الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الْأَيْمَانِ)
ذَكَرَهَا عَقِيبَ الْعَتَاقِ لِمُنَاسَبَتِهَا لَهُ فِي عَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ وَالْإِكْرَاهِ فِيهِمَا (الْيَمِينُ) لُغَةً: الْقُوَّةُ، وَشَرْعًا:(تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى) نَحْوَ: وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا (أَوْ التَّعْلِيقُ) يَعْنِي تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ نَحْوَ إنْ فَعَلْت فَكَذَا أَوْ إنْ لَمْ أَفْعَلْ فَكَذَا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَقْوِيَةُ عَزْمِ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ وَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ (وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ) الْقِسْمِ (الْأَوَّلِ ثَلَاثَةٌ) أَيْ الْأَيْمَانُ الَّتِي اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْأَحْكَامَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ وَإِلَّا فَمُطْلَقُ الْيَمِينِ أَكْثَرُ مِنْهَا كَالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي صَادِقًا، وَالْمُرَادُ بِتَرَتُّبِ أَلِأَحْكَامِ عَلَيْهَا تَرَتُّبُ الْمُؤَاخَذَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الْغَمُوسِ وَعَدَمُهَا عَلَى اللَّغْوِ، وَالْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُنْعَقِدَةِ إحْدَاهَا الْيَمِينُ (الْغَمُوسُ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّارِ فِي الْعُقْبَى (وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى كَذِبٍ يَعْلَمُ كَذِبَهُ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَظَنَّ صِدْقَهُ تَكُونُ لَغْوًا كَمَا سَيَأْتِي (كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا عَالِمًا بِفِعْلِهِ وَوَاللَّهِ مَا لَهُ عَلَى دَيْنٌ عَالِمًا بِخِلَافِهِ وَوَاللَّهِ إنَّهُ زَيْدٌ عَالِمًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ) الْمَشْهُورُ فِي عِبَارَةِ الْقَوْمِ أَنَّ الْغَمُوسَ حَلِفٌ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مَاضٍ كَاذِبًا عَمْدًا، وَقَدْ صَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ وَالْمُضِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ هُوَ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ وَإِيرَادُ الْمِثَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكَلُّفٍ ارْتَكَبَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْت إذَا قِيلَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا حَجَرٌ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذَا الْحَلِفُ عَلَى الْفِعْلِ قُلْت يُقَدَّرُ كَلِمَةُ كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ أُرِيدَ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الْمَاضِي أَوْ الِاسْتِقْبَالِ فِي هَذَا الْحَلِفِ بَاطِلٌ لِتَعَيُّنِ إرَادَةِ الْحَالِ فَتَدَبَّرْ.
وَبَيَّنَ حُكْمَ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]
[أَنْوَاع الْيَمِين]
(قَوْلُهُ: الْيَمِينُ لُغَةً الْقُوَّةُ) قَالَ الْكَمَالُ: لَفْظُ الْيَمِينِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ لُغَةً
(تَنْبِيهٌ) : لِبَيَانِ مَفْهُومِهِ وَسَبَبِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ فَأَمَّا مَفْهُومُهُ اللُّغَوِيُّ فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ بَعْدَهَا خَبَرِيَّةٌ وَتَرْكُ لَفْظِ أُولَى يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ: زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ، وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ، وَجُمْلَةٌ أَعَمُّ مِنْ الْفِعْلِيَّةِ، كَحَلَفْت بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ أَحْلِفُ، وَالِاسْمِيَّةِ مُقَدَّمَةِ الْخَبَرِ: كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مُؤَخَّرَتِهِ نَحْوَ: لَعَمْرُك لَأَفْعَلَنَّ، وَهُوَ مِثَالٌ أَيْضًا لِغَيْرِ الْمُصَرَّحِ بِجُزْأَيْهَا وَمِنْهُ وَاَللَّهِ وَتَاللَّهِ فَإِنَّ الْحَرْفَ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ الْفِعْلِ وَأَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ: الْحَلِفُ، وَالْقَسَمُ، وَالْعَهْدُ، وَالْمِيثَاقُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْيَمِينُ.
وَخَرَجَ بِإِنْشَائِيَّةٍ نَحْوُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِإِنْشَاءٍ فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا لُغَةً وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَانْفِرَادِ اللُّغَوِيِّ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يَعْظُمُ وَانْفِرَادِ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي التَّعْلِيقَاتِ ثُمَّ قِيلَ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ.
وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ وَرُكْنُهَا: اللَّفْظُ الْخَاصُّ وَشَرْطُهَا: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ وَحُكْمُهَا الَّذِي يَلْزَمُ وُجُودَهَا وُجُوبُ الْبِرِّ فِيمَا إذَا انْعَقَدَتْ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ فَيَثْبُتُ وُجُوبَانِ لِأَمْرَيْنِ الْفِعْلِ، وَالْبِرِّ، وَوُجُوبُ الْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى ضِدِّهِمَا، وَنَدْبُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ جَائِزًا وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الْحِنْثُ أَوْ يَحْرُمُ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْبَحْرِ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْعًا تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ) الْأَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَنْزِ تَقْوِيَةُ أَحَدِ طَرَفَيْ الْخَبَرِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ لِشُمُولِهِ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ وَلِكَوْنِ التَّقْوِيَةِ لِمُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ لَا ذَاتِ الْخَبَرِ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْلِيقُ) عَطْفٌ عَلَى تَقْوِيَةِ الْخَبَرِ يُوَضِّحُهُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَأَمَّا مَفْهُومُهُ الِاصْطِلَاحِيُّ، فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ مُقْسَمٌ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ يُؤَكَّدُ بِهَا مَضْمُونُ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا أَوْ تَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا فَدَخَلَتْ بِقَيْدِ ظَاهِرًا الْغَمُوسُ أَوْ الْتِزَامِ مَكْرُوهٍ كَفَّرَ أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيُمْنَعَ عَنْهُ أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ فَدَخَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ مِثْلَ: إنْ فَعَلَ فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ مَنْ دَخَلَتْ لِمَنْعِ نَفْسِهِ وَبِكَسْرِهَا لِمَنْعِهَا أَيْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ بَشَّرْتنِي فَأَنْتَ حُرٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ حَنِثَ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِتَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا. . . إلَخْ) أَنَّهُ يَثْبُتُ أَنَّ الْأَيْمَانَ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْمَاضِي صَادِقًا كَاللَّغْوِ فِي عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فَكَانَ لَهُ حُكْمٌ فَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِهِ (قَوْلُهُ: الْغَمُوسُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: الْغَمُوسُ لَيْسَ يَمِينًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْيَمِينُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ، وَالْكَبِيرَةُ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سُمِّيَتْ يَمِينًا مَجَازًا؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِصُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْبَيْعِ فِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إحْدَاهَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ) عَلَى الْوَصْفِ كَمَا فِي أَصَحِّ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فِي بَعْضِهَا يَمِينُ الْغَمُوسِ فَهِيَ إضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ، وَالْغَمُوسُ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
الْغَمُوسِ بِقَوْلِهِ (وَيَأْثَمُ بِهَا) أَيْ الْحَالِفُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ النَّارَ» .
(وَ) ثَانِيهَا الْيَمِينُ (اللَّغْوُ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَهِيَ حَلِفُهُ كَاذِبًا يَظُنُّهُ صَادِقًا) كَمَا إذَا حَلَفَ أَنَّ فِي هَذَا الْكُوزِ مَاءً بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَآهُ كَذَلِكَ ثُمَّ أُرِيقَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَبَيَّنَ حُكْمَهَا بِقَوْلِهِ (وَيُرْجَى عَفْوُهُ) فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى تَعْلِيقُ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالرَّجَاءِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] قُلْنَا نَعَمْ لَا شَكَّ فِي نَفْيِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي النَّصِّ وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي كَوْنِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَغْوًا فَإِنَّ اللَّغْوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآتِي بِأَنْ قَصَدَ التَّسْبِيحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ مَثَلًا.
(وَ) الثَّالِثُ الْيَمِينُ (الْمُنْعَقِدَةُ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى شَيْءٍ آتٍ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِعْلًا كَانَ أَوْ تَرْكًا، قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت الْحَلِفُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي وَالْآتِي يَكُونُ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ مِنْ أَيِّ أَقْسَامِ الْحَلِفِ قُلْت: إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِمَعْنًى دَقِيقٍ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا فِي النَّفْسِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِنَّ الْإِخْبَارَ الْمُتَعَلِّقَ بِزَمَانِ الْحَالِ إذَا حَصَلَ فِي النَّفْسِ وَعُبِّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِذَا تَمَّ التَّعْبِيرُ بِاللِّسَانِ انْعَقَدَ الْيَمِينُ بِزَمَانِ الْحَالِ صَارَ مَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِذَا قَالَ: كَتَبْت لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ، وَإِذَا قَالَ: سَوْفَ أَكْتُبُ لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ فِي الزَّمَانِ الَّذِي مِنْ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ زَمَانُ الْحَالِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَهُوَ مَاضٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى آنِ الْفَرَاغِ وَهُوَ آنُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ حَلِفًا عَلَى الْمَاضِي أَقُولُ حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَا يُظَنُّ مِنْ كَوْنِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ حَلِفٌ عَلَى الْمَاضِي وَلَا يُوجَدُ الْحَلِفُ عَلَى الْحَالِ حَقِيقَةً وَلِذَا لَمْ يَذْكُرُوهُ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَ الْمُقَابِلَ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ رَضِيُّ الدِّينِ وَتَبِعَهُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَجْزَاءٌ مِنْ أَوَاخِرِ الْمَاضِي وَأَوَائِلِ الْمُسْتَقْبَلِ يُعْتَبَرُ امْتِدَادُهَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ حَتَّى قَالُوا إنَّ زَيْدًا إذَا صَلَّى فَهُوَ فِي حَالِ الصَّلَاةِ مَا دَامَ مُصَلِّيًا وَإِذَا كَتَبَ فَهُوَ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ مَا دَامَ كَاتِبًا فَإِذَا قَالَ زَيْدٌ حِينَ كِتَابَتِهِ: وَاَللَّهِ إنِّي كَاتِبٌ يَكُونُ يَمِينًا عَلَى الْحَالِ بِلَا مِرْيَةٍ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ مَاضِيًا فَالسُّؤَالُ بَاقٍ بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ لَا وَجْهَ لِهَذَا السُّؤَالِ بَعْدَ مَا قَالَ أَوَّلًا: إنَّ مُطْلَقَ الْيَمِينِ أَكْثَرُ مِنْ الثَّلَاثِ فَتَدَبَّرْ وَبَيَّنَ حُكْمَ الْمُنْعَقِدَةِ بِقَوْلِهِ (وَكَفَّرَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْقَسَمِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْأَوَّلَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَنْ الْحِنْثِ وَالْهَتْكِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ (إنْ حَنِثَ) الْحَالِفُ وَقَوْلُهُ فَقَطْ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي الْغَمُوسِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ فِيهَا أَيْضًا عِنْدَهُ (وَلَوْ) كَانَ الْحَالِفُ (مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا) أَيْ مُخْطِئًا كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: اسْقِنِي الْمَاءَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَقِيلَ ذَاهِلًا عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَلَا تَأْتِينَا، فَقَالَ: بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْيَمِينُ»
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا لَغْوَ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ لِمَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ، رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله: لَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَغَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَلْغُو الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَيَبْقَى قَوْلُهُ: امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَوْ عَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ فَيَلْزَمُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُرْجَى عَفْوُهُ) كَذَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ: نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا (قَوْلُهُ: قُلْنَا. . . . إلَخْ) أَحَدُ مَا قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ مَعَ الْقَاطِعِ بِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ اللَّغْوَ بِالتَّفْسِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعُذْرُ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ فَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ: أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْلِيقَ بَلْ التَّبَرُّكَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّأَدُّبَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالِاخْتِيَارِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت. . . إلَخْ) كَيْفَ يَتَأَتَّى هَذَا السُّؤَالُ مَعَ قَوْلِ صَاحِبِ الِاخْتِيَارِ الْيَمِينُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي أَوْ عَلَى الْحَالِ فَإِمَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ فِيهَا وَهِيَ الْأُولَى أَيْ الْغَمُوسُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَهِيَ الثَّانِيَةُ أَيْ اللَّغْوُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَهِيَ الثَّالِثَةُ الْمُنْعَقِدَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: بَلْ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ. . . إلَخْ) يُفِيدُ الْجَوَابُ عَنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْحَلِفِ عَلَى الْحَالِ وَلَا يُفِيدُ بَيَانَ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ الْأَقْسَامِ وَيُعْلَمُ حُكْمُهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدَ الْكَذِبِ فَهِيَ الْغَمُوسُ أَوْ لَا فَهِيَ اللَّغْوُ (قَوْلُهُ: أَيْ مُخْطِئًا) فُسِّرَ بِهِ النَّاسِي؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ نَاسِيًا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ نَسِيَ فَحَلَفَ وَعَلَى تَفْسِيرِهِ النِّسْيَانَ بِهَذَا هُنَا وَفِي الْحِنْثِ بِحَقِيقَتِهِ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم. . . إلَخْ) كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ.
وَقَالَ الْكَمَالُ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلِ بِالْيَمِينِ جِدًّا، وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ
(فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ) أَيْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الْمُنْعَقِدَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ أَوْ النِّسْيَانُ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يُعْدِمُهُ الْإِكْرَاهُ وَالنِّسْيَانُ وَكَذَا الْإِغْمَاءُ وَالْجُنُونُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَيْفَمَا كَانَ.
(وَالْقَسَمُ بِاَللَّهِ أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ، وَالرَّحِيمِ، وَالْحَقِّ) وَجَمِيعِ أَسَامِي اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ أَوْ لَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ اسْمٍ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ، وَالرَّحْمَنِ فَهُوَ يَمِينٌ وَمَا سُمِّيَ بِهِ غَيْرُهُ كَالْحَكِيمِ، وَالْعَلِيمِ، وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا، كَذَا فِي الْكَافِي، وَالْحَقُّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ (أَوْ بِصِفَةٍ يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا مِنْ صِفَاتِهِ كَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَنْعَقِدُ لِلْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ وَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يَعْتَقِدُ الْحَالِفُ تَعْظِيمَهُ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَهُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ مُعَظَّمٌ فَصَارَتْ حُرْمَةُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ حَامِلًا لِلْحَالِفِ أَوْ مَانِعًا وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْحَلِفُ بِهَا مُتَعَارَفًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَا.
(لَا) أَيْ لَا يُقْسِمُ (بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَالنَّبِيِّ، وَالْقُرْآنِ، وَالْكَعْبَةِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» هَذَا إذَا قَالَ: وَالنَّبِيِّ، وَالْقُرْآنِ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا كُفْرٌ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا.
وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، كَذَا فِي الْكَافِي.
(وَ) لَا (بِصِفَةٍ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا كَرَحْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَرِضَاهُ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ وَعَذَابِهِ) لِمَا سَبَقَ أَنَّ مَبْنَى الْيَمِينِ عَلَى الْعُرْفِ. .
(وَأَمَّا قَوْلُهُ لَعَمْرُ اللَّهِ) جَوَابُ أَمَّا قَوْلُهُ الْآتِي فَقَسَمٌ، وَجْهُ كَوْنِ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمًا أَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ وَالْبَقَاءُ صِفَةٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَاللَّامُ لِتَوْكِيدِ الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ لَعَمْرُ اللَّهِ قَسَمِي، وَمَعْنَاهُ أَحْلِفُ بِبَقَاءِ اللَّهِ وَدَوَامِهِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَاَيْمُ اللَّهِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ أَيْمَنُ اللَّهِ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ حُذِفَ نُونُهُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَدَوَاتِ الْقَسَمِ، وَمَعْنَاهُ وَاَللَّهِ (وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ) فَإِنَّ الْعَهْدَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] ثُمَّ قَالَ: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] ، وَالْمِيثَاقُ بِمَعْنَى الْعَهْدِ (وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأَعْزِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ فَجُعِلَ حَلِفًا فِي الْحَالِ سَوَاءٌ قَالَ بِاَللَّهِ أَوْ لَا.
(وَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ أَوْ عَهْدٌ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَكُونُ قَسَمًا (وَإِنْ لَمْ يُضِفْ) إلَى اللَّهِ حَتَّى إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ فَإِنْ نَوَى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَكَذَا قَوْلُهُ عَلَيَّ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَلَيَّ مُوجَبِ يَمِينٍ، وَالْعَهْدُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ (وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) فَإِنَّهُ قَسَمٌ يَسْتَوْجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَنِثَ إنْ كَانَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَمَّا إنْ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَتِهِ السَّبَبَ مُخْتَارًا وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي اهـ.
(قَوْلُهُ: فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ كَيْفَ مَا كَانَ) أَيْ الْحِنْثُ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ اسْمٍ إلَخْ) رَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ
كَذَا فِي الْفَتْحِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيَّنَ الْخَالِقُ مُرَادًا بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ اللَّهِ فَيَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بِصِفَةٍ) الْمُرَادُ بِهِ اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْعَظَمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوْ الذَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمَ صِفَاتِهِ.
وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ صِفَاتُ الذَّاتِ مُطْلَقًا يَمِينٌ كَعِزَّةِ اللَّهِ لَا صِفَاتُ الْفِعْلِ كَالرِّضَى، وَالْغَضَبِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ الذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَصِفَاتَ الْفِعْلِ لَيْسَ كَذِكْرِ الذَّاتِ، وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَشْرُوعٌ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ) فِيهِ ضَمُّ الْعَيْنِ وَفَتْحُهَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ الْمَضْمُومُ فِي الْقَسَمِ وَلَا يَلْحَقُ الْمَفْتُوحَةَ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ " عَمْرٍو " الْعَلَمَ فَإِنَّهَا أُلْحِقَتْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ بَيْنَ عُمَرَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالِابْتِدَاءِ) أَيْ لِدُخُولِ اللَّامِ وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْهُ اللَّامُ نُصِبَ نَصْبَ الْمَصَادِرِ فَتَقُولُ: عَمْرَ اللَّهِ مَا فَعَلْت وَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ، كَمَا فِي: اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَالْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ: وَعَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ) إذَا قَصَدَ بِهِ غَيْرَ الْيَمِينِ يُدَيَّنُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَأَعْزِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ) إنَّمَا يَنْعَقِدَا إذَا ذُكِرَ مُقْسَمٌ عَلَيْهِ لَا كَمَا ظَنَّ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ أَقْسِمُ وَنَحْوَهُ يَنْعَقِدُ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ.