الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ) بِأَنْ يُؤَذِّنَ قَبْلَهُ لِلصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى إقَامَتِهِ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ مِنْ إفْرَادِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ اللَّفْظِ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ تَثْنِيَةِ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ وَإِفْرَادِ كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ أَيْ الْمُعَظَّمِ فِيهِمَا الْمُؤَيَّدِ إرَادَتُهُ بِمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا مِنْ زِيَادَةٍ إلَّا الْإِقَامَةَ أَيْ كَلِمَاتِهَا فَإِنَّهَا تُثَنَّى.
(الْمُجْمَلُ)
(مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَخَرَجَ الْمُهْمَلُ؛ إذْ لَا دَلَالَةَ لَهُ، وَالْمُبَيَّنُ لِاتِّضَاحِ دَلَالَتِهِ (فَلَا إجْمَالَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ) وَهِيَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] لَا فِي الْيَدِ، وَلَا فِي الْقَطْعِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: لِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَضُدِ إلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ، وَالْقَطْعُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبَانَةِ، وَعَلَى الْجُرْحِ يُقَالُ لِمَنْ جَرَحَ يَدَهُ بِالسِّكِّينِ فَقَطَعَهَا وَلَا ظُهُورَ لِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِبَانَةُ الشَّارِعِ مِنْ الْكُوعِ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الظُّهُورِ لِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْيَدَ ظَاهِرٌ فِي الْعُضْوِ إلَى الْمَنْكِبِ، وَالْقَطْعُ ظَاهِرٌ فِي الْإِبَانَةِ، وَإِبَانَةُ الشَّارِعِ مِنْ الْكُوعِ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْكُلِّ ذَلِكَ الْبَعْضُ (وَنَحْوُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] كَ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] أَيْ لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْكَرْخِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالُوا: إسْنَادُ التَّحْرِيمِ إلَى الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأُمُورٍ لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا فَكَانَ مُجْمَلًا قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْأَوَّلِ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِوَطْءٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الثَّانِي تَحْرِيمُ الْأَكْلِ، وَنَحْوُهُ {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]
ــ
[حاشية العطار]
وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه مَاتَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَلَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى يَأْمُرَهُ نُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ شَيْخِ شُيُوخِنَا السَّيِّدِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ (قَوْلُهُ: لِأَذَانِ) أَيْ مَعَ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُؤَذِّنَ) أَيْ بِلَالٌ (قَوْلُهُ: مِنْ اللَّيْلِ) أَيْ فِيهِ (قَوْلُهُ: عَلَى إقَامَتِهِ) أَيْ إقَامَةِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَمَعْنَى وَيُوتِرُ الْإِقَامَةَ أَنْ يَجْعَلُ إقَامَةَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وِتْرًا بِأَنْ لَا يُقِيمَ بِلَالٌ إقَامَةً ثَانِيَةً وَقِيلَ الضَّمِيرُ لِبِلَالٍ أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَى إقَامَةِ نَفْسِهِ بَلْ يُوتِرُهَا، وَلَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ أَذَانُ بِلَالٍ، وَإِقَامَتُهُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُعَظَّمُ إلَخْ) فَإِنَّ بَعْضَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ مُفْرَدٌ كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ آخِرَهُ، وَبَعْضُ كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ مُثَنًّى كَالتَّكْبِيرِ (قَوْلُهُ: الْمُؤَيِّدُ) صِفَةٌ أَوْ لِلْمُعَظَّمِ (قَوْلُهُ: إرَادَتُهُ) أَيْ مَا يُتَبَادَرُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَيْ كَلِمَاتُهَا) هَذَا مَذْهَبُنَا - مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مِنْهُمْ: وَالْمَعْنِيُّ بِهِ أَنَّهَا لَا تُثَنَّى.
[الْمُجْمَلُ]
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ) دَلَالَةٌ سَالِبَةٌ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ فَهُوَ صَادِقٌ بِمَا لَا دَلَالَةَ لَهُ أَصْلًا كَالْمُهْمَلِ أَوْ لَهُ دَلَالَةٌ لَكِنَّهَا لَمْ تَتَّضِحْ قَالَهُ النَّاصِرُ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَا وَاقِعَةٌ عَلَى دَالٍّ بِقَرِينَةِ إضَافَةِ دَلَالَتِهِ إلَى ضَمِيرِهِ؛ وَلِذَلِكَ بَيَّنَهُمَا الشَّارِحُ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لَا وُرُودَ لَهُ؛ إذْ التَّعْرِيفَاتُ لَا حَمْلَ فِيهَا حَقِيقِيٌّ، وَإِنَّمَا هُوَ صُورِيٌّ فَكَيْفَ يُنْتَظَمُ مِنْ حَمْلِ التَّعْرِيفِ عَلَى الْمُعَرَّفِ قَضِيَّةٌ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَالْمُرَادُ بِالدَّلَالَةِ الْمَدْلُولُ، كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي قَالَ سم: وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ بَقَاءُ الدَّلَالَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِنْ كَانَ اتِّضَاحُهَا بِاتِّضَاحِ الْمَدْلُولِ وَسُهُولَةِ فَهْمِهِ، وَلَيْسَ فِيمَا يَأْتِي مَا يُعَيِّنُ مَا قَالَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ فِعْلٍ) أَيْ كَقِيَامِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا تَشَهُّدٍ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعَمْدَ فَلَا يَكُونُ التَّشَهُّدُ وَاجِبًا وَالسَّهْوُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ تَرْكَ الْعَوْدِ إلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ.
وَأَجَابَ عَنْهُ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ تَرْكَ الْعَوْدِ إلَيْهِ بَيَانٌ لِإِجْمَالِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَكُونُ بِالْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فِعْلٌ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ كَمَا مَرَّ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْجَرْحِ إلَخْ) وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 31] فَإِنَّهُنَّ لَمْ يُبِنَّ أَيْدِيَهُنَّ
(قَوْلُهُ: لِذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ (قَوْلُهُ: وَالْقَطْعَ) بِالنَّصْبِ وَلَا يَصِحُّ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِ النُّحَاةِ: إنَّهُ يُرَاعَى الْمَحَلُّ إذَا كَانَ الْمَعْطُوفُ يَحِلُّ مَحَلَّ جُمْلَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 3] فَإِذَا أُوِّلَ بِالْمُفْرَدِ كَانَ النَّصْبُ مُتَعَيِّنًا (قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الْإِبَانَةِ) فَانْتَفَى احْتِمَالُ الْجَرْحِ، وَقَوْلُهُ: مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ إلَخْ أَيْ فَلَا إجْمَالَ فِيهِ فَتَكُونُ الْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ الظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلِ لَا مِنْ قَبِيلِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] جَعَلَهُ الشَّارِحُ مَعَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ فَقَدَّرَ
لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: التَّرَدُّدُ بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ وَمَسْحِ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مُبَيِّنٌ لِذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ تَرَدُّدَهُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمُطْلَقِ الْمَسْحِ الصَّادِقِ بِأَقَلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَبِغَيْرِهِ، وَمَسْحُ الشَّارِعِ النَّاصِيَةَ مِنْ ذَلِكَ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ) صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ النَّفْيُ لِنِكَاحٍ بِدُونِ وَلِيٍّ مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ وَلَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ مُجْمَلًا قُلْنَا: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ الْمُرَجِّحُ لِنَفْيِ الصِّحَّةِ مَوْجُودٌ، وَهُوَ قُرْبُهُ مِنْ نَفْيِ الذَّاتِ، فَإِنَّ مَا انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَكُونُ كَالْمَعْدُومِ بِخِلَافِ مَا انْتَفَى كَمَالُهُ فَقَدْ يُعْتَدُّ بِهِ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» لَا إجْمَالَ فِيهِ وَخَالَفَ الْبَصْرِيَّانِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا: لَا يَصِحُّ رَفْعُ الْمَذْكُورَاتِ مَعَ وُجُودِهَا حِسًّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ شَيْءٍ، وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أُمُورٍ
ــ
[حاشية العطار]
لَهُ خَبَرًا، وَلَوْ جَعَلَهُ مَجْرُورًا صَحَّ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: أَيْ لَا إجْمَالَ فِيهِ) يُؤْذِنُ بِأَنَّ قَوْلُهُ: وَنَحْوُ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ، وَكَانَ الشَّارِحُ اعْتَمَدَ فِيهِ ضَبْطَ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ مَجْرُورًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: آيَةُ السَّرِقَةِ لَكَانَ طَرِيقُ إدْرَاجِهِ أَنْ يُقَالَ: وَلَا إجْمَالَ فِي نَحْوِ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: لَا إجْمَالَ فِيهِ) أَيْ عِنْدَنَا وَكَذَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إلَّا إنَّهُمْ أَوْجَبُوا مَسْحَ جَمِيعِ الرَّأْسِ قَالُوا: إنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ فَتُوجِبُ التَّصَادُقَ الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ وَالرَّأْسَ الْمَجْمُوعَ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ تُجْزِئُ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ عِنْدَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ) أَيْ الْفِعْلِ بِمَعْنَى مَاصَدَقَاتِهِ لَا الْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَاللَّامِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ قَاضٍ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ إنَّمَا تُرَادُ عُرْفًا لِلِاسْتِمْتَاعِ (قَوْلُهُ: وَبِغَيْرِهِ) الشَّامِلِ لِلْكُلِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَفْرَادِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ، وَلَيْسَ مَبْنِيًّا لِلْمُرَادِ هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسْحَ حَقِيقَةٌ فِيمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ؛ إذْ هُوَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُمَاسَّةِ الْيَدِ كُلَّ الْمَمْسُوحِ اجْتِمَاعًا، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُمَاسَّتِهَا الْبَعْضَ كَمَا فِي مَسَحْت يَدَيَّ بِالْمِنْدِيلِ، وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُ الْمَجَازُ فَيُجْعَلُ لِلْمُشْتَرَكِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ وَحِينَئِذٍ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ مَسْحُ أَقَلِّ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ وَقَدْ يُقَالُ فِي نَفْيِ الْإِجْمَالِ إنَّهُ لُغَةً لِمَسْحِ الرَّأْسِ، وَهُوَ الْكُلُّ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي مِثْلِهِ عُرْفٌ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الْبَعْضِ اتَّضَحَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْكُلِّ لِلْمُقْتَضَى، وَعَدَمِ الْمَانِعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّي فَلَا إجْمَالَ، وَإِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِهِ لِلْبَعْضِ اتَّضَحَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَعْضِ لِلْعُرْفِ الطَّارِئِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيِّ فَلَا إجْمَالَ أَيْضًا لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْأَقَلِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَأَمَّا دَلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ تَبَيَّنَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ فَهُوَ أَنَّ الْبَاءَ مَتَى دَخَلَتْ فِي الْآلَةِ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْمَحَلِّ فَيَسْتَوْعِبُهُ دُونَ الْآلَةِ نَحْوُ مَسَحْت رَأْسَ الْيَتِيمِ بِيَدِي وَمَتَى دَخَلَتْ فِي الْمَحَلِّ تَعَدَّى الْفِعْلُ إلَى الْمَحَلِّ فَلَا يَسْتَوْعِبُهُ كَمَا فِي الْآيَةِ فَيَقْتَضِي مَمْسُوحِيَّةَ بَعْضِ الرَّأْسِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَعْضِ لِحُصُولِهِ فِي ضِمْنِ غَسْلِ الْوَجْهِ فَيَكُونُ مُجْمَلًا لِاحْتِمَالِ السُّدُسِ وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعُ غَيْرُهُمَا كَذَا فِي الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْبُدَخْشِيِّ وَهُوَ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ (قَوْلُهُ: صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ نَفَوْا صِحَّتَهُ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: لَا صِحَّةَ لِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ أَوَّلُهَا هَذَا، وَثَانِيهَا «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَثَالِثُهُمَا «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» (قَوْلُهُ: مَعَ وُجُودِهِ حِسًّا) فِيهِ أَنَّ النِّكَاحَ الْمَنْفِيَّ فِي الْحَدِيثِ النِّكَاحُ الشَّرْعِيُّ، وَالنِّكَاحُ الْمَوْجُودُ حِسًّا بِدُونِ وَلِيٍّ لَا يُقَالُ لَهُ: نِكَاحٌ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ إنَّمَا تَنْصَرِفُ لِلصَّحِيحِ دُونَ الْفَاسِدِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ لِهَذَا الْبَحْثِ بِقَوْلِهِ: قُلْنَا: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ إلَخْ.
وَأَجَابَ بَعْضٌ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاسِدِ مِنْ النِّكَاحِ نِكَاحًا (قَوْلُهُ: عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ نَفْيِ النِّكَاحِ بِدُونِ وَلِيٍّ أَيْ بَلْ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ إنَّمَا هُوَ النِّكَاحُ الشَّرْعِيُّ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: فَقَدْ يَعْتَدِيهِ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا
لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا، وَلَا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا فَكَانَ مُجْمَلًا، قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْعُرْفُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رَفْعُ الْمُؤَاخِذِ، وَالْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ التَّيْمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَخِي عَاصِمٍ فِي سَنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ إنَّ اللَّهَ وَضَعَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» ) لَا إجْمَالَ فِيهِ، وَخَالَفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (لِوُضُوحِ دَلَالَةِ الْكُلِّ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَخَالَفَ قَوْمٌ) فِي الْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَإِنَّمَا الْإِجْمَالُ فِي مِثْلِ الْقَرْءِ) مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ لِاشْتِرَاكِهِ بَيْنَهُمَا (وَالنُّورُ) صَالِحٌ لِلْعَقْلِ، وَنُورُ الشَّمْسِ لِتَشَابُهِهِمَا بِوَجْهٍ (وَالْجِسْمُ) صَالِحٌ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِتَمَاثُلِهِمَا (وَمِثْلُ الْمُخْتَارِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ) بِإِعْلَالِهِ بِقَلْبِ يَائِهِ الْمَكْسُورَةِ أَوْ الْمَفْتُوحَةِ أَلِفًا (وقَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الزَّوْجِ
ــ
[حاشية العطار]
التَّعْلِيلُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ بِأَنَّ الْكَمَالَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فَمَعَ انْتِفَاءِ الْكَمَالِ يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا بُدَّ إلَّا أَنْ يُوَجَّهَ هَذَا التَّعْلِيلُ بِأَنَّ انْتِفَاءَ الْكَمَالِ صَادِقٌ مَعَ انْتِفَاءِ بَعْضِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ اهـ. سم
(قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَى جَمِيعِهَا) لِمَا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْعَامِّ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ بِكَسْرِ الضَّادِ لَيْسَ عَامًّا، وَذَكَرَ هُنَا أَنَّهُ لَيْسَ مُجْمَلًا، وَزَعَمَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ وَلَا اضْطِرَابَ؛ إذْ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ نَفْيِ الْعُمُومِ وَنَفْيِ الْإِجْمَالِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُتَّضِحَ الدَّلَالَةِ ابْتِدَاءً دُونَ عُمُومٍ وَدُونَ تَقَدُّمِ إجْمَالٍ، وَنَحْوُ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ» الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْقَلِيلِ اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: لِوُضُوحِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا إجْمَالَ إلَخْ مَعَ أَخْبَارِهَا
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا الْإِجْمَالُ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ: لَا إجْمَالَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ لَا يُقَالُ: التَّعْبِيرُ بِإِنَّمَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ، وَلَا حَصْرَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: يَدْفَعُهُ التَّعْبِيرُ بِمِثْلِ (قَوْلُهُ: مِثْلِ الْقَرْءِ) حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى الطَّهُورِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْحَيْضِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمَا فِي ذَلِكَ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: وَالنُّورُ) لَيْسَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا وَلَا مَعْنَوِيًّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لِلْعَقْلِ، وَلَا لِمَفْهُومٍ كُلِّيٍّ يَتَنَاوَلُ لَهُمَا بَلْ اسْتِعْمَالُهُ فِي النُّورِ الْمَعْهُودِ حَقِيقَةٌ، وَفِي الْعَقْلِ مَجَازٌ كَمَا يُشِيرُ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ لِتَشَابُهِهِمَا بِوَجْهٍ فَإِنَّهُ أَشَارَ لِوَجْهِ الشَّبَهِ، وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعَقْلِ مَجَازًا مَشْهُورًا، وَالْمَجَازُ الْمَشْهُورُ بِمَنْزِلَةِ الْحَقِيقَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَكِ (قَوْلُهُ: صَالِحٌ لِلْعَقْلِ إلَخْ) أَيْ وَصَالِحٌ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا كَالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَنُورِ الْقَمَرِ (قَوْلُهُ: وَالْجِسْمُ) وَمِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ جَوْهَرَيْنِ فَرْدَيْنِ فَصَاعِدًا، وَعِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ مَا تَرَكَّبَ مِنْ الْهَيُولَى وَالصُّورَةِ وَقَوْلُهُ: لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكْبَرُ جِسْمٍ مُشَاهَدٍ لَنَا، وَإِنْ وُجِدَ فِي الْوَاقِعِ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمَا قَالَ تَعَالَى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255] فَقَوْلُهُ: صَالِحٌ لِلسَّمَاءِ إلَخْ أَيْ وَلِجَمِيعِ الْأَجْسَامِ
(قَوْلُهُ: لِتَمَاثُلِهِمَا) أَيْ سَعَةً وَعَدَدًا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُ الْمُخْتَارِ) إنَّمَا كَرَّرَ لَفْظَ " مِثْلُ " فِي هَذَا لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْمِثَالِ لَفْظُ الْمُخْتَارِ وَنَحْوِهِ لَا خُصُوصُ لَفْظٍ مُخْتَارٍ بَلْ كُلُّ لَفْظٍ تَرَدَّدَ بَيْنَ اسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ كَمُنْقَادٍ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَالْإِجْمَالُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ لِلِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَضْعًا فِي آخِرِهَا لَهُ عُرُوضًا، وَمَا بَيْنَهُمَا لِلِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ، وَالْإِجْمَالُ فِي جَمِيعِهَا فِي مُفْرَدٍ، وَفِيمَا يَأْتِي فِي مُرَكَّبٍ اهـ.
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ النُّورَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا وَلَا مَعْنَوِيًّا مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ مَا يَعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، الْإِجْمَالُ فِيهِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَةِ الْكَلَامِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُفْرَدَاتِ اُعْتُبِرَ فِي الْمَوْصُولِ وَحْدَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى الزَّوْجِ) وَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ؛ إذْ التَّقْدِيرُ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ أَيْ النِّسْوَةُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيُسَلَّمُ كُلُّ الْعِوَضِ لِلزَّوْجِ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، وَهُوَ الزَّوْجُ عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَيُسَلَّمَ كُلُّ الْعِوَضِ لَهُنَّ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيُّ الْجَدِيدُ وَأَمَّا الْقَدِيمُ فَهُوَ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَكِنَّهُ اشْتَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ أَبًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُوَلِّيَةُ صَغِيرَةً وَيَعْفُونَ فِعْلٌ مُضَارِعٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ الَّذِي عَلَى الْوَاوِ وَنُونُ النِّسْوَةِ فَاعِلٌ
وَالْوَلِيِّ قَدْ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الزَّوْجِ وَمَالِكٌ عَلَى الْوَلِيِّ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمَا {إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] لِلْجَهْلِ بِمَعْنَاهُ قَبْلَ نُزُولِ مُبَيِّنِهِ أَيْ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] إلَخْ وَيَسْرِي الْإِجْمَالُ إلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْ {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المائدة: 1]{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] لِتَرَدُّدِ لَفْظِ " الرَّاسِخُونَ " بَيْنَ الْعَطْفِ وَالِابْتِدَاءِ، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ، وَعَلَيْهِ مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْمُوضَعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَشَابِهَ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ
(وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ) فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» ) لِتَرَدُّدِ ضَمِيرِ جِدَارِهِ بَيْنَ عَوْدِهِ إلَى الْجَارِ، وَإِلَى الْأَحَدِ وَتَرَدَّدَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَنْعِ لِذَلِكَ، وَالْجَدِيدُ الْمَنْعُ لِحَدِيثِ خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فِي مُعْظَمِهِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ فِي بَعْضِهِ وَخَشَبَةً فِي الْأَوَّلِ رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ مُنَوَّنًا، وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ مُضَافًا (وَقَوْلُك زَيْدٌ طَبِيبٌ مَاهِرٌ) لِتَرَدُّدِ مَاهِرٍ بَيْنَ رُجُوعِهِ إلَى طَبِيبٍ وَإِلَى زَيْدٍ وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِاعْتِبَارِهِمَا (الثَّلَاثَةُ زَوْجٌ وَفَرْدٌ) لِتَرَدُّدِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ بَيْنَ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَالْوَلِيِّ) فَالْوَلِيُّ بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ابْتِدَاءً فَإِنْ رُوعِيَتْ كَانَ الْوَلِيُّ أَظْهَرَ، وَإِنْ رَوْعِي قَوْلُهُ: بِيَدِهِ كَانَ الزَّوْجُ أَظْهَرَ (قَوْلُهُ: إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ) أَيْ وَإِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِعَاطِفٍ مُقَدَّرٍ فِي الْمَتْنِ أَيْ يُتْلَى عَلَيْكُمْ تَحْرِيمُهُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ نُزُولِ مُبَيِّنِهِ) أَيْ وَأَمَّا بَعْدَ مُبَيِّنِهِ فَهُوَ مُتَّضِحٌ (قَوْلُهُ: وَيَسْرِي الْإِجْمَالُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَجْهُولَ مِنْ مَعْلُومٍ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا لَكِنَّ الْإِجْمَالَ فِي الْمُسْتَثْنَى أَصَالَةً وَفِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ سِرَايَةً (قَوْلُهُ: أَيْ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ) أَيْ أُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ (قَوْلُهُ: لَفْظِ الرَّاسِخُونَ) أَيْ فَالْإِجْمَالُ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي الْوَاوِ إجْمَالٌ لِتَرَدُّدِ مَا بَيْنَ كَوْنِهِمَا عَاطِفَةً أَوْ اسْتِئْنَافِيَّةً (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ مَا قَدَّمَهُ) لَا يُقَالُ: كَيْفَ يَكُونُ مَا قَدَّمَهُ مَبْنِيًّا عَلَى هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا قَدَّمَهُ وَقَدْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْفِيَائِهِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الِابْتِدَاءِ أَنَّ أَحَدًا غَيْرَهُ - تَعَالَى لَا يَعْلَمُهُ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يَعْلَمُهُ لِقَوْلِهِ فِيهِ وَقَدْ يَطَّلِعُ إلَخْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَنْفِيُّ بِمُقْتَضَى مَا هُنَا الْعِلْمُ الْمُعْتَادُ لِغَيْرِهِ - تَعَالَى، بِأَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ - تَعَالَى - طَرِيقٌ مُعْتَادٌ فِي اسْتِعْلَامِهِ وَالْمُثْبَتُ بِمُقْتَضَى مَا هُنَاكَ الْعِلْمُ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ فَلَا مُنَافَاةَ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: لِتَرَدُّدِ ضَمِيرِ جِدَارِهِ) أَيْ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا قُرْبَ الْمَرْجِعِ قَرِينَةً (قَوْلُهُ: وَالْجَدِيدُ الْمَنْعُ) أَيْ مَنْعُ وَضْعِ خَشَبِ الشَّخْصِ فِي جِدَارِ جَارِهِ
(قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ خُطْبَةِ إلَخْ) أَيْ وَلِمُوَافَقَتِهِ لِلْغَالِبِ مِنْ رُجُوعِ الضَّمِيرِ إلَى الْأَقْرَبِ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ الْجَارُ اهـ. ز (قَوْلُهُ: وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ عَنْ مُسْلِمٍ فِيمَا شَرَطَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْمُعَاصَرَةِ وَاللُّقَى اللَّذَيْنِ هُمَا شَرْطُ الْبُخَارِيِّ وُجُودُ الْمُعَاصَرَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ مُسْلِمٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَكُلُّ إلَخْ وَمُسْلِمٌ مُنْفَرِدٌ إلَخْ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ هُنَا الرِّجَالُ لَا الشَّرْطُ الْمَعْرُوفُ (قَوْلُهُ: وَالْأَكْثَرُ بِالْجَمْعِ) فَهُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الشَّيْنِ، أَوْ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالشِّينِ وَالْهَاءِ (قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ الْمَعْنَى) فَإِنْ رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى زَيْدٍ كَانَ مَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ كَانَ طِبًّا وَغَيْرَهُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى طَبِيبٍ كَانَ مَاهِرًا فِي الطِّبِّ فَقَطْ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ قِيَاسُ مَا اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ فِيمَا قَبْلَهُ رُجُوعُ مَاهِرٍ إلَى طَبِيبٍ (قَوْلُهُ: لِتَرَدُّدِ الثَّلَاثَةِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ أَجْزَاءٌ ثَلَاثَةٌ زَوْجٌ وَفَرْدٌ أَيْ جُزْءَاهَا، وَهُمَا اثْنَانِ وَوَاحِدٌ فَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْدِيرَ صِفَاتُ الثَّلَاثَةِ زَوْجٌ وَفَرْدٌ فَالثَّلَاثَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِهَذَا الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ أَجْزَائِهَا فَلَا يَلْزَمُ اتِّصَافُهَا بِالصِّفَتَيْنِ بَلْ اتِّصَافُ أَجْزَائِهَا أَيْ جُزْأَيْهَا بِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ صِفَاتِهَا فَيَلْزَمُ اتِّصَافُهَا بِالصِّفَتَيْنِ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ فَالْمُدَّعَى إجْمَالُهُ لَفْظُ الثَّلَاثَةِ وَلَا مَعْنَى لِإِجْمَالِهِ إلَّا تَرَدُّدُهُ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَجْزَاءُ، وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الصِّفَاتُ، وَأَمَّا تَرَدُّدُ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ اتِّصَافِهَا
جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَجَمِيعِ صِفَاتِهَا، وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ نَظَرًا إلَى صِدْقِ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ؛ إذْ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي يُوجِبُ كَذِبَهُ
(وَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ) أَيْ الْمُجْمَلِ (فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) لِلْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ مِنْهُمَا وَنَفَاهُ دَاوُد وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ فِي الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلنِّكَاحِ، وَالثَّانِي مُقْتَرِنٌ بِمُفَسَّرِهِ.
وَالثَّالِثُ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي الِابْتِدَاءِ وَالرَّابِعُ ظَاهِرٌ فِي عَوْدِهِ إلَى الْأَحَدِ؛ لِأَنَّهُ مَحَطُّ الْكَلَامِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ) اللَّفْظَ (أَوْضَحُ مِنْ) الْمُسَمَّى (اللُّغَوِيِّ) لَهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِ وَقِيلَ: لَا فِي النَّهْيِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: هُوَ مُجْمَلٌ وَالْآمِدِيُّ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ (وَقَدْ تَقَدَّمَ) ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ: اللَّفْظُ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ، وَذُكِرَ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْمُسَمَّى الشَّرْعِيُّ لِلَّفْظِ (حَقِيقَةً فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ) مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْعِيِّ
ــ
[حاشية العطار]
وَاتِّصَافِ أَجْزَائِهَا فَهُوَ فَرْعٌ فِي هَذَا التَّرَدُّدِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّ الثَّلَاثَةَ مُتَرَدِّدَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ بَيْنَ أَنْ تَتَّصِفَ أَجْزَاؤُهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْفَرْدِيَّةِ فَتَكُونَ الْقَضِيَّةُ صَادِقَةً، وَأَنْ تَتَّصِفَ هِيَ بِهِمَا فَتَكُونَ الْقَضِيَّةُ كَاذِبَةً، وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ نَظَرًا إلَى مَاصَدَق الْقَضِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ الْإِجْمَالِ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: لِتَرَدُّدِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ بَيْنَ اتِّصَافِهَا بِصِفَتَيْهَا وَاتِّصَافِ أَجْزَائِهَا بِهِمَا عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمَّا لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ الْمَعْنَى قَالَ: فِي عَدِّ هَذَا مِنْ الْمُجْمَلِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى اهـ.
(قَوْلُهُ: جَمِيعُ أَجْزَائِهَا) أَيْ جُزْأَيْهَا فَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ) قَدْ يُقَالُ: هَلَّا كَانَتْ اسْتِحَالَةُ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ لَهَا، وَبَدَاهَةُ ثُبُوتِ الْفَرْدِيَّةِ لَهَا قَرِينَةَ مُقَارَنَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَانِعَةٍ مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّانِي فَيَنْتَفِي الْإِجْمَالُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الزَّوْجِ) هَذَا يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ هُوَ قَوْله تَعَالَى {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] فَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْقَرْءُ فَإِنَّهُ أَوَّلُ أَمْثِلَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْله تَعَالَى {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ بِمَعْرِضِ كَوْنِهِ مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الشَّارِحُ لَهُ، وَهَذَا يَرِدُ عَلَى دَاوُد إلَّا أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ أَوْ يَجْعَلَهُ ظَاهِرًا فِي الدَّمِ لِكَوْنِ الطُّهْرَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ) أَيْ الْمُلْتَقَى صِحَّتُهُ أَوْ فَسَادُهُ مِنْ الشَّرْعِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مَوْضُوعَةٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ
(قَوْلُهُ: أَوْضَحُ مِنْ اللُّغَوِيِّ) أَيْ فَلَا إجْمَالَ فِي لَفْظٍ لَهُ مُسَمًّى شَرْعِيٌّ، وَمُسَمًّى لُغَوِيٌّ، وَكَذَلِكَ لَا إجْمَالَ فِي لَفْظٍ اُسْتُعْمِلَ عَلَمَ شَخْصٍ مَعَ اسْتِعْمَالِهِ اسْمَ جِنْسٍ، وَمِنْ عِبَارَةِ بَعْضِ الشِّيعَةِ مَا اتَّفَقَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهَبَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه عِمَامَةً تُسَمَّى السَّحَابَ فَاجْتَازَ عَلِيٌّ رضي الله عنه مُتَمَتِّعًا بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ مَعَهُ أَمَا رَأَيْتُمْ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ» أَوْ نَحْوَ هَذَا اللَّفْظِ فَبَلَغَ ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَشَيِّعِينَ فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ يُرِيدُ سَحَابَ السَّمَاءِ، وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:
بَرِئْت مِنْ الْخَوَارِجِ لَسْت مِنْهُمْ
…
مِنْ الْغَزَالِ مِنْهُمْ وَالرَّبَابِ
وَمِنْ قَوْمٍ إذَا ذَكَرُوا عَلِيًّا
…
يَرُدُّونَ السَّلَامَ عَلَى السَّحَابِ
وَالْغَزَالِيُّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ رَئِيسُ الْمُعْتَزِلَةِ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِالْغَزَلِ عَلَى النِّسَاءِ وَالرَّبَابِ بِبَاءَيْنِ هُوَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مِنْ غُلَاةِ الْمُعْتَزِلَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: حَقِيقَةً) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْأَصْلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَقِيقَةُ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، وَالْأَصْلُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فِيهِ إلَخْ وَفِيهِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ هُوَ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْمٌ لِلَّفْظِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّفْظُ لَا يَتَعَذَّرُ، وَإِنَّمَا يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنْ تَعَذَّرَ حَقِيقَةُ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ مِنْ حَيْثُ مَدْلُولُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذَّرَ إنَّمَا هُوَ الْمَدْلُولُ (قَوْلُهُ: فَيُرَدُّ) أَيْ اللَّفْظُ وَقَوْلُهُ: إلَيْهِ أَيْ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ الْحَقِيقِيِّ
مَا أَمْكَنَ (أَوْ) هُوَ (مُجْمَلٌ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ وَالْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ (أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ) تَقْدِيمًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ (أَقْوَالٌ) اخْتَارَ مِنْهَا الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ كَغَيْرِهِ الْأَوَّلَ، مِثَالُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ» تَعَذَّرَ فِيهِ مُسَمَّى الصَّلَاةِ شَرْعًا فَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ بِأَنْ يُقَالَ: كَالصَّلَاةِ فِي اعْتِبَارِ الطَّهَارَةِ وَالنِّيَّةِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ لِاشْتِمَالِ الطَّوَافِ عَلَيْهِ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِمَا ذِكْرًا، وَهُوَ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ (وَالْمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُسْتَعْمَلَ لِمَعْنًى تَارَةً وَلِمَعْنَيَيْنِ لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَحَدَهُمَا) تَارَةً أُخْرَى عَلَى السَّوَاءِ، وَقَدْ أُطْلِقَ (مُجْمَلٌ) لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ، وَقِيلَ: يَتَرَجَّحُ الْمَعْنَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً (فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ الْمَعْنَى (أَحَدَهُمَا فَيُعْمَلُ بِهِ) جَزْمًا لِوُجُودِهِ فِي الِاسْتِعْمَالَيْنِ (وَيُوقَفُ الْآخَرُ) لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ وَقَالَ يُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً، وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ إلَخْ مِمَّا ظَهَرَ لَهُ كَمَا قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: مَا أَمْكَنَ) أَيْ مُدَّةَ الْإِمْكَانِ فَهُوَ مَعْمُولٌ مُحَافَظَةً أَوْ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَيَكُونُ الْمَعْنَى مُحَافَظَتَهُ إمْكَانًا أَيْ وَقْتَ الْإِمْكَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ) أَيْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: الطَّوَافُ دُعَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ: الْحَجُّ عَرَفَةَ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ) أَيْ مِثَالُ مَا فِيهِ الْأَقْوَالُ، وَهُوَ الَّذِي تَعَذَّرَ فِيهِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ حَقِيقَةً، وَيُرَدُّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ فِيهِ الْكَلَامَ) هَذَا هُوَ الْقَرِينَةُ، وَفِي كَوْنِ الْحَدِيثِ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالْمَجَازِ هُنَا مُطْلَقُ التَّوَسُّعِ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ عَلَى طَرِيقَةِ السَّعْدِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الشِّهَابِ عَمِيرَةَ: أُطْلِقَتْ الصَّلَاةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأُرِيدَ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ) لَيْسَ مُرَادُهُ التَّشْبِيهَ بَلْ بَيَانَ وَجْهِ الْعَلَاقَةِ (قَوْلُهُ: وَالنِّيَّةُ) أَيْ الْخَاصَّةُ بِهِ إنْ كَانَ نَفْلًا أَوْ طَوَافَ وَدَاعٍ، وَنِيَّةُ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ الشَّامِلَةُ إنْ كَانَ طَوَافَ رُكْنٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الدُّعَاءُ) وَمَعْنَى كَوْنِ الطَّوَافِ صَلَاةً بِمَعْنَى الدُّعَاءِ أَنَّهُ يُصَاحِبُهَا، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُجْعَلُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذُو صَلَاةٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُصَاحِبٌ لَهَا فَلَمْ تَخْرُجْ الصَّلَاةُ عَنْ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ فِي حَمْلِهَا عَلَى الطَّوَافِ مُسَامَحَةٌ، وَقَدْ يَبْعُدُ هَذَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، وَأَيْضًا احْتَاجَهُ لِلْقَرِينَةِ، وَلَوْ سُلِّمَ وُجُودُهَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي فُسِّرَتْ بِهِ الصَّلَاةُ لَا يَمْتَنِعُ فِيهِ الْكَلَامُ حَتَّى يُسْتَثْنَى مِنْهُ حَمْلُ الْكَلَامِ، وَاقْتِضَاءُ أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ وَاجِبٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ
(قَوْلُهُ: لِاشْتِمَالِ إلَخْ) أَيْ فَشَبَّهْنَا الْمُشْتَمِلَ بِكَسْرِ الْمِيمِ بِاسْمِ الْمُشْتَمَلِ بِفَتْحِهَا، وَعَلَى هَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَلَا طَهُرَ بِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا (قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ لَفْظٌ عَنْ الشَّارِعِ لَهُ مَعْنًى مُفْرَدٌ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مُجْمَلٌ قَالَ النَّاصِرُ إذَا تَأَمَّلْت تَقْرِيرَ الشَّارِحِ لِمَعْنَى الْكَلَامِ ظَهَرَ لَك أَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْمُتَرَدِّدَ بَيْنَ مَعْنًى تَارَةً وَمَعْنَيَيْنِ إلَخْ إذْ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ لَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُ سَبْقُ اسْتِعْمَالٍ فِيمَا ذُكِرَ بَلْ لَيْسَ فِيهِ إلَّا هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ اهـ.
قَالَ سم: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ لِمَعْنًى إلَخْ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي وُجُودَ الِاسْتِعْمَالِ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: وَالتَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِهِ قَوْلُهُ: وَيُوقَفُ الْآخَرُ
مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَإِنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَطَأُ، وَلَا يُوطَأُ أَيْ لَا يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ، وَمِثَالُ الثَّانِي حَدِيثُ مُسْلِمٍ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» أَيْ بِأَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا أَوْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فَيَعْقِدَ لَهَا وَلَا يُجْبِرَهَا، وَقَدْ قَالَ بِعَقْدِهَا لِنَفْسِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَكَذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَكِنْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَان لَا وَلِيَّ فِيهِ وَلَا حَاكِمَ وَنَقَلَهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه.
ــ
[حاشية العطار]
وَعَلَيْهِ قَدْ يُقَالُ: كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِ الشَّارِحِ وَقِيلَ يُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْمُصَنِّفِ قَالَ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ الْجَزْمَ بِتَقْيِيدِهِ ذَلِكَ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِمَّا ظَهَرَ لَهُ مِنْ فَحَوَى كَلَامِ الْقَوْمِ فَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ كَلَامًا يُخَالِفُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ حَمْلِ النِّكَاحِ فِيهِ عَلَى الْوَطْءِ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَمِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْعَقْدِ مَعْنَيَانِ تَحَكُّمٌ؛ إذْ فِي الْأَوَّلِ مَعْنَيَانِ أَيْضًا، وَهُوَ الْوَطْءُ، وَإِلَّا يَطَأْ فَهُوَ نَظِيرُ الثَّانِي فَلِمَ اُعْتُبِرَ الْمَعْنَيَانِ فِيهِ دُونَ الْأَوَّلِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا مُشَاحَّةَ فِي الْأَمْثِلَةِ وَبِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْوَطْءِ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ وَاطِئٌ أَوْ مَوْطُوءٌ فَالْوَطْءُ وَاقِعٌ مِنْ الْمُحْرِمِ أَوْ فِيهِ، وَمُتَعَلِّقُ الْعَقْدِ مُتَعَدِّدٌ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُتَزَوِّجٌ أَوْ مُزَوِّجٌ، فَالتَّزَوُّجُ لَهُ وَالتَّزْوِيجُ لِغَيْرِهِ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يُوطِئُ بِكَسْرِ الطَّاءِ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ الْمُسْتَفَادُ هُوَ الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِلْمُحْرِمِ فِعْلًا أَوْ تَمْكِينًا، وَالْمَعْنَيَانِ هُمَا عُقْدَةُ النِّكَاحِ لِنَفْسِهِ، وَعَقْدُهُ لِغَيْرِهِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا مُطْلَقُ الْعَقْدِ اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ إلَخْ) قَالَ النَّاصِرُ: وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْمَعْنَيَيْنِ لَا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَعْنًى وَاحِدٌ لِلَّفْظِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ يُونُسُ إلَخْ) الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَأْذَنُ لِرَجُلٍ يَعْقِدُ لَهَا فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ لَا أَنَّهَا تَعْقِدُ بِنَفْسِهَا فِيهِ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْهُمْ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي طَبَقَاتِهِ وَذَكَرَ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهَا وَقَالَ: إنَّهُ تَحْكِيمٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْأَوْلَى عَدَمُ إثْبَاتِهَا لِإِطْلَاقِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَ بِخِلَافِهَا وَلِجَلْدِ عُمَرَ رضي الله عنه النَّاكِحَ وَالْمُنْكَحَ فِي ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَحْكِيمٌ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ التَّحْكِيمَ رِضَاهُمَا بِمَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهِمَا، وَالتَّزْوِيجُ يَفْتَقِرُ إلَى وِلَايَةٍ مِنْ الشَّرْعِ لَكِنَّ النَّوَوِيَّ اخْتَارَ جَوَازَ التَّحْكِيمِ، وَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ الَّذِي نَقَلَهُ يُونُسُ وَهُوَ ثِقَةٌ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ بِمَعْنَاهُ وَيُحْتَمَلُ حَمْلُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ يُونُسَ عَلَى أَنَّهَا عَقَدَتْ لِنَفْسِهَا بِوَاسِطَةِ إذْنِهَا
(الْبَيَانُ) بِمَعْنَى التَّبْيِينِ (إخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي) أَيْ الِاتِّضَاحِ فَالْإِتْيَانُ بِالظَّاهِرِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ إشْكَالٍ لَا يُسَمَّى بَيَانًا (وَإِنَّمَا يَجِبُ) الْبَيَانُ (لِمَنْ أُرِيدَ فَهْمُهُ) الْمُشْكِلَ (اتِّفَاقًا لِحَاجَتِهِ) إلَيْهِ بِأَنْ يَعْمَلَ بِهِ أَوْ يُفْتِيَ بِهِ خِلَافُ غَيْرِهِ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) أَيْ الْبَيَانَ (قَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ) كَالْقَوْلِ، وَقِيلَ: لَا لِطُولِ زَمَنِ الْفِعْلِ فَيَتَأَخَّرُ الْبَيَانُ بِهِ مَعَ إمْكَانِ تَعْجِيلِهِ بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَهُ (وَ) الْأَصَحُّ
ــ
[حاشية العطار]
لِرَجُلٍ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: الْبَيَانُ) يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمُبَيَّنِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَهُوَ الْمَدْلُولُ، وَبِمَعْنَى مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيَانُ، وَأَخَذَ الشَّارِحُ قَوْلَهُ بِمَعْنَى التَّبْيِينِ أَيْ فِعْلِ الْفَاعِلِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إخْرَاجُ الشَّيْءِ إلَخْ فَإِنَّ الْإِخْرَاجَ فِعْلُ الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ) أَيْ مِنْ مَكَان هُوَ الْإِشْكَالُ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَكَذَا قَوْلُهُ: حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْمَكَانُ هُنَا اعْتِبَارِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا يُسَمَّى بَيَانًا) أَيْ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُسَمَّى بَيَانًا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَكَلَامُنَا فِي الِاصْطِلَاحِيَّاتِ فَلَا يَرِدُ أَنْ يُقَالَ: التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ كَمَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْحَيِّزِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مَشْهُورٌ، وَهُوَ كَالْحَقِيقَةِ، وَلَعَلَّ الْقَرِينَةَ ذِكْرُ الْإِشْكَالِ، وَالْجَامِعُ الِاشْتِمَالُ فِي كُلٍّ، فَإِنَّ الصِّفَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مَوْصُوفِهَا كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْحَالِّ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يَجِبُ الْبَيَانُ) أَيْ عَقْلًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمَنْ أُرِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ يَفْهَمُ الْمُشْكِلَ لِيَعْمَلَ بِهِ، أَوْ يُفْتِي؛ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ بِدُونِ بَيَانٍ، وَالْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ، وَلِلْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إلَى عَدَمِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ اهـ. كَمَالٌ.
أَيْ حَيْثُ قَالُوا: إنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ لِعَدَمِ الْفَهْمِ، وَلَوْ قِيلَ بِتَكْلِيفِهِ لَمَا أَوْجَبَ هَاهُنَا الْبَيَانَ لِأَجْلِ الْفَهْمِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَعْمَلَ) أَيْ كَمَا فِي أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ: أَوْ يُفْتِيَ أَيْ كَمَا فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ أَوْ يَعْمَلَ، وَيُفْتِيَ فَيُعَمِّمَ فِي مِنْ فَيَشْمَلَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ
(قَوْلُهُ: لِطُولِ زَمَنِ الْفِعْلِ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُعَلِّقْ الْبَيَانَ بِفِعْلِهِ وَإِلَّا فَلَوْ قَالَ: الْقَصْدُ بِمَا كُلِّفْتُمْ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَا أَفْعَلُهُ ثُمَّ فَعَلَهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ بَيَانٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي تَقْرِيبِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْإِشَارَةَ وَالْكِتَابَةَ كَالْفِعْلِ بَلْ قَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِهِمَا اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ: مُمْتَنِعٌ) أَيْ عَقْلًا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَقْلِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَهُ) أَيْ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتِ الْفِعْلِ، وَتَأْخِيرُهُ لِغَرَضٍ، وَمِنْهُ سُلُوكُ أَقْوَى الْبَيَانَيْنِ، وَهُوَ الْفِعْلُ لِكَوْنِهِ أَدَلَّ عَلَى الْمُرَادِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْعِيَانِ وَلَوْ سَلَّمْنَا
(أَنَّ الْمَظْنُونَ يُبَيِّنُ الْمَعْلُومَ) وَقِيلَ: لَا؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ فِي مَحَلِّهِ حَتَّى كَأَنَّهُ الْمَذْكُورُ بَدَلَهُ، قُلْنَا لِوُضُوحِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ، وَإِنْ جَهِلْنَا عَيْنَهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ) الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْبَيَانِ (وَهُوَ الْبَيَانُ) أَيْ الْمُبَيِّنُ، وَالْآخَرُ تَأْكِيدٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُؤَكَّدُ بِمَا هُوَ دُونَهُ، قُلْنَا: هَذَا فِي التَّأْكِيدِ بِغَيْرِ الْمُسْتَقْبَلِ، أَمَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ فَلَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُمْلَةَ تُؤَكَّدُ بِجُمْلَةٍ دُونَهَا (وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ الْبَيَانَانِ) الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ كَأَنْ زَادَ الْفِعْلُ عَلَى مُقْتَضَى الْقَوْلِ (كَمَا لَوْ طَافَ) صلى الله عليه وسلم (بَعْدَ) نُزُولِ آيَةِ (الْحَجِّ) الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الطَّوَافِ (طَوَافَيْنِ، وَأُمِرَ بِوَاحِدٍ فَالْقَوْلُ) أَيْ فَالْبَيَانُ الْقَوْلُ (وَفِعْلُهُ) صلى الله عليه وسلم الزَّائِدُ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ (نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ) فِي حَقِّهِ دُونَ أَمَتِهِ (مُتَقَدِّمًا) كَانَ الْقَوْلُ عَلَى الْفِعْلِ (أَوْ مُتَأَخِّرًا) جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ (وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ) الْبَصْرِيُّ الْبَيَانُ هُوَ (الْمُتَقَدِّمُ) مِنْهُمَا كَمَا فِي قِسْمِ اتِّفَاقِهِمَا أَيْ فَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ الْقَوْلَ فَحُكْمُ الْفِعْلِ كَمَا سَبَقَ، أَوْ الْفِعْلَ فَالْقَوْلُ نَاسِخٌ لِلزَّائِدِ مِنْهُ، قُلْنَا: عَدَمُ النُّسَخِ بِمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى، وَلَوْ نَقَصَ الْفِعْلُ عَنْ مُقْتَضَى الْقَوْلِ كَأَنْ طَافَ وَاحِدٌ، وَأُمِرَ بِاثْنَيْنِ فَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ الْبَيَانَ الْقَوْلُ، وَنَقْصُ الْفِعْلِ عَنْهُ
ــ
[حاشية العطار]
امْتِنَاعَهُ فَتَعْجِيلُ الْبَيَانِ حَاصِلٌ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ طُولُهُ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْبَيَانِ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَطُولُ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّ الْمَظْنُونَ) أَيْ الْمَتْنَ دُونَ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: يُبَيِّنُ الْمَعْلُومَ) أَيْ مَا مَتْنُهُ قَطْعِيٌّ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ (قَوْلُهُ: قُلْنَا لِوُضُوحِهِ) أَيْ إنَّمَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِ لِوُضُوحِهِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ مِنْ الْمَعْلُومِ وَلَيْسَ مُعَارِضًا لَهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ تَنْزِيلُهُ مَنْزِلَتَهُ إذْ التَّسَاوِي إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ التَّعَارُضِ لِئَلَّا يَلْزَمَ إلْغَاءُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ) أَيْ وَالْمُقَارِنَ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنَّمَا تَرَكُوهُ لِقِلَّتِهِ وَخَفَاءِ تَصْوِيرِهِ اهـ. زَكَرِيَّا
(قَوْلُهُ: مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ) أَيْ الْوَارِدَيْنِ عَقِبَ مُجْمَلِ تَقَدُّمِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَالِحٌ لِلْبَيَانِ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: الْمُتَّفِقَيْنِ فِي الْبَيَانِ وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقْ الْبَيَانَانِ، وَمِنْ قَوْلِهِ: مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً بِجَعْلِ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ: الْمُتَّفِقَيْنِ) بِأَنْ لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُبَيِّنُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ فَإِنَّ الْقَوْلَ أَوْ الْفِعْلَ مُبَيِّنٌ أَيْ دَالٌّ عَلَى الْبَيَانِ لَا نَفْسُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ الْبَيَانُ) فَوُقُوعُ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْقَوْلِ يَكُونُ لِمُبَادَرَةِ الِامْتِثَالِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ مَحَلُّ كَوْنِ الشَّيْءِ لَا يُؤَكَّدُ بِمَا هُوَ دُونَهُ (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ) كَالتَّأْكِيدِ بِلَفْظِ كُلٍّ مَثَلًا فِي جَاءَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ فَإِنَّهُ فِي الشُّمُولِ وَالْإِحَاطَةِ أَقْوَى مِنْ لَفْظِ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ: أَمَّا بِالْمُسْتَقِلِّ) كَالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَإِنَّ الْفِعْلَ مُسْتَقِلٌّ، وَكَذَا الْقَوْلُ فَيَصِحُّ تَأْكِيدُ الْفِعْلِ الْأَقْوَى بِالْقَوْلِ الْأَدْوَنِ (قَوْلُهُ: تُؤَكَّدُ بِجُمْلَةٍ دُونَهَا) كَقَوْلِك: إنَّ زَيْدًا قَائِمٌ، زَيْدٌ قَائِمٌ (قَوْلُهُ: كَأَنْ زَادَ) أَيْ أَوْ نَقَصَ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الزِّيَادَةِ رِعَايَةً لِمِثَالِ الْمَتْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا مَثَّلَ لَهَا، وَهُوَ مَثَلٌ لِلنَّقْصِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي مَثَّلَ لَهَا الْمَتْنُ (قَوْلُهُ: آيَةِ الْحَجِّ) أَيْ الْآمِرَةِ بِهِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] إلَخْ فَإِنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الطَّوَافِ فِي قَوْلِهِ {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ ذَلِكَ آيَةُ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: عَلَى الزَّائِدِ) صَادِقٌ بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَكِنْ الْأَلْيَقُ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِيَكُونَ الْأَوَّلُ هُوَ رُكْنَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ الْأَلْيَقُ بِحَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَةِ الْمُلْتَبَسِ بِهَا
(قَوْلُهُ: نُدِبَ) أَيْ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ أُمَّتِهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي حَقِّهِ دُونَ أُمَّتِهِ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ وَاجِبٌ فَقَطْ وَعَبَّرَ بِنُدِبَ لَا بِمَنْدُوبٍ الْمُنَاسِبِ لِوَاجِبٍ رِعَايَةً لِلِاخْتِصَارِ (قَوْلُهُ: أَوْ مُتَأَخِّرًا) أَيْ مُقَارِنًا أَوْ جُهِلَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) هُمَا الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ؛ إذْ لَوْ جُعِلَ الْبَيَانُ هُوَ الْفِعْلَ لَلَزِمَ إلْغَاءُ الْقَوْلِ لِزِيَادَةِ الْفِعْلِ عَلَى مُقْتَضَاهُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ، وَإِعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ (قَوْلُهُ: كَمَا سَبَقَ) أَيْ فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ أَوْ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ: بِمَا قُلْنَاهُ) أَيْ بِسَبَبِ مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم. اهـ. سم فِيهِ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ الْمَتْنُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ