الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيت وما يليه للشاعر متمم بن نويرة، من قصيدة يرثي فيها أخاه مالكا، الذي قتل في حرب الردّة. والوجد: الحزن. والأظآر: جمع ظئر، وهنّ نوق يعطفن على حوار واحد، فيرضع من اثنتين، ويتخلى أهل البيت بواحدة. والروائم: اللاتي يعطفن عليه، جمع رائمة، يقال: رئمته رئمانا، إذا شمته فأحبته. والحوار: ولد الناقة. والمجرّ: بضم الميم وفتح الجيم، مصدر ميمي بمعنى الإجرار، مصدر أجر لسان الفصيل، إذا شقه؛ لئلا يرتضع أمه. والمصرع: الهلاك. والبيت شاهد لتأنيث الظئر، بتذكير عدده، والظئر يكون في النساء والإبل، غير أنه في النساء أن ترضع ولد غيرها، وفي الإبل تعطف على الفصيل، لتدرّ. وجملة «أصبن» ، صفة ثالثة لأظآر. يعني: كل واحدة منهن رأت إجرار حوارها، فهي ثكلى ترأم البوّ، والبيت الثاني، يتمم معنى البيت الأول «وما وجد أظآر ..
بأوجد مني». قال أبو أحمد: وقصة موت مالك بن نويرة أكثر المؤرخون فيها من الكذب، والصحيح أن مالكا مات
مرتدا مصرّا على ارتداده، والدليل على ذلك، أن عمر بن الخطاب سمع شعر متمم في رثاء أخيه مالك، فقال عمر بن الخطاب: لوددت لو أنك رثيت أخي زيدا بمثل ما رثيت به مالكا أخاك، فقال: يا أبا حفص، والله لو علمت أن أخي صار بحيث صار أخوك، ما رثيته، فقال عمر: ما عزاني أحد عن أخي بمثل تعزيته، وأراد متمم أن أخاه مالكا، قتل عن الردة غير مسلم، وأن زيد بن الخطاب، قتل شهيدا يوم اليمامة، والقصيدة بتمامها في المفضليات، وانظر شرح أبيات المغني ج 6/ 13.
204 - إن وجدت الصديق حقّا لإياك
…
فمرني فلن أزال مطيعا
البيت بلا نسبة في الهمع ج 1/ 63، قال السيوطي: ويتعين انفصال الضمير في صور، وذكر منها: أن يلي اللام الفارقة، وأنشد البيت. واللام الفارقة، هي التي تأتي بعد «إن» المهملة؛ للفرق بينها وبين العاملة.
205 - حننت إلى ريّا ونفسك باعدت
…
مزارك من ريّا وشعباكما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعا
…
وتجزع أن داعي الصبابة أسمعا
قفا ودعا نجدا ومن حل بالحمى
…
وقلّ لنجد عندنا أن تودعا
وليست عشيات الحمى برواجع
…
عليك ولكن خلّ عينيك تدمعا
تلفّتّ نحو الحيّ حتى وجدتني
…
وجعت من الإضغاء ليتا وأخدعا
وأذكر أيام الحمى ثم أنثني
…
على كبدي من خشية أن تصدّعا
هذه الأبيات للشاعر الصّمّة بن عبد الله القشيري، شاعر إسلامي بدوي مقلّ، من شعراء الدولة الأموية، والشاعر وإن وصف بالمقلّ، فإنه والله مكثر بهذه القطعة فقط؛ لأنها تغني عن ديوان شعر في الحنين إلى الوطن، والتعلق به.
وقوله: حننت: الحنين: تألّم من الشوق وتشكّ. وريّا: اسم امرأة، وهي ابنة عمه التي أراد الزواج بها، فلم يكن له منها نصيب.
وقوله: ونفسك باعدت: الواو: للحال، ومعنى باعدت: بعّدت، كما يقال: ضاعفت وضعّفت، وفي القرآن: باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [سبأ: 19]. والمزار: اسم مكان الزيارة.
والشعب: بفتح الشين، شعب الحيّ، يقال: التأم شعبهم، أي: اجتمعوا بعد تفرّق، وشتّ شعبهم، إذا افترقوا بعد تجمّع.
وقوله: وشعباكما معا: الواو: واو الحال. والعامل في «ونفسك باعدت» : حننت.
وفي قوله: وشعباكما، باعدت، ومعنى «معا» مجتمعان ومصطحبان، وموضعه خبر المبتدأ.
وقوله: فما حسن، في حسن وجوه: يجوز أن يكون مبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة؛ لاعتماده على النفي، و «أن تأتي» في موضع الفاعل لحسن، واستغنى بفاعله عن خبره، وطائعا: حال، من (أن تأتي). ويجوز: رفع «حسن» خبر مقدم، و «أن تأتي» مبتدأ.
وقوله: وتجزع أن داعي، أن: مخففة من الثقيلة. والمراد: وتجزع من أنّ داعي الصبابة أسمعك صوته ودعاك. ومعنى البيتين: شكوت شوقك إلى هذه المرأة، وأنت آثرت البعد عنها بعد أن كان حياكما معا مجتمعين، وليس بجميل اختيارك الأمر طائعا غير مكره، وجزعك بعده؛ لأن داعي الشوق والعائد منه إليك، أسمعك وحرّك منك.
وفي البيت الثالث يقول: ويقلّ لنجد وساكنه التوديع منا؛ لأنّ حقهما أعظم، ولكنا لا نقدر على غيره.
وفي البيت الرابع يقول: إنك وإن أفرطت في الجزع، فإن أوقات المواصلة بالحمى مع أحبابك لا تكاد تعود، ولكن أدم البكاء لها مع التوجع في إثرها، تجد فيه راحة.
وقوله: تدمعا: جواب الأمر «خلّ» ، ولو قال: تدمعان، لكان حالا للعينين.
وفي البيت الخامس: يقول: أخذت في مسيري لمّا أبصرت حال نفسي في تأثير الصبابة فيها، ملتفتا إلى ما خلفته من الحيّ، وأرض نجد حتى وجدتني وجع «الليت» ، واللّيت: بالكسر، صفحة العنق، وقيل: أدنى صفحتي العنق من الرأس عليهما، ينحدر القرطان.
والأخدع: هما أخدعان، وهما عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق.
قال المرزوقي: وقد قيل فيه: إن من رموزهم أنّ من خرج من بلد فالتفت وراءه، رجع إلى ذلك البلد. وانتصب «ليتا» ؛ لأنه تمييز ملحوظ، محوّل عن الفاعل، ومثله:
تصببت عرقا، وقررت به عينا.
قال أبو أحمد: وقول المرزوقي إنّ من رموزهم كذا، هذا كلام واقع، وعليه شواهد من أيامنا، فما زلت أذكر آخر زيارة إلى أهلي في خان يونس حوالي سنة 1978 م، وبعد أسابيع أمضيتها في مرابع الطفولة والصبا، حان وقت الرحيل، حيث انتهت المدة التي منحها لنا الأعداء؛ لزيارة أرضنا وأهلنا، وفي فجر يوم، جاءت السيارة التي تقلنا إلى الجسر المجاور لمدينة أريحا، فكان ساعتها مشهد المودعين يخلع القلب، ويقرح الجفون، ويصدع الأكباد، لم يبق طفل، أو شيخ، أو مخبأة إلا وقف للوداع، حتى ضاق الزقاق بالمودعين، وارتفعت الأصوات، واشتد النحيب،
ومن باب الدار إلى آخر الزقاق، ما يقارب مائة ذراع، قطعناها في ساعات نخطو خطوة، ثم نقف وما كنت أدري، أيوقفني الزحام، أم تشدني الديار، فلا أحب أن أصل إلى المركبة التي تحملني إلى ديار الغربة، وما زال يرنّ في أذني صوت أختي، أم سليمان، تقول لي: تلفّت خلفك، تعيدها مرات كلما خطوت خطوات، فألتفت، فأرى البيت والأهل، وكنت أظنّ أنها تطلب مني الالتفات؛ لوداع المشيعين، وليروا طلعة ابنهم، وأخيهم، وعمهم، وخالهم، وابن عمهم، و .. فلما قرأت ما كتبه المرزوقي، عرفت السبب في طلب الالتفات؛ وذلك تفاؤلا بالعودة إليهم، والعودة إلى الديار الحبيبة. قلت: سبحان الله، هذا رمز في نجد، قلب الجزيرة، ورمز في خان يونس، في أطراف جزيرة العرب، كيف اجتمعا؟ وكيف بقي مغروسا في النفوس عشرات القرون؟ فعددت هذا رمزا لوحدة العرب في جميع بقاعهم، إنه رابط من آلاف الروابط التي لا تنفصم، ومع ذلك يصرّ الأعداء على فصم عرى الأخوة، فقسموا أوطان العرب إلى دويلات، وزعموا أن لكل إقليم خصائص متفرّدة، وهم كاذبون، وإنما أرادوا اجتثاث جذور الوحدة؛ ليحلوا محلها عادات إقليمية حديثة، وما أظنهم يقدرون