المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة العمل بخبر الواحد] - حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع - جـ ٢

[حسن العطار]

فهرس الكتاب

- ‌مَسْأَلَةٌ) فِي صِيَغِ الْعُمُومِ

- ‌(مَسْأَلَةٌ جَوَابُ السَّائِلِ غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ دُونَهُ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ إنْ تَأَخَّرَ الْخَاصُّ عَنْ الْعَمَلِ) بِالْعَامِّ الْمُعَارِضِ لَهُ أَيْ عَنْ وَقْتِهِ

- ‌(الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ)

- ‌ الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ كَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ)

- ‌(الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ)

- ‌(الْمُجْمَلُ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ)

- ‌(النَّسْخُ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ)

- ‌(خَاتِمَةٌ لِلنَّسْخِ)

- ‌(الْكِتَابُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ)

- ‌[الْكَلَامُ فِي الْأَخْبَارِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْخَبَرُ إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ أَوْ اسْتِدْلَالًا]

- ‌مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إلَّا بِقَرِينَةٍ)

- ‌[مَسْأَلَة الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ الْإِخْبَارِ عَنْ) شَيْءٍ (عَامٍّ) لِلنَّاسِ (لَا تَرَافُعَ فِيهِ) إلَى الْحُكَّامِ

- ‌[مَسْأَلَة الشَّخْصُ الَّذِي يُسَمَّى صَحَابِيًّا]

- ‌(مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ قَوْلَ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لِلْعَارِفِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ) : (الصَّحِيحُ يُحْتَجُّ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ)

- ‌(خَاتِمَةٌ) (مُسْتَنَدُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ) فِي الرِّوَايَةِ

- ‌(الْكِتَابُ الثَّالِثُ فِي الْإِجْمَاعِ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌[اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُجْتَهِدِينَ]

- ‌ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ (بِالْمُسْلِمِينَ)

- ‌[اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاع بِالْعُدُولِ]

- ‌ الْإِجْمَاعُ (لَا يَخْتَصُّ بِالصَّحَابَةِ)

- ‌ الْإِجْمَاعَ (الْمَنْقُولَ بِالْآحَادِ)

- ‌[إجْمَاعَ الْأُمَمِ السَّابِقَة]

- ‌ الْإِجْمَاعُ (السُّكُوتِيُّ)

- ‌[التَّمَسُّكَ بِأَقَلَّ مَا قِيلَ فِي الْإِجْمَاعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ إمْكَانُ الْإِجْمَاعِ]

- ‌ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ

- ‌(خَاتِمَةٌ: جَاحِدُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ)

- ‌(الْكِتَابُ الرَّابِعُ فِي) (الْقِيَاسِ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ

- ‌ الْقِيَاسُ (حُجَّةٌ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ)

- ‌ الْقِيَاسَ عَلَى مَنْسُوخٍ)

- ‌[أَرْكَانُ الْقِيَاسِ]

- ‌[الرُّكْن الْأَوَّلُ الْأَصْلُ]

- ‌(الثَّانِي) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (حُكْمُ الْأَصْلِ

- ‌(الثَّالِثُ) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (الْفَرْعُ

- ‌(الرَّابِعُ) مِنْ أَرْكَانِ الْقِيَاسِ (الْعِلَّةُ)

- ‌ الْعِلَّةُ (الْقَاصِرَةُ)

- ‌ التَّعْلِيلُ بِمُجَرَّدِ الِاسْمِ

- ‌(التَّعْلِيلَ) لِلْحُكْمِ الْوَاحِدِ (بِعِلَّتَيْنِ) فَأَكْثَرَ

- ‌(لَا يُشْتَرَطُ) فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ (الْقَطْعُ بِحُكْمِ الْأَصْلِ)

- ‌[انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ لِلْعِلَّةِ]

- ‌[لِلْمُسْتَدِلِّ دَفْعُ الْمُعَارَضَةِ فِي الْعِلَّةِ]

- ‌(مَسَالِكُ الْعِلَّةِ)

- ‌(الْأَوَّلُ) مِنْهَا (الْإِجْمَاعُ)

- ‌(الثَّانِي) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (النَّصُّ الصَّرِيحُ)

- ‌[الثَّالِثُ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ الْإِيمَاءُ]

- ‌(الرَّابِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ

- ‌(الْخَامِسُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ)

- ‌(السَّادِسُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ مَا يُسَمَّى بِالشَّبَهِ

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُنَاسَبَةُ تَنْخَرِمُ بِمَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ الْحُكْمَ رَاجِحَةٍ عَلَى مَصْلَحَتِهِ أَوْ مُسَاوِيَةٍ لَهَا]

- ‌(السَّابِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الدَّوَرَانُ

- ‌(الثَّامِنُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (الطَّرْدُ

- ‌(التَّاسِعُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ

- ‌(الْعَاشِرُ) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (إلْغَاءُ الْفَارِقِ)

- ‌(خَاتِمَةٌ فِي نَفْيِ مَسْلَكَيْنِ ضَعِيفَيْنِ

- ‌(الْقَوَادِحُ)

- ‌[خَاتِمَةٌ] (الْقِيَاسُ مِنْ الدِّينِ)

- ‌(الْكِتَابُ الْخَامِسُ فِي الِاسْتِدْلَالِ

- ‌(مَسْأَلَةُ الِاسْتِقْرَاءِ بِالْجُزْئِيِّ عَلَى الْكُلِّيِّ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ فِي الِاسْتِصْحَابِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا يُطَالَبُ النَّافِيَ) لِلشَّيْءِ (بِالدَّلِيلِ) عَلَى انْتِفَائِهِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ هَلْ كَانَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم مُتَعَبَّدًا قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِشَرْعٍ]

- ‌(مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ قَبْلَ الشَّرْعِ)

- ‌(مَسْأَلَةُ الِاسْتِحْسَانِ

- ‌(مَسْأَلَةُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ) الْمُجْتَهِدِ

- ‌(مَسْأَلَةُ الْإِلْهَامِ

- ‌[خَاتِمَةٌ مَبْنَى الْفِقْهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ]

- ‌(الْكِتَابُ السَّادِسُ فِي التَّعَادُلِ وَالتَّرَاجِيحِ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ يُرَجَّحُ بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ)

- ‌(الْكِتَابُ السَّابِعُ فِي الِاجْتِهَادِ) :

- ‌[مَسْأَلَةُ الْمُصِيبِ مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ]

- ‌(مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّاتِ)

- ‌[مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيٍّ أَوْ عَالِمٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ اُحْكُمْ بِمَا تَشَاءُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ]

- ‌(مَسْأَلَةُ التَّقْلِيدِ

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَكَرَّرَتْ الْوَاقِعَةُ لِلْمُجْتَهِدِ وَتَجَدَّدَ لَهُ مَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَمَّا ظَنَّهُ فِيهَا أَوَّلًا وَلَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ الْأَوَّلِ]

- ‌(مَسْأَلَةُ تَقْلِيدِ الْمَفْضُولِ)

- ‌(مَسْأَلَةٌ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا)

- ‌ التَّقْلِيدِ فِي أُصُولِ الدِّينِ)

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي مَبَادِئِ التَّصَوُّفِ الْمُصَفِّي لِلْقُلُوبِ]

الفصل: ‌[مسألة العمل بخبر الواحد]

عَلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ يُفِيدُ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِيهِ عَلَى الْقَرِينَةِ، وَلَا عَلَى الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ عَلَى الثَّالِثِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا عَلَى الرَّابِعِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ حَيْثُ يُقَالُ يُفِيدُ الظَّنَّ.

(مَسْأَلَةٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ) أَيْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا يُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي، وَبِمَا يَشْهَدُ بِهِ الشَّاهِدُ بِشَرْطِهِ (إجْمَاعًا، وَكَذَا سَائِرَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ) أَيْ بَاقِيهَا يَجِبُ الْعَمَلُ فِيهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَالْإِخْبَارِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ بِتَنَجُّسِ الْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قِيلَ: سَمْعًا) لَا عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ الْآحَادَ إلَى الْقَبَائِلِ وَالنَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْثِهِمْ فَائِدَةٌ (وَقِيلَ: عَقْلًا) ، وَإِنْ دَلَّ السَّمْعُ

ــ

[حاشية العطار]

(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَوَّلِ) الْقَائِلِ بِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ:، وَلَا عَلَى الثَّانِي) الْقَائِلِ أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ مُطْلَقًا، وَلَا بِالْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا عَلَى الرَّابِعِ) التَّشْبِيهُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ فَقَطْ لَا فِي الْإِجْمَاعِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِيمَا يَظْهَرُ) اُنْظُرْ وَجْهَ ظُهُورِهِ مَعَ أَنَّهُ عَوَّلَ فِيهِ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ لَا عِبْرَةَ بِالْقَرِينَةِ كَمَا أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمُتَوَاتِرِ الْكَثْرَةُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقَرِينَةِ (قَوْلُهُ حَيْثُ يُفِيدُ الْعِلْمَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ (قَوْلُهُ: كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى التَّقْيِيدِ بِهِ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ فِي إفَادَةِ الظَّنِّ فَفِي إفَادَةِ الْعِلْمِ النَّظَرِيِّ أَوْلَى اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ يُقَالُ) أَيْ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: يُفِيدُ الظَّنَّ) بِأَنْ لَمْ تَقُمْ مَعَهُ قَرِينَةٌ.

[مَسْأَلَة الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ]

(قَوْلُهُ: يَجِبُ الْعَمَلُ إلَخْ) تَبِعَ فِي التَّعْبِيرِ بِالْوُجُوبِ صَاحِبَ الْحَاصِلِ، وَفِي مَحْصُولِ الْإِمَامِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ دُونَ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ثُمَّ الْخُصُومُ بِأَسْرِهِمْ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ صِحَّتُهُ كَمَا فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ وَالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ اهـ.

نَقَلَهُ الْبُدَخْشِيُّ (قَوْلُهُ: فِي الْفَتْوَى) مُتَعَلِّقٌ بِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ، أَيْ وَارِدًا فِي الْفَتْوَى وَلَيْسَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِالْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُفْتِي يَعْمَلُ بِخَبَرِ الْآحَادِ فِي فَتْوَاهُ، وَفِي الشَّهَادَةِ كَذَا قَالَ النَّاصِرُ وَبَحَثَ مَعَهُ سم بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَعْنَى عَمَلِهِ بِهِ فِي الْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي فَتْوَاهُ عَمِلَ بِهِ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ وَمِثْلُ الْفَتْوَى الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ فَتْوَى وَزِيَادَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِمَا يَشْهَدُ بِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَا عَدَا الْمُتَوَاتِرِ إذْ لَا يَخْفَى فِي الشَّهَادَةِ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: بِشَرْطِهِ) أَيْ مِنْ عَدَالَةٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ:، وَكَذَا سَائِرُ) أَيْ الْمَذْكُورُ، وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ كَهَذَيْنِ أَيْ الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: وَبِتَنَجُّسِ الْمَاءِ) ، وَلَوْ خَالَفَهُ مَذْهَبًا أَنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا (قَوْلُهُ: سَمْعًا لَا عَقْلًا) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ سَمْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ فَلَوْلَا أَنَّهُ إلَخْ اسْتِدْلَالٌ عَقْلِيٌّ فَيَكُونُ الدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ هُنَا مُقَوًّى بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَقَوْلُهُ لَا عَقْلًا أَيْ لَا عَقْلًا صِرْفًا وَأَوْرَدَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْبَعْثِ مُصَادَرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ بِهِ إخْبَارُ آحَادٍ أَيْضًا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّفَاصِيلَ الْوَارِدَةَ بِبَعْثَتِهِ صلى الله عليه وسلم الْآحَادُ، وَإِنْ كَانَتْ آحَادًا فَجُمْلَتُهَا تُفِيدُ التَّوَاتُرَ الْمَعْنَوِيَّ كَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى شَجَاعَةِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي الله عنه وُجُودِ حَاتِمٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ إلَخْ) إشَارَةً إلَى قِيَاسٍ اسْتِثْنَائِيٍّ اسْتَثْنَى فِيهِ نَقِيضَ التَّالِي، وَتَقْرِيرَهُ هَكَذَا لَوْ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَمَا بَعَثَ صلى الله عليه وسلم الْآحَادَ لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ لَكِنَّهُ بَعَثَهُمْ لِذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِبَعْثِهِمْ فَائِدَةٌ إشَارَةٌ إلَى دَلِيلِ الشَّرْطِيَّةِ وَقَوْلُهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ إشَارَةٌ إلَى دَلِيلِ الِاسْتِثْنَائِيَّة وَيَتَوَجَّهُ عَلَى دَلِيلِ الشَّرْطِيَّةِ مَنْعُ لُزُومِ الْعَبَثِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ انْتِفَاءُ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ الْعَمَلُ، وَلَمْ يَجِبْ حَصَلَتْ الْفَائِدَةُ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ دَلَّ السَّمْعُ إلَخْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَقُولُ الدَّلَالَةَ سَمْعًا وَعَقْلًا مَعًا، وَإِنْ كَانَ السَّمْعُ غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَلَمْ يَقُلْ بِالْعَقْلِ فَقَطْ إلَّا الْمُعْتَزِلَةُ الْمُحَكِّمُونَ لَهُ وَفِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ دَلَّ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةَ

ص: 158

أَيْضًا أَيْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ لَتَعَطَّلَتْ وَقَائِعُ الْأَحْكَامِ الْمَرْوِيَّةِ بِالْآحَادِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجِّحْ الْأَوَّلَ كَمَا رَجَّحَهُ غَيْرُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الثَّانِي مَنْقُولٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْقَفَّالِ وَابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ كَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ

(وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ

ــ

[حاشية العطار]

السَّمْعِ أَيْ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ مِنْ الْأَشَاعِرَةِ وَالْبَصْرِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا دَلَّ السَّمْعُ

(قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ) يَعْنِي أَنَّ عَقْلًا تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ وَمِثْلُهُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ قِيلَ سَمْعًا، وَلَوْ قَدَّمَهُ ثَمَّ كَانَ أَوْلَى اهـ. زَكَرِيَّا.

وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ سَمْعًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ لَا شَيْءٌ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَقْلِ الْقُوَّةُ الْمُدْرِكَةُ وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ أَمْرٌ مِنْ جِهَتِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ إلَخْ) فِي دَلِيلٍ اسْتِثْنَائِيٍّ لَا يَخْفَى تَقْرِيرُهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ اجْتِنَابُ الْمَضَارِّ إجْمَالًا قَطْعًا وَجَبَ تَفَاصِيلُ مِثْلُ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي مَضَرَّةِ أَكْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَفِي انْكِسَارِ جِدَارٍ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَيَحْكُمُ الْعَقْلُ بِأَنَّهُ لَا يُقَامُ تَحْتَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام بُعِثَ لِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ قَطْعًا، وَمَضْمُونُ خَبَرِ الْوَاحِدِ تَفْصِيلٌ لَهُ وَالْخَبَرُ يُفِيدُ الظَّنَّ بِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ قَطْعًا.

وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ عَقْلًا، وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَقْطُوعِ الْأَصْلِ وَاجِبٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ، وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدِّ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ: لَتَعَطَّلَتْ) أَيْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي لَاحَظَهُ الشَّارِعُ فَإِنَّ أَكْثَرَ مُلَاحَظَاتِهِ الْوُجُوبُ فَلَا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ التَّعْطِيلُ لِوُجُودِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا لَمْ يُرَجِّحْ الْأَوَّلَ) أَيْ فِي الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَجَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ بَلْ تَرَدَّدَ فِي صِحَّتِهِ النَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالِ ثُمَّ قَالَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْقَفَّالَ كَانَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ مُعْتَزِلِيًّا فَلَعَلَّهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقْتَ اعْتِزَالِهِ وَابْنُ سُرَيْجٍ كَانَ يُنَاظِرُ دَاوُد فَلَعَلَّهُ بَالَغَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ فَتُوُهِّمَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْمَقَالَةُ اهـ.

كَمَا أَقُولُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَفَّالِ وَذَكَرْنَا بَعْضَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَقَلَ بَعْضَ مُنَاظَرَاتٍ وَقَعَتْ بَيْنَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَدَاوُد هِيَ فِي غَايَةِ اللُّطْفِ فَمَنْ لَهُ هِمَّةٌ فَلْيَرْجِعْ إلَى الطَّبَقَاتِ فَإِنَّهُ كِتَابٌ جَامِعٌ لِمَحَاسِنِ فُقَهَائِنَا الشَّافِعِيَّةِ رحمهم الله أَجْمَعِينَ -

(قَوْلُهُ: عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ) مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ كَمَا رَجَّحَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ مُطْلَقًا صَادِقٌ هُوَ وَبَقِيَّةُ الْأَقْوَالِ بَعْدَهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَبِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ وَأَدِلَّتُهَا الْمَذْكُورَةُ تَنْطَبِقُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَالدَّلِيلُ أَخُصُّ مِنْ الْمُدَّعَى فَلَوْ قَالَ: وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ يَمْتَنِعُ مُطْلَقًا لَوَفَّى بِالْمُرَادِ اهـ. زَكَرِيَّا.

وَقَالَ النَّاصِرُ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ لَا يَجُوزُ بِدَلِيلِ سِيَاقِ أَدِلَّتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ لِمُقَابَلَةِ مَا قَبْلَهُ (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِتَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ خِلَافًا لِأَئِمَّتِنَا فِي الِاعْتِدَادِ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ قَالَ نَاقِلًا عَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ: الْمُحَقِّقُونَ لَا يُقِيمُونَ لِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ وَزْنًا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنِّي لَا أَعُدُّهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَئِمَّةِ، وَلَا أُبَالِي بِخِلَافِهِمْ، وَلَا وِفَاقِهِمْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا وَجْهٌ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ

ص: 159

لَا يَجِبُ) الْعَمَلُ بِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ إنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ، وَقَدْ نَهَى عَنْ اتِّبَاعِهِ وَذَمَّ عَلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} [النجم: 23]، قُلْنَا: تَقَدَّمَ جَوَابُ ذَلِكَ قَرِيبًا (وَ) قَالَ (الْكَرْخِيُّ) : لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِي الْحُدُودِ) ؛ لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ لِحَدِيثِ مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» ، وَاحْتِمَالُ الْكَذِبِ فِي الْآحَادِ شُبْهَةٌ.، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ شُبْهَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الشَّهَادَةِ أَيْضًا (وَ) قَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ) بِخِلَافِ ثَوَانِيهَا حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ فَقَبِلُوا خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي النِّصَابِ الزَّائِدِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ، وَلَمْ يَقْبَلُوهُ فِي ابْتِدَاءِ نِصَابِ الْفِصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ يَعْنِي فِيمَا إذَا مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَتَمَّ حَوْلُهَا عَلَى الْأَوْلَادِ فَلَا زَكَاةَ عِنْدَهُمْ فِي الْأَوْلَادِ مَعَ شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهَا

ــ

[حاشية العطار]

وَالْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ عَدُّهُمْ عُلَمَاءَ وَاعْتِبَارُ قَوْلِهِمْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَا عَدَاهُ مُسْتَنْكَرٌ فَفِي الْقَوْمِ جِبَالُ عُلُومٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ) أَيْ فِي غَيْرِ مَا سَبَقَ إذْ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا سَبَقَ إجْمَاعٌ فَلِذَلِكَ قَالَ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي أَيْ لَا عَنْ السَّابِقِ أَيْضًا حَتَّى يَمْتَنِعَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَالشَّهَادَةِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْإِطْلَاقِ

(قَوْلُهُ:، وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا الْمَطْلُوبُ فِيهِ الْعِلْمُ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ لَك أَنْ تَقُولَ: هُوَ مُسْتَدْرَكٌ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: فِي الْحُدُودِ) كَأَنْ رَوَى شَخْصٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مَنْ زَنَى حُدَّ (قَوْلُهُ: لِحَدِيثٍ مُسْنَدٍ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي أَوْ مِنْ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ شُبْهَةٌ) ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ خَبَرِ الْعَدْلِ لِلْكَذِبِ ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الشَّهَادَةِ) مَعَ أَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا فِيهَا كَالْإِفْتَاءِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَدِّ وَالشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ مَقْصِدٌ وَهِيَ وَسِيلَةٌ وَالْوَسَائِلُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقَاصِدِ (قَوْلُهُ: فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ) هُوَ أَوَّلُ مِقْدَارٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَالنُّصُبُ جَمْعُ نِصَابٍ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَثَوَانِيهَا هِيَ مَا زَادَ عَلَى أَوَّلِ مِقْدَارٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَرْضًا أَوْ وَقْصًا، وَالْوَقْصُ مَا بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ (قَوْلُهُ: عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ نِصَابًا بَلْ أَوْجَبَهَا فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَهُ الْكَمَالُ

(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ فَرْعٌ) يَعْنِي فَيُغْتَفَرُ فِيهِ لِكَوْنِهِ تَابِعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ (قَوْلُهُ: وَالْعَجَاجِيلُ) جَمْعُ عُجُولٍ أَوْ جَمْعُ عِجْلٍ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ فَعَالِيلَ لَا يَكُونُ جَمْعًا لِلثَّلَاثِي، وَهُوَ وَلَدُ الْبَقَرَةِ وَالْفُصْلَانُ جَمْعُ فَصِيلٍ، وَهُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فِيمَا إذَا مَاتَتْ الْأُمَّهَاتُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا مَعَ أَنَّ غَيْرَهُمَا كَالْغَنَمِ كَذَلِكَ لِاقْتِصَارِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ عَلَى الْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ إذْ لَا يُطْلَقَانِ عَلَى أَوْلَادِ الْغَنَمِ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: مَعَ شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهَا)

ص: 160

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخِيرُ قَالَ: لِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا عَلَى السِّنِّ الْوَاجِبِ، وَقَالَ أَوَّلًا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَثَانِيًا يُؤْخَذُ مِنْهَا كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَ) قَالَ (قَوْمٌ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا عَمِلَ الْأَكْثَرُ) فِيهِ (بِخِلَافِهِ) ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِخِلَافِهِ حُجَّةٍ مُقَدَّمَةٍ عَلَيْهِ كَعَمَلِ الْكُلِّ، قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ

(وَ) قَالَتْ (الْمَالِكِيَّةُ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا عَمِلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) فِيهِ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ كَقَوْلِهِمْ حُجَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ حُجِّيَّةَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَفَتْ الْمَالِكِيَّةُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ الثَّابِتَ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ (وَ) قَالَتْ (الْحَنَفِيَّةُ) لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) بِأَنْ يَحْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ كَحَدِيثِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» صَحَّحَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى يَكْثُرُ السُّؤَالُ عَنْهُ فَتَقْضِي الْعَادَةُ بِنَقْلِهِ تَوَاتُرًا لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِالْآحَادِ فِيهِ

ــ

[حاشية العطار]

أَيْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ «أَنَسٍ حَيْثُ كَتَبَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ» الْحَدِيثَ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ:، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَخِيرُ) قَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ: يَلْزَمُ الْإِجْحَافُ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَقَالَ إذًا يَجِبُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ هَلْ تُؤْخَذُ الصِّغَارُ عَنْ الْكِبَارِ فَقَالَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ فِي ذَلِكَ إخْلَاءَ الْمَالِ عَنْ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ اشْتِمَالِهَا إلَخْ) وَلِأَنَّ خَبَرَ الْآحَادِ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ فَمَا ذَكَرَهُ زَائِدٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ ذَكَرَهُ لِإِفَادَةِ نَفْيِ الزَّكَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ فِي ابْتِدَاءِ النُّصُبِ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ

(قَوْلُهُ: عَلَى السِّنِّ الْوَاجِبِ) كَبِنْتِ الْمَخَاضِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا تَجْرِي فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ الشَّاةُ اهـ. نَاصِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَوَّلًا إلَخْ) فَتَحَصَّلَ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَوَّلَهَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْأَوْلَادِ وَيَجِبُ تَحْصِيلُ السِّنِّ الْوَاجِبِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِهَا وَثَانِيهَا تَجِبُ الزَّكَاةُ، وَيُؤْخَذُ الْمُخْرَجُ عَنْهَا مِنْهَا وَثَالِثُهَا، وَهُوَ آخِرُهَا نَفْيُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا أَيْ فِي فِعْلٍ عَمِلَ الْأَكْثَرُ فِيهِ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِخِلَافِهِ أَيْ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ فِيهِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ يَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ الْفِعْلُ (قَوْلُهُ: كَعَمَلِ الْكُلِّ) ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ) فَإِنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هُوَ الْإِجْمَاعُ (قَوْلُهُ: بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَدُوا بِالصَّحَابَةِ بَلْ الْمُجْتَهِدُونَ مِنْ نَحْوِ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِهَا كَذَلِكَ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ حُجِّيَّةَ ذَلِكَ) هُوَ مَنْعٌ وَمَعْنَاهُ طَلَبُ الدَّلِيلِ، وَقَدْ يُقَالُ الدَّلِيلُ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَعْرَفُ بِأَحْوَالِهِ عليه الصلاة والسلام لِمُلَازَمَتِهِمْ لَهُ لِآخِرِ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ لَهُ اتِّبَاعًا، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ النَّاسُ الدِّينَ عَنْهُمْ فَلَا يُخَالِفُوا الْخَبَرَ إلَّا لِأَمْرٍ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِخِلَافِهِ مِنْ تَأْوِيلٍ أَوْ نَسْخٍ (قَوْلُهُ: لِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِهِ) إمَّا لِنَسْخِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ

(قَوْلُهُ: فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى) مَا وَاقِعُهُ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ أَوْ خَالَفَهُ رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَهُ عَائِدٌ عَلَى مَا، وَفِي الْكَلَامِ مُضَافَانِ مَحْذُوفَانِ أَيْ فِي حُكْمِ مَا تَعُمُّ أَيْ حُكْمُ خَبَرٍ تَعُمُّ الْبَلْوَى بِمَضْمُونِهِ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى تَعُمُّ بِنَفْسِ الْخَبَرِ فَالْمَضْمُونُ مَسُّ الذَّكَرِ فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَحْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى مُتَعَلَّقِهِ، وَهُوَ الْحُكْمُ (قَوْلُهُ: بِنَقْلِهِ تَوَاتُرًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّوَاتُرِ مَا يَعُمُّ الْمُشْتَهِرَ، وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى مَا نَقْلِهِ وَلَيْسَ مُتَوَاتِرًا

ص: 161

قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ قَضَاءَ الْعَادَةِ بِذَلِكَ أَوْ (خَالَفَهُ رَاوِيهِ) فَلَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَهُ لِدَلِيلٍ، قُلْنَا فِي ظَنِّهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا كَمَا سَيَأْتِي، مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ «أَمَرَ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» قَالَ: وَالصَّحِيحُ عَنْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ خَالَفَهُ رَاوِيهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ فَإِنْ تَأَخَّرَتْ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ اتِّفَاقًا (أَوْ عَارَضَ الْقِيَاسَ) يَعْنِي، وَلَمْ يَكُنْ رَاوِيهِ فَقِيهًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَيُقْبَلُ مَنْ لَيْسَ فَقِيهًا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِيمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُرَجِّحُ احْتِمَالَ الْكَذِبِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (فِي مُعَارِضِ الْقِيَاسِ) أَنَّهُ (إنْ عُرِفَتْ الْعِلَّةُ) فِي الْأَصْلِ (بِنَصٍّ رَاجِحٍ) فِي الدَّلَالَةِ (عَلَى الْخَبَرِ) الْمُعَارِضِ لِلْقِيَاسِ (وَوُجِدَتْ قَطْعًا فِي الْفَرْعِ لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ الْخَبَرُ الْمُعَارِضُ لِرُجْحَانِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (أَوْ ظَنًّا فَالْوَقْفُ) عَنْ الْقَوْلِ بِقَبُولِ الْخَبَرِ أَوْ عَدَمِ قَبُولِهِ لِتَسَاوِي الْخَبَرِ، وَالْقِيَاسِ حِينَئِذٍ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ رَاجِحٍ بِأَنْ عُرِفَتْ بِاسْتِنْبَاطٍ أَوْ نَصٍّ مُسَاوٍ أَوْ مَرْجُوحٍ (قَبْلَ) أَيْ الْخَبَرِ مِثَالُ الْخَبَرِ الْمُعَارِضِ لِلْقِيَاسِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ:، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ قَضَاءَ إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْوَهَنِ مَعَ فَرْضِ عُمُومِ الْبَلْوَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَالَ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) فَالتَّمْثِيلُ السَّابِقُ عَلَى غَيْرِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ) أَيْ فِيمَا يَأْتِي يُقَيِّدُ مَا هُنَا؛ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الْقِيَاسِ لَوْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْفَقِيهِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ غَيْرِ الْفَقِيهِ مَعْنًى، وَالْوَاقِعُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَجَعْلِ مَفْهُومِ مَا يَأْتِي قَرِينَةَ ذَلِكَ الْحَمْلِ حَتَّى يَنْدَفِعَ عَنْ الْمُصَنِّفِ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا التَّقْيِيدَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ بِلَا قَرِينَةٍ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ عَارَضَ الْقِيَاسَ (قَوْلُهُ: وَثَالِثُهَا وَثَانِيهَا) مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَمَل بِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: لِرُجْحَانِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ) وَذَلِكَ لِاعْتِضَادِ الْقِيَاسِ بِالْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا مِنْ الشَّرْعِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَظْنُونٌ وَالْمَظْنُونُ لَا يُعَارِضُ الْمَعْلُومَ وَتَمَسَّكَتْ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَوْجَبَ اعْتِبَارَ الْأُصُولِ نَصُّ الشَّارِعِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ وَأَجَابُوا عَنْ تَقْدِيمِ الْحَنَفِيَّةِ الْقِيَاسَ لِلْقَطْعِ بِالْأُصُولِ وَكَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَظْنُونًا بِأَنَّ تَنَاوُلَ الْأَصْلِ لِمَحَلِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ لِجَوَازِ اسْتِثْنَاءِ مَحَلِّ الْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ. اهـ. نَجَّارِيٌّ

(قَوْلُهُ: لِتَسَاوِي الْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ) ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ لِكَوْنِهِ آحَادًا يُفِيدُ ظَنَّ ثُبُوتِ حُكْمِهِ وَالْقِيَاسَ لِكَوْنِ ثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِيهِ مَظْنُونًا يُفِيدُ الظَّنَّ بِثُبُوتِ حُكْمِهِ وَالدَّلِيلُ الرَّاجِحُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْعِلِّيَّةُ لَا ثُبُوتُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ الْعِلَّةُ إلَخْ) أَيْ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي الْفَرْعِ قَطْعًا إذْ لَا أَثَرَ لِلْقَطْعِ بِوُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ مَعَ عَدَمِ رُجْحَانِ نَصِّهَا (قَوْلُهُ: أَوْ نَصٍّ مُسَاوٍ) قَدْ يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ التَّسَاوِي وَإِذَا قَطَعَ بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ فَيَكُونُ مِنْ مَحَلِّ الْوَقْفِ لَكِنْ قَدْ يَتَرَجَّحُ الْخَبَرُ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الْوَسَائِطِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْقِيَاسِ اهـ. نَاصِرٌ.

(قَوْلُهُ: قُبِلَ) أَيْ الْخَبَرُ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْخَبَرِ لَيْسَتْ بِوَاسِطَةِ قِيَاسٍ بَلْ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ

ص: 162

«لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ، وَلَا الْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ» فَرَدُّ التَّمْرِ بَدَلَ اللَّبَنِ، مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فِيمَا يُضْمَنُ بِهِ التَّالِفُ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ وَتُصَرُّوا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مِنْ صَرَّى، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ مِنْ صَرَّ

(وَ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ (الْجُبَّائِيُّ: لَا بُدَّ) فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ (مِنْ اثْنَيْنِ) يَرْوِيَانِهِ (أَوْ اعْتِضَادٍ) لَهُ فِيمَا إذَا كَانَ رَاوِيهِ وَاحِدًا كَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ يَنْتَشِرَ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدُسَ، وَقَالَ: هَلْ مَعَك غَيْرُك؟ فَوَافَقَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ لَهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَعُمَرُ رضي الله عنه لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ إذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ، وَقَالَ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَوَافَقَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَيْ فَقَبِلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَيَقُومُ مَقَامَ التَّعَدُّدِ الِاعْتِضَادُ، قُلْنَا: طَلَبُ التَّعَدُّدِ لَيْسَ لِعَدَمِ قَبُولِ الْوَاحِدِ بَلْ لِلتَّثَبُّتِ كَمَا قَالَ عُمَرُ فِي خَبَرِ الِاسْتِئْذَانِ: إنَّمَا سَمِعْت شَيْئًا فَأَحْبَبْت أَنْ أَتَثَبَّتَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَ) قَالَ (عَبْدُ الْجَبَّارِ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا) فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ مَا دُونَهَا فِيهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَحُكِيَ هَذَا فِي الْمَحْصُولِ عَنْ حِكَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ الْجُبَّائِيُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَسَقَطَ مِنْهُ هُنَا لَفْظَةٌ عَنْهُ، وَهُوَ إمَّا تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ نَقْلِ الِاثْنَيْنِ عَنْهُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ أَوْ حِكَايَةُ قَوْلٍ آخَرَ عَنْهُ فِي خَبَرِ الزِّنَا.

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: لَا تُصَرُّوا) مَجْزُومٌ بِلَا النَّاهِيَةِ وَعَلَامَةُ جَزْمِهِ حَذْفُ النُّونِ وَالْوَاوُ فَاعِلٌ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ تُصَرُّوا انْتَقَلَتْ ضَمَّةُ الْيَاءِ إلَى مَا قَبْلَهَا ثُمَّ حُذِفَتْ الْيَاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالْفِعْلُ الْمَاضِي عَلَى هَذَا صَرَّى وَأَصْلُهُ صَرَّرَ بِثَلَاثِ رَاءَاتٍ قُلِبَتْ الرَّاءُ الْأَخِيرَةُ يَاءً لِكَثْرَةِ الْأَمْثَالِ فَصَارَ صَرَّى فَتَحَرَّكَتْ الْيَاءُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا قُلِبَتْ أَلِفًا فَصَارَ صَرَّى وَقَلْبُ الرَّاءِ يَاءً مَعْهُودٌ كَمَا قَالُوهُ فِي قِيرَاطٍ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ قِرَاطٌ بِدَلِيلِ جَمْعِهِ عَلَى قَرَارِيطَ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَرُدُّ الْأَشْيَاءَ إلَى أُصُولِهَا، وَإِلَّا لَوْ كَانَتْ الْيَاءُ أَصْلِيَّةً فِي قِيرَاطٍ لَقِيلَ: فِي الْجَمْعِ قَيَارِيطُ لَا قَرَارِيطُ وَبِدَلِيلِ تَصْغِيرِهِ عَلَى قُرَيْرِيطٍ، وَإِلَّا لَقِيلَ: قُيَيْرِيطٌ

(قَوْلُهُ: فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ النَّهْيِ (قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ) وَأَيْضًا الضَّمَانُ هُنَا قُدِّرَ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّاعُ مُطْلَقًا فَخَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ فِي اخْتِلَافِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ بِاخْتِلَافِ قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا وَلِأَنَّ اللَّبَنَ التَّالِفَ إنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَقَدْ ذَهَبَ جُزْءٌ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ كَمَا لَوْ ذَهَبَ بَعْضُ أَعْضَاءِ الْمَبِيعِ ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبٌ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ التَّالِفُ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَدَثَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَضْمَنُهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا فَمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْعَقْدِ مُنِعَ الرَّدُّ وَمَا كَانَ حَادِثًا لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، وَقَوْلُ النَّاصِرِ إنَّ التَّمْرَ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ مُتْلَفٍ لِوُجُوبِهِ مَعَ قِيَامِ أَيْ وُجُودِ عَيْنِ اللَّبَنِ فَالْمِثَالُ غَيْرُ مُطَابِقٍ اهـ.

وَأَجَابَ عَنْهُ سم بِأَنَّ الَّذِي قَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالشَّارِحُ مِنْهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الصَّاعِ إذَا تَلِفَ اللَّبَنُ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَتْلَفْ إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِرَدِّ اللَّبَنِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ اللَّبَنَ يَحْلُبُهُ كَالتَّالِفِ لِذَهَابِ طَرَاوَتِهِ بِالْحَلْبِ فَهُوَ تَالِفٌ حُكْمًا؛ لِأَنَّ تَلَفَ الصِّفَةِ كَتَلَفِ الذَّاتِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ رَدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ قَهْرًا، وَحُكْمُ التَّالِفِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا رَدُّ مِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُقَوَّمًا فَإِيجَابُ التَّمْرِ فِي الْحَالَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَكَلَامُ الشَّارِحِ مُطَابِقٌ لِلْمُدَّعَى (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ) أَيْ فِي الضَّبْطِ بِوَزْنِ تُرَدُّوا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَعْمَلَ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ) أَيْ غَيْرَ رَاوِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى رَاوِي حَدِيثَ الِاسْتِئْذَانِ رَجَعَ لَمَّا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ عُمَرُ فَرُوِيَ لَهُ الْحَدِيثُ فَطُلِبَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ اهـ. نَاصِرٌ

(قَوْلُهُ: أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ) أَيْ تَمَامَ الْبَيِّنَةِ (قَوْلُهُ: طَلَبُ التَّعَدُّدِ) أَيْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (قَوْلُهُ: بَلْ لِلتَّثَبُّتِ) فَقَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يَقْبَلْ خَبَرَ أَبِي مُوسَى مَمْنُوعٌ فَإِنَّ طَلَبَ الْبَيِّنَةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّثَبُّتِ وَتَقْوِيَةِ الظَّنِّ (قَوْلُهُ: فِي الزِّنَا) أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ (قَوْلُهُ: كَالشَّهَادَةِ) فِيهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ (قَوْلُهُ: وَمَشَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحِكَايَةِ وَذَكَرَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحِكَايَةَ نَقْلٌ (قَوْلُهُ:، وَهُوَ أَيْ مَا فِي الْمَحْصُولِ إمَّا تَقْيِيدٌ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْأَوَّلَ يُقَيِّدُ الْإِطْلَاقَ بِغَيْرِ الزِّنَا أَمَّا الزِّنَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَالثَّانِي لَا يُقَيِّدُ الْإِطْلَاقَ بَلْ يَقُولُ حُكِيَ عَنْهُ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا.

ص: 163

(مَسْأَلَةُ الْمُخْتَارِ وِفَاقًا لِلسَّمْعَانِيِّ وَخِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ) كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا (أَنَّ تَكْذِيبَ الْأَصْلِ الْفَرْعَ) فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ كَأَنْ قَالَ مَا رَوَيْت لَهُ هَذَا (لَا يُسْقِطُ الْمَرْوِيَّ) عَنْ الْقَبُولِ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لَهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِلْفَرْعِ فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ) أَيْ فِي رِوَايَةِ مَا رَوَاهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ فِي الرِّوَايَةِ لَا فِي الْمَرْوِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كَانَ قَالَ مَا رَوَيْت لَهُ هَذَا (قَوْلُهُ: لَا يُسْقِطُ الْمَرْوِيَّ) أَيْ الْعَمَلَ بِهِ، وَتُقْبَلُ رِوَايَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ (قَوْلُهُ: عَنْ الْقَبُولِ) أَيْ دَرَجَةِ الْقَبُولِ، وَفِي جَوَازِ اسْتِنَادِ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ بَعْدَ التَّكْذِيبِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ لِاحْتِمَالِ النِّسْيَانِ (قَوْلُهُ: نِسْيَانُ الْأَصْلِ لَهُ) أَيْ الرِّوَايَةِ مَا رَوَاهُ قَالَ النَّاصِرُ الْقَبُولُ مَنُوطٌ بِظَنِّ الصِّدْقِ لَا بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِهِ وَلَا ظَنَّ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَسَاوِيَةِ فَلَا قَبُولَ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَضُدُ مِنْ السُّقُوطِ اتِّفَاقًا هُوَ الْوَجْهُ إذْ الْقَبُولُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الصِّدْقِ، وَالسُّقُوطُ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ الظَّنِّ لَا عَلَى ظَنِّ نَفْيِ الصِّدْقِ اهـ.

وَأَجَابَ سم بِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَالْحُكْمِ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ شَرْعًا لِلَّذِينَ هُمَا الْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ الْعَدَالَةُ وَالْجَرْحُ بِحَسَبِ مَا ذَكَرَهُ فَكَلَامُ الشَّيْخِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْرِيعُ نَفْيِ الْجَرْحِ فِي الْوَاقِعِ، وَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَفْرِيعُ نَفْيِ الْجَرْحِ فِي الظَّاهِرِ وَالْحُكْمِ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ ذَلِكَ يَتَفَرَّعُ عَلَى احْتِمَالِ السَّهْوِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ السَّهْوِ فِي الْوَاقِعِ بِخِلَافِ انْتِفَاءِ الْجَرْحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الِاحْتِمَالِ اهـ.

بِتَصَرُّفٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَكُونُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْعِلَّةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي

ص: 164

بِتَكْذِيبِهِ لِلْآخَرِ مَجْرُوحًا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا، وَهُوَ أَنَّ تَكْذِيبَ الْأَصْلِ الْفَرْعَ لَا يُسْقِطُ الْمَرْوِيَّ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَقُولُ (لَوْ اجْتَمَعَا فِي شَهَادَةٍ لَمْ تُرَدَّ) وَوَجْهُ الْإِسْقَاطِ الَّذِي نَفَى الْآمِدِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ، وَلَا بُدَّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْفَرْعُ فَلَا يَثْبُتُ مَرْوِيُّهُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا فِي قَضِيَّةٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ وَالْكَذِبُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرٍ إنَّمَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ إذَا كَانَ عَمْدًا، وَلَوْ اسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا بَنَاهُ عَلَيْهِ لَسَلِمَ مِنْ دَعْوَى التَّنَافِي بَيْنَ الْمَبْنِيِّ وَالثَّانِي الَّتِي أَفْهَمَهُمَا بِنَاؤُهُ.

(وَإِنْ شَكَّ) الْأَصْلُ فِي أَنَّهُ رَوَاهُ لِلْفَرْعِ (أَوْ ظَنَّ) أَنَّهُ مَا رَوَاهُ لَهُ (وَالْفَرْعُ) الْعَدْلُ (جَازِمٌ) بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ (فَأَوْلَى الْقَبُولُ) لِلْخَبَرِ مِمَّا جَزَمَ فِيهِ الْأَصْلُ بِالنَّفْيِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبُولِ (الْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ احْتِمَالِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ وَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ الْقِيَاسُ عَلَى نَظِيرِهِ فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ.

وَأُجِيبَ الْفَرْقُ بِأَنَّ بَابَ الشَّهَادَةِ أَضْيَقُ إذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَغَيْرُهُمَا، وَلَوْ ظَنَّ الْفَرْعُ الرِّوَايَةَ وَجَزَمَ الْأَصْلُ بِنَفْيِهَا أَوْ ظَنَّهُ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ فِي الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الرَّدُّ، وَفِي الثَّانِي تَعَارَضَا، وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ وَالْأَشْبَهُ الْقَبُولُ.

(وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ) فِيمَا رَوَاهُ عَلَى غَيْرِهِ

ــ

[حاشية العطار]

سُقُوطِ مَرْوِيِّ الْفَرْعِ فَكَانَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ فَلَا يَكُونُ الْفَرْعُ بِتَكْذِيبِ الْأَصْلِ لَهُ مَجْرُوحًا.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَكْذِيبِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ تَكْذِيبُ الْفَرْعِ لَهُ

(قَوْلُهُ: بِتَكْذِيبِهِ لِلْآخَرِ) صَوَابُ الْعِبَارَةِ بِتَكْذِيبِ الْآخَرِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْجَرْحَ بِتَكْذِيبِ الْغَيْرِ لَهُ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ الْإِسْقَاطِ) أَيْ عِلَّتُهُ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْوَجْهِ؛ لِأَنَّهَا الْمَنْظُورُ إلَيْهَا قَصْدًا كَمَا يُنْظَرُ إلَى الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ (قَوْلُهُ: أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ) أَيْ سَاهٍ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي إذَا كَانَ عَمْدًا (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْفَرْعَ) وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَصْلَ فَيَثْبُتُ مَرْوِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ مَا رَوَيْتُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِي هَذَا) أَيْ سُقُوطُ الْفَرْعِ وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا كَاذِبًا لَا مَحَالَةَ (قَوْلُهُ: يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ) أَيْ فِي نَفْسِهِ لِعَدَالَتِهِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ الشَّهَادَةِ أَوْ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ) أَيْ الرِّوَايَةُ عَنْ الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ أَيْ التَّكْذِيبُ اهـ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ أَيْ التَّكْذِيبُ فِي الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرٍ)، وَهُوَ تَقْدِيرُ كَذِبِ الْفَرْعِ إذْ عَلَى احْتِمَالِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لَا كَذِبَ أَصْلًا (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ عَمْدًا) أَيْ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ الْغَرَضُ إنْ كَانَ مِنْهُمَا عَدْلٌ، وَهُوَ لَا يَعْتَمِدُ الْكَذِبَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ:، وَلَوْ اسْتَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ) أَيْ اسْتَدَلَّ كَأَنْ يَقُولَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَا إلَخْ أَوْ يَقُولَ يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُمَا لَوْ اجْتَمَعَا إلَخْ (قَوْلُهُ: بِمَا بَنَاهُ) ، وَهُوَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ الْمَبْنِيِّ) أَيْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَقَوْلِهِ وَالثَّانِي أَيْ الْقَوْلُ بِالْإِسْقَاطِ الْمُقَابِلُ لِلْمُخْتَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ قَائِلٌ بِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: الَّتِي أَفْهَمَهَا) صِفَةُ الدَّعْوَى وَضَمِيرُ أَفْهَمَهَا يَعُودُ لَهَا.

(قَوْلُهُ: وَوَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ) أَيْ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ: الْقِيَاسُ) أَيْ هُنَا (قَوْلُهُ: فِي شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ) أَيْ عَلَى نَظِيرِهِ كَمَا لَوْ قِيلَ: شَهِدَ فُلَانٌ بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ فَالشَّاهِدُ بِكَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَالشَّاهِدُ عَلَى الشَّهَادَةِ هُوَ الْفَرْعُ فَإِذَا قَالَ الْأَصْلُ لَمْ أُشْهِدْكَ بِكَذَا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ:، وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ) أَيْ وَشَرْطُ الْقِيَاسِ مُسَاوَاةُ الْفَرْعِ الْأَصْلَ أَوْ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فِي الْأَوَّلِ) أَيْ جَزَمَ الْأَصْلُ بِالنَّفْيِ (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ الرَّدُّ) أَيْ رَدُّ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ) أَيْ عَدَمُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْأَصْلِ وَعَدَمُ الْقَبُولِ (قَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ) أَيْ الْأَرْجَحُ الْقَبُولُ لِمَا قَالُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ سَهْوَ الْإِنْسَانِ بِأَنَّهُ سَمِعَ، وَلَمْ يَسْمَعْ بِعَيْنِهِ بِخِلَافِهِ عَمَّا يَسْمَعُ فَإِنَّهُ كَثِيرٌ اهـ. نَاصِرٌ وَأَيْضًا فِيهِ قِيَاسٌ لِلظَّنَّيْنِ عَلَى الْجَزْمَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ

ص: 165

مِنْ الْعُدُولِ (مَقْبُولَةٌ إنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ) بِأَنْ عُلِمَ تَعَدُّدُهُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهَا فِي مَجْلِسٍ وَسَكَتَ عَنْهَا فِي آخَرَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ تَعَدُّدَهُ، وَلَا اتِّحَادَهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِ التَّعَدُّدِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ عُلِمَ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (الْوَقْفُ) عَنْ قَبُولِهَا وَعَدَمِهِ وَالْأَوَّلُ الْقَبُولُ لِجَوَازِ غَفْلَةِ غَيْرِ مَنْ زَادَ عَنْهَا وَالثَّانِي عَدَمُهُ لِجَوَازِ خَطَأِ مَنْ زَادَ فِيهَا

ــ

[حاشية العطار]

حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ سَوَاءٌ بَحَثَ عَنْهَا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ فَوُجِدَتْ فِيهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَصْلًا بِرَأْسِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ تَمَامُ حَدِيثٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ سَابِقًا وَمَا نَقَّبَ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَخْ فَمَحَلُّهُ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ وَمِثَالُهَا خَبَرُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا طَهُورًا» فَزِيَادَةُ تُرْبَتِهَا تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ وَرِوَايَةُ سَائِرِ الرُّوَاةِ «جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (قَوْلُهُ: مِنْ الْعُدُولِ) أَفَادَ أَنَّ مَوْضُوعَ هَذَا فِيمَا إذَا انْفَرَدَ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الْعُدُولِ لَا عَنْ وَاحِدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يُقْبَلُ مِثْلُهُمْ حَيْثُ أَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَنْ وَاحِدٍ فَتَأْتِي فِي قَوْلِهِ، وَلَوْ انْفَرَدَ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُعْلَمْ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي هُنَا الْخِلَافُ الْآتِي عَقِبَهُ وَعَلَيْهِ جَمْعٌ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ أَجْرَاهُ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: لِجَوَازِ إلَخْ) أَيْ مَعَ تَعَدُّدِ مَجْلِسِ الشَّيْخِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ فِي زِيَادَةِ الْعَدْلِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الرُّوَاةُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ الْقَبُولُ) أَيْ مُطْلَقًا، وَهُوَ الَّذِي اُشْتُهِرَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَادَّعَى ابْنُ طَاهِرٍ اتِّفَاقَ الْمُحَدِّثِينَ عَلَيْهِ اهـ. كَمَالٌ

ص: 166

(وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُهُ مَنْ زَادَ (لَا يَغْفُلُ) بِضَمِّ الْفَاءِ (مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً لَمْ تُقْبَلْ) أَيْ الزِّيَادَةُ، وَإِلَّا قُبِلَتْ (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِلسَّمْعَانِيِّ الْمَنْعُ) أَيْ مَعَ الْقَبُولِ (إنْ كَانَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَنْ زَادَ (لَا يَغْفُلُ) أَيْ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً (أَوْ كَانَتْ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهَا) وَبِهَذَا يَزِيدُ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى الرَّابِعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قُبِلَتْ (فَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ عَنْهَا) أَيْ غَيْرُ الذَّاكِرِ لَهَا (أَضْبَطُ) مِمَّنْ ذَكَرَهَا (أَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِ الزِّيَادَةِ عَلَى وَجْهٍ يُقْبَلُ) كَأَنْ قَالَ مَا سَمِعْتُهَا (تَعَارَضَا) أَيْ الْخَبَرَانِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَاهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يُقْبَلُ بَانَ مَحْضُ النَّفْيِ، فَقَالَ لَمْ يَقُلْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ (وَلَوْ رَوَاهَا) الرَّاوِي (مَرَّةً وَتَرَكَ أُخْرَى فَكَرَاوِيَيْنِ) رَوَاهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ أَسْنَدَهَا وَتَرَكَهَا إلَى مَجْلِسَيْنِ وَسَكَتَ قُبِلَتْ أَوْ إلَى مَجْلِسٍ فَقِيلَ: تُقْبَلُ لِجَوَازِ السَّهْوِ فِي التَّرْكِ، وَقِيلَ: لَا لِجَوَازِ الْخَطَأِ فِي الزِّيَادَةِ، وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ عَنْهُمَا

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْفَاءِ) أَيْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِلَّا فَفَتْحُهَا جَائِزٌ فَهُوَ اقْتِصَارٌ عَلَى الْأَفْصَحِ

(قَوْلُهُ: الدَّوَاعِي)، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الرُّوَاةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِمَحَلِّ الْمُخْتَارِ السَّابِقِ أَيْ فِي حَالَةِ الْقَبُولِ لَا فِي حَالَةِ الْمَنْعِ فَقَوْلُهُ فِيمَا سَبْقٌ وَالْمُخْتَارُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرُهُ يَغْفُلُ عَنْهَا أَنَّ الْمُخْتَارَ الْقَبُولُ فَيُقَيَّدُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ السَّاكِتُ أَضْبَطَ إلَخْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ السَّاكِتُ إلَخْ، وَفِي الْكَمَالِ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ السَّاكِتُ إلَخْ تَخْصِيصٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي حَالَةِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ بِغَيْرِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ اهـ. وَهُوَ الْأَقْرَبُ.

(قَوْلُهُ: أَيْ غَيْرُ الذَّاكِرِ) فُسِّرَ السَّاكِتُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَسَّمَ السَّاكِتَ إلَى أَضْبَطَ وَإِلَى مُصَرِّحٍ بِنَفْيِهَا وَالْمُصَرِّحُ بِالنَّفْيِ غَيْرُ سَاكِتٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهَا اهـ. عَمِيرَةُ.

(قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ يُقْبَلُ) بِأَنْ يَكُونَ النَّفْيُ مَحْصُورًا بِخِلَافِ الْمُطْلَقِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: كَأَنْ قَالَ مَا سَمِعْتهَا) أَيْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مَانِعٌ مِنْ سَمَاعِهَا كَمَا قَيَّدَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ اهـ. زَكَرِيَّا وَفِي النَّاصِرِ أَنَّ هَذَا فِي التَّحْقِيقِ لِسَمَاعِ الزِّيَادَةِ لَا لَهَا اهـ. قَالَ سم.

نَبَّهَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَأَنْ قَالَ إلَخْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الزِّيَادَةِ نَفْيُ سَمَاعِهَا خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْأَعَمَّ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ تَقْسِيمُهُ إلَى مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ يُقْبَلُ كَهَذَا الْمِثَالِ وَإِلَى مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُقْبَلُ فَهُوَ تَبْيِينٌ لِمُرَادِ الْمَتْنِ لِيَصِحَّ تَقْسِيمُهُ الْمَذْكُورُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ) فَلَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْنِدَ لَهُ (قَوْلُهُ: فَكَرَاوِيَيْنِ) أَيْ الْآتِي فِي قَوْلِهِ قَرِيبًا، وَلَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ

(قَوْلُهُ: رَوَاهَا أَحَدُهُمَا) الْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِرِوَايَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَتَرَكَهَا عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَسْنَدَهَا) أَيْ وَأَسْنَدَ تَرْكَهَا (قَوْلُهُ: إلَى مَحَلَّيْنِ) كَانَ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِوَادِي الْعَقِيقِ جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا وَنَحْنُ بِذَاتِ الرِّقَاعِ مَثَلًا وَطَهُورًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التُّرْبَةِ (قَوْلُهُ: قُبِلَتْ) أَيْ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ حُكْمُ تَرْكِهَا حُكْمَ إثْبَاتِهَا، وَإِلَّا تَعَارَضَا حَتَّى يَقُومَ الْمُرَجِّحُ (قَوْلُهُ: أَوْ إلَى مَجْلِسٍ) أَيْ مُضَافٍ إلَى الْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ تَحْدِيثُهُ هُوَ فِي مَجْلِسَيْنِ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ: تُقْبَلُ) يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ تُغَيِّرْ الزِّيَادَةُ الْإِعْرَابَ، وَإِلَّا تَعَارَضَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ السَّهْوِ) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ الْخَبَرِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ عَنْ الزِّيَادَةِ بَلْ حَذَفَهَا (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ عَنْهُمَا) لَمْ يَذْكُرْ هُنَا الْقَوْلَ الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ لِعَدَمِ إمْكَانِهِمَا هُنَا؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَ لِلزِّيَادَةِ وَالتَّارِكَ لَهَا وَاحِدٌ

ص: 167

(وَلَوْ غَيَّرْت إعْرَابَ الْبَاقِي تَعَارَضَا) أَيْ خَبَرُ الزِّيَادَةِ وَخَبَرُ عَدَمِهَا لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» إلَخْ نِصْفَ صَاعٍ (خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ كَمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْإِعْرَابُ.

(وَلَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ) فِيمَا رَوَيَاهُ عَنْ شَيْخٍ بِزِيَادَةٍ (قُبِلَ) الْمُنْفَرِدُ فِيهَا (عِنْدَ الْأَكْثَرِ) ؛ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَقِيلَ: لَا لِمُخَالَفَتِهِ لِرَفِيقِهِ (وَلَوْ أَسْنَدَ وَأَرْسَلُوا) أَيْ أَسْنَدَ الْخَبَرَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاحِدٌ مِنْ رُوَاتِهِ وَأَرْسَلَهُ الْبَاقُونَ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرُوا الصَّحَابِيَّ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (أَوْ وَقَفَ وَرَفَعُوا) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ سَهْوًا وَصَوَابُهُ أَوْ رَفَعَ وَوَقَفُوا أَيْ رَفَعَ الْخَبَرَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاحِدٌ مِنْ رُوَاتِهِ وَوَقَفَهُ الْبَاقُونَ عَلَى الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ (فَكَالزِّيَادَةِ) أَيْ فَالْإِسْنَادُ أَوْ الرَّفْعُ كَالزِّيَادَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَيُقَالُ إنْ عُلِمَ تَعَدُّدُ مَجْلِسِ السَّمَاعِ مِنْ الشَّيْخِ فَيُقْبَلُ الْإِسْنَادُ أَوْ الرَّفْعُ لِجَوَازِ أَنْ يَفْعَلَ الشَّيْخُ ذَلِكَ مَرَّةً دُونَ أُخْرَى وَحُكْمُهُ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ:، وَلَوْ غَيَّرَتْ إلَخْ) أَيْ بِنَاءً عَلَى قَبُولِهَا فَإِنْ لَمْ تُقْبَلْ بِأَنْ كَانَ السَّاكِتُ لَا يَغْفُلُ مِثْلَهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً فَلَا تَعَارُضَ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَى) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَغْيِيرِ الْإِعْرَابِ تَغْيِيرُ الْمَعْنَى كَمَا فِي {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ غَيَّرَتْ الْإِعْرَابَ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ لِاخْتِلَافٍ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: نِصْفُ صَاعٍ) فَالزِّيَادَةُ هِيَ لَفْظَةُ نِصْفٍ، وَقَدْ غَيَّرَتْ إعْرَابَ الصَّاعِ فَصَارَ مَجْرُورًا بَعْدَ نَصْبِهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ عَنْ وَاحِدٍ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ مَقْبُولَةٌ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا انْفَرَدَ الْعَدْلُ بِزِيَادَةٍ عَنْ عَدَدٍ مِنْ الْعُدُولِ لَا عَنْ وَاحِدٍ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ.

وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ غَيْرُهُ لَا يَغْفُلُ مِثْلَهُمْ حَيْثُ أَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ، وَهُوَ الْوَجْهُ إذْ لَا يَتَأَتَّى فِي هَذِهِ مَجِيءُ الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ ثَمَّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ عَنْ شَيْخٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: عَنْ شَيْخٍ) لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّخْصِيصِ بَلْ مِثْلُهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ بَابِ الِاحْتِبَاكِ فَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ أَيْ أَوْ الشَّيْخُ وَقَوْلُهُ هُنَا عَنْ شَيْخٍ أَيْ أَوْ النَّبِيِّ (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: لَا لِمُخَالَفَةٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي هُنَا قَوْلُ الْوَقْفِ أَيْضًا لِتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَسْنَدَ الْخَبَرَ) مِنْ غَيْرِ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: وَصَوَابُهُ) إنَّمَا كَانَ صَوَابًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي زِيَادَةِ الْعَدْلِ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ آتِيًا بِزِيَادَةٍ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الَّذِي رَفَعَ وَوَقَفَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحَابِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا خِلَافُ اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمُصْطَلَحِ (قَوْلُهُ: فَكَالزِّيَادَةِ) أَيْ الزِّيَادَةِ فِي الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَهَذَا زِيَادَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ مِنْ الشَّيْخِ) هُوَ هُنَا قَيْدٌ؛ لِأَنَّ الْإِسْنَادَ تَارَةً وَالرَّفْعَ أُخْرَى إنَّمَا يَأْتِي فِي الشَّيْخِ دُونَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ)

ص: 168

فِي ذَلِكَ الْقَبُولُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ تَعَدُّدُ الْمَجْلِسِ، وَلَا اتِّحَادُهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ التَّعَدُّدُ، وَإِنْ عُلِمَ اتِّحَادُهُ فَثَالِثُ الْأَقْوَالِ الْوَقْفُ عَنْ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ.

وَالرَّابِعُ: إنْ كَانَ مِثْلُ الْمُرْسِلِينَ أَوْ الْوَاقِفِينَ لَا يَغْفُلُ عَادَةً عَنْ ذِكْرِ الْإِسْنَادِ أَوْ الرَّفْعِ، لَمْ يُقْبَلْ، وَإِلَّا قُبِلَ فَإِنْ كَانُوا أَضْبَطَ أَوْ صَرَّحُوا بِنَفْيِ الْإِسْنَادِ أَوْ الرَّفْعِ عَلَى وَجْهٍ يُقْبَلُ كَأَنْ قَالُوا: مَا سَمِعْنَا الشَّيْخَ أَسْنَدَ الْحَدِيثَ أَوْ رَفَعَهُ تَعَارَضَ الصَّنِيعَانِ (وَحَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ) أَيْ يَحْصُلَ التَّعَلُّقُ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ (بِهِ) فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ اتِّفَاقًا لِإِخْلَالِهِ بِالْمَعْنَى الْمَقْصُودِ كَأَنْ يَكُونَ غَايَةً أَوْ مُسْتَثْنًى كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُزْهِيَ» وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» بِخِلَافِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَجُوزُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ كَخَبَرٍ مُسْتَقِلٍّ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلضَّمِّ فَائِدَةٌ تَفُوتُ بِالتَّفْرِيقِ وَقَرُبَ هَذَا مِنْ مَنْعِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَسَيَأْتِي، مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .

(وَإِذَا حَمَلَ الصَّحَابِيُّ قِيلَ: أَوْ التَّابِعِيُّ

ــ

[حاشية العطار]

أَيْ الشَّيْخِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الْإِسْنَادُ أَوْ الرَّفْعُ الْقَبُولُ أَيْ فَيُقْبَلُ الْإِسْنَادُ أَوْ الرَّفْعُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَحُكْمَهُ أَيْ حُكْمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْ إسْنَادٍ أَوْ رَفْعٍ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي حَالَةِ تَعَدُّدِ مَجْلِسِ السَّمَاعِ

(قَوْلُهُ: عَلَى الرَّاجِحِ) أَيْ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا مَرَّ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَالرَّابِعُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ؛ لِأَنَّ تَوَفُّرَ الدَّوَاعِي إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ دُونَ الْإِسْنَادِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانُوا أَضْبَطَ إلَخْ) تَفْصِيلٌ فِي الرَّابِعِ بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ (قَوْلُهُ: تَعَارَضَ الصَّنِيعَانِ) أَيْ صَنِيعُ الْإِسْنَادِ وَالْإِرْسَالِ أَوْ صَنِيعُ الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ فُسِّرَ يَتَعَلَّقُ بِيَحْصُلُ وَجُعِلَ الْفَاعِلُ ضَمِيرُ التَّعَلُّقِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ وَحَلُّ مَعْنًى اهـ.

ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، وَفِي بُنْيَانِهِ لِلْفَاعِلِ تَكَلُّفٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِلْبَعْضِ الْآخَرِ) أَيْ، وَهُوَ الْمَذْكُورُ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ عَائِدٌ عَلَى الْبَعْضِ الْمَحْذُوفِ فَالْمُتَعَلِّقُ هُوَ الْبَعْضُ الْمَذْكُورُ لِاحْتِيَاجِهِ لِلْمَحْذُوفِ وَعَدَمِ تَمَامِهِ فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ هُوَ الْمَحْذُوفُ فَإِنْ قُلْت إذَا تَعَلَّقَ الْمَذْكُورُ بِالْمَحْذُوفِ فَالْمَحْذُوفُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَذْكُورِ أَيْضًا فَتَصِحُّ نِسْبَةُ التَّعَلُّقِ لَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَوْ نُسِبَ لَهُ لَأَفَادَ أَنَّ الْمَذْكُورَ تَامٌّ وَلَيْسَ لَهُ كَذَلِكَ كَمَا تَبَيَّنَ (قَوْلُهُ: كَأَنْ يَكُونَ غَايَةً) لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِثَالًا لِلتَّعَلُّقِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَلَا لِلْبَعْضِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ التَّعَلُّقُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ نَفْسُ الْغَايَةِ أَوْ الْمُسْتَثْنَى لَا كَوْنُهُ ذَلِكَ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ كَالْغَايَةِ وَالْمُسْتَثْنَى اهـ. نَاصِرٌ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَوْ أَنَّهُ مِثَالٌ لِمُسَبَّبِ التَّعَلُّقِ

(قَوْلُهُ: حَتَّى تُزْهِيَ) بِضَمِّ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ، وَلَمْ يُسْمَعْ فِيهِ الْبِنَاءُ لِلْفَاعِلِ كَذَا قِيلَ، وَفِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَزْهُو بِفَتْحِ التَّاءِ وَبِالْوَاوِ، وَفِي رِوَايَةٍ تُزْهِي تَحْمَرُّ أَوْ تَصْفَرُّ وَصَوَّبَ الْخَطَّابِيُّ تُزْهِي دُونَ تَزْهُو قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ تَزْهُو كَمَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ تُزْهِي وَالصَّوَابُ الرِّوَايَتَانِ عَلَى اللُّغَتَيْنِ زَهَتْ تَزْهُو وَأَزْهَتْ تُزْهِي اهـ.

وَفِي الْمُغْرِبِ زُهِيَ الْبُرُّ وَأَزْهَى احْمَرَّ أَوْ اصْفَرَّ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ رُوِيَ تَزْهُو وَتُزْهِي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَتَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الْمَتْنِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَحَذَفَ بَعْضَ الْخَبَرِ إلَخْ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَقَرُبَ هَذَا) أَيْ عَدَمُ جَوَازِ حَذْفِ الْبَعْضِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَوَجْهُ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ وَهِيَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ فِي رِوَايَتِهِ بِلَفْظِهِ نُكْتَةٌ تَفُوتُ فِي رِوَايَتِهِ بِالْمَعْنَى، وَإِنَّمَا قَالَ قَرُبَ؛ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي تَعْلِيلُ مَنْعِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ حَذَرًا مِنْ التَّفَاوُتِ (قَوْلُهُ: مِنْ مَنْعِ الرِّوَايَةِ) مِنْ جَارَّةٌ وَالْمُرَادُ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ حَذْفِ بَعْضِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: فِي الْبَحْرِ) أَيْ فِي شَأْنِهِ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ» إلَخْ فَقَدْ حَذَفَ فِي التَّمْثِيلِ صَدْرَ الْحَدِيثِ، وَهُوَ السُّؤَالُ بِكَمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ مُقْتَضَاهُ يَسْتَقِلُّ بِإِفَادَةِ طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَحْرِ وَحِلِّ مَيْتَتِهِ.

(قَوْلُهُ: قِيلَ: أَوْ التَّابِعِيُّ) ظَاهِرُهُ جَرَيَانُ هَذَا الْقِيلِ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الْآتِيَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ إلَّا أَنَّ

ص: 169

مَرْوِيَّهُ عَلَى) أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ (الْمُتَنَافِيَيْنِ) كَالْقُرْءِ يَحْمِلُهُ عَلَى الطُّهْرِ أَوْ الْحَيْضِ (فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ لِقَرِينَةٍ (وَتَوَقَّفَ) الشَّيْخُ (أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ) حَيْثُ قَالَ: فَقَدْ قِيلَ: يُقْبَلُ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَمَلَهُ لِمُوَافَقَةِ رَأْيِهِ لَا لِقَرِينَةٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُسَاوِ التَّابِعِيُّ الصَّحَابِيَّ عَلَى الرَّاجِحِ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْقَرِينَةِ لِلصَّحَابِيِّ أَقْرَبُ (وَإِنْ لَمْ يَتَنَافَيَا) أَيْ الْمَحْمَلَانِ (فَكَالْمُشْتَرَكِ فِي حَمْلِهِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ) الَّذِي هُوَ الرَّاجِحُ، ظُهُورًا أَوْ احْتِيَاطًا كَمَا تَقَدَّمَ فَيُحْمَلُ لِمَرْوِيٍّ عَلَيْهِ مَحْمَلَيْهِ، كَذَلِكَ وَلَا يُقْصَرُ عَلَى مَحْمَلِ الرَّاوِي إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ يُخَصِّصُ، وَعَلَى الْمَنْعِ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ تَنَافَى الْمَحْمَلَانِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ الْمَعْرُوفُ حَمْلُهُ عَلَى مَحْمَلِ الرَّاوِي قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ لَا يَكُونُ تَأْوِيلُهُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ اهـ.

(فَإِنَّ حَمَلَهُ) أَيْ حَمَلَ الصَّحَابِيُّ مَرْوِيَّهُ (عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ) كَأَنْ يُحِيلَ اللَّفْظَ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ (فَالْأَكْثَرُ عَلَى الظُّهُورِ) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ، وَفِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ بِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرْتُهُ لَحَجَجْتُهُ (وَقِيلَ:) يُحْمَلُ (عَلَى تَأْوِيلِهِ مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا لِدَلِيلٍ، قُلْنَا: فِي ظَنِّهِ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ

ــ

[حاشية العطار]

الْمَعْلُومَ عَدَمُ تَأَتِّي جَرَيَانِهِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي، وَقِيلَ: إنْ صَارَ إلَيْهِ إلَخْ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ دَلِيلِهِ وَيُؤَيِّدُهُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي أَيْ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ، وَلَمْ يَقُلْ: قِيلَ أَوْ التَّابِعِيُّ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ) فِي ذِكْرِ الْمَحْمَلَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِيمَا بَعْدُ فَكَالْمُشْتَرَكِ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ، وَإِلَّا فَهُوَ نَفْسُهُ مُشْتَرَكٌ (قَوْلُهُ: لِقَرِينَةٍ) قَدْ يُرَدُّ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ فِي ظَنِّهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: أَيْ لِاحْتِمَالِ إلَخْ) هَذَا مِنْ كَلَامِهِ وَجَّهَ بِهِ نَظَرَ الشَّيْخُ بِدَلِيلٍ أَيْ، وَفِي التَّعْلِيلِ بِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ الْأَوَّلَ لَا يَنْفِي هَذَا الِاحْتِمَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاحْتِمَالَ عَلَى السَّوَاءِ (قَوْلُهُ: لِمُوَافَقَةِ رَأْيِهِ) أَيْ لَا لِقَرِينَةٍ أَوْ لِقَرِينَةٍ عِنْدَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِ الْقَرِينَةَ أَنَّهَا قَرِينَةٌ فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ: لَا لِقَرِينَةٍ) فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الصَّحَابِيِّ الْمَرْوِيَّ عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ بِلَا قَرِينَةٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ دِرَايَةٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صُدُورُهُ عَنْهُ بَلْ حَمْلُهُ لِمُوَافَقَةِ رَأْيِهِ لَا مَنْشَأَ لَهُ إلَّا دَلِيلُ رَأْيِهِ الَّذِي قَامَ عِنْدَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِلَا قَرِينَةٍ شَاهَدَهَا مِنْ الشَّارِعِ عليه الصلاة والسلام، وَإِنْ كَانَ بِقَرِينَةٍ اسْتَخْرَجَهَا بِاجْتِهَادِهِ اهـ. سم

(قَوْلُهُ: عَلَى الرَّاجِحِ) أَرَادَ بِهِ الظَّاهِرَ الْمُتَقَدِّمَ فِي قَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّفْيِ، وَهُوَ لَمْ يُسَاوِ أَيْ انْتَفَى عَلَى الرَّاجِحِ وَأَمَّا غَيْرُ الرَّاجِحِ فَإِنَّهُ يُسَاوِيهِ فَأَرَادَ بِالرَّاجِحِ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَالتَّابِعِيُّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْمَآلُ وَاحِدٌ وَالْخُلْفُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحِلِّ فَقَطْ (قَوْلُهُ: فَكَالْمُشْتَرَكِ) أَيْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُشْتَرَكِ الْمُتَقَدِّمِ (قَوْلُهُ: ظُهُورًا) عِلَّةُ الرَّاجِحِ أَيْ لِظُهُورِهِ أَوْ لِلِاحْتِيَاطِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ حَمْلُهُ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ:، وَلَا يُقْصَرُ عَلَى مَحْمَلِ الرَّاوِي) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْصَرْ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا مَعَ قَوْلِهِ بِالْآخَرِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْمَنْعِ إلَخْ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ (قَوْلُهُ: صَاحِبُ الْبَدِيعِ) هُوَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ كَانَ شَافِعِيًّا ثُمَّ تَحَنَّفَ وَلَهُ مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ فِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ كِتَابٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ:، وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ) أَيْ وَحِينَئِذٍ لَا يُحْمَلُ عَلَى مَحْمَلِ الرَّاوِي (قَوْلُهُ: أَيْ حَمَلَ الصَّحَابِيُّ) أَيْ أَوْ التَّابِعِيُّ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِكَوْنِهِ لَا يَتَأَتَّى ذِكْرُهُ فِي الْقِسْمِ الْأَخِيرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ، وَقِيلَ: إنْ صَارَ إلَيْهِ إلَخْ، وَإِلَّا فَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا جَارِيَةٌ فِيهِ أَيْضًا مَا عَدَا الْأَخِيرَ (قَوْلُهُ: عَلَى النَّدْبِ دُونَ الْوُجُوبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْمُتَبَادِرُ، وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِأَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ اعْتِبَارُ ظَاهِرِ الْمَرْوِيِّ) إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَإِلَى تَأْوِيلِ الظُّهُورِ بِالظَّاهِرِ وَإِلَى بَيَانِ مَعْنَى اللَّامِ فِي الظُّهُورِ

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ) أَيْ أَتْرُكُ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَوْرَدَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرٍ بِخُصُوصِهِ بَلْ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمُخَالِفِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِفُ هُوَ الرَّاوِي أَمْ غَيْرَهُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَهُ فِيهِ وَفِي مِثْلِهِ فَقَدْ قَالَهُ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ: لَحَجَجْتُهُ) أَيْ غَلَبْتُهُ

ص: 170

(وَقِيلَ: يُحْمَلُ عَلَى تَأْوِيلِهِ إنْ صَارَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَيْهِ) مِنْ قَرِينَةٍ شَاهَدَهَا، قُلْنَا: عِلْمُهُ ذَلِكَ أَيْ ظَنُّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ اتِّبَاعُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فَإِنْ ذَكَرَ دَلِيلًا عَمِلَ بِهِ. (مَسْأَلَةٌ لَا يُقْبَلُ) فِي الرِّوَايَةِ (مَجْنُونٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَلَلِ، وَسَوَاءٌ أَطْبَقَ جُنُونُهُ أَمْ تَقَطَّعَ، وَأَثَّرَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ (وَكَافِرٌ) ، وَلَوْ عُلِمَ مِنْهُ التَّدَيُّنُ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا وُثُوقَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ شَرَفِ مَنْصِبِ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكَافِرِ (وَكَذَا صَبِيٌّ) مُمَيِّزٌ (فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ قَدْ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ فَلَا يُوثَقُ بِهِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ إنْ عُلِمَ مِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِالتَّمْيِيزِ لِلْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزِ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْخَلَلِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا كَالْمَجْنُونِ.

(فَإِنْ تَحَمَّلَ) الصَّبِيُّ (فَبَلَغَ فَأَدَّى) مَا تَحَمَّلَهُ (قُبِلَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ) لِانْتِفَاءِ

ــ

[حاشية العطار]

بِالْحُجَّةِ، وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَلْ فِي كُلِّ مَا خَالَفَ فِيهِ مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ الْحَدِيثَ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ، وَفِي مِثْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، ثُمَّ إنَّ مَقَامَ الشَّافِعِيِّ يَنْبُو عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحَابِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَعْنَى حَجَجْتُهُ تَجَادَلْت مَعَهُ لِأَغْلِبَ بِالْحُجَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إنْ صَارَ) أَيْ الصَّحَابِيُّ إلَيْهِ أَيْ التَّأْوِيلِ بِأَنْ اتَّخَذَهُ مَذْهَبًا، وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي مُجَرَّدِ جَوَابِ سُؤَالٍ أَوْ تَقْرِيرِ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ فَإِنَّ الْحَمْلَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَرِينَةٍ بِقَصْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ إلَّا لِمَزِيدِ قُوَّتِهِ عِنْدَهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ قَرِينَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِعِلْمٍ (قَوْلُهُ: أَيْ ظَنَّهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ إذْ لَوْ كَانَ عَلَى بَابِهِ لَكَانَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالرِّوَايَةِ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فَإِنْ ذَكَرَ دَلِيلًا أَوْ نَصًّا عُمِلَ بِهِ

(قَوْلُهُ: وَأَثَّرَ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِيهِ لَكِنَّهُ زَمَنُ إفَاقَتِهِ مُطْلَقًا لَيْسَ بِمَجْنُونٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ فِي الزَّمَنِ أَثَّرَ فِيهِ جُنُونُهُ لِخَلَلٍ فِي عَقْلِهِ لِجُنُونِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ بَلْ يَضُرُّ اهـ. زَكَرِيَّا.

قَالَ سم لَمَّا كَانَ الْخَلَلُ فِي زَمَنِ الْإِفَاقَةِ نَاشِئًا مِنْ الْجُنُونِ كَانَ حُكْمُ الْمَجْنُونِ مُنْسَحِبًا عَلَيْهِ فَصَحَّ ذِكْرُ ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَنَاسَبَ ذَلِكَ لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَلْ قَدْ يَضُرُّ فَإِنْ كَانَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُوهِمُ قَبُولَ الْمَجْنُونِ إذَا تَقَطَّعَ جُنُونُهُ، وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ وَأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ فِي زَمَنِ إفَاقَتِهِ حِينَئِذٍ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَإِنْ كَانَ إشَارَةً إلَى شَيْءٍ آخَرَ فَلْيُصَوَّرْ لِنَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ اهـ.

ثُمَّ إنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ أَثَّرَ حَالِيَّةٌ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ خَبَلًا، وَهُوَ بِتَشْدِيدِ الثَّاءِ وَأَمَّا ضَبْطُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالْمَدِّ بِمَعْنَى رَوَى وَنَقَلَ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ مَا تَحَمَّلَهُ فِي حَالِ الْجُنُونِ فَخِلَافُ الظَّاهِرِ وَبَعِيدٌ عَنْ الْمُرَادِ إنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَكَافِرٌ) مُرَادُهُ بِهِ مَنْ لَا يَنْتَمِي إلَى الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْمُجَاهِرُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ فَسَقَطَ اعْتِرَاضُ مَنْ قَالَ إنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْكَافِرِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْكَذِبِ) عَطْفُ مُرَادِفٍ أَوْ مُغَايِرٍ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يُفْعَلُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْجُمْلَةِ) زَادَهُ لِشُمُولِ مَا بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّ التَّدَيُّنَ وَالتَّحَرُّزَ يُوجِبُ الْقَبُولَ وَلِذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ مَعَ شَرَفِ إلَخْ (قَوْلُهُ: عَنْ الْكَافِرِ) مُتَعَلِّقٌ بِشَرَفٍ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْفِعْلِ (قَوْلُهُ:، وَكَذَا صَبِيٌّ) فَصَّلَهُ بِكَذَا لِأَجْلِ قَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْأَوَّلَانِ فَبِاتِّفَاقٍ وَقَوْلُهُ مُمَيِّزٌ أَيْ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَجْنُونِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ شَيْءٌ.

(قَوْلُهُ: فَبَلَغَ فَأَدَّى) الْفَاءُ فِي الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ لِلتَّرْتِيبِ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ التَّعْقِيبِ إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّعْقِيبِ وَالْمُهْلَةِ يُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ فَإِنْ تَحَمَّلَ ثُمَّ بَلَغَ وَأَدَّى قُبِلَ اهـ. نَاصِرٌ.

لَا يُقَالُ بَلْ هِيَ لِلتَّعْقِيبِ وَيُعْلَمُ الْقَبُولُ مَعَ التَّرَاخِي بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مُضِيَّ الزَّمَنِ مَظِنَّةُ تَجَدُّدِ التَّحَمُّلِ وَالِاسْتِحْضَارِ وَالتَّذَكُّرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ الطُّولَ مَظِنَّةُ الِاشْتِبَاهِ وَالنِّسْيَانِ لِبُعْدِ الْعَهْدِ بِخِلَافِ التَّعْقِيبِ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ كَافِرٌ مُعْلِنٌ حَالَ كُفْرِهِ أَوْصَى حَالَ صِبَاهُ أَوْ عَبْدٌ حَالَ

ص: 171

الْمَحْذُورِ السَّابِقِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الصِّغَرَ مَظِنَّةُ عَدَمِ الضَّبْطِ وَالتَّحَرُّزِ وَيَسْتَمِرُّ الْمَحْفُوظُ إذْ ذَاكَ، وَلَوْ تَحَمَّلَ الْكَافِرُ فَأَسْلَمَ فَأَدَّى قُبِلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا الْفَاسِقُ يَتَحَمَّلُ فَيَتُوبُ فَيُؤَدِّي يُقْبَلُ (وَيُقْبَلُ مُبْتَدِعٌ) لَا يُكَفَّرُ بِبِدْعَتِهِ (يَحْرُمُ الْكَذِبُ) لَا مِنْهُ فِيهِ مَعَ تَأْوِيلِهِ فِي الِابْتِدَاعِ سَوَاءٌ دَعَا النَّاسَ إلَيْهِ أَمْ لَا، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا لِابْتِدَاعِهِ الْمُفَسِّقَ لَهُ (وَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (مَالِكٍ) يُقْبَلُ (إلَّا الدَّاعِيَةَ) أَيْ الَّذِي يَدْعُو النَّاسَ إلَى بِدْعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ أَنْ يَضَعَ الْحَدِيثَ عَلَى وَفْقِهَا أَمَّا مَنْ يُجَوِّزُ الْكَذِبَ فَلَا يُقْبَلُ كُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ أَمْ لَا، وَكَذَا مَنْ يُحَرِّمُهُ وَكُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ كَالْمُجَسِّمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِعِظَمِ بِدْعَتِهِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ عَلَى قَبُولِهِ

ــ

[حاشية العطار]

رِقِّهِ، ثُمَّ أَعَادُوهَا حَالَ كَمَالِهِمْ بِالْإِسْلَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالْبُلُوغِ فِي الثَّانِي وَالْعِتْقِ فِي الثَّالِثِ قُبِلَتْ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ كَافِرٌ مُسِرٌّ أَوْ فَاسِقٌ، ثُمَّ أَعَادَهَا حَالَ الْإِسْلَامِ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّوْبَةِ فِي الثَّانِي فَلَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الرِّوَايَةَ كَالشَّهَادَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ.

وَأَمَّا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِثْلُهَا وَيُحْتَمَلُ الْقَبُولُ فِيهَا وَيُفَرَّقُ بِضِيقِ بَابِ الشَّهَادَةِ وَوُسْعِ بَابِ الرِّوَايَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةٌ جَرَّتْ نَفْعًا لِلشَّاهِدِ، وَتُقْبَلُ رِوَايَةٌ جَرَّتْ نَفْعًا لِلرَّاوِي كَأَنْ يَرْوِيَ الْعَبْدُ خَبَرًا يَتَضَمَّنُ عِتْقَهُ وَيَسْتَمِرَّ الْمَحْفُوظُ أَيْ عَلَى كَوْنِهِ مُتَحَمِّلًا عَلَى غَيْرِ ضَبْطٍ (قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ) ظَرْفٌ لِلْمَحْفُوظِ أَيْ وَيَسْتَمِرُّ الَّذِي حَفِظَ وَقْتَ عَدَمِ الضَّبْطِ (قَوْلُهُ: فَيَتُوبَ فَيُؤَدِّيَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِبْرَاءُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَابِ الشَّهَادَةِ بِضِيقِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي التَّقْرِيبِ: تُقْبَلُ رِوَايَةُ التَّائِبِ مِنْ الْفِسْقِ إلَّا الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يُقْبَلُ التَّائِبُ مِنْهُ أَبَدًا، وَإِنْ حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُ كَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ الشَّافِعِيُّ

(قَوْلُهُ: لَا مِنْهُ فِيهِ) أَيْ لَا مِنْ الْكَذِبِ فِي الْمُبْتَدَعِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ دَعَا النَّاسَ إلَيْهِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: الْمُفَسِّقَ لَهُ) فِيهِ أَنَّ كُلَّ فِسْقٍ لَا يَمْنَعُ الرِّوَايَةَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُفَسَّقُهُ مِمَّا لَا تُرَدُّ بِهِ الرِّوَايَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ الَّذِي يَدْعُو إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّاءَ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ كَرَاوِيهِ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا غَايَةُ مَا يُوجِبُ رَدَّ الْحَدِيثِ الْمُوَافِقِ لِبِدْعَتِهِ وَالْكَلَامِ فِيمَا هُوَ أَعَمُّ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا انْفَتَحَ بَابُ الْوَضْعِ فِيمَا وَافَقَ بِدْعَتَهُ صَارَ غَيْرَ مَأْمُونٍ مِنْ الْوَضْعِ فِي غَيْرِهِ فَلَمْ يَوْثُقْ بِهِ فِي الْجَمِيعِ وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّفْوِيتِ مِنْ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ احْتَجَّا بِالدُّعَاةِ فَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِعِمْرَانَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَهُوَ مِنْ الدُّعَاةِ وَاحْتَجَّا بِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمَّانِيُّ وَكَانَ دَاعِيَةً إلَى الْأَرْجَاءِ.

وَأَجَابَ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ لَيْسَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْ الْخَوَارِجِ، ثُمَّ ذَكَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَأَبَا حَسَّانَ الْأَعْرَجَ قَالَ، وَلَمْ يَحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِعَبْدِ الْحَمِيدِ بَلْ أَخْرَجَ لَهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ (قَوْلُهُ: مَنْ يُجَوِّزُ الْكَذِبَ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ إذْ الْمُجَوِّزُ لَهُ مُطْلَقًا كَافِرٌ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْأَكْثَرِ) ظَرْفٌ لِلْعَامِلِ فِي قَوْلِهِ، وَكَذَا وَهُوَ نَفْيُ الْقَبُولِ الْمُقَدَّرِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْأَوَّلِ وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعِهِ وَلَيْسَ ظَرْفًا لِتَكْفِيرِ الْمُجَسِّمِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى عَدَمِ تَكْفِيرِهِ لَا عَلَى تَكْفِيرِهِ لِمَا نَقَلَهُ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ لِأَصْحَابِهِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي رَجَعْت عَنْ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُهُمْ كُلَّهُمْ يُشِيرُونَ إلَى مَعْبُودٍ وَاحِدٍ اهـ. مِنْ النَّجَّارِيِّ

(قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ عَلَى قَبُولِهِ) أَيْ، وَإِنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ لَا مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ وَلِأَنَّ كُفْرَهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ بَلْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْجَهْلَ بِاَللَّهِ، وَالْجَهْلُ بِاَللَّهِ كُفْرٌ وَيَسْتَلْزِمُ إيقَاعَ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَهُوَ الْجِسْمُ

ص: 172

لَا مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ (وَ) يُقْبَلُ (مَنْ لَيْسَ فَقِيهًا خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِيمَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ)

ــ

[حاشية العطار]

الْمُعْتَقَدُ فِيهِ الْأُلُوهِيَّةُ عَلَى أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ عَلَى الصَّحِيحِ اهـ. مِنْ النَّجَّارِيِّ.

وَفِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ نَقْلًا عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ كُلُّ مُكَفَّرٍ بِبِدْعَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَدَّعِي أَنَّ مُخَالِفِيهَا مُبْتَدِعَةٌ، وَقَدْ تُبَالِغُ فَتُكَفِّرُ فَلَوْ أُخِذَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَاسْتَلْزَمَ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الَّذِي تُرَدُّ رِوَايَتُهُ مَنْ أَنْكَرَ أَمْرًا مُتَوَاتِرًا مِنْ الشَّرْعِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَوْ اعْتَقَدَ عَكْسَهُ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ ضَبْطُهُ لِمَا يَرْوِيهِ مَعَ وَرَعِهِ وَتَقْوَاهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِهِ اهـ.

(مُهِمَّتَانِ) الْأُولَى قَوْلُهُمْ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ، مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا بَيَّنَّاهُ الثَّانِيَةُ التَّكْفِيرُ بِالْعَقَائِدِ لَا سِيَّمَا مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ أَمْرٌ مُسْتَفِيضٌ فِيهِ النِّزَاعُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ حَتَّى نَقَلَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْقَائِلَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ يَكْفُرُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَنَعَ تَأْوِيلَ الْبَيْهَقِيّ لَهُ بِكُفْرَانِ النِّعْمَةِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ ذَلِكَ فِي حَقِّ حَفْصٍ الْفَرْدِ لَمَّا أَفْتَى بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَهَذَا رَدٌّ لِلتَّأْوِيلِ اهـ.

مَعَ أَنَّ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّفْظَ حَادِثٌ فَلَوْ أَخَذْنَا بِظَاهِرِ مَقَالَاتِهِمْ لَلَزِمَ تَكْفِيرُ جَمٍّ غَفِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي عَصْرِنَا، وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِتَكْفِيرِ بَعْضِ مَنْ أَلَّفَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَأُلِّفَتْ رَسَائِلُ وَانْحَسَمَتْ عَلَى يَدِ الْفَقِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بَعْدَ كَثْرَةِ قِيلٍ وَقَالَ، وَقَدْ كَفَّرَ الْإِمَامُ السَّنُوسِيُّ ابْنَ سِينَا وَالْفَارَابِيَّ بِمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى، وَلَمْ يُسَلِّمْهُ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ وَنَقَلُوا عَنْ ابْنِ سِينَا أَنَّهُ يُنْكِرُ الْحَشْرَ الْجُسْمَانِيَّ مَعَ أَنَّ أَفَاضِلَ الْمُتَكَلِّمِينَ نَقَلُوا عَنْهُ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ وَرَأَيْتُهُ أَنَا مَسْطُورًا فِيهِ، وَلَوْلَا مُخَالَفَةُ التَّطْوِيلِ لَنَقَلْتُهُ وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ تَوَسَّعُوا فِي التَّكْفِيرِ حَتَّى أَلَّفُوا رَسَائِلَ ذَكَرُوا فِيهَا أَشْيَاءَ لَا تُكَفِّرُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَثَلًا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ بِمَا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ صَالِحُ بْنُ الْمَهْدِيِّ الْيَمَنِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالْعِلْمِ الشَّامِخِ، وَلَمْ أَرَ التَّكْفِيرَ سَهُلَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا أَكْثَرَ مِنْهُ فِي مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ بِكُلِّ لَازِمٍ، وَلَوْ فِي غَايَةِ الْغُمُوضِ وَضَعَ بَعْضُ النَّاسِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ مُتَفَقِّهَتِهِمْ نَعْلَهُ فَقَالَ: كَفَرْت؛ لِأَنَّك أَهَنْت الْعُلَمَاءَ، وَهُوَ إهَانَةُ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ لِلرَّسُولِ ثُمَّ لِلْمُرْسِلِ وَنَحْوَ هَذَا يَفْعَلُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفَعَلَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنْ مُنْكَرَاتِ الدَّوْلَةِ فَقَالَ الْمَظْلُومُ: هَذَا ظُلْمٌ وَحَاشَا السُّلْطَانَ مِنْ الْأَمْرِ وَالرِّضَا بِهِ فَقَالَ: أَنَا خَادِمٌ لِلدَّوْلَةِ الْمُنْتَمِيَةِ إلَى السُّلْطَانِ فَقَدْ نَسَبْت الظُّلْمَ إلَى السُّلْطَانِ فَأَهَنْت مَا عَظَّمَتْ الشَّرِيعَةُ مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ فَكَفَرْت، وَأَخَذُوهُ وَجَاءُوا بِهِ إلَى الْقَاضِي وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ، ثُمَّ جَدَّدَ إسْلَامَهُ، وَفَعَلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ وَهَاتَانِ الْحِكَايَتَانِ فِي مَكَّةَ فِي عَصْرِنَا مُجَرَّدُ مِثَالٍ، وَلَمْ تَزَلْ أَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةً بِذَلِكَ قَالَ، ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ لِأَبِي شَكُورٍ السَّالِمِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَإِذَا هُوَ لَمْ يَكَدْ يَسْلَمْ مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ التَّكْفِيرِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَخْ بِقَوْلِ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَذَا وَقَالَتْ الْأَشَاعِرَةُ وَقَالَتْ الْفُلَانِيَّةُ، وَلَا يَزَالُ يَحْكُمُ بِالْكُفْرِ اهـ.

(تَذْيِيلٌ) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ رِوَايَةُ الرَّافِضَةِ وَسَابِّ السَّلَفِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ فِي مَسَائِلِ الْإِفْتَاءِ، وَإِنْ سَكَتَ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِاسْتِبَابِهِمْ إحَالَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ سِبَابَ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ فَالصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فَقَالَ: الْبِدْعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ صُغْرَى فَالتَّشَيُّعُ بِلَا غُلُوٍّ أَوْ بِغُلُوٍّ كَمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَقِّ مَنْ حَارَبَ عَلِيًّا فَهَذَا فِي التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ مَعَ الدِّينِ وَالْوَرَعِ وَالصِّدْقِ فَلَوْ رُدَّ هَؤُلَاءِ لَذَهَبَ جُمْلَةٌ مِنْ الْآثَارِ، ثُمَّ بِدْعَةٌ كُبْرَى كَالرَّفْضِ الْكَامِلِ وَالْغُلُوُّ فِيهِ وَالْحَطُّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالدُّعَاءُ إلَى ذَلِكَ فَهَذَا النَّوْعُ لَا يُحْتَجُّ بِهِمْ، وَلَا كَرَامَةَ وَأَيْضًا فَمَا اسْتَحْضَرَ الْآنَ فِي هَذَا الضَّرْبِ رَجُلًا صَادِقًا وَلَا مَأْمُونًا بَلْ الْكَذِبُ شِعَارُهُمْ وَالثَّغْيَةُ وَالنِّفَاقُ دِثَارُهُمْ اهـ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ خِلَافَهُ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الرَّافِضَةِ

ص: 173

لِمَا تَقَدَّمَ مَعَ جَوَابِهِ (وَ) يُقْبَلُ (الْمُتَسَاهِلُ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ) بِأَنْ يَتَجَوَّزَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا مِنْ الْخَلَلِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُتَسَاهِلِ فِيهِ فَيُرَدُّ (وَقِيلَ: يُرَدُّ) الْمُتَسَاهِلُ (مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ التَّسَاهُلَ فِي غَيْرِ الْحَدِيثِ يَجُرُّ إلَى التَّسَاهُلِ فِيهِ (وَ) يُقْبَلُ (الْمُكْثِرُ) مِنْ الرِّوَايَةِ (وَإِنْ نَدَرَتْ مُخَالَطَتُهُ لِلْمُحَدِّثِينَ) أَيْ وَالْحَالُ كَذَلِكَ لَكِنْ (إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْقَدْرِ) الْكَثِيرِ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ (فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ) الَّذِي خَالَطَ فِيهِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنْ لَمْ يُمَكَّنْ فَلَا يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ مِمَّا رَوَاهُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي بَعْضٍ لَا تُعْلَمُ عَيْنُهُ.

(وَشَرْطُ الرَّاوِي الْعَدَالَةُ وَهِيَ مَلَكَةٌ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ (تَمْنَعُ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ) وَتَطْفِيفِ تَمْرَةٍ (وَالرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ) أَيْ الْجَائِزَةِ (كَالْبَوْلِ فِي الطَّرِيقِ) الَّذِي هُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ لِغَيْرِ سُوقِيٍّ

ــ

[حاشية العطار]

عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالتَّرَخُّصُ مُطْلَقًا إلَّا مَنْ يَكْذِبُ وَيَضَعُ وَالثَّالِثُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْعَارِفِ بِمَا يُحَدِّثُ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّافِضَةِ فَقَالَ لَا تُكَلِّمُهُمْ، وَلَا تَرْوِ عَنْهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَرَ أَشْهَدَ بِالزُّورِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ نَكْتُبُ عَنْ كُلِّ صَاحِبِ بِدْعَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً إلَّا الرَّافِضَةَ وَقَالَ شَرِيكٌ أَحْمِلُ الْعِلْمَ عَنْ كُلِّ مَنْ لَقِيتُهُ إلَّا الرَّافِضَةَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ لَا تُحَدِّثُوا عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِمَا تَقَدَّمَ مَعَ جَوَابِهِ) أَيْ أَنَّ مُخَالَفَتَهُ تُرَجِّحُ احْتِمَالَ الْكَذِبِ وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ وَالْحَالُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ نَدَرَتْ لِلْحَالِ لَا لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ مُضَافٍ لِلْمَعْطُوفِ، وَالتَّقْدِيرِ وَيُقْبَلُ الْمُكْثِرُ إنْ كَثُرَتْ مُخَالَطَتُهُ لِلْمُحَدِّثَيْنِ، وَإِنْ نَدَرَتْ إذَا أَمْكَنَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَيَصِيرُ الشَّرْطُ، وَهُوَ إذَا أَمْكَنَ إلَخْ شَرْطًا فِي الْمُكْثِرِ بِقِسْمَيْهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّهَافُتِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إذْ لَا شَرْطَ مَعَ كَثْرَةِ الْمُخَالَطَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ قِلَّتِهَا. اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ إذَا أَمْكَنَ إلَخْ) هَذَا فِيمَنْ يَأْخُذُ الْحَدِيثَ بِالسَّمَاعِ، وَأَمَّا مَنْ أَجَازَهُ الشَّيْخُ بِجَمِيعِ مَرْوِيَّاتِهِ أَوْ أَعْطَاهُ أَصْلًا مُصَحَّحًا فَيُقْبَلُ، وَإِنْ اجْتَمَعَ لَحْظَةً بِالشَّيْخِ.

(قَوْلُهُ: وَشَرْطُ الرَّاوِي إلَخْ) أَيْ شَرْطُ قَبُولِ رِوَايَتِهِ وَقَوْلِهِ الْعَدَالَةُ أَيْ تَحَقُّقُهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ، ثُمَّ إنَّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ بَلْ الْإِسْلَامُ كَمَا مَرَّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُسْتَثْنَى الْمُبْتَدِعُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَيْسَ فَاسِقًا (قَوْلُهُ: أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ) قَيْدٌ فِي تَسْمِيَةِ الْهَيْئَةِ النَّفْسَانِيَّةِ تُسَمَّى قَبْلَ رُسُوخِهَا حَالًا وَبَعْدَهُ مَلَكَةً قَالَ سم وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدَمِ ارْتِكَابِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ بَلْ بِمُجَاهَدَةِ النَّفْسِ اهـ.

(قَوْلُهُ: عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ) أَيْ مَا هُوَ كَبِيرَةٌ عِنْدَ الْمُقْتَرِفِ فَدَخَلَ الْمُبْتَدِعُ فِي الْعَدْلِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ التَّزْكِيَةُ كَتَرْكِ الْفُرُوضِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ الْكَفُّ، وَهُوَ فِعْلٌ وَمَا فِي النَّاصِرِ مِنْ عَدَمِ شُمُولِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ إضَافَةَ الِاقْتِرَافِ بِالْكَبَائِرِ تَقْتَضِي قَصْرَهَا عَلَى الْعَقْلِيَّةِ، وَأَنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ فِي النَّهْيِ التَّرْكُ وَالِاعْتِقَادُ فِعْلٌ كَمَا مَرَّ فَتَدْخُلُ فِيهَا هَذَا وَالْمَعْنَى عَنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَفْرَادَ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ آحَادٌ وَالْمُرَادُ اقْتِرَافُهَا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ مُسَوَّغٍ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَيُقْبَلُ مَنْ أَقْدَمَ جَاهِلًا عَلَى مُفَسِّقٍ وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالُ مَنْ أَقْدَمَ نَاسِيًا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ) التَّمْثِيلُ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّصَابِ فِي كَوْنِ السَّرِقَةِ كَبِيرَةً وَفِيهِ كَلَامٌ (قَوْلُهُ: وَالرَّذَائِلُ الْمُبَاحَةُ) قَالَ سم يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ اعْتِبَارِ اجْتِنَابِ ذَلِكَ فِي الْعَدَالَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ اعْتِبَارِ الْمُرُوءَةِ زِيَادَةً عَلَى الْعَدَالَةِ فِي الْقَبُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْفُرُوعِ

(قَوْلُهُ: أَيْ الْجَائِزَةِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَهُوَ الْمَأْذُونِ فِي فِعْلِهِ لَا بِمَعْنَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بِقَرِينَةِ كَلَامِهِ عَقِبَهُ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: كَالْبَوْلِ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ إيذَاءٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ) أَيْ وَلَمْ يَضْطَرَّهُ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ، وَإِلَّا فَلَا أَوْ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَأُذِّنَتْ الْمَغْرِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي السُّوقِ أَوْ نَسِيَ أَنْ يَأْكُلَ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ صَلَاةِ صُبْحِ يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي السُّوقِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ سُوقِيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحُهَا أَلْحَنُ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُلَازِمُ

ص: 174

وَالْمَعْنَى عَنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ مَا ذُكِرَ فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْ ذَلِكَ تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ أَمَّا صَغَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ كَكِذْبَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا ضَرَرٌ وَنَظْرَةٍ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ الْمَنْعُ عَنْ اقْتِرَافِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهَا فَبِاقْتِرَافِ الْفَرْدِ مِنْهَا لَا تَنْتَفِي الْعَدَالَةُ، وَفِي نُسْخَةٍ قَبِلَ الرَّذَائِلَ، وَهَوَى النَّفْسِ أَيْ اتِّبَاعَهُ، وَهُوَ مَأْخُوذُ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ الْمُتَّقِيَ لِلْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ مَعَ الرَّذَائِلِ الْمُبَاحَةِ قَدْ يَتَّبِعُ هَوَاهُ عِنْدَ وُجُودِهِ لِشَيْءٍ مِنْهَا فَيَرْتَكِبُهُ، وَلَا عَدَالَةَ لِمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُهُ عَنْ اقْتِرَافِ مَا ذُكِرَ يَنْتَفِي عَنْهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى لِشَيْءٍ مِنْهُ، وَإِلَّا لَوَقَعَ فِي الْمَهْوِيِّ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ تَمْنَعُ مِنْهُ وَتَفَرَّعَ عَلَى شَرْطِ الْعَدَالَةِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ بَاطِنًا، وَهُوَ الْمَسْتُورُ) لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ (خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ فُورَكٍ وَسُلَيْمٍ) أَيْ الرَّازِيّ فِي قَوْلِهِمْ بِقَبُولِهِ اكْتِفَاءً بِظَنِّ حُصُولِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يُظَنُّ مِنْ عَدَالَتِهِ فِي الظَّاهِرِ عَدَالَتُهُ فِي الْبَاطِنِ (وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُوقَفُ) عَنْ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ

ــ

[حاشية العطار]

السُّوقَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا، وَالْخَانَاتُ لَيْسَتْ مُلْحَقَةً بِالسُّوقِ وَأَكْلُ الْمُجَاوِرِ فِي الْأَزْهَرِ لَا يَفْسُقُ بِهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ وَقْتَ خَلْوَةٍ أَوْ لَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُجَاوِرِ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ خَلْوَةٍ فَلَا يَفْسُقُ، وَإِلَّا فَسَقَ وَكُلُّ ذَلِكَ مَرْجِعُهُ الْعُرْفُ (قَوْلُهُ: أَيْ اتِّبَاعِهِ) إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَمَعْطُوفٍ عَلَى اقْتِرَافٍ أَيْ تَمْنَعُ مِنْ الِاقْتِرَافِ وَالِاتِّبَاعِ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْهَوَى هُوَ الْمَحَبَّةُ وَهِيَ لِكَوْنِهَا فِعْلًا غَيْرَ مَقْدُورٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا تَكْلِيفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ اتِّبَاعٍ؛ لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ فَيَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِالِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَيُمْكِنُ أَيْضًا حَمْلُ الْهَوَى عَلَى الْمَهْوَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الِاتِّبَاعِ بِصِحَّةِ تَسَلُّطِ الِاقْتِرَافِ عَلَيْهَا قَالَهُ النَّجَّارِيُّ

(قَوْلُهُ: عِنْدَ وُجُودِهِ لِشَيْءٍ) ضَمِيرُ وُجُودِهِ عَائِدٌ عَلَى هَوَاهُ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِيَتَّبِعُ، بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدُ: يَنْتَفِي عَنْهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى بِشَيْءٍ مِنْهُ وَيَجُوزُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُتَّقِي وَتَعَلَّقَ لِشَيْءٍ مِنْهَا لِوُجُودِهِ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْمَلَكَةِ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عِبَارَةَ وَالِدِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَقَالَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ لَا بُدَّ عِنْدِي فِي الْعَدَالَةِ مِنْ وَصْفٍ آخَرَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، وَهُوَ الِاعْتِدَالُ عِنْدَ انْبِعَاثِ الْأَغْرَاضِ حَتَّى يَمْلِكَ نَفْسَهُ عَنْ اتِّبَاعِ هَوَاهُ فَإِنَّ الْمُتَّقِي لِلْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْمُلَازِمَ لِطَاعَةِ اللَّهِ وَلِلْمُرُوءَةِ قَدْ يَسْتَمِرُّ عَلَى ذَلِكَ مَا دَامَ سَالِمًا عَنْ الْهَوَى فَإِذَا غَلَبَهُ هَوَاهُ خَرَجَ عَنْ الِاعْتِدَالِ وَحَلَّ عِصَامَ التَّقْوَى فَقَالَ مَا يَهْوَاهُ، وَاتِّقَاءُ هَذَا الْوَصْفِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَدْلِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: 152] إلَى أَنْ قَالَ فَالْعَدَالَةُ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ تَحْمِلُ عَلَى الصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَمُلَازَمَةِ الْمُرُوءَةِ وَالِاعْتِدَالِ عِنْدَ انْبِعَاثِ الْأَغْرَاضِ حَتَّى يَمْلِكَ نَفْسَهُ عَنْ اتِّبَاعِ هَوَاهُ فَهَلْ رَأَيْت مَنْ لَا يُقْدِمُ عَلَى ذَنْبٍ فِيمَا يَعْتَقِدُ، ثُمَّ يَسْتُرُ هَوَاهُ عَلَى عَقْلِهِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ:، وَإِلَّا لَوَقَعَ فِي الْمَهْوِيِّ) أَيْ، وَإِلَّا يَنْتَفِي عَنْهُ اتِّبَاعُ الْهَوَى (قَوْلُهُ: وَتَفَرَّعَ عَلَى شَرْطِ الْعَدَالَةِ) أَيْ تَحَقُّقًا بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْقَبُولِ أَوْ ظَنًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَبُولِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الشَّرْعِ، وَفِي الثَّانِي الِاكْتِفَاءُ بِظَنِّ حُصُولِ الشَّرْطِ اهـ. نَجَّارِيٌّ

(قَوْلُهُ: فَلَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ) لَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ أَضْيَقُ مِنْ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ قَبِلَ الْفُقَهَاءُ شَهَادَةَ الْمَسْتُورِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَحُضُورِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةَ لِهِلَالِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لِمَدَارِكَ خَاصَّةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ مَحَلِّهَا لَا يُنَافِي كَوْنَ الشَّهَادَةِ أَضْيَقَ وَالرِّوَايَةِ أَوْسَعَ. اهـ. سم (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَوْجُودِ فِي زَمَنِهِ وَلَمَّا حَدَثَ بَعْدَهُ مَا حَدَّثَ بِهِ أَصْحَابَهُ مِنْ قَبُولِ الْمَجْهُولِ قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: اكْتِفَاءً بِظَنِّ حُصُولِ إلَخْ) لَوْ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الشَّرْطَ ظَنُّ الْعَدَالَةِ لَا تَحَقُّقُهَا لَسَلِمُوا مِنْ أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِمْ الشُّرُوطُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا وَكَوْنُ الشَّرْطِ

ص: 175

إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُهُ بِالْبَحْثِ عَنْهُ قَالَ (وَيَجِبُ الِانْكِفَافُ) عَمَّا ثَبَتَ حِلُّهُ بِالْأَصْلِ (إذَا رَوَى) هُوَ (التَّحْرِيمَ) فِيهِ (إلَى الظُّهُورِ) لِحَالِهِ احْتِيَاطًا وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ مَعَ قَوْلِ الْإِبْيَارِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ التَّحْتَانِيَّةِ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ: إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ يَعْنِي فَالْحِلُّ الثَّابِتُ بِالْأَصْلِ لَا يُرْفَعُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ كَمَا لَا يُرْفَعُ الْيَقِينُ أَيْ اسْتِصْحَابُهُ بِالشَّكِّ بِجَامِعِ الثُّبُوتِ (أَمَّا)(الْمَجْهُولُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا)(فَمَرْدُودٌ إجْمَاعًا) لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الْعَدَالَةِ وَظَنِّهَا (وَكَذَا مَجْهُولُ الْعَيْنِ) كَأَنْ يُقَالَ فِيهِ: عَنْ رَجُلٍ مَرْدُودٍ إجْمَاعًا لِانْضِمَامِ جَهَالَةِ الْعَيْنِ إلَى جَهَالَةِ الْحَالِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ عَمَّا قَبْلَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (فَإِنْ وَصَفَهُ نَحْوُ الشَّافِعِيِّ) مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الرَّاوِي عَنْهُ (بِالثِّقَةِ)

ــ

[حاشية العطار]

ظَنَّ الْعَدَالَةِ وَجِيهٌ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ تَحَقُّقِهَا يُرَاعِي احْتِمَالَهَا فَيَتَوَقَّفُ احْتِيَاطًا إلَى ظُهُورِ الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لَا يُرَاعِي هَذَا الِاحْتِمَالَ وَلَا يَلْتَفِت إلَيْهِ اهـ. سم (قَوْلُهُ: الْأَصْلِ) أَيْ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ

(قَوْلُهُ: إذَا رَوَى هُوَ) أَيْ الْمَجْهُولُ بَاطِنًا (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِيمَا ثَبَتَ حِلُّهُ بِالْأَصْلِ؛ وَذَلِكَ كَأَكْلِ خُبْزِ الشَّعِيرِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) عَائِدٌ لِقَوْلِهِ وَيَجِبُ الِانْفِكَاكُ (قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلِ الْإِبْيَارِيِّ إلَخْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُبَالِ بِحِكَايَةِ الْإِبْيَارِيَّ الْإِجْمَاعَ وَذَلِكَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ لَا أَعْرِفُهُ اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْيَقِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتَرَضَ (قَوْلُهُ: يَعْنِي فَالْحَلُّ إلَخْ) بَيَانٌ لِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْيَقِينَ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَقِيقَةَ الْيَقِينِ فَإِنَّ الْحِلَّ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لَكِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ بِالْأَصْلِ وَاسْتِصْحَابُهُ كَثُبُوتِ الْيَقِينِ وَاسْتِصْحَابِهِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ طَارِئٌ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يُزَال بِهِ مَعَ الشَّكِّ (قَوْلُهُ: بَاطِنًا وَظَاهِرًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجْهُولِ ظَاهِرًا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالْمُخَالَطَةِ بِأَنْ انْتَفَتْ مُخَالَطَتُهُ اهـ. سم (قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) قَالَ الْكَمَالُ حِكَايَةَ ابْنِ الصَّلَاحِ، ثُمَّ النَّوَوِيِّ، ثُمَّ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ رَدُّ الْمَجْهُولِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ يَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ خِلَافٍ فَيُعَارِضُ حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ اهـ.

وَعِبَارَةُ التَّقْرِيبِ مَعَ شَرْحِهِ لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ هَكَذَا رِوَايَةُ مَجْهُولِ الْعِبَارَةِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا مَعَ كَوْنِهِ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ بِرِوَايَةِ عَدْلَيْنِ عَنْهُ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ، وَقِيلَ: تُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَنْ رَوَى عَنْهُ فِيهِمْ مَنْ لَا يَرْوِي عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ.

(قَوْلُهُ:، وَكَذَا مَجْهُولُ الْعَيْنِ) فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ وَأَمَّا مَجْهُولُ الْعَيْنِ فَقَدْ لَا يَقْبَلُهُ بَعْضُ مَنْ يَقْبَلُ مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ، وَرَدُّهُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ فِي الرَّاوِي مَزِيدًا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ: إنْ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ كَابْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَاكْتَفَيْنَا بِالتَّعْدِيلِ بِوَاحِدٍ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي غَيْرِ الْعِلْمِ بِالزُّهْدِ أَوْ النَّجْدَةِ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَقِيلَ: إنْ زَكَّاهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مَعَ رِوَايَةِ وَاحِدٍ عَنْهُ قُبِلَ، وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ وَصَحَّحَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ اهـ.

فَالْإِجْمَاعُ فِيهِ مُنْتَقَدٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ إلَخْ) فَإِنَّ الْمَجْهُولَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَعَمُّ مِنْ مَجْهُولِ الْعَيْنِ فَمَجْهُولُ الْعَيْنِ مِنْ أَفْرَادِهِ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَخْ) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَيْدِي سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَقُولُ: إذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَهُوَ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ وَإِذَا قَالَ: أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَهُوَ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ وَإِذَا قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ فَهُوَ أَبُو أُسَامَةَ وَإِذَا قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَهُوَ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَإِذَا قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَإِذَا قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ فَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى اهـ. وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيّ

(قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَالِكٌ) قَالَ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إذَا قَالَ مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجِّ

ص: 176

كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ وَكَذَلِكَ مَالِكٌ قَلِيلًا (فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ، وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) ؛ لِأَنَّ وَاصِفَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا، وَهُوَ كَذَلِكَ (خِلَافًا لِلصَّيْرَفِيِّ وَالْخَطِيبِ) الْبَغْدَادِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لَا يُقْبَلُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ جَارِحٌ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْوَاصِفُ.

وَأُجِيبَ بِبُعْدِ ذَلِكَ جِدًّا مَعَ كَوْنِ الْوَاصِفِ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ أَوْ مَالِكٍ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى حُكْمٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى (، وَإِنْ قَالَ) نَحْوُ الشَّافِعِيِّ فِي وَصْفِهِ (لَا أَتَّهِمُهُ) كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ (فَكَذَلِكَ) يُقْبَلُ وَخَالَفَ فِيهِ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ تَوْثِيقًا (وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَيْسَ تَوْثِيقًا) ، وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِلِاتِّهَامِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ مِنْ مِثْلِ الشَّافِعِيِّ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى حُكْمٍ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُرَادُ بِالْوَصْفِ بِالثِّقَةِ

ــ

[حاشية العطار]

فَالثِّقَةُ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر وَإِذَا قَالَ عَنْ الثِّقَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَقِيلَ: الزُّهْرِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ الَّذِي يَقُولُ مَالِكٌ فِي كِتَابِهِ الثِّقَةُ عَنْ بُكَيْر يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَقَالَ غَيْرُهُ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: كُلُّ مَا فِي كِتَابِ مَالِكٍ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهُوَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ (قَوْلُهُ: إلَّا، وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ ثِقَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَصِفُهُ بِالثِّقَةِ إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ وَالْخِبْرَةِ التَّامَّةِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِهِ بِالثِّقَةِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا كَمَا اعْتَبَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ مِمَّنْ يَرَى الِاكْتِفَاءَ بِالْمَسْتُورِ اهـ. سم.

قَالَ النَّجَّارِيُّ وَبِهَذَا تَصِيرُ الْأَقْسَامُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةً: مَجْهُولَ الْعَيْنِ وَالْعَدَالَةِ مَعْلُومَهُمَا مَجْهُولَ الْعَدَالَةِ دُونَ الْعَيْنِ عَكْسُهُ فَالْأَوَّلُ لَا يُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي يُقْبَلُ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّالِثُ لَا يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ وَالرَّابِعُ يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ

(قَوْلُهُ: مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ لَوْ قَالَ نَحْوَ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَيْسَ بِتَوْفِيقٍ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ التُّهْمَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِاتِّفَاقِهِ، وَلَا لِأَنَّهُ حُجَّةٌ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ هَذَا إذَا وَقَعَ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَسْأَلَةٍ دِينِيَّةٍ فَهُوَ وَالتَّوْثِيقُ سَوَاءٌ فِي أَصْلِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فَمِنْ ثَمَّ خَالَفْنَاهُ فِي مِثْلِ الشَّافِعِيِّ أَمَّا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ يُقْبَلُ) لَمْ يَقُلْ فَالْوَجْهُ قَبُولُهُ أَيْضًا لِلْإِشَارَةِ إلَى انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَمَّا قَبْلَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْإِشَارَةِ تَأْكِيدًا، وَقَالَ الْكَمَالُ جَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا التَّشْبِيهَ فِي أَمْرَيْنِ: تَرْجِيحُ الْقَبُولِ وَمُخَالَفَةُ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ لِيُظْهِرَ أَنَّ قَوْلَ الذَّهَبِيِّ مُخَالِفٌ لِكُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِلٌ بِالْقَبُولِ وَالثَّانِي قَائِلٌ بِأَنَّ لَا أَتَّهِمُ تَوْثِيقٌ لَا يُكْتَفَى بِهِ لِجَوَازِ جَارِحٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْوَاصِفُ وَالذَّهَبِيُّ بِنَفْيِ كَوْنِهِ تَوْثِيقًا أَصْلًا وَيَقُولُ: إنَّمَا هُوَ لِلِاتِّهَامِ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِضَبْطِ الرَّاوِي وَإِتْقَانِهِ وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الزَّرْكَشِيّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ الذَّهَبِيَّ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِيهِ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ) لَوْ قَالَ لِمَا تَقَدَّمَ لَكَانَ وَاضِحًا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ هَذَا هِيَ عَيْنُ مَا تَقَدَّمَ فَلَفْظُ مِثْلِ إمَّا لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِلتَّغَايُرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَإِنَّ الْمُعَلَّلَ بِهِ بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ لِلْمُعَلِّلِ هُنَا غُيِّرَ بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ لِلْمُعَلِّلِ هُنَاكَ

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ تَوْثِيقًا) أَيْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُشَارِ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ فَكَذَلِكَ لَكِنَّهُ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ تَوْثِيقٌ مَعْمُولٌ بِهِ وَعَلَى قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِ تَوْثِيقٌ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ إلَخْ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ وَالذَّهَبِيُّ أَحَدُ شُيُوخِ الْمُصَنِّفِ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ فِي طَبَقَاتِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّعْدِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُتَحَامِلًا عَلَى الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَنْبَلِيًّا، وَقَدْ أَطْنَبَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَتَى بِكَلَامٍ نَفِيسٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ هُنَا رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ (قَوْلُهُ:، وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيٌ لِلِاتِّهَامِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاتِّهَامَ افْتِعَالٌ مِنْ الْوَهْمِ، وَهُوَ الطَّرَفُ الْمَرْجُوحُ وَيَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَوْثِيقُهُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْجَرْحِ عَلَى وَجْهِ الْمَرْجُوحِيَّةِ نَفْيُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْجَحِيَّةِ وَالْمُسَاوَاةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّوْثِيقَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّهَامِ ظَنُّ الْجَارِحِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ تَوْثِيقُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ ظَنِّ الْجَرْحِ التَّعْدِيلُ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ:، وَأُجِيبَ إلَخْ) الْمُجِيبُ هُوَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ (قَوْلُهُ: مُحْتَجًّا إلَخْ) فِيهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الرِّوَايَةِ الِاحْتِجَاجُ

ص: 177

وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ.

(وَيُقْبَلُ مَنْ أَقْدَمَ جَاهِلًا عَلَى) فِعْلٍ (مُفَسِّقٍ مَظْنُونٍ) كَشُرْبِ النَّبِيذِ (أَوْ مَقْطُوعٍ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ (فِي الْأَصَحِّ) سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْإِبَاحَةَ أَمْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا لِعُذْرِهِ بِالْجَهْلِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ لِارْتِكَابِ الْمُفَسِّقِ، وَإِنْ اعْتَقَدَ الْإِبَاحَةَ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ فِي الْمَظْنُونِ دُونَ الْمَقْطُوعِ أَمَّا الْمُقْدِمُ عَلَى الْمُفَسِّقِ عَالِمًا بِحُرْمَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا.

(وَقَدْ اُضْطُرِبَ فِي الْكَبِيرَةِ فَقِيلَ:) هِيَ (مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ) فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ (وَقِيلَ:) هِيَ (مَا فِيهِ حَدٌّ) قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَهُمْ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا أَمْيَلُ وَالْأَوَّلُ مَا يُوجَدُ لِأَكْثَرِهِمْ، وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ (وَ) قَالَ (الْأُسْتَاذُ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ (وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ: هِيَ (كُلُّ ذَنْبٍ

ــ

[حاشية العطار]

إنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى وَصْفِهِ بِالثِّقَةِ إلَّا أَنَّهُ يُقَالُ الرِّوَايَةُ لَازِمَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ، وَلَوْ بِالْقُوَّةِ لَكِنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي نَحْوِ الْقَصَصِ وَالْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ:، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ) أَيْ دُونَ التَّعْبِيرِ بِالثِّقَةِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ أَبْلَغُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ بَحْثُ النَّاصِرِ بِأَنَّ لَا أَتَّهِمُهُ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ عَنْ الْعَدَالَةِ وَهِيَ أَبْلَغُ مِنْ الصَّرِيحِ فَلَا يَكُونُ دُونٌ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ غَرَضٍ لِغَرَضٍ آخَرَ فَإِنَّ هَذَا فِي خِطَابَاتِ الْبُلَغَاءِ، وَالْكَلَامُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعَدَالَةِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ الثِّقَةِ أَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: جَاهِلًا) أَيْ جَهْلًا بَسِيطًا وَمُرَكَّبًا بِدَلِيلِ التَّعْمِيمِ، وَلَا قَيْدَ أَنْ يَقُولَ مَنْ أَقْدَمَ مَعْذُورًا أَيْ بِجَهْلٍ أَوْ تَأْوِيلٍ أَوْ إكْرَاهٍ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مُفَسِّقٍ) أَيْ لَوْ لَمْ يَكُنْ جَاهِلًا، وَإِلَّا فَالْإِقْدَامُ مَعَ الْجَهْلِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُفَسِّقًا، وَقَدْ يُشْكِلُ تَقْدِيرُ الشَّارِحِ لَفْظَ الْفِعْلِ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ غَيْرُهُ كَالْقَوْلِ الْمُفَسِّقِ كَالْقَذْفِ جَاهِلًا بِحُرْمَتِهِ لِنَحْوِ قُرْبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا يَشْمَلُ الْقَوْلَ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ اللِّسَانِ اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: إمَّا مَقْطُوعٌ إلَخْ) اسْتَثْنَى مِنْ التَّدَيُّنِ بِالْكَذِبِ فَلَا يُقْبَلُ قَطْعًا، وَقَدْ اسْتَثْنَاهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِقَوْلِهِ إلَّا الْخَطَابِيَّةَ وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ رَاجِعٌ إلَى الْمَظْنُونِ أَيْضًا وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الصَّفِيِّ الْهِنْدِيِّ وَيُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ إلَى الْمَقْطُوعِ فَقَطْ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْمَحْصُولِ اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ اعْتَقَدَ إلَخْ) أَيْ فَيَكُونُ الْجَهْلُ بِالْحُرْمَةِ مُرَكَّبًا أَمْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا فَيَكُونُ الْجَهْلُ بَسِيطًا وَمِنْ ثَمَّ قُبِلَتْ رِوَايَةُ الْمُبْتَدِعِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الِابْتِدَاعِ لَيْسَ كَبِيرَةً عِنْدَهُ بَلْ يَعْتَقِدُ حَقِيقَةً فِي الْغَالِبِ فَيَكُونُ جَهْلُهُ مُرَكَّبًا فَقَوْلُهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ: إنَّهَا مَلَكَةٌ تَمْنَعُ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ مَعْنَاهُ مَا هُوَ كَبِيرَةٌ عِنْدَ الْمُقْتَرِفِ فَيَدْخُلُ الْمُبْتَدِعُ بِشَرْطِهِ فِي الْعَدْلِ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فَلَا يُقَالُ كَيْفَ يَتَّصِفُ الْمُبْتَدِعُ بِالْعَدَالَةِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ مَعَ اقْتِرَافِهِ الْمُفَسِّقَ؟ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُفَسِّقٌ مَعَ الْعِلْمِ أَوْ الظَّنِّ بِالْحُرْمَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ وَيُقْبَلُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى مُفَسِّقٍ إلَخْ اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: يُقْبَلُ فِي الْمَظْنُونِ دُونَ الْمَقْطُوعِ) ؛ لِأَنَّ الْمَظْنُونَ قِيلَ إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِيهِ مُصِيبٌ بِخِلَافِ الْمَقْطُوعِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ الْفَرْعِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأُصُولِ فَالْمُصِيبُ فِيهِ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ اتِّفَاقًا اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: عَالِمًا) أَرَادَ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ كَمَا تَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ كَثِيرًا.

(قَوْلُهُ:، وَقَدْ اُضْطُرِبَ فِي الْكَبِيرَةِ) أَيْ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي تَعْرِيفِ الرَّاوِي (قَوْلُهُ: مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى مُطْلَقِ الْوَعِيدِ الْوَارِدِ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ) أَيْ الْفُقَهَاءُ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِأَكْثَرِهِمْ وَأَمَّا الضَّمِيرُ فِي: ذَكَرُوهُ فَرَاجِعٌ إلَى الْأُصُولِيِّينَ، وَأَوْرَدَ عَلَى هَذَا التَّرْجِيحِ أَنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ كَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَالْفِرَارِ يَوْمَ الزَّحْفِ (قَوْلُهُ: عِنْدَ تَفْصِيلِ) أَيْ تَعَدُّدِ الْكَبَائِرِ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا مِنْهَا الرِّبَا بِالْمُوَحَّدَةِ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَالْعُقُوقَ وَنَحْوَهَا، وَلَا حَدَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْأُسْتَاذُ إلَخْ) قَدَّرَ الشَّارِحُ قَالَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأُسْتَاذَ فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ نَائِبَ فَاعِلٍ قِيلَ:(قَوْلُهُ: وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ نَقْلًا عَنْ وَالِدِهِ: إنَّ الْكَبِيرَةَ مَا يَلْحَقُ صَاحِبَهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ سَوَاءٌ وَجَبَ فِيهَا حَدٌّ أَمْ لَمْ يَجِبْ كَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ، وَهُوَ مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لَهُمْ وَإِنَّهُ أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ

ص: 178

وَنَفَيَا الصَّغَائِرَ) نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ مَنْ عَصَى بِهِ عز وجل وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَعَلَى هَذَا يُقَالُ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ بَدَلَ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَكَبَائِرُ الْخِسَّةِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ لَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ اتِّفَاقًا (وَالْمُخْتَارُ وِفَاقًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) أَنَّهَا (كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ) هَذَا بِظَاهِرِهِ يَتَنَاوَلُ صَغِيرَةَ الْخِسَّةِ وَالْإِمَامُ إنَّمَا ضَبَطَ بِهِ مَا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مِنْ الْمَعَاصِي الشَّامِلُ لِتِلْكَ لَا الْكَبِيرَةِ فَقَطْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ اسْتِرْوَاحًا نَعَمْ هُوَ أَشْمَلُ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ؛ وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ كُلٍّ مِنْ التَّعَارِيفِ أَنَّهُ تَعْرِيفٌ لِلْكَبِيرَةِ مَعَ وُجُودِ الْإِيمَانِ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْدِيدِهَا بِمَا يَلِي الْكُفْرَ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ فَقَالَ (كَالْقَتْلِ) أَيْ عَمْدًا كَانَ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ بِخِلَافِ الْخَطَأِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ (وَالزِّنَا) بِالزَّايِ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ «قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ: قَالَ: أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَك قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَك قَالَ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ»

ــ

[حاشية العطار]

وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنَّهُمَا قَالَا إنَّهُمْ أَيْ الْأَصْحَابَ أَمْيَلُ إلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ {وَالنَّجْمِ} فَإِنْ أُرِيدَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ مَا عَدَا الْمَنْصُوصِ فَمُحْتَمَلٌ، وَإِلَّا فَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُوقَ وَشَهَادَةَ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَلَا يُوجِبَانِ حَدًّا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَنَفَيَا الصَّغَائِرَ) أَيْ قَالَا لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةٌ بَلْ كُلُّهَا كَبَائِرُ نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ مَنْ عُصِيَ بِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّوَاهِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] الْآيَةَ وُجِدَتْ بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَفَى الْكَبَائِرَ نَظِيرًا لِسَعَةِ الرَّحْمَةِ

(قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى عَظَمَةِ إلَخْ) أَيْ لَا نَظَرًا لِذَاتِهَا (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ بَعْضَ الذُّنُوبِ) أَيْ وَهِيَ كَبَائِرُ غَيْرِ الْخِسَّةِ عِنْدَهُمَا فَلَا تَضُرُّ، وَلَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا لَكِنْ عِنْدَنَا تُسَمَّى صَغَائِرَ وَعِنْدَهُمَا كَبَائِرَ فَالْخُلْفُ رَاجِعٌ إلَى التَّسْمِيَةِ (قَوْلُهُ: بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ عَادَةً وَفَسَّرَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الِاكْتِرَاثَ بِالِاهْتِمَامِ وَالِاعْتِنَاءِ وَالدِّيَانَةَ بِالْعِبَادَةِ قَالَ فَالِاكْتِرَاثُ مِنْ الْأَوْصَافِ الْقَلْبِيَّةِ وَرِقَّةُ الدِّيَانَةِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْبَدَنِيَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِرِقَّةِ الدِّيَانَةِ ضَعْفُ التَّدَيُّنِ الشَّامِلِ لِضَعْفِ اهْتِمَامِهِ وَاعْتِنَائِهِ.

(قَوْلُهُ: بِظَاهِرِهِ) إنَّمَا قَالَ بِظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ (قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ إنَّمَا ضَبَطَ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِي إرْشَادِهِ كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ فَهِيَ مُبْطِلَةُ الْعَدَالَةِ. اهـ. نَجَّارِيٌّ.

(قَوْلُهُ: الشَّامِلَ) بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِمَا، وَقَوْلُهُ لِتِلْكَ أَيْ لِصَغِيرَةِ الْخِسَّةِ (قَوْلُهُ: اسْتِرْوَاحًا) أَيْ تَسَاهُلًا وَطَلَبًا لِلرَّاحَةِ مَعَ عَدَمِ إمْعَانِ النَّظَرِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ هُوَ أَشْمَلُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَمَا لَمْ يُتَوَعَّدْ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَيَشْمَلُ مَا فِيهِ حَدٌّ وَمَا لَا حَدَّ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ ظَاهِرُ إلَخْ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْأَمْثِلَةِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ حَقِيقَةً أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمُرَادُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ الِاعْتِذَارُ عَنْ عَدَمِ عَدِّ الْكُفْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ عَلَى التَّعْرِيفِ الرَّابِعِ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ إلَخْ، وَأَمَّا عَلَى التَّعَارِيفِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَمِنْ الْمَقَامِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ تَعْرِيفٌ لِعَدَالَةِ الرَّاوِي الْمُسْلِمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُقْبَلُ مَجْنُونٌ وَكَافِرٌ وَالْكَبَائِرُ مَأْخُوذَةٌ فِي تَعْرِيفِ الْعَدَالَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَبِيرَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا هِيَ الْكَبِيرَةُ بَعْدَ وُجُودِ الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِ الْإِيمَانِ) لِقَوْلِهِ بِرِقَّةِ الدِّيَانَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّ الْكُفْرَ وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ بِخُصُوصِهِ وَأَجَابَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ قِيلَ: بِعَدَمِ خِطَابِهِمْ

(قَوْلُهُ: كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ شِبْهُ كَبِيرَةٍ أَمَّا الْخَطَأُ فَلَا إشْكَالَ فِي كَوْنِهِ لَيْسَ مَعْصِيَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ كَبِيرَةً فَلَا وِجْهَةَ لِتَخْصِيصِ شُرَيْحٍ بِنَقْلِ نَفْيِ كَوْنِهِ كَبِيرَةً (قَوْلُهُ: بِالزَّايِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا (قَوْلُهُ:، ثُمَّ أَيُّ) أَيُّ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَيٌّ أَعْظَمُ (قَوْلُهُ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك) التَّقْيِيدُ بِالْوَلَدِ أَوْ بِحِلَّةِ الْجَارِ لِمَزِيدِ التَّنْفِيرِ وَالْقُبْحِ

ص: 179

فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68](وَاللِّوَاطُ) ؛ لِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ لِمَاءِ النَّسْلِ كَالزِّنَا، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَ لُوطٍ، وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَهُ بِسَبَبِهِ كَمَا قَصَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ.

(وَشُرْبُ الْخَمْرِ)، وَإِنْ لَمْ تُسْكِرْ لِقِلَّتِهَا وَهِيَ الْمُشْتَدَّةُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ (وَمُطْلَقُ الْمُسْكِرِ) الصَّادِقِ بِالْخَمْرِ وَبِغَيْرِهَا كَالْمُشْتَدِّ مِنْ نَقِيعِ الزَّبِيبِ الْمُسَمَّى قَالَ صلى الله عليه وسلم «إنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَمَّا شُرْبُ مَا لَا يُسْكِرُ لِقِلَّتِهِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ فَصَغِيرَةٌ (وَالسَّرِقَةُ وَالْغَصْبُ) قَالَ تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ الْغَصْبَ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ رُبُعَ مِثْقَالٍ

ــ

[حاشية العطار]

فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْقَتْلَ وَالزِّنَا مُطْلَقًا مِنْ الْكَبَائِرِ فَتَمَّ الدَّلِيلُ بِالْحَدِيثِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَظَاهِرَةٌ (قَوْلُهُ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل تَصْدِيقَهَا) ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ، وَإِنْ لَمْ تُصَرِّحْ بِالتَّرْتِيبِ كَالْحَدِيثِ لَكِنْ رُتِّبَتْ فِيهَا الْمَذْكُورَاتُ ذِكْرًا وَلَا بُدَّ فِي التَّرْتِيبِ ذِكْرًا مِنْ حِكْمَةٍ وَهِيَ تَفَاوُتُهَا فِي الرُّتْبَةِ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي الذِّكْرِ

(قَوْلُهُ: وَاللُّوَاطَةُ) ، وَهُوَ أَفْحَشُ مِنْ الزِّنَا وَلِذَلِكَ شَدَّدَتْ الْمَذَاهِبُ فِي عُقُوبَتِهِ حَتَّى أَنِّي رَأَيْت فِي كِتَابِ إرْشَادِ الْأَذْهَانِ، وَهُوَ كِتَابٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُؤَلَّفٌ فِي فِقْهِ الْيَزِيدِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ خَارِجٌ عَنْ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ الْخَارِجَةِ مَنْكُورٌ إلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَتَمَذْهَبُونَ بِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْقَتْلِ أَيْ قَتْلِ اللَّائِطِ وَالْمَلُوطِ بِهِ بَيْنَ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ وَالتَّحْرِيقِ وَالرَّجْمِ وَالْإِلْقَاءِ مِنْ شَاهِقٍ وَإِلْقَاءِ جِدَارٍ عَلَيْهِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ أَحَدِهَا مَعَ الْإِحْرَاقِ اهـ.

وَأَقُولُ أَمَّا الرَّجْمُ وَالْإِلْقَاءُ مِنْ شَاهِقٍ فَقَدْ قِيلَ: بِهِمَا وَأَمَّا التَّحْرِيقُ فَمَا أَظُنُّ أَحَدًا قَالَ بِهِ فِي عُقُوبَةٍ مِنْ الْعُقُوبَاتِ سِوَاهُمْ (قَوْلُهُ: لِمَاءِ النَّسْلِ) أَيْ بِوَطْءٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِذَاتِهِ فَلَا يَرِدُ الِاسْتِمْنَاءُ وَالْعَزْلُ عَنْ حَلِيلَتِهِ، وَقَدْ يَنْتَقِضُ هَذَا أَيْضًا بِوَطْءِ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَالْحَامِلِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ فِي فَرْجٍ لَيْسَ مَحَلَّ النَّسْلِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِهِ مُضَيِّعًا لِمَاءِ النَّسْلِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ ذَلِكَ فَلَا يَدْرِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ أَوْ عَزَلَ عَنْ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَالْمَلُوطِ بِهِ (قَوْلُهُ:، وَقَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ إلَخْ) كَأَنَّهُ إشَارَةٌ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمَالِكِيَّةِ: وَفِيهِ وَهَنٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا.

(قَوْلُهُ: وَشُرْبُ الْخَمْرِ) ، وَكَذَا الْأَكْلُ وَمُطْلَقُ وُصُولِ الْجَوْفِ مِمَّا لَا يُعَدُّ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا، نَحْوُ ابْتِلَاعِ الْأَثَرِ الْخَفِيفِ الَّذِي لَا يَجِيءُ بِوَاسِطَةِ ابْتِلَاعِ رِيقِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ أَكْلًا، وَلَا شُرْبًا وَكَذَا الْعَصْرُ وَالِاعْتِصَارُ وَحَمْلُهَا وَطَلَبُ حَمْلِهَا لِشُرْبِهَا وَنَحْوِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَشُرْبِهَا أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ اللَّعْنِ، وَفِي الزَّوَاجِرِ أَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ، وَلَوْ قَطْرَةً مِنْهَا فَكَبِيرَةٌ إجْمَاعًا وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ شُرْبُ الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي إلْحَاقِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ إلْحَاقُهُ إنْ كَانَ شَافِعِيًّا، ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّ شُرْبَ غَيْرِ الْخَمْرِ إنَّمَا يَكُونُ كَبِيرَةً إذَا سَكِرَ مِنْهُ فَمَرْدُودٌ إلَى أَنْ قَالَ فَسُكُوتُ الرَّافِعِيِّ عَلَى كَلَامِ الرُّويَانِيِّ ضَعِيفٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ لَوْ خَلَطَ خَمْرًا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ فَذَهَبَتْ شِدَّتُهَا وَشَرِبَهَا فَصَغِيرَةٌ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي تَرْشِيحِ التَّوْشِيحِ عِنْدَ تَعْدَادِ الْمَسَائِلِ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا وَالِدُهُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهَا أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بَاطِنُهُ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ أَبَدًا، وَإِنْ كُنَّا نُطَالِبُهُ بِمَا يُطَالَبُ بِهِ الطَّاهِرُونَ وَالطَّاهِرَاتُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لِلضَّرُورَةِ قَالَ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي مُبَاحَثَةٍ طَوِيلَةٍ وَقَعَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ (قَوْلُهُ: فَصَغِيرَةٌ) أَيْ حُكْمًا فِي حَقِّ مَنْ شَرِبَهُ مُعْتَقِدًا حِلَّهُ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ حَقِيقَةً لِإِيجَابِهِ الْحَدَّ وَالتَّوَعُّدَ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ مَا اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِهِ مِنْ مَطْبُوخِ عَصِيرِ الْعِنَبِ اهـ. زَكَرِيَّا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحُدُّ الْحَنَفِيَّ إذَا شَرِبَ الْقَلِيلَ مِنْ النَّبِيذِ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ

ص: 180

كَمَا يُقْطَعُ بِهِ السَّرِقَةُ أَمَّا سَرِقَةُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ فَصَغِيرَةٌ قَالَ الْحَلِيمِيُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مِسْكِينًا لَا غِنَى بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ كَبِيرَةً.

(وَالْقَذْفُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 23] نَعَمْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ قَذْفُ الصَّغِيرَةِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالْحُرَّةِ الْمُتَهَتِّكَةِ مِنْ الصَّغَائِرِ؛ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ فِي قَذْفِهِنَّ دُونَهُ فِي الْحُرَّةِ الْكَبِيرَةُ الْمُتَسَتِّرَةُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَذْفُ الْمُحْصَنِ فِي خَلْوَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ

ــ

[حاشية العطار]

عَلَيْهِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَعْصِيَةٍ فِي ظَنِّهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: التَّأْدِيبِيَّاتُ تَعْتَمِدُ الْمَفَاسِدَ لَا الْمَعْصِيَةَ بِدَلِيلِ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْبَهَائِمِ

اسْتِصْلَاحًا

لَهُمْ فَالْحَنَفِيُّ غَيْرُ عَاصٍ لِصِحَّةِ تَقْلِيدِهِ، وَهُوَ مُوقِعٌ لِمَفْسَدَةِ الْمُتَوَسِّلِ إلَى إفْسَادِ عَقْلِهِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ قَدْ يَزِيدُ فَيُسْكِرُ فَأَحُدُّهُ لِذَلِكَ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ هَاهُنَا قَاعِدَةً جَلِيلَةً قَالَ: مَنْ جَهِلَ حُرْمَةَ شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ أَوْ الْعُقُوبَةُ وَفَعَلَهُ لَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَجَهِلَ الْحَدَّ أَوْ الْعُقُوبَةَ حُدَّ أَوْ عُوقِبَ، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهَا جَاهِلًا وُجُوبَ الْحَدِّ دُونَ مَنْ شَرِبَهَا يَظُنُّهَا حِلَابًا أَوْ يَعْرِفُ أَنَّهَا خَمْرٌ وَلَكِنْ يَحْسَبُهَا حَلَالًا إذَا كَانَ مِثْلُهُ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ سُؤَالِ مَنْ قَالَ كَيْفَ لَا تُخْرِجُ الشَّافِعِيَّةُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْمُثَقِّلِ وَجْهَيْنِ إقَامَةً لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِيهِ مَقَامَ الشُّبُهَاتِ الدَّارِئَةِ لِلْحُدُودِ كَمَا أَنَّ لَهُمْ وَجْهًا فِي أَنَّ وَطْءَ الْمُرْتَهِنِ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِمَا يُرْوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ مِنْ تَجْوِيزِ إجَارَةِ الْجَوَارِي وَالْوَطْءِ بِالْإِذْنِ قَالَ هَذَا السَّائِلُ فَاعْتِبَارُ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ خِلَافِ عَطَاءٍ هَذَا سُؤَالٌ سَاقِطٌ يَظْهَرُ ضَعْفُهُ بِتَأَمُّلِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ عَلَى ضَعْفِهِ إنَّمَا أَقَامَ خِلَافَ عَطَاءٍ شُبْهَةً لِقَوْلِهِ بِالْحِلِّ لَا بِالْحُرْمَةِ مَعَ سُقُوطِهِ الْحُدُودَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَقُلْ بِحِلِّ الْقَتْلِ بِالْمُثَقِّلِ، وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَإِنَّمَا قَالَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَكَانَ الْقَائِلُ بِالْمِثْلِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ جَاهِلًا بِالْعُقُوبَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ جَهْلُهُ بِهَا بِخِلَافِ الْجَاهِلِ بِالْحُرْمَةِ مِنْ أَصْلِهَا اهـ.

وَمَا نَقَلَهُ عَنْ عَطَاءٍ نَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ ابْنُ خَلِّكَانَ فِي تَارِيخِهِ وَفِيَّاتِ الْأَعْيَانِ قَالَ نَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَذْهَبِ عَطَاءٍ إبَاحَةَ وَطْءِ الْجَوَارِي بِإِذْنِ أَرْبَابِهِنَّ وَحَكَى أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الرَّهْنِ مِنْ شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْبَسِيطِ وَالْوَجِيزِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِجَوَارِيهِ إلَى ضِيفَانِهِ قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا اهـ.

وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ خَلِّكَانَ وَمَا كُلُّ مَقُولٍ مَقْبُولٌ وَالْأَدَبُ فِي حَقِّ السَّلَفِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ عِنْدَ تَكَلُّمِهِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ مَا نَصُّهُ لِمُرَاعَاتِهِ شُرُوطُ أَحَدِهَا أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُ الْخِلَافِ قَوِيًّا فَإِنْ كَانَ وَاهِيًا لَمْ يُرَاعِ كَالرِّوَايَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ أَنْكَرَهَا وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا لَا يَصِحُّ لَهَا مُسْتَنَدٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُعَارِضَةٌ لَهَا، وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ عَطَاءٍ مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الْجَوَارِي بِالْعَارِيَّةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ إنَّمَا وَجَبَ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَحِّحُوا النَّقْلَ عَنْهُ فَإِنَّا نَقُولُ: وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ شُبْهَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا أَثَرَ لَهَا فَإِنَّ الْأَبْضَاعَ لَا تُبَاحُ بِالْإِذْنِ كَمَا فِي بُضْعِ الْحُرَّةِ كَشُبْهَةِ الْحَنَفِيِّ فِي النَّبِيذِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهَا اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَا يُقْطَعُ بِهِ) أَيْ بِجَزْمِ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ فِي السَّرِقَةِ أَيْ فِي كَوْنِهَا كَبِيرَةً فَهُوَ مِنْ الْقَطْعِ بِمَعْنَى الِاتِّفَاقِ لَا بِمَعْنَى إبَانَةِ الْعُضْوِ كَمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَأَمَّا سَرِقَةُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ فَصَغِيرَةٌ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْقَطْعِ بِمَعْنَى الْإِبَانَةِ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ فِي الِاحْتِرَازِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا سَرِقَةُ الْقَلِيلِ فَلَا يَقْطَعُهُ اهـ. نَجَّارِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا غِنًى) بَابُهُ صَدًى يُقَالُ غَنِيَ يَغْنَى كَصَدَى يَصْدَى تَصَدَّى.

(قَوْلُهُ: لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ) خَالَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْحَدِّ فِطَامًا عَنْ جِنْسِ هَذِهِ

ص: 181

مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْمَفْسَدَةِ أَمَّا قَذْفُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ فَمُبَاحٌ، وَكَذَا جَرْحُ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ بِالزِّنَا إذَا عُلِمَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ.

(وَالنَّمِيمَةُ) وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ إلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَيَا أَيْضًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ يَعْنِي عِنْدَ النَّاسِ» .

زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ «بَلَى إنَّهُ كَبِيرٌ يَعْنِي: عِنْدَ اللَّهِ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ»

أَمَّا نَقْلُ الْكَلَامِ نَصِيحَةً لِلْمَنْقُولِ إلَيْهِ فَوَاجِبٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حِكَايَةِ {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} [القصص: 20] ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْغِيبَةَ وَهِيَ ذِكْرُ الشَّخْصِ أَخَاهُ بِمَا يَكْرَهُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَالْعَادَةُ قَرْنُهَا بِالنَّمِيمَةِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعُدَّةِ قَالَ: إنَّهَا صَغِيرَةٌ وَأَقَرَّهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا فَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا نَعَمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إنَّهَا كَبِيرَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَيَشْمَلُهَا تَعْرِيفُ الْأَكْثَرِ الْكَبِيرَةَ بِمَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ «قَالَ صلى الله عليه وسلم لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي التَّنْزِيلِ {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} [الحجرات: 12] وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ فِي مَوَاضِعَ مَذْكُورَةٍ فِي مَحَلِّهَا.

(وَشَهَادَةُ الزُّورِ) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَدَّهَا فِي حَدِيثٍ مِنْ الْكَبَائِرِ

ــ

[حاشية العطار]

الْمَفْسَدَةِ، وَلِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] وَهَذَا رَمْيُ مُحْصَنَةٍ اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ مُوجِبَةٍ لِلْحَدِّ) الْغَرَضُ نَفْيُ كَوْنِهِ كَبِيرَةً لَا نَفْيُ إيجَابِ الْحَدِّ فَيَكُونُ النَّفْيُ مُنْصَبًّا عَلَى الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ (قَوْلُهُ: إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي إبَاحَةِ قَذْفِ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهَا عِلْمُهُ أَوْ ظَنُّهُ الْمُؤَكَّدُ بِزِنَاهَا اهـ. زَكَرِيَّا.

(قَوْلُهُ: فَمُبَاحٌ) أَيْ غَيْرُ حَرَامٍ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ فَإِنَّهُ قَدْ يَجِبُ الْقَذْفُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ اللِّعَانُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ كَمَا يَحْرُمُ نَفْيُ مَنْ هُوَ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ بَعْضِ النَّاسِ)، وَلَوْ بِنَحْوِ إشَارَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ الْمُتَكَلَّمُ فِي حَقِّهِ أَوْ لِمَنْ لَهُ بِهِ عَلَاقَةٌ كَصَدِيقِهِ وَقَرِيبِهِ وَغُلَامِهِ مِمَّنْ يَتَرَتَّبُ الْإِفْسَادُ عَلَى النَّقْلِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْإِفْسَادَ أَوْ لَا حَيْثُ كَانَ الْإِفْسَادُ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّقْلِ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِفْسَادِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ تَأَذٍّ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً (قَوْلُهُ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أَيْ مَعَ السَّابِقِينَ وَالْمُرَادُ بِالنَّامِّ النَّمَّامُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ الدَّلِيلَ أُخِذَ مِنْ الْمُدَّعَى إذْ الْمُدَّعَى أَنَّ النَّمِيمَةَ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ إلَّا إذَا تَكَرَّرَتْ؛ لِأَنَّ نَمَّامَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ فَيَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ (قَوْلُهُ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ) أَيْ صَاحِبَهُمَا (قَوْلُهُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) فِيهِ أَنَّ " كَانَ " تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الْوَعِيدِ عَلَى تَكْرَارِ النَّمِيمَةِ تَرَتُّبُهُ عَلَى أَصْلِ النَّمِيمَةِ حَتَّى يَكُونَ مُطْلَقُ النَّمِيمَةِ كَبِيرَةً (قَوْلُهُ: أَخَاهُ) أَيْ فِي الْخِلْفَةِ فَيَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ الذِّمِّيَّ، وَالْمُرَادُ ذِكْرُهُ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ مَادَّةُ الْغِيبَةِ وَقَوْلُهُ بِمَا يَكْرَهُهُ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِذَلِكَ قَالَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا) قَالَ النَّاصِرُ لَوْ قَالَ بِغَلَبَةِ الْبَلْوَى بِهَا لَكَانَ أَوْفَقَ بِقَوْلِهِ فَقَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهَا إذْ الْبَعْضُ سَلِمَ مِنْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُمُومِ الْكَثْرَةُ أَوْ الْعُمُومُ لِأَكْثَرِ النَّاسِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَقَلَّ إلَخْ سم قَالَ النَّجَّارِيُّ وَالْمُفْتَى بِهِ الْآنَ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ صَغِيرَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَإِنْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِيهَا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ عُمُومِ الْبَلْوَى بِهَا (قَوْلُهُ: يَخْمُشُونَ) أَيْ يَخْدِشُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ (قَوْلُهُ: يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ) قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَالْأَكْلُ مُحَقَّقٌ عِنْدَ أَهْلِ اللَّهِ يَرَوْنَهُ بِأَبْصَارِهِمْ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ (قَوْلُهُ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إلَخْ) هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِلْوَعِيدِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْكَبِيرَةِ (قَوْلُهُ: وَتُبَاحُ الْغِيبَةُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ هِيَ سِتَّةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْأَذْكَارِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ بِإِيضَاحٍ وَنَظَمْتهَا فِي بَيْتَيْنِ، وَهُمَا

ص: 182

وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَهَلْ يَتَقَيَّدُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ تَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ الْقَرَافِيُّ بِالنَّفْيِ بَلْ قَالَ، وَلَمْ تَثْبُتْ إلَّا فَلَسًا (وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ) قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللَّهَ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ، وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ) قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي قَاطِعَ الرَّحِمِ وَالْقَطِيعَةُ فَعِيلَةٌ مِنْ الْقَطْعِ ضِدُّ الْوَصْلِ وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ.

(وَالْعُقُوقُ) أَيْ لِلْوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَدَّهُ فِي حَدِيثٍ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُهُمَا «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ» وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» فَلَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُمَا كَالْوَالِدِينَ فِي الْعُقُوقِ

(وَالْفِرَارُ) مِنْ الزَّحْفِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَدَّهُ مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ أَيْ الْمُهْلِكَاتِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ نَعَمْ يَجِبُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فِي الْعَدُوِّ لِانْتِفَاءِ إعْزَازِ الدِّينِ بِثُبُوتِهِ

(وَمَالُ الْيَتِيمِ) أَيْ أَكْلُهُ

ــ

[حاشية العطار]

الْقَدَحُ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ

مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرٍ

وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ

طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إزَالَةِ مُنْكِرٍ.

(قَوْلُهُ: وَفِي آخَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْكَبَائِرِ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ، وَلَا مُنَافَاةَ أَيْضًا بَيْنَ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَبَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ الدَّالِ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ وَحْدَهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ حَقِيقِيٌّ، وَفِي هَذَا إضَافِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ) أَيْ الْكَاذِبَةُ، وَهُوَ مِنْ الْإِسْنَادِ لِلْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ لِفُجُورِ الْآتِي بِهَا (قَوْلُهُ: مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى اقْتِطَاعِ حَقِّ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لَا عَلَى الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ فَالدَّلِيلُ لَا يُطَابِقُ الْمُدَّعَى، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْأَدِلَّةِ جَرَى مَجْرَى الْغَالِبِ.

(قَوْلُهُ: وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ) عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ مُقْتَضَى الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ الْقَرَابَةُ، وَلَا يَتَأَتَّى قَطْعُهَا وَمَعْنَاهُ أَنْ يَقْطَعَ مَا أَلِفَ الْقَرِيبُ مِنْهُ مِنْ سَابِقِ الْوَصْلَةِ وَالْإِحْسَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْسَانُ الَّذِي أَلِفَهُ مِنْهُ قَرِيبُهُ مَالًا أَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُرَاسِلَةً أَوْ زِيَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالرَّحِمُ الْقَرَابَةُ) أَيْ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ لَا بِقَيْدِ الْمُحَرَّمَاتِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لِلْوَالِدِينَ) بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ وَالِدٍ فَيَشْمَلُ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ

(قَوْلُهُ: بِثُبُوتِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِثَبَاتِهِ

(قَوْلُهُ: أَيْ أَكْلُهُ) فَإِنْ قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْغَصْبِ أَوْ السَّرِقَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا قُلْت إنَّمَا ذَكَرَهُ لِوُرُودِهِ بِخُصُوصِهِ وَحِكْمَةُ إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَفِي كَلَامِهِمْ أَيْضًا الِاهْتِمَامُ بِشَأْنِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي خِيَانَةِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَإِنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا لَكِنَّ إفْرَادَهَا بِالذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِبَيَانِهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ حِلُّهَا تَبَعًا لِمَا وَقَعَتْ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا اهـ. سم.

وَعَبَّرَ بِالْأَكْلِ اقْتِدَاءً بِالْآيَةِ، وَفِي قَوْلِهِ مَثَلًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَالُ الْيَتِيمِ دُونَ ذِكْرِ مُضَافٍ خَاصٍّ لِيَصِحَّ تَقْدِيرُ مَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ مِنْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُودِ الْإِتْلَافِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَكْلُ أَعَمَّ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ اخْتَارَهُ الشَّارِحُ دُونَ غَيْرِهِ وَمِنْ هُنَا صَرَّحَ فِي الْآيَةِ بِهِ دُونَ سَائِرِ وُجُوهِ الْإِتْلَافِ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ، وَهُوَ أَكْلٌ حَقِيقِيٌّ وَحُكِيَ أَنَّ جَمَاعَةً كَانُوا فِي سَفِينَةٍ فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا نَارًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ هَلْ هُنَا أَحَدٌ أَكَلَ مَالَ يَتِيمٍ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا فَقَالَ: اُنْفُخْ عَلَى هَذَا الشَّيْءِ فَنَفَخَ فِيهِ فَاشْتَعَلَ نَارًا وَرُبَّمَا تَطَرَّقَ لِإِنْكَارِ هَذَا وَنَحْوِهِ مَنْ أَلِفَ تَلَقُّفَ الْمَعَانِي مِنْ الْأَلْفَاظِ بِدُونِ أَنْ يَذُوقَ مَدَارِكَهَا، وَلَا اطَّلَعَ عَلَى حَقَائِقِهَا لِاحْتِجَابِ هِلَالِ عَقْلِهِ بِسَحَابِ الْوَهْمِ

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُحَقِّقُ جَلَالُ الدِّينِ الدَّوَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِالزَّوْرَاءِ أَنَّ الْمَحْجُوبَ الْمُنْغَمِسَ فِي أَحْكَامِ الطَّبِيعَةِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْحَقَائِقَ إلَّا بِصُوَرِهَا لِتَعَوُّدِهِ بِالْعَوَائِدِ الْمَأْلُوفَةِ الطَّبِيعِيَّةِ يُنْكِرُ الْحَقِيقَةَ عِنْدَ تَبَدُّلِ الصُّورَةِ، وَلَا يَعْرِفُهَا لِتَحَوُّلِهَا فِي مَلَابِسِهَا لَكِنَّ الْعَارِفَ الْمُدْرِكَ

ص: 183

مَثَلًا قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] ، وَقَدْ عَدَّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ.

ــ

[حاشية العطار]

الَّذِي لَهُ نَفْسٌ قَوِيَّةٌ لَا يَصِيرُ مَغْلُوبًا بِأَحْكَامِ خُصُوصِيَّاتِ الْمَوَاطِنِ وَلَا يَحْجُبُهُ حُكْمُ مَوْطِنٍ عَنْ حُكْمِ الْمَوْطِنِ الْآخَرِ بَلْ يَعْرِفُهَا فِي سَائِرِ مَلَابِسِهَا إلَى أَنْ قَالَ بَعْدَ تَمْهِيدِهِ مُقَدِّمَاتٍ كَأَنَّك بِمَا قَرَعَ سَمْعَك مِنْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ اطَّلَعْت عَلَى حَقِيقَةِ الِانْطِبَاقِ بَيْنَ الْعَوَالِمِ فَإِنَّهَا بِأَسْرِهَا صُورَةٌ لِحَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَخَالِفَةٍ مِنْ جِهَةٍ تُخَالِفُ أَحْكَامَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَسْتَوْطِنُهَا النَّفْسُ فِي مَدَارِجِ صُعُودِهَا إلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى فِي سَيْرِهَا الشُّهُودِيِّ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ الرُّؤْيَا أَوْ بِطَرِيقِ تَصْفِيَةِ الْبَاطِنِ وَالْمُكَاشَفَةِ فَإِنَّ بَعْضَ النُّفُوسِ الْكَامِلَةِ تَتَّصِلُ فِي سَيْرِهَا الشُّهُودِيِّ بِعَالَمِ الْمُجَرَّدَاتِ وَتُشَاهِدُ بَعْضَ الْحَقَائِقِ بِصُوَرٍ غَيْرِ الصُّوَرِ الَّتِي كَانَتْ تُشَاهِدُهَا فِي عَالَمِ الْمَادِّيَّاتِ تَقْتَضِيهَا أَحْكَامُ ذَلِكَ الْعَالَمِ وَمَدَارِكُ هُبُوطِهَا أَيْ مَنَازِلُ هُبُوطِهَا إلَى عَالَمِ السُّفْلَيَاتِ الْمَادِّيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ فِي سَيْرِهَا الْوُجُودِيِّ بَلْ انْكَشَفَ لَكَ أَسْرَارٌ غَامِضَةٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ، وَظُهُورُ الْمَبْدَأِ فِي الْكَثْرَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ الظُّهُورَ إنَّمَا يَنْحَصِرُ وَيَتَقَوَّمُ بِالنَّفْسِ وَمَرَاتِبِهِ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْعَلِيَّةِ وَأَسْرَارِ الْمَعَادِنِ مِنْ ظُهُورِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ الطَّاهِرَةِ لِلنَّشْأَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِالصُّوَرِ الْخَاصَّةِ الَّتِي تُدْرِكُهَا وَتُشَاهِدُهَا، وَفِي النَّشْأَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ بِالصُّوَرِ الَّتِي تَقْتَضِيهَا أَحْكَامُ تِلْكَ النَّشْأَةِ كَمَا فُصِّلَ فِي الشَّرِيعَةِ الْحَقَّةِ وَتَسَلَّفَتْ بِهِ إلَى حَقَائِقِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ ظُهُورِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ فِي الْمَوَاطِنِ الْمَعَادِيَّةِ بِصُوَرِ الْأَجْسَادِ وَكَيْفِيَّةِ وَزْنِ الْأَعْمَالِ وَسِرِّ حَشْرِ الْأَفْرَادِ الْإِنْسَانِيَّةِ بِصُوَرِ الْأَخْلَاقِ الْغَالِبَةِ وَاطَّلَعَتْ عَلَى سِرِّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49] فَإِنَّ الْآيَةَ بِظَاهِرِهَا تَدُلُّ عَلَى إحَاطَةِ جَهَنَّمَ بِالْكَافِرِينَ فِي الزَّمَانِ الْحَالِّ

وَلَا حَاجَةَ إلَى الصَّرْفِ عَنْ الظَّاهِرِ بِنَاءً عَلَى التَّحْقِيقِ الَّذِي سَبَقَ فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ الرَّذِيلَةَ وَالْعَقَائِدَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي هِيَ مُحِيطَةٌ بِهِمْ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ هِيَ بِعَيْنِهَا جَهَنَّمُ الَّتِي سَتَظْهَرُ عَلَيْهِمْ وَتُحِيطُ بِهِمْ فِي النَّشْأَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ فِي الصُّوَرِ الْمَوْعُودِ بِظُهُورِهَا عَلَيْهِمْ كَمَا أَنْذَرَهُمْ الشَّارِعُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّ نِيرَانَهَا كَذَا وَعَقَارِبَهَا كَذَا وَحَيَّاتِهَا كَذَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ عَذَابِهَا، فَجَهَنَّمُ مُحِيطَةٌ بِهِمْ حَالًا وَاسْتِقْبَالًا أَمَّا حَالًا فَهِيَ صُوَرُ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ وَالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ، وَأَمَّا اسْتِقْبَالًا فَفِي الصُّوَرِ الْمَوْعُودِ بِظُهُورِهَا عَلَيْهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الصُّوَرِ، وَهُمْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ بِالْحَقَائِقِ وَأَنَّهَا فِي كُلِّ مَوْطِنٍ تَتَصَوَّرُ بِصُورَةٍ تَقْتَضِيهَا أَحْكَامُ ذَلِكَ الْمَوْطِنِ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَائِقَ إلَّا بِصُوَرِهَا الْمَأْلُوفَةِ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ فَلَا يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ النَّارِ إلَّا بِالصُّوَرِ الْمُحْرِقَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَكَذَا سَائِرُ الْحَقَائِقِ، وَأَمَّا النَّفْسُ الْمُحِيطَةُ عِلْمًا بِالْحَقَائِقِ وَتَنَقُّلُهَا فِي الصُّوَرِ الْمُتَكَثِّرَةِ الْمُتَخَالِفَةِ بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ فَتَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ، وَقَدْ يَنْعَكِسُ فِي هَذِهِ النَّشْأَةِ ذَلِكَ الِانْتِقَالُ مِنْ صُورَةٍ إلَى صُورَةٍ إلَى مِرْآةِ خَيَالِهِ الَّتِي هِيَ مِشْكَاةُ مِصْبَاحِ النَّفْسِ فَنَشَأَ بِمَعُونَةِ الْمِرْآةِ الَّتِي هِيَ الْخَيَالُ تِلْكَ الصُّوَرُ بِأَعْيَانِهَا مَعَ مُشَاهَدَتِهَا لِلصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ فَإِنَّ النَّفْسَ الْقَوِيَّةَ لَا يَشْغَلُهَا شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، وَلَا يُلْهِيهَا مَوْطِنٌ عَنْ مَوْطِنٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْحَالُ دَائِمًا لَهُمْ بَلْ مُخْتَلِفًا بِسَبَبِ خَوَاصِّ الْأَوْقَاتِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ الْأَحْوَالِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى رُؤْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ حِذَاءَ الْحَائِطِ وَرُبَّمَا شَغَلَ بَعْضَ الْمُكَاشَفِينَ مُشَاهَدَةُ صُوَرِ ذَلِكَ الْمَوْطِنِ عَنْ صُوَرِ هَذَا الْمَوْطِنِ عَلَى عَكْسِ حَالِ الْمَحْجُوبِينَ بَيِّنٌ كَمَا سَمِعْت مِنْ أُسْتَاذِي الْعَالِمِ الْعَامِلِ مُحْيِي الدِّينِ الْمِلَّةِ مُحَمَّدٍ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ مَنْ لَاقَاهُ مِنْ الثِّقَاتِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي فَارِسَ رَجُلٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فَقَالَ الْوَلِيُّ لِخَادِمِهِ أَخْرِجْ هَذَا الْحِمَارَ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَلِيُّ مُسْتَغْرِقًا فِي حَالِهِ

ثُمَّ بَعْدَ أَنْ زَالَ عَنْهُ هَذَا الْحَالُ أَخْبَرَهُ الْخَادِمُ بِمَا جَرَى فَقَالَ الْوَلِيُّ مَا قُلْت إلَّا مَا رَأَيْت، وَلَمْ أَكُنْ وَاقِفًا عَلَى مَا تَقُولُ، وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] وَقَوْلُ الْفَاتِحِ الْخَاتَمِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَكْمَلُ التَّحِيَّاتِ

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية العطار]

وَتَرَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَقْيِيدِهِ بِنِصَابٍ لِسَرِقَةِ (وَخِيَانَةِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ) فِي غَيْرِ الشَّيْءِ التَّافِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] وَالْكَيْلُ يَشْمَلُ الذَّرْعَ عُرْفًا أَمَّا فِي التَّافِهِ فَصَغِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ) عَلَى وَقْتِهَا (وَتَأْخِيرُهَا) عَنْهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالسَّفَرِ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَوْلَى بِذَلِكَ تَرْكُهَا (وَالْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُجَرْجِرُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارَ جَهَنَّمَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ كَوْنِهِمْ آكِلِينَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا فِي الْحَالِ وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ وُصُولَهُمْ إلَى السَّعِيرِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَكَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الْجَرْجَرَةِ فِي حَالِ شُرْبِهِمْ فِي تِلْكَ الْأَوَانِي وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إنَّ الْجَنَّةَ قِيعَانٌ، وَإِنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» فَإِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ غِرَاسُهَا فَكَمَا أَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ ظَهَرَ فِي الصُّورَةِ الْقَوْلِيَّةِ الْعَرَضِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالْقَائِلِ فَكَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْطِنِ يَظْهَرُ فِي الصُّورَةِ الْغَرْسِيَّةِ الْجَوْهَرِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ لَا بِشَيْءٍ آخَرَ إلَى ذَلِكَ مِنْ غَوَامِضِ الْحِكَمِ وَالْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ، وَعَلِمْت أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ وَالتَّأْوِيلِ كَمَا انْتَهَى إلَيْهِ نَظَرُ بَعْضِ الْوَاغِلِينَ فِي الْفَحْصِ عَنْ الْحَقَائِقِ بِطَرِيقِ الْبَحْثِ فَإِنَّهُ قُصُورٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى انْتَهَى مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ الرِّسَالَةِ الزَّوْرَاءِ وَحَاشِيَتِهَا لِلدَّوَّانِيِّ مَعَ شَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْ شَرْحِ مُنْلَا شَيْخِ الْكُرْدِيِّ عَلَيْهَا وَحُذِفَ مِنْ الْأَصْلِ، وَهُوَ مَطْلَبٌ نَفِيسٌ عَزِيزٌ وَلِذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ، وَلَمْ نُبَالِ بِالتَّطْوِيلِ وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَيْضًا سِرُّ مَا يَقُولُهُ فُقَهَاؤُنَا فِي تَعْرِيفِ الْحَدَثِ بِأَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ مِنْ أَنَّ الْبَصَائِرَ تُشَاهِدُهُ رَزَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى نُورَ الْبَصَائِرِ وَالْبَصَرِ

(قَوْلُهُ: وَتَرَدَّدَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ) أَيْ كَمَا تَرَدَّدَ فِي تَقْيِيدِ شَهَادَةِ الزُّورِ بِذَلِكَ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ قَدْ نَصَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَإِنْ وَقَعَ فِي مَالٍ خَطِيرٍ فَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِي مَالٍ حَقِيرٍ كَزَبِيبَةٍ وَتَمْرَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْكَبَائِرِ فِطَامًا عَنْ جِنْسِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ كَالْقَطْرَةِ مِنْ الْخَمْرِ، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْ الْمَفْسَدَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يُضْبَطَ ذَلِكَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ اهـ.

وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ مَعَ الْجُرْأَةِ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْمَالِ الْمَعْصُومِ جُرْأَةً عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَا يُسْتَبْعَدُ التَّقْيِيدُ فِيهِ اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: وَخِيَانَةُ الْكَيْلِ إلَخْ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا مُطْلَقُ الْخِيَانَةِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] قُلْت هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَالْغُلُولِ اهـ زَكَرِيَّا أَيْ فَالْمُرَادُ بِالْغُلُولِ مَا يَشْمَلُ مُطْلَقَ الْخِيَانَةِ لَا خُصُوصَ الْغُلُولِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُ الصَّلَاةِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ تَهَاوُنٌ بِهَا (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) مُتَعَلِّقٌ فِي الْمَعْنَى بِكُلٍّ مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَخَرَجَ بِهِ جَمِيعُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرُ فَإِنَّ فِيهِمَا تَقْدِيمَ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عَلَى وَقْتِهَا وَتَأْخِيرَهَا عَنْهُ

(قَوْلُهُ: مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ إلَخْ) يُسْتَثْنَى الْجَمْعُ الصُّورِيُّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ) أَيْ نَوْعًا (قَوْلُهُ: وَالْكَذِبُ) عَلَى رَسُولِ اللَّهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَإِلَّا فَقَدْ ذَهَبَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ وَتَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعَمُّدِهِ فِي سِوَى ذَلِكَ اهـ. سم وَمِنْ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم اللَّحْنُ فِي كَلَامِهِ بِلَا عُذْرٍ وَمِثْلُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ» ؛ لِأَنَّ الْكَبَائِرَ مُتَفَاوِتَةٌ.

ص: 185

أَمَّا الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَصَغِيرَةٌ (وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ) بِلَا حَقٍّ قَالَ صلى الله عليه وسلم «صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ» إلَخْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَسَبُّ الصَّحَابَةِ) قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ «كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ» إلَخْ الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ السَّابِينَ نَزَّلَهُمْ لِسَبِّهِمْ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِمْ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِمْ حَيْثُ عَلَّلَ بِمَا ذَكَرَهُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» أَيْ أَعْلَمْتُهُ بِأَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ أَيْ مُعَاقِبٌ وَالصَّحَابَةُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ تَعَالَى وَسَبُّهُمْ مُشْعِرٌ بِمُعَادَاتِهِمْ أَمَّا سَبُّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَصَغِيرَةٌ وَحَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ» مَعْنَاهُ تَكَرُّرُ السَّبِّ

ــ

[حاشية العطار]

قَوْلُهُ: أَمَّا الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَصَغِيرَةٌ) أَيْ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَا يُصَيِّرُهُ كَبِيرَةً كَالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ وَمَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَفِي مُخْتَصَرِ الْفُتُوحَاتِ الْمَكِّيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ الشَّعْرَانِيِّ قَالَ: مَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ اسْتَدْرَجَهُ الْكَذِبُ حَتَّى يَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ تُشَرِّقُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ وَرَدَ فِيمَنْ يَكْذِبُ فِي حُكْمِهِ أَنَّهُ يُكَلَّفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعْرَتَيْنِ مِنْ نَارٍ وَذَلِكَ لِمُنَاسِبَةِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ التَّأْلِيفِ بِمَا لَا يَصِحُّ ائْتِلَافُهُ وَهَذَا مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ فَمَا عَذَّبَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَّا بِفِعْلِهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَضَرْبُ الْمُسْلِمِ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ خَصَّ الْمُسْلِمَ لِكَوْنِهِ أَفْحَشَ أَنْوَاعِهِ، وَإِلَّا فَالذِّمِّيُّ كَذَلِكَ اهـ.

قَالَ الْعِرَاقِيُّ إنْ أَرَادَ فِي التَّحْرِيمِ فَمُسَلَّمٌ أَوْ فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً فَمَمْنُوعٌ اهـ. زَكَرِيَّا

قَالَ سم وَعِنْدِي أَنَّ الْأَوْجَهَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَشَمِلَ الضَّرْبَ الْيَسِيرَ وَذَكَرَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنَّ الضَّرْبَةَ وَالْخَدْشَةَ إذَا عَظُمَ أَلَمُهَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِوَالِدٍ أَوْ وَلِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالْكَبَائِرِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُمَا) أَيْ فِي النَّارِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ فِي الدُّنْيَا وَيَأْتِيَانِ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارِ بِالْمَغِيبَاتِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ خُصُوصًا فِي عَصْرِ تَأْلِيفِ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثُرَ جِدًّا عِنْدَنَا بِمِصْرَ فَقَلَّ أَنْ تَجِدَ أَحَدًا مَنْسُوبًا لِلدَّوْلَةِ، وَلَوْ أَدْنَى نِسْبَةٍ إلَّا وَبِيَدِهِ شَيْءٌ يُسَمَّى الْكُرْبَاجُ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْجِلْدِ مُعَدٌّ لِضَرْبِ الْمُذْنِبِ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ) أَيْ تَسْتُرُ كُلٌّ مِنْهُنَّ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتُبْدِي بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا

(قَوْلُهُ: وَسَبُّ الصَّحَابَةِ) الْمُرَادُ الْجِنْسُ الصَّادِقُ بِالْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ وَيُسْتَثْنَى سَبُّ الصِّدِّيقِ بِنَفْيِ الصُّحْبَةِ فَهُوَ كُفْرٌ لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَلِيقُ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَالِدًا لَمْ يَعْلَمْ حُرْمَةَ سَبِّ الصَّحَابَةِ إذْ لَوْ كَانَ عَالِمًا لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ عُدُولًا (قَوْلُهُ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا) أَيْ لِأَجْلِ وِلَايَتِهِ وَأَمَّا إذَا عَادَاهُ لِأَجْلِ دَعْوَى دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى يُشْعِرُ لَفْظُ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْمُشْتَقِّ يُؤْذِنُ بِالْعِلِّيَّةِ أَيْ عَادَاهُ مِنْ أَجْلِ وِلَايَتِهِ (قَوْلُهُ: فَصَغِيرَةٌ) أَيْ فِي غَيْرِ ذِي الْوِلَايَةِ، وَإِلَّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّحَابَةِ لِلْجَزْمِ بِوِلَايَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ قَالَ سم وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ سَبُّ غَيْرِ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا كَبِيرَةً حَيْثُ تَكُونُ الْغِيبَةُ كَبِيرَةً لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِيهِ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِهَا بَلْ قَدْ تَكُونُ أَشَدَّ أَفْرَادِهَا أَوْ مِنْ أَشَدِّهَا وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ سَبَّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ؛ لِأَنَّ غِيبَتَهُمْ كَبِيرَةٌ وَأَنَّ غِيبَةَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ إذْ لَا يَنْحَطُّونَ عَنْهُمَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي الْمُخَالَفَاتِ إذْ هَؤُلَاءِ لَا اعْتِبَارَ بِهِمْ (قَوْلُهُ: وَبِسِبَابٍ) هُوَ مَصْدَرُ سَابَّ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ لِفَاعِلٍ الْفِعَالُ وَالْمُفَاعَلَةُ (قَوْلُهُ: تَكَرَّرَ السَّبُّ) أَيْ الَّذِي يُصَيِّرُهُ فِي حُكْمِ الْكَبِيرَةِ، وَلَوْ حُمِلَ السَّبُّ عَلَى مُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ كَانَ أَوْلَى، وَالْغَالِبُ أَنَّ السَّبَّ يُقْصَدُ بِهِ الزَّجْرُ وَلَا يُقْصَدُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ بِخِلَافِ الْغِيبَةِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ عَدَمَ اتِّجَاهِ

ص: 186

(وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ) قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] أَيْ مَمْسُوخٌ (وَالرِّشْوَةُ) وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ مَالًا لِيُحِقَّ بَاطِلًا أَوْ يُبْطِلَ حَقًّا قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ فِي الْحُكْمِ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ فِي رِوَايَةٍ أَيْضًا «وَالرَّائِشُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا» وَقَالَ فِيهِ بِدُونِ الزِّيَادَتَيْنِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ بِدُونِهِمَا حَسَنٌ صَحِيحٌ أَمَّا بَذْلُ مَالٍ لِلْمُتَكَلِّمِ فِي جَائِزٍ مَعَ السُّلْطَانِ مَثَلًا فَجَعَالَةٌ جَائِزَةٌ.

(وَالدِّيَاثَةُ) وَهِيَ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ، وَفِي حَدِيثٍ «ثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ وَالِدَيْهِ وَالدَّيُّوثُ وَرَجِلَةُ النِّسَاءِ» قَالَ الذَّهَبِيُّ إسْنَادٌ صَالِحٌ (وَالْقِيَادَةُ) وَهِيَ اسْتِحْسَانُ الرَّجُلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَهِيَ مَقِيسَةٌ عَلَى الدِّيَاثَةِ (وَالسِّعَايَةُ) وَهِيَ أَنْ يَذْهَبَ بِشَخْصٍ إلَى ظَالِمٍ لِيُؤْذِيَهُ بِمَا يَقُولُهُ فِي حَقِّهِ، وَفِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ حَدِيثُ السَّاعِي مُثَلِّثٌ أَيْ مُهْلِكٌ بِسِعَايَتِهِ

ــ

[حاشية العطار]

مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ سم قَبْلُ.

(قَوْلُهُ: وَالرِّشْوَةُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً أَوْ كَانَ الْحَقُّ مَالًا دُونَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِتَبْدِيلِ الشَّرْعِ مِمَّنْ وُضِعَ لِتَنْفِيذِهِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ اهـ. سم

وَقَدْ فَشَتْ الرِّشْوَةُ الْآنَ حَتَّى كَادَتْ تُعَدُّ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَا يَقَعُ إنْكَارٌ بِتَعَاطِيهَا، وَلَا إظْهَارِهَا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ (قَوْلُهُ: أَيْ مَمْسُوخٌ) أَيْ مُحَوَّلٌ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ إلَى قَبُولِ الْبَاطِلِ (قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَبْذُلَ) فِيهِ أُمُورٌ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ جَعَلَ مُسَمَّى الرِّشْوَةِ الْبَذْلَ مَعَ أَنَّ الْأَخْذَ كَبِيرَةٌ أَيْضًا.

الثَّانِي: أَنَّ نَفْسَ الْحُكْمِ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْبَغِي عَدُّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَإِنْ انْتَفَى الْبَذْلُ الْمَذْكُورُ.

الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُحِقُّ بَاطِلًا إلَخْ يُخْرِجُ مَا إذَا أَخَذَهُ لِيُحِقَّ حَقًّا مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ.

وَلِهَذَا قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ سَوَاءٌ أَخَذَهَا عَلَى الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ أَوْ بِالْحَقِّ (قَوْلُهُ: فَجِعَالَةٌ جَائِزَةٌ) هُوَ مَذْهَبُنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى الْجَاهِ قَالَ الْكَمَالُ وَقُيِّدَ بِالْجَائِزِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَاجِبِ كَالْمَحْبُوسِ ظُلْمًا، وَقَدْ وَقَعَ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ نَقْلًا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْمَحْبُوسَ ظُلْمًا إذَا بَذَلَ مَالًا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ فِي خَلَاصِهِ بِجَاهِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ الرِّشْوَةِ بَلْ هُوَ عِوَضٌ حَلَالٌ كَسَائِرِ الْجِعَالَاتِ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِيَدِ ظَالِمٍ فَقَالَ إنْ خَلَّصْتَنِي مِنْهُ فَلَكَ كَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: يَسْتَحِقُّهُ كَرَدِّ الْآبِقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: تَخْلِيصُهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَيَكُونُ بِالتَّخَلُّصِ مُسْقِطًا لِلْفَرْضِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ جُعْلًا هَذَا كَلَامُهُ، وَفِي الرَّوْضَةِ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الطَّالِبُ لِلْقَضَاءِ مِمَّنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ فَلَهُ بَذْلُ الْمَالِ وَالْآخِذُ ظَالِمٌ بِالْأَخْذِ، وَهَذَا كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ أَعْمَالِهِ، وَهُوَ جَزْمٌ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَيَحِلُّ الْبَذْلُ لِلْجَاعِلِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْآخِذِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إذَا عَلِمَ الْمَجْعُولُ لَهُ أَنَّ الْجَاعِلَ مَظْلُومٌ بِالْحَبْسِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ الْأَخْذُ اهـ. .

(قَوْلُهُ: عَلَى أَهْلِهِ) أَيْ لِدُخُولٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ إلَّا مُجَرَّدُ الِاخْتِلَاءِ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْرَمِ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِهِ الزَّوْجَةُ وَنَحْوُهَا كَبِنْتِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي حَدِيثِ إلَخْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، هُوَ شَطْرٌ مِنْ حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَسْنَدَهُ الْحَاكِمُ فَاقْتِصَارُ الشَّارِحِ عَلَى مَا نَقَلَهُ عَنْ الذَّهَبِيِّ قُصُورٌ (قَوْلُهُ: وَرَجِلَةُ النِّسَاءِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَادَةُ إلَخْ) تَبِعَ فِي تَفْسِيرِهَا الْمَذْكُورِ الزَّرْكَشِيَّ وَاَلَّذِي فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الطَّلَاقِ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْقَوَّادَ مَنْ يَحْمِلُ الرِّجَالَ إلَى أَهْلِهِ وَيُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُنَّ، ثُمَّ قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِالْأَهْلِ بَلْ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحَرَامِ اهـ.

فَالْقِيَادَةُ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الدِّيَاثَةِ وَعَلَى الثَّانِي أَعَمُّ مِنْهَا وَالْحَامِلُ لِمَنْ ذَكَرَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى غَيْرِ الْأَهْلِ خَوْفُ التَّكْرَارِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ اهـ. زَكَرِيَّا

(قَوْلُهُ: وَهِيَ أَنْ يَذْهَبُوا إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِلسِّعَايَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ التَّكَلُّمُ فِي شَخْصٍ بِمَا يُؤْذِيهِ عِنْدَ ظَالِمٍ وَأَنَّ الْإِتْيَانَ بِالظَّالِمِ إلَيْهِ أَوْ ذَهَابَهُ فَهُوَ وَحْدَهُ سِعَايَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ: لِيُؤْذِيَهُ) وَإِنْ

ص: 187

نَفْسِهِ وَالْمُسْعَى بِهِ وَإِلَيْهِ

(وَمَنْعُ الزَّكَاةِ) قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ» إلَخْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

(وَيَأْسُ الرَّحْمَةِ) قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87](وَأَمْنُ الْمَكْرِ) بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي وَالِاتِّكَالِ عَلَى الْعَفْوِ قَالَ تَعَالَى {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] .

(وَالظِّهَارُ) كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] أَيْ حَيْثُ شَبَّهُوا الزَّوْجَةَ بِالْأُمِّ فِي التَّحْرِيمِ

(وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ) أَيْ تَنَاوُلُهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]

(وَفِطْرُ رَمَضَانَ) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَفِطْرُهُ يُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثٍ مُرْتَكِبِهِ بِالدِّينِ.

(وَالْغُلُولُ)، وَهُوَ الْخِيَانَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ كَمَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] (وَالْمُحَارَبَةُ) وَهِيَ قَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى الْمَارِّينَ بِإِخَافَتِهِمْ قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33] الْآيَةَ

(وَالسِّحْرُ وَالرَّبَّا) بِالْمُوَحَّدَةِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَدَّهُمَا مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ

(وَإِدْمَانُ الصَّغِيرَةِ)

ــ

[حاشية العطار]

لَمْ يَقْصِدْهُ إنْ عَلِمَ تَرَتُّبَهُ عَلَى إخْبَارِ الظَّالِمِ وَكَالْقَوْلِ الْإِشَارَةُ (قَوْلُهُ: نَفْسَهُ) أَيْ فِي الْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُسْعَى بِهِ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَقَوْلُهُ وَإِلَيْهِ أَيْ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ مُثَلَّث.

(قَوْلُهُ: وَمَنْعُ الزَّكَاةِ) يَدْخُلُ فِيهِ الْمَنْعُ الْمُطْلَقُ وَالْمَنْعُ وَقْتَ الْوُجُوبِ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: لَا يُؤَدِّي مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنَّثَ الضَّمِيرَ الرَّاجِعَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا عَيْنًا (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ إلَخْ) كَانَ تَامَّةٌ وَصُفِّحَتْ إمَّا مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصَفَائِحُ حَالٌ أَوْ إلَى صَفَائِحَ وَحِكْمَةُ قَوْلِهِ مِنْ نَارٍ مَعَ قَوْلِهِ فَأُحْمِيَ الْإِشَارَةُ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرَارَةِ

(قَوْلُهُ: وَيَأْسُ الرَّحْمَةِ) اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ بِمَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كُفْرٌ، وَفِي عَقَائِدِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْإِيَاسَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ، وَأَنَّ الْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَكْفَرُ فَإِنْ أَرَادُوا الْإِيَاسَ لِإِنْكَارِ سَعَةِ الرَّحْمَةِ الذُّنُوبَ وَبِالْأَمْنِ اعْتِقَادَ أَنْ لَا مَكْرَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا كُفْرٌ وِفَاقًا؛ لِأَنَّهُ رَدُّ الْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ مَنْ اسْتَعْظَمَ ذُنُوبَهُ فَاسْتَبْعَدَ الْعَفْوَ عَنْهَا اسْتِبْعَادًا يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْيَأْسِ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّجَاءِ مَا دَخَلَ بِهِ فِي حَدِّ الْأَمْنِ فَالْأَقْرَبُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَبِيرَةٌ لَا كُفْرٌ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي الْمَعَاصِي جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ يَسْتَرْسِلُ فِي الْمَعَاصِي غَالِبًا لِعَدَمِ مُبَالَاتِهِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ كَبِيرَةٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا بِغَيْرِ الْأَمْنِ.

قَوْلُهُ {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا} [المجادلة: 2] إلَخْ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُ زُورًا وَالزُّورُ كَبِيرَةٌ وَيُوَافِقُهُ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ الظِّهَارَ مِنْ الْكَبَائِرِ.

قَوْلُهُ {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145] الْآيَةَ قَالَ سم قَضِيَّةُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَوْنُ الدَّمِ كَبِيرَةً أَيْضًا وَلْيُتَأَمَّلْ وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ أَعَمُّ مِنْ الْكَبِيرَةِ، وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِآيَةِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إذْ قَوْلُهُ فِيهَا {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ فِسْقًا بِالْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ.

(قَوْلُهُ: فَفِطْرُهُ يُؤْذِنُ إلَخْ) أَيْ وَلَيْسَ مِنْ صَغَائِرِ الْخِسَّةِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ كَبِيرَةً وَمِثْلُ فِطْرِ رَمَضَانَ كُلُّ وَاجِبٍ غَيْرَهُ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَوْنَ فِطْرِ رَمَضَانَ كَبِيرَةً إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّعْرِيفِ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ وَعِيدٌ بِخُصُوصِهِ

قَوْلُهُ {يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] أَيْ يَأْتِي بِهِ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ أَوْ يَأْتِي بِمَا احْتَمَلَهُ مِنْ وَبَالِهِ (قَوْلُهُ: بِإِخَافَتِهِمْ) تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْإِخَافَةُ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِهَا قَتْلٌ أَوْ أَخْذُ مَالٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا كَبِيرَةٌ عَلَى انْفِرَادِهَا دَاخِلَةٌ فِيمَا سَبَقَ

(قَوْلُهُ: بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ) احْتِرَازًا عَنْ الرِّيَاءِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ خَطُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ كَتَبَ الرِّبَا بِالْبَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الرِّيَا بِالْيَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ (قَوْلُهُ: فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ) أَيْ الَّذِي سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ

ص: 188