الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَفْعَالَ الْمُبَاحَةَ لَا تَجُوزُ مُبَاشَرَتُهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا فَإِنْ آذَى فَقَدْ تَرَكَ التَّحَرُّزَ فَأَثِمَ وَأَمَّا كَوْنُهُ دُونَهُ فَلِعَدَمِ الْقَصْدِ (وَالْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ) أَمَّا كَوْنُهُمَا حُكْمَ الْخَطَأِ فَبِالنَّصِّ وَأَمَّا كَوْنُهُمَا حُكْمَ الْجَارِي مَجْرَاهُ فَظَاهِرٌ (وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْصِدَ اسْتِعْجَالَ الْمِيرَاثِ وَأَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ الْقَصْدَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَأَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِمًا لَمْ يَكُنْ نَائِمًا قَصْدًا إلَى اسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ
وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ (وَإِمَّا قَتْلٌ بِالسَّبَبِ) أَيْ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَتْلِ (كَإِتْلَافِهِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ أَوْ وَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ) قَيْدٌ لِلْحَفْرِ وَالْوَضْعِ (أَوْ) وَضْعِ (خَشَبَةٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِلْإِتْلَافِ (إلَّا أَنْ يَمْشِيَ) الْهَالِكُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ (بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَفْرِ وَنَحْوِهِ) فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ عَلَى الْحَافِرِ وَنَحْوِهِ (وَحُكْمُهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّ الْفَاعِلَ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَكَأَنَّهُ مُوقِعٌ فِي الْبِئْرِ وَدَافِعٌ عَلَيْهِ الْحَجَرَ فَوَجَبَ الدِّيَةُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ (بِلَا كَفَّارَةٍ وَلَا إثْمِ الْقَتْلِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً وَأُلْحِقَ بِهِ الْخَطَأُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ وَلَا إثْمَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ (وَلَا إرْثَ إلَّا هُنَا) لِأَنَّ الْحِرْمَانَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَلَا قَتْلَ هُنَا
(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ)
(يَجِبُ بِقَتْلِ مَعْصُومِ الدَّمِ عَمْدًا) قَيْدٌ لِلْقَتْلِ (بِشَرَائِطَ ذُكِرَتْ) مِنْ كَوْنِ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا. . . إلَخْ (فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ) لِتَمَامِ الْمُمَاثَلَةِ (وَبِالْعَبْدِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَالتَّخْصِيصُ بِالذَّكَرِ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ لَا يُقَالُ لَوْ دَلَّ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى النُّقْصَانِ فَلَا يُمْنَعُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ دَلَّ يَجِبُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178](وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه إنَّمَا أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ أَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَدِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْحَرْبِيُّ لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِكَافِرٍ فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا ضَرُورَةً (لَا هُمَا) أَيْ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ (بِمُسْتَأْمَنٍ) غَيْرِ مَعْصُومِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا مَرَّ (بَلْ هُوَ بِمِثْلِهِ) أَيْ يُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ مُبِيحِ الْقَتْلِ (وَ) يُقْتَلُ (الْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ وَالْبَالِغُ بِالصَّبِيِّ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنُ وَنَاقِصُ الْأَطْرَافِ وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ) لِلْعُمُومَاتِ (وَالْفَرْعُ بِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا) لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ (لَا عَكْسُهُ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْأَصْلُ بِفَرْعِهِ يَتَنَاوَلُ الْأَبَ وَالْجَدَّ وَالْجَدَّةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يُقَادُ الْوَلَدُ بِوَلَدِهِ» (وَلَا سَيِّدٌ بِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِ وَلَدِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ الْقِصَاصَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا وَلَدِهِ عَلَيْهِ (وَعَبْدٍ بَعْضِهِ لَهُ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ (وَلَا) أَيْ لَا يُقْتَلُ قَاتِلُ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَاقِدَاهُ (أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِي الْقِصَاصَ وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فَشَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ.
وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَلَا إرْثَ إلَّا هُنَا) مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ مَعَ حُكْمِهِ إلَّا شِبْهَ الْعَمْدِ كَمَا ذَكَرْنَا
[بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ]
(قَوْلُهُ وَالْفَرْعُ بِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَجْهِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ (قَوْلُهُ وَلَا قَاتِلَ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَاقِدَاهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنَّمَا وَجَبَ حُضُورُ الْمُرْتَهِنِ لِيَسْقُطَ حَقُّهُ بِرِضَاهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ قَدْ تَمَّ بِالْهَلَاكِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ؟ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْقَوَدِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِدَعْوَى الشُّبْهَةِ فِي الْقَتْلِ فَيَصِيرُ خَطَأً كَذَا فِي الْكِفَايَةِ اهـ.
وَحُكْمُ مَا إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَاقْتَصَّ يُطْلَبُ مِنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ. . . إلَخْ)
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْمَشْيِ عَلَى عَدَمِ الْقَوَدِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الرَّاهِنُ وَمُرْتَهِنُهُ
أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَا كَذَا فِي الْكَافِي (وَلَا قَاتِلُ مُكَاتَبٍ قَتَلَ عَمْدًا عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ وَقَدْ تَرَكَ مَا يَفِي بِبَدَلِهِ.
(وَ) عَنْ (وَارِثٍ وَسَيِّدٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا) أَيْ الْوَارِثُ وَالسَّيِّدُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَلِيُّ هُوَ الْوَارِثُ وَعَلَى الثَّانِي الْمَوْلَى فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَارْتَفَعَ الْقِصَاصُ (فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ أَوْ) تَرَكَ (وَلَا وَفَاءَ أَقَادَ سَيِّدُهُ لِتَعَيُّنِهِ وَلَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا ظَنَّهُ مُشْرِكًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ بَلْ يُكَفِّرُ وَيَدِي) أَيْ يُعْطِي الدِّيَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ خَطَأٍ (مَاتَ) شَخْصٌ (بِفِعْلِ نَفْسِهِ) بِأَنْ شَجَّ نَفْسَهُ (وَ) فِعْلِ (زَيْدٍ) بِأَنْ شَجَّهُ (وَأَسَدٍ) بِأَنْ عَقَرَهُ (وَحَيَّةٍ) بِأَنْ لَدَغَتْهُ (ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي كَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْعُقْبَى حَتَّى يَأْثَمَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّارَيْنِ فَصَارَتْ الْأَفْعَالُ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ فَتُوَزَّعُ دِيَةُ النَّفْسِ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ التَّلَفُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَهَا فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ لَكِنْ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ قَتْلُهُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أُحِلَّ دَمُهُ» أَيْ أَهْدَرَهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ (وَلَا شَيْءَ بِهِ) أَيْ بِقَتْلِهِ وَإِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لِجَوَازِ أَنْ يَجِبَ قَتْلُهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَيَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ وَالْمَجْنُونِ كَمَا سَيَأْتِي (كَذَا) أَيْ يَجِبُ أَيْضًا (قَتْلُ شَاهِرِ سِلَاحٍ عَلَى رَجُلٍ مُطْلَقًا) أَيْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ) شَاهِرٍ (عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا) حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا مَرَّ (تَبِعَ سَارِقَهُ الْمُخْرِجَ سَرِقَتَهُ لَيْلًا وَقَتَلَهُ جَازَ) وَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «قَاتِلْ دُونَ مَالِكِ» (إذَا تَعَيَّنَ) أَيْ الْقَتْلُ (لِخَلَاصِ مَالِهِ) وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ إذَا قَصَدَ الْأَخْذَ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ وَكَذَا إذَا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ بِالسِّلَاحِ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ صَاحِبِ الدَّارِ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِقَتْلِهِ حَلَّ قَتْلُهُ (شَهَرَ عَصَا نَهَارًا فِي مِصْرٍ قَتَلَ مَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا) لِأَنَّ الْعَصَا لَيْسَ كَالسِّلَاحِ وَالظَّاهِرُ لُحُوقُ الْغَوْثِ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ (شَهَرَ سِلَاحًا فَضَرَبَ فَانْصَرَفَ فَقَتَلَهُ الْمَضْرُوبُ يُقَادُ) الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ عَادَتْ عِصْمَتُهُ الزَّائِلَةُ بِالضَّرْبِ فَإِذَا قَتَلَهُ آخَرُ قُتِلَ مَعْصُومًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ (وَضَمِنَ قَاتِلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ شَاهِرَيْنِ السِّلَاحَ وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُمَا عَمْدًا الدِّيَةَ) مَفْعُولٌ ضَمِنَ (فِي مَالِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَضْمَنُ الْعَمْدَ.
(وَ) ضَمِنَ قَاتِلٌ (جَمَلٍ صَالَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالدَّابَّةِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحَضْرَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ وَمُقْتَضَى قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ فِي الْآدَمِيِّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لَكِنَّهُ امْتَنَعَ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَيَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِ وَالْقِيمَةُ فِي الدَّابَّةِ
(يُقْتَصُّ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا أَوْ بِشَهَادَةِ جَعْلِهِ مَجْرُوحًا وَذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ) يَعْنِي أَنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ سِوَى الْإِقْرَارِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ فَمَاتَ مِنْهَا وَالثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ مَجْرُوحًا وَذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ (وَلَوْ) كَانَ جُرْحُهُ إيَّاهُ (بِنَحْوِ مِسَلَّةٍ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ إبْرَةٌ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَلَا قَاتِلَ مُكَاتَبٍ. . . إلَخْ) كَذَا لَا قَوَدَ بِقَتْلِ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِقَتْلِ ابْنِ الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ أَوْ تَرَكَ وَلَا وَفَاءَ أَقَادَ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ قَتْلُهُ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ (قَوْلُهُ أَوْ شَاهِرٌ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ) لَوْ أَطْلَقَهُ عَنْ قَيْدِ الْمِصْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ. . . إلَخْ) كَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ تَبِعَ سَارِقَهُ) يَعْنِي سَارِقَ قَدْرِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَمَا فَوْقَهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ (قَوْلُهُ إذَا تَعَيَّنَ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ كَأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ وَأَنْشَدَهُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَتْرُكْهُ فَقَتَلَهُ حَيْثُ يُهْدَرُ دَمُهُ (قَوْلُهُ وَضَمِنَ قَاتِلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ شَاهِرَيْنِ الدِّيَةَ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يَنْفِيهَا أَيْ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُمَا عَمْدًا) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ شُمُولُ الْقَتْلِ خَطَأً بِمُقْتَضَى وَلَوْ الْوَصْلِيَّةُ وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ لِمَا أَنَّ الْخَطَأَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي زِيَادَةُ الْوَاوِ مِنْ وَلَوْ فَتَكُونُ لَوْ شَرْطِيَّةً لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي مَالِ قَاتِلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ دَفْعًا لِشَرِّهِمَا عَمْدًا
(قَوْلُهُ يُقْتَصُّ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا أَوْ بِشَهَادَةٍ. . . إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ
عَظِيمَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ " جوال دوز "(لَا بِنَحْوِ إبْرَةٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ (إلَّا أَنْ يَغْرِزَ الْإِبْرَةَ فِي مَقْتَلِهِ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَقْتُلُ بِغَرْزِ الْإِبْرَةِ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَذَا فِي الْكَافِي (وَبِحَدِّ مَرٍّ) عُطِفَ عَلَى نَحْوِ مِسَلَّةٍ أَيْ يُقْتَصُّ أَيْضًا بِجُرْحِ حَدِّ مَرٍّ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ " كلنك " لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ (لَا ظَهْرِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا جَرَحَ وَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ (وَلَا عُودٍ أَوْ مُثْقَلٍ أَوْ خَنِقٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّون مَصْدَرُ قَوْلِك خَنَقَهُ يَخْنُقُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ (أَوْ تَغْرِيقٍ أَوْ سَوْطٍ وَالَى فِي ضَرْبِهِ فَمَاتَ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ يَخْتَصُّ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَذَا بِأَنْ يُبَاشِرَ الْقَتْلَ بِآلَتِهِ وَهِيَ الْآلَةُ الْجَارِحَةُ لِأَنَّ الْجُرْحَ يَعْمَلُ فِي نَقْضِ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَغَيْرُهُ يَنْقُضُهَا بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا وَقِوَامُهَا بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ (كُلُّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ كَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْآنُكِ كَالْحَدِيدِ لَوْ) كَانَ (لَهُ حِدَّةٌ تَفَرُّقُ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ (رَمَاهُ بِمِقْدَارِ حَدِيدٍ يُقْتَلُ بِهِ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ (فَجَرَحَهُ أَوْ لَا فَمَاتَ مِنْهُ قُتِلَ كَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِعَصَا رَأْسُهَا مُضَبَّبٌ بِالْحَدِيدِ وَقَدْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ فَجَرَحَهُ أَوْ لَا أَوْ ضَرَبَهُ بِقَدْرِ حَدِيدٍ أَوْ قَمْقَمَتِهِ أَوْ عَمُودِهِ فَمَاتَ مِنْهُ) كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا لَمْ يَجْرَحْ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا الْكَبِيرَةِ أَوْ الْحَجَرِ الْمُدَوَّرِ وَلَمْ يَجْرَحْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ
(قَتَلَ مَنْ لَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْوَلِيِّ (قَتْلُ الْقَاتِلِ قِصَاصًا) قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ (بِنَفْسِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَتَلَ الْقَاتِلُ أَيْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ بِنَفْسِهِ الْقَاتِلَ (أَوْ أَمَرَ الْغَيْرَ بِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ (إذَا كَانَ الْأَمْرُ ظَاهِرًا) هَذَا قَيْدٌ لِجَمِيعِ مَا سَبَقَ يَعْنِي إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ وَكَانَ لَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ جَازَ لَهُ قَتْلُ الْقَاتِلِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَإِنْ اتَّفَقُوا كَانُوا كَالْوَاحِدِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْقَتْلُ وَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَأْمُرَ آخَرَ بِقَتْلِهِ أَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِجَوَازِ الْقِصَاصِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِمَا مَرَّ فِي جَوَازِ الْقِصَاصِ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا وَأَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِجَوَازِ الْأَمْرِ بِهِ فَلِأَنَّهُ لِمَا جَازَ لَهُ إنَابَةُ الْغَيْرِ مَنَابَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَلِأَنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ لِظُهُورِ الْأَمْرِ يُنَافِي الضَّمَانَ (وَأَمَّا إذَا قَتَلَ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ (وَقَالَ الْوَلِيُّ أَمَرْته لَمْ يُصَدَّقْ وَيُقْتَلْ) الْأَجْنَبِيُّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَلَا بِنَحْوِ إبْرَةٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ إلَّا أَنْ يَغْرِزَ الْإِبْرَةَ فِي مَقْتَلِهِ) هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى رِوَايَةٍ قَالَ فِي اخْتِيَارٍ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا يُشْبِهُهُ عَمْدًا فَمَاتَ لَا قَوَدَ فِيهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِهَا الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَيُقْصَدُ بِالْمَسْأَلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ غَرَزَ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ ضَرَبَ بِإِبْرَةٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُشْبِهُ الْإِبْرَةَ مُتَعَمِّدًا فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فَإِنْ ضَرَبَهُ بِمِسَلَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَإِنْ كَانَتْ جَارِحَةً لِأَنَّهَا آلَةُ الْخِيَاطَةِ دُونَ الْقَتْلِ فَإِذَا تَمَكَّنَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْقَصْدِ امْتَنَعَ وُجُوبُ مَا لَا يُجَامِعُ الشُّبْهَةَ وَأَمَّا الْمِسَلَّةُ فَهِيَ آلَةٌ جَارِحَةٌ يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَفَرَّقَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بَيْنَ مَا إذَا غَرَزَ بِإِبْرَةٍ فِي الْمَقْتَلِ أَوْ غَيْرِ الْمَقْتَلِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ ضَرَبَهُ بِإِبْرَةٍ وَطَعَنَ بِهَا فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ قُتِلَ اهـ.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ وَجْهَ اقْتِصَارِ قَاضِي خَانْ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِإِبْرَةٍ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ الْإِبْرَةَ فَمَاتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ اهـ.
وَتَعْلَمُ أَيْضًا وَجْهَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ لُزُومِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالْإِبْرَةِ عَمْدًا مُخَالِفًا لِقَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ وَبِحَدِّ مَرٍّ) الْمَرُّ بِالْفَتْحِ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ فِي الطِّينِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ لَا ظَهْرُهُ) يَعْنِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَهَا عَنْ الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا جَرَحَ وَجَبَ الْقِصَاصُ ظَاهِرٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجُرْحُ بِنَحْوِ مُثْقَلِ الْحَدِيدِ وَكَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْحِيحِ الْقِصَاصِ فِي الْجُرْحِ بِنَحْوِ مُثْقَلِ الْحَدِيدِ (قَوْلُهُ وَلَا عُودٌ أَوْ مُثْقَلٌ) يَعْنِي مُثْقَلَ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ لَا مُثْقَلَ حَدِيدٍ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَالَهُ قَبْلَهُ وَبِحَدِّ مَرٍّ لَا ظَهْرِهِ لِأَنَّ ظَهْرَهُ مُثْقَلٌ وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا يُنَاقِضُ مَا يَذْكُرُهُ عَقِبَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَمَاهُ بِمِقْدَارِ حَدِيدٍ فَمَاتَ يُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ جَرَحَهُ أَوْ لَا وَدَفَعَ الْمُنَاقَضَةَ بِأَنَّهُ مَشَى فِي كُلٍّ عَلَى رِوَايَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ وَعَلِمْت التَّصْحِيحَ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ أَوْ خَنِقٍ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ مَصْدَرٌ أَيْ مَصْدَرُ خَنَقَهُ إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَلَا يُقَالُ بِالسُّكُونِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ. . . إلَخْ) تَقْيِيدُهُ بِالْحَدِيدِ لَيْسَ لَازِمًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اللِّيطَةَ وَمُحَدَّدَ الْخَشَبِ وَالْحَجَرِ وَكُلَّ مُفَرِّقٍ لِلْأَجْزَاءِ كَالْحَدِيدِ (قَوْلُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. . . إلَخْ) قَدَّمَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ
(قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَ الْغَيْرَ بِهِ) يَعْنِي وَاقْتَصَّ الْغَيْرُ بِحُضُورِهِ لِمَا يَأْتِي
لِانْتِفَاءِ شَرْطِ جَوَازِ الْقَتْلِ وَهُوَ ظُهُورُ الْأَمْرِ (وَيَلِي الْقِصَاصَ مَنْ يَرِثُ) أَيْ كُلُّ مَنْ يَرِثُ الْمَقْتُولَ فَلَهُ وِلَايَةُ الْقِصَاصِ (وَلَوْ) كَانَ (زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً كَذَا الدِّيَةُ) أَيْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ (وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا كَانُوا كِبَارًا حَتَّى يَجْتَمِعُوا) لِاحْتِمَالِ عَفْوِ الْغَائِبِ أَوْ صُلْحِهِ (وَيَسْتَوْفِي الْكَبِيرَ قَبْلَ كِبَرِ الصَّغِيرِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ
(وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ (بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ) عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَتِهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ (قَتْلُ) رَجُلٍ (عَمْدًا رَجُلًا لَا وَلِيَّ لَهُ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ وَالصُّلْحُ) لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (لَا الْعَفْوُ) لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرَ الْعَامَّةِ (وَيُقِيدُ أَبُو الْمَعْتُوهِ قَاطِعَ يَدِهِ وَقَاتِلَ قَرِيبِهِ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ رَجَلٌ يَدَ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَ قَرِيبَهُ كَوَلَدِهِ فَأَبُو الْمَعْتُوهِ يُقِيدُ مِنْ جَانِبِهِ لِأَنَّ لِأَبِيهِ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِمَا كَالْإِنْكَاحِ (وَيُصَالِحُ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمَّا مَلَكَ الِاسْتِيفَاءَ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الصُّلْحَ أَوْلَى هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَلَا بِعَفْوٍ) لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ فَقَطْ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقِصَاصِ تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ النَّفْسِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَبِ (وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ وَالْقَاضِي كَالْأَبِ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ
(وَيَسْقُطُ قَوَدُ نَفْسٍ وَمَا دُونَهَا وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ) بِأَنْ قَتَلَ أَبُوهُ أُمَّهُ عَمْدًا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا عَمْدًا لَا يَسْتَوْفِيهِ ابْنُهُ بَلْ يَسْقُطُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ (وَبِمَوْتِ الْقَاتِلِ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ (وَبِعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ وَصُلْحِهِمْ عَلَى مَالِ وَإِنْ قَلَّ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ كَيْفَ شَاءُوا (وَيَجِبُ حَالًّا) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ كَالْمَهْرِ وَالثَّمَنِ.
(وَ) يَسْقُطُ أَيْضًا (بِصُلْحِ أَحَدِهِمْ وَعَفْوِهِ) لِأَنَّ الْقَوَدَ إذَا ثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الصُّلْحِ وَالْعَفْوِ وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقَوَدِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ (وَلِلْبَاقِي حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ تَعَذَّرَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَتِهِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْقِصَاصِ ثَمَّةَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَاطِئًا وَلَا حِصَّةَ لِلْعَافِي لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ
(صَالَحَ بِأَلْفٍ وَكِيلٌ وَوَلِيُّ عَبْدٍ وَحُرٍّ قَتَلَا) أَيْ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ (بِالصُّلْحِ) مُتَعَلِّقٌ بِوَكِيلٍ (عَنْ دَمِهِمَا) أَيْ الدَّمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا (بِهِ) أَيْ بِالْأَلْفِ (تَنَصَّفَ بَيْنَهُمَا الْأَلْفُ) يَعْنِي إنْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ رَجُلًا عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمَا الدَّمُ فَوَكَّلَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ نِصْفَانِ (وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِفَرْدٍ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا يُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِهِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ جَوَازِ الْقَتْلِ وَهُوَ ظُهُورُ الْأَمْرِ) يَعْنِي أَمْرَ الْوَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ لَا أَمْرَ الْقَتْلِ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ ظَاهِرٌ اهـ.
وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إذَا قَتَلَهُ الْمَأْمُورُ وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ وَالْأَمْرُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَأَنْكَرَ وَلِيُّ هَذَا الْقَتِيلِ الْأَمْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْأَصْلِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إنَّمَا يَخْرُجُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ كَذَّبَهُ وَلِيُّ هَذَا الْقَتِيلِ فِي الْأَمْرِ وَتَصْدِيقُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ بَعْدَ مَا بَطَلَ حَقُّهُ عَنْ الْقِصَاصِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْأَمْرُ فَبَقِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ. . . إلَخْ) كَذَا فِي قَاضِي خَانْ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوَكِّلَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ اهـ.
وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ حُضُورًا لَا يَجُوزُ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ رَجَاءُ الْعَفْوِ مِنْهُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ حُلُولِ الْعَقَبَةِ بِالْقَاتِلِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] . اهـ.
وَالْمُصَنِّفُ رحمه الله اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ ذَكَرْته لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْبِيهِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ) ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ يَنْدَرِئُ لِرُجُوعِهِ لِلْقِصَاصِ (قَوْلُهُ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَبِ) الْمُرَادُ الِاخْتِصَاصُ النِّسْبِيُّ بِالنَّظَرِ إلَى مَا بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لَا مُطْلَقًا لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِنَحْوِ الْعَصَبَةِ
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ حَالًّا) يَعْنِي إلَّا أَنْ يُؤَجِّلَهُ الْوَلِيُّ أَجَلًا مَعْلُومًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ
(قَوْلُهُ وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِفَرْدٍ) هَذَا إذَا بَاشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا قَاتَلَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَتَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ