الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا؛ إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ سَهْلٍ إلَى عُسْرٍ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَعْدَ تَسْلِيمِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ وَقَعَ كَنَسْخِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] إلَخْ.
(وَ) يَجُوزُ النَّسْخُ (بِلَا بَدَلٍ) وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ (لَكِنْ لَمْ يَقَعْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ) رضي الله عنه وَقِيلَ وَقَعَ كَنَسْخِ وُجُوبِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} [المجادلة: 12] إلَخْ إذْ لَا بَدَلَ لِوُجُوبِهِ فَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ الْعَامُّ مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ إنْ كَانَ مَضَرَّةً أَوْ إبَاحَةً لَهُ إنْ كَانَ مَنْفَعَةً، قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلْوُجُوبِ بَلْ بَدَلُهُ الْجَوَازُ الصَّادِقُ هُنَا بِالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ.
(مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ)
وَخَالَفَتْ الْيَهُودُ غَيْرَ الْعِيسَوِيَّةِ بَعْضَهُمْ فِي الْجَوَازِ، وَبَعْضَهُمْ فِي الْوُقُوعِ وَاعْتَرَفَ بِهِمَا الْعِيسَوِيَّةُ وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْمُعْتَرِفُونَ بِبَعْثَةِ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ
ــ
[حاشية العطار]
بِتَوَجُّهِ الْكَعْبَةِ وَمِثَالُ الثَّانِي نَسْخُ الْعِدَّةِ بِالْحَوْلِ فِي الْوَفَاةِ بِالْعِدَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ (قَوْلُهُ: إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِي الِانْتِقَالِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا الشِّهَابُ هَذَا لَا يُنَافِي مَا اقْتَضَاهُ الْمَتْنُ فِي الْوَصْفِ بِالثِّقَلِ؛ لِأَنَّ الثَّقِيلَ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَثْقَلِ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: بِعَدَدِ تَسْلِيمِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَوَّلًا رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ؛ إذْ الْحَقُّ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ سَلَّمْنَا رِعَايَةَ الْمَصْلَحَةِ وُجُوبًا فِي الْحِكْمَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الِاعْتِزَالِ أَوْ تَفْصِيلًا إنْ رُوعِيَتْ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْحَقُّ فَلَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَهَا؛ إذْ يَكْفِي فِي رِعَايَتِهَا زِيَادَةُ الثَّوَابِ فِي الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ اهـ. نَجَّارِيٌّ.
قَوْلُهُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة: 184] إلَخْ أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ - بِدُونِ تَقْدِيرِ لَا فِيهَا قَبْلَ يُطِيقُونَهُ لِكَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالْفِدْيَةِ - مَنْسُوخَةٌ بِتَعْيِينِ الصَّوْمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَّا الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ إذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ فَإِنَّهَا بَاقِيَةٌ بِلَا نَسْخٍ فِي حَقِّهِمَا كَمَا قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً فِي حَقِّ الشَّيْخِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَيْنِ عَلَى قِرَاءَةِ يَطُوقُونَهُ أَيْ: يُكَلَّفُونَ بِهِ فَلَا يُطِيقُونَهُ اهـ. زَكَرِيَّا.
وَمَا أَوَّلَ بِهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُعَارِضُهُ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ يُفْطِرُ وَيَفْدِي» حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا، وَفِي رِوَايَةٍ الْمَصْلَحَةُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً، وَهِيَ التَّخْفِيفُ.
(قَوْلُهُ: إذَا نَاجَيْتُمْ) أَيْ الدَّالُّ عَلَيْهِ إذَا نَاجَيْتُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: مِنْ تَحْرِيمٍ لِلْفِعْلِ) وَالْفِعْلُ هُنَا هُوَ التَّصْدِيقُ (قَوْلُهُ: فَيَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَخْ) وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ النَّسْخِ بِلَا بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَدَلٌ لِذَاتِ النَّسْخِ (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ هُنَا) إنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ فِي غَيْرِ مَا هُنَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْوُجُوبَ نَسْخٌ.
[مَسْأَلَةٌ النَّسْخُ وَاقِعٌ عِنْدَ كُلِّ الْمُسْلِمِينَ]
(قَوْلُهُ: وَاقِعٌ) أَيْ وَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْوُقُوعِ الْجَوَازُ (قَوْلُهُ: وَخَالَفَتْ الْيَهُودُ) نَبَّهَ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى أَنَّ حِكَايَةَ خِلَافِ الْيَهُودِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ بِمَا لَا يَلِيقُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فِيمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْإِسْلَامِ وَفِي اخْتِلَافِ الْفِرَقِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَمَّا حِكَايَةُ خِلَافِ الْكُفَّارِ فَالْمُنَاسِبُ لِذِكْرِهَا أُصُولُ الدِّينِ اهـ. كَمَالٌ وَمُخَالَفَةٌ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَوَصَّلُوا إلَى أَنَّ شَرِيعَةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَيِّدِنَا عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لَيْسَا نَاسِخَيْنِ لِشَرِيعَةِ مُوسَى عليه الصلاة والسلام قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي كُلِّيَّاتِهِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ فِرْقَتَانِ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ نَقْلًا تَمَسُّكًا بِأَنَّهُمْ وُجِدُوا فِي التَّوْرَاةِ تَمَسَّكُوا بِالسَّبْتِ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ مُوسَى عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لَا تُنْسَخُ شَرِيعَتِي وَمِنْهُمْ مِنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَقْلًا مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ دَلِيلُ حُسْنِهِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ دَلِيلُ قُبْحِهِ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ النَّسْخِ يُؤَدِّي إلَى الْبَذَاءِ وَالْجَهْلِ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ أَنَّ أَحَدًا لَا يُنْكِرُ اسْتِحْلَالَ الْأَخَوَاتِ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ عليه السلام ثُمَّ حُرِّمَ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام وَجَوَازَ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَنْ هُوَ بَعْضٌ مِنْ الْمَرْءِ فَإِنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ عليه السلام وَحَلَّتْ لَهُ وَالْيَوْمَ حُرِّمَ نِكَاحُ الْجُزْءِ كَنِكَاحِ الْبِنْتِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَجَوَازَ اسْتِرْقَاقِ
لَكِنْ إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً، وَهُمْ الْعَرَبُ (وَسَمَّاهُ أَبُو مُسْلِمٍ) الْأَصْفَهَانِيُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ (تَخْصِيصًا) ؛ لِأَنَّهُ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ الْأَزْمَانِ فَهُوَ تَخْصِيصٌ فِي الْأَزْمَانِ كَالتَّخْصِيصِ فِي الْأَشْخَاصِ (فَقِيلَ: خَالَفَ) فِي وُجُودِهِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ بِاسْمِهِ الْمَشْهُورِ (فَالْخُلْفُ) الَّذِي حَكَاهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مِنْ نَفْيِهِ وُقُوعَهُ (لَفْظِيٌّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ تَخْصِيصًا الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ الْمُتَضَمِّنُ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ إذْ لَا يَلِيقُ بِهِ إنْكَارُهُ كَيْفَ وَشَرِيعَةُ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم مُخَالِفَةٌ فِي كَثِيرٍ لِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ فَهِيَ عِنْدَهُ مُغَيَّاةٌ
ــ
[حاشية العطار]
الْحُرِّ فِي عَهْدِ يُوسُفَ عليه السلام ثُمَّ نُسِخَ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَلِكَ إبَاحَةُ الْعَمَلِ فِي السَّبْتِ قَبْلَ زَمَانِ مُوسَى عليه السلام وَالتَّحْرِيمُ فِي شَرِيعَتِهِ فَإِنَّهُمْ مُوَافِقُونَ فِي أَنَّ حُرْمَةَ الْعَمَلِ فِي السَّبْتِ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام وَقَدْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عِنْدَنَا تَحْرِيفُ التَّوْرَاةِ وَأُرْسِلَتْ رُسُلٌ مِنْ بَعْدِ مُوسَى عليه السلام فَأَيْنَ تَأْيِيدُ شَرِيعَتِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْيَهُودِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِي زَمَنِ بُخْتَنَصَّرَ وَرَوَى أَحْبَارُهُمْ أَنَّ الْعُزَيْرَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ، وَدَفَعَهَا إلَى تِلْمِيذٍ لَهُ لِيَقْرَأَهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَخَذُوهَا عَنْ ذَلِكَ التِّلْمِيذِ، وَبِقَوْلِ الْوَاحِدِ لَا تَثْبُتُ التَّوْرَاةُ
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ التِّلْمِيذَ قَدْ زَادَ فِيهَا شَيْئًا، وَحَذَفَ مِنْهَا شَيْئًا فَكَيْفَ يُوثَقُ بِمَنْ هَذَا سَبِيلُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ نُسَخَ التَّوْرَاةِ ثَلَاثَةٌ كُلُّهَا مُخْتَلِفَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ، وَفِي النُّسَخِ الَّتِي فِي أَيْدِي النَّصَارَى الْوَعْدُ بِخُرُوجِ الْمَسِيحِ وَبِخُرُوجِ الْعَرَبِيِّ صَاحِبِ الْجَمَلِ، وَارْتِفَاعُ تَحْرِيمِ السَّبْتِ عِنْدَ خُرُوجِهِمَا فَمَا نَقَلُوهُ مِنْ تَأْبِيدِ شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام وَتَأْبِيدِ تَحْرِيمِ السَّبْتِ افْتِرَاءٌ عَلَى مُوسَى عليه السلام وَأَقْرَبُ قَاطِعٍ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ لَمْ يَحْتَجَّ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ حِرْصِهِمْ عَلَى رَدِّ قَوْلِهِ، وَلَوْ احْتَجُّوا لَاشْتُهِرَ عَنْهُمْ كَسَائِرِ أُمُورِهِمْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ) إذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُمْ مَبْعُوثًا إلَى بَنِي إسْمَاعِيلَ خَاصَّةً لَا مَعْنَى لِجَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ؛ إذْ شَرِيعَةُ مُوسَى عليه السلام لَيْسَتْ عَامَّةً؛ وَإِنَّمَا هِيَ خَاصَّةٌ بِبَنِي إسْرَائِيلَ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ عَامَّةً، أَوْ خَاصَّةً بِالْعَرَبِ تَأَتَّى النَّسْخُ (قَوْلُهُ: وَسَمَّاهُ) أَيْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي عَبَّرْنَا عَنْهُ بِالنَّسْخِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: كَيْفَ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَةِ أَبِي مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ: فَقِيلَ خَالَفَ فِي وُجُودِهِ) لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ ظَاهِرُهُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَخْ فَالْحَيْثِيَّةُ لِلتَّعْلِيلِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُنْتَسَخُ عَدَمُ وُجُودِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: خَالَفَ فِي وُجُودِهِ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ حَذْفَ قَوْلِهِ: فِي وُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي التَّفْرِيعِ؛ إذْ لَوْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْوُجُودِ لَمْ يَتَأَتَّ جَعْلُ الْخِلَافِ لَفْظِيًّا وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ خَالَفَ هُوَ الْآمِدِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ خِلَافَهُ فِي الْوُجُودِ (قَوْلُهُ: فَالْخُلْفُ لَفْظِيٌّ) مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَسَمَّاهُ أَبُو مُسْلِمٍ - تَخْصِيصًا - الْمُتَضَمِّنَ لِوُجُودِ الْمَعْنَى فَقَوْلُهُ: فَقِيلَ خَالَفَ إلَخْ الْبَيَانُ مُقَابِلُ مَا قَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يُنَاسِبْ التَّرْتِيبَ، وَأُورِدَ أَنَّ الْخُلْفَ الَّذِي هُوَ نَفْيُ الْوُقُوعِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَفْظِيًّا لِلْقَطْعِ بِمُبَايَنَةِ نَفْيِ الْوُقُوعِ لِلْوُقُوعِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْهُ مِنْ نَفْيِ الْوُقُوعِ يَنْبَغِي أَنْ يُصْرَفَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِحَيْثُ يَعُودُ لَفْظِيًّا لِيُوَافِقَ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ تَسْمِيَةِ تَخْصِيصِهِ الْمُتَضَمِّنِ ذَلِكَ الِاعْتِرَافَ بِوُجُودِهِ
(قَوْلُهُ: مِنْ نَفْيِهِ وُقُوعَهُ) فِيهِ أَنَّ الْمُقَابِلَ لِنَفْيِ الْوُقُوعِ الثُّبُوتُ، وَالْمُقَابَلَةُ بَيْنَهُمَا حَقِيقِيَّةٌ فَلَا يَكُونُ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْخِلَافُ فِي الْوُقُوعِ وَالْوُجُودِ بِاعْتِبَارِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ عِبَارَتِهِ وَكَوْنِهِ لَفْظِيًّا بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: الْمُتَضَمِّنُ إلَخْ) الْأَوْلَى أَخْذُ هَذَا مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَلِيقُ إنْكَارُهُ إلَخْ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: إنَّ النِّزَاعَ لَيْسَ فِي إطْلَاقِ لَفْظِ النَّسْخِ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَقَدْ وَرَدَ التَّنْزِيلُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي وُرُودِ نَصٍّ يَقْتَضِي حُكْمًا مُخَالِفًا لِمَا يَقْتَضِيهِ نَصٌّ سَابِقٌ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى تَوْقِيتٍ بَلْ جَازَ عَلَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْهُ التَّأْبِيدُ؛ وَلِذَا كَانَ تَفَصِّي الْمُخَالِفَ عَنْ ارْتِفَاعِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً إلَى ظُهُورِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ عليه الصلاة والسلام لَا مُطْلَقَةً يُفْهَمُ مِنْهَا لَا التَّأْبِيدُ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} [البقرة: 106] الْآيَةَ لَا يُنَافِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَهِيَ)
إلَى مَجِيءِ شَرِيعَتِهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذَا كُلُّ مَنْسُوخٍ فِيهَا مُغَيًّا عِنْدَهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى وُرُودِ نَاسِخِهِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ فَنَشَأَ مِنْ هُنَا تَسْمِيَةُ النَّسْخِ تَخْصِيصًا وَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِي وُجُودِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
(وَالْمُخْتَارُ أَنَّ نَسْخَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ) لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا بِانْتِفَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: يَبْقَى؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ لَهُ لَا مُثْبِتٌ وَسُلِّمَ فِي قَوْلِهِ لَا يَبْقَى مِنْ التَّسَمُّحِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ نَسْخٌ لِحُكْمِ الْفَرْعِ.
(وَ) الْمُخْتَارُ (أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَقْبَلُ النَّسْخَ) فَيَجُوزُ نَسْخُ كُلِّ الْأَحْكَامِ وَبَعْضِهَا أَيَّ بَعْضٍ كَانَ (وَمَنَعَ الْغَزَالِيُّ) كَالْمُعْتَزِلَةِ (نَسْخَ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ) لِتَوَقُّفِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ النَّسْخِ وَالنَّاسِخِ وَهِيَ مِنْ التَّكْلِيفِ وَلَا يَتَأَتَّى نَسْخُهَا قُلْنَا مُسَلَّمٌ ذَلِكَ لَكِنْ بِحُصُولِهَا يَنْتَهِي التَّكْلِيفُ بِهَا فَيَصْدُقُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ تَكْلِيفٌ وَهُوَ الْقَصْدُ بِنَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ فَلَا نِزَاعَ فِي الْمَعْنَى (وَ) مَنَعَتْ (الْمُعْتَزِلَةُ نَسْخَ وُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ) أَيْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ حَسَنَةٌ لِذَاتِهَا لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ فَلَا يَقْبَلُ حُكْمُهُمَا النَّسْخَ قُلْنَا الْحَسَنُ الذَّاتِيُّ بَاطِلٌ (وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ)
ــ
[حاشية العطار]
أَيْ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَهُ وَأَفَادَ بِهَذَا أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَنَا فَإِنْ قُلْت التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ: عِنْدَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُغَيَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ مَا ذُكِرَ مُغَيَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ إلَى مَا ذُكِرَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الِاخْتِلَافُ فِيهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ فَاَلَّذِي يَخُصُّهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمُغَيَّا فِي الْعِلْمِ كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ حَتَّى جَعَلَهُمَا تَخْصِيصًا (قَوْلُهُ: كَالْمُغَيَّا فِي اللَّفْظِ) أَيْ وَهُوَ يُسَمَّى تَخْصِيصًا فَانْفَصَلَ عَنْ غَيْرِهِ بِهَذَا الْقِيَاسِ (قَوْلُهُ: فَنَشَأَ مِنْ هُنَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ: كَالْمُغَيَّا إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ) أَيْ اعْتِبَارِهَا فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً (قَوْلُهُ: لَا يَبْقَى إلَخْ) يُشْكِلُ عَلَيْهِ جَوَازُ نَسْخِ الْأَصْلِ دُونَ الْفَحْوَى كَمَا تَقَدَّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا قِيَاسِيَّةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَحْوَى أَقْوَى مِنْ ثُبُوتِهِ هُنَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ (قَوْلُهُ: الَّتِي يَثْبُتُ بِهَا) أَيْ يَثْبُتُ حُكْمُ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: لَا مُثْبِتَ) فَلَا لَزِمَ مِنْ انْتِفَائِهِ حُكْمُ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ) أَيْ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّسَمُّحِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ) لِإِيهَامِهِ أَنَّ النَّسْخَ وَرَدَ عَلَى الْفَرْعِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ وَارِدٌ عَلَى الْفَرْعِ بِالتَّبَعِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ نَسْخُ كُلِّ الْأَحْكَامِ) أَيْ وَتَبْقَى الْأَشْيَاءُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ (قَوْلُهُ: الْمَقْصُودُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ النَّسْخِ صِفَةً لِلْعِلْمِ؛ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ أَنْ يَعْلَمَ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ مَعْرِفَةُ النَّسْخِ وَالنَّاسِخِ (قَوْلُهُ: مِنْ التَّكَالِيفِ) أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْمُكَلَّفِ بِهَا لِتَوَقُّفِ الْعِلْمِ الْمُكَلَّفِ بِهِ عَلَيْهَا وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ: وَيَتَأَتَّى نَسْخُهَا إلَخْ) وَإِلَّا ضَاعَتْ الثَّمَرَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ النَّسْخِ وَهُوَ الْعِلْمُ (قَوْلُهُ: مُسَلَّمٌ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ الْعِلْمَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي النَّسْخِ (قَوْلُهُ: بِحُصُولِهَا) أَيْ الْمَعْرِفَةِ التَّكْلِيفِيَّةِ (قَوْلُهُ: يَنْتَهِي التَّكْلِيفُ بِهَا) ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ لَمْ تُقَيَّدْ بِدَوَامٍ فَيَصْدُقُ بِوُقُوعِهَا مَرَّةً ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَسْخَ الْجَمِيعِ بِخِطَابٍ حَتَّى يَلْزَمَ الدَّوْرُ أَوْ التَّسَلْسُلُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنْ التَّكَالِيفِ فَيَحْتَاجُ نَسْخُهُ لِخِطَابٍ، وَهَكَذَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْقَصْدُ بِنَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ) أَيْ فَفِي دَعْوَى نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ تَغَلُّبٌ فَإِنَّ بَعْضَهَا نُسِخَ وَبَعْضُهَا لَمْ يَبْقَ التَّكْلِيفُ بِهِ فَيُسَمَّى الْكُلُّ نَسْخًا تَغْلِيبًا فَلَا نِزَاعَ فِي الْمَعْنَى فَإِنَّ الْقَائِلَ نَسَخَ جَمِيعَ التَّكَالِيفِ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ لَا يَبْقَى تَكْلِيفٌ مِنْ التَّكَالِيفِ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا عَدَا الْمَعْرِفَتَيْنِ بِطَرِيقِ النَّسْخِ، وَفِيهِمَا بِطَرِيقِ الِانْتِهَاءِ وَالِانْقِطَاعِ، وَمُرَادُ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْلًا ارْتِفَاعُهَا كُلُّهَا بِطَرِيقِ النَّسْخِ، وَإِنْ جَازَ انْقِطَاعُ التَّكْلِيفِ فِي الْبَعْضِ بِانْتِهَائِهِ وَانْقِضَائِهِ اهـ. نَجَّارٌ.
(قَوْلُهُ: أَيْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ الْعِلْمِ بِوُجُودِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَجَمِيعِ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ (قَوْلُهُ: الْحُسْنُ الذَّاتِيُّ بَاطِلٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ
لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَسْخِ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ وَوُجُوبِ الْمَعْرِفَةِ
(وَالْمُخْتَارُ أَنَّ النَّاسِخَ قَبْلَ تَبْلِيغِهِ صلى الله عليه وسلم الْأُمَّةَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ) لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ (وَقِيلَ يَثْبُتُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ لَا) بِمَعْنَى (الِامْتِثَالِ) كَالنَّائِمِ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَ التَّبْلِيغِ يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَهُ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِمَّنْ تَمَكَّنَ مِنْ عِلْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَعَلَى الْخِلَافِ (أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ) كَزِيَادَةِ رَكْعَةٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ صِفَةٍ فِي رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ كَالْإِيمَانِ أَوْ جَلْدَاتٍ فِي جَلْدِ حَدٍّ فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِالْوُقُوعِ فَلَامُهُ مُقَوِّيَةٌ لَا تَعْلِيلِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ تَبْلِيغِهِ صلى الله عليه وسلم) أَيْ لِلنَّاسِخِ وَبَعْدَ بُلُوغِهِ لِجِبْرِيلَ فَيَصْدُقُ ذَلِكَ بِمَا قَبْلَ بُلُوغِ النَّاسِخِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَبِمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ لَهُ وَقَبْلَ نُزُولِهِ إلَى الْأَرْضِ كَمَا فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ مِنْ رَفْعِ فَرْضِيَّةِ خَمْسِينَ صَلَاةً بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ، وَبِمَا بَعْدَ نُزُولِهِ إلَى الْأَرْضِ، وَقَبْلَ تَبْلِيغِهِ لِلْأُمَّةِ فَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي الْجَمِيعِ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْخَمْسَ فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ نَاسِخَةٌ لِلْخَمْسِينَ هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَسْخٌ فِي حَقِّ النَّبِيِّ لِبُلُوغِهِ لَهُ، وَكَلَامُنَا فِي النَّسْخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ اهـ. زَكَرِيَّا.
وَفِي سم حِكَايَةُ قَوْلٍ بِأَنَّهُ نَسْخٌ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حُكْمُ الْمَنْسُوخِ ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ نَسْخِ الْخَمْسِينَ إلَى الْخَمْسِ يُحْتَمَلُ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَفْعَ التَّعَلُّقِ بِالْجُمْلَةِ مَعَ إثْبَاتِ التَّعَلُّقِ بِبَعْضِهَا فَيَكُونُ الْمَنْسُوخُ فِي الْحَقِيقَةِ مَا عَدَا الْخَمْسَ مِنْ الْخَمْسِينَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَفْعَ التَّعَلُّقِ بِجَمِيعِ الْخَمْسِينَ، وَإِثْبَاتَ تَعَلُّقٍ جَدِيدٍ بِالْخَمْسِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَثْبُتُ إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مَا قَبْلَ بُلُوغِ النَّاسِخِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ صَحَّ إرَادَةُ هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ؛ إذْ لَا يَسَعُ الْقَوْلُ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ حِينَئِذٍ اهـ. سم.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ) أَيْ تَقْرِيرِ الْمَطْلُوبِ وَثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي النَّائِمِ) فِيهِ أَنَّ النَّائِمَ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي نَعْتِهِ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ (قَوْلُهُ: فَعَلَى الْخِلَافِ) أَيْ السَّابِقِ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ (قَوْلُهُ: أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ إلَخْ) قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: الزِّيَادَةُ إنْ كَانَتْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً كَزِيَادَةِ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ مَثَلًا فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ نَسْخًا، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَقِلِّ وَمَثَّلُوا لَهُ بِزِيَادَةِ جُزْءٍ أَوْ شَرْطٍ أَوْ زِيَادَةِ مَا يَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ نَسْخٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ
الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِنَسْخٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ
الثَّالِثُ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فَنَسْخٌ وَإِلَّا لَا
الرَّابِعُ: إنْ غَيَّرَتْ الزِّيَادَةُ الْمَزِيدَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ صَارَ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ شَرْعًا فَنَسْخٌ وَإِلَّا فَلَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَالْمُعْتَزِلَةُ
الْخَامِسُ: إنْ اتَّحَدَتْ الزِّيَادَةُ مَعَ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَرْتَفِعُ التَّعَدُّدُ وَالِانْفِصَالُ بَيْنَهُمَا فَنَسْخٌ وَإِلَّا فَلَا
السَّادِسُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ إنْ رَفَعَتْ حُكْمًا شَرْعِيًّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَنَسْخٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ إنَّمَا ذُكِرَ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ وَالتَّأْكِيدِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: رَفَعْت أَوْ ثُبُوتِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ الْوَاقِعَةَ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَا تَكُونُ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَكَذَا ثُبُوتُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا يَصْلُحُ نَاسِخًا هَذَا تَفْصِيلُ الْمَذَاهِبِ عَلَى مَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ زِيَادَةَ عِبَادَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَانِسَةً كَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ أَوْ غَيْرَ مُجَانِسَةٍ كَزِيَادَةِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَيْسَتْ نَسْخًا فِي الثَّانِيَةِ إجْمَاعًا، وَلَا فِي الْأُولَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: هِيَ نَسْخٌ؛ لِأَنَّهَا تُغَيِّرُ الْوَسَطَ فَتُغَيِّرُ الصَّلَاةَ الْمَأْمُورَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا فِي أَنَّهُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوُسْطَى فِي الْآيَةِ لَيْسَتْ مِنْ الْوَسَطِ فِي الْعَدَدِ بَلْ هِيَ عَلَمٌ عَلَى صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهِيَ مِنْ الْوَسَطِ بِمَعْنَى الْخِيَارِ، وَالْفَاضِلُ لَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ صَلَاةٍ، وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَنْ دَلِيلِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ لَا عَنْ مُدَّعِي الْخَصْمِ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ
لِلْمَزِيدِ عَلَيْهِ (خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ) فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهَا نَسْخٌ (وَمَثَارُهُ) أَيْ الْمَحَلُّ الَّذِي ثَارَ مِنْهُ الْخِلَافُ مَا يُقَالُ (هَلْ رَفَعَتْ) الزِّيَادَةُ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَعِنْدَنَا لَا فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ وَعِنْدَهُمْ نَعَمْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِمَا دُونَهَا اقْتَضَى تَرْكَهَا فَهِيَ رَافِعَةٌ لِذَلِكَ الْمُقْتَضَى قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اقْتِضَاءَ تَرْكِهَا وَالْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ غَيْرُهُ وَبَنَوْا
ــ
[حاشية العطار]
كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّ مُدَّعَاهُ نَسْخُ الزِّيَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي زِيَادَةِ صَلَاةٍ سَادِسَةٍ فَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ.
وَأُجِيبَ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُبْطِلُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْوُسْطَى، وَإِنَّمَا تُبْطِلُ كَوْنَهَا وُسْطَى وَلَيْسَ حُكْمًا شَرْعِيًّا اهـ.
(قَوْلُهُ: مَا يُقَالُ) قَدْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَقَعُ خَبَرًا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَعِنْدَنَا لَا) لِأَنَّ مَزِيدًا عَلَيْهِ مَا زَالَ مَشْرُوعًا وَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَهِيَ رَافِعَةٌ) أَيْ النَّصُّ الْمُثْبِتُ لَهَا رَافِعٌ لِذَلِكَ الْمُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ أَيْ لِحُكْمِهِ (قَوْلُهُ: وَالْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ غَيْرُهُ) أَيْ كَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ؛ إذْ الْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْقَدْرِ الزَّائِدِ وَكَعُمُومِ تَحْرِيمِ الْإِيذَاءِ لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ