الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ظَهَرَ ظُلْمُهُ فَيُجَازَى بِتَأْبِيدِ حَبْسِهِ (لَا يَحْبِسُهُ لِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ) لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَلَا يُحْبَسُ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ مَالٍ وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (بَلْ) يُحْبَسُ (فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا إذَا أَبَى) عَنْ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَفِي تَرْكِهِ قَصْدَ إهْلَاكِهِمَا فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ هَلَاكِهِمَا
(تَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ يُسْتَقَى مِنْ الشَّهَادَةِ وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ فِي غَيْرِهِمَا فَكَذَا قَضَاؤُهَا فِيهِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ
(وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ) أَيْ لَا يُنَصِّبُ نَائِبًا لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا التَّقْلِيدُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ (إلَّا إذَا فُوِّضَ) أَيْ الِاسْتِخْلَافُ (إلَيْهِ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ وَلِّ مَنْ شِئْتَ (بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ) وَهُوَ الْخَطِيبُ (فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ) لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ (مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ) مَفْعُولُ يَسْتَخْلِفُ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَنَائِبُ الْقَاضِي الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ) يَعْنِي السُّلْطَانَ (فَلَا يَعْزِلُهُ) أَيْ إذَا كَانَ نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي (إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ اسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْتَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ الْعَزْلُ (وَلَا يَنْعَزِلُ) أَيْ نَائِبُ الْقَاضِي (بِخُرُوجِهِ) أَيْ الْقَاضِي (عَنْ الْقَضَاءِ) هَذَا أَيْضًا فَرْعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (وَنَائِبُ غَيْرِهِ) أَيْ نَائِبُ غَيْرِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ (إنْ قَضَى عِنْدَهُ أَوْ أَجَازَهُ) أَيْ لَمْ يَقْضِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ قَضَى فِي غَيْبَتِهِ وَأَجَازَهُ (صَحَّ) قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ وَقَدْ وُجِدَ (يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ) يَعْنِي إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ (لَا مَا خَالَفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ) إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الِاجْتِهَادَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ تَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ فَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي أَوْ بِثُبُوتِ حِلِّ الْوَطْءِ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ فِي مُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَنْفُذُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمُخَالِفَتِهِ الْكِتَابَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282] هَذَا إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَلَا مَزِيدَ عَلَى الْأَدْنَى وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
فِي الصُّغْرَى إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ حَلَفَ أَبَّدَ الْحَبْسَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ اهـ.
وَفِي إطْلَاقِ التَّأْبِيدِ تَسَامُحٌ كَمَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ لِتَعَرُّفِ حَالِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لَا يَحْبِسُهُ لِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ) كَذَا كُلُّ دَيْنٍ غَيْرَهَا لِوَلَدِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الْكِسْوَةُ الْمَاضِيَةُ الْمُقَرَّرَةُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً بِعَقْدٍ وَهِيَ مِنْ النَّفَقَةِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَالٍ (قَوْلُهُ بَلْ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا إذَا أَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ) قَالَ الْكَمَالُ يَحْبِسُ كُلَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَأَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا. اهـ.
(تَنْبِيهٌ) : وَهَلْ يَحْبِسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ لَهُ فَلْيُنْظَرْ.
(تَتِمَّةٌ) : لَا يَحْبِسُ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَكَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ سَوَاءٌ بَعُدَ مَحَلُّهُ أَوْ قَرُبَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ فَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ حَتَّى إذَا حَلَّ الْأَجَلُ مَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِي سَفَرِهِ إلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ دَيْنَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ
[مَا تَقْضِي فِيهِ الْمَرْأَة]
(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْ نَائِبُ الْقَاضِي بِخُرُوجِهِ أَيْ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ) حَكَى فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِخُرُوجِ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ الْأَصْلِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّوَّابَ الْآنَ يَنْعَزِلُونَ بِعَزْلِ الْقَاضِي وَمَوْتِهِ لِأَنَّهُمْ نُوَّابُ الْقَاضِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ الْآنَ أَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ وَنَائِبُ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ نَائِبُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
(قَوْلُهُ وَنَائِبُ غَيْرِهِ إنْ قَضَى عِنْدَهُ أَوْ أَجَازَهُ صَحَّ) يَعْنِي إنْ صَلَحَ النَّائِبُ قَاضِيًا كَأَنْ لَا يَكُونَ رَقِيقًا وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ (قَوْلُهُ يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ) قَالُوا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَلَا يُمْضِيهِ الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا) كَذَا فِي نُسَخٍ وَلَيْسَ التِّلَاوَةُ فَإِنَّهَا {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِأَنَّهُ قَالَ {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا
الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ أَمْضَى) جَزَاءُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي نَفَذَ
(قَضَاءُ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ وَتَابَ أَوْ) قَضَاءُ (الْأَعْمَى أَوْ) قَضَاءُ (امْرَأَةٍ) قَوْلُهُ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَضَاءُ (أَوْ) قَضَاءُ (قَاضٍ لِامْرَأَتِهِ، وَ) قَاضٍ (بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ التَّائِبِ، وَ) شَهَادَةِ (الْأَعْمَى، وَ) قَاضٍ (لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا، وَ) قَاضٍ (بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ بِشَهَادَتِهَا) أَيْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ (نَفَذَ) أَمْرُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَلَمْ يُخَالِفْ مَا ذُكِرَ (حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ نَفَّذَهُ الثَّالِثُ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ كَالثَّانِي وَالْأَوَّلَ تَأَيَّدَ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ لَمْ يَتَأَيَّدْ بِهِ لِأَنَّهُ دُونَهُ وَالْقَضَاءُ حَقُّ الشَّرْعِ يَجِبُ صِيَانَتُهُ وَمِنْ صِيَانَتِهِ أَنْ يَلْزَمَ وَلَا يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ
(وَأَمَّا قَضَاءُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ.
(وَ) قَضَاءُ (كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا يَنْفُذُ أَبَدًا) لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ عَلَيْهِ (يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْقَتْلِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ فِي يَوْمِ كَذَا وَقَضَى بِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ الْمَيِّتَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَسْمَعُ وَيَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَلَوْ ادَّعَى قَتْلَهُ فِيهِ وَقَضَى بِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ بَعْدَهُ كَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا مِيرَاثًا لِأُمِّي وَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ مِيرَاثًا لِي وَقَضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّ أُمَّكَ الَّتِي تَدَّعِي الْإِرْثَ عَنْهَا مَاتَتْ قَبْلَ فُلَانٍ الَّذِي تَدَّعِي أَنَّهُ مَاتَ أَوَّلًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَسِرُّهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ النِّزَاعِ، وَالْمَوْتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْتٌ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لِيَرْتَفِعَ بِإِثْبَاتِهِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ مَحَلٌّ لِلنِّزَاعِ كَمَا لَا يَخْفَى
(الْقَضَاءُ بِحِلٍّ أَوْ حُرْمَةٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذَا ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ) يَعْنِي الْعُقُودَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْفُسُوخَ كَالْإِقَالَةِ وَالْفُرْقَةِ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعِنْدَ الْبَاقِينَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا (بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَسْبَابِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَفِي النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ يُقَدَّمُ النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ تَصْحِيحًا لِلْقَضَاءِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفَاذِ ظَاهِرًا أَنْ يُسَلِّمَ الْقَاضِي الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا إلَى الرَّجُلِ وَيَقُولَ سَلِّمِي نَفْسَكِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَبِالنَّفَاذِ بَاطِنًا أَنْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَحِلَّ لَهَا التَّمْكِينُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لَهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَزَوِّجْنِي مِنْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِقَضَائِهِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَرَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينُهَا مِنْ الزِّنَا وَكَانَ الشُّهُودُ زُورًا بِدَلِيلِ الْقِصَّةِ
(الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ) الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ (بِخِلَافِ رَأْيِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضَاءِ الْمُرَادُ بِخِلَافِ الرَّأْيِ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَالْحَنَفِيِّ إذَا حَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ نَحْوِهِ بِالْعَكْسِ وَأَمَّا
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ يَنْفُذُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعِنْدَ الْبَاقِي يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) الْمُرَادُ بِالْبَاقِينَ الصَّاحِبَانِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَقَضَاؤُهُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ نَافِذًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَصَرَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا كَانَتْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِظُهُورِ أَدِلَّتِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى دَلِيلِهِ وَإِنْ بَالَغَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فِي تَوْجِيهِهِ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ اهـ
إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ حُكْمًا بِخِلَافِ رَأْيِهِ (لَوْ) كَانَ قَضَاؤُهُ (نَاسِيًا مَذْهَبَهُ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) وَجْهُ النَّفَاذِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ) لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ (قِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ (وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ فِيهِمَا) فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَضَى فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ بَلْ يَرَى خِلَافَهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي
(لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ)«لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ الْآخَرَ» وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ (إلَّا بِحُضُورِ نَائِبِهِ حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ وَوَصِيِّهِ أَوْ شَرْعًا كَوَصِيِّ الْقَاضِي أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ) وَيَصِيرُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (كَمَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى ذِي يَدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى الْمُدَّعَى مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ عَلَى الْحَاضِرِ كَانَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ) يَعْنِي ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذِي الْيَدِ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُدَّعِي لَا يَتَوَسَّلُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ (وَلَوْ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْغَائِبِ (شَرْطًا) لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ (لَا) أَيْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ (إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ) كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَقَامَتْ زَوْجَةُ الْحَالِفِ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْغَائِبِ لِإِبْطَالِ نِكَاحِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِدُخُولِ فُلَانٍ الدَّارَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَائِبِ وَهَاهُنَا زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ ذُكِرَتْ فِي الْمُنْيَةِ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيَنْظُرْ فِيهَا (وَأَمَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْغَائِبِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ (فَقِيلَ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ عِنْدَنَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
(التَّرِكَةُ إذَا اُسْتُغْرِقَتْ بِالدَّيْنِ فَوِلَايَةُ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي لَا لِلْوَرَثَةِ) إذْ لَا مِلْكَ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْبَيْعِ (يُقْرِضُ) أَيْ الْقَاضِي (مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ وَالْيَتِيمِ وَيُكْتَبُ) أَيْ الصَّكُّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ وَلَوْ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ. . . إلَخْ) الْخِلَافُ ثَابِتٌ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ وَجْهِ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَتْرُكُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فَأَمَّا الْمُقَلِّدِ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ.
وَنُقِلَ هَذَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ. اهـ.
(فَائِدَةٌ) الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ إذَا فُسِخَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ حُكِيَ عَنْ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا كَمَا فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا تُقْبَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا وَمِنْهُمْ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَقِيلَ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا اهـ.
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهُوَ كَقَضَاءِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَنَحْوِهِ وَحَيْثُ قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَلَا يَكُونُ عَنْ إقْرَارٍ عَلَيْهِ اهـ
(قَوْلُهُ التَّرِكَةُ. . . إلَخْ) أَقُولُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي إلَّا بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ. اهـ. فَكَذَلِكَ لَا تُبَاعُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا لَهُمْ مِنْ حَقِّ إمْسَاكِهَا وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِمْ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ لِلْوَارِثِ كَالْمَوْلَى (قَوْلُهُ يُقْرِضُ مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ وَالْيَتِيمِ) يَعْنِي مِنْ مَلِيءٍ يُؤْتَمَنُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْجُحُودَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ مَالَ الْأَيْتَامِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ حَالُ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ لَكِنْ إنَّمَا يَقْدِرُ مِنْ الْغَنِيِّ لَا مِنْ الْفَقِيرِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ الْمُعْسِرَ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ انْتِهَاءً كَذَا فِي التَّبْيِينِ
لِذِكْرِ الْحَقِّ (لَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ) أَيْ لَا يُقْرِضُ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ وَلَا الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ مَحْفُوظَةً مَضْمُونَةً وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ
(قَضَى بِالْجَوْرِ مُتَعَمِّدًا وَأَقَرَّ بِهِ فَالْغُرْمُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَوْ) قَضَى بِالْجَوْرِ (خَطَأً فَعَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْوَاقِعَاتِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ
(حَكَّمَا) أَيْ جَعَلَ الْخَصْمَانِ بَيْنَهُمَا حَكَمًا (مَنْ صَلَحَ قَاضِيًا) أَيْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا يُنَافِي الْقَضَاءَ (فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ) مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ رَفْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا بِهَا وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ الْإِلْزَامُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمُوجِبِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (أَوْ نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ دِيَةٍ عَلَى الْعَصَبَةِ وَرَضِيَا) بِحُكْمِهِ (صَحَّ) الْأَصْلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ فَمَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالصُّلْحِ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا وَاسْتِيفَاءَ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ لَا تَجُوزُ بِالصُّلْحِ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا (وَلَا يُفْتَى بِهِ) أَيْ بِصِحَّتِهِ (فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ) لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ (كَذَا) أَيْ صَحَّ (إخْبَارُهُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَبِعَدَالَةِ شَاهِدٍ حَالَ وِلَايَتِهِ) أَيْ بَقَاءِ تَحْكِيمِهِمَا (لَا) أَيْ لَا يَصِحُّ إخْبَارُهُ (بِحُكْمِهِ) لِانْقِضَاءِ وِلَايَتِهِ كَالْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا قَالَ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ حُكْمِهِ) لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَيَتَوَقَّفُ حُكْمُهُ عَلَى رِضَاهُمَا فَإِنْ قِيلَ التَّحْكِيمُ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا قُلْنَا شَرْطُ وُجُودِ الشَّيْءِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ شَرْطًا لِبَقَاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْبِنَاءِ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ حُكْمِهِ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا كَالْقَاضِي إذَا قَضَى ثُمَّ عُزِلَ لَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ
(لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ) كَحُكْمِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى إذْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ لِلتُّهْمَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ قَضَاؤُهُ لَهُمْ (بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا) أَيْ الْمُوَلَّى وَالْمُحَكَّمِ (عَلَيْهِمْ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهِ
(وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا) حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالرِّضَا بِرَأْيِ الْمُثَنَّى فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لَا يَكُونُ رِضًا بِرَأْيِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا (رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْمَوْلَى إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ فِي أَحْكَامِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ خَالَفَ (أَبْطَلَهُ) فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي قَضِيَّةُ قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمُحَكِّمَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَالْقَاضِي الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُهُ غَيْرُهُمَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَكَانَ كَالصُّلْحِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّهُ إذَا صَادَفَ الْقَضَاءَ مَحَلَّهُ بِأَنْ يَكُونَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ
(فَائِدَةٌ) : إذَا غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لَا يَقْضِي وَقِيلَ يَقْضِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ غَابَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ غَابَ الْوَكِيلُ أَوْ مَاتَ بَعْدَمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ غَابَ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ حَضَرَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِهَا عَلَى
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
قَوْلُهُ لَا الْأَبُ) هَذَا عَلَى أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ الرَّهَاوِيُّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ قَاضِيًا لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَلَدِهِ فَتَنْتِفِي الْعِلَّةُ الْمُسَوِّغَةُ لِجَوَازِ إقْرَاضِهِ اهـ.
وَفِي أَخْذِهِ مَالَ طِفْلِهِ قَرْضًا رِوَايَتَانِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ حَكَّمَا مَنْ صَلَحَ قَاضِيًا) يَتَنَاوَلُ تَحْكِيمَ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ وَلِذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ قَوَدٍ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَأَجَازَ فِي الْمُحِيطِ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوْهَرَةُ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَا يُفْتِي بِهِ أَيْ بِصِحَّتِهِ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرَ لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِئَلَّا يَذْهَبَ مَهَابَةُ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ. . . إلَخْ) أَصْلُهُ مِنْ كَافِي النَّسَفِيِّ وَتَصَرَّفَ فِي الْجَوَابِ بِتَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ بِمَا أَدَّى إلَى تَسْمِيَةِ الرُّكْنِ شَرْطًا وَبِانْعِدَامِ الرُّكْنِ يَفُوتُ الشَّيْءُ لِأَنَّ تَحْكِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا رُكْنٌ وَالْأَهْلِيَّةَ شَرْطٌ فَقَوْلُهُ قُلْنَا. . . إلَخْ الْمَنْفِيُّ اشْتِرَاطُ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى إبْطَالِ التَّحْكِيمِ فَيَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِبْطَالِهِ فَقَوْلُهُ كَمَا فِي الْبِنَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ فَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَقَاءُ مُشَبَّهًا بِالِابْتِدَاءِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً لِمُبَايَنَتِهِ لَهُ وَلَمْ يَأْتِ مُحَشِّي الْكِتَابِ الْوَانِيِّ بِأَزْيَدَ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ شَرْطًا لِبَقَاءِ) أَقُولُ هَذَا تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاقِلِ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَصَوَابُهُ شَرْطَ انْتِفَاءٍ وَأَوْضَحْتُهُ بِرِسَالَةٍ
(قَوْلُهُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لَا يَقْضِي وَقِيلَ يَقْضِي) جَعَلَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوَّلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِي قَوْلَ الثَّانِي كَذَا بِخَطِّ الْمَرْحُومِ الْعَلَّامَةِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ يَقْضِي.
وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ أَوْفَقُ بِالنَّاسِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ