الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلتُ: لا دليل في ذلك على دعواه أصْلا؛ بَلْ مذهبُ إمامه يَقْتضي أن عيْن الشاة منصوص عليها فلا يجور أخذ غيره كما ذهبَ إليه داود.
ص- قال أبو داود: شبرْتُ قثاءةً بمصْرَ ثلاثة عشرَ شبراً ورأيتُ أترجةً على بعيرٍ بقطعتين قُطِعَتْ، وصيرَتْ على مِثْل عِدْلَيْن.
ش- إنما ذكر أبو داود هذا الكلام استعظاما لطُول القثاءة وكُبْر الأترجة، وفيه إشارة- أيضاً أنه دَخل الديار المصريّة، وهو أحَد الأئمة الرحالة الجوالين في الآفاق والأقاليم. والقثاءة- بكسْر القاف وتشديد الثاء المثلثة وبالمد- واحدة القِثاء، وقال الجَوهري: القِثاء: الخيارُ وذكره في مهموز اللام.
قلتُ: في اصطلاح أهل مصْر: القثاء هو الذي يُسمَّى فقوسا عندهم، وقال ابن الفارس في " المجمل ": القثاء معروف وقد يُضم قافُه، وقال في "دُستور اللغة ": القثاء: الخيار- مثل ما قال الجوهري-. والأترجة- بضم الهمزة، وسكون التاء، وضم الراء، وتشديد الجيم المفتوحة- واحدة الأترُج، ويُقال لها: تُرُج- أيضا- بدون الهمزة. وحكى أبو زيد: تُرُنْجة وتُرُنج- بالنون الساكنة بين الراء والجيم.
12- بَابُ: زَكاة العَسَلِ
أي: هذا باب في بيان زكاة العسَل.
1719-
ص- نا أحمد بن أبي شعيب الحراني: نا موسى بن أعين، عن عمرو بن الحارث المصري، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جاء هلال أحد بني متعانَ إلى رسول الله- عليه السلام بعُشُورِ نَحْل له، وسأله (1) أن يَحْميَ (2) وادياً يُقَالَ له: سَلبَهُ، فحمَى له رسول اللهِ
(1) في سنن أبي داود: " وكان سأله ".
(2)
في سنن أبي داود: " يحمي له واديا ".
عليه السلام- ذلك الوادي، فلما وَلِي عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه كَتَب سفيان بنُ وَهْب إلى عُمرَ بن الخطاب يَسألُه عن ذلك، فَكتب عمرُ: إِنْ أدى إليك ما كان يُؤَدي إلى رسولِ الله- عليه السلام من عُشورِ نَحْله فاحْمِي له سَلبَهَ وإلا فإنما هو ذبابُ غيْثٍ يكُلُه مَنْ شاء (1) .
ش- موسى بن أعين: أبو سعيد الحراني، سمع: أباه، وإسماعيل ابن أبي خالد، والثوري، والأوزاعي وغيرهم، روى عنه: ابنه محمد، والنفيلي، وأحمد بن أبي شعيب وغيرهم، قال أبو زرعة وأبو حاتم: هو ثقة. توفي سنة سبع وسبعين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وهلال بن سَعْد، له صُحْبةْ.
قوله: "أحَدُ بني متعان "..... (3) .
قوله: "سَلبَه" بفتح السين المهملة وسكون اللام وبفتحها- أيضاً وفتح الباء الموحدة وفي آخرها هاء.
قوله: " فحَمى له " من قولهم: حَميتُه حمايةً إذا دفعتُ عنه ومنَعْتُ منه من يَقْرَبُه، وأحمَيْتُ المكان فهوَ محْمي إذا جعلته حِمًى، وهذا شيء حِمى أي: محظور لا يُقْربُ.
قوله: " فلما وَلِي عمر بن الخطاب "- بفتح الواو وكسر اللام المخففة- أي: لما ولي عمر الخلافة كتب سفيان بن وَهْب الخَولاني، وله صُحْبة. قوله:"وإلا" أي: وإن لم يؤد إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله
عليه السلام فإنما هو أي: النحلُ ذبابُ غيث مثله، أي: يأكل عسلَه، لأن عين النحل لا يؤكل " مَنْ شاء" من الناس؛ وإنما أطلق عليه
(1) النسائي: كتاب الزكاة، باب: زكاة النحل (5/ 47) .
(2)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6236) .
(3)
بياض في الأصل قدر ثلثي سطر.
الذباب لأنه يَرْعى ويتتبع الأزْهار والأنوار ويقع عليها، كما أن الذباب
شأنه يَتتبع المواضع التي فيها الدسومة أو الحلاوة فيقع عليها؛ وأنما أضافه
إلى الغيث الذي هو بمعنى المطر، لأنه يتتبع مواضع الأزهار والعُشْب التي
هي مواقع الغيث، ولما كان العشب والأنهار سببا لحياة النخل وتغسيله،
والغيثُ سببا لنبات العشب والإزهار كان سببا لحياة النحل؛ لأن الَسَبب
للشيء الذي هو سبب لذلك الشيء، سبب لذلك الشيء، فأضيف أيه
بهذا الاعتبار.
وقال الخطابي (1) : وفي هذا دليل على أن الصدقة غير واجبة في
العسل، وأن النبي- عليه السلام إنما أخَذ العُشْر من هِلال المُتْعِي إذ
كان (2) قد جاءه بها متطوعاً وحمَى له الوادي إرفاقا ومعونة له بدل ما
أخذ منه، وعقَل عمر بن/ الخطاب المعنى في ذلك، فكتب إلى عامله يأمره بأن يحمي له الوادي إن أدى إليه العشرَ وإلا فلا، ولو كان سبيله [سبيل] ، الصدقات الواجبة في الأموال لم يخيره في ذلك. وممن لم يرَ
فيه الصدقةَ: مالك، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو ثور، وروي
ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وأوجبها مكحول، والزهري، والأوزاعي،
وأصحاب الرأي. وقال أحمد، وإسحاق: في العسل: العشر.
قلت: يجب العشر في العسل إذا أخذ من أرض العشر، ثم عند
أبي حنيفة: يجب العشرُ قل العسل أو كثر. وعن أبي يوسف أنه يعتبر
فيها القيمة، وعنه: أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عَشر قِرَب، وعنه: خمسة
أمناء، وعن محمد: خمسة أوراق، كل فرق ستة وثلًاثون رطلاً. أما
الدليًل على نفس الوجوب: فهذا الحديث، لأنه بالحماية اختاره الرجل
ومَلكه بسَبْق يده إليها، فإذا حمى له الوادي، ومنع الناس منه وجب عليه
بحق الحماية إخراج العُشر منه، لأنه مال مقصود، حتى إن العسل الذي
يوجد في الجبال أو البرية والموات إن لم يضخمها الإمام لا يجب فيه العشر،
(1) معالم السنن (2/ 37) .
(2)
في الأصل: "أن قد كان" وما أثبتناه من معالم السنن.
لأنه حينئذ كالصيْد، وإن كان يَحْميه ففيه العشر، لأنه يصيرُ مالا مقصودا، وكذلك الفاكهةُ بخلاف المن الذي يَسقط على العَوْسج في أرض الإنسان، لأنه اتفاقي فلا يعذ له الأرضُ، وقيل: يجب فيه العشر، وليْس بصحيح. وبهذا التقرير اندفع ما قاله الخطابي. ومما يدل على ما قلنا: ما رواه ابن ماجه: نا محمد بن يحيى، عن نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عَمرو أن النبي- عليه السلام أخذَ من العَسلِ العشرَ. وروى عبد الرزاق: أخبرنا عبد الله بن محرر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام: كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشور. وبهذا اللفظ: رواه البيهقي من طريق عبد الرزاق. والحديث معلول بعبد الله بن محرر؛ قال ابن حبان في كتاب "الضعفاء": كان من خيار عباد الله؛ إلا أنه كان يكذبُ ولا يعلم، ويقلبُ الأخبار ولا يفهم.
وروى ابن أبي شيبة في "مُصنفه ": نا صفوان بن عيسى: نا الحارث ابن عبد الرحمن بن أبي ذباب الدوْسي، عن منير بن عبد الله، عن أبيه، عن سَعْد بن أبي ذباب الدولي قال: أتيتُ النبي- عليه السلام فأسلمتُ وقلت: يا رسولَ الله! اجعل لقومي ما أسلموا عليه، ففعل واستَعْملني عليهم، واستعملني أبو بكر بعد النبي- عليه السلام، واستعملني عُمر بعد أبي بكر، فلما قدِم على قومه قال: يا قوما أدوا زكاة العسل؛ فإنه لا خير في مال لا تؤدى زكاته، قالوا: كم ترَى؟ قلت: العشرُ، فأخذتُ منهم العُشرَ، فأتيتُ به عمر رضى الله عنه فباعَه وجَعله في صدقات المسلمين.
ومن طريق ابن أبي شيبة: رواه الطبراني فيه معجمه،. ورواه الشافعي: أخبرنا أنس بن عياش، عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب، عن أبيه، عن سعد بن أبي ذباب، فذكره. ومن طريق الشافعي: رواه البيهقي، قال: هكذا رواه الشافعي، وتابعه محمد بن
عباد، عن أنس بن عياش، به. ورواه الصلت بن محمد بن عباد، عن
أنس بن عياش فقال: عن الحارث بن أبي ذباب، عن منير بن عبد الله،
عن أبيه، عن سَعْد، وكذلك رواه صفوان بن عيسى، عن الحارث بن
عبد الرحمن، به. انتهى. وقال البخاري: وعبد الله والد منير، عن
سَعْد ين أبي ذباب لم يصح حديثه، وقال علي بن المديني: هذا لا نَعْرفه
إلا في هذا الحديث، وسئل أبو حاتم عن عبد الله والد منير، عن سَعْد
ابن أبي ذباب: يصح حديثه؟ قال: نعَم.
وأما الدليل لأبي حنيفة على إطلاقه: فلإطلاق الأحاديث المذكورة.
وأما الدليل لأبي يوسف: فما نَذكرُه الآن إن شعار الله تعالى. وحديث
عمرو بن شعيب: أخرجه النسائي- أيضاً سواء.
1720-
ص- نا أحمد بن عبْدة الضبِّي: نا المغيرة نسبَه إلى عبد الرحمن
ابن الحارث المخزومي: حدثنيه أبي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن
جده أن سَيابة (1) - بطنٌ من فهْمٍ - فذكر نحوَه قال: " منْ كل عَشْرِ قِرَبٍ
قِرْبَةٌ " (2) .
ش- المغيرة: هو ابن عبد الرحمن/ بن الحارث بن عبد الله بن عياش (3) بن أبي ربيعة أبو هاشم القرشي المخزومي المدني، حيث عن:
أبيه، وهشام بن عروة، وابن عجلان، روى عنه: إبراهيم بن حمزة،
وأحمد بن عَبْدة، ومحمد بن سلمه المكي وغيرهم، قال يعقوب بن
شيبة (4) : هو أحد فقهاء المدينة، ومن كان يُفتي فيهم، وهو ثقة. توفي
سنة ثمان وسبعين ومائة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (5) .
(1) في سنن أبي داود: " شبابة"، وقال الدارقطني في "المؤتلف والمختلف "،
باب: شبابة وسيابة: "صوابه بني شبابة: بالغين المعجمة، بعدها باء
موحدة، ثم ألف، ثم باء أخرى، وهم بطن من فهم " اهـ بواسطة نصب
الراية (2/ 392) .
(2)
تفرد به أبو داود.
(3)
في الأصل: "الحارث بن عبد الله بن الحارث بن عياش".
(4)
في الأصل: "شبه " خطأ.
(5)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 6135) .
20.
شرح سنن أبي داوود 6
وأبوه: عبد الرحمن، قد ذكرناه.
قوله: "إنّ سيابَة"- بفتح السين المهملة والياء آخر الحروف المخففة والباء الموحدة- وهو في الأصل اسم البَلَحة وسُمّي به الرجلُ. وفي " المغرب": بنو سيابة قوم بالطائف من خثعم كانوا يتخذون النحل حتى نُسِب إليهم العَسلُ فقِيل: عسل سَيابي.
" وفي (1) رواية الطبراني: ابن بني سيارة بطن من فهم على ما رَوَى، فقال: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصْري: أنا أحمد بن صالح: أنا ابن وهب: أخبرني أسامة بن زيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن بني سيارة بطن من فهم كانوا يؤدون إلى رسول الله- عليه السلام عن نَحْل كان لهم العُشْرَ، من كل عشر قرب قربة، وكان يَحْمي واديَيْن لهم، فلما كان عمر رضي الله عنه استعمل على ما هناك سفيان بن عبد الله الثقفي، فأبَوْا أن يؤدوا إليه شيئا وقالوا: إنما كنا نُؤديه إلى رسول الله- عليه السلام، فكتب سفيان إلى عمر [فكتب إليه عمر:] (2) إنما النَّحْل ذُباب غيْثِ، يَسُوقه اللهُ رِزقا إلى مَنْ يشاء، فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدون إلى رسول الله- عليه السلام فاحْم لهم أوديتهم، وإلا فخل بينه وبن الناس، فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله، وحمى لهم أوديتهم.
وروى أبو عبيد القاسم بن سَلام في كتاب "الأموال": حدثنا أبو الأسود، عن ابن لهيعة، عن عُبيد الله بن أبي جعفر، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله- عليه السلام كان يؤخذ في زمانه من العسل من كل عشر قرب قربة من أوْسطها.
وأخرج الترمذي، عن صدقة بن عبد الله السمين، عن موسى بن يسار، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي- عليه السلام أنه قال:
(1) انظر: نصب الراية (2/ 392- 393) .
(2)
ساقط من الأصل، وأثبتناه من نصب الراية.
"في العسل في كل عشرة أزُقِّ زوق " وقال: في إسناده مقال، ولا يصح عن النبي- عليه السلام في هذا الباب كبير شيء (1) . انتهى.
ورواه ابن عدي في "الكامل " وأعله بصدقة هذا، وضعفه عن أحمد والنسائي وابن معين. ورواه البيهقي وقال: تفرد به: صدقة بن عبد الله السمين؛ وهو ضعيف؛ ضعفه أحمد، وابن معين وغيرهما.
ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء" وقال في صدقة: يروي الموضوعات عن الثقات.
ورواه الطبراني في " معجمه الوسط " ولفظه: قال: " في العسل العشرُ، في كل عشر قرب قربة، وليْس فيما دون ذلك شيء "، وقال الطبراني: لا يروى هذا عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد" (2) .
ص- وقال سفيان بن عبد الله الثقفي قال: وكان يحْمِي لهم وَادِيِين، زَادَ: فأدوا إليه ما كانوا يُؤدونَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وحَمَى لهم وَادِييهِمْ.
ش- سفيان بن عبد الله بن أبي ربيعة بن الحارث الثقفي، وقيل: ابن عبد الله بن حطيط، له صحبة (3) وسماع من النبي- عليه السلام، معدود في أهل الطائف، يكنى أبا عمرو، وقيل: أبو عمرة، وكان عاملان لعمر بن الخطاب عليها، روى عنه: عروة بن الزبير، وابنه: هشام. روى له: مسلم حديثا واحدا، وروى له: الترمذي، وابن ماجه، والنسائي (4) .
قوله: " وكان يحمي " أي: وكان عمر رضي الله عنه يحمي لهم إلى آخره.
(1) الترمذي: كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة العسل (629) .
(2)
إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3)
في الأصل: "صحابة".
(4)
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (66/2) ، أسد الغابة (2/ 405) ، الإصابة (2/ 54) .