الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَيْضًا فَقَائِمٌ الْمُسْنَدُ إلَى ضَمِيرِ زَيْدٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى نِسْبَةٍ هِيَ قِيَامُ زَيْدٍ، وَهِيَ مَوْرِدُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ لَا بُنُوَّةُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فِيهِ أَيْضًا؛ إذْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِخْبَارَ بِهَا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ الْمَوْرِدَ النِّسْبَةُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (قَالَ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: الشَّهَادَةُ بِتَوْكِيلِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فُلَانًا شَهَادَةٌ بِالْوَكَالَةِ) أَيْ التَّوْكِيلِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ، وَوَجْهُ بِنَائِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الشَّهَادَةِ خَبَرٌ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْمَذْهَبُ) أَيْ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ (بِالنَّسَبِ) لِلْمُوَكِّلِ (ضِمْنًا وَالْوَكَالَةِ) أَيْ التَّوْكِيلِ (أَصْلًا) لِتَضَمُّنِ ثُبُوتِ التَّوْكِيلِ الْمَقْصُودِ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ.
(مَسْأَلَةٌ الْخَبَرُ) بِالنَّظَرِ إلَى أُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهُ (إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ كَالْمَعْلُومِ خِلَافُهُ ضَرُورَةً) مِثْلُ قَوْلِ الْقَائِلِ النَّقِيضَانِ يَجْتَمِعَانِ أَوْ يَرْتَفِعَانِ (أَوْ اسْتِدْلَالًا) نَحْوُ قَوْلِ الْفَلْسَفِيِّ: الْعِلْمُ قَدِيمٌ (وَكُلُّ خَبَرٍ) عَنْهُ صلى الله عليه وسلم (أَوْهَمَ بَاطِلًا) أَيْ أَوْقَعَهُ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ (وَلَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ فَمَكْذُوبٌ) عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم لِعِصْمَتِهِ عَنْ قَوْلِ الْبَاطِلِ (أَوْ نَقَصَ مِنْهُ) مِنْ جِهَةِ رَاوِيهِ (مَا يُزِيلُ الْوَهْمَ) الْحَاصِلَ بِالنَّقْصِ مِنْهُ، مِنْ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يُوهِمُ حُدُوثَهُ، أَيْ يُوقِعَ فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنِ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنَّهُ - تَعَالَى - مُنَزَّهٌ عَنْ الْحُدُوثِ.
وَمِنْ الثَّانِي مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ
ــ
[حاشية العطار]
رِسَالَتِهِ الْحَرْفِيَّةِ أَنَّ فِي قَوْلِك زَيْدٌ قَامَ أَبُوهُ حُكْمَيْنِ الْحُكْمُ بِأَنَّ أَبَا زَيْدٍ قَائِمٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ زَيْدًا قَائِمُ الْأَبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ لَيْسَا بِمَفْهُومَيْنِ صَرِيحًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَلْ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ يُفْهَمُ الْتِزَامًا، فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوَّلَ فَزَيْدٌ فِي هَذَا الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الصَّرِيحِ لَيْسَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، وَلَا مَحْكُومًا بِهِ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ قَيَّدَ بِهِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الثَّانِيَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا حُكْمَ صَرِيحًا بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْأَبِ بَلْ الْأَبُ قَيْدٌ لِلْمُسْنَدِ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ؛ إذْ بِهِ يَتِمُّ مُسْنَدًا إلَى زَيْدٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ مَوْرِدَهُ النِّسْبَةُ (قَوْلُهُ: هِيَ قِيَامُ زَيْدٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ أَيْ ثُبُوتُ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْرِدُ الصِّدْقِ) فَإِنْ طَابَقَ الْخَارِجَ فَصِدْقٌ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ بِنَائِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ إلَخْ) قَدْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّسَبَ الْوَاقِعَةَ فِي أَطْرَافِ الْخَبَرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَلْحُوظَةً بِالذَّاتِ حَتَّى لَمْ تَكُنْ مَوْرِدًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ؛ لِأَنَّهَا مَلْحُوظَةٌ بِالتَّبَعِ لِتَعْيِينِ الْأَطْرَافِ فَهِيَ قُيُودٌ لِلْخَبَرِ، وَالْقَائِلُ بِالْخَبَرِ قَائِلٌ بِقُيُودِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ ضَرُورَةَ أَنَّهُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْخَبَرُ، فَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مَوْرِدِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِخْبَارِ بِهَا بِالتَّبَعِ بَلْ يَقْتَضِي كَوْنَهَا قُيُودًا لِلْخَبَرِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْمَذْهَبِ الْآتِي تَأَمَّلْ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: مُتَعَلَّقُ الشَّهَادَةِ خَبَرٌ) أَيْ وَالْخَبَرُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّسَبِ الْإِسْنَادِيَّةِ دُونَ التَّقْيِيدِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَيْ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا) قَالَ الْكَمَالُ يَشْهَدُ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ يُقَالُ لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ» اهـ.
(قَوْلُهُ: لِغَيْبَتِهِ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ إذْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَشَهِدَ عَلَى عَيْنِهِ وَسَجَّلَ عَلَيْهَا اهـ.
وَأَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ الشَّهَادَةِ مَعَ حُضُورِهِ عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ الْمُمَيِّزِ لَهُ أَيْضًا، وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْلِيلُ بِالْغَيْبَةِ لِلُزُومِ الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْغَيْبَةِ الْإِشَارَةُ إلَى الْعَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم.
[مَسْأَلَةٌ الْخَبَرُ إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ أَوْ اسْتِدْلَالًا]
(قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ إلَى أُمُورٍ إلَخْ) وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُهُمَا جَمِيعًا (قَوْلُهُ: إمَّا مَقْطُوعٌ بِكَذِبِهِ) قَدَّمَهُ لِطُولِ الْكَلَامِ عَلَى الصَّادِقِ (قَوْلُهُ: كَالْمَعْلُومِ خِلَافُهُ) أَيْ خِلَافُ مَدْلُولِهِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ خَبَرٍ عَنْهُ) أَيْ نُقِلَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: أَوْهَمَ بَاطِلًا) الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْإِيهَامَ هُنَا الدَّلَالَةُ؛ إذْ مَا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ رَاجِحًا وَمَرْجُوحًا، وَالْمَرْجُوحُ بَاطِلٌ لَيْسَ بِمَقْطُوعِ الْكَذِبِ لِإِمْكَانِ الذَّهَابِ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَقَصَ مِنْهُ) عُطِفَ عَلَى " مَكْذُوبٌ "(قَوْلُهُ: مَا يُزِيلُ الْوَهْمَ) أَيْ لَفْظٌ لَوْ ذُكِرَ لَازَالَ الْوَهْمُ
أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَتِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ لَا يَبْقَى يُرِيدُ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ» قَوْلُهُ: فَوَهَلَ النَّاسُ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطُوا فِي فَهْمِ الْمُرَادِ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوا لَفْظَةَ الْيَوْمِ، وَيُوَافِقُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «لَا يَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ» وَحَدِيثُ جَابِرٍ «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم بِشَهْرٍ وَقَوْلُهُ مَنْفُوسَةٌ أَيْ مَوْلُودَةٌ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ
(وَسَبَبُ الْوَضْعِ) لِلْغَيْرِ بِأَنْ يَكْذِبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (نِسْيَانٌ) مِنْ الرَّاوِيِّ لِمَا رَوَاهُ فَيَذْكُرُ غَيْرَهُ ظَانًّا أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ (أَوْ افْتِرَاءً) عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كَوَضْعِ الزَّنَادِقَةِ أَحَادِيثَ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْ شَرِيعَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ (غَلَطٌ) مِنْ الرَّاوِيِّ بِأَنْ يَسْبِقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِ مَا رَوَاهُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: أَرَأَيْتَكُمْ إلَخْ) التَّاءُ فَاعِلٌ وَالْكَافُ حَرْفٌ دَالٌّ عَلَى حَالِ الْمُخَاطَبِ وَالْمَعْنَى أَخْبَرُونِي، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ التَّعَجُّبُ وَلَيْلَتَكُمْ مَفْعُولٌ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ أَيْ آخِرِ، وَاسْمُ إنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ وَقَوْلُهُ: مِنْهَا نَعْتُ مِائَةٍ وَمِنْ لِلِابْتِدَاءِ أَيْ مِائَةِ سَنَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَقَوْلُهُ: لَا يَبْقَى خَبَرٌ " فَإِنَّ " وَقَوْلُهُ: مِمَّنْ حَالٌ مِنْ " أَحَدٌ " وَقَوْلُهُ: الْيَوْمَ خَبَرٌ عَنْ هُوَ وَإِنْ كَانَ جُثَّةً لِكَوْنِهِ عَامًّا هَذَا إنْ كَانَ قَوْلُهُ: عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُتَعَلِّقًا بِيَبْقَى أَمَّا إنْ كَانَ هُوَ الْخَبَرَ عَنْ قَوْلِهِ هُوَ فَالْيَوْمَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فَالْعَامِلُ فِيهِ مُتَعَلِّقُ قَوْلِهِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ اهـ. نَجَّارِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ذَلِكَ الْقَرْنُ) أَيْ الْقَوْمُ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِانْخِرَامِ الْعَالَمِ كُلِّهِ الشَّامِلِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ الْقَرْنِ (قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ فِيهَا) أَيْ فِي لَفْظَةِ الْيَوْمِ أَيْ فِي إثْبَاتِهَا (قَوْلُهُ: مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ آخِرِهَا (قَوْلُهُ: الْيَوْمَ) ظَرْفٌ لِمَنْفُوسَةِ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَانِ، وَهِيَ حَالَةٌ إخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ) أَيْ وَلَا يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْجِنِّ فَإِنَّهَا مَوْلُودَةٌ لَكِنْ قَدْ يُشْكِلُ بِإِبْلِيسَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقَرِضْ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ، وَكَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مَوْلُودٌ وَبِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَعَلَّهُ كَانَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْبَحْرِ فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ: عَلَى ظَهْرِ وَبِمِثْلِهِ يُجَابُ عَنْ إيرَادِ الْخَضِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ " يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةٍ " إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَلَا يُبْنَى عَلَى تَارِيخِ الْهِجْرَةِ بَلْ مِنْ تَحْدِيدِهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ فَيَتَأَخَّرُ التَّحْدِيدُ عَنْ الْقَرْنِ الْهِجْرِيِّ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُ الْوَضْعِ) أَيْ الْكَذِبِ، وَعَبَّرَ بِهِ تَفَنُّنًا (قَوْلُهُ: أَوْ افْتِرَاءٌ) الْأَوْلَى أَوْ تَنْفِيرٌ إذْ الِافْتِرَاءُ قِسْمٌ مِنْ الْوَضْعِ لَا سَبَبٌ لَهُ
(قَوْلُهُ: كَوَضْعِ الزَّنَادِقَةِ) قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ: وَضَعَتْ الزَّنَادِقَةُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ حَدِيثٍ تُخَالِفُ الْمَعْقُولَ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْ شَرِيعَتِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ اهـ.
وَقَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ رَبُّنَا فَقَالَ خَلَقَ خَيْلًا فَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ فَخَلَقَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَرَقِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ، وَمِنْهَا مَا وَقَعَ مِنْ الْغُلَاةِ الْمُتَعَصِّبِينَ فِي تَقْرِيرِ مَذْهَبِهِمْ وَرَدًّا عَلَى خُصُومِهِمْ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ «سَيَجِيءُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَقُولُونَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ كَفَرَ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَطَلُقَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ سَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنَةٍ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ كَافِرٍ» وَعَنْ جَهَلَةِ الْقُصَّاصِ تَرْقِيقًا لِقُلُوبِ الْعَوَامّ كَمَا سَمِعَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى فِي مَسْجِدٍ عَنْ قَاصٍّ يَقُولُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ عَبْدِ الرَّازِقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا طَيْرًا مِنْقَارُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَرِيشُهُ مِنْ مَرْجَانَ» وَأَخَذَ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ فَأَنْكَرَا عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: الْيَسْ فِي الدُّنْيَا غَيْرُكُمَا أَحْمَدُ وَيَحْيَى أَوْ عَلَى الْهَالِكِينَ عَلَى الْمَالِ وَالْجَاهِ تَقَرُّبًا إلَى الْحُكَّامِ كَمَا وَضَعُوا فِي الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ نُصُوصًا عَلَى إمَامَةِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنه اهـ.
وَأَقُولُ: فِي الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ غَرَائِبُ كَثِيرَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلِكَلَامِ النُّبُوَّةِ رَوْنَقٌ وَسِرٌّ يَنْجَلِي لِمَنْ أَكْثَرَ النَّظَرَ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِذَلِكَ
أَوْ يَضَعَ مَكَانَهُ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ (أَوْ غَيْرَهَا) كَمَا فِي وَضْعِ بَعْضِهِمْ أَحَادِيثَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَةِ وَالتَّرْهِيبِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ (وَمِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ خَبَرُ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ) أَيْ قَوْلِهِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إلَى النَّاسِ (بِلَا مُعْجِزَةٍ أَوْ) بِلَا (تَصْدِيقِ الصَّادِقِ) لَهُ؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ عَنْ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِكَذِبِ مَنْ يَدَّعِي مَا يُخَالِفُهَا بِلَا دَلِيلٍ، وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ أَمَّا مُدَّعِي النُّبُوَّةِ أَيْ الْإِيحَاءِ إلَيْهِ فَقَطْ فَلَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَمَا نُقِّبَ) أَيْ فُتِّشَ (عَنْهُ) مِنْ الْحَدِيثِ (وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ أَهْلِهِ) مِنْ الرُّوَاةِ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِكَذِبِ نَاقِلِهِ، وَقِيلَ: لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَ نَاقِلِهِ، وَهَذَا مَفْرُوضٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَخْبَارِ أَمَّا قَبْلَ اسْتِقْرَارِهَا كَمَا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يَرْوِيَ أَحَدُهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ (وَبَعْضُ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَيُكْذَبُ عَلَيَّ فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، وَإِلَّا فِيهِ كَذِبٌ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ (وَالْمَنْقُولُ آحَادٌ فِيمَا
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: أَوْ يَضَعُ مَكَانَهُ) أَيْ مَعَ ذِكْرِهِ الْأَصْلَ لِيُغَايِرَ النِّسْيَانَ (قَوْلُهُ: مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ) أَيْ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَضْعَ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي وَضْعِ بَعْضِهِمْ) هُمْ الْكَرَّامِيَّةُ (قَوْلُهُ: الْمَقْطُوعُ بِكَذِبِهِ) أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَإِلَّا فَمَعَ النَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ وُرُودِهِ لَا يُقَالُ عَلَى الصَّحِيحِ بَلْ قَطْعًا، وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ خَالِدٍ: وَهَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَنُزُولِ قَوْله تَعَالَى {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «لَا نَبِيَّ بَعْدِي» أَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَالْقَطْعُ بِكَذِبِهِ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وَقِيَامُ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ صلى الله عليه وسلم اهـ. سم.
عَلَى أَنَّ تَجْوِيزَ الْعَقْلِ صِدْقَهُ لَا يُنَافِي الْقَطْعَ بِكَذِبِهِ عَادَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَى تَجْوِيزِ الْعَقْلِ خِلَافَ الْعُلُومِ الْعَادِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ وُجُودُ خِلَافِهَا لَمْ يَكُنْ مُحَالًا لَا أَنَّهُ يَجُوزُ خِلَافُهَا بِالْفِعْلِ كَمَا قَرَّرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (قَوْلُهُ: بِلَا مُعْجِزَةٍ إلَخْ) فَإِذَا قَالَ: مُعْجِزَتِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُنْطِقُ هَذَا الْحَجَرَ فَنَطَقَ بِتَكْذِيبِهِ عُلِمَ كَذِبُهُ؛ إذْ لَوْ كَانَ صَادِقًا لَمَا أَظْهَرَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مُعْجِزَتِي أَنِّي أُحْيِي هَذَا الْمَيِّتَ فَأَحْيَاهُ فَنَطَقَ بِتَكْذِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو اخْتِيَارٍ كَسَائِرِ الْخَلْقِ، وَالْإِعْجَازُ فِي إحْيَائِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَصْدِيقُ الصَّادِقِ لَهُ) يُوهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْمُعْجِزَةِ مِنْ تَصْدِيقِ شَيْءٍ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَالَ وَتَصْدِيقٌ لَكَانَ أَوْلَى وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَأَنَّ أَوْ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ فَتُفِيدُ النَّفْيَ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالصَّادِقِ النَّبِيُّ الَّذِي جَاءَ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الثَّانِيَ لَا يَمْنَعُ الْأَوَّلَ، وَحِينَئِذٍ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ (قَوْلُهُ: وَمَا نُقِّبَ) بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ الْمَكْسُورَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ، وَالتَّامُّ مُتَعَذِّرٌ
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ) أَيْ كَالْحَدِيثِ الَّذِي فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْمَنْسُوبِ) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَيْسَ بِلَازِمِ الْقَطْعِ فِيمَا مَضَى فَيَجُوزُ الْكَذِبُ فِيمَا يَأْتِي، أَوْ يُقَالُ: السِّينُ لِلتَّنْفِيسِ الْقَرِيبِ، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ تَقْتَضِي الْوُقُوعَ (قَوْلُهُ: سَيُكْذَبُ عَلَيَّ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: فَإِنْ قُلْت: لَا يَلْزَمُ وُقُوعُ الْكَذِبِ فِي الْمَاضِي الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ قَالَ سَيُكْذَبُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، قُلْت: السِّينُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى اسْتِقْبَالٍ قَلِيلٍ بِخِلَافِ سَوْفَ وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الِاسْتِقْبَال الْقَلِيلُ بِزِيَادَةٍ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِالْمَاضِي مَا تَقَدَّمَ عَلَى زَمَنِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي هُوَ زَمَنُ قَطْعِهِ بِكَذِبِ بَعْضِ الْمَنْسُوبِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِالْمُسْتَقْبِلِ مَا تَأَخَّرَ عَنْ زَمَنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الصَّادِقِ بِأَنْ يَكُونَ قُرْبَ السَّاعَةِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِيهِ كَذِبٌ) أَيْ وَإِلَّا يَقَعُ كَذِبٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ قُبَيْلَ السَّاعَةِ؛ لِأَنَّ السِّينَ لِلِاسْتِقْبَالِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا لِلتَّنْفِيسِ الْقَرِيبِ
(قَوْلُهُ: فِيمَا تَتَوَافَرُ) أَيْ تَجْتَمِعُ وَقَوْلُهُ: الدَّوَاعِي أَيْ لِلنَّاسِ وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ الِاخْتِلَافَ فِي دُخُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي مُزْدَحَمٍ مِنْ الْخَلْقِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ صُلْحًا أَوْ غَيْرَهُ مُتَمَسِّكِينَ فِيهِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ
تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ) تَوَاتُرًا كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ عَنْ الْمِنْبَرِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِكَذِبِهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْعَادَةِ (خِلَافًا لِلرَّافِضَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ وَقَدْ قَالُوا بِصِدْقِ مَا رَوَاهُ مِنْهُ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه نَحْوُ " أَنْتَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي " مُشَبِّهِينَ لَهُ بِمَا يَتَوَاتَرُ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ كَحَنِينِ الْجِذْعِ وَتَسْلِيمِ الْحَجَرِ وَتَسْبِيحِ الْحَصَى قُلْنَا هَذِهِ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً وَاسْتَغْنَى عَنْ تَوَاتُرِهَا إلَى الْآنِ بِتَوَاتُرِ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ مَا يُذْكَرُ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَلَوْ كَانَ مَا خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْعَةِ السَّقِيفَةِ أَيْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ مِنْ الْخَزْرَجِ، وَهِيَ صُفَّةٌ مُظَلَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ لَهُمْ، ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ رضي الله عنهم.
(وَإِمَّا) مَقْطُوعٌ (بِصِدْقِهِ كَخَبَرِ الصَّادِقِ) أَيْ اللَّهِ - تَعَالَى - لِتَنَزُّهِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لِعِصْمَتِهِ عَنْ الْكَذِبِ (وَبَعْضِ الْمَنْسُوبِ إلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم) وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ (وَالْمُتَوَاتِرُ مَعْنًى أَوْ لَفْظًا وَهُوَ خَبَرُ جَمْعٍ يَمْتَنِعُ) عَادَةً (تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مَحْسُوسٍ) لَا مَعْقُولٍ
ــ
[حاشية العطار]
وَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَوَاتَرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَخَلَهَا شَاكِي السِّلَاحِ مُتَهَيِّئًا لِأَسْبَابِ الْحَرْبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَرَيَانِ أَمَانٍ لَهُمْ مَعَهُ، وَذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى فَلَا يَبْعُدُ انْفِرَادُ الْآحَادِ بِهِ، وَكَذَلِكَ حَجُّهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَحْرَمَ عَلَى مَلَإٍ مِنْ النَّاسِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا.
وَأَجَابَ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْقِرَانِ وَالْأَفْرَادِ مِمَّا يَخْفَى، وَلَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ فَلَا يَبْعُدُ اسْتِبْهَامُهُ، وَكَذَلِكَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ لَمْ يَتَوَاتَرْ، وَلِذَلِكَ أَنْكَرَهُ الْحَلِيمِيُّ، وَاعْتَذَرَ الْقَاضِي بِأَنَّهَا آيَةٌ ظَهَرَتْ لَيْلًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَشْخَاصٌ مَعْدُودَةٌ فِي وَقْتِ اسْتِرْسَالِ ثَوْبِ الْغَفْلَةِ عَلَى النَّاسِ اهـ.
فَإِنْ قُلْت: يَصْنَعُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] قُلْتُ أَجَابَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ الْمَاضِيَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَأَنَّهُ سَيَنْشَقُّ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ ذِكْرُهُ مُقْتَرِنًا بِاقْتِرَانِ السَّاعَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَأَمَّا إفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتُهَا فَإِنَّ بِلَالًا رضي الله عنه كَانَ يُقِيمُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَى انْتِقَالِهِ صلى الله عليه وسلم إلَى دَارِ الْبَقَاءِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّقَلَةُ فِيهِ فَكَيْفَ لَا يُنْقَلُ تَوَاتُرًا.
وَأَجَابَ الْقَاضِي بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ يُثْنِي مَرَّةً وَيُفْرِدُ أُخْرَى وَلَمْ يَشِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ الْمُعْتَمَدُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم هَوَّنَتْ أَمْرَ الْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ وَلَمْ يَعْتَنُوا بِالْإِشَاعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَعًا فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْعَزَائِمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَسُقُوطِ الْخَطِيبِ) أَيْ كَالْإِخْبَارِ بِسُقُوطِ الْخَطِيبِ إلَخْ (قَوْلُهُ: حَدِيثٌ) لَا يُعْرَفُ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْبَيْضَاوِيِّ: لَا أَصْلَ لَهُ هَكَذَا وَفِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ» الْحَدِيثَ اهـ.
خَالِدٌ (قَوْلُهُ: مَا رَوَاهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْآحَادِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ تَوَاتُرًا، وَهَذَا عَلَى زَعْمِهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ مَرْوِيٌّ آحَادًا (قَوْلُهُ: وَاسْتُغْنِيَ عَنْ تَوَاتُرِهَا إلَخْ) أَيْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِالْقِرَانِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا يَذْكُرُ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ حَتَّى فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ بَايَعَهُ عَلِيٌّ) وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمُبَايَعَةُ، وَكَانَتْ مُبَايَعَتُهُ غَيْرَ مُنْعَقِدَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَزِمَهُ جَهَلَةُ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ فَقَدْ نَصَّهُ الرَّوَافِضُ مِنْ حَيْثُ كَمَّلُوهُ.
(قَوْلُهُ: وَرَسُولُهُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ سَمِعَهُ وَقَوْلُهُ: وَبَعْضُ الْمَنْسُوبِ فِي الْمَنْقُولِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خَبَرَ كُلِّ الْأُمَّةِ أَيْ الْإِجْمَاعِ لِلِاخْتِلَافِ فِي قَطْعِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ عَيْنَهُ) أَيْ بِالنَّظَرِ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَإِنْ قُطِعَ بِهِ لِعَارِضٍ تَوَاتَرَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْمُتَوَاتِرُ لَفْظًا، وَيَلْزَمُ مِنْ تَوَاتُرِهِ لَفْظًا تَوَاتُرُهُ مَعْنًى، وَأَمَّا الْمُتَوَاتِرُ مَعْنًى فَقَطْ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ (قَوْلُهُ: تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ) أَيْ تَوَافُقُهُمْ فِي الْإِخْبَارِ بِخَبَرٍ غَيْرِ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ لَا تَوَافُقُهُمْ عَلَى أَنَّ كَلَامَنَا يُخْبِرُ بِخَبَرِ كَذَا (قَوْلُهُ: عَنْ مَحْسُوسٍ) مُتَعَلِّقٌ بِخَبَرٍ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُسْتَنِدًا لِلْحِسِّ، وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى فَقَطْ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ
لِجَوَازِ الْغَلَطِ فِيهِ كَخَبَرِ الْفَلَاسِفَةِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ فَإِنْ اتَّفَقَ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَهُوَ اللَّفْظِيُّ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ مَعْنًى كُلِّيٍّ فَهُوَ الْمَعْنَوِيُّ كَمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ عَنْ حَاتِمٍ أَنَّهُ أَعْطَى دِينَارًا وَآخَرَ أَنَّهُ أَعْطَى فَرَسًا وَآخَرَ أَنَّهُ أَعْطَى بَعِيرًا وَهَكَذَا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ (وَحُصُولُ الْعِلْمِ) مِنْ خَبَرٍ بِمَضْمُونِهِ (آيَةُ) أَيْ عَلَامَةُ (اجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ) أَيْ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَيْ الْأُمُورِ الْمُحَقِّقَةِ لَهُ وَهِيَ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ كَوْنُهُ خَبَرَ جَمْعٍ، وَكَوْنُهُمْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَكَوْنُهُ عَنْ مَحْسُوسٍ
(وَلَا تَكْفِي الْأَرْبَعَةُ) فِي عَدَدِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ (وِفَاقًا لِلْقَاضِي) أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ (وَالشَّافِعِيَّةِ) لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى التَّزْكِيَةِ فِيمَا لَوْ شَهِدُوا بِالزِّنَا فَلَا يُفِيدُ قَوْلُهُمْ: الْعِلْمُ (وَمَا زَادَ عَلَيْهَا) أَيْ الْأَرْبَعَةِ (صَالِحٌ) لَأَنْ يَكْفِيَ فِي عَدَدِ
ــ
[حاشية العطار]
وَمِنْهُ إخْبَارُ الصُّوفِيَّةِ عَمَّا يَنْكَشِفُ لَهُمْ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ بَعْدَ الِارْتِيَاضِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَى الْحَقِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا مِنْ الْوَقَائِعِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْحَقَائِقِ السِّرِّيَّةِ وَالْأَنْوَارِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا خَبَّرَ بِهِ جَمْعٌ عَظِيمٌ مِنْ مُرْتَاضِي الْأَعْصَارِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَصْفِيَاءِ الْمُتَأَهِّلِينَ وَيَبْعُدُ عَادَةً أَنْ يَكُونُوا كَاذِبِينَ فِيمَا قَالُوا (قَوْلُهُ: لِجَوَازِ الْغَلَطِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَعْقُولِ وَأَوْرَدَ أَنَّ الْحِسَّ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْغَلَطُ أَيْضًا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ تَطَرُّقَ الْغَلَطِ إلَيْهِ بَعِيدٌ لَا يُعَارِضُ الْعِلْمَ وَبِأَنَّ الْمُرَادَ مَحْسُوسٌ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِبَاهَ كَالْإِخْبَارِ بِوُجُودِ بَلْدَةِ كَذَا، وَمِنْ هُنَا خَرَجَ الْإِخْبَارُ بِقَتْلِ عِيسَى عليه السلام عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُخْبِرِينَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِهِ سِتَّةٌ وَقَعَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اتَّفَقَ الْجَمْعُ إلَخْ) وَكَذَا إذَا اتَّفَقَ الْجَمْعُ عَلَى الْمَعْنَى مَعَ اخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَكَذَا عَكْسُهُ كَمَا فِي الْمُشْتَرَكِ لَكِنَّ التَّوَاتُرَ مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ بِاللَّفْظِ (قَوْلُهُ: وَحُصُولُ الْعِلْمِ إلَخْ) أَيْ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ مِنْ الْخَبَرِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ الْخَارِجِيَّةِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْآحَادِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ فِيهِ لَيْسَ مِنْ مُجَرَّدِ الْخَبَرِ بَلْ بِوَاسِطَةِ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ ثُمَّ إنَّ فِي الْعِبَارَةِ قَلْبًا أَيْ وَاجْتِمَاعُ شَرَائِطِهِ آيَةُ حُصُولِ الْعِلْمِ مِنْهُ أَيْ مِنْ التَّوَاتُرِ، وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُرَادَ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ أَجْزَاءُ الْمَاهِيَّةِ فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ أَيْ الْأُمُورُ الْمُحَقَّقَةُ لَهُ (قَوْلُهُ: كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ) أَيْ فِي التَّعْرِيفِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ) وَالصِّفَاتُ اللَّازِمَةُ تَرْجِعُ لِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْفِي الْأَرْبَعَةُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحَالُ فَيَكْفِي كَمَا فِي حَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَثَلًا بَلْ مِنْ حَيْثُ الْحَالُ يَكْفِي الْوَاحِدُ فَيَكُونُ خَبَرُهُ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ مُقَدَّمًا عَلَى خَبَرٍ مَا كَخَبَرِ سَيِّدِنَا أَبِي بَكْرٍ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنهما فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْجَزْمَ أَكْثَرَ مِنْ إفَادَةِ ذَلِكَ بَعْدَ التَّوَاتُرِ لَكِنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ حَالِ الْمُخْبِرِ وَجَلَالَتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَى التَّزْكِيَةِ إلَخْ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ احْتِيَاجَهُمْ إلَى التَّزْكِيَةِ لِعَدَمِ حُصُولِ الْعِلْمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ عَدَدُ
الْجَمْعِ فِي الْمُتَوَاتِرِ (مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ) بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ (وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي فِي الْخَمْسَةِ) هَلْ تَكْفِي (وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ أَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ عَدَدِ الْجَمْعِ الَّذِي يُفِيدُ خَبَرُهُ الْعِلْمَ (عَشَرَةٌ) ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا آحَادٌ (وَقِيلَ) أَقَلُّهُ (اثْنَا عَشَرَ) كَعَدَدِ النُّقَبَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: 12] بُعِثُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ لِلْكَنْعَانِيَّيْنِ بِالشَّامِ طَلِيعَةً لِبَنِي إسْرَائِيلَ الْمَأْمُورِينَ بِجِهَادِهِمْ لِيُخْبِرُوهُمْ بِحَالِهِمْ الَّذِي لَا يُرْهَبُ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) قِيلَ: أَقَلُّهُ (عِشْرُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فَيَتَوَقَّفُ بَعْثُ عِشْرِينَ لِمِائَتَيْنِ عَلَى إخْبَارِهِمْ بِصَبْرِهِمْ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ
(وَ) قِيلَ أَقَلُّهُ (أَرْبَعُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وَكَانُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا كَمَّلَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ كَافُّوا نَبِيِّهِ يَسْتَدْعِي إخْبَارَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ لَهُ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) وَقِيلَ: أَقَلُّهُ (سَبْعُونَ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 155] أَيْ لِلِاعْتِذَارِ إلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ
ــ
[حاشية العطار]
التَّوَاتُرِ اُحْتِيجَ إلَى التَّزْكِيَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ غَايَةَ مَا يُفِيدُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ الْعِلْمُ وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ - تَعَالَى، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِيَاجُ إلَى التَّزْكِيَةِ لِأَجْلِ حُصُولِ الْعِلْمِ بَلْ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كِفَايَةِ الْأَرْبَعَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. سم.
وَفِيهِ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ يُفِيدُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَقَلِّ الْعَدَدِ الْكَافِي فِي التَّوَاتُرِ فَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنَّهُ خَبَرُ الْآحَادِ الْمُفِيدُ لِلصِّدْقِ بِقَرَائِنَ خَارِجِيَّةٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا دُونَهَا آحَادٌ) إنْ أَرَادَ آحَادًا عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ خَلْطُ اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحٍ، وَإِنْ أَرَادَ فِي هَذَا الْفَنَّ لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ، وَقَالَ بَعْضٌ: لِأَنَّهُ جَمْعُ قِلَّةٍ، وَهُوَ وَاهٍ؛ إذْ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ خُرُوجِ الْعَدَدِ عَنْ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَبَيْنَ إفَادَةِ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: طَلِيعَةً) أَيْ لِيَتَطَلَّعُوا عَلَى إخْبَارِهِمْ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ وَاوِ بُعِثُوا وَقَوْلُهُ: لَا يُرْهِبُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَرْهَبَ بِمَعْنَى أَخَافَ يَعْنِي أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى عليه السلام لَمَّا بَعَثَهُمْ أَمَرَهُمْ بِكَتْمِ مَا يُرْهِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ عَنْ الْقَوْمِ بِخِلَافِ مَا لَا يُرْهِبُ فَلَمَّا رَجَعُوا أَفْشَى السِّرَّ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَاثْنَانِ كَتَمَا السِّرَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} [المائدة: 23] الْآيَةُ (قَوْلُهُ: بَعَثَ عِشْرِينَ) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: عَلَى إخْبَارِهِمْ) أَيْ إخْبَارِ الْعِشْرِينَ الْمَبْعُوثِينَ لَهُمْ أَنَّ فِيهِمْ قُدْرَةً عَلَى قِتَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ، أَوْ إخْبَارِ الْبَاعِثِ لَهُمْ لِئَلَّا يُعَرِّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلتَّلَفِ، لَا إخْبَارِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقُدْرَةُ فَلَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ وَإِذَا كَانَ خَبَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّوَاتُرِ لِيُفِيدَ الصِّدْقَ، وَفِيهِ أَنَّ الْكُلَّ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ حَالِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا قِيلَ: إنَّ الصَّبْرَ لَيْسَ مِنْ الْمَحْسُوسِ، وَفَرْضُ الْكَلَامِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ مَحْسُوسٍ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْسُوسِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْسُوسَ بِالْوِجْدَانِيَّاتِ كَذَا قِيلَ وَلَا يَخْلُو عَنْ تَوَقُّفٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمَحْسُوسُ بِالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ
(قَوْلُهُ: وَكَانُوا كَمَا قَالَ إلَخْ) الَّذِي فِي تَفْسِيرِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ عُمَرُ فَتَمَّ بِهِ الْأَرْبَعُونَ فَعَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى تَغْلِيبُ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَهِيَ قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَدِ الْعُمَرَيْنِ» (قَوْلُهُ: كَافُّوا) مِنْ الْكِفَايَةِ فَهُوَ بِالْإِضَافَةِ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّهِ وَأَمَّا إنْ جُعِلَ عَطْفًا عَلَى الْكَافِ فِي " حَسْبُكَ " فَلَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُ (قَوْلُهُ: يَسْتَدْعِي إلَخْ) مَمْنُوعٌ إذْ لَا حَاجَةَ لَهُ بَعْدَ إخْبَارِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ أَمْرٍ وَاحِدٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: سَبْعِينَ رَجُلًا) أَيْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ فَقَوْلُهُ: لِلِاعْتِذَارِ عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ أَيْ مِنْ عِبَادَةِ أَصْحَابِهِمْ الْعِجْلَ (قَوْلُهُ: أَيْ لِلِاعْتِذَارِ) فَالْمُرَادُ بِالْمِيقَاتِ الشَّيْءُ الْمُؤَقَّتُ وَهُوَ الِاعْتِذَارُ
وَلِسَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لِيُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَهُ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمُ الْمَطْلُوبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (وَ) قِيلَ أَقَلُّهُ (ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ) عَدَدُ أَهْلِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَالْبِضْعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَقَدْ تُفْتَحُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ، وَعِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ: وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَزَادَ أَهْلُ السِّيَرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ وَسِتَّةَ عَشَرَ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إنَّ ثَمَانِيَةً مِنْ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ لَمْ يَحْضُرُوهَا وَإِنَّمَا ضُرِبَ لَهُمْ سَهْمُهُمْ وَأَجْرُهُمْ فَكَانُوا كَمَنْ حَضَرَهَا وَهِيَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى الَّتِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا الْإِسْلَامَ وَلِذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَمَا يُدْرِيَك لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ» وَهَذَا لِاقْتِضَائِهِ زِيَادَةَ احْتِرَامِهِمْ يَسْتَدْعِي التَّنْقِيبَ عَنْهُمْ لِيُعْرَفُوا، وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَ بِأَخْبَارِهِمْ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ عَدَدٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ،
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ اللَّيْسِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ (وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ (لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَوَاتِرِ (إسْلَامٌ) فِي رِوَايَةٍ (وَلَا عَدَمُ احْتِوَاءِ بَلَدٍ) عَلَيْهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا، وَأَنْ تَحْوِيَهُمْ بَلَدٌ كَأَنْ يُخْبِرَ أَهْلُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ بِقَتْلِ مَلِكِهِمْ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ مَانِعَةٌ مِنْ التَّوَاطُؤِ عَلَى الْكَذِبِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِجِوَارِ تَوَاطُؤِ الْكُفَّارِ وَأَهْلِ بَلَدٍ عَلَى الْكَذِبِ فَلَا يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْعِلْمَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَوَاتِرِ (ضَرُورِيٌّ) أَيْ يَحْصُلُ عِنْدَ سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَظَرٍ لِحُصُولِهِ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ كَالْبُلْهِ وَالصِّبْيَانِ (وَقَالَ الْكَعْبِيُّ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (وَالْإِمَامَانِ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ (نَظَرِيٌّ وَفَسَّرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ) أَيْ فَسَّرَ كَوْنَهُ نَظَرِيًّا
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَلِسَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ) فِيهِ أَنَّ السَّامِعَ مِنْ اللَّهِ سَيِّدُنَا مُوسَى عليه السلام وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ سَمَاعَهُمْ مِنْ الْمَلَكِ لَا مِنْ اللَّهِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْقَوْلَيْنِ) فِيهِ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّانِي فَقَطْ؛ إذْ الْبِضْعُ صَادِقٌ بِمَا زِيدَ (قَوْلُهُ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) لَيْسَ الْمُرَادُ إبَاحَةَ الْمَعَاصِي لَهُمْ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ مِنْهُمْ تَكُونُ مَغْفُورَةً (قَوْلُهُ: فِي مِثْلِ ذَلِكَ) أَيْ إخْبَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ (قَوْلُهُ: بِمَنْعِ اللَّيْسِيَّةِ) أَيْ قَوْلِهِ لَيْسَ إلَّا كَذَا (قَوْلُهُ: فِي الْجَمِيعِ) أَيْ جَمِيعِ مَا وَقَعَ فِي تَوَجُّهِهِ لَيْسَ إلَّا لَا جَمِيعُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا، وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ أَوْ الْمُرَادُ جَمِيعُ الْأَقْوَالِ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ) قَدَّرَ لَفْظَةَ أَنَّهُ لِأَجْلِ تَأْوِيلٍ لَا يُشْتَرَطُ بِمُفْرَدٍ فَلَا تَحْتَاجُ الْجُمْلَةُ إلَى رَابِطٍ (قَوْلُهُ: لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إسْلَامٌ) فَأَوْلَى الْعَدَالَةُ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ الْبُلُوغُ كَمَا نَقَلَهُ سم كَتَبَهُ بِهَامِشِ حَاشِيَةِ الْكَمَالِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ لِشَيْخِهِ ابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ قَالَ: وَلَوْ كُفَّارًا أَوْ صِبْيَانًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَثْرَةَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ: كَانَ يُخْبِرُ إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْعُلَمَاءِ الْمَوْجُودِينَ قَبْلَ فَتْحِهَا وَقَدْ فَتَحَهَا السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ، وَوَافَقَ تَارِيخَ فَتْحِهَا بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ، وَقَدْ ذَهَبْتُ إلَيْهَا مَرَّتَيْنِ مَعَ الْإِقَامَةِ، وَرَأَيْت بِهَا مِنْ الْمَحَاسِنِ وَرَفَاهِيَةِ الْعَيْشِ، وَالْغَرَائِبِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْكُتُبِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ فَهِيَ الْحَرِيَّةُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ:
رَأَيْت بِهَا مَا يَمْلَأُ الْعَيْنَ قُرَّةً
…
وَيُسْلِي عَنْ الْأَوْطَانِ كُلَّ غَرِيبِ
وَفِي وَقْتِ تَأْلِيفِي لِهَذِهِ الْحَاشِيَةِ اخْتَلَّتْ أَحْوَالُهَا بِسَبَبِ قِيَامِ الْحَرْبِ بَيْنَ سُلْطَانِنَا السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ نَصَرَهُ اللَّهُ وَبَيْنَ قرال الْمُوَسَّقِ خَذَلَهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَرْبٌ عَظِيمٌ، وَإِلَى الْآن هُوَ قَائِمٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَنْصُرَ حِزْبَ الْإِسْلَامِ وَيُدَمِّرَ الْكَفَرَةَ اللِّئَامَ بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ وَالْخُطُوبِ الْمُزْعِجَةِ الْمُشَوِّشَةِ لِلْأَفْكَارِ وَقَعَ مِنَّا فُتُورُ هِمَّةٍ بَعْدَ إتْمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ لِعَدَمِ مُسَاعَدَةِ الْوَقْتِ لَنَا عَمَّا كُنَّا أَرَدْنَاهُ مِنْ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى النَّسَقِ الْأَوَّلِ وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَاللُّطْفَ وَرَحِمَ اللَّهُ مَنْ قَالَ:
أَتَى الزَّمَانَ بَنُوهُ فِي شَبِيبَتِهِ
…
فَسَرَّهُمْ وَأَتَيْنَاهُ عَلَى الْهَرَمِ
(قَوْلُهُ: لِجَوَازِ تَوَاطُؤِ إلَخْ) أَيْ جَوَازِ ذَلِكَ عَقْلًا وَحِينَئِذٍ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى (قَوْلُهُ: كَالْبُلْهِ) جَمْعُ أَبْلَهَ
كَمَا أَفْصَحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ التَّابِعُ لَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْكَعْبِيِّ (بِتَوَقُّفِهِ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ حَاصِلَةٍ) عَنْ السَّامِعِ، وَهِيَ الْمُحَقِّقَةُ لِكَوْنِ الْخَبَرِ مُتَوَاتِرًا مِنْ كَوْنِهِ خَبَرَ جَمْعٍ وَكَوْنُهُمْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَكَوْنُهُ عَنْ مَحْسُوسٍ (لَا الِاحْتِيَاجُ إلَى النَّظَرِ عَقِيبَهُ) أَيْ عَقِيبَ سَمَاعِ الْمُتَوَاتِرِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى فِي أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ؛ لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا وَبِالضَّرُورِيِّ عَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ خِلَافَ مَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ سَهْوًا أَوْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ وَقَوْلُهُ عَقِيبُهُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَالْكَثِيرُ تَرْكُ الْيَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ
(وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) عَنْ الْقَوْلِ بِوَاحِدٍ مِنْ الضَّرُورِيِّ وَالنَّظَرِيِّ أَوْ لِتَعَارُضِ دَلِيلَيْهِمَا السَّابِقَيْنِ مِنْ حُصُولِهِ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ النَّظَرُ وَتَوَقُّفُهُ عَلَى تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُحَقَّقَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى عَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا (ثُمَّ إنْ أَخْبَرُوا) أَيْ أَهْلُ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ (عَنْ عِيَانٍ) بِأَنْ كَانُوا طَبَقَةً فَقَطْ (فَذَاكَ) وَاضِحٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ عِيَانٍ بِأَنْ كَانُوا طَبَقَاتٍ فَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ عِيَانٍ
ــ
[حاشية العطار]
وَهُوَ سَلِيمُ الصَّدْرِ أَوْ مَنْ لَا فِطْنَةَ لَهُ (قَوْلُهُ: لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُقَدِّمَاتِ الْمُنْتِجَةَ لِلْمَطْلُوبِ حَتَّى تُنَافِيَ الضَّرُورَةَ قَالَ الْبُدَخْشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَقَدْ كُنْت أَبْدَعَتْ لَهُ اصْطِلَاحًا، وَهُوَ أَنَّهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ لَكِنَّ هَذِهِ الْمُقَدَّمَاتِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا إلَى تَجَشُّمِ طَلَبٍ مِنْ النَّفْسِ بِالْحَرَكَةِ فِي الْمَبَادِئِ صَارَتْ كَالْمُقَدِّمَاتِ فِي قَضَايَا قِيَاسَاتِهَا مَعَهَا وَكَالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ فِي الْجُزْئِيَّاتِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَكَانَ اللَّازِمُ بَاطِلًا، وَكَالْحُدُودِ الْوُسْطَى الْحَاصِلَةِ بِلَا حَرَكَةٍ دَفْعَةً عِنْد الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَطَالِبِ فِي الْحَدْسِيَّاتِ بِحَيْثُ تَتَمَثَّلُ الْمَطَالِبُ فِي الذِّهْنِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ شَوْقٌ أَوْ لَا وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ التَّصْدِيقَ عَنْ الضَّرُورِيَّةِ إلَى النَّظَرِيَّةِ بَلْ ذَلِكَ مِمَّا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْحَرَكَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ إنِّي قَدْ ظَفِرْت بَعْدَ حِينٍ بِمَا نَقَلَ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ الْمُسْتَصْفَى لِلْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ الْحَاصِلَ بِالتَّوَاتُرِ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَوْسِيطِ وَاسِطَةٍ مُغْضِيَةٍ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْوَاسِطَةَ حَاضِرَةٌ فِي الذِّهْنِ وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ كَقَوْلِنَا: الْمَوْجُودُ لَا يَكُونُ مَعْدُومًا فَوَجَدْته مُشِيرًا إلَى تَقْرِيرِي الْمَذْكُورِ فَشَكَرْت اللَّهَ عَلَى مَا هَدَانِي إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَظَرًا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَخُصُّ الرَّازِيَّ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِإِفْرَادِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ، وَجَعْلِهِ مَعَ مَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ نَظَرِيٌّ (قَوْلُهُ: جَرَتْ عَلَى الْأَلْسِنَةِ) أَيْ الْعَامِّيَّةِ فَلَا يُنَافِي الْقِلَّةَ (قَوْلُهُ: وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) قَالَ سم: التَّوَقُّفُ مَعَ انْتِفَاءِ الْخِلَافِ فِي الْمَعْنَى وَانْتِفَاءِ مُنَافَاةِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ لِلْآخَرِ مُشْكِلٌ، وَقَوْلُهُ: فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَخْ إنْ أَرَادَ بِعَدَمِ النَّظَرِ إلَى عَدَمِ التَّنَافِي أَنَّهُ عَقِلَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ أَبْعَدِ الْبَعِيدِ، وَإِنَّ الْبَعِيدَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ فَكَذَلِكَ اهـ
(قَوْلُهُ: عَنْ عِيَانٍ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُشَاهَدَ بَلْ الْمَحْسُوسُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي التَّعْرِيفِ عَنْ مَحْسُوسٍ (قَوْلُهُ: فَذَاكَ وَاضِحٌ) أَيْ لِوُجُودِ كُلِّ الْقُيُودِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيُشْتَرَطُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْ حَدِّ التَّوَاتُرِ الَّذِي قَدَّمَهُ
إلَّا الطَّبَقَةُ الْأُولَى مِنْهُمْ (فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُهُمْ جَمْعًا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ (فِي كُلِّ الطَّبَقَاتِ) أَيْ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ لِيُفِيدَ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى فَلَا يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ.
وَمِنْ هَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى قَدْ يَكُونُ آحَادًا فِيمَا بَعْدَهَا وَهَذَا مَحْمَلُ الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالصَّحِيحُ) مِنْ أَقْوَالٍ (ثَالِثُهَا إنْ عَلِمَهُ) أَيْ الْمُتَوَاتِرَ أَيْ الْحَاصِلَ مِنْهُ (لِكَثْرَةِ الْعَدَدِ) فِي رِوَايَةٍ (مُتَّفِقٌ لِلسَّامِعِينَ) فَيَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ (وَلِلْقَرَائِنِ) الزَّائِدَةِ عَلَى أَقَلِّ الْعَدَدِ الصَّالِحِ لَهُ بِأَنْ تَكُونَ لَازِمَةً لَهُ مِنْ أَحْوَالِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ أَوْ بِالْمُخْبَرِ عَنْهُ أَوْ بِالْمُخْبِرِ بِهِ (قَدْ يَخْتَلِفُ فَيَحْصُلُ لِزَيْدٍ دُونَ عَمْرٍو) مَثَلًا مِنْ السَّامِعِينَ؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ قَدْ تَقُومُ عِنْدَ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، أَمَّا الْخَبَرُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ فَلَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ.
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَجِبُ حُصُولُ الْعِلْمِ مِنْهُ لِكُلٍّ مِنْ السَّامِعِينَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ مُطْلَقًا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَلِبَعْضِهِمْ فَقَطْ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَحْصُلَ الْعِلْمُ لِبَعْضٍ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ كَالْقَرَائِنِ (وَ) الصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالٍ (أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وَفْقٍ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
ــ
[حاشية العطار]
فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: ثُمَّ إنْ أَخْبَرُوا عَنْ مَحْسُوسٍ لَهُمْ فَذَاكَ وَإِلَّا كَفَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرُوا كُلُّهُمْ عَنْ مَحْسُوسٍ لَهُمْ بِأَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ الطَّبَقَةُ الْأُولَى فَقَطْ كَفَى، وَحُصُولُ التَّوَاتُرِ إخْبَارُهَا عَنْ مَحْسُوسٍ لَهُمْ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ كَوْنِ كُلِّهِمْ جَمْعًا يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ اهـ. ز.
(قَوْلُهُ: إلَّا الطَّبَقَةُ الْأُولَى) لِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِخْبَارِهَا عَنْ عِيَانٍ إخْبَارُهَا بِأَنَّهَا عَايَنَتْ الْحُكْمَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا فَكُلُّ طَبَقَةٍ مُعَايِنَةٌ لِمَا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ: أَيْ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ إرَادَةِ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِي، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْكُلِّيَّةُ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ) قَالَ الشِّهَابُ عَمِيرَةُ أَيْ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ الْقَائِلِ بِقُرْآنِيَّتِهَا كَمَا مَرَّ صَدْرَ الْكِتَابِ، وَمَرَّ أَيْضًا أَنَّهُ يَعْلَمُ بِهَا مِنْ حَيْثُ الْخَبَرِيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْآحَادِ، وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ عَدَمُ قُرْآنِيَّتِهَا
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ثَالِثُهَا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ فِي نُسْخَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا وَالصَّحِيحُ إنْ عَلِمَهُ (قَوْلُهُ: الصَّالِحُ لَهُ) أَيْ لِلْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَكَذَا الضَّمَائِرُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ تَكُونَ لَازِمَةً لَهُ) بَيَانٌ لِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْقَرَائِنَ (قَوْلُهُ: الْمُتَعَلِّقَةُ بِهِ) كَأَنْ تَكُونَ الرُّوَاةُ كُلُّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ وَهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْمُخْبِرِ عَنْهُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ مُجَرَّدَ الصِّدْقِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ الْمُخْبَرِ بِالْفَتْحِ بِأَنْ يَكُونَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى السَّامِعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا أَيْ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ فَيَخْتَلِفُ التَّوَاتُرُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِمَا (قَوْلُهُ: بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ) كَالْعِلْمِ بِوُجُودِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا أَخْبَرَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ) أَيْ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَطْوِيَّيْنِ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ بِقَرَائِنَ أَوْ بِكَثْرَةٍ (قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ) أَيْ الْعِلْمُ لِكُلِّ أَحَدٍ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالٍ) أَيْ ثَلَاثَةٍ (قَوْلُهُ: عَلَى وَفْقِ) بِتَثْلِيثِ الْوَاوِ مُوَافَقَةٍ أَيْ عَلَى مَعْنًى مُوَافِقٍ لِمَعْنَى خَبَرٍ كَمَا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمُوَافِقِ لِخَبَرِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» فَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ مُوَافِقٌ لِمَعْنَى الْحَدِيثِ فَهَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَهُ النَّبِيُّ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ) لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ صِدْقُ الْمَتْنِ أَوْ صِدْقُ سُنِّيَّتِهِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ أُرِيدَ الْأَوَّلُ دَلَّ قَطْعًا عَلَى صِدْقِهِ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَةَ الْإِجْمَاعِ لَهُ تَقْتَضِي صِدْقَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ، وَإِنْ أُرِيدَ الثَّانِي فَالْإِجْمَاعُ لَا يُوصَفُ بِمُوَافَقَةِ النِّسْبَةِ أَوْ مُخَالَفَتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُوَافَقَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْأَحْكَامِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحِكَايَةَ وَالْمَحْكِيَّ لَمَّا كَانَا شَيْئًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمَتْنِ لَا تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ النِّسْبَةِ وَالْإِسْنَادِ فَالْمُرَادُ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْإِجْمَاعِ لِلْخَبَرِ فِي الْحُكْمِ لَا يَدُلُّ
مُطْلَقًا (وَثَالِثُهَا يَدُلُّ إنْ تَلَقَّوْهُ) أَيْ الْمُجْمِعُونَ (بِالْقَبُولِ) بِأَنْ صَرَّحُوا بِالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ بِأَنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا بِالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ فَلَا يَدُلُّ لِجَوَازِ اسْتِنَادِهِمْ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا اسْتَنْبَطُوهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَثَانِيهَا يَدُلُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ لِعَدَمِ ظُهُورٍ مُسْتَنَدٍ غَيْرِهِ، وَوَجْهُ دَلَالَةِ اسْتِنَادِهِمْ إلَيْهِ عَلَى صِدْقِهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ صِدْقًا بِأَنْ كَانَ كَذِبًا لَكَانَ اسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ خَطَأً، وَهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْهُ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ الْخَطَأَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا صِدْقَهُ، وَهُمْ إنَّمَا أُمِرُوا بِاسْتِنَادٍ إلَى مَا ظَنُّوا صِدْقَهُ فَاسْتِنَادُهُمْ إلَيْهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقِيلَ: إنَّ ظَنَّهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ.
(وَكَذَلِكَ بَقَاءُ خَبَرٍ تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى إبْطَالِهِ) بِأَنْ لَمْ يُبْطِلْهُ ذَوُو الدَّوَاعِي مَعَ سَمَاعِهِمْ لَهُ آحَادًا لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ (خِلَافًا لِلزَّيْدِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالُوا: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ حِينَئِذٍ، قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِثَالُهُ «قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَإِنَّ دَوَاعِيَ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَدْ سَمِعُوهُ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى إبْطَالِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه كَمَا قِيلَ كَخِلَافَةِ هَارُونَ عَنْ مُوسَى بِقَوْلِهِ {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} [الأعراف: 142] وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يُبْطِلُوهُ.
ــ
[حاشية العطار]
عَلَى صِدْقِ نِسْبَتِهِ إلَى النَّبِيِّ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: بِأَنْ صَرَّحُوا) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ فَهُوَ بَيَانٌ لِسَبَبِ التَّلَقِّي بِالْقَبُولِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ إنْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُمْ تَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الْعِلْمُ بِالتَّلَقِّي لَا نَفْسُ التَّلَقِّي الَّذِي هُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ التَّصْرِيحَ يَتَأَخَّرُ عَنْ التَّلَقِّي فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لَهُ؛ إذْ السَّبَبُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ مُسَبَّبِهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا اسْتَنْبَطُوهُ) اعْتَرَضَهُ الشِّهَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ لَا مُسْتَنْبِطٌ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ الدَّلِيلَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَيْثُ وَجْهُ دَلَالَتِهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ) وَأَمَّا حَيْثُ صَرَّحُوا بِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي اسْتِنَادِهِمْ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُ دَلَالَةِ اسْتِنَادِهِمْ) قَالَ الشِّهَابُ: هُوَ تَوْجِيهٌ لِلثَّانِي وَلِمَا تَضَمَّنَهُ الثَّالِثُ مِنْ أَنَّ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ (قَوْلُهُ: حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الِاسْتِنَادِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» أَيْ عَلَى أَمْرٍ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ وَفِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَا يُقَالُ فَالْإِجْمَاعُ حِينَئِذٍ ظَنِّيٌّ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ قَطْعِيٌّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ: يَجْزِمُوا بِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ بَلْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنَّهُ قَطْعِيٌّ إنَّمَا هُوَ قَطْعِيٌّ فِي الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرِيقَةٍ ظَنٍّ؛ لِأَنَّ ظَنَّ الْمُجْمِعِينَ مَعْلُومٌ قَطْعًا، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي قَطْعِيَّةَ الْإِجْمَاعِ فِي الظَّاهِرِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنَّ ظَنَّهُمْ إلَخْ) عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ أَيْ عَلَى خَطَأٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَقْصُودُ الشَّارِحِ الْإِشَارَةُ إلَى الْقَدْحِ فِي دَلِيلِ الرَّاجِحِ بِمَنْعِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِسَنَدِ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ظَنَّهُمْ مَعْصُومٌ عَنْ الْخَطَأِ مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ: بَقَاءُ خَبَرٍ) أَيْ بَقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ إبْطَالٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُبْطِلْهُ) تَصْوِيرٌ لِقَوْلِهِ: بَقَاءُ (قَوْلُهُ: أَنْتَ مِنِّي) أَيْ قُرْبُك مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ أَيْ فِي الْخِلَافَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا يَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: فَإِنَّ دَوَاعِيَ بَنِي أُمَيَّةَ) أَيْ شَهَوَاتِهِمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ عَلِيًّا رضي الله عنه (قَوْلُهُ: لِدَلَالَتِهِ) الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ «؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَرَكَهُ بِالْمَدِينَةِ لَمَّا ذَهَبَ إلَى الْغَزْوِ، وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَتَجْعَلُنِي بِمَنْزِلَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» أَيْ حِينَ ذَهَبَ إلَى الْمُنَاجَاةِ وَخَلَفَهُ فِي قَوْمِهِ أَيْ فَلَيْسَ هَذَا بِنَقْصٍ فِي حَقِّك فَلَكَ أُسْوَةٌ بِهَارُونَ عليه السلام (قَوْلُهُ: كَمَا قِيلَ) قَائِلُهُ الشِّيعَةُ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ مَاتَ هَارُونُ قَبْلَ مُوسَى
(وَافْتِرَاقُ الْعُلَمَاءِ) فِي الْخَبَرِ (بَيْنَ مُؤَوِّلٍ) لَهُ (وَمُحْتَجٍّ) بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ (خِلَافًا لِقَوْمٍ) فِي قَوْلِهِمْ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالُوا: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ حِينَئِذٍ قُلْنَا: الِاتِّفَاقُ عَلَى قَبُولِهِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ صِدْقُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
ــ
[حاشية العطار]
عليه الصلاة والسلام.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشِّيعَةَ قَدْ اسْتَدَلَّتْ عَلَى اسْتِحْقَاقِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم مُخَاطِبًا لِأَصْحَابِهِ سَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام مُخَاطِبًا لَهُ «أَنْتَ الْخَلِيفَةُ بَعْدِي» وَقَوْلُهُ: «مُبَشِّرًا إلَى عَلِيٍّ وَأَخَذَ بِيَدِهِ هَذَا خَلِيفَتِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ، وَقَدْ أَوْرَدَ جُمْلَةً مِنْهَا النَّصِيرُ الطُّوسِيُّ فِي مَبْحَثِ الْإِمَامَةِ مِنْ مَتْنِ التَّجْرِيدِ وَلَوَّثَ هَذَا الْمَبْحَثَ بِذِكْرِ مَطَاعِنَ فِي بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - عَلَى مَا هِيَ عَقِيدَةُ الرَّافِضَةِ وَالشِّيعَةِ وَقَدْ تَصَدَّى شُرَّاحُ ذَلِكَ الْمَتْنِ لِرَدِّهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا - جَزَاهُمْ اللَّهُ عَنْ الدِّينِ خَيْرًا - وَكُنْت رَأَيْت فِي بَعْضِ حَوَاشِي ذَلِكَ الْكِتَابِ نَقْلًا عَنْ شَارِحِهِ أَكْمَلِ الدِّينِ أَنَّ النَّصِيرَ مَاتَ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَأَكْمَلَهُ ابْنُ الْمُطَهَّرِ الْحِلِّيِّ وَوَضَعَ فِيهِ هَذِهِ الْمَطَاعِنَ، وَقَدْ كَانَ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ وَهَذَا اعْتِذَارٌ حَسَنٌ لَوْ تَمَّ فَإِنَّ الْمُؤَرِّخِينَ كُلَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الطُّوسِيَّ مِنْ أَكَابِرِ الشِّيعَةِ وَرُؤَسَائِهِمْ وَقَدْ قَرَّرَ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْقَوْسَجِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَتْنِ الْمُسَمَّى بِالشَّرْحِ الْجَدِيدِ حَاصِلَ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى» قَالَ: إنَّ الْمَنْزِلَةَ اسْمُ جِنْسٍ أُضِيفَ فَعَمَّ كَمَا إذَا عُرِّفَ بِاللَّامِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا اسْتَثْنَى مِنْهَا مَرْتَبَةَ النُّبُوَّةِ بَقِيَتْ عَامَّةً فِي بَاقِي الْمَنَازِلِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهُ خَلِيفَةً لَهُ وَمُتَوَالِيًا فِي تَدْبِيرِ الْأَمْرِ وَمُتَصَرِّفًا فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَرَئِيسًا مُفْتَرَضَ الطَّاعَةِ لَوْ عَاشَ بَعْدَهُ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِمَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ زَوَالُ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ الثَّابِتَةِ فِي حَيَاةِ مُوسَى عليه السلام لِوَفَاتِهِ، وَإِنْ قَدْ صَرَّحَ بِنَفْيِ النُّبُوَّةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلَّا بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ بَلْ هُوَ خَبَرُ آحَادٍ فِي مُقَابَلَةِ الْإِجْمَاعِ، وَيَمْنَعُ عُمُومَ الْمَنَازِلِ، بَلْ غَايَةُ الِاسْمِ الْمُفْرَدِ إلَى الْعِلْمِ الْإِطْلَاقُ، وَرُبَّمَا يَدَّعِي كَوْنَهُ مَعْهُودًا مُعَيَّنًا كَغُلَامِ زَيْدٍ وَلَيْسَ الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ إخْرَاجًا لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْمَنْزِلَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك: إلَّا النُّبُوَّةَ بَلْ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ كَيْفَ وَمِنْ الْمَنَازِلِ الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ، وَلَمْ تَثْبُتْ لِعَلِيٍّ
وَأَجَابَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ النُّصُوصِ عُمُومًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْخَطِيرِ يَعْنِي نَصْبَ الْإِمَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَصَالِحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِعَامَّةِ الْخَلْقِ مِثْلَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْجَلِيَّةِ لَتَوَاتَرَ وَاشْتَهَرَ فِيمَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَتَوَافَقُوا فِي الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، وَلَمْ يَتَرَدَّدُوا حِين اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ لِتَعْيِينِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، وَمَالَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَأُخْرَى إلَى الْعَبَّاسِ وَأُخْرَى إلَى عَلِيٍّ وَلَمْ يَتْرُكْ عَلِيٌّ رضي الله عنه مُحَاجَّةَ الْأَصْحَابِ وَمُخَاصَمَتَهُمْ وَادِّعَاءَ الْأَمْرِ لَهُ وَالتَّمَسُّكَ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ بَلْ قَامَ بِأَمْرِهِ وَطَلَبَ حَقَّهُ كَمَا قَامَ بِهِ حِينَ أَفَضْت النُّبُوَّةُ إلَيْهِ، وَقَاتَلَ حَتَّى أَفْنَى الْخَلْقَ الْكَثِيرَ مَعَ أَنَّ الْخَطْبَ إذْ ذَاكَ أَشَدُّ، وَفِي الْأَوَّلِ الْأَمْرُ سَهْلٌ، وَعَهْدُهُمْ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقْرَبُ وَهَمُّهُمْ فِي تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ أَرْغَبُ، وَكَيْفَ يَزْعُمُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَنَّهُمْ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ وَذَخَائِرَهُمْ وَقَتَلُوا أَقَارِبَهُمْ وَعَشَائِرَهُمْ فِي نُصْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَانْقِيَادِ أَمْرِهِ وَاتِّبَاعِ طَرِيقَتِهِ أَنَّهُمْ خَالَفُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْفِنُوهُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الظَّاهِرَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ.
(قَوْلُهُ: وَافْتِرَاقُ الْعُلَمَاءِ إلَخْ) لَعَلَّهُ ضَمَّنَهُ مَعْنَى الدَّوْرَانِ أَوْ الْمُتَرَدِّدِ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَيْنَ أَيْ دَائِرَيْنِ أَوْ مُتَرَدِّدَيْنِ إلَخْ ثُمَّ إنَّ هَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مَفْرُوضٌ فِي تَوَافُرِ الدَّوَاعِي عَلَى الْإِبْطَالِ بِخِلَافِ هَذَا (قَوْلُهُ: لِلِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِهِ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِهِ يَسْتَلْزِمُ قَبُولَهُ، وَكَذَا تَأْوِيلُهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ إلَى تَأْوِيلِهِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: قَدْ يَكُونُ التَّأْوِيلُ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ كَمَا يَقَعُ لَهُمْ كَثِيرًا أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ الصِّحَّةَ ثُمَّ يَقُولُونَ وَعَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى كَذَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّأْوِيلُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لَا يَكُونُ عَادَةً إلَّا مَعَ اعْتِقَادِ الصِّحَّةِ اهـ. سم.
(وَ) الصَّحِيحُ (أَنَّ الْمُخْبِرَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ لَمْ يُكَذِّبُوهُ، وَلَا حَامِلَ عَلَى سُكُوتِهِمْ) عَنْ تَكْذِيبِهِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُ (صَادِقٌ) فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ تَصْدِيقٌ لَهُ عَادَةً فَقَدْ اتَّفَقُوا، وَهُمْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ عَلَى خَبَرٍ عَنْ مَحْسُوسٍ إذْ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ فَيَكُونُ صِدْقًا قَطْعًا، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِمْ تَصْدِيقُهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ لَا لِشَيْءٍ (وَكَذَا الْمُخْبِرُ بِمِسْمَعٍ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ بِمَكَانٍ يَسْمَعُهُ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (وَلَا حَامِلَ عَلَى التَّقْرِيرِ) لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَ) عَلَى (الْكَذِبِ) لِلْمُخْبِرِ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ دِينِيًّا كَانَ أَوْ دُنْيَوِيًّا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى كَذِبٍ (خِلَافًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ) مِنْهُمْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا يَدُلُّ سُكُوتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى صِدْقِ الْمُخْبِرِ: أَمَّا فِي الدِّينِيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَهُ أَوْ أَخَّرَ بَيَانَهُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْمُخْبِرُ، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَوِيِّ فَلِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ النَّبِيُّ يَعْلَمُ كَمَا فِي لِقَاحِ النَّخْلِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ النَّخْلَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قَالَ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُخْبِرَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِحُضُورِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ عَنْ مَحْسُوسٍ، وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْلَمُوهُ مِثْلَ خَبَرٍ غَرِيبٍ لَا تَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْأَفْرَادُ لَمْ يَدُلَّ سُكُوتُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَوْ كَانَ يَعْلَمُونَهُ، وَلَكِنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَكُون لِحَامِلٍ عَنْ السُّكُوتِ عَنْ تَكْذِيبِهِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَدُلُّ سُكُوتُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ أَيْضًا، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَامِلَ لَهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: تَصْدِيقٌ لَهُ) فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِحَالِ الْمُخْبِرِ بِهِ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ تَصْدِيقٌ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ أَنَّهُ صِدْقٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِظَنِّهِمْ صِدْقَهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ صِدْقُهُ كَمَا مَرَّ فِي غَيْرِهِ نَعَمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ وُجِدَ بِحَضْرَتِهِمْ ظَهَرَ أَنَّ سُكُوتَهُمْ تَصْدِيقٌ.
وَأُجِيبَ بِتَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا أَخْبَرَ عَنْ مَحْسُوسٍ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِمْ (قَوْلُهُ: عَنْ مَحْسُوسٍ) أَيْ لَا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِمْ عَادَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ (قَوْلُهُ: وَلَا حَامِلَ عَلَى التَّقْرِيرِ وَعَلَى الْكَذِبِ) هَذَا يُنَافِي مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْكِتَابِ الثَّانِي مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ، وَأَنَّ سُكُوتَهُ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ إلَخْ.
وَالْجَوَابُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ فِي الْكَافِرِ الْمُعَانِدِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ فِيهِ الْإِنْكَارُ وَمَا تَقَدَّمَ مَحْمُولٌ عَلَى خِلَافِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: دِينِيًّا إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي (قَوْلُهُ: بَيَّنَهُ) أَيْ سَابِقًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إلَخْ) تَنَازُعُهُ بَيَّنَهُ وَأَخَّرَ (قَوْلُهُ: أَوْ أَخَّرَ بَيَانَهُ) فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي إلْقَاحِ النَّخْلِ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمَ النَّبِيُّ حَالَ الدُّنْيَوِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثَالًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ إذْ لَا أَخْبَارَ هُنَا بِحَضْرَتِهِ (قَوْلُهُ: لَصَلُحَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَلَاحُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ أَوْ فِي ظَنِّيٍّ وَقَالَ بَعْضٌ إنَّهُ قَالَهُ فِي حَالِ اسْتِغْرَاقِهِ فِي شُهُودِ الْوَحْدَةِ
فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ مَا لِنَخْلِكُمْ؟ قَالُوا: قُلْت كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» (وَقِيلَ: يَدُلُّ) عَلَى صِدْقِهِ (إنْ كَانَ) مُخْبِرًا (عَنْ) أَمْرٍ (دُنْيَوِيٍّ) بِخِلَافِ الدِّينِيِّ فَلَا يَدُلُّ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَكْسُ هَذَا التَّفْصِيلِ بَدَلُهُ، وَتَوْجِيهُهُمَا يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ.
وَأُجِيبَ فِي الدِّينِيِّ بِأَنَّ سَبْقَ الْبَيَانِ أَوْ تَأْخِيرَهُ لَا يُبِيحُ السُّكُوتَ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُنْكَرِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إفْهَامِ تَغْيِيرِ الْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ وَتَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ فِي الثَّانِي، وَفِي الدُّنْيَوِيِّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذِبًا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْلِمُهُ اللَّهُ بِهِ عِصْمَةً لَهُ عَنْ أَنْ يُقِرَّ أَحَدًا عَلَى كَذِبٍ كَمَا أَعْلَمَهُ بِكَذِبِ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ لَهُ: نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ أَنَّ قُلُوبَهُمْ وَافَقَتْ أَلْسِنَتَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ دِينِيًّا أَمَّا إذَا وُجِدَ حَامِلٌ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّقْرِيرِ كَمَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ مِمَّنْ يُعَانِدُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَنْفَعُ فِيهِ الْإِنْكَارُ فَلَا يَدُلُّ السُّكُوتُ عَلَى الصِّدْقِ قَوْلًا وَاحِدًا (وَأَمَّا مَظْنُونُ الصِّدْقِ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ) وَاحِدًا كَانَ رَاوِيَهُ أَوْ أَكْثَرَ أَفَادَ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ أَوْ لَا (وَمِنْهُ) حِينَئِذٍ (الْمُسْتَفِيضُ، وَهُوَ الشَّائِعُ عَنْ أَصْلٍ) فَخَرَجَ الشَّائِعُ لَا عَنْ أَصْلٍ (وَقَدْ يُسَمَّى) أَيْ الْمُسْتَفِيضُ (مَشْهُورًا وَأَقَلُّهُ) مِنْ حَيْثُ عَدَدُ رَاوِيهِ أَيْ أَقَلُّ عَدَدٍ رَوَى الْمُسْتَفِيضَ (اثْنَانِ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ) الْأَوَّلُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَلُّ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِفَاضَةُ اثْنَانِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُسْتَفِيضُ مَا زَادَ نَقَلَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ.
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: فَخَرَجَ شِيصًا) أَيْ لَمْ يَشْتَدَّ نَوَاهُ قَوْلُهُ «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» أَيْ بِكَيْفِيَّةِ التَّلْقِيحِ (قَوْلُهُ عَكْسُ هَذَا التَّفْصِيلِ)، وَهُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ إنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ دِينِيٍّ لَا دُنْيَوِيٍّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ لَا يَعْلَمُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَتَوْجِيهُهُمَا) أَيْ التَّفْصِيلُ وَعَكْسُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ تَضَمَّنَهُ إلَخْ) بِوَاسِطَةِ التَّأْكِيدِ بِإِنْ وَاللَّامِ وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَدَفَعَ بِهَذَا مَا يُقَالُ الشَّهَادَةُ إنْشَاءٌ، وَهُوَ لَا يُوصَفُ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا وُجِدَ حَامِلٌ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّقْرِيرِ) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا قُيِّدَ بِقَيْدَيْنِ يَنْتَفِي بِانْتِفَائِهِمَا وَبِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا، وَالْحَامِلُ عَلَى الْكَذِبِ صُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ مُبَاحًا كَأَنْ يَكُونَ لِلْإِصْلَاحِ أَوْ فِي إنْكَارِ وَدِيعَةٍ مِنْ ظَالِمٍ أَنَّ نَفْيَ الْحَامِلِ عَلَى التَّقْرِيرِ يُغْنِي عَنْ نَفْيِ الْحَامِلِ عَلَى الْكَذِبِ وَعَكْسَهُ؛ لِاسْتِلْزَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْآخَرَ ثُمَّ هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ أَحَدًا عَلَى بَاطِلٍ، وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ،.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ التَّقْرِيرَ لِحَامِلٍ عَلَيْهِ إذَا فُرِضَ وُقُوعُهُ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إلَّا التَّقْرِيرُ عَلَى الْجَائِزِ إذْ التَّقْرِيرُ عَلَى غَيْرِهِ ذَنْبٌ فَهَاهُنَا حُكْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَقْرِيرُهُ عليه الصلاة والسلام.
وَالثَّانِي: دَلَالَةُ التَّقْرِيرِ.
وَالْمُصَنِّفُ تَكَلَّمَ عَلَى الثَّانِي وَسَكَتَ عَنْ الْأَوَّلِ لِعِلْمِ امْتِنَاعِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مَبْنِيًّا عَلَى فَرْضِ وُقُوعِ التَّقْرِيرِ مَعَ امْتِنَاعِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ إلَخْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ إلَّا إذَا أَفَادَ، وَهُوَ خِلَافُ الْقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: إلَى التَّوَاتُرِ) أَيْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ تَصْرِيحٌ بِتَسْمِيَةِ مَا وَرَاءَ نَحْوِ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ خَبَرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَفَادَ الْعِلْمَ) فَإِنْ قِيلَ إدْخَالُ هَذَا تَحْتَ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُنَافِي فَرْضَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ مَظْنُونُ الصِّدْقِ، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ الْمُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ مَظْنُونُ الصِّدْقِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِوَاسِطَةِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْمُسْتَفِيضُ) تَعْرِيضٌ بِمَنْ جَعَلَهُ وَاسِطَةً (قَوْلُهُ: عَنْ أَصْلٍ) أَيْ عَنْ إمَامٍ مُعْتَدٍّ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ عَدَدُ رَاوِيهِ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ أَنَّ الْأَقَلِّيَّةَ مِنْ حَيْثُ تَعَدُّدُ الرِّوَايَاتِ بِاخْتِلَافِ وُجُوهِهَا وَلَا يَدْفَعُ الْوَهْمُ صِيغَةَ التَّذْكِيرِ فِي اثْنَانِ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ عَلَى الْخَبَرَيْنِ (قَوْلُهُ: مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ) يَعْنِي بِهِ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ شَيْخَ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجَمَهُ الْمُصَنِّفِ فِي طَبَقَاتِهِ تَرْجَمَةً وَاسِعَةً وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلِ قَوْلُ الْفَقِيهِ لَا قَوْلُ الْأُصُولِيِّ وَلِهَذَا أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ إلَخْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ كَالْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ اثْنَانِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ عَنْ جَمِيعٍ (قَوْلُهُ:، وَقِيلَ: ثَلَاثَةٌ إلَخْ) الْقَوْلُ