المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌22- باب: من يعطى من الصدقة وحد الغنى - شرح سنن أبي داود للعيني - جـ ٦

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌3- كتاب الجنائز

- ‌1- باب: الأمراض المكفرة للذنوب

- ‌2- باب: في عيادة الذمي

- ‌3- باب: المشي في العيادة

- ‌4- باب: من عاد مريضا وهو على وضوء

- ‌5- باب: في العيادة مرارا

- ‌6- باب: العيادة في الرمد

- ‌7- باب: في الخروج من الطاعون

- ‌8- باب: الدعاء للمريض بالشفاء عند العيادة

- ‌9- باب: كراهية تمني الموت

- ‌10- باب: في موت الفُجاءة

- ‌11- باب: في فضل من مات في الطاعون

- ‌12- باب: المريض يؤخذ من أظفاره وعانته

- ‌13- باب: حسن الظن بالله عند الموت

- ‌14- باب: تطهير ثياب الميت

- ‌15- باب ما يبالى عند الميت من الكلام

- ‌16- باب: في التلقين

- ‌17- باب: تغميض الميت

- ‌18- باب: الاسترجاع

- ‌19- باب: في الميت يسجي

- ‌20- باب: القراءة عند الميت

- ‌21- باب: الجلوس في المسجد وقت التعزية

- ‌22- باب: في التعزية

- ‌23- باب: الصبر عند المصيبة

- ‌24- باب: البكاء على الميت

- ‌25- باب: في النوح

- ‌26- باب: صنعة الطعام لأهل الميت

- ‌27- باب: الشهيد يُغسَّلُ

- ‌28- باب: في ستر الميت عند غسله

- ‌29- باب: كيف غَسلُ الميت

- ‌30- باب: في الكفن

- ‌31- باب: في كفن المرأة

- ‌32- باب: المسك للميت

- ‌33- باب: تعجيل الجنازة

- ‌34- باب: في الغُسل من غَسل الميت

- ‌35- باب: في تقبيل الميت

- ‌36- باب: الدفن بالليل

- ‌37- باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض

- ‌39- باب: اتباع النساء الجنائز

- ‌40- باب: فضل الصلاة على الجنائز

- ‌41- باب: في اتباع الميت بالنار

- ‌42- باب: القيام للجنازة

- ‌43- باب: الركوب في الجنازة

- ‌44- باب: المشي أمام الجنازة

- ‌45- باب: الإسراع بالجنازة

- ‌47- باب: الصلاة على من قتلته الحدود

- ‌49- باب: الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌50 باب: الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها

- ‌51- باب: إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم

- ‌52- باب: أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه

- ‌53- باب: التكبير على الجنازة

- ‌54- باب: ما يقرأ على الجنازة

- ‌55- باب: الدعاء للميت

- ‌56- باب: الصلاة على القبر

- ‌58- باب: في الرجل يجمع موتاه في مَقْبَرة والقبر يُعَلمُ

- ‌59- باب: في الحفار يجد العظم هل يَتنَكَبُ ذلك المكان

- ‌60- باب: في اللحد

- ‌61- باب: كم يدخل القبر

- ‌62- باب: كيف يُدخلُ الميتُ في قبره

- ‌63- باب: كيف يُجلسُ عند القبر

- ‌65- باب: الرجل يموت له قرابة مشرك

- ‌66- باب: في تعميق القبر

- ‌67- باب: في تسوية القبر

- ‌68- باب: الاستغفار للميت عند القبر

- ‌69- باب: كراهية الذبح عند القبر

- ‌70- باب: الصلاة عند القبر بعد حين

- ‌72- باب: كراهية القعود على القبر

- ‌73- باب: المشي بين القبور في النعل

- ‌74- باب: الميت يحول من موضعه للأمر يحدث

- ‌76- باب: في زيارة القبور

- ‌78- باب: ما يقول إذا مَرَّ بالقبور

- ‌ 4- كتاب الزكاة

- ‌1- باب: ما يجبُ فيه الزكاة

- ‌3- باب: الكنز ما هو

- ‌4- باب: في زكاة الحُلي

- ‌5- باب: في زكاة السائمة

- ‌6- باب: دُعاء المصدق لأهل الصدقة

- ‌7- باب: تفسير أسنان الإبل

- ‌8- باب: أين تصدق الأموال

- ‌9- باب: الرجل يبتاع صدقته

- ‌10- باب: صدقة الرقيق

- ‌11- باب: صدقة الزرع

- ‌12- بَابُ: زَكاة العَسَلِ

- ‌13- بَاب: فِي الخَرْص

- ‌14- باب: في خرْصِ العنب

- ‌15- بَابُ: مَتَى يُخرصُ التَّمرُ

- ‌16- بَابُ: زَكَاة الفطرِ

- ‌17- بَابُ: مَتَى تُؤَدى

- ‌18- بَاب: كَمْ يُؤدى في صَدقة الفطر

- ‌19- بَابُ: مَنْ رَوَى نِصْفَ صَاعٍ مِن قَمْحٍ

- ‌20- باب: في تعجيل الزكاة

- ‌22- باب: مَن يُعطى من الصدقة وحدّ الغِنَى

- ‌23- باب: من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني

- ‌24- باب: كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة

- ‌26- باب: في الاستعفاف

- ‌27- باب: الصدقة على بني هاشم

- ‌28- بابٌ: في فقير يَهدي إلى غنيٍّ من الصدقة

- ‌29- باب: من تصدق بصدقة ثم ورثها

- ‌30- باب: حقوق المال

- ‌31- باب: حق السائلِ

- ‌32- باب: الصدقة على أهل الذمة

- ‌36- باب: عطية من سأل بالله

- ‌37- باب: الرجل يخرج من ماله

- ‌33- باب: ما لا يجوز منعه

- ‌ 34- باب: المسألة في [المساجد]

- ‌38- باب: الرخصة في ذلك

- ‌39- بابٌ: في فضلِ سقي الماء

- ‌40- باب: في المَنيحة

- ‌41- بابُ: أجرِ الخازنِ

- ‌43- باب: في صِلَة الرحم

- ‌44- باب: في الشح

الفصل: ‌22- باب: من يعطى من الصدقة وحد الغنى

زيادة دفع الحاجة، ولو نقل إلى غيرهم أجزأت وإن كان مكروها لأن المصرف مطلق الفقراء بالنص، والحديث أخرجه: ابن ماجه.

‌22- باب: مَن يُعطى من الصدقة وحدّ الغِنَى

أي: هذا باب في بيان من يجوز له إعطاء الصدقة، وبيان حد الغنى الشرعي.

1746-

ص- نا الحسن بن علي، نا يحيى بن آدم، نا سفيان، عن حكيم ابن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَألَ وله ما يُغنيه جاءت يومَ القيامة خمُوشٌ، أو كُدُوح، أو خُدوشٌ (1) في وجهِه، فقيلَ (2) : يا رسوله اللهِ، وما الغِنَى؟ قال: خمسونَ درهما، أو قِيمَتُهَا منذ الذهبِ "(3) .

ش- سفيان الثوري.

وحكيم بن جبير الأسدي الكوفي، قيل: مولى آل الحكم بن أبي العاص. روى عن: سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن عبد الرحمن النخعي، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، والثوري، وشعبة، وغيرهم. قال عبد الرحمن: سألت أبا زرعة عنه؟ فقال: في رأيه شيء، قلت: ما محله؟ قال: الصدق- إن شاء الله- وسألت أبي عنه؟ فقال: ما أقربه من يونس بن خباب في الضعف والرأي، وهو ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأي غير محمود- نسأل الله السلامة- قلت لأبي: هو أحب إليك أو ثُوير، قال: ما فيهما إلا ضعيف غالٍ

(1) في سنن أبي داود: " أو خدوش أو كدوح ".

(2)

في سنن أبي داود: "فقال ".

(3)

الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء من تحل له الزكاة (650)، النسائي: كتاب الزكاة، باب: حد الغنى (5/ 97)، ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب:

من سأل عن ظهر الغنى (1840) .

ص: 359

في التشيع، وهما متقاربان. وقال أحمد بن سنان: قلت لعبد الرحمن ابن مهدي: لم تركت حديث حكيم بن جبير؟ قال: أخاف النار. وقال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان عن حكيم بن جبير؟ فقال: كم روى؟ إنما روى شيئا يسيراً قلت: من تركه؟ قال: شعبة من أجل حديثه في الصدقة، يعني حديث ابن مسعود: ما من سأل وله ما يغنيه لما، وكان يحدث عمن دونه. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال الدارقطني: متروك. وقال الذهبي في "الميزان": وقال الجوزجاني: حكيم بن جبير كذاب. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .

ومحمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي الكوفي. سمع: أباه، وعمه الأسود بن يزيد، وروى عن عائشة مرسلاً. روى عنه: حكيم بن جبير، مسلمة بن سهيل، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: كان رفيع القدر، من الجِلَةِ. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .

وأبوه عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي، وعبد الله بن مسعود.

قوله: " وله ما يغنيه" الواو فيه للحال، وكلمة "ما" بمعنى: شيء، أي: والحال أن له شيئا يغنيه عن السؤال.

قوله: " جاءت يوم القيامة " الضمير في " جاءت " يرجع إلى المسألة التي يدل عليها قوله:"سأل".

وقوله: " خموش" مرفوع على ابنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: وهي خموش، أي: المسألة خموش في وجهه، وتكون الجملة حالاً ويؤيد ما ذكرناه رواية الترمذي: "من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة

(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1452) . (2) المصدر السابق (25/ 5412) .

ص: 360

ومسألته في وجهه خموش، اهو خدوش، اهو كدوح"، وفي بعض نسخ "الحق ": "خموشا" بالنصب، وكذلك "كدوحا"، و" خدوشا " فوجهه- إن صح- أن يكون ما، من الضمير الذي في "جاءت" الذي هو عبارة عن المسألة، وهنا وجه آخر، وهو أن يكون " جاءت " مسندة إلى قوله: "خموش"، ويكون ارتفاع "خموش" على الفاعلية، ويكون/ التأنيث باعتبار المسألة لأن المسألة هي التي تكون (خموشا يوم القيامة [....] (1) وهو الظاهر، يقال: خمشت المرأة وجهها تخدشه خمشا وخموشا إذا خدشته بظفر أو حديد، وأما إذا كان الخموش

جمع " خمش"، فحينئذ يكون تأنيث الفعل لتأنيث الفاعل، و "الكدُوح" بضم الكاف: الخدوش، وكل أثر من خدش، أو عض فهو كدح، ويجوز أن تكون " الكدوح " مصدرا سمي به الأثر، وأن تكون جمع

كدح، فافهم. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه،

وقال الترمذي: حديث حسن، وقال: والعمل على هذا عند بعض أصحابنا، وبه يقول الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد، وإسحاق،

قالوا: إذا كان عند الرجل خمسون درهما لم تحل له الصدقة، قال:

ولم يذهب بعض أهل العلم إلى حديث حكيم بن جبير، ووسعوا في هذا، وقالوا: إذا كان عنده خمسون درهماً أو كثر وهو محتاج فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعي، وغيره من أهل الفقه والعلم.

قلت: مذهب أبي حنيفة: أن دفع الزكاة لا يجوز على من يملك قدر نصاب فاضل عن مسكنه، وخادمه، وفرسه، وسلاحه، وثياب بدنه، وما يتأثث (2) به، وكتب العلم إن كان من أهله، وما ذكره صاحب "المنظومة" من أن من ملك خمسين درهما يحرم عليه أخذ الزكاة عند الشافعي، فليس بمعتمد مذهبه.

ص- قال يحيى: فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حِفظِي أن شُعبةَ لا

(1) طمس في الأصل قدر ست كلمات.

(2)

في الأصل: "يتأثت ".

ص: 361

يَرْوي عن حَكِيم بن جُبير، فقال سفيان: فقدْ حَدثناهُ زُبيدٌ، عن محمدِ بنِ عَبدَ الرحمنِ بنِ يزيد.

ش- أي: قال يحيى بن آدم: فقال عبد الله بن عثمان بن خثيم القاريّ- من القارة حليف بني زهرة- لسفيان الثوري: حفظي أن شعبة ابن الحجاج لا يروي عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: فقد حدثناه، أي: الحديث، زبيد بن الحارث الكوفي، عن محمد بن عبد الرحمن ابن يزيد النخعي الكوفي.

وقال الخطابي (1) : وضعفوا هذا الحديث للعلة التي ذكرها يحيى بن آدم، قالوا: أما ما رواه سفيان فليس فيه بيان أنه أسنده، وإنما قال: فقد حدثناه عبيد، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، حسب.

وحكى الإمام أحمد بن حنبل، عن يحيى بن آدم: أن الثوري قال يوماً قال أبو بسطام: يحدث- يعني شعبة- هذا الحديث عن حكيم ابن جبير، قيل له: قال: حدَثني عبيد، عن محمد بن عبد الرحمن، ولم يزد عليه، قال أحمد: كأنه أرسله، أو كره أن يحدث به، أما يعرف الرجل كلاما نحو ذا؟ وحكى الترمذي: أن سفيان صرح بإسناده، فقال: سمعت زبيدا يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، وحكاه ابن عدي أيضا، وحكى أيضاً أن الثوري قال: فأخبرنا به عبيد، وهذا يدل على أن الثوري حيث به مرتين، مرة لا يصرح فيه بالإسناد، ومرة يسنده فتجمع الروايات، وقال أبو عبد الرحمن النسائي: لا نعلم أحدا قال في هذا الحديث: زايد، غير يحيى بن آدم، ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم بن جبير، وحكيم ضعيف، وسئل شعبة عن حديث حكيم؟ فقال: أخاف النار، وقد كان روى عنه قديماً وسئل يحيى بن معين: يرويه أحد غير حكيم؟ فقال يحيى: نعم، يرويه يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عبيد، ولا أعلم أحدا يرويه إلا يحيى بن

(1) معالم السنن (2/ 48) .

ص: 362

آدم، وهذا وهم، لو كان كذا حدث الناس به جميعا عن سفيان، ولكنه حديث منكر، هذا الكلام قاله يحيى، أو نحوه.

1747-

ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد، أنه قال: " نزلتُ أنا، وأهلي ببقِيع الغَرقَد، فقال لي أهلِي: اذهبْ إلى رسولِ اللهِ- عليه السلام فَسَلهُ لنا شيئا نأكُلُهَُ، فجَعَلُوا يذكرونَ من حاجَتِهِم، فذهبتُ إلى رسول اللهِ- عليه السلام فوجدتُ عندَه رجلا يسألُهُ، ورسولُ الله- عليه السلام يقول: لا أَجدُ ما أعْطيكَ، فتولَّى الرجلُ عنه وهو مُغْضَب، وهو يقولُ: لَعَمْرِي إِنكَ لَتعطي مَن شَئتَ، فقالَ رسولُ الله- عليه السلام بغضب (1) عَلَيَّ أن لا أجد ما أعطيه: مَن سألَ منكم ولهه أوقِيَّة، أو عدْلُهَا فقد سًألَ إِلحاف، قال الأَسَدِيُّ: فَقلَتُ: لقحة (2) لنا خير من أوقية، وَالوَقيةُ (3) : أربعونَ درهماً قال: فرجعتُ، ولهم أسأله، فَقدمَ على رسولَ الله- عليه السلام بعدَ ذلك شعير (4) ، وزبيب، قَسَمَ (5) لنا منه/ [أو كما قال: حتى أغنانا الله عز وجل] (6) ، (7) .

ش- " بقيع الغرقد": بالباء الموحدة: مدفن أهل المدينة، و "البقيع ": المكان المتسع من الأرض، وقيل: لا يسمى بقيعة إلا إذا كان فيه شجر، أو أصول شجر من ضروب شتى، و" الغرقد" بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء، وفتح القاف، وفي آخره دال مهملة من شجر الغضاة، والغضاة: شجر له شوك، وقيل: الطلح، والسدر، وكان فيه غرقا فذهب وبقي اسمه.

(1) في سنن أبي داود: " يغضب".

(2)

في سنن أبي داود: "لَلُقحة"، وسيذكر المصنف أنها نسخة.

(3)

في سنن أبي داود: "والأوقية". (4) في سنن أبي داود: " أو شعير". (5) في سنن أبي داود: " فقسم".

(6)

طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.

(7)

النسائي: كتاب الزكاة، باب: الإلحاح في المسألة (5/ 99) .

ص: 363

قوله: " وهو مغضب " جملة حالية، و" مغضب " بفتح الضاد مفعول من الإغضاب، وكذلك قوله:"وهو يقول " جملة حالية.

قوله: " لعمري "" العمر" بالفتح: العمر، ولا يقال. في القسم إلا بالفتح، ومعنى قوله:" لعمري ": وحق بقائي وحياتي، وكذا معنى قوله:" لعمر الله "، الحلف ببقاء الله، واللام فيه للتأكيد.

قوله: " أو عدلها" بفتح العين، يريد قيمتها، يقال: هذا عدل الشيء أي: ما يساويه في القيمة، وهذا عدله- بكسر العين- أي: نظيره، ومثله في الصورة والهيئة.

قوله (1) : " لقحة لنا " اللقحة: الناقة المرية، وهي التي تمراً أي: تحلب، وجمعها لقاح، وفي بعض النسخ:"للقحة " بلام التأكيد، وارتفاعها بالابتداء، وتخصص بالصفة، وخبره قوله:" خير ".

قوله: " والوقية" بفتح الواو، وهي لغة في " أوقية "، وقد مر تحقيق الكلام فيه، وذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في تحديد الغنى إلى هذا الحديث، وزعم ابن من وجد أربعة درهما حرمت عليهم الصدقة. والحديث أخرجه النسائي.

ص- قال أبو داود: هكذا رَواهُ الثوريُ، كما قال مالك.

ش- أي: هكذا روى الحديثَ المذكور سفيان الثوريُ كما قال مالك ابن أنس- رضي الله عنه.

1748-

ص- لا عتيبة بن سعيد، وهشام بن عمار، قالا: نا عبد الرحمن ابن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن بن أبِي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله- عليه السلام: "منْ سَأل وله قيمةُ أوقية فقد ألحَفَ، فقلتُ: نَاقَتِي الياقُوتةُ هي خيرٌ من أوقية" قال هشامٌ: " خيًرٌ من أربعين درهماً، فرجعتُ ولم أسأله "(2) زاد هشامٌ

(1) مكررة في الأصل.

(2)

في سنن أبي داود: " فلم أسأله شيئا".

ص: 364

في حديثه: " وكانتْ الوَقيةُ على عهد النبيِّ- عليه السلام أربعينَ درهماً "(1) .

ش- اسم أبي الرجال: محمد بن عبد الرحمن، وقد مر بيانه، واسم أبي سعيد: سعد بن مالك الأنصاري، وقد مر مرة.

قوله: "فقد ألحف" يقال: اللحف في المسألة إذا بالغ فيها، وألح، يقال: ألح، وألحف، وقيل: اللحف شمل بالمسألة، ومنه اشتق اللحاف. قوله:" ناقتي الياقوتة" مبتدأ، وقوله:" هي ما مبتداه ثان، وخبره قوله: "خير "، والجملة خبر المبتدأ الأول، و "الياقوتة" اسم تلك الناقة، وفيه جواز تسمية البهائم، وقد كان خيل رسول الله- عليه السلام وغيرها من دوابه لها أسماء، والحديث أخرجه النسائي.

1749-

ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي، نا مسكين، نا محمد بن المهاجر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة السلولي، نا سهل ابن الحنظلية، قال:"قَدمَ عَلَى رسولِ الله- عليه السلام عُيَيْنَةُ بنُ حصْينٍ، والأقرعُ بنُ حابس، فَسألاهُ، فأمَرَ لهمَا بما سَألاهُ، فَأمَرَ (2) مُعاويَةَ، فكَتَبَ لهما بما سألاه (3) ، فأمَا الأقرعُ فأخذَ كتَابَهُ فَلَفهُ في عمامَته وانطلقَ، وأما عيينةُ فأخذ كتَابَهُ، وأتَى النبي- عليه السلام مكانه فقال: يَا محمدُ، أتُرَانِي حامِلاً إلى قًومِي كتَابا لا أدرِي ما فيه كَصحيفة المُتَلَمسِ؟ فأخبرَ معاوية بقولِهِ رسولَ اللهِ عليه السلام فقال رسولُ الله- عليه السلام: مَنْ سَألَ، وعندَه ما يُغنِيهِ فإنما يَسْتَكْثِرُ من النارِ"، وقال اَلنفيلي في موضعٍ آخر:" مِن جَمْرِ جَهنمَ، فقالوا: يا رسولَ الله، وما يُغْنيه؟ " وقال النفيلي في موضعٍ آخر: "وما الغنَى الذي لا يَنبغِي (4) معه المَسَألَةُ؟ قال: قَدْرَ ما يُغَدِّيهِ، وبُعَشيهِ "، وقال النفَيلي في موضعٍ آخر: " أن يكونَ له شِبَعُ يومٍ وليلةٍ، أو ليلةٍ وبومٍ (5) .

(1) النسائي: كتاب الزكاة، باب: الإلحاف في المسألة (5/98) .

(2)

في سنن أبي داود: " سألا وأمر ".

(3)

في سنن أبي داود: "سألا".

(4)

في سنن أبي داود:"تنبغي ".

(5)

تفرد به أبو داود.

ص: 365

ش- مسكين بن بكير الحراني الحذاء.

ومحمد بن المهاجر بن دينار بن أبي مسلم الأنصاري الأشهلي الشامي مولى أسماء بنت يزيد الأشهلية. روى عن: أبيه، وأخيه، وكيسان مولى معاوية، وربيعة بن يزيد، وغيرهم. روى عنه: الربيع بن نافع الحلبي، والوليد بن مسلم، ومسكين، وابن عيينة، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة، ويعقوب بن سفيان: هو ثقة، مات سنة سبعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) . وربيعة بن يزيد/ الدمشقي، وأبو كبشة السلولي، مذكور في الكنى، وقد مر ذكره، وسهل بن الربيع بن عمرو الأنصاري الأوسي، والحنبلية أمه، وعيينة بن حصن بن بدر الفزاري، كنيته: أبو مالك، من المؤلفة قلوبهم، أسلم بعد الفتح، وقيل: قبل الفتح، وقيل: إن الأقرع، وعيينة شهدا مع رسول الله- عليه السلام فتح مكة، وحنيناً والطائف، والأقرع لقب، واسمه: فراس بن حابس، تميمي مجاشعي، قدم على رسول الله- عليه السلام في أشراف بني تميم بعد فتح مكة، وكان هو أيضا أحد المؤلفة قلوبهم.

قوله: " أتراني حاملاً " بفتح الهمزة، وضم التاء.

قوله: "كصحيفة المتلمس " المتلمس هو: جريج بن عبد المسيح الضبعي، الشاعر المشهور الجاهلي، وسمي المتلمس ببيت قاله هجاء هو وطرفةُ عمرَو بن هند ملك الحيرة، فكتب إلى عامله له ولطرفة بن العبد كتابين، أوهمهما أنه أمر لهما بجوائز، وكتب فيه يأمره بقتلهما، والقصة مشهورة عند العرب، وأن المتلمس لما علم بما فيها رمى بها وهرب، فضربت العرب المثل بصحيفته بعد، ولما وافى طرفة بصحيفته قتل.

قوله: "ما يغديه ويعشيه " اختلف الناس في تأويله، فقال بعضهم:

من وجد غداء يومه وعشاء، لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث.

(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5636) .

ص: 366

قلت: قال أصحابنا: ومن له قوت يوم فسؤاله حرام، وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة حرمت عليه المسألة. وقيل: هذا منسوخ بما تقدم من الأحاديث، والغداء والعشاء يُحَرمُ سؤال اليوم، والأوقية تحرم مقدار ما يسد من المناقر للسائل. ويجوز لصاحب الغداء والعشاء أن يسأل الجبة والكساء، ويجوز لصاحب الأوقية والخمسين درهما أن يسأل ما يحتاج إليه من الزيادة على ذلك، وقيل: إنما أعطاهما رسول الله- عليه السلام من سهم المؤلفة، فإن الظاهر أنهما ليسا فقيرين، وهما رئيسا قبائلهما، وسيدا قومهما.

ص- وكان حدثنا به مختصرا على هذه الألفاظ التي ذكرت.

ش- هذا من كلام أبي داود، أي: كان النفيلي حدثنا به.

قوله: " التي ذكرت"، وفي بعض النسخ:"التي ذكرها" أي. ذكرها النفيلي.

1750-

ص- أنا عبد الله بن مسلمة، نا عبد الله- يعني: ابن عمر بن غانم- عن عبد الرحمن بن زياد، أنه سمع زياد بن نعيم الحضرمي، أنه سمِع زياد بن الحارث الصدائي، قال:" أتيتُ رسولَ الله- عليه السلام فَبَايعْتُه"، فذكر حديثا طويلاً (1) :" فأتاه رجل، فقال: أعَطِني من الصدقة فقال له رسولُ اللهِ- عليه السلام: إن اللهَ لم يرضَ بحكْم نَبي ولا غيرِه في الصدقات، حتى حَكَمَ فيها هو، فَجَزأهَا ثمانيةَ أجزَاء، فإن كنتَ من تَلك الأجزاء أعَطيتُكَ حَقَكَ "(2) .

ش- عبد الرحمن بن زياد الإفريقي فيه مقال، وقد مر غير مرة، وزياد ابن نعيم الحضرمي البصري، ذكره ابن حبان في " الثقات ".

قوله: " فجزأها" أي: الصدقات، " ثمانية أجزاء، أي: ثمانية

(1) في سنن أبي داود:"طويلا قال".

(2)

تفرد به أبو داود.

ص: 367

أقسام، وذلك في قوله تعالى:{إنما الصَّدَقَاتُ للفُقَرَاء وَالمسَاكينِ} (1) الآية.

وقال الخطابي (2) في قوله: " فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك، دليل على أنه لا يجوز جمع الصدقة كلها في صنف واحد، وأن الواجب تفرقتها على أهل السهمان: بحصصهم، ولو كان في الآية بيان الحمل (3) دون بيان الحصص، لم يكن للتجريد معنى، ويدل على صحة ذلك قوله: " أعطيتك حقك،، فبين أن لأهل كل جزء على حدة حقا، وإلى هذا ذهب: عكرمة، وهو قول الشافعي. وقال إبراهيم النخعي: إذا كان المال كثيرا يحتمل الأجزاء قسمه على الأصناف، وإذا كان قليلا جاز أن يضع في صنف واحد. وقال أحمد بن حنبل: تفريقه أولى، ويجزئه أن يجعله في صنف واحد. وقال أبو ثور: إن قسمه الإمام قسمه على الأصناف الثمانية، وإن تولى قسمه رب المال فوضعه في صنف واحد رجوت أن يسعه. وقال مالك بن أنس: يجتهد، ويتحرى موضع الحاجة منهم، ويقدم الأولى فالأولى من أهل الفاقة والخلة، فإن رأى الخلة في الفقراء في عام كثر قَدَّمهم، وإن رآها في أبناء السبيل في عام آخر حولها إليهم. وقال أصحاب الرأي: هو خبير/ يضعه في أي [الأصناف شاء، وكذلك قال سفيان الثوري](4) ، وقد روي ذلك عن ابن عباس، وهو قول الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح،.

قلت: " (5) روى الطبري (6) في تفسير قوله تعالى: {إنما الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاء} الآية، أخبرنا عمران بن عيينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاء وَالمَسَاكِينِ} الآية، قال: في أي صنف وضعته أجزأه، وقال ابن

(1) سورة التوبة: (6) .

(2)

معالم السنن (2/ 50- 51) .

(3)

في معالم السنن: " المحمل".

(4)

طمس في الأصل، وأثبتناه من معالم السنن (2/ 51) .

(5)

انظر: نصب الراية (2/ 397- ها 3) .

(6)

تفسير الطبري (0 1/ 16 1) .

ص: 368

أبي شيبة في "مصنفه ": أخبرنا جرير، عن ليث، عن عطاء، عن عمر ابن الخطاب، أنه قال:{إنما الصدفات للفقراء} الآية، قال: أيما صنف أعطيته من هذا أجزأه.

حدثنا حفص، عن ليث، عن عطاء، عن عمر:" أنه كان يأخذ الفرض في الصدقة، فيجعله في صنف واحد ".

وروي أيضاً عن الحجاج بن أرطأة، عن المنهال بن عمرو، عن زر ابن حبيش، عن حذيفة، أنه قال:" إذا وضعتها في صنف واحد أجزأك" وأخرج نحو ذلك عن: سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي، وأبي العالية، وميمون بن مهران، بأسانيد حسنة، واستدل ابن الجوزي في "التحقيق" على ذلك بحديث معاذ:"فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم "، قال: والفقراء صنف واحد، ولم يذكر سواهم. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الأموال ":"ومما يدل على صحة ذلك أن النبي- عليه السلام أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف واحد سوى صنف الفقراء، وهم: المؤلفة قلوبهم: الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وعلقمة ابن علاثة، وزيد الخيل قسم فيهم الذهبة التي بعث بها إليه علي من اليمن، وإنما تؤخذ من أهل اليمن الصدقة، ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر، وهم: الغارمون، فقال لقبيصة بن المخارق حين أتاه وقد تحمل حمالة: "يا قبيصة، أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها"، وفي حديث سلمة بن صخر البياضي: " أنه أمر له بصدقة قومه"، ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد"، وبهذا سقط قول الخطابي: لا يجوز جمع الصدقة كلها في صنف واحد، ولا تمسك للشافعي بالآية أيضا؛ لأن المراد بها بيان الأصناف التي يجوز الدفع إليهم دون غيرهم، وكذا المراد بآية الغنيمة فافهم " (1) .

(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

24.

شرح سنن أبي داوود 6

ص: 369

وقال الخطابي أيضا (1) : وفي قوله: " إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها" دليل على أن بيان الشريعة قد يقع من وجهين، أحدهما: ما تولى الله بيانه في الكتاب العزيز وأحكم فرضه فيه، فليس به حاجة إلى زيادة من بيان النبي- عليه السلام وبيان شهادة الأصول، والوجه الآخر: ما ورد ذكره في الكتاب مجملاً ووكل بيانه إلى النبي- عليه السلام فهو تفسيره قولا وفعلاً أو يتركه على إجماله ليبينه فقهاء الأمة، ويستدركوه: استنباطه، واعتباراً بدلائل الأصول، وكل ذلك بيان مصدره عن الله تعالى، وعن رسوله- عليه السلام ولم يختلفوا في [أن] السهام الستة ثابتة مستقرة لأهلها في الأحوال كلها، وإنما اختلفوا في سهم المؤلفة، فقالت طائفة من أهل العلم: سهمهم ثابت، يجب أن يعطوه، هكذا قال الحسن البصري، وقال أحمد بن حنبل: يعطون أن احتاج المسلمون إلى ذلك، وقالت طائفة: انقطعت المؤلفة بعد رسول الله- عليه السلام روي ذلك عن الشعبي، وكذلك قال أصحاب الرأي، وقال مالك: سهم المؤلفة يرجع على أهل السهام الباقية، وقال الشافعي: لا يُعطى من الصدقة مشرك يتألف على الإسلام، وأما العاملون وهم: السعاة، وجباة الصدقة فإنما يعطون عمالة قدر أجر مثلهم، فأما إذا كان الرجل هو الذي يتولى إخراج الصدقة وقسمها بين أهلها فليس فيها للعامين حق ".

1751-

ص- نا عثمان بن أبي شيبة، وزهير بن حرب قالا: نا جرير،

عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ المسكينُ الذي تَرُده التمرةُ والتمرتان، والأكْلَةُ والأكْلَتَانِ، ولكن المسكينَ اَلذي لا يَسْألُ الناسَ شيئاً ولا يَفْطِنُوَنَ به فَيُعْطُونَهُ"(2) .

(1) معالم السنن (2/ 51- 52) .

(2)

البخاري: كتاب الزكاة، باب: قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافاً} (1476)، مسلم: كتاب الزكاة، باب: المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه (1039)، النسائي: كتاب الزكاة، باب: تفسير المسكين

ص: 370

ش- جرير بن عبد الحميد، وسليمان الأعمش، وأبو صالح ذكوان الزيات.

قوله: "ليس المسكين" هو مفعيل/ وهو من صيغ المبالغة " كمنطيق"، واشتقاقه من السكون، [ويستوي في هذا المذكر والمؤنث](1)، يقال:

رجل مسكين، وامرأة مسكين، ويقال: مسكينة أيضا، وجمعه: مساكين ومسكينون، وقال الجوهري: والمسكين الفقير، وقد يكون بمعنى الذلة والضعف، يقال: تسكن الرجل وتمسكن، كما قالوا: تمدرع، وتمندل،

من المدرعة، والمنديل على تمفعل وهو شاذ، وقياسه تسكن وتدرع وتندل، مثل: تشجع وتحلم، وكان يونس يقول: المسكين أشد حالا من الفقير،

قال: وقلت لأعرابي: الفقير اثنت؟ فقال: لا والله، بل مسكين.

وقال الخطابي (2) : وقد اختلف الناس في المسكين والفقير، والفرق بينهما، فروي عن ابن عباس، أنه قال:"المساكين هم: الطوافون، والفقراء: فقراء المسلمين"، وعن مجاهد، وعكرمة، والزهري:" إن المسكين الذي يسأل، والفقير الذي لا يسأل "، وعن قتادة:" إن الفقير هو الذي به زمانة، والمسكين الصحيح المحتاج "، وقال الشافعي:"الفقير من لا مال له ولا حرفة، تقع منه موقعاً زَمنا كان، أو غير زَمِنٍ، والمسكين من له مال أو حرفة، ولا يقع منه موقعا، ولا تغنيه، سائلاً كان، أو غير سائل". وقال بعض أهل اللغة: " المسكين الذي لا

شيء له، والفقير من له البلدة من العيش، واحتج بقول الراعي:

أما الفقير الذي كانت حَلوبته

وَفقَ العيال فلم يترك له سَبد

قال: فجعل للفقير حلوبة، وقال غيره من أهل اللغة: إنما اشترط له الحلوبة قبل الفقر، فلما انتزعت منه، ولم يترك له عبد صار فقيراً لا شيء له، قال: والمسكين أحسن حالا من الفقير، واحتج بقول الله تعالى:

(1) طمس في الأصل، ولعل الجادة ما أثبتناه.

(2)

معالم السنن (2/ 52- 53) .

ص: 371

( {أما السفينَةُ فَكَانَتْ لمَسَاكينَ يَعْمَلُونَ في البَحْرِ} (1)، فأثبت لهم مع المسكنة ملكَا وكسبا وهَما: َ السفينة، والعمل بها في البحر، وقال بعض من ينصر القول الأول: إنما سماهم مساكين مجازاً على سبيل الترحم والشفقة عليهم، إذ كانوا مظلومين.

قلت: قال صاحب "الهداية": "والفقير من له أدنى شيء، والمسكين من لا شيء له، وهذا مروي عن أبي حنيفة، وقد قيل على العكس، وقالت الشراح: وهو قول الشافعي، ولكل وجه، والأول أصح، ووجهه قوله تعالى: {أوْ مسكينا ذا مَتْرَبَة} (2) أي: لاصقة بالتراب من الجوع والعُري، ووجه الثانوي أن الفقير مًشتق من انكسار فقار الظهر، فيكون أسوأ حالا من المسكن، وقال الخطابي (3) : وقيل: إن الفقير مشبه بمن أصيب فقاره فالنصف ظهره، من قولهم: "فقرت الرجل" إذا أصبت فقاره، كما تقول:" بطنته" إذا أصبت بطنه، و "رأسته " إذا أصبت رأسه، إلى ما أشبه ذلك من نظائر هذا الباب.

فإن قيل: فائدة هذا الخلاف تظهر في ماذا؟ قلت: يظهر ذلك في الوصايا والأوقاف، وأما في الزكاة فلا يظهر الخلاف فيها عندنا، فافهم. ثم اعلم أنه- عليه السلام نفى المسكنة عن الذي ترده التمرة، أو التمرتان، الذي هو السائل الطواف لأنه بمسألته تأتيه الكفاية، وقد تأتيه زيادة عليها، فيسقط عنه اسم المسكنة، والحديث حجة قوية لما قال أبو حنيفة من أن المسكين من لاشيء له.

قوله: " وأكلة" الأكلة بضم الهمزة: اللقمة، والأكلتان: اللقمتان، والأكلة بفتح الهمزة هي الواحدة، والمرة من الأكل.

قوله:" ولا يفطنون به " أي: لا يعلمون بحاله، من فطن يفطن، من باب ضرب يضرب. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة.

(1) سورة الكهف: (79) .

(2)

سورة البلد: (16) .

(3)

معالم السنن (2/ 53) .

ص: 372

1752-

ص- نا مسدد، وعبيد الله بن عمر، وأبو كامل- المعنى- قالوا: نا عبد الواحد بن زياد، نا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله- عليه السلام مثلَه (1) : " ولكن المسكينَ المُتَعَففَ " زاد مسدد في حديثه: " ليس له ما يَستغنِي به، الذي لا يَسْألُ، ولا يُعْلَمُ بحاجَته فيُتَصَدَقُ عليه، فذاكَ المَحْرُومُ "، ولم يذكر مسدد:" المتعفف الذي لا يَسأَلُ "(2) .

ش- أبو كامل: فضيل الجحدري، ومعمر بن راشد، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن.

قوله: " بمثله" أي: مثل الحديث المذكور.

قوله: " فيتصدق"[......](3) .

/ قوله: "فذاك المحروم " المحروم: الذي حُرِمَ، أي: مُنِع من العطاء، يقال: حرمه الشيء، يحرمه حرماً مثل: سرقه سرقة بكسر الراء، وحرمة وحريمة وحريما، وأخرجه النسائي بمثله، وليس فيه:"فذاك المحروم ".

ص- قال أبو داود: روى هذا (4) محمد بن ثور، وعبد الرزاق، عن معمر، جعلا المحروم من كلام الزهري (5) .

ش- أي: روى هذا الحديث محمد بن ثور، وعبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، وجعلا لفظ:"فذاك المحروم " من كلام ابن شهاب الزهري، ولم يجعلاه من متن الحديث.

ومحمد بن ثور الصنعاني، روى عن: معمر، وابن جريج. روى

(1) في سنن أبي داود: " مثله. قال ".

(2)

النسائي: كتاب الزكاة، باب: تفسير المسكين (5/ 86) . (3) بياض في الأصل قدر نصف سطر.

(4)

في سنن أبي داود: "روى هذا الحديث محمد".

(5)

في سنن أبي داود:"وجعلا

الزهري وهو أصح".

ص: 373

عنه: فضيل بن عياش، ومحمد بن عبيد بن حِساب، ونعيم بن حماد، وجماعة آخرون. قال يحيى بن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .

1753-

ص- نا مسدد، نا عيسى بن يونس، نا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، أخبرني رجلانِ:" أَنهما أتَيا النبيَّ عليه السلام في حَجَّةِ الوَدَاع، وهو يَقْسمُ الصدقةَ، فَسَألاهُ منها، فَرَفَعَ فينا البصرَ وخفَضَهُ، فَرآنَا جَلدين، فقال: أنَ شئتُمَا أعطَيْتُكُمَا، وَلا حظ فيها لِغَنِيّ، ولا لِقَوِيّ مكتَسِبِ "(2) .

ش- عبيد الله بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي المدني، أدرك النبي- عليه السلام وكان من فقهاء قريش، وروى عن: عمر بن الخطاب- رضي الله عنه وسمع: عثمان ابن عفان، وعلي بن أبي طالب، والمقداد بن الأسود، وكعب الأحبار. روى عنه: عروة، وحميد بن عبد الرحمن، وعطاء بن يزيد، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .

قوله: " جلدين " بفتح الجيم، وسكون اللام تقنية "جَلْد"، وهو الرجل القوي من الجَلَد بفتح اللام، وهو القوة والصبر، تقول منه: جَلُدَ الرجل- بالضمة- فهو جَلْد وجَلِيد بَينُ الجَلَد، والجَلادة، والجُلُودة. وقال الخطابي (4) : هذا الحديث أصل في أن من لم يعلم له مال فأمره محمول على العدم، وفيه أنه لم يعتبر في منع الزكاة ظاهر القوة والجلد، دون أن يضم (5) إليه الكسب، فقد يكون من الناس من يرجع

(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5108/24) .

(2)

النسائي: كتاب الزكاة، باب: مسألة القوي المكتسب (5/ 100) .

(3)

انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 436) ، وأسد الغابة (3/ 526) ، والإصابة (3/ 74) .

(4)

معالم السنن (2/ 53) .

(5)

في الأصل: " ضم".

ص: 374

إلى قوة الكسب، وقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة بدنه، ويكون مع ذلك أخرق اليد، لا يعمل، فمن كان هذا سبيله لم يمنع الصدقة بدلالة الحديث، وقد استظهر- عليه السلام مع هذا في أمرهما بالأنداد، وقلدهما الأمانة فيما يظن من أمرهما ". والحديث أخرجه: النسائي.

1754-

ص- نا عباد بن موسى الختُلي الأبناوي (1)، نا إبراهيم- يعني: ابن سعد- أخبرني أبي، عن ريحان بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي عليه السلام قال:" لا تَحِل الصدقةُ لِغَنِي، ولا لِذِي مِرةٍ سَوِي ".

ش- قد مر غير مرة أن الخُتُّلِي- بضم الخاء المعجمة، وتشديد التاء المثناة من فوق المضمومة- نسبة إلى ختلان، وهي بلاد مجتمعة وراء بلخ، والأبناوي نسبة إلى الأبناء، ويقال لأولاد فارس: الأبناء، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف بن ذي يزن لما جاء يستنجده على الحبشة، فنصروه، وملكوا اليمن، وتديَّرُوها، وتزوجوا من العرب، فقيل لأولادهم: الأبناء، وغلب عليهم هذا الاسم لأن أمهاتهم من عصير جنس آبائهم، والأبناء في الأصل جمع ابن.

وريحان بن يزيد العامري، روى عن: عبد الله بن عمرو بن العاص. روى عنه: سعد بن إبراهيم. قال حجاج: نا شعبة، عن سعد بن إبراهيم سمع: ريحان- وكان أعرابي صدق- وقال أبو حاتم: هو شيخ مجهول. وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: ما حاله؟ قال: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي (3) .

قوله: "ولا لذي مرة سوي "" المرة"- بكسر الميم-: القوة والشدة،

(1) في سنن أبي داود: " الأنباري " خطأ.

(2)

الترمذي: كتاب الزكاة، باب: من لا تحل له الصدقة (652) .

(3)

انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1944) .

ص: 375

و" السوي": الصحيح الأعضاء، وبه تمسك الشافعي أن من يجد قوة يقدر بها على الكسب لا تحل له الصدقة، وبه قال إسحاق، وأبو عبيد، وقال أصحابنا: يجوز له ذلك ما لم يملك مائتي درهم فصاعدا لأن المراد من الغنى هو: الغنى الشرعي، وهو أن يملك نصاباً وما فوقه، وأجابوا عن قوله:" ولا لذي مرة سوي" أن المراد به: أن يسأل مع، قدرته على اكتساب القوت، وأما إذا/ أعطي من غير سؤال، فلا يحرم له أخذه لدخوله في الفقراء،

[.....](1) . والحديث أخرجه: الترمذي، عن سفيان، عن سعد به، وقال: حديث حسن، وقد رواه شعبة، عن سعد فلم يرفعه.

ص- قال أبو داود: رواه سفيان، عن سعد بن إبراهيمَ، كما قال إبراهيمُ، ورواه شعبةُ، عن سعدٍ، قال:" لِذِي مِرَّةٍ سوِي".

ش- أي: روى هذا الحديث سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم، كما قال إبراهيم بن سعد، وهو:" لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي".

" (2) وكذا رواه: النسائي، وابن ماجه، عن أبي حصين، عن سالم ابن أبي الجعد، عن أبي هريرة بنحوه، ورواه ابن حبان في "صحيحه " في النوع السابع والسبعين من القسم الثاني، قال صاحب " التنقيح": رواته ثقات إلا أن أحمد بن حنبل قال: سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة.

وطريق آخر أخرجه الحاكم في "المستدرك "(3) ، عن ابن عيينة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، فذكره، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وطريق آخر أخرجه البزار في "مسنده"، عن إسرائيل، عن منصور،

(1) طمس في الأصل قدر نصف سطر.

(2)

انظر: نصب الراية (2/ 399- 0 0 4) .

(3)

(407/1) .

ص: 376

عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي هريرة، وقال البزار: وهذا الحديث رواه ابن عيينة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، والصواب حديث إسرائيل، وقد تابع إسرائيل على روايته أبو حصين، فرواه عن سالم، عن أبي هريرة، ثم أخرجه كذلك، وهذا مخالف لكلام الحاكم.

وروى الترمذي (1) : "علي بن سعيد الكندي، نا عبد الرحيم بن سليمان، عن مجاهد، عن الشعبي، عن حُبشي (2) بن جنادة السلولي، قال: سمعت رسول الله- عليه السلام وهو واقف بعرفة في حجة الوداع، وقد أتاه أعرابي فسأله رداءه، فأعطاه إياه، قال:" إن المسألة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي "، وقال: غريب من هذا الوجه.

ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3) : حدثنا عبد الرحيم به، ومن طريقه الطبراني في " معجمه "(4) .

قوله: " ورواه شعبة، عن سعد " أي: روى الحديث المذكور شعبة،

عن سعد بن إبراهيم، قال:"لذي مرة قوي "، قي (5) وأخرج الطبراني (6) في "سننه "، عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله، قال:" جاءت رسول الله صدقة، فركبه الناس، فقال: إنها لا تصلح لغني، ولا لصحيح سعود، ولا لعامل قوي ". انتهى. والوازع بن نافع قال ابن حبان في كتاب، الضعفاء ": يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته، ويشبه أنه لم يتعمدها، بل وقع ذلك في روايته لكثرة وهمه، فبطل الاحتجاج به. انتهى كلامه.

(1) كتاب الزكاة، باب: ما جاء من لا تحل له الصدقة (653) .

(2)

تصحف في جامع الترمذي إلى "حبيشي ". (3)(56/3) .

(4)

إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.

(5)

انظر: نصب الراية (2/ 400) .

(6)

كذا، وفي نصب الراية:" وأخرج الدارقطني "، والحديث في سنن الدارقطني (2/ 119) ، ولم أجده في معاجم الطبراني الثلاثة، فالله أعلم.

ص: 377

ورواه أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في "تاريخ جرجان" من حديث محمد بن الفضيل (1) بن حاتم: حدثنا إسماعيل بن بهرام الكوفي، حدثني محمد بن جعفر، عن أبيه، عن جده، عن جابر مرفوعاً "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي ".

ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده": من حديث إسماعيل بن يعلى ابن أمية الثقفي، عن نافع، عن أسلم مولى عمر، عن طلحة بن عبيد الله، عن النبي- عليه السلام قال: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي،.

ورواه ابن عدي في "الكامل"(2)، وقال: لا أعلم أحداً رواه بهذا الإسناد غير أبي أمية بن يعلى، وضعفه عن: ابن معين، والنسائي، ولينه عن البخاري، ووثقه عن شعبة، ثم قال: وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم" (3) .

ص- قال: والأحاديثُ الأخَرُى، عن النبي- علبهِ السلام- بعضُها:"لذي مِرَّةٍ قَوِي"، وبعضُها:"لِذي مِرَّةٍ سَوِي"

ش- أي: قال أبو داود- رحمه الله، وقد ذكرنا اختلاف الطرق فيه. ص- قال عطاء بن زهير: أنه لقط محمد الله بن عَمرو، فقال:" أن الصدقة لا لمحل لقوي، ولا لذي مرة سوي ".

ش- أشار بهذا التعليق إلى أن هذا الحديث موقوف عند البعض، وعطاء بن زهير ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: عطاء بن زهير بن الأصبع العامري. روى عن: ابن عمر [و] . روى عنه: الأخضر بن عجلان، وهو الذي يقال له ابن الأصبع.

(1) كذا، وفي " تاريخ جرجان "(ص/ 367)، و"نصب الراية ":" الفضل".

(2)

(1/ 514، ترجمة إسماعيل بن يعلى بن أمية) .

(3)

إلى هنا انتهى النفل من نصب الراية.

ص: 378