الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَالْفَارِقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ الْخَارِقُ مَا لَوْ قِيلَ بِتَوْرِيثِ الْعَمَّةِ دُونَ الْخَالَةِ أَوْ الْعَكْسُ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَوْرِيثِهِمْ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَوْ فِي عَدَمِهِ كَوْنُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَتَوْرِيثُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى خَارِقٌ لِلِاتِّفَاقِ، وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ غَيْرِ الْخَارِقِ مَا قِيلَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ دُونَ الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَقَدْ قِيلَ تَجِبُ فِيهِمَا وَقِيلَ لَا تَجِبُ فِيهِمَا فَالْمُفَصِّلُ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَصِّلْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ.
(وَ) عُلِمَ مِنْ
حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ
(أَنَّهُ يَجُوزُ إحْدَاثُ دَلِيلٍ) لِحُكْمٍ أَيْ إظْهَارُهُ (أَوْ تَأْوِيلٍ) لِدَلِيلٍ لِيُوَافِقَ غَيْرَهُ (أَوْ عِلَّةٍ) لِحُكْمٍ غَيْرِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ وَالْعِلَّةِ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمَذْكُورَاتِ (إنْ لَمْ يَخْرِقْ) مَا ذُكِرَ مَا ذَكَرُوهُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَقَهُ بِأَنْ قَالُوا لَا دَلِيلَ وَلَا تَأْوِيلَ وَلَا عِلَّةَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ إحْدَاثُ مَا ذُكِرَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَوَعَّدِ عَلَى اتِّبَاعِهِ فِي الْآيَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ مَا خَالَفَ سَبِيلَهُمْ لَا مَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ كَمَا نَحْنُ فِيهِ.
(وَ) عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَخْرِقُوهُ
ــ
[حاشية العطار]
قَوْلُهُ: فَالْفَارِقُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالْعَمْدِ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يُخْرَقْ الْإِجْمَاعُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْرِقَاهُ بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ لَمْ يَخْرِقَاهُ لِعَدَمِ وُجُودِهِ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ
(قَوْلُهُ: وَمِثَالُ التَّفْصِيلِ الْخَارِقِ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ الْخَرْقَ قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ بِأَنْ تَتَّحِدَ عِلَّةُ الْخِلَافِ كَمَا فِي مِثَالِ التَّوْرِيثِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَوْنُهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَاتِّحَادُهَا بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْإِمَامُ فَصَارَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ لَا تَفْصِلُوا بَيْنَهَا وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ امْتَنَعَ التَّفْصِيلُ بِلَا نِزَاعٍ اهـ. سم
فَعُلِمَ أَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ هُنَا هُوَ الْعِلَّةُ (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّفَاقِهِمْ إلَخْ) قَيَّدَ بِهِ دَفْعًا لِمَا عَسَى أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّفْصِيلُ لَيْسَ خَارِقًا؛ لِأَنَّ الْمُفَصِّلَ مُوَافِقٌ لِمَنْ لَمْ يُفَصِّلْ فِي بَعْضِ مَا قَالَهُ (قَوْلُهُ: خَارِقٌ لِلِاتِّفَاقِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَلِّلَ بِغَيْرِ مَا عَلَّلُوا بِهِ فَقَدْ خَرَقَ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْإِرْثِ أَوْ عَدَمِهِ كَوْنُهُمَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ غَيْرُ خَارِقٍ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ التَّفْصِيلِ الَّذِي يَلِيهِ إذْ هُوَ أَخَذَ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ طَرَفًا فَلَمْ يَكُنْ خَارِقًا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَا سَبَقَ.
[حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ]
(قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ إلَخْ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى حُكْمٍ أَوْ دَلِيلٍ (قَوْلُهُ: إنَّهُ يَجُوزُ إحْدَاثُ دَلِيلٍ إلَخْ) كَأَنْ أُجْمِعَ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى النِّيَّةِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] ، ثُمَّ قَالَ شَخْصٌ إنَّ الدَّلِيلَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَبَحَثَ فِيهِ سم بِأَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَ حُرْمَةِ الْخَرْقِ وَجَوَازِ الْإِحْدَاثِ الْمَذْكُورِ لِيَكُونَ الثَّانِي مَعْلُومًا مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحْرُمَ الْإِحْدَاثُ الْغَيْرُ الْخَارِقِ لِمَعْنًى يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ حَرَامًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْخَرْقِ جَوَازُ مَا لَا خَرْقَ فِيهِ إلَّا لِمُقْتَضٍ آخَرَ وَلَا مُقْتَضِيَ هَاهُنَا فِي الْوَاقِعِ أَوْ بِالنَّظَرِ لِلْأَصْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ إظْهَارُهُ) نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمُحْدَثَ إظْهَارُ الدَّلِيلِ لَا الدَّلِيلُ نَفْسُهُ وَالْمُرَادُ إظْهَارُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَأْوِيلٍ) كَمَا إذَا قَالَ الْمُجْمِعُونَ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ» أَنَّ تَأْوِيلَهُ عَدَمُ التَّهَاوُنِ بِالسَّبْعِ بِأَنْ يُنْقَصَ عَنْهَا فَلَوْ أَوَّلَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ التُّرَابَ لَمَّا صَحِبَ السَّابِعَةَ صَارَ كَأَنَّهُ ثَامِنَةٌ كَانَ صَحِيحًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ عِلَّةٍ) كَأَنْ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي الرِّبَا فِي الْبُرِّ الِافْتِيَاتَ وَجَعَلَ آخَرُونَ بَعْدَهُمْ الْعِلَّةَ الِادِّخَارَ فَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُوَافِقَةٌ (قَوْلُهُ: غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ تَعَبُّدِيًّا فَيَظْهَرُ لَهُ عِلَّةٌ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَيَّدُ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرُوهُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْمُتَوَعَّدَ عَلَيْهِ إلَخْ) فَالتَّوَعُّدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْعَدَمِ لَا عَلَى عَدَمِ الْقَوْلِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
(قَوْلُهُ: الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ اتَّفَقَ الْمُعْتَبَرُونَ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَمَقْصُودُ هَذَا التَّقْيِيدِ الِاحْتِرَازُ عَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعْتَبَرُونَ فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا كَالسُّكُوتِيِّ وَمَا نَدُرَ مُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا مِنْ الْأَئِمَّةِ لَا يُبَالِي بِخَرْقِهِ وَلِأَنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ اهـ كَمَالٌ.
وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ
(أَنَّهُ يَمْتَنِعُ ارْتِدَادُ الْأُمَّةِ) فِي عَصْرٍ (سَمْعًا) لِخَرْقِهِ إجْمَاعَ مَنْ قَبْلَهُمْ عَلَى وُجُوبِ اسْتِمْرَارِ الْإِيمَانِ، وَالْخَرْقُ يَصْدُقُ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ كَمَا يَصْدُقُ الْإِجْمَاعُ بِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِهِمْ سَمْعًا (الصَّحِيحُ) لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ» وَقِيلَ يَجُوزُ ارْتِدَادُهُمْ شَرْعًا كَمَا يَجُوزُ عَقْلًا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ صِدْقِ الْأُمَّةِ وَقْتَ الِارْتِدَادِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ مَا يَضِلُّونَ بِهِ الصَّادِقَ بِالِارْتِدَادِ (لَا اتِّفَاقُهَا) أَيْ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ (عَلَى جَهْلِ مَا) أَيْ شَيْءٍ (لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ) بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْهُ كَالتَّفْضِيلِ بَيْنَ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ (عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْخَطَأِ) فِيهِ وَقِيلَ يَمْتَنِعُ وَإِلَّا كَانَ الْجَهْلُ سَبِيلًا لَهَا فَيَجِبُ اتِّبَاعُهَا فِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ سَبِيلٌ لَهَا
ــ
[حاشية العطار]
إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَادِيٌّ؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ عَادِيٌّ وَالْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْمُقَابِلِ أَنَّهُ سَمْعِيٌّ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ سَمْعًا وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ إذْ الْمُرَادُ الشَّأْنُ الْمَأْخُوذُ مِنْ السَّمْعِ وَأَيْضًا كَوْنُ شَأْنِهِمْ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الثُّبُوتَ بِالسَّمْعِ (قَوْلُهُ: وَالْخَرْقُ يَصْدُقُ بِالْفِعْلِ) دُفِعَ بِهِ مَا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِارْتِدَادِ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ (قَوْلُهُ: إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) أَيْ لَا يُهَيِّئُهُمْ لَهَا وَلَا يُقْدِرُهُمْ عَلَيْهَا لِيَنْتِجَ الِاسْتِحَالَةَ.
وَأَوْرَدَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ ارْتِدَادِ جَمِيعِ الْأَئِمَّةِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِجْمَاعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُرْمَةَ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ بِوَاسِطَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَصَارَ هُوَ الدَّلِيلُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا لِلنَّاصِرِ هُنَا مِنْ الْبَحْثِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ امْتِنَاعُ الِارْتِدَادِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَجُوزُ ارْتِدَادُهُمْ شَرْعًا) أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَلَى الِاسْتِحَالَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الرِّدَّةَ تَجُوزُ فِي الشَّرْعِ إذْ هِيَ مَمْنُوعَةٌ شَرْعًا (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ صِدْقِ الْأُمَّةِ وَقْتَ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ بِارْتِدَادِهِمْ خَرَجُوا عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّةً (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ اسْمَ الْأُمَّةِ صَادِقٌ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الِارْتِدَادِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعٌ عَلَى ضَلَالَةٍ وَالْحَدِيثُ يَنْفِيهِ اهـ زَكَرِيَّا
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يُوجَدَ إلَخْ) فِيهِ رَمْزٌ إلَى التَّأْوِيلِ السَّابِقِ فِي الْحَدِيثِ فَيُرَادُ هُنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ نَعْلَمْهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَهْلُ الْبَسِيطُ لَا الْمُرَكَّبُ (قَوْلُهُ: كَالتَّفْضِيلِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّفَاضُلُ الَّذِي هُوَ أَثَرُهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعْلَمُ.
وَأَمَّا التَّفْضِيلُ فَلَا عِلْمَ بِهِ، ثُمَّ هُوَ تَنْظِيرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِثَالٌ لِمَا لَمْ تُكَلَّفْ بِهِ (قَوْلُهُ: فَيَجِبُ اتِّبَاعُهَا فِيهِ) أَيْ بِآيَةِ {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} [النساء: 115] إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِمَنْعِ إلَخْ)
لِأَنَّ سَبِيلَ الشَّخْصِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَعَدُّ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا اتِّفَاقُهَا عَلَى جَهْلِ مَا كُلِّفَتْ بِهِ فَيَمْتَنِعُ قَطْعًا (وَفِي انْقِسَامِهَا فِرْقَتَيْنِ) فِي كُلٍّ مِنْ مَسْأَلَتَيْنِ مُتَشَابِهَتَيْنِ (كُلٌّ) مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ (مُخْطِئٌ فِي مَسْأَلَةٍ) مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ. (تَرَدُّدُ) الْعُلَمَاءِ (مَثَارُهُ هَلْ أَخْطَأْت) نَظَرًا إلَى مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَيَمْتَنِعُ مَا ذُكِرَ لِانْتِفَاءِ الْخَطَأِ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ أَوْ لَمْ يُخْطِئْ إلَّا بَعْضُهَا نَظَرًا إلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَرَجَّحَهُ الْآمِدِيُّ وَقَالَ إنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ. (وَ) عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَخْرِقُوهُ (أَنَّهُ لَا إجْمَاعَ يُضَادُّ إجْمَاعًا سَابِقًا خِلَافًا لِلْبَصْرِيِّ) أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي تَجْوِيزِهِ ذَلِكَ قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْأَوَّلِ مُغَيًّا بِوُجُودِ الثَّانِي
ــ
[حاشية العطار]
لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الْجَهْلِ الْبَسِيطِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَكَّبَ يَضُرُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِهِ لَا يَضُرُّ الْجَهْلُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ سَبِيلَ الشَّخْصِ مَا يَخْتَارُهُ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَ الْجَهْلَ (قَوْلُهُ: عَلَى جَهْلِ مَا كُلِّفَتْ بِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا كُلِّفَتْ بِهِ فِي الْحَالِ وَإِلَّا فَقَدْ يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُجْتَهِدِينَ أَحْكَامٌ لَمْ تَكُنْ عَلَى زَمَنِ الصَّحَابَةِ كَمَا وَقَعَ لِلْمُجْتَهِدِينَ فَلَوْ أُرِيدَ مَا هُوَ أَعَمُّ لَلَزِمَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَلَى جَهْلِ مَا كُلِّفَتْ بِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عِلْمُ الْمَسَائِلِ بِالْفِعْلِ.
وَأَمَّا لَوْ اكْتَفَيْنَا بِالْمَلَكَةِ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: فِي انْقِسَامِهَا) أَيْ وَفِي جَوَازِ انْقِسَامِهَا فِرْقَتَيْنِ كُلُّ فِرْقَةٍ مُخْطِئَةٌ فِي مَسْأَلَةٍ مُخَالِفَةٍ لِأُخْرَى كَاتِّفَاقِ فِرْقَةٍ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبٌ وَفِي الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَالْفِرْقَةِ الْأُخْرَى عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَمَحَلُّ الْخَطَأِ وَعَدَمِهِ إذَا كَانَ الصَّوَابُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ وَلِلْفَائِتَةِ أَوْ عَدَمَهُ فِيهِمَا فَإِذَا نُظِرَ إلَى مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَدْ أَخْطَأَتْ الْأُمَّةُ؛ لِأَنَّهَا اتَّفَقَتْ عَلَى مُطْلَقِ خَطَأٍ وَإِذَا نُظِرَ إلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ عَلَى حِدَتِهَا لَمْ يَكُنْ جَمِيعُهُمْ مُخْطِئًا نَظَرًا إلَى خُصُوصِ الْخَطَأِ فَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى خَطَأٍ بِخُصُوصِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّوَابُ الْوُجُوبُ فِيهِمَا، وَقَالَتْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ وَبِعَدَمِهِ فِي الْفَائِتَةِ فَقَدْ أَخْطَأَتْ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَائِتَةِ، وَإِذَا قَالَتْ الْأُخْرَى بِالْعَكْسِ فَقَدْ أَخْطَأَتْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوُضُوءِ فَلَمْ يَجْتَمِعُوا عَلَى خَطَأٍ بِعَيْنِهِ، وَإِذَا نُظِرَ إلَى مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى مُطْلَقِ خَطَأٍ
(قَوْلُهُ: نَظَرًا إلَى مَجْمُوعِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا نُظِرَ إلَى مَجْمُوعِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُنْضَمَّةً إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى كَانَ الْجَمِيعُ مُخْطِئًا، وَإِذَا نُظِرَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا عَنْ الْأُخْرَى نَجِدُ الْمُخْطِئَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا فَقَطْ هُوَ الْبَعْضُ وَفِي الْأُخْرَى فَقَطْ هُوَ الْبَعْضُ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ لُزُومُ كَوْنِ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ مُصِيبًا دَائِمًا وَغَيْرِهِ مُخْطِئًا دَائِمًا (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ الْخَطَأِ عَنْهَا بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ) فِيهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ الضَّلَالَةُ وَخَطَأُ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ ضَلَالًا بَلْ هُمْ مَأْجُورُونَ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ وَلَوْ أَخْطَئُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا الْخَطَأَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ ضَلَالًا (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا إجْمَاعٌ يُضَادُّ إجْمَاعًا) أَيْ لَا يَجُوزُ إجْمَاعٌ عَلَى حُكْمٍ أُجْمِعَ عَلَى