الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ وُجُودِ مَانِعٍ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَا فُرِضَ أَيْضًا لِجَوَازِ دَلِيلَيْنِ مَثَلًا عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ وَالْمَانِعُ كَأُبُوَّةِ الْقَاتِلِ لِلْمَقْتُولِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَانْتِفَاءُ الشَّرْطِ كَعَدَمِ إحْصَانِ الزَّانِي فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ
(مَسَالِكُ الْعِلَّةِ)
أَيْ هَذَا مَبْحَثُ الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى عِلِّيَّةِ الشَّيْءِ
(الْأَوَّلُ) مِنْهَا (الْإِجْمَاعُ)
كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحْكُمُ أَحَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَهُوَ غَضْبَانُ» تَشْوِيشُ الْغَضَبِ لِلْفِكْرِ وَقَدَّمَ الْإِجْمَاعَ عَلَى النَّصِّ كَابْنِ الْحَاجِبِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي وَعَكَسَ الْبَيْضَاوِيُّ؛ لِأَنَّ النَّصَّ أَصْلٌ لِلْإِجْمَاعِ.
(الثَّانِي) مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ (النَّصُّ الصَّرِيحُ)
ــ
[حاشية العطار]
مَا يُقَالُ إنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ التَّعْلِيلَ بِعِلَّتَيْنِ فَلَا يَصِحُّ هَذَا النَّفْيُ (قَوْلُهُ: مِنْ وُجُودِ مَانِعٍ) أَيْ مَانِعٍ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ كَنَفْيِ الْقِصَاصِ عَنْ الْأَبِ بِقَتْلِ وَلَدِهِ لِمَانِعٍ وُجُودِيٍّ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ وَقَوْلُهُ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ كَانْتِفَاءِ رَجْمِ الْبِكْرِ لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ الْمُشْتَرَطِ فِي وُجُوبِ الرَّجْمِ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ) هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى جَوَازِ تَعَدُّدِ الْعِلَلِ لَا عَلَى امْتِنَاعِهِ الْمُصَحِّحِ لِلْمُصَنِّفِ فَهُوَ جَوَابٌ إلْزَامِيٌّ.
وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِأَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْحُكْمُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي كَانَ انْتِفَاؤُهُ مَعَ عَدَمِهِ أَجْدَرَ وَقَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ إنَّ الْخَصْمَ لَا يَلْتَزِمُ مَذْهَبًا؛ لِأَنَّهُ هَادِمٌ بِرَدِّهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ غَيْرُ خَصْمٍ بَلْ بِصَدَدِ تَقْدِيرِ الْأَحْكَامِ
[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]
[الْأَوَّلُ مِنْهَا الْإِجْمَاعُ]
(قَوْلُهُ: أَيْ هَذَا مَبْحَثُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَسَالِكَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَأَنَّ الْمَسْلَكَ اسْمُ مَكَان لَا اسْمُ زَمَانٍ، وَلَا مَصْدَرٌ أَيْ مَوْضِعُ السُّلُوكِ وَمَكَانُهُ وَالْإِضَافَةُ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الدَّالِّ لِلْمَدْلُولِ؛ لِأَنَّ الْمَسَالِكَ تُوَصِّلُ إلَى الْمَقْصُودِ أَيْ هَذِهِ قَضَايَا وَمَبْحَثٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى عِلِّيَّةِ الشَّيْءِ أَيْ كَوْنِهِ عِلَّةً؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَى عِلِّيَّةِ الشَّيْءِ (قَوْلُهُ: تَشْوِيشُ الْغَضَبِ لِلْفِكْرِ) قَالَ النَّاصِرُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِلَّةَ وَصْفٌ ضَابِطٌ لِحِكْمَةٍ لَا نَفْسَ الْحِكْمَةِ فَالْمُطَابِقُ لَهُ أَنَّ الْعِلَّةَ غَضَبٌ لَا التَّشْوِيشُ.
وَأَجَابَ سم بِمَنْعِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ نَفْسُ التَّشْوِيشِ هُوَ الْعِلَّةَ وَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَصْفٌ ضَابِطٌ لِحِكْمَةٍ، وَهِيَ خَوْفُ الْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ إلَى خِلَافِهِ بَلْ صَرَّحَ الْفَخْرُ فِي مَحْصُولِهِ بِخَطَأِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْغَضَبُ وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ) نَبَّهَ بِهِ كَالْعِرَاقِيِّ عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ عُذْرٍ، وَتَقْدِيمُ الْإِجْمَاعِ إلَى الْبَيْضَاوِيِّ وَتَقْدِيمُ النَّصِّ إلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَهْمٌ اهـ. شَيْخُ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ دَلِيلٌ عَلَى قَدْحٍ فِي ذَلِكَ النَّصِّ إمَّا بِضَعْفٍ أَوْ نَسْخٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ الْآتِي) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَالنَّصُّ فَقَوْلُهُ الْآتِي وَصْفٌ لِلْأَصَحِّ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ الْأَصَحِّيَّةُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يُحْكَ هُنَا هُنَاكَ خِلَافًا.
[الثَّانِي مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ النَّصُّ الصَّرِيحُ]
(قَوْلُهُ: النَّصُّ الصَّرِيحُ) قَابَلَ بِهِ الظَّاهِرَ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَدْرَجَ فِيهِ الظَّاهِرَ وَقَابَلَ بِالصَّرِيحِ التَّنْبِيهَ، وَالْإِيمَاءَ وَأَدْرَجَ الثَّلَاثَةَ فِي النَّصِّ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ لَكِنْ
بِأَنْ لَا يَحْتَمِلَ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ (مِثْلُ لِعِلَّةِ كَذَا فَلِسَبَبِ) كَذَا (فَمِنْ أَجْلِ) كَذَا (فَنَحْوُ كَيْ وَإِذَنْ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: 32]{كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7]{إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75] وَفِيمَا عَطَفَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْفَاءِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ فِي الرُّتْبَةِ بِخِلَافِ مَا عَطَفَهُ بِالْوَاوِ (وَالظَّاهِرُ) بِأَنْ يَحْتَمِلَ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ احْتِمَالًا مَرْجُوحًا (كَاللَّامِ ظَاهِرَةٌ) نَحْوُ {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 1](فَمُقَدَّرَةٌ نَحْوُ إنْ كَانَ كَذَا) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] إلَى قَوْلِهِ
ــ
[حاشية العطار]
مَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْعَدُ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: لَعَلَّهُ كَذَا فَلِسَبَبِ كَذَا) تَرَكَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَا أَصْرَحَ الْأَشْيَاءِ (قَوْلُهُ: فَنَحْوُ كَيْ) أَيْ التَّعْلِيلِيَّةِ بِخِلَافِ كَيْ الْمَصْدَرِيَّةِ، فَإِنَّهَا بِمَعْنَى أَنْ وَتَنْصِبُ الْمُضَارِعَ بِشَرْطِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا لَامُ التَّعْلِيلِ ظَاهِرَةً أَوْ مُقَدَّرَةً (قَوْلُهُ: وَإِذَنْ) جَعَلَهَا مِنْ الصَّرِيحِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْجَزَاءِ دَائِمًا لَا غَالِبًا (قَوْلُهُ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. . الْآيَةَ) مِثْلُهُ.
قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ لِأَجْلِ الْبَصَرِ» أَيْ إنَّمَا شُرِعَ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي دَارٍ لِئَلَّا يَقَعَ النَّظَرُ عَلَى مَا حَرُمَ النَّظَرُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيّ لِأَجْلِ الدَّافَّةِ» أَيْ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِهَا لِتُفَرِّقُوهَا بِالتَّصَدُّقِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالدَّافَّةُ جَمَاعَةٌ يَذْهَبُونَ مَهْلًا لِطَلَبِ الْكَلَأِ فِي سَنَةِ الْقَحْطِ مِنْ الدَّفِيفِ، وَهُوَ الدَّبِيبُ أَيْ السَّيْرُ اللَّيِّنُ وَالْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ الْقَافِلَةُ السَّيَّارَةُ كَذَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ، وَفِي الصِّحَاحِ الدَّافَّةُ الْجَيْشُ يَدِفُّونَ نَحْوَ الْعَدُوِّ أَيْ يَدِبُّونَ اهـ.
قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَوْلُهُ {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} [الحشر: 7] أَيْ أَنَّ الْفَيْءَ الَّذِي أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ إنَّمَا خُمِّسَ وَصُرِفَ إلَى الْمَصَارِفِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْآيَةِ كَيْلَا يَكُونَ دُولَةً وَهِيَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ مَا يَدُوَّلُ وَيَدُورُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ الْجَدِّ وَالْجَمْعُ دَوْلَاتٌ وَدُوَلٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِشَيْءٍ يُتَدَاوَلُ بِعَيْنِهِ أَيْ إنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَخْتَصَّ بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ فَيَكُونُ مَرَّةً لِهَذَا أَوْ مَرَّةً لِذَاكَ قَالَهُ الْبُدَخْشِيُّ ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ مُقَدَّرَةً فَتَكُونُ كَيْ مَصْدَرِيَّةً فَلَا يَكُونُ نَصًّا فِي التَّعْلِيلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ أَوْ يُقَالُ: إنَّهَا أَبَدًا دَالَّةٌ عَلَى التَّعْلِيلِ.
(قَوْلُهُ: وَفِيمَا عَطَفَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى، وَفِي عَطْفِهِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْعَطْفِ بِالْفَاءِ لَا فِي الْمَعْطُوفِ بِهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمَعْطُوفُ مِنْ حَيْثُ الْعَطْفُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: وَفِي عَطْفِ مَا عَطَفَهُ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا عَطَفَهُ بِالْوَاوِ) أَيْ فَلَيْسَ فِيهِ الْإِشَارَةُ وَكَوْنُهُ فِي رُتْبَتِهِ أَوْ لَا شَيْءٌ آخَرُ (قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ) عَطْفٌ عَلَى الصَّرِيحِ فَهُوَ قَسِيمٌ لَهُ وَقِسْمٌ مِنْ النَّصِّ فَالْمُرَادُ بِالنَّصِّ هُنَا مُطْلَقُ اللَّفْظِ اهـ. نَاصِرٌ (قَوْلُهُ: احْتِمَالًا مَرْجُوحًا)
{أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14] أَيْ لَأَنْ (فَالْبَاءُ) نَحْوُ {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] أَيْ مَنَعْنَاهُمْ مِنْهَا لِظُلْمِهِمْ.
(فَالْفَاءُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ) وَتَكُونُ فِيهِ لِلْحُكْمِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، وَفِي الْوَصْفِ نَحْوُ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ «لَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» (فَالرَّاوِي الْفَقِيهُ فَغَيْرُهُ) وَتَكُونُ فِي ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ فَقَطْ «كَقَوْلِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ سَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَجَدَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ
ــ
[حاشية العطار]
وَلَوْ مَجَازًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ قَوْلُهُ {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} [القلم: 14] فَأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ إلَخْ حَمَلَهُ عَلَى الطُّغْيَانِ فِي ارْتِكَابِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ، وَهُوَ الْغَيْرَةُ (قَوْلُهُ: أَيْ؛ لِأَنَّ) جَعْلَ الْمُقَدَّرَ اللَّامَ دُونَ بَاءِ السَّبَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ: فَالْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ) مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَلَاصُقِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لِمَا حُقِّقَ أَنَّ حَقِيقَتَهَا الْإِلْصَاقُ وَبَقِيَّةُ الْمَعَانِي مُتَفَرِّعَةٌ عَلَيْهِ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ الْحَقُّ أَنَّ مَعْنَى ظُهُورِ التَّعْلِيلِ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ تَبَادُرُ الذِّهْنِ إلَى فَهْمِ التَّعْلِيلِ مِنْهَا فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَلَوْ بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَالسِّيَاقُ لَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلتَّعْلِيلِ بِخُصُوصِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَنَعْنَاهُمْ مِنْهَا لِظُلْمِهِمْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبَاتِ الْمُسْتَلَذَّاتُ وَبِالتَّحْرِيمِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ الْمَنْعُ إذْ لَوْ أُرِيدَ بِالطَّيِّبَاتِ الْحَلَالَاتُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى وَصْفِهَا بِأَنَّهَا أُحِلَّتْ لَهُمْ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ) أَيْ دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَصْفِ) أَيْ الْعِلَّةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ «فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ «لَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ» فَإِنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ {فَاقْطَعُوا} [المائدة: 38] صِيغَةُ إيجَابٍ وَالْإِيجَابُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ دَخَلَتْ الْفَاءُ عَلَيْهِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لَا تُمِسُّوهُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَالْهَاءُ مَفْعُولٌ أَوَّلُ وَطِيبًا مَفْعُولٌ ثَانٍ وَقَوْلُهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا أَيْ تُغَطُّوا يُقَالُ خَمَّرَ رَأْسَهُ أَيْ غَطَّاهُ وَالْعِلَّةُ هِيَ الْبَعْثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا فَوَجَبَ إبْقَاءُ أَثَرِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ: فَالرَّاوِي الْفَقِيهُ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُهُ) أَيْ فَغَيْرُ الرَّاوِي الْفَقِيهِ، وَهُوَ الرَّاوِي غَيْرُ الْفَقِيهِ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَلَامِ الرَّاوِي فَقِيهًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: فِي الْحُكْمِ فَقَطْ) أَيْ فِي مُتَعَلَّقِ الْحُكْمِ، وَهُوَ طَلَبُ السُّجُودِ فِي الْحَدِيثِ لَا تَعَلُّقُ الْحُكْمِ أَوْ تَرَتُّبُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ الْقَدِيمِ الْمُسْتَحِيلِ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلْحُدُوثِ قَالَ النَّاصِرُ: وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ إنَّمَا يَحْكِي بِالْفَاءِ مَا كَانَ فِي الْوُجُودِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا يَكُونُ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّعْقِيبِ فَمَدْخُولُهَا فِي كَلَامِهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَأَخِّرًا عَمَّا قَبْلَهَا وَالْوَصْفُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى الْحُكْمِ فَلَا يَكُونُ مَدْخُولُهَا إلَّا الْحُكْمُ لَا الْوَصْفُ وَأَمَّا الشَّارِعُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَاكٍ لِمَا فِي الْوُجُودِ بَلْ مُنْشِئٌ لِلْحُكْمِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ إنْشَاءِ الْحُكْمِ ثُمَّ بَيَانِ عِلَّتِهِ كَعَكْسِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ) هُوَ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ وَقَصَدَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ التَّوْفِيقَ بَيْنَ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ، وَعِبَارَتُهُ فِي تَلْوِيحِهِ هَكَذَا النَّصُّ إمَّا صَرِيحٌ، وَهُوَ مَا دَلَّ بِوَضْعِهِ، وَإِمَّا إيمَاءٌ وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَلَهُ مَرَاتِبُ مِنْهَا مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالْعِلِّيَّةِ، مِثْلُ لِعِلَّةِ كَذَا وَلِأَجْلِ كَذَا وَكَيْ يَكُونَ وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِيهِ حَرْفٌ ظَاهِرٌ فِي التَّعْلِيلِ مِثْلُ لِكَذَا أَوْ بِكَذَا، وَإِنْ كَانَ كَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ قَدْ تَجِيءُ لِغَيْرِ الْعِلِّيَّةِ كَلَامِ الْعَاقِبَةِ وَبَاءِ الْمُصَاحَبَةِ، وَإِنْ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي مُجَرَّدِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِصْحَابِ وَمِنْهَا مَا دَخَلَ فِيهِ الْفَاءُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ أَمَّا فِي الْوَصْفِ مِثْلُ «زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ وَأَوْدَاجُهُمْ تَشْخَبُ دَمًا» وَأَمَّا فِي الْحُكْمِ نَحْوُ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّرْتِيبِ وَالْبَاعِثُ مُقَدَّمٌ فِي الْعَقْلِ مُتَأَخِّرٌ فِي الْخَارِجِ فَيَجُوزُ دُخُولُ الْفَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِلِاعْتِبَارَيْنِ، وَهَذَا