٍ عَلَى الْمُخْتَارِ) ، وَهُوَ نَاظِرٌ إلَى اللَّفْظِ لِوُجُودِ مَضْمُونِهِ فِي الْخَارِجِ بِهِ وَإِلَى مُتَعَلَّقِهِ.
وَالثَّانِي: إلَى الْمُتَعَلَّقِ فَقَطْ.
وَالثَّالِثُ: إلَى اللَّفْظِ فَقَطْ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ فَلَمْ تَتَوَارَدْ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ
ــ
[حاشية العطار]
أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكَّمِ تُسَمَّى شَهَادَةً، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلْزَامٌ وَعَمَلٌ فَأَشَارَ بِتَعْبِيرِهِ بِالْإِمْكَانِ إلَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ تَسْمِيَتُهَا شَهَادَةً عَلَى كَوْنِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ (قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَعْرِيفُ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: لِبَيَانِ الْوَاقِعِ) ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ لَا تَرَافُعَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْمَرْوِيِّ إلَخْ) دُفِعَ لِيُزَادَ عَلَى تَعْرِيفِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ وَبَحَثَ فِيهِ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ هَذَا فِي كُلِّ إنْشَاءٍ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا إنْشَاءَ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَبِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ وَغَيْرَهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَتَأْوِيلُ أَقِيمُوا إلَخْ) أَوْرَدَ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْإِخْبَارِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّهُ إنْشَاءٌ مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ وَقَالَ الْكَمَالُ الْإِخْبَارُ فِي نَفْسِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ قَالَ النَّبِيُّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: مِنْ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، وَقَدْ خَاضَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَغَايَةُ مَا فَرَّقُوا بِهِ الِاخْتِلَافَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ تَخَالُفًا فِي الْحَقِيقَةِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ: أَقَمْت مُدَّةً أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا حَتَّى ظَفِرْت بِهِ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فَقَالَ الرِّوَايَةُ هِيَ الْإِخْبَارُ عَنْ عَامٍّ لَا تَرَافُعَ فِيهِ إلَى الْحُكَّامِ وَخِلَافُهُ الشَّهَادَةُ وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الَّتِي يَفْتَرِقَانِ فِيهَا فَكَثِيرَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِجَمْعِهَا وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ: الْأَوَّلُ الْعَدَدُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ أُمُورًا: أَحَدُهَا أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَهَابَةُ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ شَهَادَةِ الزُّورِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ يَنْفَرِدُ بِالْحَدِيثِ رَاوٍ وَاحِدٌ فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ لَفَاتَ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ بِخِلَافِ فَوْتِ حَقِّ وَاحِدٍ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَدَاوَاتٍ تَحْمِلُهُمْ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم.
الثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ الذُّكُورِيَّةُ فِيهَا مُطْلَقًا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ.
الثَّالِثُ: لَا يُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ فِيهَا بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا.
الرَّابِعُ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْبُلُوغُ وَأَوْصَلَهَا إلَى إحْدَى وَعِشْرِينَ ذَكَرَهَا كُلَّهَا السُّيُوطِيّ، وَلَكِنَّ الْبَعْضَ مِنْهَا قَابِلٌ لِلْمُنَاقَشَةِ وَذَكَرَ مِنْهَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَى مَرْكُوبٍ (قَوْلُهُ: إنْشَاءً) أَيْ مَعْنًى، وَإِلَّا فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْإِخْبَارِ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ مَضْمُونِهِ فِي الْخَارِجِ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الشَّهَادَةُ اللَّفْظِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى النُّطْقِ إمَّا أَنْ تُرِيدَ الشَّهَادَةَ الْقَلْبِيَّةَ بِمَعْنَى أَعْلَمُ ذَلِكَ وَأَتَحَقَّقُهُ فَإِخْبَارٌ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ، وَلَوْ أُرِيدَ اللَّفْظِيَّةُ يَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ شَهَادَةٍ حَاصِلَةٍ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِهَا تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الشَّارِحِ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ التَّحْقِيقُ) ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي لَفْظِ أَشْهَدُ لَا فِي لَفْظِ الْمَشْهُودِ بِهِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ اللَّفْظِ
(قَوْلُهُ: فَلَوْ تَتَوَارَدُ إلَخْ) أَيْ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ وَلَكِنْ يُنَافِيه قَوْلُهُ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا لَا يَكُونُ أَحَدُ الْأَقْوَالِ حَقًّا وَالْآخَرُ بَاطِلًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِإِلَّا حَقِيقَةُ أَنَّهُ حَقِيقٌ
وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ أَشْهَدُ إنْشَاءً وَكَوْنِ مَعْنَى الشَّهَادَةِ إخْبَارًا؛ لِأَنَّهُ صِيغَةٌ مُؤَدِّيَةٌ لِذَلِكَ الْمَعْنَى بِمُتَعَلَّقِهِ (وَصِيَغُ الْعُقُودِ كَبِعْتُ) وَاشْتَرَيْت وَزَوَّجْت وَتَزَوَّجْت (إنْشَاءً) لِوُجُودِ مَضْمُونِهَا فِي الْخَارِجِ بِهَا (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا إخْبَارٌ عَلَى أَصْلِهَا بِأَنْ يُقَدِّرَ وُجُودَ مَضْمُونِهَا فِي الْخَارِجِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِهَا.
(قَالَ الْقَاضِي) أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ (: يَثْبُتُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ بِوَاحِدٍ) فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ (وَقِيلَ: فِي الرِّوَايَةِ فَقَطْ) أَيْ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ رِعَايَةً لِلتَّنَاسُبِ فِيهِمَا فَإِنَّ الْوَاحِدَ يُقْبَلُ فِي الرِّوَايَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ (وَقِيلَ: لَا فِيهِمَا) نَظَرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَدِ (وَقَالَ الْقَاضِي) أَيْضًا (يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا) أَيْ فِي
ــ
[حاشية العطار]
بِالِاعْتِبَارِ، وَأَحَقُّ بِالْقَبُولِ (قَوْلُهُ:، وَلَا مُنَافَاةَ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَشْهَدَ إنْشَاءً إلَخْ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ لِلشَّهَادَةِ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ لَفْظَ أَشْهَدَ إخْبَارٌ (قَوْلُهُ: لِذَلِكَ الْمَعْنَى) ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ وَقَوْلُهُ بِمُتَعَلَّقِهِ أَيْ، وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَمُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَشْهَدَ بِكَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى مُقَيَّدٍ وَقَيْدٍ، وَهُوَ الْمَشْهُودُ بِهِ فَمَنْ نَظَرَ لَهُمَا مَعًا قَالَ لَهُ إنْشَاءً تَضَمَّنَ إخْبَارًا وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْقَيْدِ فَقَطْ قَالَ إنَّهُ إخْبَارٌ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ: إنَّهُ إنْشَاءٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه) قَالَ الْكَمَالُ قَدْ اُشْتُهِرَ فِي الْأُصُولِ نَقْلُ ذَلِكَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنْكَرَهُ السُّرُوجِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا إنْشَاءٌ نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَكَأَنَّ الشَّارِحُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْهَضُ مُعَارِضًا لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ النَّقْلِ فَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: إنَّهَا إخْبَارٌ عَلَى أَصْلِهَا) أَيْ وَارِدَةٌ عَلَى وَصْفِهَا إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَدَّرَ وُجُودُ مَضْمُونِهَا إلَخْ) أَيْ حَتَّى يَصِحَّ صِدْقُ الْخَبَرِ عَلَيْهَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لِذَلِكَ بَلْ يُقَالُ نُقِلَتْ صِيغَةُ الْخَبَرِ إلَى الْإِنْشَاءِ مَجَازًا، ثُمَّ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ شَائِعٌ فَإِنْ أُرِيدَ إلَى الْوُجُودِ فِي الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ كُلَّ إنْشَاءٍ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَخْ) مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ لِمَا هُنَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ، وَالشَّاهِدِ وَالرَّاوِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْعَدَالَةِ وَهِيَ تُنْفَى بِالْجَرْحِ وَتَتَحَقَّقُ بِالتَّعْدِيلِ، ثُمَّ قَضِيَّةُ تَقْدِيمِ هَذَا الْقَوْلِ وَحِكَايَةُ مَا عَدَاهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ يُشْعِرُ بِاحْتِيَاجِ الْمُصَنِّفِ لَهُ مَعَ أَنَّ الْمُخْتَارَ هُوَ الْقَوْلُ الْمُفَصَّلُ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ
الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ سَبَبِهِمَا فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ بِهِ (وَقِيلَ: يَذْكُرُ سَبَبَهُمَا)، وَلَا يَكْفِي إطْلَاقُهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجْرَحَ بِمَا لَيْسَ بِجَرْحٍ وَأَنْ يُبَادِرَ إلَى التَّعْدِيلِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (وَقِيلَ:) يَذْكُرُ سَبَبَ التَّعْدِيلِ فَقَطْ أَيْ دُونَ سَبَبِ الْجَرْحِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْجَرْحِ يُبْطِلُ الثِّقَةَ وَمُطْلَقُ التَّعْدِيلِ لَا يُحَصِّلُهَا لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ (وَعَكَسَ الشَّافِعِيُّ) رضي الله عنه فَقَدْ يَذْكُرُ سَبَبَ الْجَرْحِ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ) قِيلَ: الْأَوْلَى الْجُرْحَةُ وَالْعَدَالَةُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِجَعْلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مَصْدَرَيْ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ أَوْ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ أَثَرُ الْجَرْحِ وَأَثَرُ التَّعْدِيلِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا) أَيْ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي أَيْضًا فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيمَنْ خَفِيَ أَمْرُهُ أَمَّا مَا اُسْتُفِيضَتْ عَدَالَتُهُ وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِهَا كَمَالِكٍ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ فَلَا يُسْأَلُ عَنْهُمْ، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ: مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فَقَالَ مِثْلِي يُسْأَلُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَبُو عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنْ النَّاسِ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ) ؛ لِأَنَّ أَسْبَابَ الْعَدَالَةِ يَكْثُرُ التَّصَنُّعُ فِيهَا فَيَبْنِي الْمُعَدِّلُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَقَدْ يُوَثِّقُ الْمُعَدِّلُ بِمَا لَا يَقْتَضِي الْعَدَالَةَ كَمَا رَوَى يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَالَ سَمِعْت إنْسَانًا يَقُولُ لِأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ: عَبْدُ اللَّهِ الْمَعْمَرِيُّ ضَعِيفٌ فَقَالَ: إنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيٌّ لَوْ رَأَيْت لِحْيَتَهُ وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْت أَنَّهُ ثِقَةٌ، فَاسْتَدَلَّ عَلَى ثِقَتِهِ بِمَا لَيْسَ حُجَّةً؛ لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْئَةِ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَدْلُ وَغَيْرُهُ اهـ.
أَقُولُ وَأَقْوَى شَاهِدٍ عَلَى ذَلِكَ قِصَّةُ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ يَحْتَرِمُهُ لِحُسْنِ زِيِّهِ فَلَا يَمُدُّ رِجْلَهُ، وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ يَسْتَرِيحُ بِمَدِّهَا لِأَلَمٍ بِهَا فَيَتَضَرَّرُ احْتِشَامًا لِذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالَ يَوْمًا: مَتَى يُفْطِرُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ: إذَا لَمْ تَغْرُبْ فَقَالَ يَمُدُّ الشَّافِعِيُّ رِجْلَهُ هَكَذَا وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ حِينَئِذٍ، وَكَذَلِكَ قِصَّةُ الْفَارَابِيِّ مَعَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ بِزِيِّ التَّتَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تُرْكِيًّا وَجَلَسَ بِجَانِبِهِ فَاحْتَقَرَهُ وَاسْتَعْظَمَ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَ فَضْلُهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ وَهَذَا الْوَقْتُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ جَرَى عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ اعْتِقَادِ النَّاسِ مَا لَيْسَ فِي الْمُعْتَقِدِ اعْتِمَادًا عَلَى ضَخَامَةِ جِسْمِهِ وَمَلَابِسِهِ أَوْ لِتَصَنُّعِهِ حَتَّى انْتَهَى. الْحَالُ إلَى أَنَّهُ مَتَى أُسْنِدَ قَوْلٌ لِذَلِكَ الْمُعْتَقِدِ جُعِلَ اعْتِمَادًا لِنِسْبَتِهِ لِذَلِكَ الْقَائِلِ فَنَحْنُ الْآنَ نَعْرِفُ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ لَا الرِّجَالَ بِالْحَقِّ وَلْنَعْلَمْ مَا قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْمُنْقِذِ مِنْ الضَّلَالِ أَنَّ عَادَةَ ضُعَفَاءِ الْعُقَلَاءِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ لَا الرِّجَالَ بِالْحَقِّ فَالْعَاقِلُ يَعْرِفُ الْحَقَّ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي نَفْسِ الْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ حَقًّا قَبِلَهُ سَوَاءٌ كَانَ قَائِلُهُ مُبْطِلًا أَوْ مُحِقًّا بَلْ رُبَّمَا يَخُوضُ عَلَى انْتِزَاعِ الْحَقِّ مِنْ تَضَاعِيفِ كَلَامِ أَهْلِ الضَّلَالِ عَالِمًا بِأَنَّ مَعْدِنَ الذَّهَبِ الرِّغَامُ
وَلَا بَأْسَ عَلَى الصَّرَّافِ إنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْكِيسِ وَانْتَزَعَ الْإِبْرِيزَ الْخَالِصَ مِنْ الزَّيْفِ مَهْمَا كَانَ وَاثِقًا لِبَصِيرَتِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْأَحْمَقُ الْأَخْرَقُ دُونَ السَّبَّاحِ الْحَاذِقِ وَلَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْمَثْبُوتَةِ فِي تَصَانِيفِنَا فِي أَسْرَارِ عُلُومِ الدِّينِ مَنْ لَمْ تَسْتَحْكِمْ فِي الْعُلُومِ مَنَابِرُهُمْ، وَلَمْ تَنْفَتِحْ إلَى أَقْصَى غَايَاتِ الْمَذَاهِبِ بَصَائِرُهُمْ وَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ
لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ دُونَ سَبَبِ التَّعْدِيلِ (وَهُوَ) أَيْ عَكْسُ الشَّافِعِيُّ (الْمُخْتَارُ فِي الشَّهَادَةِ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ) فِيهَا لِلْجَرْحِ كَالتَّعْدِيلِ (إذَا عُرِفَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ)
ــ
[حاشية العطار]
مِنْ كَلَامِ الْأَوَائِلِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا مِنْ مُوَلَّدَاتِ الْخَوَاطِرِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَقَعَ الْحَافِرُ عَلَى الْحَافِرِ وَبَعْضُهَا يُوجَدُ فِي الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَكْثَرُهَا مَوْجُودٌ مَعْنَاهُ فِي كُتُبِ الصُّوفِيَّةِ وَهَبْ أَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ إلَّا فِي كُتُبِهِمْ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ مَعْقُولًا فِي نَفْسِهِ مُؤَيَّدًا بِالْبُرْهَانِ، وَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْجَرَ وَيُنْكَرَ؛ لِأَنَّا لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ وَتَطَرَّقْنَا إلَى أَنْ نَهْجُرَ كُلَّ حَقٍّ سَبَقَ إلَيْهِ خَاطِرُ مُبْطِلٍ لَلَزِمَنَا أَنْ نَهْجُرَ كَثِيرًا مِنْ الْحَقِّ وَيَتَدَاعَى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَسْتَخْرِجَ الْمُبْطِلُونَ الْحَقَّ مِنْ أَيْدِينَا لِإِيدَاعِهِمْ إيَّاهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَأَقَلُّ دَرَجَةِ الْعَالِمِ أَنْ يَتَمَيَّزَ عَنْ الْعَامِّيِّ فَلَا يَعَافُ الْعَسَلَ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مِحْجَمَةِ الْحَجَّامِ وَيَتَحَقَّقُ أَنَّ الدَّمَ مُسْتَقْذَرٌ لَا لِكَوْنِهِ فِي الْمِحْجَمَةِ بَلْ لِصِفَةٍ فِي ذَاتِهِ فَإِذَا عُدِمَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي الْعَسَلِ فَكَوْنُهُ فِي ظَرْفِهِ لَا يُكْسِبُهُ تِلْكَ الصِّفَةَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ الِاسْتِقْذَارُ، وَهَذَا الْوَهْمُ الْبَاطِلُ غَالِبٌ عَلَى أَكْثَرِ الْخَلْقِ فَمَهْمَا نَسَبْت الْكَلَامَ وَأَسْنَدْتَهُ إلَى قَائِلٍ حَسُنَ فِيهِ اعْتِقَادُهُمْ قَبِلُوهُ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا، وَإِنْ أَسْنَدْته إلَى مَنْ سَاءَ فِيهِ اعْتِقَادُهُمْ رَدُّوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَدَائِمًا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ، وَلَا يَعْرِفُونَ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ
(قَوْلُهُ: لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ) إذْ رُبَّمَا أَطْلَقَ أَحَدُهُمْ الْجَرْحَ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ جَرْحًا وَلَيْسَ بِجَرْحٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِهِ لِيُنْظَرَ هَلْ هُوَ قَادِحٌ أَوْ لَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ مُقَرَّرٌ فِي الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ، وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ كَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلِذَلِكَ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِجَمَاعَةٍ سَبَقَ مِنْ غَيْرِهِ الْجَرْحُ لَهُمْ كَعِكْرِمَةَ وَعَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِسُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٍ اُشْتُهِرَ الطَّعْنُ فِيهِمْ وَهَكَذَا فَعَلَ أَبُو دَاوُد وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْجَرْحَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا فُسِّرَ سَبَبُهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَفْسَرَ الْجَارِحُ فَذَكَرَ مَا لَيْسَ بِجَرْحٍ، وَقَدْ عَقَدَ الْخَطِيبُ لِذَلِكَ بَابًا رَوَى فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ قَالَ قِيلَ: لِشُعْبَةَ لِمَ تَرَكْت حَدِيثَ فُلَانٍ قَالَ رَأَيْته يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ فَتَرَكْت حَدِيثَهُ، وَرُوِيَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثٍ لِصَالِحٍ الْمُرِّيِّ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِصَالِحٍ ذَكَرُوهُ يَوْمًا عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَامْتَخَطَ حَمَّادٌ وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ شُعْبَةُ أَتَيْت مَنْزِلَ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو فَسَمِعْت مِنْهُ صَوْتَ الطُّنْبُورِ فَرَجَعْت فَقِيلَ: لَهُ فَهَلَّا سَأَلْت عَنْهُ هَلْ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَقَالَ شُعْبَةُ أَيْضًا قُلْت لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ لِمَ لَمْ تَرْوِ عَنْ زَاذَانَ قَالَ كَانَ كَثِيرَ الْكَلَامِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ وَأَقُولُ: دَلَّ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى مَدْحِ شَخْصٍ أَوْ ذَمِّهِ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تَتَخَلَّفُ فَكَمْ رَأَيْنَا أَقْوَامًا تَلَبَّسُوا بِصُورَةِ الصَّلَاحِ مِصْيَدَةً لِأَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَقْوَامًا بِخِلَافِهِمْ تَوَرَّعُوا عَنْ ذَلِكَ وَبِذِكْرِ سَمَاعِ الطُّنْبُورِ مِنْ بَيْتِ الرَّجُلِ أَذْكُرُ مَا أَنَا وَاقِعٌ فِيهِ وَقْتَ تَأْلِيفِي لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ، وَهُوَ أَنَّ جَارًا لِي يَبِيعُ الرَّقِيقَ فَقَلَّ أَنْ يَخْلُوَ بَيْتُهُ مِنْ ضَرْبِ الطَّنَابِيرِ وَآلَاتِ اللَّهْوِ وَالرَّقْصِ لِتَعَلُّمِ الْجَوَارِي بِحَيْثُ إنَّ مَنْ دَخَلَ دَارِي يَسْمَعُ ذَلِكَ كَأَنَّهُ عِنْدِي لَوْلَا أَنِّي أَقُولُ لَهُ: هَذَا عِنْدَ جَارِي وَأَذْكُرُ لَهُ الْقِصَّةَ فَمَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَةَ حَالِي لَا أُخْبِرُهُ وَمَنْ جَهِلَهَا لَا بُدَّ لِي مِنْ إخْبَارِهِ، وَإِلَّا ارْتَابَ فِي شَأْنِي قَالَ سم الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله مِمَّا أَشْكَلَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ اشْتِرَاطُ التَّفْصِيلِ فِي الْجَرْحِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ دُونَ التَّعْدِيلِ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَجْعَلُ شَيْئًا جَارِحًا يَجْعَلُ انْتِفَاءَهُ شَرْطًا فِي الْعَدَالَةِ وَمَنْ لَا يَجْعَلُهُ جَارِحًا لَا يَجْعَلُ انْتِفَاءَهُ شَرْطًا فِيهَا فَمَنْ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ غَيْرُ عَدْلٍ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُ جَارِحًا وَعُدِّلَ عِنْدَ مَنْ لَا يَجْعَلُهُ جَارِحًا فَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِ الْجَرْحِ مُقْتَضِيًا لِلِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الْعَدَالَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا عُرِفَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْجَرْحُ بِدُونِ بَيَانِ سَبَبِهِ كَأَنْ يَقُولَ الْجَارِحُ فُلَانٌ ضَعِيفٌ أَوْ لَيْسَ بِشَيْءٍ، نَعَمْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ إنَّ هَذَا، وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ فِي إثْبَاتِ الْجَرْحِ لَكِنَّا نَعْتَمِدُهُ فِي التَّوَقُّفِ عَنْ قَبُولِ خَبَرِ مَنْ قُبِلَ فِيهِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ أَوْقَعَ
مِنْ أَنَّهُ لَا يَجْرَحُ إلَّا بِقَادِحٍ، وَلَا يُكْتَفَى بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ فِيهَا بِالْمَشْهُودِ لَهُ (وَقَوْلُ الْإِمَامَيْنِ) أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيّ (يَكْفِي إطْلَاقُهُمَا) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (لِلْعَالِمِ بِسَبَبِهِمَا) أَيْ مِنْهُ، وَلَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِهِ (هُوَ رَأْيُ الْقَاضِي) الْمُتَقَدِّمُ (إذْ لَا تَعْدِيلَ وَجَرْحَ إلَّا مِنْ الْعَالِمِ) بِسَبَبِهِمَا فَلَا يُقَالُ: إنَّهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ مَعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ.
(وَالْجَرْحُ مُقَدَّمٌ) عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى التَّعْدِيلِ (إنْ كَانَ عَدَدُ الْجَارِحِ أَكْثَرَ مِنْ) عَدَدِ (الْمُعَادِلِ إجْمَاعًا، وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا) أَيْ عَدَدُ الْجَارِحِ وَعَدَدُ الْمُعَدِّلِ (أَوْ كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ) عَدَدًا مِنْ الْمُعَدِّلِ لِاطِّلَاعِ الْجَارِحِ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُعَدِّلُ (وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ) مِنْ الْمَالِكِيَّةِ (يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ) فِي الْقِسْمَيْنِ كَمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي الْأَوَّلِ بِكَثْرَةِ عَدَدِ الْجَارِحِ وَعَلَى وِزَانِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ التَّعْدِيلَ فِي الثَّالِثِ مُقَدَّمٌ (وَمِنْ التَّعْدِيلِ) لِشَخْصٍ (حُكْمٌ مُشْتَرَطٌ لِلْعَدَالَةِ) فِي الشَّاهِدِ (بِالشَّهَادَةِ) مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا عِنْدَهُ لَمَا حَكَمَ بِشَهَادَتِهِ (وَكَذَا عَمَلُ الْعَالِمِ) الْمُشْتَرِطِ لِلْعَدَالَةِ
ــ
[حاشية العطار]
عِنْدَنَا رِيبَةً قَوِيَّةً اهـ. زَكَرِيَّا.
فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَعْتَمِدُ النَّاسُ فِي جَرْحِ الرُّوَاةِ وَرَدِّ حَدِيثِهِمْ عَلَى الْكُتُبِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَقَلَّمَا يَتَعَرَّضُونَ فِيهَا لِبَيَانِ السَّبَبِ بَلْ يَقْتَصِرُونَ عَلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ ضَعِيفٌ وَفُلَانٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ حَدِيثٌ غَيْرُ ثَابِتٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطُ بَيَانِ السَّبَبِ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ ذَلِكَ وَسَدِّ بَابِ الْجَرْحِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ؟ قُلْت أَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي التَّقْرِيبِ مُخْتَصَرُ كِتَابِ عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ إنَّ كُتُبَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ فِيهَا سَبَبُ الْجَرْحِ فَفَائِدَتُهَا التَّوَقُّفُ فِيمَنْ جَرَّحُوهُ فَإِنْ بَحَثْنَا عَنْ حَالِهِ وَانْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ وَحَصَلَتْ الثِّقَةُ بِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ كَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ (قَوْلُهُ: أَيْ مِنْهُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْعَالِمِ بِمَعْنَى مِنْ.
(قَوْلُهُ:، وَكَذَا إنْ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ) فَضَّلَهُمَا بِكَذَا؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْجَرْحِ فِيهَا لَيْسَ إجْمَاعًا بَلْ عَلَى الصَّحِيحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِاطِّلَاعِ الْجَارِحِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ الْمُعَدِّلُ عَلَى السَّبَبِ وَعَلِمَ تَوْبَتَهُ مِنْهُ قُدِّمَ عَلَى الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ كَأَصْلِهِ، وَلَوْ عَيَّنَ الْجَارِحُ سَبَبًا فَنَفَاهُ الْمُعَدِّلُ بِطَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ كَأَنْ قَالَ الْجَارِحُ: قُتِلَ فُلَانٌ وَقْتَ كَذَا فَقَالَ الْمُعَدِّلُ رَأَيْتُهُ حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ كَانَ الْقَائِلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَعَارَضَا (قَوْلُهُ: وَعَلَى وَزْنِهِ) أَيْ مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَأَفَادَ بِهَذَا أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ إنَّمَا جَعَلَ الْكَثْرَةَ مُرَجِّحَةً فِي التَّرْجِيحِ دُونَ التَّعْدِيلِ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ وَعَلَى وِزَانِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ التَّعْدِيلِ) أَيْ الضِّمْنِيِّ وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ فِي الصَّرِيحِ (قَوْلُهُ: حُكْمُ مُشْتَرِطِ الْعَدَالَةِ إلَخْ) قَالَ النَّجَّارِيُّ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْوَاقِعَةِ فَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهُ حُكْمٌ يَعُمُّهُ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا عَمَلُ الْعَالِمِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ: وَعَمَلُ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّتِهِ، وَلَا بِتَعْدِيلِ رِوَايَةٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ احْتِيَاطًا أَوْ لِدَلِيلٍ آخَرَ وَافَقَ ذَلِكَ الْخَبَرَ وَصَحَّحَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِذَلِكَ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَسَالِكِ الِاحْتِيَاطِ وَفَرَّقَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بَيْنَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ، وَلَا مُخَالَفَتِهِ لَهُ قَدْحًا مِنْهُ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا فِي رِوَايَتِهِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَانِعٍ مِنْ مُعَارِضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ حَدِيثَ الْخِيَارِ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي نَافِعٍ رِوَايَةً وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَتَعَرَّضَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي فُتْيَاهُ أَوْ حُكْمِهِ أَوْ اسْتَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ دَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ إجْمَاعٍ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْتِي أَوْ الْحَاكِمُ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ أَدِلَّتِهِ بَلْ، وَلَا بَعْضَهَا وَلَعَلَّ لَهُ دَلِيلًا آخَرَ وَاسْتَأْنَسَ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْبَابِ رُبَّمَا كَانَ يَرَى الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ وَتَقْدِيمَهُ عَلَى الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: الْمُشْتَرِطِ لِلْعَدَالَةِ) هَذَا جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الرَّاوِي مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِيهِ خِلَافٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ خِلَافِ
فِي الرَّاوِي بِرِوَايَةِ شَخْصٍ تَعْدِيلًا لَهُ (فِي الْأَصَحِّ) ، وَإِلَّا لَمَا عُمِلَ بِرِوَايَتِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ تَعْدِيلًا لَهُ وَالْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ احْتِيَاطًا (وَرِوَايَةُ مَنْ لَا يَرْوِي إلَّا لِلْعَدْلِ) أَيْ عَنْهُ بِأَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ عَنْ شَخْصٍ تَعْدِيلٌ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ هُوَ عَدْلٌ، وَقِيلَ: لَا لِجَوَازِ أَنْ يَتْرُكَ عَادَتَهُ (وَلَيْسَ مِنْ الْجَرْحِ) لِشَخْصٍ (تَرْكُ الْعَمَلِ بِمَرْوِيِّهِ وَ) تَرْكُ (الْحُكْمِ بِمَشْهُودِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ لِمُعَارِضٍ (وَلَا الْحَدِّ) لَهُ (فِي شَهَادَةِ الزِّنَا) بِأَنْ لَمْ يَكْمُلْ نِصَابُهَا؛ لِأَنَّهُ لِانْتِفَاءِ النِّصَابِ (وَ) لَا فِي (نَحْوِ) شُرْبِ (النَّبِيذِ) مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَقِدَ إبَاحَةَ ذَلِكَ (وَلَا التَّدْلِيسِ) فِيمَنْ رُوِيَ عَنْهُ (بِتَسْمِيَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ) لَهُ حَتَّى لَا يُعْرَفَ إذْ لَا خَلَلَ فِي ذَلِكَ
(قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ) عَنْهُ (لَمْ يُبَيِّنْهُ) فَإِنَّ صَنِيعَهُ حِينَئِذٍ جَرْحٌ لَهُ لِظُهُورِ الْكَذِبِ فِيهِ.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ فَتَرْكُ الِاسْتِثْنَاءِ أَظْهَرُ مِنْهُ (وَلَا) التَّدْلِيسِ (بِإِعْطَاءِ شَخْصٍ اسْمَ آخَرَ تَشْبِيهًا كَقَوْلِنَا) أَخْبَرَنَا (أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ يَعْنِي الذَّهَبِيَّ تَشْبِيهًا بِالْبَيْهَقِيِّ) فِي قَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (يَعْنِي) بِهِ (الْحَاكِمَ) لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ (وَلَا) التَّدْلِيسِ (بِإِيهَامِ اللُّقَى وَالرِّحْلَةِ) الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ مَنْ عَاصَرَ الزُّهْرِيَّ مَثَلًا، وَلَمْ يَلْقَهُ
ــ
[حاشية العطار]
أَبِي حَنِيفَةَ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ (قَوْلُهُ: وَرِوَايَةُ مَنْ لَا يَرْوِي) أَيْ، وَكَذَا رِوَايَةُ إلَخْ وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَدْخُولِ الْخِلَافِ أَيْضًا (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: لَا) وَعَلَى هَذَا أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ عَادَتَهُ كَانَ تَعْدِيلًا اتِّفَاقًا، وَهُوَ وَجِيهٌ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لِجَوَازِ أَنْ يَتْرُكَ عَادَتَهُ) أَيْ عَادَتَهُ الَّتِي الْتَزَمَهَا سَوَاءٌ كَانَ بِمُقْتَضَى الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لِانْتِفَاءِ النِّصَابِ) أَيْ لَا لِمَعْنًى فِي الشَّاهِدِ وقَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] فِيمَا إذَا كَانَ الرَّمْيُ عَلَى سَبِيلِ الْغِيبَةِ لَا الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ:، وَلَا فِي نَحْوِ شُرْبِ النَّبِيذِ) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ مِنْهُ وَأَمَّا الْقَدْرُ الَّذِي يُسْكِرُ مِنْهُ فَالْحَدُّ بِهِ مَحَلُّ وِفَاقٍ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَرَى أَنَّ مَنَاطَ الْحَدِّ الشُّرْبُ إلَّا فِي الْخَمْرِ
وَأَمَّا النَّبِيذُ فَمَنَاطُ الْحَدِّ عِنْدَهُ فِيهِ مِنْ السُّكْرِ لَا الشُّرْبِ، وَلَا شُرْبِ قَدْرٍ مَخْصُوصٍ حَتَّى أَنَّ مَنْ شَرِبَ قَدْرًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَسْكَرْ بِهِ لَا يُحَدُّ عِنْدَهُ وَالشَّافِعِيُّ يَرَى مَنَاطَ الْحَدِّ فِيهِ الشُّرْبَ كَالْخَمْرِ فَلِذَا جَعَلَ الشَّارِحُ مَحَلَّ الْخِلَافِ الشُّرْبَ إشَارَةً إلَى ذَلِكَ وَمِنْ مُلَحِ أَبِي نُوَاسٍ:
أَبَاحَ الْعِرَاقِيُّ النَّبِيذَ وَشُرْبَهُ
…
وَقَالَ حَرَامَانِ الْمُدَامَةُ وَالسُّكْرُ
وَقَالَ الْحِجَازِيُّ الشَّرَابَانِ وَاحِدٌ
…
فَحَلَّ لَنَا مِنْ بَيْنِ قَوْلَيْهِمَا الْخَمْرُ
يَعْنِي بِالْعِرَاقِيِّ أَبَا حَنِيفَةَ وَبِالْحِجَازِيِّ الشَّافِعِيَّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ فِي الطَّبَقَاتِ (قَوْلُهُ: كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ كَأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى فَرْضِ ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ الْآنَ مُنْعَقِدٌ عَلَى التَّحْرِيمِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: بِتَسْمِيَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ) هَذَا يُسَمَّى تَدْلِيسَ الشُّيُوخِ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا بِإِعْطَاءِ شَخْصٍ إلَخْ، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ أَيْ وَلَا بِإِعْطَاءِ الرَّاوِي شَخْصًا اسْمَ آخَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ، وَلَا بِإِيهَامِ اللُّقَى وَالرِّحْلَةِ فَهُوَ مِنْ تَدْلِيسِ الْإِسْنَادِ وَسَيَذْكُرُ تَدْلِيسَ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ:.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ ذَلِكَ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَخْفَاهُ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ (قَوْلُهُ: فَتَرْكُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) تَرْكُ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَالِاسْتِثْنَاءُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ (قَوْلُهُ: يَعْنِي الذَّهَبِيَّ) هُوَ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الطَّبَقَاتِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي) أَيْ الْبَيْهَقِيَّ فَالذَّهَبِيُّ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ كَمَا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ شَيْخُهُ الْحَاكِمُ
(قَوْلُهُ: لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِعَارَةٌ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت الْيَوْمَ حَاتِمًا وَتُرِيدُ بِهِ جَوَادًا (قَوْلُهُ: وَالرِّحْلَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الِارْتِحَالِ وَأَمَّا الرُّحْلَةُ بِالضَّمِّ فَالشَّخْصُ الْمُرْتَحِلُ