الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي سَبَبِ حُكْمِهَا (وَالْمُقَيَّدُ) فِي مَوْضِعَيْنِ (بِمُتَنَافِيَيْنِ) وَقَدْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي قَضَاءِ أَيَّامِ رَمَضَانَ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] وَفِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196](يَسْتَغْنِي) فِيمَا أَطْلَقَ فِيهِ (عَنْهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ قِيَاسًا) كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ بَقِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِامْتِنَاعِ تَقْيِيدِهِ بِهِمَا لِتَنَافِيهِمَا وَبِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ مُرَجِّحِهِ فَلَا يَجِبُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ تَتَابُعٌ وَلَا تَفْرِيقٌ أَمَّا إذَا كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسُ كَأَنْ وُجِدَ الْجَامِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَيَّدِهِ دُونَ الْآخَرِ قُيِّدَ بِهِ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ قِيَاسِيٌّ فَإِنْ قِيلَ: لَفْظِيٌّ فَلَا.
(الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ)
أَيْ هَذَا مَبْحَثُهُمَا (الظَّاهِرُ مَا دَلَّ) عَلَى الْمَعْنَى (دَلَالَةً ظَنِّيَّةً) أَيْ رَاجِحَةً فَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَرْجُوحًا كَالْأَسَدِ رَاجِحٌ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ مَرْجُوحٌ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ
ــ
[حاشية العطار]
أَيْ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَفِيهِ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِيهَا عَيْنُ الْخِلَافِ فِيمَا قَبْلَهَا، فَهَلَّا جَمَعَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ: إنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ أَوْ عُكِسَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ هُنَا غَيْرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقِ فِي التَّيَمُّمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي سَبَبِ حُكْمِهِمَا) وَهُوَ الْحَدَثُ وَالْحُكْمُ هُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ (قَوْلُهُ: وَالْمُقَيَّدُ بِمُتَنَافِيَيْنِ إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ، وَإِنْ اخْتَلَفَ السَّبَبُ مَعَ اتِّحَادِ الْحُكْمِ أَيْ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ، وَاتَّحَدَ الْحُكْمُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُقَيَّدٌ بِمُتَنَافِيَيْنِ، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعٍ، وَإِلَّا فَلَا تَقْيِيدَ يَرْجِعُ إلَى الْخِلَافِ قَالَ سم فِيمَا كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: وَالْمُقَيَّدُ بِمُتَنَافِيَيْنِ يُسْتَغْنَى عَنْهُمَا إلَخْ شَامِلًا لِمَا إذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ كَمَا فِي رِوَايَاتِ غَسَلَاتِ الْكَلْبِ، وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِغْنَاءِ إلْغَاءُ الْقَيْدَيْنِ لِتَعَارُضِهِمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ، وَمُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ، وَلِمَا إذَا لَمْ يَتَّحِدَا كَمَا فِي مِثَالِ الشَّارِحِ عَلَى هَذَا يُعْمَلُ بِالْإِطْلَاقِ فِي مَحَلِّهِ كَمَا يُعْمَلُ بِكُلِّ قَيْدٍ فِي مَحَلِّهِ، وَأَمَّا مَفْهُومُ قَوْلِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ إلَخْ فَإِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْقِسْمِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ الْقِيَاسِ عَلَى أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِ لِاتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَالْحُكْمِ الْمُوجِبِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعٍ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمُطْلَقَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ فَلَا يُقَالُ: لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ، وَقَدْ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْلِهِ) أَيْ كَالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى إلَخْ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ (قَوْلُهُ: يُسْتَغْنَى) أَيْ الْمُقَيَّدُ بِمُتَنَافِيَيْنِ الَّذِي أُطْلِقَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ يُقَالُ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُقَيَّدِ بِدُونِ قَيْدِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَبَعْضُهُمْ ضَبَطَ يُسْتَغْنَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُطْلَقُ أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْآخَرِ فَقَوْلُهُ: مِنْ الْآخَرِ أَيْ مِنْهُ بِالْآخِرِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَ أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ) مِثَالُهُ قَوْله تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89] وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] وَفِي صَوْمِ التَّمَتُّعِ {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] فَحَمْلُ الْمُطْلَقِ فِيهِ عَلَى كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي التَّتَابُعِ أَوْلَى عَلَى قَوْلٍ قَدِيمٍ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى صَوْمِ التَّمَتُّعِ فِي التَّفْرِيقِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَيَّدِهِ) أَيْ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَبَيْنَ الْمُقَيَّدِ بِأَحَدِ الْقَيْدَيْنِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَضَمِيرُهُ لِأَحَدِ الْقَيْدَيْنِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قِيلَ لَفْظِيٌّ) أَيْ فَإِنْ قُلْنَا: الْحَمْلُ لَفْظِيٌّ فَلَا تَقْيِيدَ وَإِنْ وُجِدَ الْجَامِعُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ لِتَعَارُضِهِمَا بِخِلَافِهِ عَلَى أَنَّهُ قِيَاسٌ فَإِنَّ الْجَامِعَ مُرَجِّحٌ.
[الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ]
(قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إلَى الظُّهُورِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: دَلَالَةً ظَنِّيَّةً) وَلَا فَرْقَ فِي تِلْكَ الدَّلَالَةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لُغَوِيَّةً أَوْ عُرْفِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً وَقَدْ مَثَّلَ لِلْأَوَّلَيْنِ، وَمِثَالُ الثَّالِثِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا رَاجِحَةٌ فِي ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَرْجُوحَةٌ فِي الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: رَاجِحٌ فِي الْحَيَوَانِ إلَخْ) وَهَذَا لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الظَّاهِرِ لِغَيْرِ دَلِيلٍ عَبَثٌ فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ
وَالْغَائِطِ رَاجِحٌ فِي الْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ لِلْعُرْفِ مَرْجُوحٌ فِي الْمَكَانِ الْمُطْمَئِنِّ الْمَوْضُوعِ لَهُ لُغَةً أَوَّلًا وَخَرَجَ النَّصُّ كَزَيْدٍ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ (وَالتَّأْوِيلُ حَمْلُ الظَّاهِرِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ فَإِنْ حُمِلَ) عَلَيْهِ (لِدَلِيلٍ فَصَحِيحٌ، أَوْ لِمَا يُظَنُّ دَلِيلًا) وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ فِي الْوَاقِعِ (فَفَاسِدٌ أَوْ لَا لِشَيْءٍ فَلَعِبٌ لَا تَأْوِيلٌ) هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ ثُمَّ التَّأْوِيلُ قَرِيبٌ بِتَرْجِيحٍ عَلَى الظَّاهِرِ بِأَدْنَى دَلِيلٍ نَحْوُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] أَيْ عَزَمْتُمْ عَلَى الْقِيَامِ إلَيْهَا وَبَعِيدٌ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا بِأَقْوَى مِنْهُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ كَثِيرًا فَقَالَ (وَمِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ أَمْسِكْ) أَرْبَعًا (عَلَى ابْتَدِئْ) أَيْ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَالْغَائِطُ رَاجِحٌ فِي الْخَارِجِ) وَإِنْ كَانَ مَجَازًا إلَّا أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، وَهِيَ رَاجِحَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمَهْجُورَةِ، بَلْ الْمَجَازُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: لِلْعُرْفِ) وَلَوْ شَرْعِيًّا كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ: أَوَّلًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعُرْفُ اللُّغَوِيُّ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ النَّصُّ) قَالَ شَارِحُ التَّحْرِيرِ فَيَخْرُجُ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ أَيْ الشَّافِعِيَّةِ النَّصُّ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُشْتَرَكُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُمَا مُتَسَاوِيَةٌ وَالْمُؤَوَّلُ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مَرْجُوحَةٌ اهـ. وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ بِمَعْنَى وَاضِحِ الدَّلَالَةِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ دَلَالَتَهُ قَطْعِيَّةٌ) أَيْ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُؤَكَّدُ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُهُ فِي التَّرْكِيبِ فَإِنَّهُ مُحْتَمَلٌ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي فَائِدَةِ التَّأْكِيدِ إلَّا أَنَّ رَفْعَ التَّوَهُّمِ مِنْ حَيْثُ الْكَلَامُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يُتَجَوَّزُ فِيهَا، وَإِلَّا كَانَتْ دَلَالَتُهُ ظَنِّيَّةً لِاحْتِمَالِ التَّجَوُّزِ، وَإِنْ كَانَ نَادِرًا خِلَافَ الْأَصْلِ، وَهُوَ أَيْضًا فِيمَا لَمْ يَشْتَهِرْ مِنْ الْأَعْلَامِ كَ حَاتِمٍ، وَإِلَّا فَهُوَ نَصٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: حَمْلُ الظَّاهِرِ) أَيْ صَرْفُهُ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِمَفْعُولِهِ، وَالْمُرَادُ الْحَمْلُ لِدَلِيلٍ أَوْ شُبْهَةٍ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا فَسَّرَ الصَّدْرَ دُونَ الْمُشْتَقِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي التَّرْجَمَةِ نَظِيرُ مَا سَلَكَهُ فِي الظَّاهِرِ لِيُنَاسِبَ أَقْسَامَهُ الْآتِيَةَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنْ الْمُشْتَقِّ عَكْسُ الظَّاهِرِ وَالظُّهُورِ، وَخَرَجَ بِحَمْلِ الظَّاهِرِ حَمْلُ النَّصِّ عَلَى مَعْنًى مَجَازِيٍّ لِدَلِيلٍ وَحَمْلُ الْمُشْتَرَكِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ فَلَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا اصْطِلَاحًا (قَوْلُهُ: فَصَحِيحٌ) أَيْ فَتَأْوِيلٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: فَلَعِبَ) فِيهِ أَنَّ التَّعْرِيفَ شَامِلٌ لَهُ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ لِإِخْرَاجِهِ قَيْدًا بِأَنْ يَقُولَ: لِدَلِيلٍ وَنَحْوِهِ كَمَا بَيَّنَّا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ حُذِفَ الْقَيْدُ لِعِلْمِهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَعْدُ، وَالْحَذْفُ فِي التَّعَارِيفِ لِقَرِينَةٍ جَائِزٌ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّ التَّعَارِيفَ تُعْتَبَرُ مُسْتَقِلَّةً عَلَى حِيَالِهَا، وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ
(قَوْلُهُ: نَحْوُ إذَا قُمْتُمْ) وَجْهُ قُرْبِ تَأْوِيلِهِ بِمَا قَالَهُ إنَّ ظَاهِرَهُ، وَهُوَ تَقْيِيدُ الْوُضُوءِ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرُ مُرَادٍ قَطْعًا فَتَرَجَّحَ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ وَنَظِيرُهُ:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] ، وَمِنْ الْقَرِيبِ أَيْضًا تَأْوِيلُ خَبَرِ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ» عَلَى أَمْرِ الْإِيجَابِ؛ إذْ الْأَمْرُ وَرَدَ فِي خَبَرِ اسْتَاكُوا فَلَا يُنَافِي نَفْيُهُ الْمُفَادَ بِالْخَبَرِ؛ إذْ مَعْنَاهُ لَوْلَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ لَأَمَرْتُهُمْ لَكِنَّهَا مَوْجُودَةٌ فَلَمْ آمُرْهُمْ اهـ. ز.
وَقَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِهِ وَجْهُ قُرْبِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اللَّفْظَ صَارَ ظَاهِرًا فِي الْعَزْمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى التَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ: وَبَعِيدٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ الدَّلِيلِ الْأَقْوَى وَقِيلَ مَعَهُ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَكَانَ كَلَامُ الشَّارِحِ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَتَرَجَّحُ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَرْجُوحُ عَلَى الظَّاهِرِ إلَّا بِأَقْوَى مِنْهُ أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ بِحَيْثُ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ لَوْ عَارَضَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا بِأَقْوَى) أَيْ فَلَا يَكْفِي الْمُسَاوَاةُ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلُ) أَيْ حَمْلٌ أَشَارَ بِالتَّفْسِيرِ
تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ «قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَغَيْرُهُ عَلَى ابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعَةٍ مِنْهُنَّ فِيمَا إذَا كَانَ نَكَحَهُنَّ مَعًا لِبُطْلَانِهِ كَالْمُسْلِمِ بِخِلَافِ نِكَاحِهِنَّ مُرَتَّبًا فَيُمْسِكُ الْأَرْبَعَ الْأَوَائِلَ
وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِمَحَلِّهِ قَرِيبُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ بَيَانُ شُرُوطِ النِّكَاحِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُنْقَلْ تَجْدِيدُ نِكَاحٍ مِنْهُ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَتَوَفُّرِ دَوَاعِي حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ عَلَى نَقْلِهِ لَوْ وَقَعَ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ (سِتِّينَ مِسْكِينًا) مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] (عَلَى سِتِّينَ مُدًّا) بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ أَيْ طَعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَهُوَ سِتُّونَ مُدًّا، فَيَجُوزُ إعْطَاؤُهُ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَمَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِإِعْطَائِهِ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَدَفْعُ حَاجَةِ الْوَاحِدِ فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَدَفْعِ حَاجَةِ السِّتِّينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الْمُضَافِ وَأُلْغِيَ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ الظَّاهِرِ قَصْدُهُ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ، وَبَرَكَتِهِمْ وَتَظَافُرِ قُلُوبِهِمْ عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ «فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا»
ــ
[حاشية العطار]
الْمَذْكُورِ إلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ ضُمِّنَ مَعْنَى الْحَمْلِ فَعُدِّيَ بِعَلَى وَكَذَا يُقَالُ فِي جَمِيعِ مَا بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَالتَّأْوِيلُ يُعَدَّى بِالْبَاءِ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ) قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهَمَّامِ: فَالْأَوْجَهُ خِلَافُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَيْ خِلَافُ قَوْلِهِمْ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ شَارِحُهُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. فَالْمُرَادُ مُعْظَمُ الْحَنَفِيَّةِ لَا كُلُّهُمْ
(قَوْلُهُ: لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ الثَّقَفِيِّ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَوَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ ابْنُ غَيْلَانَ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ طُغْيَانِ الْقَلَمِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ الْغُنَيْمِيِّ (قَوْلُهُ: ابْتَدِئْ نِكَاحَ) أَيْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا كَانَ إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِلْمَتْنِ؛ وَلِهَذَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي اللُّبِّ وَشَرْحِهِ كَتَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ: أَمْسِكْ بِابْتَدِئْ إنْكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي فِي الْمَعِيَّةِ أَيْ فِيمَا إذَا نَكَحَهُنَّ مَعًا لِبُطْلَانِهِ كَالْمُسْلِمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِمَحَلِّهِ) أَيْ مَحَلِّ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَمْسِكْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَسْبِقْ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ عَلَى التَّفْصِيلِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ يُبَيِّنُ لَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا لَمْ يُفَصِّلْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ذَلِكَ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُنْقَلْ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنَّهُ تَرَكَ الْبَيَانَ لِقِيَامِ قَرَائِنَ دَلَّتْ عَلَى التَّفْصِيلِ وَلَوْ أَتَى بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْعِلَاوَةِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: مَعَ كَثْرَتِهِمْ) أَيْ كَثْرَةِ الْكُفَّارِ الَّذِي أَسْلَمُوا، وَهُمْ مُتَزَوِّجُونَ (قَوْلُهُ: لَوْ وَقَعَ) فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ النَّقْلِ عَدَمُ الْوُقُوعِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا مَا لَمْ تَتَوَفَّرْ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ) اعْتَرَضَهُ النَّاصِرُ بِأَنَّهُ إذَا قُدِّرَ مُضَافٌ لَمْ يَكُنْ فِي سِتِّينَ مِسْكِينًا تَأْوِيلٌ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالتَّأْوِيلُ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ، وَهُوَ خِلَافُ مُفَادِ أَوَّلِ عِبَارَتِهِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الْمُرَادَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَوِي عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إطْلَاقُ الْمِسْكِينِ عَلَى الْمُدِّ
الثَّانِي: تَقْدِيرُ الْمُضَافِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: أَيْ طَعَامُ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الطَّعَامِ غَيْرَ الْفُقَرَاءِ؛ إذْ الْمَعْنَى إطْعَامُ طَعَامٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي سِتِّينَ يَوْمًا) اقْتِصَارٌ عَلَى مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ، وَإِلَّا فَجَوَازُ الْإِعْطَاءِ لِوَاحِدٍ يَصْدُقُ بِالْإِعْطَاءِ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ (قَوْلُهُ: وَأُلْغِيَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ لِلْمَسَاكِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إضَافَتُهُ لِلْإِمْدَادِ فَلَا يُقَالُ: الْعَدَدُ لَمْ يُلْغَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السِّتِّينَ مُدًّا
(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِمَا ذُكِرَ وَبِالْجَرِّ صِفَةٌ لِعَدَدٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَلِأَنَّ طَعِمَ يَتَعَدَّى إلَى مَعْمُولَيْنِ، وَالْمُهِمُّ مِنْهُمَا مَا ذُكِرَ، وَغَيْرُ الْمُهِمِّ هُوَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَدَدَ الْمَسَاكِينِ، وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الطَّعَامِ فَاعْتَبَرُوا الْمَسْكُوتَ وَتَرَكُوا الْمَذْكُورَ، وَهُوَ عَكْسُ الْحَقِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَتَظَافُرِ قُلُوبِهِمْ) صَوَابُهُ تَضَافُرُ بِالضَّادِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ تَضَافَرُوا عَلَى الشَّيْءِ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ اهـ. ز.
يُقَالُ: إنَّهُ تَفَاعُلٌ مِنْ الظَّفَرِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ (قَوْلُهُ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ) أَيْ مُبْتَدَأٌ مَرْفُوعٌ بِالضَّمَّةِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ شَرْطِيَّةٌ وَمَا مَزِيدَةٌ فِيهَا لِلتَّوْكِيدِ، وَامْرَأَةٍ مُضَافٌ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) أَيْ
بِمَا أَصَابَ مِنْهَا (عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالْأَمَةِ الْمُكَاتَبَةِ) أَيْ حَمَلَهُ أَوَّلًا بَعْضُهُمْ عَلَى الصَّغِيرَةِ لِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْكَبِيرَةِ نَفْسَهَا عِنْدَهُمْ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَيْسَتْ امْرَأَةً فِي حُكْمِ اللِّسَانِ فَحَمَلَهُ بَعْضٌ آخَرُ عَلَى الْأَمَةِ فَاعْتُرِضَ بِقَوْلِهِ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَإِنَّ مَهْرَ الْأَمَةِ لِسَيِّدِهَا فَحَمَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّ الْمَهْرَ لَهَا
وَوَجْهُ بُعْدِهِ عَلَى كُلٍّ أَنَّهُ قَصْرٌ لِلْعَامِّ الْمُؤَكَّدِ عُمُومُهُ بِمَا عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ مَعَ ظُهُورِ قَصْدِ الشَّارِحِ عُمُومَهُ بِأَنْ تُمْنَعَ الْمَرْأَةُ مُطْلَقًا مِنْ اسْتِقْلَالِهَا بِالنِّكَاحِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ اسْتِقْلَالُهَا بِهِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ» أَيْ لِلصِّيَامِ مِنْ اللَّيْلِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ» (عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ) لِصِحَّةِ غَيْرِهِمَا بِنَذْرٍ مِنْ النَّهَارِ عِنْدَهُمْ وَوَجْهُ بُعْدِهِ أَنَّهُ قَصَرَ لِلْعَامِّ النَّصَّ فِي الْعُمُومِ عَلَى نَادِرٍ لِنُدْرَةِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّوْمِ بِالْمُكَلَّفِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثَ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ مِثْلَ ذَكَاتِهَا أَوْ كَذَكَاتِهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينُ الْحَيُّ لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمْ وَأَحَلَّهُ صَاحِبَاهُ كَالشَّافِعِيِّ وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ الْمُسْتَغْنَى عَنْهُ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ وَهِيَ الْمَحْفُوظَةُ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَمَلَةِ الْحَدِيثِ فَبِأَنْ يُعْرِبَ ذَكَاةَ الْجَنِينِ خَبَرًا لِمَا بَعْدَهُ أَيْ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ بِذَكَاةِ أُمِّهِ
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ إنْ ثَبَتَتْ فَبِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ كَمَا فِي جِئْتُك طُلُوعَ الشَّمْسِ أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهَا، وَالْمَعْنَى ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى
ــ
[حاشية العطار]
لَا لِسَيِّدِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحُرَّةِ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْمَهْرَ لَهَا أَوَّلًا ثُمَّ يَخْلُفُهَا سَيِّدُهَا فِيهِ اهـ.
وَهُوَ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لِكَوْنِ السَّيِّدِ خَلَفَهَا عَنْهُ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا لَهُ، قِيلَ إنَّمَا أَحْوَجَهُمْ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَعَ بُعْدِهِ مُعَارَضَةُ الْحَدِيثِ بِأَقْوَى مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا تُنْكِحُ نَفْسَهَا، وَإِذَا عُورِضَ بِأَقْوَى مِنْهُ أُوِّلَ، وَالتَّأْوِيلُ خَيْرٌ مِنْ الْإِبْطَالِ (قَوْلُهُ: بِمَا أَصَابَ) أَيْ بِسَبَبِ مَا أَصَابَ مِنْهَا
(قَوْلُهُ: أَيْ حَمَلَهُ أَوَّلًا) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُوَزَّعٌ، فَإِنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ عَلَى الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ: تَزْوِيجُ الْكَبِيرَةِ) بَلْ وَالصَّغِيرَةِ، وَيُتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ إنْ أَجَازَ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا فَقَرَارُهُ مِنْ الصَّغِيرَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا) تَشْبِيهٌ فِي الصِّحَّةِ (قَوْلُهُ: فَحَمَلَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ) أَيْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ الصَّغِيرَةَ وَالْأَمَةَ مِنْ شُمُولِ الْحَدِيثِ لَهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ اهـ. ز.
قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بُعْدِهِ) أَيْ زِيَادَةُ بُعْدِهِ (قَوْلُهُ: الْمُؤَكَّدُ عُمُومُهُ) يَنْبَغِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لِبَيَانِ زِيَادَةِ الْبُعْدِ، وَأَنَّ أَصْلَ الْبُعْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي النَّصُّ فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: مِنْ اللَّيْلِ) مِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ أَوْ بِمَعْنَى فِي (قَوْلُهُ: وَالنَّذْرُ) أَيْ الْمُطْلَقُ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهُوَ كَالْفَرْضِ (قَوْلُهُ: قَصْرٌ لِلْعَامِّ) لِأَنَّ لَا صِيَامَ فِي قَوْلِهِ لَا صِيَامَ نَكِرَةٌ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ وَإِذَا بُنِيَتْ عَلَى الْفَتْحِ كَانَتْ نَصًّا فِي الْعُمُومِ (قَوْلُهُ: تَأْوِيلُ أَبِي حَنِيفَةَ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ فِي هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ الصَّاحِبَيْنِ لَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ مِثْلُ ذَكَاتِهَا إلَخْ) فِيهِ مَعَ قَوْلِهِ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَرِوَايَةُ الرَّفْعِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَرِوَايَةُ النَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينَ إلَخْ) ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُذَكَّى (قَوْلُهُ: أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ إلَخْ) أَيْ مَا وَجْهُ الِاسْتِغْنَاءِ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ (قَوْلُهُ: فَبِأَنْ يُعْرِبَ " ذَكَاةٌ " إلَخْ) إنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الْعَكْسِ لِكَوْنِ كُلِّ مَعْرِفَةٍ لِكَوْنِ ذَكَاةِ الْأُمِّ مُتَقَرِّرَةً فَتُجْعَلُ هِيَ الْأَصْلَ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: أَبُو يُوسُفَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّارِحُ لَمْ يَدَّعِ تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَهُوَ مَا جَعَلَهُ ذَكَاةَ الْجَنِينِ مُبْتَدَأً وَذَكَاةَ أُمِّهِ خَبَرًا أَيْ إنْ كَانَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ هِيَ ذَكَاةَ أُمِّهِ لَا زَائِدَ عَلَيْهِمْ فِي الْجِنْسِ (قَوْلُهُ: فَبِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ) مِنْ نِيَابَةِ الْمَصْدَرِ عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى ذَكَاةُ الْجَنِينِ حَاصِلَةٌ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ) فَيَكُونُ ذَكَاةُ أُمِّهِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ لِنِيَابَتِهِ عَنْ الظَّرْفِ الْمَحْذُوفِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ حَاصِلُهُ أُورِدَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ غَيْرُ ذَكَاةِ أُمِّهِ مَعَ أَنَّهَا هِيَ لَا زَائِدَةٌ عَلَيْهَا فِي الْحِسِّ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُغَايَرَةَ اعْتِبَارِيَّةٌ فَإِنَّهَا مِنْ حَيْثُ
رِوَايَةِ الرَّفْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنِينَ الْمَيِّتَ، وَأَنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهَا تَبَعًا لَهَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ «قَوْلِ السَّائِلِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَفَنُلْقِيهِ، أَوْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» فَظَاهِرٌ أَنَّ سُؤَالَهُمْ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّكِّ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُمْكِنِ الذَّبْحِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالتَّذْكِيَةِ فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْ الْمَيِّتِ لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ (وَ) مِنْ الْبُعْدِ تَأْوِيلُهُمْ كَمَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] إلَخْ (عَلَى بَيَانِ الْمَصْرِفِ) أَيْ مَحَلِّ الصَّرْفِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58] إلَخْ ذَمَّهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى تَعَرُّضِهِمْ لَهَا لِخُلُوِّهِمْ عَنْ أَهْلِيَّتِهَا ثُمَّ بَيَّنَ أَهْلَهَا بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَخْ أَيْ هِيَ لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ دُونَ بَعْضِهِمْ أَيْضًا فَيَكْفِي الصَّرْفُ لِأَيِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ، وَوَجْهُ بُعْدِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ اسْتِيعَابِ الْأَصْنَافِ لِغَيْرِ مُنَافٍ لَهُ؛ إذْ بَيَانُ الْمَصْرِفِ لَا يُنَافِيهِ فَلْيَكُونَا مُرَادَيْنِ فَلَا يَكْفِي الصَّرْفُ لِبَعْضِ الْأَصْنَافِ إلَّا إذَا فُقِدَ الْبَاقِي لِلضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ (وَ) مِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا حَدِيثَ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ) مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ وَابْنِ مَاجَهْ عَتَقَ عَلَيْهِ (عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ) لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ مَا ذُكِرَ، وَوَجْهُ بُعْدِ مَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ الْعَامِّ عَنْ الْعُمُومِ
ــ
[حاشية العطار]
إضَافَتُهَا لِلْجَنِينِ غَيْرُ نَفْسِهَا مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ لِلْأُمِّ
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْمُرَادُ) أَيْ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ) أَيْ الْجَنِينِ الَّذِي وَجَدْتُمُوهُ فِي بَطْنِهَا كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ.
وَالْجَوَابُ بِالْأَكْلِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: ذَكَاةُ أُمِّهِ يَعْنِي كَمَا أَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ أُمَّهُ فَهُوَ كَذَلِكَ، إنَّ هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ الْإِعْرَابَ الثَّانِيَ عَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلُ " أَنَّ " عَلَى ذَكَاةَ الْجَنِينِ، وَهِيَ إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: لِيُطَابِقَ السُّؤَالَ) بَعِيدٌ مَا قَالَهُ النَّاصِرُ هُنَا: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ الْمُطَابَقَةَ بِالْعُمُومِ لِلْمَيِّتِ وَالْحَيِّ، فَإِنَّهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ يَكُونُ الْجَوَابُ خَاصًّا بِالْحَيِّ وَلَا يَشْمَلُ الْمَيِّتَ فَلَا عُمُومَ وَلَا مُطَابَقَةَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَالِكٍ) أَيْ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا قَالَهُ الشَّيْخُ خَالِدٌ (قَوْلُهُ: عَلَى بَيَانِ الصَّرْفِ) أَيْ دُونَ إرَادَةِ الِاسْتِيعَابِ لِلْأَصْنَافِ فِي الْإِعْطَاءِ (قَوْلُهُ: مَنْ يَلْمِزُكَ) أَيْ يَعِيبُكَ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَيَّنَ أَهْلَهَا إلَخْ) أَيْ رَدًّا عَلَى مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ (قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِمْ) فَهُوَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بُعْدِهِ إلَخْ) فَإِنَّ مُقْتَضَى التَّشْرِيكِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ اللَّامِ ظَاهِرٌ فِي تَعْمِيمِ الْجَمِيعِ وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ الرَّازِيّ قَوْله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] الْآيَةَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَعْمِيمِ الْخُمُسِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَصْنَافِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّ عَدَمَ التَّعْمِيمِ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِ الْمُتَوَلِّي لِلتَّفْرِقَةِ الْإِمَامُ، وَنَقُولُ بِذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَحِينَئِذٍ فَآيَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا لِبَيَانِ الْمَصْرِفِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: لَا يُنَافِيهِ) أَيْ لَا يُنَافِي فِي الِاسْتِيعَابِ، وَفِيهِ أَنَّ الْبَلَاغَةَ مُطَابَقَةُ الْكَلَامِ لِحَالِ الْمُخَاطَبِ، وَمُقْتَضَى السِّيَاقِ نَفْيُ صَرْفِهَا عَنْ الْمُخَاطَبِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا يُقْتَضَى تَعْمِيمٌ، فَالتَّأْوِيلُ غَيْرُ بَعِيدٍ (قَوْلُهُ: فَهُوَ حُرٌّ) الْعَائِدُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: فَهُوَ حُرٌّ عَلَيْهِ أَيْ عَتِيقٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ) زَادَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَوَاشِيَ الْقَرِيبَةَ (قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ (قَوْلُهُ: مِنْ صَرْفِ الْعَامِّ) لِأَنَّ ذَا رَحِمٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ: لَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ مُتَّبِعِي الشَّافِعِيِّ إذَا حَاوَلُوا حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى الَّذِينَ هُمْ عُمُومُ النَّسَبِ، وَهُمْ الْأُصُولُ وَالْفُصُولُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلتَّعْمِيمِ لَائِحٌ وَاضِحٌ فِي قَوْلِهِ:«مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ» فَإِنَّ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْهُ ابْتِدَاءً لَا فِي حِكَايَةِ حَالٍ وَلَا جَوَابًا لِسُؤَالٍ وَلَا فِي قَصْدِ حَلِّ إعْضَالٍ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُعْتَادُ تَأْسِيسُ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً فَإِذَا قَالَ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ» تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ الْمَحَارِمَ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ أَجْمَعِينَ وَلَوْ أَرَادَ الْآبَاءَ
لِغَيْرِ صَارِفٍ وَتَوْجِيهُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ نَفْيَ الْعِتْقِ عَنْ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لِلْأَصْلِ الْمَعْقُولِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ إعْتَاقٍ خُولِفَ هَذَا الْأَصْلُ فِي الْأُصُولِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» أَيْ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى صِيغَةِ الْإِعْتَاقِ، وَفِي الْفُرُوعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ، وَالْحَدِيثُ - قَالَ النَّسَائِيّ - مُنْكَرٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ لَا يُتَابَعُ ضَمُرَةُ عَلَيْهِ، وَهُوَ خَطَّاءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ نَعَمْ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ضَمُرَةَ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَنَحْتَاجُ نَحْنُ حِينَئِذٍ إلَى بَيَانِ مُخَصِّصٍ لَهُ بِخِلَافِ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ يُقَالُ: يُخَصِّصُهُ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفَقَةِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَنَا لِغَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ (وَالسَّارِقُ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ) أَيْ وَمِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ وَغَيْرِهِ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» (عَلَى) بَيْضَةٍ (الْحَدِيدُ) أَيْ الَّتِي فَوْقَ رَأْسِ الْمُقَاتِلِ، وَعَلَى حَبْلِ السَّفِينَةِ لِيُوَافِقَ أَحَادِيثَ اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِي الْقَطْعِ
وَوَجْهُ بُعْدِهِ مَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ اللَّفْظِ عَمَّا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ وَالْحَبْلِ الْمَعْهُودِ غَالِبًا الْمُؤَيَّدِ إرَادَتُهُ بِالتَّوْبِيخِ بِاللَّعْنِ لِجَرَيَانِ عُرْفِ النَّاسِ بِتَوْبِيخِ سَارِقِ الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ وَتَرْتِيبِ الْقَطْعِ عَلَى سَرِقَةِ ذَلِكَ لِجَرِّهَا إلَى سَرِقَةِ غَيْرِهَا مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ (وَبِلَالٌ يَشْفَعُ الْأَذَانَ) أَيْ وَمِنْ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ بَعْضِ السَّلَفِ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرَ بِلَالٌ أَيْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» كَمَا فِي النَّسَائِيّ «أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ» (عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ شَفْعًا
ــ
[حاشية العطار]
وَالْأُمَّهَاتِ وَالْبَنِينَ وَعَلِمَ تَخْصِيصَهُمْ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ لَنَصَّ عَلَيْهِمْ اهـ. بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ: لِلْأَصْلِ) أَيْ لِلْقَاعِدَةِ الْمَعْقُولَةِ الْمَعْنَى وَالْعِلَّةِ
(قَوْلُهُ: مَا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِالْمِلْكِ غَيْرُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: فَيُعْتِقُهُ) أَيْ بِالشِّرَاءِ قَدْ يُقَالُ: اللَّفْظُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هُوَ مُسْتَفَادٌ بِوَاسِطَةِ قَرَائِنَ خَارِجِيَّةٍ كَحَدِيثِ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَكَرِوَايَةِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْفُرُوعِ) أَيْ وَقَوْلِي فِي الْفُرُوعِ (قَوْلُهُ: دَلَّ عَلَى نَفْيِ اجْتِمَاعِ إلَخْ) أَيْ عَلَى نَفْيِ اسْتِمْرَارِ اجْتِمَاعِ إلَخْ وَإِلَّا فَاجْتِمَاعُ الْوَلَدِيَّةِ وَالْعَبْدِيَّةِ مَوْجُودٌ فِي شِرَاءِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فَرْعُ الْمِلْكِ وَأُورِدَ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَى عَدَمِ اجْتِمَاعِهِ مَعَ الْوَلَدِيَّةِ عَبْدِيَّةُ الْإِيجَادِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اجْتِمَاعِ عَبْدِيَّةِ الرِّقِّ مَعَ الْوَلَدِيَّةِ، فَالدَّلِيلُ إقْنَاعِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثُ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ» إلَخْ (قَوْلُهُ: مُنْكَرٌ) أَيْ مِنْ طَرِيقِ ضَمُرَةَ وَقَوْلُهُ: وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ (قَوْلُهُ: لَا يُتَابَعُ ضَمُرَةُ عَلَيْهِ) أَيْ فِي طَرِيقِهِ الْخَاصَّةِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ طَرِيقِ ضَمُرَةَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ خَطَّاءٌ) أَيْ ضَمُرَةُ خَطَّاءٌ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ كَثِيرُ الْخَطَأِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ: لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَمَا كَانَ عَنْهُ مُخَلِّصٌ، وَلَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ
(قَوْلُهُ: فَنَحْتَاجُ نَحْنُ) هَذَا رُجُوعٌ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى عِتْقِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ عُمُومُ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُخَصِّصٍ، وَهَذَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ (قَوْلُهُ: عَلَى النَّفَقَةِ) أَيْ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا حَقٌّ لِلْقَرَابَةِ
(قَوْلُهُ: السَّارِقُ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالرَّفْعِ؛ وَلِهَذَا غُيِّرَ الْأُسْلُوبُ فَلَمْ يُقَدَّمْ فِيهَا قَوْلُهُ: وَمِنْ الْبَعِيدِ لَكِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: وَمِنْ الْبُعْدِ تَأْوِيلُ بَعْضِهِمْ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَالسَّارِقُ وَمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: وَبِلَالٌ إلَخْ اهـ. ز.
وَيَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى الْحِكَايَةِ (قَوْلُهُ: أَكْثَمُ) بِالْمُثَلَّثَةِ مِنْ عُلَمَاءِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَرُزِقَ حَظْوَةً عِنْدَهُمْ كَانَ دَمِثَ الْأَخْلَاقِ نَدِيمًا مُسَامِرًا لَهُ نَوَادِرُ كَثِيرَةٌ مَعَ الْمَأْمُونِ رحمه الله (قَوْلُهُ: الْمُؤَيِّدُ) صِفَةٌ لِمَا يُتَبَادَرُ (قَوْلُهُ: لِجَرَيَانِ عُرْفٍ) عِلَّةٌ لِلتَّأْيِيدِ (قَوْلُهُ: وَتَرْتِيبُ الْقَطْعِ) هُوَ بِالرَّفْعِ وَأَشَارَ بِالْجُمْلَةِ إلَى التَّأْوِيلِ الْقَرِيبِ مُتَضَمِّنًا لِرَدِّ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ، وَلَمَّا حَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ التَّأْوِيلَ الْبَعِيدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ قَالَ: إنَّهُ بَاطِلٌ قَالَ وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ أُورِدَ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ ثُمَّ أَعْلَمَ اللَّهُ بَعْدُ أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي نِصَابٍ (قَوْلُهُ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ) أَيْ الْحَمْلُ عَلَى الْقَطْعِ بِسَبَبِ الْجَرِّ (قَوْلُهُ: أَمْرَ بِلَالٍ أَيْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْآمِرَ لَهُ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه -