الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا بُدَّ لَهُ) أَيْ لِلْإِجْمَاعِ (مِنْ مُسْتَنَدٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَيْدِ الِاجْتِهَادِ) الْمَأْخُوذِ فِي تَعْرِيفِهِ (مَعْنًى وَهُوَ الصَّحِيحُ) فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِلَا مُسْتَنَدٍ خَطَأٌ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ بِأَنْ يُلْهَمُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى صَوَابٍ وَادَّعَى قَائِلُهُ وُقُوعَ صُوَرٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُعْتَرِضًا بِهِ عَلَى الْآمِدِيِّ فِي قَوْلِهِ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ دُونَ الْوُقُوعِ.
(مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ إمْكَانُهُ) أَيْ الْإِجْمَاعِ وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُسْتَنَدٍ إلَخْ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّنَدُ وَاجِبًا فِي الْإِجْمَاعِ لَكَانَ هُوَ الْحُجَّةُ فَلَا يَكُونُ لِلْإِجْمَاعِ فَائِدَةٌ حِينَئِذٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهِيَ كَشْفُهُ عَنْ وُجُودِ دَلِيلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مَعْرِفَتِهِ وَالْبَحْثِ عَنْ كَيْفِيَّةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَدْلُولِ وَأَيْضًا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ دَلِيلَيْنِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ مِنْ تَعَاضُدِ الْأَدِلَّةِ وَفِي التَّلْوِيحِ فَائِدَةُ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ وُجُودِ السَّنَدِ سُقُوطُ الْبَحْثِ وَصَرْفُ الْمُخَالَفَةِ وَصَيْرُورَةُ الْحُكْمِ قَطْعِيًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي السَّنَدِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا وَأَنَّهُ وَاقِعٌ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ قِيَاسًا عَلَى إمَامَتِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى قِيلَ رَضِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَمْرِ دِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاهُ لِأَمْرِ دُنْيَانَا وَذَهَبَ الشِّيعَةُ وَدَاوُد الظَّاهِرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا جَوَازُ كَوْنِهِ خَبَرُ وَاحِدٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُلْهَمُوا الِاتِّفَاقَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَرْجِعُ لِلِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مِنْ الْمُسْتَنَدَاتِ فَإِنْ أُرِيدَ مُسْتَنَدٌ ظَاهِرٌ تُفْصِحُ عَنْهُ الْعِبَارَةُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وُجُودَ مَعْنًى تَقْصُرُ عَنْهُ عَادَةُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا.
[مَسْأَلَةٌ الصَّحِيحُ إمْكَانُ الْإِجْمَاعِ]
(قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ إمْكَانُهُ إلَخْ) مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِهِ وَبَيَانِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ فَبَيِّنٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ مُمْكِنٌ وَالْمُرَادُ إمْكَانُهُ عَادَةً بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ، وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً وَمَا ذُكِرَ هُنَا يُعْلَمُ بَعْضُهُ مِنْ مَوَاضِعَ فِي كَلَامِهِ فَذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ وَإِنَّهُ قَطْعِيٌّ وَأَيْضًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُنَا غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنَّهُ مُمْتَنِعٌ عَادَةً) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ ذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ وَاشْتَدَّ كَلَامُ الْقَاضِي رضي الله عنه وَنَكِيرُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ وَتَعَدَّى حَدَّ الْإِنْصَافِ قَلِيلًا وَنَحْنُ نَسْلُكُ مَسْلَكًا فِي اسْتِيعَابِ مَا لِكُلِّ فَرِيقٍ حَتَّى إذَا لَاحَتْ نِهَايَةُ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَضَحَ مِنْهَا دَرْكُ الْحَقِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا الَّذِينَ مَنَعُوا تَصَوُّرَ الْإِجْمَاعِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا قَدْ اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْإِسْلَامِ وَرَفَعْتَهَا وَعُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ مُتَبَاعِدُونَ فِي الْأَمْصَارِ وَمُعْظَمُ الْبِلَادِ الْمُتَبَايِنَةِ لَا تَتَوَاصَلُ الْأَخْبَارُ فِيهَا، وَإِنَّمَا يَتَدَرَّجُ الْمُنْدَرِجُ مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ بِسَفَرَاتٍ وَتَرَبُّصَاتٍ وَلَا يُنْفَقُ انْتِهَاضُ رُفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَمُدَّتُهَا مُدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ رَفْعُ مَسْأَلَةٍ إلَى جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْعَالَمِ، ثُمَّ كَيْفَ يُفْرَضُ اتِّفَاقُ آرَائِهِمْ فِيهَا مَعَ تَفَاوُتِ الْفِطَنِ وَالْقَرَائِحِ وَتَبَايُنِ الْمَذَاهِبِ وَالْمَطَالِبِ وَأَخْذِ كُلِّ جِيلٍ صَوْبًا فِي أَسَالِيبِ الظُّنُونِ، فَتَصْوِيرُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْحُكْمِ الْمَظْنُونِ بِمَثَابَةِ تَصْوِيرِ اجْتِمَاعِ الْعَالَمِينَ فِي صَبِيحَةِ يَوْمٍ عَلَى قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ وَأَكْلِ مَأْكُولٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي اطِّرَادِ الْعَادَةِ نَعَمْ إنْ انْخَرَقَتْ لِنَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُثْبِتُ الْكَرَامَاتِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُتَصَوَّرُ الِاجْتِمَاعُ مَعَ اطِّرَادِ الْعَادَةِ فَهَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ زَادُوا إبْهَامًا آخَرَ فَقَالُوا لَوْ فُرِضَ الْإِجْمَاعُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ النَّقْلُ عَنْهُمْ عَلَى التَّوَاتُرِ وَالْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَقَدْ أَسْنَدُوا كَلَامَهُمْ إلَى ثَلَاثِ جِهَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ فِي الْعُسْرِ أَوَّلُهَا تَعَذُّرُ عَرْضِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْكَافَّةِ وَالْأُخْرَى عُسْرُ اتِّفَاقِهِمْ وَالْحُكْمُ مَظْنُونٌ
وَالثَّالِثَةُ تَعَذُّرُ النَّقْلِ عَنْهُمْ تَوَاتُرًا، وَاخْتَتَمُوا هَذَا بِأَنْ قَالُوا لَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى مَذْهَبٍ فَمَا الَّذِي يُؤْمَنُ مِنْ بَقَائِهِ عَلَيْهِ وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ إلَى أَنْ يُطْبَقَ النَّقْلُ طَبْقَ الْأَرْضِ فَهَذِهِ عُيُونُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ قَالَ الْقَاضِي رحمه الله مُعْتَرِضًا عَلَيْهِمْ مُتَّبِعًا مَسَالِكَهُمْ نَحْنُ نَرَى إطْبَاقَ جِيلٍ مِنْ الْكُفَّارِ يَرْبُو عَدَدُهُمْ عَلَى عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ يُدْرَكُ بِأَدْنَى فِكْرٍ بُطْلَانُهَا فَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ إجْمَاعُ أَهْلِ الدِّينِ عَلَى الْإِحَاطَةِ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَرَدْنَا فَرْضَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ فَنَحْنُ نَعْلَمُ إجْمَاعَ عُلَمَاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْمَسَائِلِ مَعَ تَبَاعُدِ الدِّيَارِ وَتَنَائِي الْمَزَارِ وَانْقِطَاعِ الْأَسْفَارِ فَبَطَلَ مَا زَخْرَفَهُ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي
كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ، وَقَوْلِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا لَا جَامِعَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ شَهَوَاتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذْ يَجْمَعُهُمْ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ) بَعْدَ إمْكَانِهِ (حُجَّةٌ) فِي الشَّرْعِ قَالَ تَعَالَى
ــ
[حاشية العطار]
إحْضَارُ سَائِرِ الْمَمَالِيكِ بِجَوَازِمِ أَوَامِرِهِ الْمُنْفَذَةِ إلَى مُلُوكِ الْأَطْرَافِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْمَعَ مِثْلُ هَذَا الْمَلِكِ الْعَظِيمِ عُلَمَاءَ الْعَالَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُلْقِيَ عَلَيْهِمْ مَا عَنَّ لَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ وَيَقِفَ عَلَى وِفَاقِهِمْ وَخِلَافِهِمْ فَهَذَا وَجْهٌ فِي الصُّورَتَيْنِ لَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُهُ عَلَى فَرْضِ خَرْقِ الْعَادَةِ فَهَذَا مُنْتَهَى كَلَامِهِ رحمه الله، وَنَحْنُ نُفَصِّلُ الْآنَ الْقَوْلَ مِنْ ذَلِكَ قَائِلِينَ لَا يَمْتَنِعُ الْإِجْمَاعُ عِنْدَ ظُهُورِ دَوَاعٍ مُسْتَحِثَّةٍ عَلَيْهِ دَاعِيَةٍ إلَيْهِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كُلُّ أَمْرٍ كُلِّيٍّ يَتَعَلَّقُ بِقَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ فِي الْمِلَلِ فَإِنَّ عَلَى الْقُلُوبِ رَوَابِطَ فِي أَمْثَالِهَا حَتَّى كَانَ نَوَاصِي الْعُقَلَاءِ تَحْتَ رِبْقَةِ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الدِّينِيَّةِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْقَاضِي رحمه الله فِي إجْمَاعِ جَمْعِ الْكُفَّارِ عَلَى أَدْيَانِهِمْ وَمِنْهُ اجْتِمَاعُ اتِّبَاعِ الْإِمَامِ عَلَى مَذْهَبِهِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَأَّسَهُ الزَّمَانُ تُصْرَفُ إلَيْهِ قُلُوبُ الْأَتْبَاعِ وَبِذَلِكَ يَتَّصِلُ النِّظَامُ وَهُوَ مُتَبَيِّنٌ فِي الْخَفِيِّ وَالْجَلِيِّ وَمَا صَوَّرَهُ الْقَاضِي رحمه الله مِنْ إحْضَارِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ مُنْكَرًا فَقَدْ تَكُونُ أَطْرَافُ الْمَمَالِكِ فِي حَقِّ الْمَلِكِ الْمُعَظَّمِ كَأَنَّهَا بِمَرْأًى مِنْهُ وَمُسْتَمَعٍ فَلَا يَبْعُدُ مَا قَالَهُ عَلَى مَا صَوَّرَهُ.
وَأَمَّا فَرْضُ اجْتِمَاعٍ عَلَى حُكْمٍ مَظْنُونٍ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْدَةٍ لَيْسَتْ مِنْ كُلِّيَّاتِ الدِّينِ مَعَ تَفَرُّقِ الْعُلَمَاءِ وَاسْتِقْرَارِهِمْ فِي أَمَاكِنِهِمْ وَانْتِفَاءِ دَاعِيَةٍ تَقْتَضِي جَمْعَهُمْ فَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ اطِّرَادِ الْعَادَةِ أَفَادَ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ التَّصَوُّرَ وَعَدَمَ التَّصَوُّرِ فَهُوَ زَالٌّ وَالْكَلَامُ الْمُفَصَّلُ إذَا أُطْلِقَ نَفْيُهُ أَوْ إثْبَاتُهُ كَانَ خَلَفًا وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ تَصْوِيرَ الْإِجْمَاعِ وُقُوعًا فِي زَمَانِنَا هَذَا فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ الْمَظْنُونَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الدَّوَاعِي الْجَامِعَةِ هَيِّنٌ فَلَيْسَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ
نَعَمْ مَسَائِلُ الْإِجْمَاعِ جَرَتْ مِنْ صَحْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَكْرَمِينَ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ أَوْ مُتَقَارِبُونَ فَهَذَا مُنْتَهَى الْغَرَضِ فِي تَصْوِيرِ الْإِجْمَاعِ، هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ سُقْنَاهُ بِعِبَارَتِهِ، وَلَمْ نُبَالِ بِالتَّطْوِيلِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ رُكْنٌ عَظِيمٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَقَدْ كَشَفَ الْإِمَامُ رحمه الله عَنْهُ الْغِطَاءَ وَشَفَى بِشَرْحِهِ الصُّدُورَ بِعِبَارَاتِهِ الرَّشِيقَةِ الْجَامِعَةِ لِلْمَعَانِي الْأَنِيقَةِ. (قَوْلُهُ: كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أَكْلِ إلَخْ) تَنْظِيرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ: فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) يَرْجِعُ لِلِاثْنَيْنِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَلَا جَامِعَ لَهُمْ عَلَيْهِ) أَيْ لَا مُقْتَضَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ بَعْدَ إمْكَانِهِ حُجَّةٌ) أَشَارَ إلَى أَنَّ
{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] الْآيَةَ تَوَعَّدَ فِيهَا عَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَوْ فِعْلُهُمْ فَيَكُونُ حُجَّةً وَقِيلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] اقْتَصَرَ عَلَى
ــ
[حاشية العطار]
كَوْنَهُ حُجَّةً مُفَرَّعٌ عَلَى إمْكَانِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْحُجَّةَ فَرْعُ الْوُقُوعِ لَا الْإِمْكَانِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِمْكَانُ الْوُقُوعِيُّ (قَوْلُهُ: مَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ الْآيَةَ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ تَعَالَى جَمَعَ بَيْنَ مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَهِيَ مُخَالَفَتُهُ الْحَرَامُ وَبَيْنَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَعِيدِ فَتَكُونُ مُتَابَعَةُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُحَرَّمَةً وَإِلَّا لَمَا جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُشَاقَّةِ الْمُحَرَّمَةِ فِي تَرَتُّبِ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ تَرَتُّبِهِ عَلَى الْمُبَاحِ، وَمُتَابَعَةُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ مُتَابَعَةُ قَوْلٍ أَوْ فَتْوَى تُخَالِفُ قَوْلَهُمْ وَفَتْوَاهُمْ فَيَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ أَيْ وَمُتَابَعَةُ قَوْلِهِمْ وَفَتْوَاهُمْ إذْ لَا مَخْرَجَ عَنْ الْقِسْمَيْنِ فَإِذَا حُرِّمَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ وَجَبَ الْآخَرُ وَهُوَ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ وَهُوَ الْمَعْنَى بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبِيلَهُمْ وَغَيْرَهُ نَقِيضَانِ فَإِذَا تُرِكَا يَلْزَمُ ارْتِفَاعُهُمَا فَلَا خُرُوجَ عَنْهُمَا أَفَادَهُ الْجَارْبُرْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ
قَالَ الْبُدَخْشِيُّ، وَقَدْ كَانَ بُرْهَةً يَخْتَلِجُ فِي ذِهْنِي أَنَّ الْمُشَاقَّةَ وَإِنْ اسْتَقَلَّتْ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حُرْمَةُ مُخَالَفَةِ الْمُؤْمِنِينَ مَشْرُوطَةً بِاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْمُشَاقَّةِ، فَتَرَتُّبُ الْوَعِيدِ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَالَفَةَ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ إلَّا بِالضَّمِّ إلَى الْمُشَاقَّةِ لَا مِنْ حَيْثُ الْعَكْسُ اهـ.
وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] الْآيَةَ فَإِذَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حُكْمٍ فِي قَضِيَّةٍ فَمَنْ خَالَفَهُمْ فَقَدْ شَاقَّهُمْ وَاتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ وَتَعَرَّضَ لِلْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي سِيَاقِ الْخِطَابِ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْمُعْتَرِضُونَ، وَظَنِّي أَنَّ مُعْظَمَ تِلْكَ الِاعْتِرَاضَاتِ الْفَاسِدَةِ تَكَلَّفَهَا الْمُصَنِّفُونَ حَتَّى تَنْتَظِمَ لَهُمْ أَجْوِبَةٌ عَنْهَا وَلَسْتُ لِأَمْثَالِهَا بَلْ أُوَجِّهُ سُؤَالًا وَاحِدًا يُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ.
فَأَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الرَّبَّ سبحانه وتعالى أَرَادَ بِذَلِكَ مَنْ أَرَادَ الْكُفْرَ وَتَكْذِيبَ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَالْحَيْدَ عَنْ سُنَنِ الْحَقِّ وَتَرْتِيبَ الْمَعْنَى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] الْمُقْتَدِينَ بِهِ {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] فَإِنْ سُلِّمَ ظُهُورُ ذَلِكَ فَذَلِكَ وَإِلَّا هُوَ وَجْهٌ فِي التَّأْوِيلِ لَائِحٌ وَمَسْلَكٌ لِلْإِمْكَانِ وَاضِحٌ فَلَا يَبْقَى لِلْمُتَمَسِّكِ بِالْآيَةِ إلَّا ظَاهِرٌ مُعْتَرِضٌ لِلتَّأْوِيلِ وَلَا يُسَوَّغُ التَّمَسُّكُ بِالْمُحْتَمَلَاتِ فِي مُطَالَبِ الْقَطْعِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إلَّا أَنْ يُظْهِرَ وَجْهًا فِي الْإِمْكَانِ وَلَا يَقُومُ لِلْمُحَصِّلِ عَنْ هَذَا جَوَابٌ إنْ أَنْصَفَ، وَإِنْ تَمَسَّك مُثْبِتُو الْإِجْمَاعِ بِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ»
وَقَدْ رَوَى الرُّوَاةُ هَذَا الْمَعْنَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلَسْت أَرَى لِلتَّمَسُّكِ بِذَلِكَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ التَّعَلُّقُ بِهَا فِي الْقَطْعِيَّاتِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا مِرَارًا وَلَا حَاصِلَ لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَلَقَّاةٌ بِالْقَبُولِ فَإِنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ ذَلِكَ يُؤَوَّلُ إلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقُصَارَاهُ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّهُ لَا تَسْتَتِبُّ هَذِهِ الدَّعْوَى أَيْضًا مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِجْمَاعِ، ثُمَّ الْأَحَادِيثُ مُعَرَّضَةٌ لِتَأْوِيلَاتٍ قَرِيبَةِ الْمَأْخَذِ مُمْكِنَةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الضَّلَالَةِ» إشَارَةٌ مُشْعِرَةٌ بِالْغَيْبِ فِي مُسْتَقْبِلِ الزَّمَانِ مُؤْذِنَةٌ بِأَنَّ أُمَّتَهُ لَا تَرْتَدُّ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ
الرَّدِّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قُلْنَا وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّهُ) بَعْدَ حُجِّيَّتِهِ (قَطْعِيٌّ) فِيهَا
ــ
[حاشية العطار]
الْحَدِيثُ مَقْطُوعًا بِهِ نَقْلًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِهِ نَصًّا فَلَا وَجْهَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَظَانِّ الْقَطْعِ اهـ.
وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ أَيْضًا فِي هَذَا الْمَطْلَبِ قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] الْآيَةَ وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ كَمَا فِي اللُّغَةِ وَحَيْثُ عَدَّلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَجَبَ عِصْمَتُهُمْ عَنْ الْخَطَأِ قَوْلًا وَفِعْلًا كَبِيرَةً وَلَا صَغِيرَةً.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ عَدَالَةِ الْجَمِيعِ وَأَنَّهُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْهُمْ الْخَطَأُ الْمُؤَدِّي اجْتِهَادُهُمْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِصْيَانٍ لَا مِنْ الْكَبَائِرِ وَلَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَلِذَا يَكُونُ الْمُجْتَهِدُ مَأْجُورًا وَإِنْ أَخْطَأَ.
وَأَمَّا مَا قِيلَ إنَّ تَعْدِيلَ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُمْ لَا يُنَافِي صُدُورَ الصَّغِيرَةِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعُهُمْ مِنْ جُمْلَةِ صَغَائِرِهِمْ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْإِصْرَارَ مُنَافٍ لِلْعَدَالَةِ وَالْمُجْمِعُونَ مُصِرُّونَ، وَكَذَا مَا قِيلَ إنَّ الْآيَةَ تُفِيدُ عَدَالَتَهُمْ وَقْتَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْتَبَرُ حَالَ الْأَدَاءِ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَلَا تَجِبُ عِصْمَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَكُونَ اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ عَلَى غَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ سَبَقَتْ لِتَمْدَحَهُمْ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأُمَمِ يَكُونُونَ كَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ ارْتِكَابِ الْخَطَأِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا أَجَابَ بِهِ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ بِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ صَيْرُورَتُهُمْ عُدُولًا فِي الْآخِرَةِ لَقِيلَ سَنَجْعَلُكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لَا يَتِمُّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْوَاجِبَ الْوُقُوعِ فِي حُكْمِ الْوَاقِعِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُحَقِّقُ الْعُبْرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً لَمَا أَجْمَعُوا عَلَى الْقَطْعِ بِتَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْكُمُ قَطْعًا بِأَنَّ جَمِيعَهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْقَطْعِيِّ فِي شَرْعِيٍّ بِمُجَرَّدِ التَّوَاطُؤِ أَوْ ظَنٍّ فَهُنَاكَ قَاطِعٌ بَلَغَهُمْ فَالْمُخَالِفُ مُخْطِئٌ فَالْإِجْمَاعُ حَقٌّ وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَكُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ فَيَكُونُ حُجَّةً فِيهِ مُصَابَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى نَصٍّ قَاطِعٍ فِي تَخْطِئَةِ الْمُخَالِفِ فَفِيهِ إثْبَاتُ الْإِجْمَاعِ بِنَصٍّ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُصَادَرَةٌ أَيْضًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ وُجُودُ صُورَةٍ مِنْ الْإِجْمَاعِ يَمْتَنِعُ عَادَةً وُجُودُهَا بِدُونِ ذَلِكَ النَّصِّ سَوَاءٌ قُلْنَا الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ أَمْ لَا، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ.
وَأَمَّا إجْمَاعُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ فَغَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ لِاسْتِنَادِهِ لِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَتَعَارُضِ أَنْفُسِنَا، وَاشْتِبَاهُ الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فِيهِ كَثِيرٌ وَمِثْلُهُ إجْمَاعُ الْيَهُودِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُوسَى عليه الصلاة والسلام وَالنَّصَارَى عَلَى أَنَّ عِيسَى قَدْ قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ اتِّبَاعٍ لِآحَادِ الْأَوَائِلِ وَلَيْسُوا عَلَى ثَبْتٍ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِوُجُودِ خَطَئِهِمْ
أَمَّا الْيَهُودُ فَلِأَنَّ بُخْتَنَصَّرَ قَدْ أَفْنَاهُمْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا نَزْرٌ قَلِيلٌ لَا يُعْتَدُّ بِنَقْلِهِمْ وَلَا إجْمَاعِهِمْ وَدَفَنَ التَّوْرَاةَ بِالْقُدْسِ وَالْمَوْجُودَةُ الْآنَ مِنْ إمْلَاءِ الْعَزِيزِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمْرِ الْفِتْنَةِ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَلِأَنَّهُ بَعْدَ رَفْعِ السَّيِّدِ عِيسَى عليه السلام عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَقَعَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ حَتَّى تَفَرَّقَ الْإِنْجِيلُ إلَى أَرْبَعَةٍ وَهِيَ فِي نُصُوصِهَا مُتَنَاقِضَةٌ، وَلَمْ يَزَلْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّيَانَاتِ وَاقِعًا حَتَّى الْآنَ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُتُبُ التَّوَارِيخِ قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ نَقْلُ الثِّقَةِ عَنْ الثِّقَةِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ الِاتِّصَالِ خَصَّ اللَّهُ بِهِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ سَائِرِ الْمِلَلِ.
وَأَمَّا مَعَ الْإِرْسَالِ وَالْإِعْضَالِ فَيُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْيَهُودِ لَكِنْ لَا يَقْرُبُونَ فِيهِ مِنْ مُوسَى عليه السلام قُرْبَنَا مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بَلْ يَقِفُونَ بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُوسَى أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِينَ عَصْرًا، وَإِنَّمَا يَبْلُغُونَ إلَى شَمْعُونَ وَنَحْوِهِ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي صِفَةِ هَذَا النَّقْلِ إلَّا تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ فَقَطْ، وَأَمَّا النَّقْلُ بِالطَّرِيقِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى كَذَّابٍ أَوْ مَجْهُولِ الْعَيْنِ فَكَثِيرٌ فِي نَقْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَمَّا أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَا يُمْكِنُ الْيَهُودَ أَنْ يَبْلُغُوا إلَى صَاحِبِ نَبِيٍّ أَصْلًا وَلَا إلَى تَابِعٍ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ النَّصَارَى أَنْ يَصِلُوا إلَى أَعْلَى مِنْ شَمْعُونَ وَبُولِصَ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ إلَخْ) أَيْ فَالرَّدُّ إلَى الْإِجْمَاعِ رَدٌّ إلَى الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: قَطْعِيٌّ) أَيْ عَادَةً وَفِي التَّلْوِيحِ ذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا حَتَّى لَوْ أَجْمَعْ الصَّحَابَةُ عَلَى حُكْمٍ، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ جَازَ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْقَطْعِيَّ الْمُتَّفِقَ لَا يَجُوزُ
(حَيْثُ اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ) عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ كَأَنْ صَرَّحَ كُلٌّ مِنْ الْمُجْمِعِينَ بِالْحُكْمِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشِذَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ لِإِحَالَةِ الْعَادَةِ خَطَأَهُمْ جُمْلَةً (لَا حَيْثُ اخْتَلَفُوا) فِي ذَلِكَ (كَالسُّكُوتِيُّ وَمَا نَدَرَ مُخَالِفُهُ) فَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ مُحْتَجٌّ بِهِ ظَنِّيٌّ لِلْخِلَافِ فِيهِ (وَقَالَ الْإِمَامُ) الرَّازِيّ (وَالْآمِدِيُّ) إنَّهُ (ظَنِّيٌّ مُطْلَقًا) لِأَنَّ الْمُجْمِعِينَ عَنْ ظَنٍّ لَا يَسْتَحِيلُ خَطَؤُهُمْ وَالْإِجْمَاعُ عَنْ قَطْعٍ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ
(وَخَرْقُهُ) بِالْمُخَالَفَةِ (حَرَامٌ) لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ حَيْثُ تَوَعَّدَ عَلَى اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ (فَعُلِمَ تَحْرِيمُ إحْدَاثِ) قَوْلٍ (ثَالِثٍ) فِي مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ عَصْرٍ فِيهَا عَلَى قَوْلَيْنِ (وَ) إحْدَاثِ (التَّفْصِيلِ) بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا أَهْلُ عَصْرٍ (إنْ خَرَقَاهُ) أَيْ إنْ خَرَقَ الثَّالِثُ وَالتَّفْصِيلُ الْإِجْمَاعَ
ــ
[حاشية العطار]
تَبْدِيلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يُنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ يَجُوزُ تَبْدِيلُهُ كَمَا إذَا أَجْمَعَ الْقَرْنُ الثَّانِي عَلَى حُكْمٍ يُرْوَى فِيهِ خِلَافٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، ثُمَّ أَجْمَعُوا بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ أَجْمَعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِجَوَازِ أَنْ تَنْتَهِيَ مُدَّةُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُوَفِّقُ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْإِجْمَاعِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ، وَمَا يُقَالُ إنَّ انْقِطَاعَ الْوَحْيِ يُوجِبُ امْتِنَاعَ النَّسْخِ فَمُخْتَصٌّ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوَحْيِ، وَالْإِجْمَاعُ لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ اتَّفَقَ إلَخْ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَيْثُ مُسْتَعَارَةً لِلزَّمَانِ أَيْ إذَا اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلْمَكَانِ أَيْ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ فِي مَكَان اتَّفَقَ إلَخْ وَيُرَادُ بِالْمَكَانِ الْمَكَانُ الْمَجَازِيُّ وَهُوَ الْمَسْأَلَةُ (قَوْلُهُ: الْمُعْتَبَرُونَ) أَيْ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْبَاحِثِينَ عَنْ الْإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّتِهِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ صُدُورُ ذَلِكَ عَنْهُمْ قَطْعًا بِسَمَاعٍ مِنْهُمْ أَوْ نَقْلٍ عَنْهُمْ بِطَرِيقٍ مُفِيدٍ لِلْعِلْمِ كَالتَّوَاتُرِ
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ) الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى الِاتِّفَاقِ فَلَيْسَ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: كَأَنْ صَرَّحَ إلَخْ) أَيْ أَوْ يُصَرِّحُ بَعْضٌ وَقَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى الْمُوَافَقَةِ مِنْ الْبَاقِينَ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ: كَالسُّكُوتِيِّ) أَيْ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَإِلَّا كَانَ كَالصَّرِيحِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: مُحْتَجٌّ بِهِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ إجْمَاعٍ حُجَّةٌ وَلَا عَكْسَ (قَوْلُهُ: لِلْخِلَافِ فِيهِ) أَيْ خِلَافِ الْمُعْتَبَرِينَ (قَوْلُهُ: ظَنِّيٌّ مُطْلَقًا) أَيْ اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لَا يَسْتَحِيلُ) أَيْ عَقْلًا وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَحِيلٌ عَادَةً (قَوْلُهُ: وَخَرْقُهُ حَرَامٌ) أَيْ مِنْ الْكَبَائِرِ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ، ثُمَّ ظَاهِرُهُ شُمُولُ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ مَعَ أَنَّ الظَّنِّيَّاتِ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا لِدَلِيلٍ فَأَمَّا أَنْ يَبْقَى كَلَامُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَيُرَادُ أَنَّ خَرْقَهُ لِغَيْرِ دَلِيلٍ حَرَامٌ أَوْ يَخُصُّ بِالْقَطْعِيِّ أَيْ وَخَرْقُ الْقَطْعِيِّ مِنْهُ حَرَامٌ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ فَشَا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ خَارِقَ الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ لَا يَكْفُرُ وَالْقَوْلُ بِالتَّكْفِيرِ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ اهـ.
(قَوْلُهُ إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ فِي مَسْأَلَةٍ) وَفَّقَ الْقَرَافِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إحْدَاثِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ مُتَّحِدٌ وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَعَدِّدٌ فَسَقَطَ مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَإِحْدَاثُ التَّفْصِيلِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَقُولُ لَمَّا كَانَ الْمُفَصَّلُ مُوَافِقًا لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي شِقٍّ كَانَ جَوَازُهُ مُطْلَقَ مَظِنَّةِ التَّوَهُّمِ الْقَوِيِّ وَاحْتَاجَ الْمُصَنِّفُ إلَى التَّصْرِيحِ دَفْعًا لِذَلِكَ التَّوَهُّمِ اهـ. سم
بِأَنْ خَالَفَا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرِقَاهُ (وَقِيلَ) هُمَا (خَارِقَانِ مُطْلَقًا) أَيْ أَبَدًا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ عَلَى قَوْلَيْنِ يَسْتَلْزِمُ الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِ الْعُدُولِ عَنْهُمَا وَعَدَمُ التَّفْصِيلِ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ يَسْتَلْزِمُ الِاتِّفَاقَ عَلَى امْتِنَاعِهِ.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ فِيهِمَا. مِثَالُ الثَّالِثِ الْخَارِقِ مَا حَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ الْأَخَ لَا يُسْقِطُ الْجَدَّ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ قِيلَ يَسْقُطُ بِالْجَدِّ وَقِيلَ يُشَارِكُهُ كَأَخٍ فَإِسْقَاطُهُ بِالْأَخِ خَارِقٌ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ مِنْ أَنَّ لَهُ نَصِيبًا وَمِثَالُ الثَّالِثِ غَيْرِ الْخَارِقِ مَا قِيلَ يَحِلُّ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ سَهْوًا لَا عَمْدًا وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ قِيلَ يَحِلُّ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا
ــ
[حاشية العطار]
(قَوْلُهُ: بِأَنْ خَالَفَا مَا اتَّفَقَ إلَخْ) الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعَصْرِ فِي الْقَوْلِ الثَّالِثِ هُوَ تَوْرِيثُ الْجَدِّ وَفِي إحْدَاثِ التَّفْصِيلِ الْعِلَّةُ وَهِيَ كَوْنُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ مِنْ ذِي الْأَرْحَامِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرِقَاهُ أَيْ لِعَدَمِ وُجُودِهِ مِنْ أَصْلِهِ
(قَوْلُهُ: أَيْ أَبَدًا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ الدَّوَامُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْعِنَايَةِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ خِلَافُ الْمُتَبَادِرِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَبَادِرُ خَرَقَاهُ أَمْ لَا وَلَا صِحَّةَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الِاسْتِلْزَامِ) لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ قَوْلًا بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: مِثَالُ الثَّالِثِ الْخَارِقِ) أَيْ لِمَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ وَهُوَ تَوْرِيثُ الْجَدِّ وَأَنَّ لَهُ نَصِيبًا سَوَاءٌ كَانَ كُلُّ الْمَالِ أَوْ نِصْفُهُ، وَقَدْ مَثَّلَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ لِذَلِكَ بِأَمْثِلَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ نَاقِضٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَسُّ الْمَرْأَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمَسُّ نَاقِضٌ لَا الْخُرُوجُ فَشُمُولُ الْوُجُودِ أَوْ شُمُولُ الْعَدَمِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اهـ.
(قَوْلُهُ مِنْ أَنَّ لَهُ نَصِيبًا) إمَّا اسْتِقْلَالًا أَوْ عَلَى طَرِيقِ الْمُشَارَكَةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ) وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَهَذَا مِثَالٌ لِمُجَرَّدِ الْخَارِقِ وَإِلَّا فَلَا إجْمَاعَ هُنَا أَيْضًا الْمُفَصَّلُ سَابِقٌ