الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِاجْتِهَادٍ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ (لَا النَّاسِخُ) أَيْ لَا قَوْلُ الرَّاوِيِّ هَذَا النَّاسِخُ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يَعْلَمْ نَاسِخُهُ فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ (خِلَافًا لِزَاعِمِيهَا) أَيْ زَاعِمِي الْآثَارِ لِمَا عَدَا الْأَخِيرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ.
(الْكِتَابُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ)
(وَهِيَ أَقْوَالُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَأَفْعَالُهُ) وَمِنْهَا تَقْرِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ كَفٌّ عَنْ الْإِنْكَارِ وَالْكَفُّ فِعْلٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَبَاحِثُ الْأَقْوَالِ الَّتِي تَشْرَكُ السُّنَّةُ فِيهَا الْكِتَابَ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْي وَغَيْرِهِمَا، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِتَوَقُّفِ حُجِّيَّةِ السُّنَّةِ عَلَى عِصْمَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ بِهَا ذَاكِرًا جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ فَقَالَ (الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومُونَ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) بِخِلَافِ قَوْلِهِ هَذَا سَابِقٌ فَإِنَّهُ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ لَهُ أَثَرٌ (قَوْلُهُ: لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إلَخْ) تَوْضِيحٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ صُورَتَيْ التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ التَّنْكِيرِ فِيهَا إفَادَةٌ لِأَصْلِ النَّسْخِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ صُورَةِ التَّعْرِيفِ، فَإِنَّ النَّسْخَ فِيهَا مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ النَّاسِخِ فَيَضْعُفُ احْتِمَالُ كَوْنِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ بِخِلَافِ صُورَةِ التَّنْكِيرِ فَإِنَّ الِاحْتِمَالَ فِيهَا يَقْوَى لِمَا مَرَّ اهـ. نَجَّارِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا) لَا أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بِالنَّقْلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالِاجْتِهَادِ تَقَوَّى بِعِلْمِ النَّسْخِ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْعَطْفُ بِلَا فِي حَيِّزِ النَّفْي وَهُوَ شَاذٌّ وَقَدْ انْتَهَى بِحَمْدِ اللَّهِ الْكَلَامُ عَلَى الْكِتَابِ الْأَوَّلِ.
[الْكِتَابُ الثَّانِي فِي السُّنَّةِ]
أَخَّرَهُ عَنْ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ لِتَأَخُّرِ السُّنَّةِ فِي الْوُجُودِ عَنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ وَالْعَادَةُ وَاصْطِلَاحًا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ هِيَ أَقْوَالُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَأَفْعَالُهُ أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْإِعْجَازِ كَتَكْلِيمِهِ لِلضَّبِّ، وَيَدَاهُ لَك بَحْرٌ وَغَوْصُ قَدَمِهِ فِي الْحَجَرِ، وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ (قَوْلُهُ: وَأَفْعَالُهُ) أَيْ غَيْرُ الْأَقْوَالِ بِدَلِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَفْعَالِ اللِّسَانِ عَلَى أَنَّهَا لَا يُقَالُ لَهَا فِعْلٌ عُرْفًا وَلَمْ يَذْكُرْ الصِّفَاتِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي السُّنَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَا كَذَلِكَ الصِّفَاتُ الْقَائِمَةُ بِذَاتِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا تَقْرِيرُهُ) وَمِنْهَا إشَارَاتُهُ كَإِشَارَتِهِ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنْ يَضَعَ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَهَمُّهُ فَإِنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ فَلَا يَهُمُّ إلَّا بِمَطْلُوبٍ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَهُمُّ إلَّا بِحَقٍّ وَقَدْ بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ كَمَا هَمَّ عليه السلام بِجَعْلِ أَسْفَلِ الرِّدَاءِ أَعْلَاهُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَثَقُلَ عَلَيْهِ فَتَرَكَهُ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَدْبِ ذَلِكَ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْهَمِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ.
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: الْهَمُّ إنَّمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِمَا دَلَّ مِنْهُمَا فَلَا حَاجَةَ لِزِيَادَةِ ابْنِ قَاسِمٍ بِأَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ بِغَيْرِهِمَا كَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَالِاسْتِدْلَالُ حِينَئِذٍ بِهِ عَلَى أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ إفْرَادِ السُّنَّةِ وَصِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ أَفْعَالُهَا الْقَلْبِيَّةُ كَالِاعْتِقَادَاتِ وَالْإِرَادَاتِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَفٌّ) وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ غَيْرَ مُكَلَّفٍ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ عَلَى الْخَطَأِ مُطْلَقًا، كَمَا لَا يُقِرُّ الْوَلِيُّ الطِّفْلَ عَلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَأَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بِفِعْلٍ (قَوْلُهُ: الَّتِي تَشْرَكُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالرَّاءِ مَاضِيهِ شَرِكَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ عَلِمَ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُمَا) كَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ (قَوْلُهُ: الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعْصُومُونَ) أَيْ مَحْفُوظُونَ عَنْ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ فَقَوْلُهُ: لَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ ذَنْبٌ إلَخْ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: مَعْصُومُونَ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إنَّ التَّوْبَةَ فِي خَبَرِ «إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» تَوْبَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَهِيَ مُجَرَّدُ الرُّجُوعِ لِرُجُوعِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ كَامِلٍ إلَى أَكْمَلَ بِسَبَبِ تَزَايُدِ فَوَاضِلِهِ وَفَضَائِلِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلُ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مَا زَالَ يَتَرَقَّى فِي الْفَوَاضِلِ وَالْفَضَائِلِ
لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَلَوْ سَهْوًا) أَيْ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ أَصْلًا لَا كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا (وِفَاقًا لِلْأُسْتَاذِ) أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيِّ (وَ) أَبِي الْفَتْحِ (الشِّهْرِسْتَانِيّ)(وَ) الْقَاضِي (عِيَاضٌ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ؛ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ ذَنْبٌ وَالْأَكْثَرُ عَلَى جَوَازِ صُدُورِ الصَّغِيرَةِ عَنْهُمْ سَهْوًا لَا الدَّالَّةِ عَلَى الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ وَيُنَبَّهُونَ عَلَيْهَا وَتَفَرَّعَ عَلَى عِصْمَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَإِذَنْ لَا يُقِرُّ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ وَسُكُوتُهُ وَلَوْ غَيْرَ مُسْتَبْشِرٍ عَلَى الْفِعْلِ) بِأَنْ عَلِمَ بِهِ (مُطْلَقًا.
وَقِيلَ إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ الْإِنْكَارُ) بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ (وَقِيلَ إلَّا الْكَافِرَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالْفُرُوعِ (وَلَوْ) كَانَ (مُنَافِقًا) لِأَنَّهُ كَافِرٌ فِي الْبَاطِنِ (وَقِيلَ إلَّا الْكَافِرَ غَيْرَ الْمُنَافِقِ) لِأَنَّ الْمُنَافِقَ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ فِي الظَّاهِرِ (دَلِيلُ الْجَوَازِ لِلْفَاعِلِ) أَيْ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْهُ لِأَنَّ سُكُوتَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْفِعْلِ تَقْرِيرٌ لَهُ (وَكَذَا الْغَيْرُ) أَيْ غَيْرُ الْفَاعِلِ (خِلَافًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ قَالَ لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِخِطَابٍ حَتَّى يَعُمَّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ فَيَعُمَّ (وَفِعْلُهُ) صلى الله عليه وسلم (غَيْرُ مُجَرَّمٍ لِلْعِصْمَةِ وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلنُّدْرَةِ) بِضَمِّ النُّونِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ أَيْ لِنُدْرَةِ وُقُوعِ الْمَكْرُوهِ مِنْ التَّقِيِّ مِنْ أُمَّتِهِ فَكَيْفَ مِنْهُ وَخِلَافُ الْأَوْلَى مِثْلُ الْمَكْرُوهِ أَوْ مُدْرَجٌ فِيهِ (وَمَا كَانَ) مِنْ أَفْعَالِهِ (جِبِلِّيًّا) كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (أَوْ بَيَانًا) كَقَطْعِهِ السَّارِقَ مِنْ الْكُوعِ بَيَانًا لِمَحَلِّ الْقَطْعِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: رُوِيَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ سَارِقًا مِنْ الْمِفْصَلِ» (أَوْ مُخَصَّصًا بِهِ) كَزِيَادَتِهِ فِي النِّكَاحِ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ (فَوَاضِحٌ) أَنَّ الْبَيَانَ دَلِيلٌ فِي حَقِّنَا، وَغَيْرُهُ لَسْنَا مُتَعَبِّدِينَ بِهِ (وَفِيمَا تَرَدَّدَ) مِنْ فِعْلِهِ (بَيْنَ الْجِبِلِّيِّ وَالشَّرْعِيِّ كَالْحَجِّ رَاكِبًا تَرَدُّدٌ) نَاشِئٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ، وَالظَّاهِرُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالْجِبِلِّيِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّشْرِيعِ فَلَا يُسْتَحَبُّ لَنَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِالشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بُعِثَ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، فَيُسْتَحَبُّ لَنَا (وَمَا سِوَاهُ) أَيْ سِوَى مَا ذُكِرَ فِي فِعْلِهِ (إنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ) مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ (فَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ) فِي ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ عِبَادَةً كَانَ أَوْ لَا.
وَقِيلَ: مِثْلُهُ فِي الْعِبَادَةِ فَقَطْ وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا بَلْ يَكُونُ كَمَجْهُولِ الصِّفَةِ وَسَيَأْتِي (وَتُعْلَمُ) صِفَةُ فِعْلِهِ (بِنَصٍّ) عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ: هَذَا وَاجِبٌ مَثَلًا (وَتَسْوِيَةٌ بِمَعْلُومِ الْجِهَةِ) كَقَوْلِهِ هَذَا الْفِعْلِ مُسَاوٍ لِكَذَا فِي حُكْمِهِ الْمَعْلُومِ (وَوُقُوعِهِ بَيَانًا أَوْ امْتِثَالًا لَدَالٍّ عَلَى وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ إبَاحَةٍ) فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُبَيَّنِ أَوْ الْمُمْتَثَلِ
ــ
[حاشية العطار]
مَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتِ الْمُقَرَّبِينَ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعِصْمَةَ الْحِفْظُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي ذَنْبٍ وَتُقَالُ لِلْمَنْعِ مِنْهُ أَوْ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ خُلْو مَا يَمْنَعُ مِنْهَا وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهَا إنَّهَا مَلَكَةٌ نَفْسِيَّةٌ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا الْفُجُورَةَ، إنْ قُلْتَ يَلْزَمُ مُسَاوَاةُ مَنْ وَرَدَ عَدَمُ مَعْصِيَتِهِ كَصُهَيْبٍ رضي الله عنه فِي الْعِصْمَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْعِصْمَةِ بِالسَّمْعِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِمْ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَالْجَوَابُ أَنَّ الْوَارِدَ فِي غَيْرِهِمْ خَرَجَ مَخْرَجَ الثَّنَاءِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ بِخِلَافِ الْوَارِدِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ فَالْوَارِدُ فِي غَيْرِهِمْ مَظْنُونٌ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (قَوْلُهُ: مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ ذَنْبٌ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مُعْصَمُونَ، لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ وَأَرَادَ عَدَمَ صُدُورِ الذَّنْبِ مِنْهُمْ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَالْمُرَادُ لَا يَصْدُرُ وَلَوْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ، وَتَسْمِيَتُهُ ذَنْبًا مَجَازٌ إذْ لَا حُكْمَ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ لَهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ نَحْوِ تَسْلِيمِهِ سَهْوًا مِنْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ؛ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ مِنْهَا عَمْدًا حَرَامٌ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ سَهْوًا، فَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ أَنَّ مَحَلَّ الْكَلَامِ حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوُقُوعِ سَهْوًا تَشْرِيعٌ، أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْصُومَ مِنْهُ السَّهْوُ الشَّيْطَانِيُّ لَا الرَّحْمَانِيُّ (قَوْلُهُ: عَلَى جَوَازِ) أَيْ: عَقْلًا (قَوْلُهُ: وَالتَّطْفِيفِ بِتَمْرَةٍ) أَيْ فِي الْأَخْذِ كَأَنْ يَأْخُذَ مِنْ تَمْرُهُ بَعْدَ أَنْ يَزِنَ لَهُ حَقَّهُ، وَفِي الْإِعْطَاءِ بِأَنْ يَنْقُصَ لَهُ تَمْرَةً مِنْ حَقِّهِ (قَوْلُهُ: وَيُنَبِّهُونَ عَلَيْهَا) أَيْ لَوْ وَقَعَتْ (قَوْلُهُ: لَا يُقِرُّ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا) تَعْبِيرُهُ بِأَحَدًا يَشْمَلُ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ بِأَنْ يُوَجِّهَ الْخِطَابَ إلَى وَلِيِّهِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ غَيْرِهِ بِمُكَلَّفًا (قَوْلُهُ: عَلَى بَاطِلٍ) الْمَأْخُوذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَاطِلَ الْمَعْصِيَةُ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى الْمَكْرُوهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلْآمِرِ بِاتِّبَاعِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: مُسْتَبْشِرٍ) أَيْ مَسْرُورٍ (قَوْلُهُ: إلَّا فِعْلَ مَنْ يُغْرِيهِ إِلَخْ) أَيْ فَلَا يَدُلُّ تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ إِلَخْ) وَالْحَقُّ خِلَافَهُ إلَّا الْكَافِرَ أَيْ فِي غَيْرِ الْإِيمَانِ (قَوْلُهُ: دَلِيلُ الْجَوَازِ) الْأَوْلَى دَلِيلُ عَدَمِ الْحَرَجِ وَاللَّوْمُ يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ وَخِلَافَ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْمَأْخُوذَ مِمَّا يَأْتِي أَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَالَ الْكَمَالُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا سَبَقَ بَيَانُ قُبْحِهِ ثُمَّ وَقَعَ السُّكُوتُ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ كَمُضِيِّ كَافِرٍ قُرِّرَ بِالْجِزْيَةِ إلَى الذَّهَابِ لِكَنِيسَةٍ لِلتَّعَبُّدِ فَلَا دَلَالَةَ لِلسُّكُوتِ هُنَا عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: تَقْرِيرٌ لَهُ) أَيْ فَيَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ لِلْآمِرِ بِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ بِخِطَابٍ حَتَّى يَعُمَّ) لِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ ظِ دُونَ الْمَعَانِي.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ إذْ هُوَ لَفْظٌ بِالْقُوَّةِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُ مَكْرُوهٍ) وَفِعْلُهُ الْمَكْرُوهَ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَاجِبٌ لِبَيَانِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: فَكَيْفَ مِنْهُ) أَيْ فَكَيْفَ يَقَعُ مِنْهُ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى وَإِنْ احْتَمَلَتْ عِبَارَتُهُ: فَكَيْفَ لَا يَنْدُرُ مِنْهُ لَكِنَّهُ لَا يُنْتِجُ الْمُرَادُ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُفِيدُ أَنَّ وُقُوعَ الْمَكْرُوهِ أَشَدُّ نُدُورًا لَا مُمْتَنِعًا وَكَانَ الْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى عَدَمِ الْمَكْرُوهِ بِالْعِصْمَةِ كَمَا يُفِيدُهُ الدَّلِيلُ الْمَارُّ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَهُمْ اخْتِصَاصُ الْعِصْمَةِ بِالذُّنُوبِ وَفِعْلُهُ الْمَكْرُوهَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ قِيَامٌ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّ بَيَانَ الْمَشْرُوعَاتِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: كَالْقِيَامِ) جُعِلَ هَذَا جِبِلِّيًّا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ فِي نَظَرِ الْفُقَهَاءِ، وَإِلَّا فَبَعْضُ أَتْبَاعِهِ صلى الله عليه وسلم يَصِيرُ إلَى حَالَةٍ تَصِيرُ جَمِيعُ أَفْعَالِهِ عِبَادَةً فَكَيْفَ بِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: أَوْ بَيَانًا) أَيْ لِنَصٍّ مُجْمَلٍ أَوْ مُرَادٌ بِهِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ لِقَطْعِهِ السَّارِقَ مِنْ الْكُوعِ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ التَّمْثِيلَ بِقَطْعِ السَّارِقِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ، وَهُوَ أَنَّ آيَةَ السَّرِقَةِ مِنْ الْمُجْمَلِ، فَالْمُرَادُ بِالْبَيَانِ بَيَانُ مَعْنَى النَّصِّ مُجْمَلًا كَانَ أَوْ مُرَادًا بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ (قَوْلُهُ: وَغَيْرُهُ) أَيْ وَغَيْرُ الْبَيَانِ، وَهُوَ الْجِبِلِّيُّ، وَالْمُخَصَّصُ أَمَّا فِي الْجِبِلِّيِّ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ، وَلَا نَهْيٌ عَنْ مُخَالَفَةٍ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ، وَأَمَّا فِيمَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ فَالْمُرَادُ لَسْنَا مُتَعَبِّدِينَ بِهِ أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خُصَّ بِهِ فَيَشْمَلُ عَدَمَ التَّعَبُّدِ أَصْلًا كَمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ، وَالتَّعَبُّدُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اخْتَصَّ بِهِ كَمَا فِي صَلَاةِ الضُّحَى، وَهُوَ فِي الْجِبِلِّيِّ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقِيلَ: جَمِيعُ أَفْعَالِهِ يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَكِنْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ: وَظَنَّ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم سَيِّئَةٌ، وَهُوَ غَلَطٌ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَفِيمَا تَرَدَّدَ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْجِبِلَّةُ تَقْتَضِيهِ فِي نَفْسِهَا لَكِنَّهُ وَقَعَ مُتَعَلِّقًا بِعِبَادَةٍ بِأَنْ وَقَعَ فِيهَا أَوْ فِي وَسِيلَتِهَا كَالرُّكُوبِ فِي الْحَجِّ، وَالذَّهَابِ إلَى الْعِيدِ فِي طَرِيقِ وَالرُّجُوعِ فِي أُخْرَى فَالرُّكُوبُ فِي نَفْسِهِ، وَمُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ مِمَّا تَقْتَضِيهِ الْجِبِلَّةُ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ لِمُجَرَّدِ الْجِبِلَّةِ أَوْ لِكَوْنِهِ مَطْلُوبَةً فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ: كَالْحَجِّ رَاكِبًا) أَيْ كَالرُّكُوبِ فِي الْحَجِّ فَالْمَقْصُودُ الْحَالُ نَفْسُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ قَالَ كَالرُّكُوبِ فِي الْحَجِّ لَكَانَ أَظْهَرَ (قَوْلُهُ: فِي تَعَارُضٍ لِلْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ) قَضِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ كَالْجِبِلِّيِّ، قَالَ: لَكِنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي الْحَجِّ رَاكِبًا وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ يَدُلُّ لِتَرْجِيحِ الثَّانِي فَيَكُونُ لِلتَّأَسِّي قَالَ: وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ فِي ذَهَابِهِ إلَى الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ وَرُجُوعِهِ فِي آخَرَ، وَقَالَ: إنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى التَّأَسِّي فِيهِ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَتُعْلَمُ صِفَةُ فِعْلِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوُجُوبَ مَثَلًا عُلِمَ بِالدَّلِيلِ لَا بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: هَذَا وَاجِبٌ مَثَلًا) وَلَمْ يَقُلْ عَلَى (قَوْلِهِ بِمَعْلُومِ الْجِهَةِ) أَيْ الصِّفَةِ وَهِيَ الْحُكْمُ (قَوْلُهُ: فِي حُكْمِهِ الْمَعْلُومِ) أَيْ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَوُقُوعُهُ بَيَانًا) أَيْ مُبَيِّنًا فَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، وَيَكُونُ الْمُبَيَّنُ بِفَتْحِ الْيَاءِ هُوَ قَوْلُهُ لِدَالٍّ (قَوْلُهُ: أَوْ إبَاحَةٍ) سَكَتَ عَنْ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَصْدُرَا عَنْهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا مَرَّ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْفِعْلِ الصَّادِرِ عَنْهُ لَا فِي الْفِعْلِ الْمُطْلَقِ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ حُكْمُهُ) أَيْ الْمُبَيِّنِ بِالْكَسْرِ
وَلَا إشْكَالَ فِي ذِكْرِ الْبَيَانِ هُنَا مَعَ ذِكْرِهِ قَبْلُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِيمَا يُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ (وَيَخُصُّ الْوُجُوبَ) عَنْ غَيْرِهِ (أَمَارَاتُهُ كَالصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِاسْتِقْرَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَاجِبَةٌ وَمَا لَا يُؤَذَّنُ لَهَا كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً (وَكَوْنُهُ) أَيْ الْفِعْلِ (مَمْنُوعًا) مِنْهُ (لَوْ لَمْ يَجِبْ كَالْخِتَانِ وَالْحَدِّ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ.
وَقَدْ يَتَخَلَّفُ الْوُجُوبُ عَنْ هَذِهِ الْأَمَارَةِ لِدَلِيلٍ كَمَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ (وَ) يَخُصُّ (النَّدْبَ) عَنْ غَيْرِهِ (مُجَرَّدُ قَصْدِ الْقُرْبَةِ) عَنْ قَيْدِ الْوُجُوبِ (وَهُوَ) أَيْ الْفِعْلُ لِمُجَرَّدِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ (كَثِيرٌ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَقِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ (وَإِنْ جُهِلَتْ) صِفَتُهُ (فَلِلْوُجُوبِ) فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ (وَقِيلَ لِلنَّدْبِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ الطَّلَبِ (وَقِيلَ لِلْإِبَاحَةِ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ فِي الْكُلِّ) لِتَعَارُضٍ أَوْجُهِهِ (وَ) قِيلَ بِالْوَقْفِ (فِي الْأَوَّلَيْنِ) فَقَطْ (مُطْلَقًا) ؛ لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَ) قِيلَ بِالْوَقْفِ (فِيهِمَا) فَقَطْ (إنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ) وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ وَعَلَى غَيْرِ هَذَا الْقَوْلِ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ الْبَيَانِ) وَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ ذِكْرَ الْبَيَانِ هُنَا فِي عَدَدِ أَقْسَامٍ سِوَى مَا تَقَدَّمَ يَسْتَلْزِمُ جَعْلَ الْقَسَمِ قَسِيمًا لِذِكْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بِسِوَى مَا تَقَدَّمَ بَلْ فِيمَا يُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، فَقَوْلُهُ: وَتُعْلَمُ صِفَةُ فِعْلِهِ أَيْ مُطْلَقًا لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: كَالصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ) أَيْ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ ثُمَّ يَجُوزُ إجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ الْأَمَارَةَ الصَّلَاةُ بِالْأَذَانِ؛ إذْ لَا إشْكَالَ فِي صِحَّةِ جَعْلِ الصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ أَمَارَةً عَلَى وُجُوبِهَا لِتَغَايُرِ الصَّلَاةِ بِالْأَذَانِ مَعَ وُجُوبِهَا، وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَذَانَ لِلصَّلَاةِ أَمَارَةٌ عَلَى وُجُوبِهَا فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ مَقْلُوبَةً أَيْ كَالْأَذَانِ لِلصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: عَنْ قَيْدِ الْوُجُوبِ) أَيْ عَنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَالْمُرَادُ بِالْقَيْدِ الدَّلِيلُ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُجَرَّدٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَإِلَّا فَقَصْدُ الْقُرْبَةِ يَكُونُ فِي الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ جُهِلَتْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَإِنْ عُلِمَتْ صِفَتُهُ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْمُصَنِّفِ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى النَّدْبِ، وَهُوَ الْمَنْسُوبُ إلَى الشَّافِعِيِّ
الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُتُبِهِمْ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ، وَفُرُوعُ الْمَذْهَبِ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ اهـ. بِاخْتِصَارٍ.
وَذَكَرَ السَّمْعَانِيُّ أَنَّ الْوُجُوبَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ فَمَا بَدَأَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَقْوَالِ السِّتَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ) أَيْ الْمَجْزُومُ بِهِ؛ لِأَنَّ جَزْمَ الطَّلَبِ قَدْرٌ زَائِدٌ، الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَا طَلَبَ هُنَا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ بِطَلَبٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَفْعَلُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَعِنْدَ الْجَهْلِ بِصِفَةِ هَذَا الْفِعْلِ الْمُحَقَّقِ بَعْدَ الطَّلَبِ النَّدْبُ، وَمَنْ قَالَ: الْإِبَاحَةُ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا عَنْ طَلَبٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَبِ) أَيْ الْأَصْلُ الْأَصِيلُ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ الْمُتَحَقِّقُ بَعْدَ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِتَخْصِيصِ الْأَوَّلَيْنِ (قَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ ظُهُورَ قَصْدِ الْقُرْبَةِ مِنْ أَمَارَاتِ النَّدْبِ، فَكَيْفَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ احْتِمَالُ نَدْبٍ بِخِلَافِ مَا هُنَا
سَوَاءٌ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ أَوْ لَا، وَمُجَامَعَةُ الْقَرِينَةِ لِلْإِبَاحَةِ بِأَنْ يَقْصِدَ بِفِعْلِ الْمُبَاحِ بَيَانَ الْجَوَازِ لِلْأُمَّةِ فَيُثَابَ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ: إنْ ظَهَرَ عَدَلَ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ الَّذِي هُوَ سَهْوٌ كَمَا رَأَيْتهمَا فِي خَطِّهِ مَشْطُوبًا عَلَى الثَّانِي مِنْهُمَا مُلْحَقًا بَدَلَهُ الْأَوَّلُ.
(إذَا تَعَارَضَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ) أَيْ تَخَالَفَا (وَدَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ) الْقَوْلُ (خَاصًّا بِهِ) صلى الله عليه وسلم كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَيَّ صَوْمُ عَاشُورَاءَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَفْطَرَ فِيهِ سَنَةً بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ (فَالْمُتَأَخِّرُ) مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِأَنْ عُلِمَ (نَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا فِي حَقِّهِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ، وَكَذَا فِي تَقَدُّمِهِ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: وَدَلَّ إلَخْ عَمَّا لَمْ يَدُلَّ فَلَا نَسْخَ حِينَئِذٍ لَكِنْ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ دُونَ تَقَدُّمِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ دَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ (فَإِنْ جُهِلَ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (فَثَالِثُهَا) أَيْ الْأَقْوَالِ (الْأَصَحُّ الْوَقْفُ) عَنْ أَنْ يُرَجَّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِي حَقِّهِ إلَى تَبَيُّنِ التَّارِيخِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي احْتِمَالِ تَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ الْقَوْلُ لِأَنَّهُ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ الْفِعْلِ لِوَضْعِهِ لَهَا، وَالْفِعْلُ إنَّمَا يَدُلُّ بِقَرِينَةٍ، وَقِيلَ: يُرَجَّحُ الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ الْقَوْلَ وَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّنَا
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: سَوَاءٌ ظَهَرَ إلَخْ) أَيْ يَقُولُ بِمَا قَالَ سَوَاءٌ ظَهَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمُجَامَعَةُ الْقُرْبَةِ لِلْإِبَاحَةِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّ بَيْنَ اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَرُجْحَانِ أَحَدِهِمَا تَنَافِيًا (قَوْلُهُ: الَّذِي هُوَ سَهْوٌ) وَجْهُ كَوْنِهِ سَهْوًا أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ الْمُقَيَّدَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ يُبْعِدُ الْوُجُوبَ وَالنَّدْبَ فَكَيْفَ يُقَيَّدُ بِهِ الْوَقْفُ فِيهِمَا ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ عَدَمُ مُنَافَاةِ عَدَمِ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ظُهُورِ ذَلِكَ الْقَصْدِ اسْمٌ فَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهِ بِذَلِكَ التَّقْيِيدِ قَالَهُ سم (قَوْلُهُ: كَمَا رَأَيْتهمَا) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ إلَخْ فَإِنَّ الْعُدُولَ يَقْتَضِي أَنَّهُ ثَبْتٌ عِنْدَ الْأَوَّلِ وَعَدْلٌ لِلثَّانِي، وَأَشَارَ بِهَذَا الرَّدِّ تَعَقُّبُ الزَّرْكَشِيّ وَتَبِعَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِشَرْحِهِمَا عَلَى النُّسْخَةِ الْمَشْطُوبَةِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ تَخَالَفَا) فَسَّرَ الْأَخَصَّ بِالْأَعَمِّ فَإِنَّ التَّخَالُفَ أَعَمُّ لِصِدْقِهِ بِالْمُغَايَرَةِ فِي الْمَفْهُومِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ التَّعَارُضِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ: وَدَلَّ دَلِيلٌ إلَخْ إذْ لَوْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ التَّعَارُضِ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّعَارُضَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَكَرُّرِ مُقْتَضَى الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ) أَيْ النَّسْخُ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام ظَاهِرٌ فِي تَأَخُّرِ الْفِعْلِ لِظُهُورِ دَلَالَةِ الْقَوْلِ السَّابِقِ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُسْتَمِرِّ وَكَذَا فِي تَقَدُّمِهِ لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ عَلَى الْجَوَازِ الْمُسْتَمِرِّ فَإِذَا تَأَخَّرَ الْقَوْلُ عَنْهُ كَانَ نَسْخًا (قَوْلُهُ: لِدَلَالَةِ الْفِعْلِ) أَشَارَ إلَى جَوَابِ مَا يُقَالُ: إنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي تَأَخُّرٍ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الطَّلَبَ فِي غَيْرِ زَمَنٍ كَانَ (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ) صِفَةٌ ثَالِثُهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقْوَى) فِيهِ أَنَّهُ لَا عَلَاقَةَ لِلْقُوَّةِ فِي النَّسْخِ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي دَلِيلِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: لِوَصْفِهِ لَهَا) أَيْ لِوَصْفِهِ لِأَجْلِهَا فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ لَمْ يُوضَعْ لَهَا إنَّمَا وُضِعَ لِمَعْنَاهُ لَكِنْ لِأَجْلِ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: بِقَرِينَةٍ) ؛ لِأَنَّ لَهُ مَحَامِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ مُقَارِنٍ يُبَيِّنُ بَعْضَهَا وَالْمُرَادُ بِالْقَرِينَةِ هِيَ عِصْمَتُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْمَكْرُوهَاتُ بِفِعْلِهِ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ) فِيهِ أَنَّ قُوَّةَ الْفِعْلِ فِي بَيَانِ الْكَيْفِيَّاتِ أَمَّا بَيَانُ الْأَحْكَامِ فَالْقَوْلُ أَقْوَى (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَيِّنُ بِهِ الْقَوْلَ) أَيْ يُبَيِّنُ
حَيْثُ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَأَسِّينَا بِهِ فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ
(وَإِنْ كَانَ) الْقَوْلُ (خَاصًّا بِنَا) كَأَنْ قَالَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (فَلَا مُعَارَضَةَ فِيهِ) أَيْ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْقَوْلِ لَهُ (وَفِي الْأُمَّةِ الْمُتَأَخِّرُ) مِنْهُمَا بِأَنْ عُلِمَ (نَاسِخٌ) لِلْمُتَقَدِّمِ (إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّأَسِّي) بِهِ فِي الْفِعْلِ (فَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ فَثَالِثُهَا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْقَوْلِ) وَقِيلَ بِالْفِعْلِ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ عَنْ الْعَمَلِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَا بِالْعِلْمِ بِحُكْمِهِ لِنَعْمَلَ بِهِ بِخِلَافِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى التَّرْجِيحِ فِيهِ، وَإِنْ رَجَّحَ الْآمِدِيُّ تَقَدُّمَ الْقَوْلِ فِيهِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِي الْفِعْلِ فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفِعْلِ فِي حَقِّنَا (وَإِنْ كَانَ) الْقَوْلُ (عَامًّا لَنَا، وَلَهُ) كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَيَّ، وَعَلَيْكُمْ صَوْمُ عَاشُورَاءَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (فَتَقَدُّمُ الْفِعْلِ أَوْ الْقَوْلِ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ كَمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ بِأَنْ عُلِمَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ يَنْسَخَهُ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَا فِي حَقِّنَا إنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَأَسِّينَا بِهِ فِي الْفِعْلِ، وَإِلَّا فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّنَا، وَإِنْ جُهِلَ الْمُتَأَخِّرُ فَالْأَقْوَالُ أَصَحُّهُمَا فِي حَقِّهِ الْوَقْفُ، وَفِي حَقِّنَا تَقَدُّمُ الْقَوْلِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْقَوْلُ (الْعَامُّ ظَاهِرًا فِيهِ) صلى الله عليه وسلم لَا نَصًّا كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَوْمُ عَاشُورَاءَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ (فَالْفِعْلُ تَخْصِيصٌ) لِلْقَوْلِ الْعَامِّ فِي حَقِّهِ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، أَوْ تَأَخُّرٌ عَنْهُ أَوْ جُهِلَ ذَلِكَ وَلَا نَسْخَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَهْوَنُ مِنْهُ.
(الْكَلَامُ فِي الْأَخْبَارِ) أَيْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَافْتَتَحَهُ بِتَقْسِيمِ الْمُرَكَّبِ الصَّادِقِ بِالْخَبَرِ لِيَنْجَرَّ الْكَلَامُ إلَيْهِ زِيَادَةً لِلْفَائِدَةِ فَقَالَ (الْمُرَكَّبُ) أَيْ مِنْ اللَّفْظِ (إمَّا مُهْمَلٌ)
ــ
[حاشية العطار]
مَا أُشْكِلَ مِنْ مَعَانِي الْأَقْوَالِ بِالْأَفْعَالِ وَذَلِكَ كَخُطُوطِ الْهَنْدَسَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْإِشَارَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهَا فِي التَّعْلِيمِ إذَا لَمْ يَفِ الْقَوْلُ بِهِ (قَوْلُهُ حَيْثُ دَلَّ دَلِيلٌ إلَخْ) خَرَجَ مَا إذَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَأَسِّينَا بِهِ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ الْإِفْطَارُ فَلَا يُتَوَهَّمُ التَّعَارُضُ أَصْلًا (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَفْطَرَ فِيهِ فِي سَنَةٍ بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأُمَّةِ) أَيْ وَفِي حَقِّ الْأُمَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ جَهِلَ التَّارِيخَ إلَخْ) أَظْهَرَ هُنَا دُونَ مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ اقْتَصَرَ فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ جَهِلَ خَوْفًا مِنْ تَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ هُنَا إلَى التَّأَسِّي (قَوْلُهُ: لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ لِمِثْلِ الْعِلَلِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ صلى الله عليه وسلم
(قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ الْخَاصَّةِ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخَاصَّةِ بِنَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ) أَيْ مُكَلَّفُونَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَا أَيْ فِي الْفِعْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِنَا وَقَوْلُهُ: بِالْعِلْمِ مُتَعَلِّقٌ بِمُتَعَبِّدُونَ قَالَ سم إنَّ تَوْجِيهَ اخْتِلَافِ التَّصْحِيحِ بِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ إلَخْ لَا يَخْلُو عَنْ إشْكَالٍ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ إنَّمَا يَكُونُ بِدَلِيلٍ، وَمُجَرَّدًا احْتِيَاجًا لِلْعِلْمِ بِالْحُكْمِ لِنَعْمَلَ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا مُرَجِّحًا مَعَ التَّعَارُضِ مَعَ أَنَّ هَذَا التَّوْجِيهَ لَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ خُصُوصِ الْقَوْلِ بَلْ يَقْتَضِي التَّرْجِيحَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْقَوْلِ، وَمُقْتَضَى الْفِعْلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْقَوْلُ أَحْوَطُ لَكِنَّ هَذَا فِي خُصُوصِ هَذَا الْمِثَالِ، وَقَدْ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ أَحْوَطَ اهـ. مَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ.
(قَوْلُهُ: إلَى التَّرْجِيحِ فِيهِ) أَيْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ رَجَّحَ فِيهِ الْوَقْفَ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ ثُبُوتِ حُكْمِ الْفِعْلِ فِي حَقِّنَا) وقَوْله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] الْمُرَادُ مَا أَمَرَكُمْ بِدَلِيلِ {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7](قَوْلُهُ: كَأَنْ قَالَ: يَجِبُ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَيْسَ نَصًّا فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ (قَوْلُهُ: إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَأَفْطَرَ فِيهِ فِي سَنَةٍ بَعْدَ الْقَوْلِ أَوْ قَبْلَهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْآخَرِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرَ إلَخْ مُتَقَدِّمٌ لِأَنَّ تَقَدُّمَهُ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ، وَتَأَخُّرَهُ بِاعْتِبَارِ الْوُجُودِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَهْوَنُ إلَخْ) لِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ لِلْجَمِيعِ وَالتَّخْصِيصُ رَفْعٌ لِلْبَعْضِ فَهُوَ دُونَهُ فِي مُخَالَفَةِ أَصْلِ اسْتِصْحَابِ حُكْمِ الْعَامِّ.