الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(عِنْدَ الْحَامِلِ) هُوَ الْمُجْتَهِدُ وَافَقَ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمْ لَا بِأَنْ ظَهَرَ غَلَطُهُ فَتَنَاوَلَ الْحَدُّ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ (وَإِنْ خُصَّ) الْمَحْدُودُ (بِالصَّحِيحِ) أَيْ قُصِرَ عَلَيْهِ (حَذْفٌ) مِنْ الْحَدِّ (الْأَخِيرِ) وَهُوَ عِنْدَ الْحَامِلِ فَلَا يَتَنَاوَلُ حِينَئِذٍ إلَّا الصَّحِيحَ لِانْصِرَافِ الْمُسَاوَاةِ الْمُطْلَقَةِ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَالْفَاسِدُ قَبْلَ ظُهُورِ فَسَادِهِ مَعْمُولٌ بِهِ كَالصَّحِيحِ.
(وَهُوَ) أَيْ
الْقِيَاسُ (حُجَّةٌ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ)
كَالْأَدْوِيَةِ (قَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (اتِّفَاقًا) أَسْنَدَهُ إلَيْهِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ.
(وَأَمَّا غَيْرُهَا) كَالشَّرْعِيَّةِ (فَمَنَعَهُ قَوْمٌ) فِيهِ (عَقْلًا) قَالُوا لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ وَالْعَقْلُ مَانِعٌ مِنْ سُلُوكِ ذَلِكَ قُلْنَا
ــ
[حاشية العطار]
فَلَا يَرِدُ عَدَمُ شُمُولِهِ لِلْعِلَّةِ الْبَسِيطَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْحَامِلِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ لِمُسَاوَاتِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ) جَرَى فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَى شُمُولِ الْمُجْتَهِدِ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ وَالْمُجْتَهِدِ الْمُقَيَّدِ وَإِلَّا فَالْحَامِلُ أَعَمُّ مِنْهُ وَلِهَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْمُجْتَهِدِ لِيَتَنَاوَلَ الْمُقَلِّدَ الَّذِي يَقِيسُ عَلَى أَصْلِ إمَامِهِ اهـ. زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: وَافَقَ) أَيْ الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ لِانْصِرَافِ إلَخْ) لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ لِلْفَرْضِ الْكَامِلِ وَالْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِمْ الْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْمَلُ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ الْأَوَّلَ (قَوْلُهُ: الْمُطْلَقَةِ) أَيْ الَّتِي لَمْ تُقَيَّدْ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا عِنْدَ الْحَامِلِ (قَوْلُهُ: وَالْفَاسِدُ قَبْلَ ظُهُورِ فَسَادِهِ) أَيْ وَهُوَ دَاخِلٌ حِينَئِذٍ فِي التَّعْرِيفِ وَدُفِعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ الْفَاسِدُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي التَّعْرِيفِ وَكُلُّ قِيَاسٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ عَدَمُ شُمُولِ التَّعْرِيفِ لِشَيْءٍ مِنْهَا.
[الْقِيَاسُ حُجَّةٌ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ]
(قَوْلُهُ: وَهُوَ حُجَّةٌ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ، وَقَدْ حَرَّرَهُ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ فَقَالَ وَأَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ نَفَوْهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ حَمْلُ النَّظِيرِ عَلَى النَّظِيرِ لَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَالْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْخَوَارِجُ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ ذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ خَاصَّةً إمَّا لِامْتِنَاعِهِ عَقْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ الشِّيعَةِ وَالنَّظَّامُ وَإِمَّا لِامْتِنَاعِهِ سَمْعًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ امْتِنَاعِ الْقِيَاسِ فَقِيلَ هُوَ وَاجِبٌ عَقْلًا لِئَلَّا تَخْلُوَ الْوَقَائِعُ عَنْ الْأَحْكَامِ إذْ النَّصُّ لَا يَفِي بِالْحَوَادِثِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ أَجْنَاسَ الْأَحْكَامِ وَكُلِّيَّاتِهَا مُتَنَاهِيَةٌ لِجَوَازِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهَا بِالْعُمُومَاتِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ النَّهْرَوَانِيُّ وَالْقَاشَانِيُّ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاقِعٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ وَاقِعٌ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهِ فَقِيلَ بِالْعَقْلِ، وَقِيلَ بِالسَّمْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالسَّمْعِ فَقِيلَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، وَقِيلَ قَطْعِيٍّ اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ) ذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ رَجَعَ لِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ كَدَفْعِ الْمَضَارِّ كَانَ مُنْدَرِجًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَالْأَدْوِيَةِ) كَأَنْ يَكُونَ دَوَاءُ هَذَا الْمَرَضِ عَقَارًا حَارًّا فَيُفْقَدُ فَيَأْتِي الطَّبِيبُ بِمَا يُمَاثِلُهُ فِي الْحَرَارَةِ مَثَلًا لِمُوَافَقَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِمِزَاجِ الْمَرَضِ الْمَخْصُوصِ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْأَغْذِيَةُ وَوَجْهُ كَوْنِهِ دُنْيَوِيًّا أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ الْمَطْلُوبُ بِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَلْ ثُبُوتُ نَفْعِ هَذَا الشَّيْءِ لِذَلِكَ الْمَرَضِ وَالْقِيَاسُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ رُكْنٌ جَلِيلٌ مِنْ أَرْكَانِ قَوَاعِدِ الطِّبِّ وَهُوَ أَنْفَعُ وَأَسْلَمُ عِنْدَهُمْ مِنْ التَّجَارِبِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ النُّزْهَةِ الطِّبِّيَّةِ لِدَاوُدَ وَهُوَ شَرْحٌ جَامِعٌ لِمُهِمَّاتِ أُصُولِ الطِّبِّ أَلَّفْنَاهُ عِنْدَ اسْتِقْرَارِنَا بِمَدِينَةِ دِمَشْقَ حِينَ انْصِرَافِنَا مِنْ السِّيَاحَةِ بِالْبِلَادِ الرُّومِيَّةِ
(قَوْلُهُ: لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهِ) فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِعَدَمِ الْمُخَالِفِ عُسْرَةٌ (قَوْلُهُ: لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ) لِجَوَازِ. وُجُودِ فَارِقٍ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ مَعَ الْفَارِقِ بَاطِلٌ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ فِي الدُّنْيَوِيِّ فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُخَفَّفُ فِي الدُّنْيَوِيِّ مَا لَا يُخَفَّفُ فِي غَيْرِهِ
بِمَعْنَى أَنَّهُ مُرَجَّحٌ بِتَرْكِهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحِيلٌ لَهُ وَكَيْفَ يُحِيلُهُ إذَا ظُنَّ الصَّوَابَ فِيهِ (وَ) مَنَعَهُ (ابْنُ حَزْمٍ شَرَعَا) قَالَ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الْحَوَادِثِ بِالْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى اسْتِنْبَاطٍ وَقِيَاسٍ قُلْنَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (وَ) مَنَعَ (دَاوُد غَيْرَ الْجَلِيِّ) مِنْهُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: قُلْنَا بِمَعْنَى إلَخْ) أَيْ نُسَلِّمُ مَنْعَ الْعَقْلِ لَكِنْ بِمَعْنَى إحَالَتِهِ كَمَا اُدُّعِيَتْ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُرَجَّحٌ فَالدَّلِيلُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يُرَجِّحُ الْعَقْلُ الْعَمَلَ بِهِ إذَا جَزَمَ بِعَدَمِ الْفَارِقِ (قَوْلُهُ: لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ مُحِيلٌ لَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُخَالِفَ يَقُولُ إنَّهُ مُحَالٌ عَقْلًا وَلَا صِحَّةَ لَهُ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ الْعَمَلُ بِهِ لَكِنْ فِيهِ شَائِبَةُ تَحْكِيمِ الْعَقْلِ (قَوْلُهُ: وَكَيْفَ يُحِيلُهُ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ لِمَا قُلْنَا وَكَيْفَ يَكُونُ مُرَجِّحًا لِتَرْكِهِ إذَا ظُنَّ إلَخْ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَتْ الْأَسْبَابُ فَإِنَّ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَيْهَا مَظْنُونٌ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ مَانِعٍ (قَوْلُهُ: وَابْنُ حَزْمٍ) اسْمُهُ عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ تَرْجَمَهُ الْعَلَّامَةُ الْمُقْرِي فِي تَارِيخِهِ نَفْحِ الطِّيبِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَهُ بَاعٌ وَاسِعٌ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ مَعَ كَمَالِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ إلَّا أَنَّهُ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَعْلَامِ الدِّينِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ وَلَا بِشَأْنِهِمْ، لَا جَرَمَ أَنَّهُ نُسِبَ لِلْبِدْعَةِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ مَنْ بَعْدَهُ فَكَانَ الْحَالُ كَمَا قِيلَ مَنْ قَالَ شَيْئًا قِيلَ فِيهِ بِمِثْلِهِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ النُّصُوصَ) هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا شَرْعًا لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ وَرَدَ دَلِيلٌ يَمْنَعُهُ بَلْ نَحْنُ مَأْمُورُونَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: 2] ، ثُمَّ إنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يُنْتِجُ الْمَنْعَ الْمَطْلُوبَ، وَإِنَّمَا يُنْتِجُ عَدَمُهُ الِاحْتِيَاجَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِالْأَسْمَاءِ اللُّغَوِيَّةِ) أَيْ بِسَبَبِهَا مَثَلًا الْخَمْرُ لُغَةً لِكُلِّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلْمُتَّخَذِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَغَيْرِهِ فَلَا حَاجَةَ لِقِيَاسِ غَيْرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبْ جَمِيعَ الْأَسْمَاءِ فَإِنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا، وَلَمْ يَرِدْ الرُّزُّ بِالرُّزِّ وَلَا يَشْمَلُهُ الْبُرُّ إلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ وَالْأَصْلُ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَمَنَعَ دَاوُد) هُوَ دَاوُد بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ إمَامُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وُلِدَ سَنَةَ مِائَتَيْنِ، وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَهُدَاتِهِمْ وَلَهُ فَضَائِلُ الشَّافِعِيِّ مُصَنَّفَاتٌ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْقَعْنَبِيَّ وَعَمْرَو بْنَ مَرْزُوقٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ الْعَبْدِيَّ وَمُسَدَّدًا وَأَبَا ثَوْرٍ الْفَقِيهَ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ رَحَلَ إلَيْهِ إلَى نَيْسَابُورَ فَسَمِعَ مِنْهُ الْمُسْنَدَ وَالتَّفْسِيرَ وَجَالَسَ الْأَئِمَّةَ وَصَنَّفَ الْكِتَابَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ كَانَ إمَامَ النَّاسِ وَرِعًا نَاسِكًا زَاهِدًا وَفِي كُتُبِهِ حَدِيثٌ كَثِيرٌ لَكِنْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ عَزِيزَةٌ جِدًّا رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَزَكَرِيَّا السَّاجِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الدَّرَاوَرْدِيُّ الْفَقِيهُ وَغَيْرُهُمْ قِيلَ كَانَ فِي مَجْلِسِهِ أَرْبَعُمِائَةِ صَاحِبِ طَيْلَسَانٍ أَخْضَرَ وَكَانَ مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه انْتَهَتْ إلَيْهِ رِيَاسَةُ الْعِلْمِ بِبَغْدَادَ
بِخِلَافِ الْجَلِيِّ الصَّادِقِ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي وَاقْتَصَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ قِيَاسُ الْأَوْلَى وَهُوَ مَا يَكُونُ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ فِي الْفَرْعِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْأَصْلِ كَمَا سَيَأْتِي (وَ) مَنَعَهُ (أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالرُّخَصِ وَالتَّقْدِيرَاتِ) قَالَ
ــ
[حاشية العطار]
وَأَصْلُهُ مِنْ أَصْفَهَانَ وَمَوْلِدُهُ بِالْكُوفَةِ وَمُنْشَؤُهُ بِبَغْدَادَ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَحْمَدُ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْمُسْتَمْلِي رَأَيْت دَاوُد بْنَ عَلِيٍّ يَرُدُّ عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَمَا رَأَيْت أَحَدًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ هَيْبَةً لَهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بُجَيْرٍ سَمِعْت دَاوُد بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ دَخَلْت عَلَى إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ يَحْتَجِمُ فَجَلَسْت فَرَأَيْت كُتُبَ الشَّافِعِيِّ فَأَخَذْت أَنْظُرُ فِيهَا فَصَاحَ أَيُّ شَيْءٍ تَنْظُرُ؟ فَقُلْت مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ فَجَعَلَ يَضْحَكُ. سُئِلَ عَنْ الْخُنْثَى إذَا مَاتَ مَنْ يُغَسِّلُهُ فَقَالَ يُغَسِّلُهُ الْخَدَمُ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُعَاصِرِينَ إنَّهُ يَتَيَمَّمُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ جَوَابُ دَاوُد بِبَالِغٍ فِي الْإِنْكَارِ، فِي مَذْهَبِنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَآخَرُ نَشْتَرِي مِنْ تَرِكَتِهِ جَارِيَةً لِتُغَسِّلَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا لِلضَّرُورَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الصِّغَرِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاعْتِدَادِ بِخِلَافِ دَاوُد وَأَتْبَاعِهِ فِي الْفُرُوعِ وَعَدَمِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ آخِرًا.
ثَانِيهَا عَدَمُ اعْتِبَارِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ رَأْيُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ حَيْثُ قَالَ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّهُمْ يَعْنِي نُفَاةَ الْقِيَاسِ لَا يَبْلُغُونَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ الْقَضَاءَ وَأَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرَهُ مِنْ الشَّافِعِيِّينَ لَا يَعْتَدُّونَ بِخِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَعَزَاهُ إلَى أَهْلِ التَّحْقِيقِ فَقَالَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ لَا يُقِيمُونَ لِأَهْلِ الظَّاهِرِ وَزْنًا، وَقَالَ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنْ النِّهَايَةِ كُلُّ مَسْلَكٍ يَخْتَصُّ بِهِ أَصْحَابُ الظَّاهِرِ عَنْ الْقِيَاسِيِّينَ فَالْحُكْمُ بِحَسَبِهِ مَنْقُوضٌ قَالَ وَيَحِقُّ. قَالَ حَبْرُ الْأُصُولِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنِّي لَا أَعُدُّهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَلَا أُبَالِي بِخِلَافِهِمْ وَلَا وِفَاقِهِمْ، وَقَالَ فِي بَابِ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي السَّرِقَةِ كَرَّرْنَا فِي بَابِ " مَوَاضِيعُ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ " أَنَّ أَصْحَابَ الظَّاهِرِ لَيْسُوا مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، وَإِنَّمَا هُمْ نَقَلَةٌ إنْ ظَهَرَتْ الثِّقَةُ اهـ.
ثَالِثُهَا أَنَّ قَوْلَهُمْ مُعْتَبَرٌ إلَّا فِيمَا خَالَفَ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ رَأْيُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ وَسَمَاعِي عَنْ الشَّيْخِ الْوَالِدِ رحمه الله أَنَّ الَّذِي صَحَّ عِنْدَهُ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ لَا يُنْكِرُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، وَإِنْ نَقَلَ إنْكَارَهُ عَنْهُ نَاقِلُونَ قَالَ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ الْخَفِيَّ فَقَطْ قَالَ وَمُنْكِرُ الْقِيَاسِ مُطْلَقًا جَلِيِّهِ وَخَفِيِّهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ زَعِيمُهُمْ ابْنُ حَزْمٍ اهـ.
مِنْ طَبَقَاتِ الْمُصَنِّفِ بِاخْتِصَارِهِ، وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَقَفْت عَلَى مُصَنَّفٍ لِدَاوُدَ نَفْسِهِ وَهُوَ رِسَالَةٌ أَرْسَلَهَا إلَى الْمُزَنِيّ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى نَفْيِ الْقِيَاسِ، ثُمَّ حَرَصْت كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى أَنْ أُبْصِرَ فِيهَا تَفْرِقَةً بَيْنَ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ أَوْ تَصْرِيحِهِ بِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ فَلَمْ أَجِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذِهِ الرِّسَالَةُ عِنْدِي بِخَطٍّ قَدِيمٍ مَكْتُوبٍ قَبْلَ الثَّلَاثِمِائَةِ، وَقَدْ قَرَأْت مِنْهَا عَلَى الْوَالِدِ رحمه الله كَثِيرًا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ، ثُمَّ الْآنَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَعَدْت النَّظَرَ فِيهَا لَأَرَى ذَلِكَ فَلَمْ أَرَهُ وَعِنْدِي مُخْتَصَرٌ لَطِيفٌ لِدَاوُدَ أَيْضًا فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْقِيَاسَ لَكِنَّهُ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْ الْأَقْيِسَةِ الْجَلِيَّةِ سَمَّاهَا الِاسْتِنْبَاطَ فَلَعَلَّ هَذَا مَأْخَذُ الْوَالِدِ رحمه الله فِيمَا كَانَ يَنْقُلُهُ عَنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْجَلِيِّ) قَالَ الْآمِدِيُّ أَمَّا الْجَلِيُّ وَهُوَ مَا كَانَ الْمُلْحَقُ أَوْلَى مِنْ الْمُلْحَقِ بِهِ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ قَالَهُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ كَمَا حَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمَذْهَبِهِ اهـ. خَالِدٌ
(قَوْلُهُ: وَاقْتَصَرَ فِي شَرْحِ إلَخْ) أَيْ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنْكِرُ الْمُسَاوِيَ فَيُخَالِفُ مَا هُنَا
(قَوْلُهُ: وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْحُدُودِ) أَيْ مَنَعَ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْحَدِّ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ فَفِي تَعْلِيلِيَّةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ نَحْنُ وَإِنْ وَافَقْنَاهُ فِي التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ لَا نُطْلِقُهُ بَلْ نُقَيِّدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُدْرَكْ الْمَعْنَى فِيمَا مَنَعُوهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْجَوَابِ اهـ.
قَالَ سم وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ مِنْ أَنَّ الرُّخَصَ يُقْتَصَرُ
لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُدْرَكُ فِي بَعْضِهَا فَيَجْرِي فِيهِ الْقِيَاسُ كَقِيَاسِ النَّبَّاشِ عَلَى السَّارِقِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ بِجَامِعِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ حِرْزٍ خُفْيَةً وَقِيَاسِ الْقَاتِلِ عَمْدًا عَلَى الْقَاتِلِ خَطَأً فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقِيَاسِ غَيْرِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ بِجَامِعِ الْجَامِدِ الطَّاهِرِ الْقَالِعِ
وَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَنْ الْقِيَاسِ بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ وَسَمَّاهُ دَلَالَةَ النَّصِّ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْهُ وَقِيَاسِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْكَفَّارَةِ فِي تَقْرِيرِهَا عَلَى الْمُوسِرِ بِمُدَّيْنِ كَمَا فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ وَالْمُعْسِرِ بِمُدٍّ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْوِقَاعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَالٌ يَجِبُ بِالشَّرْعِ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ وَأَصْلُ التَّفَاوُتِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] الْآيَةَ
ــ
[حاشية العطار]
فِيهَا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ مَمْنُوعٌ عَلَى إطْلَاقِهِ فَتَفَطَّنْ لَهُ، ثُمَّ إنَّ إمَامَنَا الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه ذَكَرَ لَهُمْ مُنَاقَضَاتٍ فِي هَذَا الْبَابِ فَأَمَّا الْحُدُودُ فَإِنَّهُمْ قَاسُوا فِيهَا حَتَّى عَدُّوهَا إلَى الِاسْتِحْسَانِ فَأَوْجَبُوا الْحَدَّ عَلَى شَخْصٍ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ وَعَيَّنَ كُلُّ شَخْصٍ مِنْهُمْ رِوَايَةً مَعَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْعَقْلِ فَلَأَنْ نَعْمَلَ فِيهِ بِمَا يُوَافِقُ الْعَقْلَ أَوْلَى.
وَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَقَاسُوا فِيهَا الْإِفْطَارَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ عَلَى الْإِفْطَارِ بِالْجِمَاعِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ نَاسِيًا عَلَى قَتْلِهِ عَامِدًا مَعَ تَقْيِيدِ النَّصِّ بِالْعَمْدِ، وَأَمَّا الْمُقَدَّرَاتُ فَقَالُوا فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا الْحَيَوَانُ فَيَنْزَحُ مِنْهَا لِلدَّجَاجَةِ مِائَةَ دَلْوٍ مَثَلًا وَلِلْفَأْرَةِ خَمْسِينَ دَلْوًا وَهَذَا التَّقْدِيرُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا، وَأَمَّا الرُّخَصُ فَقَاسُوا فِيهَا أَيْضًا فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ رُخْصَةٌ وَقَاسُوا عَلَيْهِ سَائِرَ النَّجَاسَاتِ فَخَالَفُوا دَعْوَاهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَهَا مَعْنًى وَلَكِنْ لَا يُدْرَكُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ التَّعَبُّدِيَّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْنًى لِاسْتِحَالَةِ الْعَبَثِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ الْمَعْنَى لِدِقَّتِهِ لَا يُدْرَكُ وَالْمُرَادُ الْمَعْنَى الَّذِي يُجْعَلُ جَامِعًا وَهِيَ الْعِلَّةُ الَّتِي يَنْبَنِي عَلَيْهَا الْقِيَاسُ (قَوْلُهُ: فِي بَعْضِهَا) أَيْ فِي بَعْضِ أَفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَيُقَالُ فِيهِ بِالْقِيَاسِ فَلَا تَتِمُّ كُلِّيَّةُ السَّلْبِ، وَقَدْ مَثَّلَ لِكُلٍّ مِنْهَا بِمِثَالٍ (قَوْلُهُ: كَقِيَاسِ النَّبَّاشِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّارِقِ؛ لِأَنَّهُ آخِذٌ لِلْأَكْفَانِ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهَا فَلَا حَاجَةَ لِلْقِيَاسِ مَعَ تَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى السَّارِقِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْقَبْرِ (قَوْلُهُ: مِنْ حِرْزٍ إلَخْ) أَيْ وَالْقَبْرُ حِرْزٌ لِمَا وُضِعَ فِيهِ مِمَّا كَانَ مُبَاحًا وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ الْوَرَثَةُ فِي الْكَفَنِ فَإِنَّ لَهُمْ تَقْدِيرًا لَوْ فُرِضَ أَنْ لَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبُعٌ (قَوْلُهُ: فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) هِيَ مَنْدُوبَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ غَيْرِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ) فَإِنْ قِيلَ غَيْرُ الْحَجَرِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ رُخْصَةً إذْ الرُّخْصَةُ جَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ آلَةُ الرُّخْصَةِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ صَحَّ الْقِيَاسُ فِيمَا تَكُونُ بِهِ الرُّخْصَةُ صَحَّ فِيهَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِجَامِعِ الْجَامِدِ الطَّاهِرِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَامِدٌ طَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ) أَيْ غَيْرَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ) فَالْمُرَادُ بِالْحَجَرِ فِي النَّصِّ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ
(قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ أَيْ أَعْطَى غَيْرَ الْحَجَرِ حُكْمَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ سَمَّى إعْطَاءَ غَيْرِ الْحَجَرِ حُكْمَ الْحَجَرِ (قَوْلُهُ: دَلَالَةُ النَّصِّ) يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ أَقْسَامِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَأَخْرَجَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ اسْتِنْبَاطًا بِالْقِيَاسِ وَدَلَالَةُ النَّصِّ عِنْدَهُمْ هِيَ الْمُسَمَّاةُ عِنْدَنَا مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ) أَيْ بِكَوْنِهِ فِي مَعْنَى الْحَجَرِ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الْحَجَرَ لَا يُطْلَقُ عَلَى نَحْوِ الْخِرْقَةِ فَلَا بُدَّ فِي إلْحَاقِهَا مِنْ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي فِدْيَةِ الْحَجِّ) أَيْ الْفِدْيَةِ الْوَاقِعَةِ بِارْتِكَابِ مَحْذُورٍ مِنْ مَحْذُورَاتِهِ مَثَلًا كَاللُّبْسِ وَالدُّهْنِ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ التَّفَاوُتِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ تَفَاوُتَ الْمُوسِرِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى فِدْيَةِ الْحَجِّ فَأَجَابَ بِأَنَّ الثَّابِتَ إنَّمَا هُوَ أَصْلُ التَّفَاوُتِ لَا تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ فَإِنَّهُ بِالْقِيَاسِ
(وَ) مَنَعَهُ (ابْنُ عَبْدَانِ مَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ) لِوُقُوعِ حَادِثَةٍ لَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِيهَا فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَقَعْ فَلَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ قُلْنَا فَائِدَتُهُ الْعَمَلُ بِهِ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةُ (وَ) مَنَعَهُ (قَوْمٌ فِي الْأَسْبَابِ وَالشُّرُوطِ وَالْمَوَانِعِ) قَالُوا لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِيهَا يُخْرِجُهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ إذْ يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا هُوَ السَّبَبُ وَالشَّرْطُ وَالْمَانِعُ لَا خُصُوصُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَقِيسِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يُخْرِجُهَا عَمَّا ذُكِرَ وَالْمَعْنَى مُشْتَرَكٌ فِيهِ كَمَا هُوَ عِلَّةٌ لَهَا يَكُونُ عِلَّةً لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِثَالُهُ فِي السَّبَبِ قِيَاسُ اللِّوَاطِ عَلَى الزِّنَا بِجَامِعِ إيلَاجِ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طَبْعًا (وَ) مَنَعَهُ (قَوْمٌ فِي أُصُولِ الْعِبَادَاتِ) فَنَفَوْا جَوَازَ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ الْمَقِيسَةِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ بِجَامِعِ الْعَجْزِ. قَالُوا لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ تَتَوَفَّرُ عَلَى نَقْلِ أُصُولِ الْعِبَادَاتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَعَدَمُ نَقْلِ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهَا فَلَا يَثْبُتُ جَوَازُهَا بِالْقِيَاسِ وَدَفْعُ ذَلِكَ بِمَنْعِهِ ظَاهِرٌ
(وَ) مَنَعَ (قَوْمٌ) الْقِيَاسِ الْجُزْئِيَّ (الْحَاجِيُّ) أَيْ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى مُقْتَضَاهُ (إذَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَلَى وَفْقِهِ) فِي مُقْتَضَاهُ (كَضَمَانِ الدِّرْعِ) وَهُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا الْقِيَاسَ يَقْتَضِي مَنْعَهُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَمَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ الِاشْتِغَالَ بِهِ (قَوْلُهُ: ابْنُ عَبْدَانَ) هُوَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا) الْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظَةِ فِيمَا وَتَأَخُّرُ الْقِيَاسِ إلَى الْوُقُوعِ فَلَا يُوجَدُ مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: إذْ يَكُونُ إلَخْ) مَثَلًا الزِّنَا سَبَبٌ لِلْحَدِّ فَقِيسَ عَلَيْهِ اللِّوَاطُ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لَهُ أَيْضًا فَالْمَانِعُ الْقِيَاسَ يَقُولُ الْقِيَاسُ فِي السَّبَبِ يُخْرِجُهُ عَنْ السَّبَبِيَّةِ إذْ يَكُونُ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ إيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طَبْعًا هُوَ السَّبَبَ فِي الْحَدِّ لَا خُصُوصَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَهُوَ الزِّنَا أَوْ الْمَقِيسُ وَهُوَ اللِّوَاطُ وَكَالْإِسْكَارِ فِي قِيَاسِ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلْحَدِّ (قَوْلُهُ: الْمَقِيسِ عَلَيْهِ) كَمَا هُوَ الْفَرْضُ بِالْفَاءِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْمَقِيسِ كَمَا هُوَ الْغَرَضُ بِالْغَيْنِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ عِلَّةٌ لَهَا) أَيْ لِجَعْلِهَا أَسْبَابًا وَشُرُوطًا وَمَوَانِعَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْجَامِعَ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا) أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ لَا أَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا فَقَطْ (قَوْلُهُ: مِثَالُهُ فِي السَّبَبِ إلَخْ) وَمِثَالُهُ فِي الشَّرْطِ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ الْجَلْدُ فِي الزِّنَا عُقُوبَةٌ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِسْلَامُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجْمِ وَمِثَالُ الْمَانِعِ قِيَاسُ مَنْعِ الْمُحْرِمِ مِنْ اسْتِدَامَةِ مِلْكِ الصَّيْدِ قِيَاسًا عَلَى مَنْعِهِ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ بِجَامِعِ حُرْمَةِ الْإِحْرَامِ
1 -
(قَوْلُهُ:)(بِالْإِيمَاءِ) أَيْ بِالْإِيمَاءِ بِالْحَاجِبِ وَنَحْوِهِ لَا بِالرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَعَلَيْهِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ عَلَى صَلَاةِ الْمُومِئِ بِرَأْسِهِ اهـ زَكَرِيَّا
(قَوْلُهُ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا) كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَاسِ فِي أُصُولِ الْعِبَادَاتِ أَعَمُّ مِنْ الْقِيَاسِ فِي نَفْسِهَا أَوْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَالْإِيمَاءِ فِي الْمِثَالِ وَفِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْمِثَالِ اهـ. سم
(قَوْلُهُ: وَدَفْعُ ذَلِكَ بِمَنْعِهِ ظَاهِرٌ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُودِهَا بَلْ عَلَى عَدَمِ الِاطِّلَاعِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُجُودِ فِي الْوَاقِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَمَنَعَ قَوْمٌ الْقِيَاسَ الْجُزْئِيَّ إلَخْ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ لِلْأُصُولِيِّينَ، وَإِنَّمَا حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْوَكِيلِ اهـ زَكَرِيَّا.
وَالتَّقْيِيدُ بِالْجُزْئِيِّ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ مَنْعَ الْقِيَاسِ الْجُزْئِيِّ مِنْ حَيْثُ إفْرَادُهُ بِدَلِيلِ الْأَمْثِلَةِ لَا مِنْ حَيْثُ مَاهِيَّتُه الْكُلِّيَّةُ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ مَفْهُومُهُ الْجَوَازُ عِنْدَ الْوُرُودِ، وَقَدْ يُشْكِلُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ الْأَصْلِ شَامِلًا لِلْفَرْعِ اهـ.
وَأَقُولُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ
لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَعَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ
ــ
[حاشية العطار]
فِيهِ خِلَافٌ قَوِيٌّ حَتَّى نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ الْأَكْثَرِ جَوَازَ الْقِيَاسِ مَعَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالنَّصِّ وَحِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّقْيِيدَ؛ لِأَنَّهُ الْمَحَلُّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُجَوِّزِي الْقِيَاسِ وَعِنْدَ التَّقْيِيدِ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ خُصُوصًا وَالْمَسْأَلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ابْنِ الْوَكِيلِ وَهَذَا الْقَيْدُ فِي كَلَامِهِ وَلَعَلَّهُ مِمَّنْ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَنَقْلُ مَا قَالَهُ بِتَمَامِهِ هُوَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا وَجْهَ لِلتَّوَقُّفِ اهـ. سم
(قَوْلُهُ: كَضَمَانِ الدَّرْكِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ كَأَنْ يُقَاسَ عَلَى ضَمَانِ الْوَاجِبِ فِي الْجَوَازِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهَا وَوَجْهُ الْمَنْعِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَأَيْضًا فَيَكُونُ الْقِيَاسُ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَقْتَضِي مَنْعَهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ وَحِينَئِذٍ فَالْمِثَالُ مُطَابِقٌ وَلَا حَاجَةَ إلَّا مَا تَكَلَّفَهُ الشَّارِحُ، وَتَعْلِيلُ الْمَتْنِ بِهَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ لَا يَضُرُّ فِيهِ كَوْنُ مُقْتَضَى الْأُولَى الْجَوَازَ وَالثَّانِيَةِ الْمَنْعَ اهـ.
وَأَقُولُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ غَيْرُ مُتَوَجِّهٍ عَلَى الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَمَلَ الْمِثَالَ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّرَهُ حَتَّى لَزِمَ عَدَمُ الْمُطَابَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْوَكِيلِ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّارِحِ ذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. مِنْ سم.
(قَوْلُهُ: الْقِيَاسُ يَقْتَضِي إلَخْ) أَيْ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَجِبْ يَقْتَضِي مَنْعَ الضَّمَانِ (قَوْلُهُ: مَنَعَهُ) أَيْ مَنَعَ اشْتِرَاطَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ) هَذَا عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ رحمه الله أَنَّهُ يَكُونُ فِيمَا لَمْ يَجِبْ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ ابْنُ سُرَيْجٍ) هُوَ الْقَاضِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ ابْنُ عُمَرَ بْنِ سُرَيْجٍ تَرْجَمَهُ الْمُصَنِّفِ فِي الطَّبَقَاتِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ كَانَ يُقَالُ لَهُ الْبَازُ الْأَشْهَبُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِشِيرَازَ وَكَانَ يُفَضَّلُ عَلَى جَمِيعِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ حَتَّى عَلَى الْمُزَنِيّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالشَّافِعِيِّ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِالْمُزَنِيِّ يَقُولُ رَبِّ هَذَا قَدْ أَفْسَدَ عُلُومِي فَأَقُولُ أَنَا مَهْلًا بِأَبِي إبْرَاهِيمَ فَإِنِّي لَمْ أَزَلْ فِي إصْلَاحِ مَا أَفْسَدَهُ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا أُرِيت الْبَارِحَةَ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ لِي هَذَا رَبُّك تَعَالَى يُخَاطِبُك قَالَ فَسَمِعْت الْخِطَابَ بِمَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ قَالَ فَقِيلَ بِمَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ قَالَ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّهُ يُرَادُ مِنِّي زِيَادَةٌ فِي الْجَوَابِ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ غَيْرَ أَنَّا أَصَبْنَا مِنْ هَذِهِ الذُّنُوبِ فَقَالَ أَمَا إنِّي سَأَغْفِرُ لَك وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَالَ لَنَا ابْنُ سُرَيْجٍ يَوْمًا أَحْسِبُ أَنَّ الْمَنِيَّةَ قَدْ قَرُبَتْ فَقُلْنَا وَكَيْفَ قَالَ رَأَيْت الْبَارِحَةَ كَأَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ وَالنَّاسَ قَدْ حُشِرُوا وَكَأَنَّ مُنَادِيًا يُنَادِي بِمَ أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ فَقُلْت بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ فَقَالَ مَا سَأَلْتُمْ عَنْ الْأَقْوَالِ بَلْ سَأَلْتُمْ عَنْ الْأَفْعَالِ فَقُلْت أَمَّا الْكَبَائِرُ فَقَدْ اجْتَنَبْنَاهَا.
وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَعَوَّلْنَا فِيهَا عَلَى عَفْوِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَقُلْنَا لَهُ مَا فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي سُرْعَةَ الْمَوْتِ فَقَالَ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْله تَعَالَى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1] قَالَ فَمَاتَ بَعْدَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ قِيلَ إنَّ مُصَنَّفَاتِهِ بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَكَانَ يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ مُنَاظَرَاتٌ قَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ يَوْمًا أَبْلِعْنِي رِيقِي فَقَالَ أَبْلَعْتُك دِجْلَةَ، وَقَالَ مَرَّةً أَمْهِلْنِي السَّاعَةَ فَقَالَ أَمْهَلْتُك مِنْ السَّاعَةِ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَتَنَاظَرَا مَرَّةً فِي بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ ابْنُ دَاوُد تُبَاعُ؛ لِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً تُبَاعُ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَزُولُ بِوِلَادَتِهَا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا لَا تُبَاعُ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهَا تُبَاعُ إذَا انْفَصَلَ الْحَمْلُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ فَبُهِتَ ابْنُ دَاوُد
وَقَالَ لَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَرَّةً فِي أَثْنَاءِ الْمُنَاظَرَةِ أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِكِتَابِ الزَّهْرَةِ أَمْهَرُ مِنْك فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَوَ بِكِتَابِ الزَّهْرَةِ تُعَيِّرُنِي وَاَللَّهِ مَا تُحْسِنُ تَسْتَتِمُّ قِرَاءَتَهُ قِرَاءَةَ مَنْ يَفْهَمُ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَجَلِّ الْمَنَاقِبِ إذْ كُنْت أَقُولُ فِيهِ:
أُكَرِّرُ فِي رَوْضِ الْمَحَاسِنِ مُقْلَتِي
…
وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَالَ مُحَرَّمَا
وَيَنْطِقُ سِرِّي عَنْ مُتَرْجِمِ خَاطِرِي
…
فَلَوْلَا اخْتِلَاسِي رَدَّهُ لَتَكَلَّمَا
رَأَيْت الْهَوَى دَعْوَى مِنْ النَّاسِ كُلِّهِمْ
…
فَمَا أَنْ أَرَى حَيًّا صَحِيحًا مُسْلِمَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية العطار]
فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ أَوَعَلَيَّ تَفْتَخِرُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَأَنَا الَّذِي أَقُولُ:
وَمُسَاهِرٌ بِالْغُنْجِ مِنْ لَحَظَاتِهِ
…
قَدْ بِتّ أَمْنَعُهُ لَذِيذَ سِنَاتِهِ
أَصْبُو لِحُسْنِ حَدِيثِهِ وَعِتَابِهِ
…
وَأُكَرِّرُ اللَّحَظَاتِ مِنْ وَجْنَاتِهِ
حَتَّى إذَا مَا الصُّبْحُ لَاحَ عَمُودُهُ
…
وَلَّى بِخَاتَمِ رَبِّهِ وَبَرَاتِهِ
فَقَالَ ابْنُ دَاوُد لِأَبِي عُمَرَ وَكَانَ حَاضِرًا بِمَجْلِسِ الْوَزِيرِ وَقْتَ الْمُنَاظَرَةِ أَيَّدَ اللَّهُ الْقَاضِيَ قَدْ أَقَرَّ بِالْمَبِيتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِمَّا يُوجِبُهُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ مَذْهَبِي أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا أَقَرَّ إقْرَارًا وَنَاطَهُ بِصِفَةٍ كَانَ إقْرَارُهُ مَوْكُولًا إلَى صِفَتِهِ
فَقَالَ ابْنُ دَاوُد لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قُلْته اخْتِيَارِيٌّ السَّاعَةَ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْوَزِيرُ مُنْحَرِفًا عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ لِفَضْلِ تَرَفُّعِهِ وَتَقَاعُدِهِ عَنْ زِيَارَتِهِ مَائِلًا إلَى أَبِي بَكْرٍ الْمَالِكِيِّ الْقَاضِي لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَى خِدْمَتِهِ وَلِذَلِكَ قَلَّدَهُ الْقَضَاءَ وَكَانَ أَبُو عُمَرَ مُتَرَفِّعًا عَلَى أَكْفَائِهِ مِنْ فُقَهَاءِ بَغْدَادَ لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ فَحَمَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَتَبُّعِ فَتَاوِيهِ حَتَّى ظَفِرُوا لَهُ بِفَتْوًى خَالَفَ فِيهَا الْجَمَاعَةَ وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ وَأَنْهَوْا ذَلِكَ إلَى الْخَلِيفَةِ وَالْوَزِيرِ فَعَقَدُوا مَجْلِسًا لِذَلِكَ وَفِيمَنْ حَضَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى السُّكُوتِ فَقَالَ لَهُ الْوَزِيرُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَا أَكَادُ أَقُولُ فِيهِمْ، وَقَدْ ادَّعَوْا عَلَيْهِ خَرْقَ الْإِجْمَاعِ وَأَعْيَاهُ الِانْفِصَالُ عَمَّا اعْتَرَضُوا بِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ قَوْلُ عِدَّةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَعْجَبُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ قَوْلُ إمَامِهِ مَالِكٍ وَهُوَ مَسْطُورٌ فِي الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ فَأَمَرَ الْوَزِيرُ بِإِحْضَارِ ذَلِكَ الْكِتَابِ فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَهُ فَأُعْجِبَ بِهِ غَايَةَ الْإِعْجَابِ وَتَعَجَّبَ مِنْ حِفْظِهِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَغَفْلَةِ أَبِي عُمَرَ عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَسَارَ هَذَا مِنْ أَوْكَدِ الصَّدَاقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَزِيرِ اهـ.
أَقُولُ مَنْ تَأَمَّلَ مَا سَطَّرْنَاهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّصَدِّي لِتَرَاجُمِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رُسُوخِ قِدَمِهِمْ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ لَهُمْ اطِّلَاعٌ عَظِيمٌ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعُلُومِ وَإِحَاطَةٌ تَامَّةٌ بِكُلِّيَّاتِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا حَتَّى فِي كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ فِي الْعَقَائِدِ وَالْفُرُوعِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ النَّقْلُ عَنْهُمْ فِي كُتُبِهِمْ وَالتَّصَدِّي لِدَفْعِ شُبَهِهِمْ، وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَجَاوُزُهُمْ إلَى النَّظَرِ فِي كُتُبِ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنِّي وَقَفْت عَلَى مُؤَلَّفٍ لِلْقَرَافِيِّ رَدَّ فِيهِ عَلَى الْيَهُودِ شُبَهًا أَوْرَدُوهَا عَلَى الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لَمْ يَأْتِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ إلَّا بِنُصُوصِ التَّوْرَاةِ وَبَقِيَّةِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ حَتَّى يَظُنَّ النَّاظِرُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، ثُمَّ هُمْ مَعَ ذَلِكَ مَا أَخَلُّوا فِي تَثْقِيفِ أَلْسِنَتِهِمْ وَتَرْقِيقِ طِبَاعِهِمْ مِنْ رَقَائِقِ الْأَشْعَارِ وَلَطَائِفِ الْمُحَاضَرَاتِ وَمَنْ نَظَرِ مَا دَارَ بَيْنَ الْمُصَنِّفِ رحمه الله وَبَيْنَ عَصْرِيِّهِ الْأَدِيبِ الصَّلَاحِ الصَّفَدِيِّ مِنْ الْمُرَاسَلَاتِ الْبَلِيغَةِ وَالْأَشْعَارِ الرَّقِيقَةِ عَلِمَ أَنَّهُ رحمه الله مِمَّنْ يَخْضَعُ لَهُ رِقَابُ الْبُلَغَاءِ وَتَجْرِي فِي مِضْمَارِهِ سَوَابِقُ الْأُدَبَاءِ
وَكَذَا مَا دَارَ بَيْنَ سُلْطَانِ الْمُحَدِّثِينَ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ وَمَنْ عَاصَرَهُ مِنْ فُحُولِ الْأُدَبَاءِ مِنْ لَطَائِفِ الْأَشْعَارِ وَالنِّكَاتِ الْأَدَبِيَّةِ، وَكَذَا الْعَلَّامَةُ الدَّمَامِينِيُّ بَلْ وَبَيْنَ الْحَافِظِ السُّيُوطِيّ وَالسَّخَاوِيِّ مِنْ الْمُنَاقَضَاتِ وَمَا أَلَّفَهُ مِنْ الْمَقَامَاتِ وَفِيمَا انْتَهَى إلَيْهِ الْحَالُ فِي زَمَنٍ وَقَعْنَا فِيهِ عُلِمَ أَنَّ نِسْبَتَنَا إلَيْهِمْ كَنِسْبَةِ عَامَّةِ زَمَانِهِمْ فَإِنَّ قُصَارَى أَمْرِنَا النَّقْلُ عَنْهُمْ بِدُونِ أَنْ نَخْتَرِعَ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، وَلَيْتَنَا وَصَلْنَا إلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ بَلْ اقْتَصَرْنَا عَلَى النَّظَرِ فِي كُتُبٍ مَحْصُورَةٍ أَلَّفَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُسْتَمِدُّونَ مِنْ كَلَامِهِمْ نُكَرِّرُهَا طُولَ الْعُمُرِ وَلَا تَطْمَحُ نُفُوسُنَا إلَى النَّظَرِ فِي غَيْرِهَا حَتَّى كَانَ الْعِلْمُ انْحَصَرَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ عَلَيْنَا سُؤَالٌ مِنْ غَوَامِضِ عِلْمِ الْكَلَامِ تَخَلَّصْنَا عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا كَلَامُ الْفَلَاسِفَةِ وَلَا نَنْظُرُ فِيهِ أَوْ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ قُلْنَا لَمْ نَرَهَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَلَا أَصْلَ لَهَا أَوْ نُكْتَةٌ أَدَبِيَّةٌ قُلْنَا هَذَا مِنْ عُلُومِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ وَهَكَذَا فَصَارَ الْعُذْرُ أَقْبَحُ مِنْ الذَّنْبِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَّا فِي مَجْلِسٍ فَالْمُخَاطَبَاتُ مُخَاطَبَاتُ الْعَامَّةِ وَالْحَدِيثُ حَدِيثُهُمْ فَإِذَا جَرَى فِي الْمَجْلِسِ نُكْتَةٌ أَدَبِيَّةٌ رُبَّمَا لَا نَتَفَطَّنُ لَهَا، وَإِنْ تَفَطَّنَّا لَهَا بَالَغْنَا فِي إنْكَارِهَا وَالْإِغْمَاضِ عَنْ قَائِلِهَا إنْ كَانَ مُسَاوِيًا وَإِيذَائِهِ بِشَنَاعَةِ الْقَوْلِ إنْ كَانَ أَدْنَى وَنَسَبْنَاهُ إلَى عَدَمِ الْحِشْمَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ
وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ مَسْأَلَةٌ غَامِضَةٌ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ تَقُومُ الْقِيَامَةُ وَتَكْثُرُ الْمَقَالَةُ وَيَتَكَدَّرُ الْمَجْلِسُ وَتَمْتَلِئُ الْقُلُوبُ بِالشَّحْنَاءِ وَتُغْمِضُ الْعُيُونُ عَلَى الْقَذْي فَالْمَرْمُوقُ
لِعُمُومِ
الْحَاجَةِ
إلَيْهِ لِمُعَامَلَةِ الْغُرَبَاءِ وَغَيْرِهِمْ لَكِنْ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الرُّجُوعِ حَيْثُ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا وَالْمِثَالُ غَيْرُ مُطَابِقٍ فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ فِيهِ إلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يُفَسَّرَ قَوْلُهُ الْحَاجِيَّ بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى خِلَافِهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ ابْنِ الْوَكِيلِ، وَقَدْ قَالَ قَاعِدَةُ الْقِيَاسِ الْجُزْئِيِّ إذَا لَمْ يَرِدْ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيَانٌ عَلَى وَفْقِهِ مَعَ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي زَمَانِهِ أَوْ عُمُومِ الْحَاجَةِ إلَى خِلَافِهِ هَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ الْقِيَاسِ؟ فِيهِ خِلَافٌ وَذَكَرَ لَهُ صُوَرًا مِنْهَا ضَمَانُ الدَّرْكِ ذَكَرَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مِثَالٌ لِلشِّقِّ الثَّانِي مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَمِنْهَا وَهُوَ مِثَالٌ لِلْأَوَّلِ صَلَاةُ الْإِنْسَانِ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَغُسِّلُوا وَكُفِّنُوا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ.
الْقِيَاسُ يَقْتَضِي جَوَازَهَا وَعَلَيْهِ الرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ عَلَى غَائِبٍ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ لِذَلِكَ لِنَفْعِ الْمُصَلِّي وَالْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرِدْ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيَانٌ لِذَلِكَ وَوَجْهُ مَنْعِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْءِ الْأَوَّلِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَفِي الثَّانِي
ــ
[حاشية العطار]
بِنَظَرِ الْعَامَّةِ الْمَوْسُومِ بِمَا يُسَمَّى الْعِلْمَ إمَّا أَنْ يَتَسَتَّرَ بِالسُّكُوتِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الشَّيْخَ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ يَهْذُو بِمَا تَمُجُّهُ الْأَسْمَاعُ وَتَنْفِرُ عَنْهُ الطِّبَاعُ وَقَالُوا سَكِرْنَا بِحُبِّ الْإِلَهِ وَمَا أَسْكَرَ الْقَوْمَ إلَّا الْقَطْعُ فَحَالُنَا الْآنَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَجْلِسِ وَعْظِهِ بِبَغْدَادَ مَا فِي الدِّيَارِ أَخُو وَجْدٍ نُطَارِحُهُ حَدِيثَ نَجْدٍ وَلَا خِلٌّ نُجَارِيهِ
وَهَذِهِ نَفْثَةُ مَصْدُورٍ فَنَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَاللُّطْفَ.
(قَوْلُهُ: لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) فِيهِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عُمُومَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَضْمَنَهُ لَهُ أَحَدٌ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَدْ دَفَعَ ذَلِكَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ لِمُعَامَلَةِ الْغُرَبَاءِ فَإِنَّهَا لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) نَعْتٌ لِقَبْضِ وَقَوْلُهُ حَيْثُ يَخْرُجُ ظَرْفٌ لِلْوُجُوبِ فَهُوَ سَبَبٌ مُقَيَّدٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَخْ) أَيْ وَالْمُمَثِّلُ لَهُ مَا اقْتَضَتْ الْحَاجَةُ فِيهِ إلَى الْقِيَاسِ.
1 -
(فَائِدَةٌ) يُشْبِهُ هَذَا التَّعْلِيلُ قَاعِدَةً ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهِيَ أَنَّ دَاعِيَةَ الطَّبْعِ تُجْزِي عَنْ تَكْلِيفِ الشَّرْعِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْوَازِعُ الطَّبِيعِيُّ مُغْنٍ عَنْ الْإِيجَابِ الشَّرْعِيِّ قَالَ وَعَبَّرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رحمه الله عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَالُ عَلَى طَبْعِهِ مَا لَمْ يَقُمْ مَانِعٌ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُرَتِّبْ الشَّارِعُ عَلَى شُرْبِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَأَكْلِ الْعُذْرَةِ وَالْمَنِيِّ حَدًّا اكْتِفَاءً بِنَفْرَةِ الطِّبَاعِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ لِقِيَامِ بَوَاعِثِهَا فَلَوْلَا الْحَدُّ لَعَمَّتْ مَفَاسِدُهَا قَالَ وَفِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ مِنْهَا لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَشَذَّ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْوَطْأَةِ الْأُولَى لِتَقْرِيرِ الْمَهْرِ، وَمِنْهَا إقْرَارُ الْفَاسِقِ عَلَى نَفْسِهِ مَقْبُولٌ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ يَرْدَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ فِيمَا يَضُرُّ نَفْسَهُ أَوْ مَالَهُ أَوْ عِرْضَهُ، وَمِنْهَا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ عَلَى وَجْهٍ اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْوَازِعَ الطَّبِيعِيَّ رَادِعٌ عَنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْمَيِّتَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعُ وَمَا يَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ، وَمِنْهَا أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْوَجْهِ النَّظَرُ إلَى بَقَاءِ النَّسْلِ
وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ، وَقَالَ فِي النُّفُوسِ مِنْ الشَّهْوَةِ مَا يَبْعَثُهَا عَلَى ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيجَابِهِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَالُ عَلَى طَبْعِهِ مَا لَمْ يَقُمْ مَانِعٌ، ثُمَّ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ إلَى قِتَالِ أَهْلِ قُطْرٍ رَغِبُوا عَنْ سُنَّةِ النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا اهـ. بِاخْتِصَارٍ.
(قَوْلُهُ: بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى خِلَافِهِ) أَيْ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ ثُبُوتًا وَنَفْيًا قَالَ الْكَمَالُ وَيَرِدُ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّمْثِيلُ أَيْضًا بِضَمَانِ الدَّرْكِ فَإِنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ مَنْعُ الْقِيَاسِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّتُهُ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مَنْعُ الْقِيَاسِ فِيهِ مَرْجُوحًا (قَوْلُهُ: فِي زَمَانِهِ) أَيْ زَمَنَ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَاجَةُ الْمُصَاحِبَةُ لِلْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: هَلْ يُعْمَلُ بِذَلِكَ الْقِيَاسِ) إظْهَارٌ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ) أَيْ ابْنُ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ: لِلشِّقِّ الثَّانِي) أَيْ مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: وَكَفَّنُوا) لَيْسَ قَيْدًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْفُرُوعِ فَهُوَ قَيْدٌ لِوُقُوعِهَا كَامِلَةً إذْ الصَّلَاةُ بِلَا تَكْفِينٍ مَكْرُوهَةٌ قَالَهُ زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ: فِي الْقِيَاسِ) يَقْتَضِي جَوَازَهَا قِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّجَاشِيِّ (قَوْلُهُ: فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ) وَهُوَ الَّذِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ بِعُمُومِ الْحَاجَةِ) فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ
مُعَارَضَةُ عُمُومِ الْحَاجَةِ لَهُ وَالْمُجِيزُ فِي الْأَوَّلِ قَالَ لَا مَانِعَ مِنْ ضَمِّ دَلِيلٍ آخَرَ وَفِي الثَّانِي قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَى عُمُومِ الْحَاجَةِ (وَ) مَنَعَ (آخَرُونَ) الْقِيَاسِ (فِي الْعَقْلِيَّاتِ) قَالُوا لِاسْتِغْنَائِهَا عَنْهُ بِالْعَقْلِ وَمَنْ أَجَازَ قَالَ لَا مَانِعَ مِنْ ضَمِّ دَلِيلٍ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ مِثَالُ ذَلِكَ قِيَاسُ الْبَارِئِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ فِي أَنَّهُ يَرَى بِجَامِعِ الْوُجُودِ إذْ هُوَ عِلَّةُ الرُّؤْيَةِ (وَ) مَنَعَهُ (آخَرُونَ فِي النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ) أَيْ بَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِأَنْ يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ الْمُجْتَهِدُ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ يُشْبِهُ ذَلِكَ لَا حُكْمَ فِيهِ قِيلَ لَا يُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْقِيَاسِ بِالنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، وَقِيلَ يُقَاسُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ضَمِّ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ (وَتَقَدَّمَ قِيَاسُ اللُّغَةِ) فِي مَبْحَثِهَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُ هُنَاكَ أَنْسَبُ مِنْ ذِكْرِ مُعْظَمِهِمْ لَهُ هُنَا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُ أَغْفَلَهُ
(وَالصَّحِيحُ) أَنَّ الْقِيَاسَ (حُجَّةٌ) لِعَمَلِ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِهِ مُتَكَرِّرًا شَائِعًا مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ
ــ
[حاشية العطار]
الْعَامَّةَ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ مَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَعَدَمُ التَّضْيِيقِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ» .
وَحَدِيثِ أَحْمَدَ «بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بِنَاءِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ وَالتَّوْسِيعِ الْمُنَافِي لِلتَّضْيِيقِ (قَوْلُهُ: مُعَارَضَةُ عُمُومِ الْحَاجَةِ) لَهُ مُتَعَلِّقُ الْحَاجَةِ مَحْذُوفٌ أَيْ عُمُومُ الْحَاجَةِ إلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَارَضَةِ (قَوْلُهُ: وَالْمُجِيزُ) أَيْ الْقِيَاسُ فِي الْأَوَّلِ قَالَ لَا مَانِعَ مِنْ ضَمِّ دَلِيلٍ أَيْ كَالْقِيَاسِ إلَى آخَرَ كَعُمُومِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ قُدِّمَ الْقِيَاسُ عَلَى عُمُومِ الْحَاجَةِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَدِّمُ لَهُ قَائِلًا بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِ الدَّرْكِ كَابْنِ سُرَيْجٍ وَأَنْ يَكُونَ قَائِلًا بِصِحَّتِهِ مُسْتَثْنِيًا لَهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ كَأَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: مِثَالُ ذَلِكَ قِيَاسُ الْبَارِئِ إلَخْ) هَذَا الْقِيَاسُ يُسَمَّى عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ وَالْمَطْلُوبُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِهِ فِيهَا الْيَقِينُ مَا فِي التَّعْبِيرِ بِالْغَائِبِ إسَاءَةُ أَدَبٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ظَاهِرًا أَيْ الْغَائِبُ عَنْ الْعُيُونِ فِي دَارِ الدُّنْيَا إلَّا لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ كَمَّلَ الرُّسُلَ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ شَرْطَ الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا مُشْتَرَكًا وَالْوُجُودُ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ عَيْنُ الْمَوْجُودِ (قَوْلُهُ: وَفِي النَّفْيِ الْأَصْلُ) أَيْ فِي صَاحِبِ النَّفْيِ؛ لِأَنَّا لَا نَقِيسُ نَفْيًا عَلَى نَفْيٍ بَلْ نَقِيسُ شَيْئًا لَمْ نَجِدْ فِيهِ حُكْمًا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ بِالنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ وَهُوَ اسْتِمْرَارُ النَّفْيِ فِي الْحُكْمِ بَعْدَ وُرُودِ الشَّرْعِ لِعَدَمِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ فَيُسْتَصْحَبُ النَّفْيُ عَلَى مَا كَانَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ بَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَنْتَفِيَ الْحُكْمُ فِيهِ) أَيْ فِي الشَّيْءِ وَقَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ أَيْ مُدْرَكِ الْحُكْمِ فِيهِ أَيْ مَكَانَ إدْرَاكِهِ وَهُوَ الدَّلِيلُ (قَوْلُهُ: يُشْبِهُ ذَلِكَ) أَيْ يُشْبِهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ الَّذِي لَا حُكْمَ فِيهِ قَالَ الْكَمَالُ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا بَحَثَ عَنْ حُكْمٍ وَافَقَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ اكْتَفَى فِيهَا بِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْعَقْلِ لِانْتِفَاءِ الْأَحْكَامِ قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ فَإِذَا وُجِدَ صُورَةٌ تُشْبِهُ الَّتِي اكْتَفَى فِيهَا بِالِاسْتِصْحَابِ بَعْدَ بَحْثِهِ عَنْ حُكْمِهَا فَهَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِيهَا بِقِيَاسِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَوْ يُسْتَدَلُّ اكْتِفَاءً عَنْ الْقِيَاسِ بِالِاسْتِصْحَابِ؟ الْمَذْهَبَانِ الْمَحْكِيَّانِ فِي الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى مَا انْتَفَى الْحُكْمُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَانِعَ إلَخْ) قِيلَ عَلَيْهِ لَا مُرَجِّحَ لِجَعْلِ أَحَدِهِمَا أَصْلًا مَقِيسًا عَلَيْهِ وَجَعْلِ الْآخَرِ فَرْعًا عَنْهُ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا انْتَفَى الْحُكْمُ فِيهِ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ اهـ.
وَجَوَابُهُ بِعِلْمٍ مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ: وَتَقَدَّمَ قِيَاسُ اللُّغَةِ إلَخْ) لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَضْعِ قَدْ لَا يُرَاعِي الْوَاضِعُ الْمَعْنَى كَوَضْعِ الْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَدْ يُرَاعِي الْمَعْنَى كَمَا فِي الْقَارُورَةِ وَالْخَمْرِ لَكِنْ رِعَايَةُ الْمَعْنَى إنَّمَا هِيَ لِأَوْلَوِيَّةِ الْوَضْعِ لَا لِصِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَا تُطْلَقَ الْقَارُورَةُ عَلَى الدَّنِّ لِقَرَارِ الْمَاءِ فِيهِ فَرِعَايَةُ الْمَعْنَى لِأَوْلَوِيَّةِ وَضْعِ هَذَا اللَّفْظِ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ سَائِرِ الْأَلْفَاظِ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقِيَاسَ حُجَّةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الصَّحِيحَ مُقَابِلُ الْمَنْعَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلَا يُقَالُ إنَّ مُقَابِلَ الْمَنْعِ الْجَوَازُ إذْ لَا مَعْنَى لِجَوَازِهِ إلَّا لِكَوْنِهِ حُجَّةً إذْ الْجَوَازُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُجِّيَّةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ لِأَجْلِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ أَوْ الْخِلَافُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَكَوْنُهُ حُجَّةً يَتَضَمَّنُ وُقُوعَهُ (قَوْلُهُ: لِعَمَلِ
الَّذِي هُوَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الْعَامَّةِ وِفَاقٌ عَادَةً وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] وَالِاعْتِبَارُ قِيَاسُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ (إلَّا فِي) الْأُمُورِ (الْعَادِيَّةِ وَالْخِلْقِيَّةِ)
ــ
[حاشية العطار]
كَثِيرٍ إلَخْ) قَدَّمَهُ عَلَى الدَّلِيلِ الْآتِي؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَ مِنْهُ دَلَالَةً، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ جَعَلَ الدَّلِيلَ عَلَى الْحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ وَهُوَ ظَنِّيٌّ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ قَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ ظَنِّيًّا إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةُ الرِّضَا وَإِلَّا كَانَ قَطْعِيًّا، وَقَدْ وُجِدَتْ هُنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مَعَ سُكُوتِ إلَخْ (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ) أَيْ السُّكُوتُ وَقَوْلُهُ وِفَاقَ خَبَرُ هُوَ (قَوْلُهُ: فِي مِثْل ذَلِكَ) أَيْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْمَالِ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْأُصُولِ بَيَانٌ لِمِثْلِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ قَدْ ثَبَتَ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَفَاصِيلُ ذَلِكَ آحَادًا وَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً، وَإِنْ لَمْ نَعْلَمْهُ بِالتَّعْيِينِ، ثُمَّ قَالَ وَمَا نُقِلَ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم إنَّمَا كَانَ فِي الْبَعْضِ لِكَوْنِهِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ أَوْ لِعَدَمِ شَرَائِطِ الْقِيَاسِ، وَشُيُوعُ الْأَقْيِسَةِ الْكَثِيرَةِ بِلَا إنْكَارٍ مَقْطُوعٌ بِهِ مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّ الْعَمَلَ كَانَ بِهَا لِظُهُورِهَا لَا بِخُصُوصِيَّاتِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَلِقَوْلِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِعَمَلِ دَلِيلٍ ثَانٍ الْحُجِّيَّةُ الْقِيَاسُ وَقَوْلُهُ وَالِاعْتِبَارُ إلَخْ مِنْ تَتِمَّةِ الِاسْتِدْلَالِ وَطَرِيقُ الِاسْتِدْلَالِ أَنْ تَقُولَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارٌ وَالِاعْتِبَارُ مَأْمُورٌ بِهِ يَنْتُجُ الْقِيَاسُ مَأْمُورٌ بِهِ. بَيَانُ الصُّغْرَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ افْتِعَالٌ مِنْ الْعُبُورِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عُبُورَ الذِّهْنِيِّ مِنْ النَّظَرِ فِي حَالِ الْأَصْلِ إلَى حَالِ الْفَرْعِ وَدَلِيلُ الْكُبْرَى قَوْله تَعَالَى {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: 2] الْآيَةَ وَيُرَادُ أَنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ تَامِّ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَنْتَجَ وُجُوبَ الْقِيَاسِ لَا حُجِّيَّتَهُ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحُجِّيَّةَ لَازِمٌ لِلنَّتِيجَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى وُجُوبِ الْقِيَاسِ وُجُوبُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِمُشَارَكَتِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ فِي الْعِلَّةِ وَهَذَا مَعْنَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْعُبْرِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ مِنْ مَنْعِ الصُّغْرَى بِسَنَدِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْقِيَاسِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فَغَيْرُ مُوَجَّهٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِلْمُقَدِّمَةِ بَعْدَ إثْبَاتِهَا وَمَا ذَكَرَهُ سَنَدًا غَيْرُ صَالِحٍ لِلسَّنْدِيَّةِ فَإِنَّ إطْلَاقَ الْمُعْتَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ شَائِعٌ بَيْنَهُمْ
وَمِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّوْضِيحِ وَضْعُ مَعَالِمِ الْعِلْمِ عَلَى مَسَالِكِ الْمُعْتَبِرِينَ أَرَادَ بِالْمَعَالِمِ الْعِلَلَ وَبِالْمُعْتَبَرِينَ الْقَائِسِينَ نَعَمْ يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ لَا يُرَادُ بِالِاعْتِبَارِ فِي الْآيَةِ الْقِيَاسُ الشَّرْعِيُّ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الِاتِّعَاظُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ} [النور: 44] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «السَّعِيدُ مَنْ اعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ» إذْ حَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ لَا يُنَاسِبُ صَدْرَ الْآيَةِ لِرَكَاكَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ تَحَقُّقَ الرَّكَاكَةِ إذَا أُرِيدَ الصُّورَةُ الْخَاصَّةُ وَهِيَ بِعَيْنِهَا لَا تُرَادُ بَلْ الْمُرَادُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ وَالِاتِّعَاظِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْمُجَاوَزَةِ فَإِنَّ فِي الِاتِّعَاظِ مُجَاوَزَةً مِنْ حَالِ الْغَيْرِ إلَى حَالِ نَفْسِهِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ تَمَامِيَّتِهِ أَيْضًا فَإِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْكُلِّيِّ لَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الْجُزْئِيِّ إذْ لَا دَلَالَةَ لِلْعَامِّ عَلَى خَاصٍّ بِعَيْنِهِ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ اعْتَبِرُوا عَامٌّ إذْ لَا عُمُومَ فِي الْفِعْلِ بَلْ فِي الضَّمِيرِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ وَمَا وُجِّهَ بِهِ عُمُومُهُ بِأَنَّ مَعْنَى اعْتَبِرُوا افْعَلُوا الِاعْتِبَارَ وَهُوَ عَامٌّ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى افْعَلُوا اعْتِبَارًا وَالتَّعْرِيفُ فَاللَّامُ الِاسْتِغْرَاقِ زَائِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمَا يُقَالُ إنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْعُمُومِ يُجْعَلُ مِنْ قِبَلِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ كَافٍ مَمْنُوعٌ أَيْضًا إذْ يَكْفِي فِي تَحَقُّقِهِ بَعْدَ إفْرَادِهِ كَالِاتِّعَاظِ مَثَلًا فَلَا يَشْمَلُ الْقِيَاسَ عَلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِيَّةِ الْعُلُومِ تَكُونُ الدَّلَالَةُ ظَنِّيَّةً فَلَا يَصِحُّ دَلِيلًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ وَهِيَ كَوْنُ الْقِيَاسِ حُجَّةً، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِتَسْلِيمِ أَنَّهَا عِلْمِيَّةٌ أَيْ اعْتِقَادِيَّةٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الْعَمَلَ كَفَى الظَّنُّ.
مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إلَى الْيَمَنِ قَالَ: بِمَ تَحْكُمَانِ؟ قَالَا إذَا لَمْ نَجِدْ الْحُكْمَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَقِيسُ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ فَمَا كَانَ أَقْرَبَ نَعْمَلُ بِهِ فَصَوَّبَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حُجَّةِ الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْعَادِيَّةِ وَالْخِلْقِيَّةِ) قَدْ يُقَالُ يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ لِشُمُولِهِ لَهُ وَيُرَدُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ إذْ الْعَادِيَّةُ وَالْخِلْقِيَّةُ غَيْرُ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَلَوْ سُلِّمَ شُمُولُهُ لَهُ بِتَأْوِيلِ أَنْ يُرَادَ بِالْأَحْكَامِ النَّسَبُ التَّامَّةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ الشَّرْعِ أَوْ مِنْ الْعَادَةِ فَذِكْرُهُ مَعَهُ لِبَيَانِ الْمُقَابِلِ لَهُمَا الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ خِلَافًا لِلْمُعَمِّمِينَ، وَعَطْفُ
أَيْ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ وَالْخِلْقَةِ كَأَقَلِّ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ أَوْ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِهِ فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُدْرَكُ الْمَعْنَى فِيهَا فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الصَّادِقِ وَقِيلَ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُدْرَكُ (وَإِلَّا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ) فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا
ــ
[حاشية العطار]
الْخِلْقِيَّةِ عَلَى الْعَادِيَّةِ قِيلَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْأَوْجَهُ لَا لِتَغَايُرِهِمَا كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْعَادِي فِي نَحْوِ أَقَلِّ الْحَيْضِ كَمِّيَّةُ الْعَدَدِ وَهُوَ الْمُضَافُ وَالْخِلْقِيُّ فِيهِ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ أَقْصَى الرَّحِمِ خِلْقَةً وَهُوَ الْمُضَافُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا بِالْقِيَاسِ) أَيْ فَلَا يُقَاسُ مَثَلًا النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ فِي أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ أَكْثَرَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَعَدَلَ إلَى ذَلِكَ وَإِلَى نَظِيرَيْهِ الْآتِيَيْنِ عَنْ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَكُونُ الْقِيَاسُ حُجَّةً فِيهَا الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إصْلَاحًا لِكَلَامِهِ إذْ الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ لَا فِي عَدَمِ حُجِّيَّتِهِ اهـ. زَكَرِيَّا
(قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الصَّادِقِ) أَيْ الْمُخْبِرِ الصَّادِقِ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ وَمَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِذَلِكَ فَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَهَذَا الْخَبَرُ هُوَ مُسْتَنَدُ الِاسْتِقْرَاءِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْفُقَهَاءُ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَأَكْثَرِهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالصِّدْقِ الشَّارِعُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَرَّضَتْ لِبَعْضِ ذَلِكَ وَهَذَا أَقْرَبُ اهـ. نَجَّارِيٌّ
(قَوْلُهُ: وَلَا فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ) أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا نَظَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ صَحَّ إثْبَاتُهُ بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُلَّ الْجَمِيعِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَشَيْءٍ يُقَاسُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ ثُبُوتُهَا إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ لَا فِي الْوُقُوعِ فَإِنَّهُ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ أَصْلٍ بِالنَّصِّ يُقَاسُ عَلَيْهِ