الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23- باب: من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني
أي: هذا باب في بيان حكم من يجور له أخذ الصدقة، والحال أنه غني.
1755-
ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بني أسلم،/ عن عطاء بن يسار، أن رسولَ الله- عليه السلام قال:" لا تَحِل الصدقةُ لغَنِيّ إلا لخمسة: لغازي (1) في سَبيلِ الله، أو لعاملٍ عليها، أو لغارمٍ، أو لَرجلٍ اشتراهَا بماله، أول رَجلٍ (2) كان له جار مسكين فتصدقَ على المسكينِ فأهْداهَا المِسكنُ للَغًنِي "(3) .
ش- هذا مرسل، به استدل الشافعي أن الزكاة يجوز دفعها إلى الغازي
- وأن كان غنيا- وهو قول مالك، وأحمد، وإسحاق. وقال أبو حنيفة، وأصحابه: لا يجوز ذلك لإطلاق، لقوله- عليه السلام:" لا تحل الصدقة لغني "، والمراد من قوله:" لغازي في سبيل الله" هو الغازي الغني بقوة البدن، والقدرة على الكسب لا الغني بالنصاب الشرعي، بدليل حديث معاذ:"وردها في فقرائهم ".
قوله:" أو لعامل عليها" أي: على الزكاة، وقال أصحابنا: العامل يدفع إليه الإمام إن عمل بقدر عمله، فيعطيه ما يسعه وأعوانه لأن استحقاقه بطريق الكفاية، ولهذا يأخذ- وإن كان غنيا- ويستثنى منه العامل الهاشمي تنزيهاً لقرابة الرسول عن شبهة الوسخ.
وقال الخطابي (4) : وأما العامل فإنه يعطى منها عمالة على قدر عمله وأجرة مثله، فسواء كان غنيا أو فقيراً، فإنه يستحق العمالة إذا لم يفعله متطوعاً"
ونقل صاحب "الهداية" عن الشافعي أن الذي يعطى للعامل مقدر بالثمن.
(1) في سنن أبي داود: "لغازِ".
(2)
في سنن أبي داود: " لرجل".
(3)
تفرد به أبو داود.
…
(4)
معالم السنن (2/ 55) .
قوله:" أو لغارم " الغارم: من لزمه دين، ولا يملك نصابا فاضلاً عن دينه، كذا فسره صاحب "الهداية"، ثم قال: وقال الشافعي: من تحمل غرامة في إصلاح ذات البين، وإطفاء النائرة بين القبيلين.
وقال الخطابي (1) : وأما الغارم الغني فهو: الرجل يتحمل الحمالة ويدان في المعروف، وإصلاح ذات البين، وله مال إن يقع فيها افتقر فيُوَفَرُ عليه ماله، ويعطى من الصدقة ما يقضي به دينه، وأما الغارم الذي يدان لنفسه وهو معسر، فلا يدخل في هذا المعنى لأنه من جملة الفقراء. انتهى.
فإن قيل: ما فسره صاحب "الهداية " لا يطلق إلا على الفقير، وهو ليس له دخل في هذا الباب لأن الكلام في الغارم الغني، كما دل عليه عبارة الحديث، وكما بينه الخطابي. قلت: ليس الأمر كما ذكرتم لأن الغارم الذي فسره صاحب " الهداية " إنما هو فقير بالنظر إلى نفس الأمر، أعني عند مقابلة موجودة وما يملكه بسائر ديونه، وأما بالنظر إلى الظاهر فيطلق عليه أنه غني غارم في (2) يصح الاستثناء، ويكون المعنى: تحمل الصدقة للغارم الغني في الصورة، وإن كان فقيرا في نفس الأمر بالمعنى الذي ذكرناه- كما قلنا-: إن المراد بالغازي الغني: الغني بالقوة والقدرة على الكسب، فافهم.
قوله ": " أو لرجل اشتراها" أي: اشترى الصدقة بماله، والمعنى: إن المتصدق إذا تصدق بالشيء، ثم اشتراه من المدفوع إليه، فإن أبيع جائز، وقد كرهه كثر العلماء مع تجويزهم أبيع في ذلك. وقال مالك: إن اشتراه فالبيع مفسوخ، وقد مر الكلام فيه مرة مستوفى.
قوله: " أو رجل كان له جار مسكين " برفع " مسكين" على أنه صفة للجار، الذي ارتفع بأنه اسم كان، وإنما جاز في هذه الصورة لأن المهدي له الصدقة إذا ملكها، فقد خرجت أن تكون صدقة،
(1) نفسه.
(2)
أي: "فحينئذ."
فصارت ملكه، فيجوز التصرف في ملكه، وفيه حديث بريرة- رضي الله عنها.
1756-
ص- نا الحسن بن عليّ، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن زيد ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله عليه السلام بمعناه (1) .
ش- أشار بهذه الطريق إلى أن الحديث مسند، وكذا أخرجه ابن ماجه مسندا، وقال أبو عمر النمري: قد وصل هذا الحديث جماعة من رواة زيد بن أسلم.
ص- قال أبو داودَ: ورواه ابنُ عُيَينةَ، عن زيد- كما قال مالك- ورواه الثوريُّ، عن زيدٍ، قال: حدثني الثبتُ، عن النبيَ- عليه السلام.
ش- أي: روى الحديث سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، كما قال مالك بن أنس، وأشار به إلى الرواية المرسلة. قلت: ورواه، أي: روى الحديث سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم، وأشار به إلى الرواية المسندة.
قوله: " الثبت " بفتح الثاء المثلثة، وسكون الباء الموحدة، وفي آخره تاء مثناة من فوق، وهو: الحجة والبينة، والمراد/ به الرجل الثبت، يقال: رجل ثبت، أي: ثقة حجة في كلامه.
1757-
ص-[نا محمد بن عوف الطائي، نا الفريابي](2) ، نا سفيان، عن عمران البارقي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله- عليه السلام: " لا تَحِل الصدقَةُ لغَنِيّ إلا في سَبيلِ الله، أو ابن السبيلِ، أو جار
فَقِيرٍ يُتَصدَّقُ عليهِ، فيَهْدِي لكَ، أو يَدْعُوكَ " (3) .َ
ش- الفِريابي محمد بن يوسف بن واقد أبو عبد الله، وسفيان الثوري،
(1) ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: من تحل له الصدقة (1841) .
(2)
طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(3)
تفرد به أبو داود.
وعمران البارقي. روى عن: الحسن، وعطية. وروى عنه: الثوري. روى له: أبو داود، وعطية هذا هو: ابن سعد أبو الحسن العوفي الكوفي، لا يحتج بحديثه.
قوله: " إلا في سبيل الله " أي: إلا لغني في سبيل الله، وهو منقطع الغزاة عند أبي يوسف لأنه المتفاهم عند الإطلاق، وعند محمد منقطع الحاصل.
قوله: " أو ابن السبيل" وهو: من له مال في وطنه، وهو في مكان لا شيء له فيه، وإنما سُمي ابن السبيل لأنه لزم السفر، ومن لزم شيئا نسب إليه، كما يقال: ابن الغني، وابن الفقير.
ص- قال أبو داودَ: ورواه فِراس، وابنُ أبي لَيلَى، عن عَطيةَ (1) مثله. ش- أي: روى الحديث المذكور فراس بن يحيى الهمداني الكوفي المكتب، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، عن عطية بن سعد، مثل ما ذكر من الحديث.
1758-
ص- (2) نا حرص بن عمر النمري، نا شعبة، عن عبد الملك ابن عمير، عن زيد بن عقبة الفزاري، عن سمرة، عن النبي- عليه السلام قال:" المَسائِلُ كدوح يَكْدح بها الرجلُ وَجْهَهُ، فمَنْ شَاء أبقى على وَجْهِهِ، ومَن شَأ تَرَكَ، إلا أن يَسْألَ الرجلُ ذَا سُلطان، أو في أمر لا يَجدُ منه بُدا"(3) .
ش- عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي الكوفي، وزيد بن عقبة
(1) زاد في سنن أبى داود بعد قوله: " عن عطية": " عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم "ْ
(2)
جاء هذا الحديث واللذان بعده في سنن أبي داود تحت "باب ما تجوز فيه المسألة،، وجاء هذا الباب بعد الباب الآتي.
(3)
الترمذي: كتاب الزكاة (681)، النسائي: كتاب الزكاة، باب: مسألة الرجل ذا سلطان (5/ 100) .
الفزاري، ذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال: روى عن سمرة بن جندب. روى عنه: سعيد بن خالد، وعبد الملك بن عمير، وابنه: سعيد بن زيد.
قوله: " المسائل " مبتدأ، وخبره قوله:"كدوح" وهو جمع كدح، وهو كل أثر من خدش، وعض، وقد مر مرة عن قريب.
قوله: " إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان " أي: ذا يد، وقوة، وذلك مثل: الخلفاء، والملوك، ومن يلي من جهتهم.
وقال الخطابي (1) : هو أن يسأله حقه من بيت المال الذي في يده، وليس هذا على معنى استباحة الأموال التي تحويها أيدي بعض السلاطين من غصب أموال المسلمين.
قلت: عموم اللفظ يدل على أن الرجل إذا سأل سلطاناً ومَن في معناه يباح له ذلك، سواء كان حقه من بيت المال، أو من غيره، وذلك بعد أن يعرف أن غالب أمواله من وجه حل، وكذلك يجوز قبول هدية السلاطين، والأمراء إذا كان غالب أموالهم حلالاً وأما إذا عرف أن غالب أموالهم حرام، أو كلها، لا يجوز سؤاله منهم شيئاً ولا قبول هديتهم.
قوله: " أو في أمر" أي: أو أن يسأل الرجل أحداً في أمر لا يجد منه فراقه، وهو ضروري له، فحينئذ يباح له السؤال وإن كان غنيا، وصور هذا كثيرة، يستخرجها من له ذهن قوي مستقيم، أو فهم سليم، والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: حسن صحيح.
1759-
ص- نا مسدد، نا حماد بن زيد، عن هارون بن رِياب (2) ، حدَّثني كنانة بن نُعيم العدوي، عن قبيصة بن مخارق الهلالي، قال: "تَحَمَّلتُ حَمَالَةً، فأتيتُ النبيَّ- عليه السلام فقالَ: أَقمْ يا قَبيصةُ حتى تَأتِينَا الصدقةُ، فنأمُرَ لكَ بها، ثم قالَ: يا قَبِيصَةُ، إِنَّ المًسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلا
(1) معالم السنن (2/ 56) .
(2)
في سنن أبي داود: " رباب" خطأ.
لإحْدَى (1) ثلاثة: رَجُل تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَحَفَتْ له المَسألةُ، فَسَالَ حتى يُصَيبَهَا، ثم يُمْسًكُ، ورجل أصَابَتْهُ جائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَه، فَحَفَتْ له المَسألَةُ، فسَألَ حتى يُصِيبَ قِوَاما من عَيْشٍ، أو قال: سدادا مِن عَيْشٍ، ورَجلٌ أصَابَتْهُ فَاقَة، حتى يَقُولَ ثَلاثَةٌ من ذوي الحِجَى من قًوْمهِ: قد أصَابَتْ فلاناً الفَاقَةُ (2) ، فَحَلَّتْ له المَسْألَةُ، فسألَ حتى يُصيبَ قِوَاما مَن عَيْشٍ، أو سدَادا من عَيْش، ثم يُمْسكُ، وما سوَاهُن من المَسألة يا قبيصةُ سُحْتٌ يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتا " (3) .
ش- هارون بن رِياب- بكسر الراء، وبياء آخر الحروف، وبألف بعدها باء موحدة- التميمي الأسدي من بني كاهل من نمير، أبو الحسن البصري. روى عن: أنس/ بن مالك، [....](4) ، وشعبة، ومعمر، وابن عيينة، وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (5) . وكنانة بن نعيم أبو بكر العدوي البصري. روى عن: أبي بردة الأسلمي، وقبيصة بن المخارق الهلالي. روى عنه: هارون بن رياب، وعدي بن ثابت، وثابت البناني. قال أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (6) .
قوله: " تحملت حَمالة " الحمالة- بفتح الحاء وتخفيف الميم-: هي المال الذي يتحمله الإنسان، أي: يستدينه ويدفعه في إصلاح ذات البين كالإصلاح بين قبيلتين ونحو ذلك.
وقال الخطابي (7) : صاحب الحمالة وهي الكفالة، والجميل الكفيل
(1) في سنن أبي داود: "لأحد ".
(2)
في الأصل:" فلانٌ الفاقة " كذا، والتصويب من سنن أبي داود.
(3)
مسلم: كتاب الزكاة، باب: من لا تحل له المسألة (1044)، النسائي: كتاب الزكاة، باب: الصدقة لمن تحمل بحمالة (5/ 90)، وباب: فضل من لا يسأل الناس شيئا (5/ 96) .
(4)
طمس في الأصل قدر ثلث سطر.
(5)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6510) .
(6)
المصدر السابق (24/ 4999) .
(7)
معالم السنن (2/ 57) .
والضمين، وتفسير الحمالة: أن يقع بين القوم التشاجر في الدماء والأموال، وتحدث بسببها العداوة والشحناء، ويخاف منها الفتن العظيمة، فيتوسط الرجل منهم، ويسعى في إصلاح ذات البينِ، ويضمن ما لأصحاب الدم أو المال يترضاهم بذلك حتى تسكن النائرة، وتعود بينهم الألفة، فهذا رجل صنع معروفاً وابتغى بما أتاه صلاحا فليس من المعروف أن تُوَرك الغرامة عليه في ماله، ولكن يُعان على أداء ما تحمله منه ويعطى من الصدقة قدر ما تبرأ به ذمته، ويخرج من عهدة ما تضمنه. قوله:"جائحة " بالجيم أولا ثم بالحاء المهملة: وهي في غالب العرف ما ظهر أمره من الآفات، كالسيل يُغرق متاعه، والنار تحرقه، والبرد يُفسد زرعه وثماره، ونحو ذلك، فإذا أصاب الرجلَ شيء من ذلك وافتقر، حلت له المسألة، ووجب على الناس أن يعطوه الصدقة من غير بينة يطلبونه بها علي ثبوت فقره، واستحقاقه إياها.
قوله: " قواما " القِوام بكسر القاف: وهو ما يقوم بحاجته ويستغنى به،
و" السِّداد "َ- بكسر السين المهملة- ما يسد به خلته، والسداد- بالكسر- كل شيء سددت به حالاً ومنه سداد الصغر، وسداد القارورة، والسداد - بالفتح-: إصابة المقصد.
قوله: " أصابته فاقة" أي: فقر.
قوله: " حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى " الحجى- بكسر الحاء المهملة، وفتح الجيم- مقصور، وهو العقل.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : وإنما شرط الحجى تنبيها على أنه يشترط في الشاهد التيقظ، فلا تقبل من مغفل، وأما اشتراط الثلاثة فقال بعض أصحابنا: هو شرط في بينة الإعسار، فلا يقبل إلا من ثلاثة لظاهر هذا الحديث. وقالت الجمهور: يقبل من عدلين كسائر الشهادات غير الزنا، وحملوا الحديث على الاستحباب، وهذا محمول على من عُرف له مال
(1) شرح صحيح مسلم (7/ 133-134) .
فلا يقبل قوله في تلفه والإعسار إلا ببينة، وأما من لم يُعرف له مال فالقول قوله في عدم المال.
وقال الخطابي (1) : وليس هذا من باب الشهادة، لكن من باب التبين والتعرف، وذلك أنه لا مدخل لعدد الثلاثة في شيء من الشهادات، فإذا قال نفر من قومه أو جيرانه ومن ذوي الخبرة بشأنه أنه صادق فيما يدعيه،
أعطي الصدقة.
قلت: الصواب ما قاله الخطابي لأنه أراد أن يخرج بالزيادة عن حكم الشهادة إلى طريق انتشار الخبر واشتهاره، وأن المقصد بالثلاثة هنا الجماعة التي أقلها أقل الجمع، لا نفس العدد، فافهم.
قوله: " من قومه " إنما قال هذا لأنهم من أهل الخبرة بباطنه، والمال مما يخفى في العادة، فلا يعلمه إلا من كان خبيرا بصاحبه.
قوله: " سحت" مرفوع على أنه خبر لقوله: "وما سواهن ".
وقوله: " يا قبيصة " جملة نهائية معترضة. وفي رواية مسلم: "سحتا" بالنصب وناصبه محذوف تقديره: وما سواهن من المسألة أعتقده سحتاً أو يؤكل حال كونه سحتاً والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي.
ويستفاد منه فوائد كثيرة يستخرجها من له يد من العلوم، وذكر الخطابي (2) منها فائدتين إحداهما: جواز نقل الصدقة من بلد إلى أهل بلد آخر، فهم ذلك من قوله:"أقم حتى تأتينا صدقة".
والثانية: أن الحد الذي ينتهي إليه العطاء في الصدقة هو الكفاية التي يكون بها قوام العيش، وسداد الخلة، وذلك يعتبر في كل إنسان بقدر حاله ومعيشته، مشى فيه حد معلوم، ويحمل عليه الناس/ كلهم مع اختلاف أحوالهم.
1760-
ص- نا عبد الله بن مسلمة، نا عيسى بن يونس، [عن الأخضر
(1) معالم السنن (2/ 58) .
(2)
المصدر السابق.
ابن عجلان، عن أبي بكر الحنفي] (1)، عن أنس بن مالكٍ أن رَجُلاً من الأنصارِ أَتَى النبيَّ- عليه السلام يَسْألُهُ فقال له (2) :َ أمَا فِيِ بَيْتِكَ شيءٌ؟ قال: بَلَى، حلسٌ نَلبس بَعضَه ونَبْتَسطُ (3) بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ تشربُ فيه من الماء. قال: ائتَني بهما، فأتَاه (4) بهما، فأخَذهَما رسولُ اللهِ بِيَده وقال: من يَشْتري هذينَ؟ قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهم. قال: مَن يزيد على درهم مرتينِ أو ثلاثاً فقال (5) رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمينِ، فأعطاهُمَا إياهُ وأخَذَ الدرهمينِ فأعطاهُمَا (6) الأنصاريَّ، وقال: اشْتَرِي (7) بأحدهمَا طَعاما فانْبِذْهُ إلى أهلكَ، واشتري (7) بالآخر قَدوما فَأتِنِي بها (8) ، فأتاهَ بها (8)، فَشَد فيهِ رسوَلُ الله عُودا بيَده ثم قال (9) : اذهبْ فاحْتَطبْ وَبِعْ ولا أرَينَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوما، فَذهب اَلرجلُ يَحْتَطبُ ويبيعُ فجاء وقد أصابَ عَشْرَةَ درَاهمَ، فاشْتَرَى ببعضِهَا ثوبا وببعضِهَا طَعاما. فقال رسولُ الله: هذا خَيرٌ لكَ من أَن (5) تَجِيءَ المسألةُ نُكتةٌ في وَجهِكَ يومَ القيامة، إنه المسألةَ لا تصْلُحُ إلا لثلاثةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أو لِذِي غُرْم مُفْظِع، أو لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ " (11) .
ش- الأخضر بن عجلان الشيباني البصري أخو شريط. روى عن: أبي بكر الحنفي. روى عنه: معتمر بن سليمان، وهاشم بن القاسم،
(1) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2)
كلمة " له" غير موجودة في سنن أبي داود.
(3)
في سنن أبي داود: "ونبسط"، وذكر المصنف أنها نسخة.
(4)
في سنن أبي داود: "قال: فأتاه بهما".
(5)
في سنن أبي داود: " قال".
(6)
في سنن أبي داود: " وأعطاهما".
(7)
في سنن أبي داود: "اشترِ ".
(8)
في سنن أبي داود: " به".
(9)
في سنن أبي داود: " قال له".
(10)
كلمة "أن " غير موجودة في سنن أبي داود.
(11)
الترمذي: كتاب البيوع، باب: ما جاء في بيع من يزيد (1218)، النسائي: كتاب البيوع، باب: البث فيمن يزيد (7/ 262)، ابن ماجه: كتاب التجارات، باب: بيع المزايدة (2198)
وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. وعن يحيى بن معين: يكتب حديثه. وعنه لا بأس به. وعن النسائي: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وأبو بكر الحنفي اسمه: عبد الله، وهو أبو بكر الحنفي الكبير. روى له: الأربعة، وقد مرّ ذكره.
قوله: " حلس" الحلس- بكسر الحاء المهملة، وسكون اللام، وفي آخره سين مهَملة- كسَاء رقيق يكون تحت البردعة، وحكى أبو عبيد: حِلْسٌ وحَلَس مثل شِبْه وشَبَه، ومِثل ومَثَل. وأحلاس البيوت: ما يبسط تحت حر الثياب.
قوله: " ونبتسط " نفتعل بمعنى: نبسط، وفي بعض النسخ:" نبسط". قوله: "وقعبٌ " القعب: قدح من خشب مُقعر.
قوله: " مرتين أو ثلاثاً" أي: قال قوله ذلك مرتين أو ثلاثاً
قوله: " فانبذه إلى أهلك " أي: من قولهم: نبذت الشيء أنبذه نبذاً فهو منبوذ إذا رميته وأبعدته، والنبذ يكون بالفعل والقول في الأجسام والمعاني. والمعنى: ادفعه إلى أهلك.
قوله: " قدوما" القدوم- بفتح القاف وضم الدال المخففة-: آلة النجارة، ومنع ابن السكيت التشديد في الدال. وقال غيره: يقال بالتخفيف والتشديد.
قوله:" نكتة " النكتة: هي الأثر في الشيء. وقال الجوهري: النكتة: النقطة.
قوله: " مدقع " من أدقع من الدقع، وهو الفقر الشديد، وأصله من الدقعاء وهي التراب، ومعناه: الفقر الذي يفضي به إلى التراب لا يكون عنده ما يقيه من التراب. وقال ابن الأعرابي: الدقع: سوء احتمال الفقر.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/288) .